الأخبار والآثار
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه.
إخواني وأخواتي:
ذكرت ربما كلمة عن موقف الصحابة من سيدنا عثمان – رضيَ الله عنه وأرضاه – في الفتنة ذكرها الإمام الذهبي في تاريخ الإسلام، دار الكتب العربي، الدكتور عمر عبد السلام تدمري المُحقِّق، الطبعة الثانية، ألف وتسعمائة وسبع وتسعين، طبعاً الأرقام مُرتَّبة على السنوات، هذه سنة استشهاد سيدنا عثمان، السنة الخامسة والثلاثون، قال في هذا المُجلَّد في صفحة أربعمائة وسبع وأربعين: وعن أبي جعفر القاري قال كان المصريون الذين حصروا عثمان ستمائة – لم يكونوا ستة آلاف أو عشرة آلاف، أي كانوا قلة، وأقل منهم أهل البصرة والكوفة بكثير -: رأسهم كنانة بن بشر، وابن عُديس البلوي – مَن هو؟ عبد الرحمن بن عُديس البلوي الصحابي، من أصحاب الشجرة -، وعمرو بن الحمق – الصحابي الذي قتله بعد ذلك رجال مُعاوية وأخذوا رأسه وطرحوه في حجر مرأته، انظر إلى الإجرام والرعب، طرحوا رأسه في حجر زوجته، قالوا لها خُذي رأس زوجك، رعب وإرهاب، شيئ مُخيف، وهذا صحابي، هذا الشيخ في مصر يسبه، سب عمرو بن الحمق، لأن هذا من الثائرين على عثمان، لكن هذا صحابي، لماذا لا يسعه ما وسع مُعاوية الذي تسبَّب في قتل سبعين ألفاً وبالخديعة وبالإفك وبالكذب وبالتدجيل ومن ثم تقولون اجتهد فأخطأ؟ علماً بأن اجتهاده أقرب إلى الحق من اجتهاد مُعاوية بمراحل، لكن هذا الكلام يحتاج إلى تحقيق -، والذين قدموا من الكوفة مئتين – أي كانوا مئتين -، رأسهم الأشتر النخعي – علماً بأن الأشتر يُقال له صُحبة، مالك بن الحارث المعروف بالأشتر، كانو يقولون هذا الأشتر له صُحبة -، والذين قدموا من البصرة مائة – أي أن كلهم لم يُكمِلوا الألف، هؤلاء هم الثوّار، قلة قليلة، عددهم كعدد الذين في هذا المسجد -، رأسهم حكيم بن جبلة، وكانوا يداً واحدة في الشر – انظر إلى هذا، صحابة يُصَفون بالشر من قبل الراوي، صحابة ورضوانيون، قال الله لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ۩، قال شر -، وكانت حُثالة من الناس قد ضووا إليهم، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين خذلوه – خذلوا مَن؟ عثمان، الكلام عن عثمان فانتبه – كرهوا الفتنة وظنوا أن الأمر لا يبلغ قتله، فلما قُتِل ندموا – أي فتنة؟ انتبه إلى هذا، يُخلَط الحق بالباطل، نوع من التلبيس يا جماعة، أي فتنة؟ المفروض لو كانت فتنة على ما يُصوِّرها الراوي لاختلف الأمر، كلامه فيه حق وباطل وفيه نور وظلام، ليس فتنةً أن تدفع عن إمامك، أليس كذلك؟ إذا عثمان كان بنسبة مائة في المائة في نظر الصحابة من المُهاجِرين والأنصار في المدينة المُنوَّرة مظلوماً وكل هذه مُجرَّد حثالة وعجاجات وثائرة ليس لها أي معنى وظلم وتجن وافتئات على أمير المُؤمِنين المفروض أن تدفع عن إمامك وإلا أنت مُجرِم، تشركهم في الجريمة، أليس كذلك؟ الصحابة خذلوه لأنهم مُتعاطِفون مع الثورة، انتبهوا إلى هذا، ولذلك لم يُحرِّكوا ساكناً، حُصِر واختُلِف في المُدة، قيل عشرون يوماً وقيل أربعون يوماً وقيل ثمانون يوماً وهذا أكثر ما قرأت، وحُصِر مرتين وقُتِل في الثانية رضوان الله تعالى عليه، لماذا لم يدفع عنه الصحابة؟ سوف ترون أنهم ما دافعوا عنه، قيل لأنهم كرهوا الفتنة، أين الفتنة؟ الفتنة لو اشتركوا في المجزرة، لكن لو اشتركوا في الدفاع عنه وحمايته لاختلف الأمر، هل يقدرون؟ سوف نرى بقية الرواية، كلام مُتناقِض كما قلت لكم، الحق إذا زاحمه باطل يتناقضان، لا يجتمعان، انظر إلى التناقض، في سياق واحد – على ما ضيَّعوا في أمره، ولعمري لو قاموا – مَن؟ الصحابة في المدينة من المُهاجِرين والأنصار – أو قام بعضهم فحثا في وجوه أولئك التراب لانصرفوا خاسئين.
هذا يعني أنه كان يُمكِن ردهم بأهون سبب، صحابة بالألوف، إذا تحرَّك منهم خمسة أو ستة آلاف وحرَّكوا أيديهم سوف يفزع هؤلاء الثائرون وينتهي كل شيئ، قال لو قاموا أو قام بعضهم – في المدينة – فحثا في وجوه أولئك التراب لانصرفوا خاسئين، وهذا جميل، نص مُهِم هذا، وطبعاً هذا النص يسكت عن أن من كبار المُؤلِّبين على عثمان عائشة أم المُؤمِنين، وقد اعترفت بهذا، وهذا ثابت بالأسانيد الصحيحة، من كبار المُؤلِّبين وكان مُؤلِّباً جداً طلحة بن عُبيد الله، أليس كذلك؟ ومن كبار المُؤلِّبين عمرو بن العاص، وغيرهم وغيرهم وغيرهم، هذا يسكت عنه، هل فهمتم كيف؟ هذا النص مُهِم، موجود عند الذهبي في تاريخ الإسلام، حوادث سنة خمس وثلاثين، صفحتا أربعمائة وسبع وأربعين وأربعمائة وثماني وأربعين، هل هذا واضح؟ هذا مُهِم لكي نفهم الحقيقة، الآن سوف نرى تاريخ الخلفاء للسيوطي!
طبعاً كنت أقدر على أن آتي بابن عساكر لكن سنأتي بالسيوطي لنُكتة مُعيَّنة، على كل حال يقول وأخرج – ابن عساكر طبعاً لكن هو لم يذكره هنا وإنما ذكره في البداية – عن أبي الطفيل عامر بن واثلة – هذا صحابي جليل، وهو آخر الصحابة موتاً على الإطلاق كما قال العراقي وغيره في الألفية، قالوا وآخرهم موتاً – الصحابي أنه دخل على مُعاوية فقال له مُعاوية: ألست من قتلة عثمان؟ – هذا يعني أن عامراً كان من الناس الذين خذلوا عثمان، هو لم يقتله لكنه خذله، قال ما علاقتي؟ فليُقتَل، مثله مثل ألوف الصحابة، هل تعرفون مَن أكثر رجل دافع عن عثمان وكف عنه؟ أول مَن فعل هذا الإمام عليّ، سوف نرى بعد غد مُعاوية يتهمه بأنه قتل عثمان وأن دمه في جُمجته، قال لهم عليّ دمه في جُمجتي؟ قال لهم هل أنا قتلته؟ الذي سيَّر إليه قرب الماء ولك أن تتصوَّر هذا مع ولديه وخاطر بحياتهما الشريفة الإمام عليّ، بعث له الماء مع الحسن والحُسين عليهما السلام، لم يُبادِر أحد من الصحابة إلى إنقاذ سيدنا عثمان رضوان الله تعالى عليه بالماء وهو محصور، الإمام عليّ فعلها، وأوسعوا لهما كرامةً لهما، أهل بيت النبوة، الثوّار كان منهم أُناس مُحترَمون، نحن نعرف الحقيقة، فيهم صحابة والأشتر كان ما شاء الله عليه، قالوا لهما تفضَّلا، أتيا له بالماء، علماً بأن هكذا ظل أهل بيت النبي على مدى التاريخ، شيئ مُحزِن ومُؤسِف ومُشرِّف طبعاً، مُحزِن كيف يُجازون؟ كيف يُكافأون؟ أنا أسترسل لكن هناك فوائد، لأني مليء ألماً فتحمَّلوني، لابد للمصدور أن ينفث، فأنفث لكي أرتاح، وإن شاء الله سوف ترتاحون معي، ابن كثير في البداية والنهاية يذكر أيها الإخوة هروب بنو أُمية الذين كانوا ولاةً وفي رأسهم مروان بن الحكم من المدينة، لما هربوا الآن وقصدوا الشام جاء مروان بن الحكم إلى عبد الله بن عمر رضيَ الله تعالى عنهما، قال له يا أبا عبد الرحمن ثقلي، حريمي، زوجتي وأولادي، قال له ما بالهم؟ قال له تضعهم عندك، يُوجَد خوف عليهم الآن من القتل، قال لا، لا أفعل، ليس لي علاقة بك واذهب، فخرج من عنده، هل تعرفون قصد مَن؟ وهذا متى؟ هذا بعد موت أبو زين العابدين بقليل جداً، متى هذا؟ بسنتين فقط، زين العابدين عند قتل أبيه ربما كان بين الثانية عشرة والرابع عشرة يُقال أنبت، وبعدها بسنتين حدث هذا في ثلاث وستين، متى هذا كان؟ لما ثار عبد الله بن الغسيل وعبد الله بن المُطيع وأهل المدينة، يقول الذهبي قاموا لله، ثورة لله أهل المدينة في الحرة ضد يزيد ولي الأمر، وطبعاً لم يُغشوا بحديث وإن جلد ظهرك وأخذ مالك، هذا كلام فارغ، ثار أهل المدينة من عند آخرهم، يقول الذهبي قاموا لله، هذه ثورة لله، ثورة إلهية، وأنتم تعرفون أن السبب جيش يزيد ومُسرِف بن عُقبة لعنة الله عليهما، على مُسرِف وعلى يزيد لعنة الله إلى يوم الدين، كيف هتكا مدينة رسول الله واستباحاها ثلاثة أيام؟ طبعاً هرب مروان الآن، كان يخاف خوفاً شديداً، أهل المدينة ثاروا وسوف يُذبَح، غير قادر على أن يحمل ثقله وأولاده وزوجاته وما إلى ذلك فذهب إلى ابن عمر، قال له لا، لا افعل، هل تعرفون لجأ إلى مَن؟ شيئ لا يُصدَّق، إلى زين العابدين عليه السلام، يا الله، إلى زين العابدين؟ إلى عليّ بن الحُسين الذي قتلتموه قبل سنتين؟ إلى عليّ الذي قُتِل أخوه عليّ الأكبر وأولاد عمه وأخوه الثاني وأخوه الثالث؟ غير معقول، إلى عليّ الذي ظل أن لقيَ الله كلما وُضِع له طعام أو شراب يبكي؟ لم يأكل يوماً مثلنا، كلما وُضِع له طعام أو شراب يبكي، كان يبكي باستمرار، قال له ذات مرة خادمه يا إمام، يا سيدي أتبكي كلما قُرِّب إليك طعامك؟ قال له كيف لا أبكي؟ قال له يعقوب أبو يوسف بكى عليه أربعين سنة ويوسف حي لا يزل، وأنا شهدت مقتل أبي وإخوتي وأولاد عمي وأهل بيتي، قال له سبعة عشر في ساعة واحدة، قال له فلا أزال أبكي عليهم حتى ألقى ربي، لم ينسهم يوماً، يأتيه الملعون مروان بن الحكم اللعين ابن اللعين ويقول له يا إمام، قال له ما الأمر؟ قال له ثقلي، حريمي، زوجاتي وعيالي تضعهم مع أهلك فيكونون في حفظك، قال له نعم، أفعل إن شاء الله، يا الله، يا آل بيت محمد، يا آل بيت محمد، يقولون لماذا حبهم فرضهم؟ لماذا نحن نحبهم؟ لماذا نموت في حبهم؟ ولماذا نكره أعداءهم ونلعنهم؟ لابد أن نُحِبهم وأن نموت فعلاً في حبهم والله العظيم، لابد أن نذوب في حب أهل بيت النبي، ما العظمة هذه يا جماعة؟ ما العظمة هذه؟ ما الرجولة هذه؟ شيئ لا يكاد يُصدَّق، قال له نعم، أفعل إن شاء الله، أنت سر على بركة الله، اهرب وابحث عن جماعتك في الشام وأنا سوف أحفظ لك أهلك، ابن كثير يذكر هذا، يقول فأخذهم واحتملهم مع عياله حتى وصل بهم إلى ينبع، وضعهم في ينبع لأنه خاف أن يُكبَس بيته، الناس ثائرون الآن، هناك ثورة، والناس سوف يسمعون ويعرفون، أين زوجة مروان؟ أين أولاده؟ سوف نذبحهم كلهم مثلما ذبحونا وبالأمس ذبحوا أهل بيت النبي، علماً بأن جُزءاً من أسباب ثورة أهل المدينة الذي لا يذكره الكثير من مُؤرِّخينا الانتصار للحُسين، غضبوا جداً جداً يا أخي، كيف يُفعل بأهل بيت النبي ما فُعِل؟ ظلت حسرة، هذا جزء كبير في سبب ثورة المدينة أيضاً، وطبعاً كان سيُذبَح كل أُموي من هؤلاء الذين شاركوا أو باركوا، سوف يُقتَلون مُباشَرةً، ولا يزالون في سلك السُلطة عمّالاً لها، ويُلعَن عليّ على المنابر، انظر إلى زين العابدين، لو كان عنده ذرة من الخبث لما فعل هذا، هذا الذي يُذيبني يا أخي أمام أهل البيت، أُقسِم بالله على هذا، الإمام عليّ فمَن دونه شيئ لا يكاد يُصدَّق، والله العظيم يا جماعة أُناس ليس عندهم ذرة من خبث أو سواد، صفاء مُطلَق وطهارة وعفة ويقين وإيمان، شيئ عجيب، أنا كما قلت لك في الخُطبة ستبدأ تشعر بطعم الإيمان الحقيقي حين تأخذ بكلام رسول الله، أدِّبوا أولادكم على كذا وكذا وحُب أهل بيتي، حين تبدأ تدرس سيرة أهل البيت ومناقب أهل البيت وأفعال أهل البيت وكرامات أهل البيت تبدأ تشعر أنك اكتشفت الإسلام من جديد وبجمال ويقين وروعة، روعة أُقسِم بالله غير عادية، والآن أُقسِم بالله وأنا رجل كما قلت لك لي في العلم من غير تبجح قريب من أربعين سنة، هجيراي وديدني ومسلاتي في راحتي وتعبي وليلي ونهاري وسوادي وبيضاي العلم والكتاب، أقول لك عن خبرة أربعين سنة واُقسِم بالله على هذا أنك تكتشف الإسلام فعلاً من جديد وتشعر بروعة غريبة جداً جداً، شيئ غير عادي يا إخواني، يُوجَد سر، ولذلك: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ۩، وأنا أقول لكم وآل محمد مُصطفَون، نُصلي عليهم في كل صلاة، فاعرفوا آل محمد واعرفوا لهم قدرهم وتأدَّبوا بآدابهم، أمثلة وقُدى وأُسى لنا بعد رسول الله هؤلاء، انظر بعد ذلك إلى زين العابدين، أبوه خير منه وهو الحُسين، انظر إلى الحُسين وعظمته، أبوه خير منه، واليوم سوف أُسمِعكم حديثاً لطيفاً جداً جداً، عتاب جرى بين الحُسين عليه السلام قبل استشهاده وبين عبد الله بن عمرو بن العاص، سوف نُكمِل ماذا يقول مُعاوية لأبي الطُفيل – قال: لا، ولكني مِمَن حضره فلم ينصره – لأني كنت موجوداً لكنني لم أنصره، أنا خذلته -، قال: و ما منعك مِن نصره؟ قال: لم تنصره المُهاجِرون و الأنصار – كل الصحابة لم ينصروا عثمان، هذه حقائق مُغيَّبة عنا، يُريدون أن يُفهِمونا أن عثمان أموره ألف ألف، هل تعرفون من أجل ماذا؟ ليس من أجل عثمان، الشهادة لله عثمان نُحِبه والله العظيم، والله ما قرأت مصرعه مرة إلا بكيت دمعاً غزيراً، أُقسِم بالله على هذا، يفعلون هذا من أجل الذين أحدقوا بعثمان من ظلمة بني أُمية، وأنا لا أُبرّيء عثمان، عثمان يتحمَّل جُزءاً من الأخطاء الفادحة التي تسبَّب فيها، لكن إن شاء الله أنا مُوقِن أن الله يغفر له بسابقته يا حبيبي وصهره إلى رسول الله وأفعاله الطيبة، رجل عظيم سيدنا عثمان، لا كلام في هذا، لكنه غير معصوم وغير كامل ولا نسكت عن أخطائه، لا نقول لم يُخطيء وما إلى ذلك، هذا غلط، هذا الأسلوب لا أُحِبه، هذه طريقة خاطئة، فلنكن واضحين، وهذه الحقائق ماذا نفعل بها؟ نخبرها أو نحقرها؟ لا نقدر، حقائق موجودة، الصحابة خذلوه، هكذا كانوا المُهاجِرون والأنصار، لماذا؟ لأن وعيهم السياسي لم يُزيَّف بعد، كانوا يعلمون أن الدين جاء من أجل القسط المعدلة، يعلمون أن روح الدين هي الحرية والاستقلال والكرامة وليس الاستعباد، لا أحد يستعبد أحداً، السُلطة بالذات غير مسموح لها أن تستعبد البشر والجمهور والناس، ولذلك حين انحرف عثمان حدث ما حدث، وسوف يأتيكم حديث المسور بن مخرمة الآن بإسناده بعد قليل، وبعث سيدنا عثمان المسور وهو صحابي إلى مُعاوية يستمده، أي ابعث لي جيشاً لكي ينصرني، وقال له في المرة الثانية يا مُعاوية إن عثمان أحسن فأحسن الله به ثم بدَّل فبدَّل الله ما به، قال له هذا حدث مع عثمان بسبب ذنوبه وبسبب أخطائه، نحن نفهم وأنت تفهم، وسوف تأتيكم الراوية كاملة إن شاء الله بعد قليل لكي تفهموا الحقائق، لابد أن نفهم، قالوا لا، ثورة يهودية سبئية وعثمان ألف ألف، كله مُمتاز، وكل ما يُنسَج حوله باطل، ثم يأتون لك بأشياء عن الصلاة وغير الصلاة، هذا غير صحيح، القضايا لا تزال أخطر من هذا بكثير، في العمق كانت، وخاصة ما يتعلَّق بالعدل ودماء الناس وأموال الأمة، هذا السبب الرئيس، هذا جعلوه ضمن الأسباب الثانوية التافهة وقالوا السبب الرئيس ابن سبأ، قالوا ابن سبأ لعب بالصحابة المُغفَّلين الدراويش وحتى أسكتهم عن نُصرة عثمان، ما هذا الكلام الفارغ؟ ما هذه المسرحية؟ مثل مسرحية الحسن والحُسين التي أتت في المُسلسَل، مسرحية سيف بن عمر التميمي، ما هذه المسرحيات السخيفة؟ يُزيِّفون الوعي إلى اليوم -، فقال مُعاوية – انظر إلى هذا الدجّال -: أما لقد كان حقه واجباً عليهم أن ينصروه – سوف نرى مُعاوية بعد قليل في مبحث طويل، هل نصره مُعاوية؟ دعا عليه عثمان، قال له لا عز نصرك، قال له أنت الذي قتلتني، وأنت جُزء من سبب ثورة الناس علىّ، وهذا صحيح طبعاً، هذا ذكره عثمان، قال له أنت الآن تخذلني، لم تأتي لي بجيش، سوف ترون كيف كانت اللعبة، لعبة مُحكَمة وخطيرة جداً -، قال – أبو الطُفيل يقول هذا لمُعاوية -: فما منعك يا أمير المُؤمِنين من نصره ومعك أهل الشام؟ – جيش كامل معك، معك بلد كامل – فقال مُعاوية: أما طلبي بدمه نُصرة له؟ – نعم أنا تركته يموت، لقد قُتِل، هذا معروف لأنه لم ينصره، معنى كلامه أنه قال نعم أنا تركته حتى قُتِل لكن بعد ذلك طالبت بدمه، وتسبَّبت في سفك سبعين ألفاً من أجل دم عثمان، هذا معنى الكلام، ما شاء الله عليك، لكن انظروا إلى أبي الطُفيل، هذا صحابي ولم يكن رجل أهبل مثلنا، نحن هُبل من خرّيجي مدرسة مُعاوية، هذا خرّيج مدرسة محمد – فضحك أبو الطُفيل – فعلاً شيئ مُضحَك، علينا؟ – ثم قال: أنت و عثمان كما قال الشاعر:
لا ألفينك بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زوَّدتني زاداً.
قال له على مَن تقول هذا يا مُعاوية؟ اطلع من الجحور هذه، سكت مُعاوية، لم ينطق بكلمة، قال له:
لا ألفينك – لا أُريد أن أراك قال له – بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زوَّدتني زاداً.
حين كنت أحوج ما أكون إليك أن تمدني بجيش ينصرني على الثائرين لأن إخواني وأهلي وعشيرتي من المُهاجِرين والأنصار خذلوني خذلتني، أنت الذي أعطيتك الشامات كلها، يزيد بن أبي سُفيان – رحمه الله – يُقال كان فيه صدق، كان رجل جيد، وهو أخو مُعاوية لكن ليس من أمه، فقط أخوه من أبيه، فهو أخ له من أم أُخرى، لو كان من هند لأصبح مثل أخيه، المُهِم هذه آكلة الأكباد وهذه أمورة واضحة، هذه مواريث، وعلى كل حال يُقال فيه صلاح وخير فرحمة الله عليه، ليس عندنا مُشكِلة معه، هذا تُوفيَ وبقيَ لعمر في الخلافة خمس سنوات كما سيُسجِّل التاريخ، فعمر كانت وصيته أنه قال إذا مت أقترح أن يكون أخي مُعاوية خليفة، على دمشق، هذا هو الصحيح الذي حقَّقه المُحقِّقون ومنهم الذهبي، ليس على الشام فافهموا، يقولون عمر ولى مُعاوية – أي ثنتي عشرة سنة، وهذا كذب، ليست اثنتا عشرة سنة – على الشام – وهذا كذب، لم يكن على الشام وإنما على دمشق – طبعاً، فهم يُزيِّفون الحقائق، عمر وافق على تنصيب مُعاوية أميراً على دمشق في آخر خمس سنوات من حياة عمر فقط، وجاء سيدنا عثمان وللأسف – يا ليته ما فعله – جمع له الشامات كلها، ما معنى الشامات كلها؟ الأردن والغور ولبنان وفلسطين وسوريا، كل هذه صارت في يده، طبعاً أصبح كالديناصور الرجل الآن، شيئ فظيعت، فتغوَّل المال والجيش والأحلاف والقبائل والنصاري وكذا وكذا، أصبح شيئاً كبيراً، أصبح شيئاً مُخيفاً، أرأيتم؟ جمع لهم الشامات، هذه حقيقة لابد أن تبقى حاضرة لدينا إن شاء الله.
على كل حال نعود الآن ونرى كيف تنصَّل مُعاوية نفسه من حديث الفئة الباغية، أخرج عبد الرزّاق في مُصنَّفه ومن طريقه الإمام أحمد أيضاً – سوف نجد نفس هذا الحديث بنفس سند عبد الرزّاق، هذا يعني أن أحمد أخرجه من طريق عبد الرزّاق، فهو حديثٌ واحد – حدَّثنا معمر – معمر بن راشد طبعاً – عن طاوس عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال لما قُتِل عمّار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال قُتِل عمّار – هذه ليلة الهرير – وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقتله الفئة الباغية – انظر إلى هذا، كل الصحابة يعرفون هذا، الحديث مشهور مُتواتِر ومعروف -، فقام عمرو بن العاص فزعاً – ولذلك أنا قلت لكم عمرو يبقى فيه بصيص من خير ونور، مُعاوية أسوأ بكثير منه، عمرو لا يزال فيه شيئ من خير، ولذلك هو أسلم قبل فتح مكة، أرأيتم؟ هذا يدل على بقية خير فيه، أسلم قبل فتح مكة الرجل وكان فارساً، أي أنه كان يُلاقي الأقران لأنه فارس، مُعاوية لم تُعرَف عنه فروسية ولو لمرة، لم يُعرَف عنه أنه صرع أقران وبدَّع وما إلى ذلك، لم يُعرَف عنه هذا أبداً، ولكي يُعوِّضوا هذا العار وهذا الضعف ذهبوا وألَّفوا حديثاً موضوعاً فارغاً يقول أن مُعاوية صارع أحدهم مُصارَعة كالمُصارَعة الحرة وليس بالسيف، قالوا صارع أحد الناس أيام الرسول فصرعه مُعاوية فقال النبي ما صارع مُعاوية أحداً إلا صرعه، والله كذب، طبعاً العلماء قالوا كذب، والله كذب، قال مُعاوية ما صارع أحداً إلا صرعه، فلماذا لم يُرينا هذا؟ لماذا لم يُصارِع الإمام عليّاً؟ ما هذا الكلام الفارغ؟ شيئ مُضحِك على كال حال – يُرجِّع – أي يقول إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، هذه كارثة، هل مات فعلاً؟ – حتى دخل على مُعاوية فقال له مُعاوية ما شأنك؟ قال قُتِل عمّار – انظر الآن هذا، أنا أُسميه الطاغية، مهما يُسَب أو يُلعَن هو عندي طاغية، لأنه طاغية فعلاً، انظر إلى هذا الطاغية وانظر كيف يستخف بكل شيئ، هذا الداهية لا يخاف، لا يخاف من الله ولا يخاف الدار الآخرة، لا يهمه شيئ، هو لا يرجو الدار الآخرة -، فقال معاوية قد قُتِل عمّار فماذا؟ – أرأيت؟ يقول هذا بكل بساطة، عمرو خاف وفزع واسترجع، مُعاوية بكل بساطة وبكل هدوء أعصاب وبرود دم يقول له فماذا؟ ماذا يعني هذا؟ ما لك؟ الله أكبر على الرجل هذا يا أخي، الله أكبر عليه فعلاً، كم أُبغِضه في الله هذا الرجل! أُقسِم بالله على هذا – قال عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقتله الفئة الباغية، فقال له مُعاوية دحضت في بولك – زلقت في بولتك، ولك أن تتخيَّل هذا، قليل الأدب، هو صعلوك، كما قلنا في الحلقة السابقة هو صعلوك، أسلوبه وكلامه كلام صعاليك، مع الكبار يتكلَّم بهذه الطريقة دون أي مُشكِلة، قال له دحضت في بوله، كإنسان بال ثم زلق في بوله فوقع، مسبة هذه – أونحن قتلناه؟ إنما قتله عليّ وأصحابه، جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا أو قال بين سيوفنا.
الله أكبر يا أخي، يا ما شاء الله، أنا أقول لكم هذا الرجل لو كان عنده ذرة من الخوف من الله – تبارك وتعالى – أو رجاء للدار الآخرة على الأقل لبدر منه ما يبدر من عمرو، لامتُقِع لونه ولقال إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، اللهم غفراً، لا حول ولا قوة إلا بالله، قد قُتِل؟ نعم قُتِل، إِنَّا لِلّهِ ۩، على الأقل كان يُفترَض أن يحدث هذا، لكن هذا لم يحدث أبداً، بكل برود قال له قد قُتِل عمّار فماذا؟ وهو كان يروي الحديث ويعرفه، والآن هو يعرفه أيضاً، ابن تيمية أعانه الله، أعان الله كل أحد مهما كان ذكياً وحافظاً وإماماً حين يتصدى وينتدب نفسه للدفاع عن باطل، هذا لا ينفع كما قلت لكم، قلت لكم العبقرية تستحيل حماقة في حالتين، حين تُقلِّد وحين تنتدب نفسها للدفاع عن باطل، تُصبِح حماقة، ابن تيمية ذهب وجاء وأخذ وحاول لكن المسكين لم يقدر، لا يهون عليه هذا، لابد أن نُدافِع عنه بأي طريقة، لكن هذا لا ينفع، الأمور واضحة يا ابن تيمية، الأمور واضحة تماماً، هنا أتى لكي يُحاوِل الدفاع عن قضية الخلافة ثلاثون، طبعاً من الحُجج ضد مُعاوية أن النبي صح عنه أنه قال خلافة النبوة أو قال في حديث آخر ورواية أُخرى الخلافة بعدي ثلاثون – أي سنة – ثم تكون مُلكاً عاضاً، وفي حديث ثم يُؤتي الله المُلك مَن يشاء أو ثم يأتي الله مُلكه مَن يشاء، واضح جداً هذا، فلابد أن يفهم مُعاوية أنه الآن يتصدى لدفن مشروع الخلافة النبوي وتأسيس مُلك عاض، مُلك ضد الخلافة، الخلافة شيئ والمُلك شيئ، فهذه حُجة ضد مُعاوية، وابن تيمية سوف يُدافِع، قال من المُؤكَّد أنه لم يعرف الحديث، يُريد أن يُدافِع عنه، فماذا قال ابن تيمية؟ وأما قوله – ابن المُطهَّر – الخلافة ثلاثون سنة ونحو ذلك فهذه الأحاديث لم تكن مشهورة شهرةً يعلمها مثل أولئك – يقول مثل أولئك، مُعاوية أصبح الآن عنده علم قليل وأصبح رجلاً بسيطاً غير مُتعمِّق في العلم والدين وهذا صحيح، حقيقةً هذا صحيح، مُعاوية متى أسلم يا حبيبي؟ عام الفتح، وهذا يعني أنه لم يجلس الرجل مع الرسول إلا زُهاء سنتين فقط، أليس كذلك؟ ولم يكن مِمَن يُلازِم النبي ولا مِمَن يحرص على مجلس النبي ولا علم النبي بدليل ما صح وقد عقدنا حوله حلقات واسعة مُسهَبة، النبي بعث له مرةً ومرةً، قيل وثلاثة، تعال اكتب لي، تعال عندي حاجة، يقول آكل، يتعلَّل بطعامه وكرشه، يقول أنا آكل، أنا غير مُتفرِّغ لك، حريص جداً على العلم ومُتشرِّف بمجلس النبي الذي رد أحاديث كثيرة للنبي، رد أحاديث كثيرة، فطبعاً هنا ابن تيمية أصاب وتناقض مع مواقع أُخرى، قال مُجتهِد ولا شك أنه من فقهاء الصحابة، مُجتهِد وفقيه، والآن يقول مثل أولئك، هذا حرام فلا تظلم مُعاوية، لم يكن مُتفرِّغاً، لم يكن عنده الكثير من العلم، لم تكن عنده إحاطة، لم يكن عنده حفظ جيد، فمن المُؤكَّد أن هذا الحديث خفيَ عليكم، أرأيت التناقضات؟ لا ينبغي أن يفوت عليك هذا، دقِّق في كل ما تقرأ – إنما هي من نقل الخاصة – هو ليس منهم، نعم هو ليس منهم، هذا صحيح – لا سيما وليست من أحاديث الصحيحين وغيرهما – والعجيب أن ابن تيمية وهو شيخ الإسلام لا يخفاه أن هذا ليس شرطاً، بالله عليك ما كلمة الصحيحين هذه؟ شيئ يُجنِّن هذا، هل أيام مُعاوية كان يُوجَد شيئ يُسمى بالصحيحين وغير الصحيحين؟ مُعاوية مات سنة ستين والبخاري مائتين وست وخمسين والإمام مُسلِم في العقد السابع، هذا غير معقول، كيف تقول من أحاديث الصحيحين وغير الصحيحين؟ ثم أنك يا ابن تيمية عندك رسالة مُمتازة وقاعدة لا تزال مخطوطة في المكتبة الظاهرية قمت بها بنفسك، من أين تعرفنا عليها؟ من الشيخ الألباني رحمة الله عليه في السلسلة الصحيحة، قال وأنا قرأت بخط شيخ الإسلام قاعدة له حول حديث الخلافة ثلاثون وصححه، عمل جُزءاً كاملاً في تصحيح الحديث، ومِمَن صححه أحصى الألباني تسعة منهم ابن تيمية والحافظ والذهبي والحاكم وابن حبان وهو صححه، أي الشيخ الألباني، الآن يقول لك ماذا؟ ليس من الأحاديث التي في الصحيحين، وهذا لا يضر، ليس له علاقة، هو صحيح، صحيح سواء في الصحيحين أو في غير الصحيحين، الصحيحان لم يستوعبا الصحيح، صحيح؟ الصحيحان لم يستوعبا الصحيح، وكأين من حديث في غير الصحيحين هو أصح من بعض ما في الصحيحين وهو في غير الصحيحين، هذا ليس له علاقة بذاك، هذا كلام غريب جداً -، وإذا كان عبد الملك بن مروان خفيَ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض ولجعلت لها ما بين ونحو ذلك حتى هدم ما فعله ابن الزبير ثم لما بلغه ذلك قال وددت أني وليته من ذلك ما تولاه مع أن حديث عائشة رضي الله عنها ثابت صحيح متفق على صحته عند أهل العلم فلأن يخفى – هذا غريب، الكلام كله مُتناقِض، قال وإذا كان عبد الملك وكأن عبد الملك أصبح أفضل من مُعاوية وأعلم منه، أرأيتم؟ هذه هي المُشكِلة، الآن يقول إذا كان عبد الملك خفيَ عليه فما المُشكِلة أن يخفى على مُعاوية؟ أصبح إذن مُعاوية أقل من عبد الملك، يا سلام على التناقض الجميل، ما هذا التناقض؟ كيف يا أخي؟ كيف يقع الإنسان في هذه الأشياء؟ هذا ابن تيمية، طبعاً الآن جُنَّ جنونهم مني لأنني انتقد ابن تيمية، هو ليس نبياً، أنا أحترمه وأقول رحمة الله عليه وأدعو بأن يعفو الله عنه ويُسامِحه ويغفر له ويرضى عنه أيضاً لكن هو ليس نبياً يا بابا، وهو مُتناقِض كثيراً، يتناقض كثيراً في مسائل كثيرة ابن تيمية بشكل واضح وصارخ، ويُفتي بالشيئ وضده فانتبه، ويقول أشياء أحياناً ويُكذِّب أحاديث مُتواتِرة مثل حديث مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال مَن واله وعاد مَن عاداه، قال أوله ضعيف والجُزء الثاني مكذوب، أنا أقول لك مُتواتِر كما قال العلماء كالطبري وأبي العباس بن عقدة والحفّاظ الكبار، ورد عليه الشيخ الألباني مُتعجِّباً منه، كيف تطعن في حديث مُتواتِر؟ فابن تيمية ليس نبياً، انتبهوا إلى هذا، وهو ليس ملكاً يتكلَّم باسم العلم، شيخ عظيم وحافظ كبير يتناقض ويغلط ويُخطيء، وحين يتناقض سوف نقول نقول له أخطأت وتناقضت، عفواً Sorry، لا يُمكِن أن نُجيز هذا الكلام، لابد أن نرده، تعلَّموا هذا الكلام، لكن هؤلاء يُريدون أن نُصبِح عبيداً للسُلطان وعبيداً للمشائخ ويُريدون أن نُردِّد كل شيئ ترديداً كالببغاوات ونُلغي عقولنا، هذه العقلية أضرت بالأمة، أنا أقول لكم هذه العقلية استبقت الطُغيان على جميع مُستوياته، الاجتماعي والسياسي والثقافي، نحن لا نُريدها، انتبهوا إلى هذا – على مُعاوية وأصحابه قوله الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير مُلكاً بطريق الأولى – كيف الأولى؟ لا أقدر على فهم لماذا الأولى، هل عبد الملك أحسن وأفضل وأعلم من مُعاوية؟ مُمكِن، لكن هو لا يلتزم هذا ولا يقوله، الآن أصبح يقوله، هذا غير معقول – مع أن هذا في أول خلافة عليّ رضي الله عنه لا يدل على عليّ عينا وإنما عُلِمت دلالته على ذلك لما مات رضي الله عنه مع أنه ليس نصا في إثبات خليفة مُعيَّن.
لن يفيد ابن تيمية هذا، هل تعرفون لماذا؟ لأن مُعاوية يعرف فيما بينه وبين نفسه أنه لا يطلب خلافة نبوية ويطلب مُلكاً ويتوسَّل الوسائل الخسيسة والإجرامية الميكافيلية لتأسيس المُلك وبدليل أنه لما صار ملكاً تصرَّف كملك، عاش ومات كملك، وورَّث المملكة لابنه الخليع المُتهتِك يزيد وبالسيف وبالذهب، فمُعاوية يفهم من نفسه ما لا يدّعيه ابن تيمية فيه من غير غفلة وبساطة وطيبة وبراءة، براءة أطفال، ما هذا الكلام؟ عيب أيضاً أن نقول هذا الكلام، فأنا علَّقت على الهامش وقلت سلَّمنا، لكن هل خفيَ عليه حديث عمّار تقتله الفئة الباغية وهو أحد رواته؟ تفضَّل، قلت لي خفيَ عليه هذا وفي أول خلافة عليّ وعليّ لم يمت إلى الآن لكي نعرف الخلافة ونحسبها ثلاثين بموت عليّ وستة أشهر للحسن، نحن سلَّمنا بكل هذا يا ابن تيمية، سلَّمنا وأنت تُعرِّف من مُعاوية ما لا يعرفه من نفسه ولم يعرفه التاريخ منه، تخلق مُعاوية أُسطوري ونحن سلَّمنا، فهل خفيَ على مُعاوية وهو أحد رواة تقتله الفئة الباغية حديث الفئة الباغية؟ هذا هو السؤال الذي أُريده، أُريد أن أفهم، ثم أن هناك قارعة، هناك قارعة كبيرة جداً جداً، لو استظهروا بالثقلين على أن ينفذوا منها ما نفذوا، قُتِلَ عمّار فماذا فعل مُعاوية بعدها؟ أليس كذلك؟ أضعف الإيمان لو عند الرجل ذرة صدق أن يقول إذن نحن الفئة الباغية، وواضح أن النبي حين قال أبشر عمّار تقتلك الفئة الباغية وويح ابن سُمية تقتله الفئة الباغية يدعوهم ويدعونه أنه ما ذكرنا كُبغاة في معرض المدح ولا الثناء، لكن في معرض الذم، أليس كذلك؟ وهناك شيئ أكثر من هذا سوف نقوله، هذا يعني أنني أصبحت مصداقاً لهذا الحديث، أنا صدَّقت هذا الحديث عملياً، أضعف الإيمان أن أتوب إلى الله وأنزع عن مَن فيه، أقيلوني أقيلوني ثم آتي وأُقبِّل رأس عليّ ورجليه من الأسفل، أُقبِّل – والله – يديه وأسفك الدموع، أقول له يا أبا الحسن اعف عني عفا الله عنك واستغفر لي الله، ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، أنا الباغي، أنا رأس الأمة الباغية، أنا رأس الفئة الباغية، أنا رأس الدُعاة إلى النار بنص نبيي إذا كان يُؤمِن به نبياً، هل فعل مُعاوية هذا؟ سوف ترون ماذا فعل، سوف تقول لي كم هي واضحة الأمور! أنا أُقسِم بالذي أنزل الفرقان وزبر القرآن الأمور أوضح من الواضح، أليس كذلك؟ أنا نفسي غير قادر على أن أفهم كيف لا يقدررالعلماء على فهم هذا الكلام وهو لا يحتاج إلى فهم، مُنفهِمٌ – إن جاز هذا الاشتقاق، هذا اشتقاق فرنسي، الفرنسيون يُعبِّرون عن هذه الأشياء بهذه الطريقة – بذاته، هذا الكلام لن أقول لك عنه أنه مفهوم وإنما سأقول أنه مُنفهِم، لكن الهوى، الهوى يا جماعة يُوجِب العمى، الهوى يُوجِب العمى والعمى يُوجِب الردع، سوف تجد أنك تدهورت في خمسين مُصيبة دون أن تدري بسبب الهوى، هذا الكلام وحده يكفي، هذه الكلمات وحدها تكفي، هذه الكلمات تجعل كل أحد يتراجع، فعلاً الكلام المنطقي، لكن لا فائدة، يركبون رؤوسهم، اركبوا رؤوسكم، الحمد لله – والله العظيم – أنا لا آكل بهذه الحلقات، لا آكل بها لا خُبزاً ولا رزقاً والله العظيم، الحمد لله أنا بهذه الحلقات لا يدفعني أحد ولا يطلب مني أحد والله العظيم، أُقسِم بالله أفعلها لوجه الله وحدي هكذا، أنتم اسألوا نواياكم واسألوا أنفسكم لم تردون الحق ومن أجل ماذا وعينكم على ماذا؟ مرة على السُلطان ومرة على المُؤسَّسة ومرة على جماعتكم ومرة على نفوسكم، لابد أن نُحاوِل أن نكسر رأس عدنان إبراهيم هذا ونُثبِت للناس أنه جاهل وليس عالماً وغير فاهم ويقول كلاماً غالطاً، لكن لا مُشكِلة، هذا لا يهمني، لا يهمني سواء صُدِّقت أو كُذِّبت أو اتبعني الناس أو لم يتبعوني، أنا لا أُريد أن يتبعني أحد أصلاً، أنا يهمني أن أُفرِغ ما عندي وأن أُبريء ذمتي حتى إذا لقيت ربي أقول له يا رب أنت أعلم بما نفسي وانتهى الأمر، حُجتي بيني وبين ربي، أنتم كلٌ منكم حجيج نفسه غداً بين يدي الله وبين يدي أهل البيت وأصحاب رسول الله وبين يدي المُصطفى الشفيع صاحب المقام المحمود، والله سوف ترون، وأنا أفهم الأمور والأمور واضحة جداً جداً جداً، سوف يقول لكم من أجل ماذا؟ ماذا كنتم تنتظرون يا أمتي مني لكي أُبيّن لكم وأنا أفصح مَن نطق لغتكم؟ بيَّنت لكم وقلت لكم كلاماً فصلاً جداً لا هزلاً، قلت كلاماً واضحاً، لم رددتموه؟ لم تهوَّكتم فيه وقد ألزمكم فلان وفلان وفلان – أعاذني الله منهم – بخمسين إلزاماً عدة مرات؟ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ ۩، حسبنا الله ونعم الوكيل، الأمور واضحة يا أخي، هل تعرف لماذا؟ نوع من كسل أيضاً يا جماعة، العالم والمُفكِّر والإنسان العادي الكسول لا يستطيع أن يُغيِّر حجرة واحدة في بنائه الفكري، هل تعرف لماذا؟ هذا البناء الفكري مثل الجهاز السحري، إذا غيَّرت حجرة واحدة لابد أن يتغيَّر تقريباً مُجمَل الشكل، سوف تُعاود ترتيب أشياء كثيرة، أنا أقول لك كيف، أنت الآن إذا آمنت بكلامي هذا أو صدَّقته جُزئياً – أن مُعاوية كان طاغية وكان باغياً وكان أئمة الضلالة وكان خدّاعاً كبيراً وأفاكاً وغدّاراً كما قال أبو إسحاق السبيعي ومُتهتِّكاً كما قال شريك بن عبد الله القاضي وإلى آخره، أنت آمنت بهذا – سوف يُوجِب عليك أن تُراجِع أشياء كثيرة جداً جداً جداً في الحديث وفي العقيدة وفي الفقه وفي النقل وفي العقل وفي التاريخ وفي الأدبيات وفي أشياء كثيرة، أمور كبيرة، وسوف تُضطَر أن تُراجِع نظرية عدالة الصحابة والصحابة ومعصومية الصحابة بالمعنى الحقيقي بصراحة والموضوع الحقيقي، وهذا مُرهِق جداً ومُتعِب، وسوف يسد عليك أبواباً كثيرة جداً، سوف تقول هذا صعب، لن أقدر على الصعود على المنبر كما كنت أفعل سابقاً وأتكلَّم بسهولة، هذا سوف يُحرِجني في أشياء كثيرة جداً جداً، إذا هذا إمام الفئة الباغية فالفئة الباغية لها رؤوس أُخرى غير مُعاوية مثل فلان وعلان، والناس يُدافِعون عنه، ثم أن سيدنا الإمام أحمد دافع عنه وقال الذي يتكلَّم في مُعاوية كذا وكذا ولا يُؤاكَل ولا يُشارَب ولا كذا وكذا ويُطعَن فيه، وهذا طعن فيه وابن تيمية والعلماء كلهم، ماذا سنفعل؟ ورطة كبيرة، أليس كذلك؟ ما علاقتي بهذا؟ لا أُريد، مُعاوية رضيَ الله عنه وأرضاه وقدَّس الله سره الكريم وحشرنا الله…. البعيد البعيد البعيد، لن أقول حشرنا الله بصراحة، سأقول وحشرهم الله معه، سوف يرتاح إذن، فلترتاح يا كسول، نحن لسنا كُسلاء إن شاء الله، نحن عندنا جراءة وعندنا شجاعة، وأنا أقول لك أنني دائماً ما أقول لنفسي لو اكتشفت في آخر ساعة من عمري أنني كنت مُخطئاً سأتراجع، الله أعلم كم سيكون عمري، ولعلي أكون ألَّفت كتباً، لعلي ألَّفت خمسين أو ستين أو مائة دون أي مُشكِلة، يقولون أنت لست عندك مُؤلَّفات، أنا كنت أُؤلِّف الكتاب في ليلة بفضل الله، أنا ألَّفت بضعة كتب والله في ليلة، في ليلة واحدها، وبعضها في ثلاث ليال وبعضها في تسع ليال، كما أتكلَّم هكذا أُؤلِّف دون أي أي مُشكِلة، ليس عندي أي مُشكِلة، لكنني توقَّفت ازدراءً بنفسي وبما عندي، وأسأل الله لي ولكم الزيادة والفضل، لعلي بعد عشرين أو ثلاثين سنة أكون ألَّفت خمسين أو ستين أو سبعين كتاباً وأُحقِّق أشياء، في آخر ساعة لو تبيَّن لي أنني كنت مُخطئاً في مذهبي أو في مُعتقَدي الأشعري وما إلى ذلك سوف أُعلِن هذا على الملأ، سوف أقول انتبهوا، اكتشتف أنني كنت مُخطئاً، ليس هذا السبيل الأمثل للحق، السبيل الأمثل للحق كذا وكذا، سوف يُقال لي الآن؟ الآن، هل ستبدأ من جديد؟ سأبدأ طفلاً صغيراً في مذهب وطريقة لا أفهم فيها شيئاً، سأبدأ مُتعلِّماً عند علماء دون أي مُشكِلة وألقى الله مُتعلِّماً، هذا طلب الحق يا جماعة، لا أقول لنفسي لا، أين أنت؟ أنت أصبحت الشيخ العلّامة الفهّامة وما إلى ذلك، لقد اتبعوا طريقتك وطبعوا كتبك، كيف تقول للناس الآن سأترك كل هذا وأبدأ من جديد؟ سوف أبدأ من جديد دون أي مُشكِلة في أي باب من الأبواب أو في أي علم أو حتى في المذهب كله، ليس عندي أي مُشكِلة، لابد أن يكون عندنا هذا الاستعداد يا جماعة، لماذا؟ هل تعرفون لماذا؟ لأن في النهاية أنا لا أُريد الحق ولا أُريد العلم ولا أريد كل هذه الأشياء للناس أو للدنيا، لعن الله الدنيا، ما هذه الدنيا؟ كلام الفارغ، أُريد هذا لكي أفك رقبتي يوم القيامة، لكي أسعد، ويُمكِن أن أسعد بساعة واحدة في عمري، أقول لهم يا جماعة اكتشفت أنني كنت على غلط، هذا كله غلط وسوف أبدأ من جديد، ثم أموت بعد ساعة، لم أكن أعرف أنني سأموت، سوف يقول لي الله هذا سوف يُدخِلك الجنة، ويُمكِن أن يحدث العكس، إذا لم أفعل ومت سوف يقول لي الله أنت كنت كذّاباً دجّالاً، أنت كنت تعبد نفسك ولا تعبدني، كيف يا رب وأنا عبدتك وكذا وكذا؟ سوف يقول لا، أنت كذّاب، حين عرفت الحق قلت لنفسك كيف أعود وقد ألَّفت سبعين مُجلَّداً؟ كيف أعود وقد أصبحت من مشائخ الإسلام الكبار في هذا العصر؟ لقد ظهرت في التلفزيون Television وعندي حلقات وعندي مُسلسَلات وعندي تلاميذ وعندي مدارس وعندي كذا وكذا، كيف أعود وأُصبِح مُتعلِّماً وما إلى ذلك؟ فأنت عبدت نفسي، وهذا صحيح فعلاً، تماماً ستُفحَم أمام رب العالمين، أليس كذلك؟ أنت ما عبدتني، أنت كذّاب، لقد أخذت المشيخة والعلم والكتب لكي تعبد نفسك، لكي تقول أنت، لكي تقول أنك الشيخ وأنت عند نفسك رب وإله تعبد نفسك، شيئ خطير هذا!
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، نتوسَّل إليك بقدسك وبجلالك أن تعمر قلوبنا بمعرفتك وخشيتك وأن تُعطينا الجرأة والجسارة والشجاعة والصدق أن نبحث عن الحق وأن نصدع به بعد أن تمنحنا التوفيق أن نلقاه ونجده يا رب العالمين، اللهم آمين.
(ملحوظة) سأل الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحد الحضور هل انتهى وقت الحلقة؟ ثم قال بسرعة هكذا؟ فالسلام عليكم ورحمة الله.
(تابعونا في الحلقات القادمة)
أضف تعليق