الأخبار والآثار
بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه، إن شاء الله وقفنا عند ما أورده العلّامة سراج الدين بن المُلقِّن في كتابه التوضيح لشرح الجامع الصحيح، وبالمُناسَبة أنا وجدت بنفسي أن الإمام ابن المُلقِّن أخذ هذا الكلام عن ابن بطّال، أيضاً هو أحد شرّاح صحيح البخارى، مُتوفى سنة تسع وأربعين وأربعمائة رحمة الله عليه، له شرحٌ ليس كبيراً جداً وليس وجيزاً مطبوع – بفضل الله – وهو عندي، هو الذي ذكر هذا، وبالمُناسَبة وجدت ابن بطّال لم يُنشئه من لدن نفسه بل أخذه عن المُهلَّب بن أبي صفرة في شرحه على البخاري، فهذا القول في نهاية المطاف لمَن؟ أول مَن قاله المُهلَّب، وهو قول ضعيفٌ جداً ومُتناقِض مُتكاذِب، أن يُقال هذا لا يصح في الصحابة ولا في واحد من الصحابة وإنما يصح في الخوارج الذين بعث إليهم عليّ عمّار بن ياسر وهذا يقتضي أن الذين قتلوا عمّاراً هم الخوارج كلام لا أساس له – كما يُقال – ولا رأس ولا خطام ولا زمام وهو مُخالِفٌ للإجماع، عمّار قُتِل في ليلة الهرير قبل التحكيم أصلاً بنحو سنة كاملة، وبعد سنة سينبغ شيئ اسمه الخوارج، أي جماعة اسمهم الخوارج، هذا كلام لا يُمكِن أن يقبله عالم أصلاً، لكنه موجود، قاله المُهلَّب واغتر به ابن بطّال ونقله ابن المُلقِّن وغير واحد، وقال الحافظ ابن حجر واغتر به غيره، أي ليس فقط ابن بطّال، هناك أكثر من واحد اغتروا بهذا الكلام، الحافظ ابن حجر هنا ماذا يقول؟ يقول وقال ابن بطّال تبعاً للمُهلَّب إنما يصح هذا في الخوارج الذين بعث إليهم عليّ عمّاراً يدعوهم إلى الجماعة ولا يصح في أحد من الصحابة وتابعه على هذا الكلام جماعة من الشرّاح وفيه نظر من أوجه أحدها أن الخوارج إنما خرجوا على على بعد قتل عمّار بلا خلاف بين أهل العلم بذلك – فهذا غلط غلط -، فإن ابتداء أمر الخوارج كان عقب التحكيم وكان التحكيم عقب انتهاء القتال بصفين – بكم؟ لم يذكر هذا ابن حجر، بنحو سنة، ذكرت لكم أن أول مُوعِد ضُرِب في رمضان ولكنهم اجتمعوا في أول ثماني وثلاثين، هذا ما يعرفه كل مَن قرأ التاريخ – وكان قتل عمّار قبل ذلك قطعاً – وأنا أقول كما ذكر غيره إجماعاً، عمّار بالإجماع شهيد في صفين ليلة الهرير، هذا بالإجماع وهو معروف – فكيف بعثه إليهم عليّ بعد موته؟ – يسخر ابن حجر، يقول كيف بعثه بعد موته؟ وكيف قُتِل بعد موته؟ ابن حجر يسخر، هذه سخرية لطيفة، يقول فكيف بعثه إليهم عليّ بعد موته؟ -، ثانيها أن الذين بعث إليهم عليّ عمّاراً إنما هم أهل الكوفة – وبعثه مع مَن؟ ذكرت لكم هذا في حلقة سابقة، بعثه مع الحسن عليه السلام، ذكرنا هذا، حين قال لهم عمّار رضوان الله تعالى عليه وهذا في صحيح البخاري والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أو ليرى هل تتبعونها أو إياه، قال لهم هذه مسألة دين، لا تقل لي أم المُؤمِنين وما إلى ذلك، هذا مسألة حق، الحق مع مَن؟ مع عليّ، إذن انتهى الأمر وسوف أُقاتِل معه، تُقاتِل أمك؟ أُقاتِل أمي وأُقاتِل كل شيئ، الله يأمرني بهذا، وأمي بعد ذلك رضوان الله عليها سوف تبكي حتى تبل خمارها مرات ومرات، وسوف تلقى الله بهذه الندامة العظيمة، ندمت ندامة عظيمة، هذا هو، هذا الحق يا جماعة – بعثه يستنفرهم على قتال عائشة ومَن معها قبل وقعة الجمل وكان فيهم من الصحابة جماعة كمَن كان مع مُعاوية وأفضل، وسيأتي التصريح بذلك عند المُصنِّف في كتاب الفتن، فما فر منه المُهلَّب وقع في مثله مع زيادة إطلاقه عليهم تسمية الخوارج وحاشاهم من ذلك – طبعاً المُهلَّب لا يلتزم هذا، المُهلَّب عنده نوع من السهو فلم يستحضر الوقائع، لم تترتب عنده الوقائع والحوادث التاريخية بشكل دقيق كما هي، خلط الأمور كلها، فالمُهلَّب لا يقول إن أم المُؤمِنين وطلحة والزُبير خوارج وما إلى ذلك، لا يقول هذا، هذا من اللوازم، ولا يلزمه على كل حال -، ثالثها أنه شرح على ظاهر ما وقع في هذه الرواية الناقصة ويُمكِن حمله على أن المُراد بالذين يدعونه إلى النار كفّار قريش كما صرَّح به بعض الشرّاح لكن وقع في رواية ابن السكن وكريمة وغيرهما وكذا ثبت في نُسخة الصغاني التي ذكر أنه قابلها على نُسخة الفربري التي بخطه زيادة تُوضِّح المُراد وتُفصِح بأن الضمير يعود على قتلته وهم أهل الشام ولفظه ويح عمّار تقتله الفئة الباغية يدعوهم …. نحن اليوم استفتحنا بها درسنا المُبارَك هذا بإذن الله تبارك وتعالى، ولكن كما قلت لكم أيها الإخوة العصبية، حُبك للشيئ يُعمي ويُصِم.
في سير أعلام النُبلاء للحافظ الذهبي – رحمة الله تعالى عليه – المُتوفى سنة سبعمائة وثماني وأربعين وقعت هنا على كلمة عظيمة جداً جداً جداً، المُجلَّد الحادي عشر، شيئ لا يكاد يُصدَّق، لدينا إمام – حافظ من الحفّاظ، ليس مُحدِّثاً وما إلى ذلك وإنما حافظ – اسمه دُحيم، الحافظ الإمام القاضي دُحيم، قال القاضي الإمام الفقيه الحافظ، مُحدِّث الشام، أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو بن ميمون الدمشقي، قاضي مدينة طبرية قاعدة الأردن، وأما اليوم، فأم الأردن بلد صفد. ولد في شوال سنة سبعين ومائة قاله ابنه عمرو. حدَّث عن سفيان بن عيينة، ومروان بن مُعاوية، والوليد بن مسلم، وسويد بن عبد العزيز، وإسحاق بن يوسف الأزرق، ومحمد بن شعيب، وعمر بن عبد الواحد، وشُعيب بن إسحاق، وأبي ضمرة أنس بن عياض، وعمرو بن أبي سلمة، وأبي مسهر، وخلق كثير بالحجاز والشام، ومصر والكوفة، والبصرة، وعني بهذا الشأن، وفاق الأقران، وجمع وصنف، وجرح وعدل، وصحح وعلل. حدَّث عنه – طبعاً من تلاميذه البخاري وأبو داود والنسائي وإلى آخره – البخاري، وأبو داود، والنسائي والقزويني، وأبو محمد الدارمي، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان، وأبو زرعة الدمشقي، وبقي بن مخلد، وإبراهيم الحربي، وأحمد بن المعلى، وولداه عمرو وإبراهيم ابنا دحيم، ومحمد بن محمد الباغندي، وأحمد بن أيوب والد الطبراني، وزكريا خياط السنة، ومحمد بن خريم العقيلي، وابن قتيبة العسقلاني، وعبد الوهاب بن عتاب الزفتي، وجعفر الفريابي، ومحمد بن بشر بن مامويه، وخلق كثير.
تكلَّم عنه إلى أن قال: قال أحمد العجلي – الإمام العجلي -: دُحيم ثقة، كان يختلف إلى بغداد، فذكروا الفئة الباغية هم أهل الشام – هل يشك أحد أن الفئة الباغية هم أهل الشام؟ بالإجماع لا، الأمة كلها تعرف هذا، هل قال أحد الفئة الباغية أهل العراق، أي عليّ ومَن معه؟ مُستحيل، الحديث واضح ومُتواتِر، والأحداث واضحة، ما الذي يُغضِبك يا دُحيم؟ لا، هو شامي، شامي وعنده نوع من النصب الفظيع ضد أهل البيت وضد عليّ عليه السلام، فقالوا له الفئة الباغية أهل الشام -، فقال – أستغفر الله، اللهم غفراً، أقرأ وأنا فعلاً في حالة عجيبة، لأن الكلام هذا يُصيب رسول الله بطريقة أو بأُخرى: مَن قال هذا فهو ابن الفاعلة – أستغفر الله العظيم، هذا في النُبلاء فانتبهوا، سامحوني لأنني أصدمكم، أقول لإخواني حتى الذين يُحِبونني أصدمكم بالحقائق، لكن عليكم أن تتعلَّموا وتسمعوا الحقائق، هذه الحقائق، قد تقول لي هل هذا الإمام القاضي الفقيه الكذا والكذا؟ نعم، ما باله؟ أحرقه التعصب، قتله النصب وبغض أهل بيت رسول الله، حُبك الشيئ يُعمي ويُصِم، ولذلك ستقول بهذه الطريقة نحن سنفقد حتى ثقتنا في العلماء، لكن أنا أقول لك انتبه، لا تجعل ثقةً مُطلَقة في أحد، لا تقل لي هذا عالم ثقتي فيه مُطلَقة، لا يُوجَد شيئ اسمه ثقة مُطلَقة، هؤلاء بشر، هل أنبياء هم؟ هل ملائكة هم؟ لو كانوا ملائكة أو أنبياء أنا أقول لك ثقتك مُطلَقة فيه، الذي يحدث هو العكس تماماً، هذا الذي يُؤلِمني يا إخواني، مَن ينبغي أن نضع ثقتنا المُطلَقة فيه وهو رسول الله في حديث مُتواتِر نرد حديثه، نكتم حديثه، نُحرِّق حديثه، نُخرِّق حديثه، نمنع من التحديث بحديثه، نصف حديثه بأنه الحديث الرديء، نقول الأحاديث الرديئة ونُؤوِّلها ونكسر أعناقها ونلويها، مِن أجل مَن؟ مِن أجل أن نُوافِق عقائد أمثال هؤلاء الأئمة والحفّاظ مع احترامنا وحُبنا لهم الذين بعضهم يُجاوِز كل ما يُمكِن تقبله من الأدب واللياقة والنزاهة العلمية، يا دُحيم ما بالك؟ يا رجل الأمة أجمعت على أن هؤلاء بُغاة، الآن سأقرأ عليكم مَن الذين قالوا، أمة محمد هي التي قالت، لا تقل لي الشيعة، هذا واضح طبعاً عند الشيعة، لكن السُنة يقولون هذا، كل السُنة يقولون أهل الشام هم البُغاة، الإمام عليّ مبغيٌ عليه يا أخي، هو الذي ظُلِم، قال لا، ابن الفاعلة، أمه البعيد زانية، حسبنا الله ونعم الوكيل، انظر إلى هذا النص، نص غريب عجيب -، فنكَّب عنه الناس… ما معنى نكَّب عنه الناس؟ كان يختلف إلى بغداد، مُستحيل يأتيك عراقي بعد ذلك، أهل العراق من شرفهم ومن مفاخرهم حقيقةً أنهم قاتلوا مع عليّ مع أنهم خذلوه غير معه، لكنهم قاتلوا معه، قاتلوا معه ونصروا قضيته ضد أهل الشام الذين كان هم البُغاة الحقيقيين، طبعاً أهل الشام مساكين، هم مُسلِمون أيضاً، رأيتم الشام وحجم الصلاح فيها والولاية، أُناس طيبون، لكن ما الذي حدث؟ سوف تسمعون اليوم من الصحابة أنفسهم كيف اختدعهم مُعاوية، مُعاوية أُسميه الطاغية الدجّال الخدّاع، شيئ غريب، أنا لم أر مثل هذا البشر، شيئ غريب، سوف تسمعون هذا اليوم وسآتيكم بالأدلة، مُخادِع بشكل غير عادي يا جماعة، طبعاً الإمام أبو إسحاق السبيعي يُقسِم ويقول كان والله غدّاراً، هذا ليس من قلة يا جماعة، ليس من قلة، وبالمُناسَبة ما دام ذكرنا هذا الشيئ هذا كتاب للإمام أحمد يعتني به كثير مَن يُسمون أنفسهم السلفيين، كتاب مسائل الإمام أحمد للإمام إسحاق بن إبراهيم بن هانئ، مسائل ابن هانئ عن أحمد معروف، وهذه طبعة المكتب الإسلامي، أي زُهير الشاويش، وهو علم من أعلام السلفيين، صديق وتلميذ الألباني، المُجلَّد الثاني، مسائل الإمام أحمد، طبعة المكتب الإسلامي، صفحة مائة وأربع وخمسين أو صحيفة مائة وأربع وخمسين، المسألة ألف وثمانمائة وست وستون: وسمعت أبا عبد الله – مَن أبو عبد الله؟ الإمام أحمد رضوان الله عليه – وقال له دلويه: سمعت عليّ بن الجعد يقول – هذا إمام من كبار الأئمة -: مات والله مُعاوية على غير الإسلام.
هذا إمام من أئمتنا، عليّ بن الجعد يُقسِم أن مُعاوية لم يكن مُسلِماً، مات على غير الإسلام، هذا سنبحثه في حلقات بخصوصها، هل كان مُعاوية مُنافِقاً؟ هل أسلم حقاً الرجل؟ ما قصته؟ وهل مات فعلاً على غير الإسلام؟ لماذا يقول الإمام هذا ويُقسِم؟ يقول مات والله مُعاوية على غير الإسلام، طبعاً هم الآن سيُجَنون وسيقولون من أين تأتي بهذه الأشياء؟ كيف هذا؟ هذه مُصيبة، أحمد بن حنبل سلفي، ماذا أفعل لك؟ اقرأ كتبك يا حبيبي وتعلَّم، العلم ليس بالتقليد والتكرار والببغاوية، ابحث ونقِّر وفتِّش واتعب واسهر الليالي، قال مات والله مُعاوية على غير الإسلام، صفحة مائة وأربع وخمسين، مسألة ألف وثمانمائة وست وستين، نزِّله من الإنترنت Internet وسوف تجد نفس الشيئ!
إذن إخواني وأخواتي يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، يُمكِن التأمل في الكتاب العزيز الأجل في مثل قوله وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ – مَن المقصود بقوله أُولَٰئِكَ ۩؟ المُشرِكون – يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ – إذن هذا مِن مُختَصات مَن؟ المُشرِكين، أنهم دُعاة إلى النار، وهذا شيئ مُخيف – وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ۩، أيضاً قال الله إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا – الشيطان داعية أيضاً، إلى أين يدعو؟ – حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَاب السَّعِير ۩، فضلاً عن أنه قال وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ۩، مُؤمِن آل فرعون يتحدَّث عن فرعون وعن أشياعه، دُعاة إلى النار، انتبهوا إلى هذا، في كل المواضع الدُعاة إلى النار هم الفراعين والمُشرِكون والشياطين، لا يُمكِن أن يدعو مُؤمِن إلى النار، لا يُمكِن أن يدعو مُسلِم صالح إلى النار، قد تقول لي الآن صرَّحت عن وجهك، الله قال في فرعون وجنده وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ ۩ في القصص، أئمة النار هؤلاء، سوف تقول لي ماذا تُريد أن تقول؟ هل تُريد أن تُكفِّر مُعاوية ومَن معه؟ لا، لا أُريد هذا أبداً، لست من المُكفِّرين ولا من الخوارج، لكن أُحِب أن أقول منطوق حديث رسول الله الصحيح أن الخُطة العامة التي كان يسير فيها مُعاوية ومَن معه هي خُطة والعياذ بالله جهنمية، هي سبيل إلى النار، الآن هذا لا يقتضي أن يكون كل أحد من هؤلاء من أهل النار وغير مغفور له، هذا معروف، معروف هذا في أصول الفقه، لكن يقتضي أن هذا محمول على الجمهور، جمهور هؤلاء أنهم دُعاة إلى النار، ما سبب كونهم دُعاة إلى النار؟ سؤال حرج جداً جداً وعميق ومُخيف، طبعاً هو جريء ولم يُطرَح، بعضهم قال سبب ذلك – وهذا وجيه ونقبله مبدئياً – أن عمّاراً – رضوان الله تعالى عليه – كان يدعو إلى طاعة الإمام الحق والذي طاعته واجبةٌ مُحتَّمةٌ بنص الكتاب والسُنة المُتواتِرة، قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۩، ولي الأمر أو رأس ولاة الأمر هو الإمام الحق، الخليفة المُبايَع له من جماهير الأمة، الحمد لله على الأقل الإمام أبو الحسن بايعه المُهاجِرون والأنصار، بعض الناس يقول هناك قلة لم تُبايعه، قلة قليلة جداً جداً وحدث خلط نُنبِّه إليه أيها الإخوة بين الذين اعتزلوا القتال معه وبين الذين لم يُبايعوه، وجدت بعض المُؤرِّخين – ونبَّه إلي هذا أيضاً فضيلة الشيخ المُحقِّق حسن بن فرحان المالكي حفظه الله – وبعض العلماء خلط، فمن لدن نفسه افترض أن كل مَن لم يُقاتِل لم يُبايع عليّاً، وهذا كلام باطل وغير صحيح، غير صحيح بالمرة، هناك مَن لم يُقاتِل ولم يُبايع حقاً، وهناك مَن لم يُقاتِل لكنه بايع، فإذا أردت أن تنسب إلى أحد أنه لم يُبايع عليّاً لابد لك من دليل مُستقِل، ليس موضوع الامتناع عن القتال مع عليّ، انتبه لأن هذه مسألة مُهِمة جداً، فالذين قبضوا أيديهم ولم يُبايعوه قلة منزورة جداً، وقد بايعه كما صح عنه في أكثر من مُناسَبة القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر، بايعه الأنصار والمُهاجِرون، جُملة من الطُلقاء احتفوا بمُعاوية والتفوا حوله وهؤلاء لا وزن لهم أصلاً، هؤلاء لا وزن لهم، بايعوا أو لم يُبايعوا لا يُقدِّمون ولا يُؤخِّرون، ولذلك الأنصار كلها بايعت عليّاً، باستثناء الشام وجماعة تحوَّزوا في مصر في قرية خربتا، هؤلاء كانوا يُطالِبون بدم عثمان وقالوا لا، نُعلِّق البيعة حتى نرى ما يفعل عليٌّ بموضوع ثأر عثمان ودم عثمان، قالوا هذا في خربتا وهذا معروف، ما عدا ذلك كل أسقاع الأمة الإسلامية أعلنت البيعة والولاء للإمام عليّ عليه السلام، امتنع مُعاوية، وفي الأحاديث الصحيحة المعروفة لكم أيها الإخوة مَن أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يُريد أن يشق عصاكم فاضربوا عُنقه كائن مَن كان، أليس كذلك؟
إذن مُعاوية حكمه بنص حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وحقه أن تُضرَب عنقه، ليس أقل من هذا أو يدخل فيما دخل فيه الناس لكنه لم يفعل، سوف نرى لماذا أيها الإخوة، لماذا لم يفعل؟ كيف يُدافِع عنه الذين اختاروا أن يُدافِعوا عنه حتى الممات كما يُقال؟ قالوا مُعاوية يُطالِب بثأر عثمان، يُطالِب بدم عثمان، ما الجواب عن هذه الشُبهة؟ هذا المفروض أن يكون بقية الدرس اليوم، المفروض أن يكون بقية الدرس لكن قبل أن نُفضي بالكلام إلى هذه المسألة لابد أن نُجيب عن سؤال أو نُتابِع الكلام في مسألة توقَّفنا عندها وهي مسألة كيف أجاب العلماء عن تقتله الفئة الباغية؟ ماذا قالوا؟ بماذا أجاب مُعاوية نفسه؟ بماذا أجب مُعاوية؟ مُعاوية لم يتنصَّل من الحديث، الحديث مُتواتِر، لا سبيل إلى إنكاره، فماذا فعل؟ تعرفون ماذا فعل، تأوَّله، ردَّه لكن عن طريق التأويل الباطل الفاسد الكاسد البارد، قال نحن قتلناه؟ إنما قتله الذين جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا أو قال سيوفنا، قال عليّ قتله، نحن لم نقتله، وهذا غير مُستغرَب من مُعاوية الذي عاش ومات وهو يُدلِّس ويخدع ويُدجِّل على الأمة طيلة حياته، مُسلسَل من الدجل المُتواصِل، كيف يطعن في صدر حديث رسول الله بهذا التأويل الباطل؟ لم يقبله منه أحد إلا أهل الشام، اقتنعوا وقالوا مضبوط، نحن لم نقتله، لكن الإمام عليّ طبعاً بذكائه مُنقطِع النظير قال هكذا قال مُعاوية؟ إذن يكون رسول الله هو الذي قتل حمزة، في أُحد ليس وحشياً وليست هند أم مُعاوية وزوجة أبي سُفيان ولا أبا سُفيان هم الذين دبَّروا قتل حمزة، يكون الرسول هو الذي قتل حمزة وقتل أصحابه في أُحد وغير أُحد، قال العلّامة أبو الخطّاب بن دحية بمعنى الكلام وهذا جواب لا محيد عنه، لا تستطيع أن تتنصَّل منه، أي أنه أفحمك، عليّ كلامه مُفحِم تماماً، انتهى الأمر، نسج على فمه – كما يُقال – بنساج الإفحام، ما هذا؟ أي تأويل هذا؟ النبي لو أراد أن يقول هذا لقال تقتله الفئة التي أغرته بالخروج معها أو التي أخرجته، أليس كذلك؟ الله استخدم مُصطلَح يُخْرِجُوكَ ۩، النبي لو أراد أن يقول هذا لقال ويح ابن سُمية أو ويح عمّار تقتله الفئة التي تُخرِجه من بيته إلى ساح الوغى، النبي أفصح مَن نطق بالضاد، يقول تقتله الفئة الباغية، مَن هي الفئة الباغية؟ التي بغت على الإمام ظلماً وعدواناً، مَن هو الإمام؟ كما قلنا بإجماع الأمة كلها في وقته إلا فئة قليلة من أهل مصر وأهل الشام جماعة مُعاوية هو الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكرَّم الله وجهه، هذا هو البغي، هؤلاء هم البُغاة، الموضوع واضح، سوف نرى الآن هذا.
طبعاً على ذكر حديث الترمذي الذي تلوته عليكم في أول الدرس النبي قال له أبشر عمّار تقتلك الفئة الباغية، قال له أبشر، هذا لفت نظري، لم أجد مَن التفت إليه وهذا عجيب، هو لافت حقاً، لماذا يقول له النبي أبشر هنا؟ قد تقول لي هل قال له أبشر أم ويح؟ قوله ويح عمّار مُتواتِر، لعله قال له هذا في موطن آخر، ولعله أكَّد له هذا في مواطن أصلاً، ففي موطن قال له أبشر، لأن الترمذي لم يذكر الحكاية كاملةً، فقط ذكر عن أبي هُريرة شيئاً، وأبو هُريرة مُتأخِّر الإسلام أو مُتأخِّر قدومه على المدينة حتى لا يغضب أُناس، وفد على المدينة بعد أن انتهت غزوة خيبر، فأتى والغنائم تُقسَم، أي في السنة السابعة، وسنة بناء المسجد هي السنة الأولى، فأبو هُريرة لم يشهد الحادثة، إذا أردنا أن نقول لم يُرسِل على طريقته هنا فيكون أبو هُريرة سمع هذا من رسول الله بعد السابعة، أليس كذلك؟ يُبشِّر عمّاراً النبي بأنه تقتله الفئة الباغية، ما وجه البشارة هنا؟ تعرفون ما وجه البشارة؟ وجه البشارة أن الذين يقتلونك أُناس لا خلاق لهم، كما حدث مع الفاروق – رضوان الله تعالى عليه – حين طعنه الملعون أبو لؤلؤة المجوسي واحتُمِل إلى بيته وأراد أن يُكمِل صلاته، لكم أن تتخيَّلوا هذا، أراد أن يُكمِل الصلاة حتى وهو يُغمى عليه، شيئ عجيب، هذا الدين المتين، ثم استفاق وقال مَن؟ مَن الذي فعلها؟ مَن الذي قتلني؟ يُريد أن يعرف، فقيل غلام لفلان اسمه أبو لؤلؤة، قال مُسلِم؟ قالوا ليس مُسلِماً، الله أكبر قال، الله أكبر، قال الحمد لله الذي جعل موتي على يد رجل لم يركع لله ركعة يُحاجِني بها عند الله يوم القيامة، فقال هذه بُشرى لي، الحمد لله قتلني رجل علج ملعون مثل هذا، فالنبي يُبشِّر عمّاراً، قال له أبشر، لن تُقتَل على أيدي أمثال عليّ و أصحاب عليّ – على أيدي التُقاة المُخلِصين الطاهرين – وإنما ستقتلك الفئة الباغية دُعاة النار فأبشر، هل فهمتم؟ هذا مُهِم جداً، مُهِم جداً أن نُفسِّر حديث الفئة أيضاً في ضوء حديث الترمذي أبشر عمّار، أبشر تقتلك الفئة الباغية، فأنت تموت وأنت تُقاتِل في سبيل الله هذه الفئة الباغية، طبعاً يقولون لك قال شيخ الإسلام ابن تيمية كذا وكذا، طبعاً معروف كلام هذا واللف والدوران والتشغيب والسفسطة العلمية، نقول لهم على كل حال هناك قول مشهور لدى السادة الحنابلة ونقله عنهم العلّامة الآلوسي في روح المعاني، الجزء السادس والعشرون، تفسير سورة محمد، أي سورة القتال، صلى الله على محمد وآل محمد، قال والحنابلة يرون أن قتال البُغاة خيرٌ من الجهاد في سبيل الله، إذا كان عندك جهاد مع كفّار وعندك قتال بُغاة مَن سيكون الأحسن؟ قتال البُغاة أفضل، بماذا احتج الحنابلة؟ قال الآلوسي واحتجوا بترك عليّ – عليه السلام وكرَّم الله وجهه – جهاد الكافرين وانشغاله – أي وبانشغاله – بقتال الباغين أو البُغاة، فإذن هذا أفضل وهذا علي، لا يُوجَد مَن هو أفقه من عليّ، أرأيتم؟ هذه حُجة عند الحنابلة، حتى هذا عند الحنابلة وابن تيمية حنبلي، قتال البُغاة لا يُوجَد محيد عنه، هل تعرفون لماذا؟ النبي قال هذا، كما قلت لكم الأحاديث مُستفيضة في هذا المعنى، قال النبي فاضربوا عُنقه، قال أمركم جميع، قد تقول لي هذا الذي فعله الحُسين وهذا الذي نطق به أبو بكر بن العربي وابن خلدون من ورائه، تكلَّما بكلام إد، كلام خطير، كلام فظيع والعياذ بالله، حاصله أو مُحصَّله أن الحُسين قُتِل بفتوى من رسول الله، كما قيل بسيف جده، ليس بسيف يزيد ولا عُبيد الله بن زياد، بسيف المُصطفى قُتِل الحُسين، لأن هو الذي قال مَن أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يُريد أن يشق عصاكم، أقول لمَن يقول هذا لا تكذب على رسول الله ولا على نفسكم ولا علينا، النبي يقول أمركم، في الحقيقة هذا لم يكن أمرنا، هذا كان أمر يزيد وجماعة يزيد وجماعة مُعاوية، وكل مَن قرأ التاريخ يعلم ويعرف كيف أُخِذت البيعة ليزيد بن مُعاوية، والحُسين أصلاً لم يُبايعه لحظة أبداً، ورأى أن الهلكة كلها في أن يُبايع مثل هذا الفاسق الخليع المُتهتِّك، أعني يزيد، فهذا ليس أمرنا، هذا ليس أمرنا أبداً، والله قال وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۩، إذن قال مِنْكُمْ ۩، أي إنسان تفرزونه وتختارونه وتتواطأون عليه، أهلاً وسهلاً فهذا ولي الأمر، فهو منكم وليس فيكم، وإلا المُستعمَر الإنجليزي والصهيوني والفرنسي ولي أمر فينا، هؤلاء كانوا أولياء أمور فينا، أي مفروضون علينا بسياسة الأمر الواقع، هذا اسمه منطق الأمر الواقع، أنت اليوم كفلسطيني – مثلاً – لا تستطيع أن تفعل أشياء كثيرة ولا أن تعبر من الحدود إلا بإذن إسرائيل، اليوم عندنا سُلطة حماس – ما شاء الله – والأناس المُجاهِدون الطيبيون ومع ذلك لا تقدر على أن تدخل من عند حماس إلا وفق قوانين تُوافِق عليها إسرائيل، الذي عنده جواز فلسطيني أو عنده جواز كذا وكذا والذي ليس عنده ممنوع، هذا رغماً عنك، لا تستطيع غير هذا، لأن مصر تُنسِّق أيضاً، هذا مفروض عليك، ومن ثم هذا ولي أمر بطريقة ما، قديماً الذين كانوا يحتلون كل شيئ كانوا أولياء أمر لكن فينا، هذا ليس مني، أنا ما اخترته ولا أعطيته ولاية أمري، لكنه فرضها علىّ بالقوة، أليس كذلك؟ كل حاكم ظالم وطاغية ملعون قد يكون ولي أمرٍ فينا لا منا، القرآن يقول منكم، تختارونه أنتم، تتسالمون عليه، تتواطأون على بيعته، وما دام ذكرنا هذا الأمر أقول لكم – بالأمس ذكرت هذا – حقيقةً يا إخواني لا يُمكِن لعقل سياسي على وجه البسيطة والمعمور أن يتفتَّف عن نظرية سياسية أردأ ولا أسخف ولا أظلم ولا أقبح من نظرية السيف، أن الذي يتغلَّب ويصل إلى السُلطة ينبغي أن يُطاع طاعة مُطلَقة إلا أن يكفر، ما دام لم يكفر يُطاع، وإن جلد ظهرك وأخذ مالك وكذا، سوف تقول لي هذا حديث، أتطعن في الحديث؟ أنا لا أُؤمِن أصلاً بأنه حديث ولو كان في الصحيح، هذا مُستحيل، مُستحيل أن الرسول يقول هذا، مُستحيل أن الذي نزل عليه القرآن الكريم يقول هذا الكلام، ومُستحيل على مَن قال سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله، تعرفون حتى في النظرية هذه – والإمام أحمد وطَّد أركانها للأسف الشديد، وطَّد أركانها بشكل قوي جداً جداً – هناك حديث مُخرَّج في الصحيحين – وما زال في الصحيحين، أي في البخاري ومُسلِم – عن أبي هُريرة قال صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم يُهلِك الناس هذا الحي من قريش، والحديث في الصحيحين، أي في البخاري ومُسلِم، واضح جداً مَن المقصود بهذا الحي، والنبي لم يقل هذا الحي، لم يقل هذا الحي وإنما ذكر اسم حي، لكن الراوي في فمه ماء، وهل ينطق مَن في فيه ماء؟ لا يقدر، فطبعاً خاف من بني أُمية، وماذا قال؟ هذا الحي، ومعروف أين هلكت الأمة وعلى يد مَن يا جماعة، هناك أحاديث أُخرى، في حديث أبي هُريرة نفسه في الصحيح قال صلى الله عليه وسلم هلاك أمتي على يدي أُغليمة من قريش، فقال مروان لعنة الله عليهم غلمة، قال لو شئت أن أُسميهم لسميتهم، هم أبناؤك، من هذه الأسرة النجسة حاشا الصالحين، لا يأت أحد ويقول لي عثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز، رضيَ الله عنهما، يا جماعة انتبهوا وتعلَّموا العلم، تعلَّموا العلم وطريقة التفكير، حين نتحدَّث دائماً الحكم للعام، الحكم لجمهور، ما تُلزِمني وتُلزِم نفسك أن تستثني دائماً المُستثنى بذاته، مفهوم هذا، قد يُقال لا، استثن عمر، لن استثنيه وهو مُستثنى، معروف أنه مُستثنى يا أخي، قد يُقال استثن عثمان، هو مُستثنى استثنيه أو لم استثنه، من العبط أن أقول حاشا عثمان وحاشا عمر كلما ذكرتهم، هذا معروف وواضح جداً، ليس عندنا كلام فيه، وهذا تصريح وليس تلويح!
على كل حال اتضح أنهم بنو مروان، هؤلاء بنو مروان، قال هذا الحي من قريش، لكن ليست هذه القضية، القضية أنهم قالوا فما أمرنا يا رسول الله؟ ما دام هلاك الأمة على يد هذا الحي ماذا نفعل؟ قال لو أن الناس اعتزلوهم، الله أكبر يا رسول، هذا أضعف الإيمان، هل تعرفون ما هو؟ المُقاوَمة السلبية، اليوم يُسمونه العصيان المدني، هذا العصيان المدني، يُوجَد فرق في منطق على الأقل عصيان مدني، لا أتعاون معه، وسوف يسقط مثل ورقة جافة في الخريف، لن أشتغل عنده، لن أتولى له أي عمل، لن أقبض له الزكاوات، لن أعطيه الزكاوات، لن أتعاون معه بالمرة، فليفعل ما أُريد وسأظل في بيتي، سوف يقتل لكن سوف يفشل ويضيع فعلاً، هذا المنطق – وهو كما قلت حديث صحيح في الصحيحين – ضُرِبَ بأحاديث نُسِبَت إلى الرسول مثل وإن جلد ظهرك وأخذ مالك، يا جماعة هل يُوجَد مُفكِّر أو مُنظِّر سياسي يقول أنا أُنظِّر لكم وآمركم وأُرشِدكم أن تُطيعوا السُلطان مهما كان ظالماً، فقط أن يكون على دينكم وليس كافراً؟ الحمد لله والله زين العابدين مُسلِم، على ديننا، وحُسني مُبارَك على ديننا، والقذّافي على ديننا رغم ثبوت الزندقة عليه، وكل هؤلاء الظلمة على ديننا، وطبعاً يزيد بن مُعاوية على ديننا، والوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي أحب أن يشرب الخمر على ظهر الكعبة والذي راود أخاه عن نفسه والذي مزَّق المُصحَف بالنبل – مزَّقه تمزيقاً – وقال له إذا ما أتيت ربك يوم حشرٍ فقل يا رب مزَّقني الوليد على ديننا، هو على ديننا، ولم يقبل الهادي أو المهدي العباسي أن يُوصَف بالنفاق أو الزندقة، قال أمسك، معاذ الله أن يجعل الله الخلافة في زنديق أو في مُنافِق، طبعاً يدفع عن نفسه، هل رأيتم كيف يكون تساند وتآزر منطق الطواغيت؟ أعظم أعداء بني أُمية مَن هم كانوا؟ بنو العباس، ذبحوهم في المساجد، ذبحوهم في مسجد دمشق، في المسجد ذبحوهم كالسخال ووضعوا عليهم السجاد وشربوا فوقهم الخمر، هؤلاء بنو العباس، أسوأ من بني أُمية، لكن هؤلاء لم يسمحوا أن يُقال إن خليفة أموياً كان زنديقاً أو مُنافِقاً، الله – عز وجل – مقام الخلافة المُقدَّس لا يُمكِن أن يناله رجل مُدنَّس، هل تعرفون لماذا؟ لا يدفعون عن مَن قتلوهم وشربوا فوقهم الخمر ولعنوهم وإنما عن أنفسهم، لأنهم سيفعلون الأفاعيل ذاتها وأسوأ، ولكن عليكم ألا تشكوا في ديننا، لأن طبعاً المُسوِّغ الأكبر للبقاء هو الدين، الدين دين وينتهي الأمر، نحن علَّمناكم وعلَّمكم بنو أُمية، ولذلك سكوت الأجهزة العلمية والثقافية العباسية أيضاً على كل العبط والكلام الفارغ الذي أسَّس له بنو أُمية، وتأليف أحاديث وأسانيد وكلام فارغ كله يُنسَب إلى الرسول، لماذا؟ لأنه ضمانة بقائهم هم أنفسهم أيضاً، وإن جلد ظهرك وأخذ مالك، هذا ينفع هنا، هذا ينفع الطواغيت اليوم في القرن الحادي والعشرين، وسوف ينفعهم في القرن الرابع والخمسين أيضاً، أي بعد أربعة آلاف سنة سوف ينفعهم، نُريد تنظيراً يقول وإن جلد وأخذ، اسكت واسمع، هل النبي يقول هذا؟ والله أنا أقول لك أي أحد يعيش في أوروبا يُجرِّب أن يأخذ هذا الكلام ويذهب به إلى أي مُفكِّر سياسي أكاديمي – عندك يا دكتورمحمد – في الجامعة ويقول له ما رأيك في هذه النظرية السياسية؟ عندنا تنظير يقول الذي يغلب على الكرسي بالسيف يُسمَع له ويُطاع، حتى لو ذبح الناس أو سجنها أو أخذ أموالها أو هتك أعراضها أهم شيئ أن يُشارِكهم في الدين، أي في دينهم، سوف يقول هذا أكبر إجرام في التاريخ، أكبر تنظير للعسف والديكتاتورية، قل له هذا نبينا، وسوف يقول لك وهل أنت تُؤمِن به؟ هل تُؤمِن بهذا النبي؟ في الحقيقة هذا ليس نبيك، هذا أُمية، هذا نسل أُمية، هذا تسميم الدين، ومن أجل ذلك ركبوا ظهورنا – أعني هؤلاء الظلمة – أربعة عشر قرناً، أسأل الله أن يكون عصر الثورات نهاية لهذه المسيرة البائسة يا جماعة، لكن لن تنتهي بهذه الطريقة، أنا أقول لكم هذا، لذلك أنا الآن بهذه المُحاضَرات وبهذه الأفكار أنا أُشارِك في صناعة ثورة حقيقية، هذا ليس تبجحاً، أنا أُشارِك وليس أصنع، أُشارِك – واحد من الملايين إن شاء الله – في ثورة وهي ثورة ثقافية، إذا أردنا أن تسلم لنا ثوراتنا السياسية علينا أن ندعمها وأن نُعزِّزها وأن نرفدها بثورات فكرية علمية ثقافية منهجية وإلا سوف نضيع، سوف نُعيد إنتاج الديكتاتوريات بخمسين يافطة وخمسين اسم جديد، وسوف نكون بؤساء خائبين، انتبهوا إلى هذا، هذا ما فعله هؤلاء!
على كل حال المُشكِلة أن الإمام أحمد بن حنبل رضوان الله تعالى عليه ضرب عليه، هذا الحديث الذي نفذ من بين أحاديث – يقول ابنه عبد الله في المُسنَد – قال لي أبي في مرضه الذي تُوفيَ فيه اضرب على هذا الحديث، أي اشطب عليه، لا نُريده، لماذا يا أحمد؟ الحديث يقول لو أن الناس اعتزلوهم، أي عصيان مدني، النبي يقول على الأقل عصيان مدني حتى يفشلوا وإلا تهلك الأمة، لماذا أضرب عليه؟ قال خلاف الأحاديث التي تأمر بالسمع والطاعة والصبر، اسمع وأطع واصبر، اصبر إلى يوم الدين، أربعة عشر قرناً – والله العظيم – صبرنا ولم ينفع، تحرَّكنا حركة بسيطة جداً، كم عدد الذين ماتوا في تونس؟ هل مات سبعون؟
(ملحوظة) قال أحد الحضور ثلاثمائة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم سبعمائة يا سيدي وتحرَّرتم، أليس كذلك؟ تحرَّرتم من طُغيان لا أقول لكم دام ثلاثين سنة وإنما أقول دام مئات السنين، هذه نفس الأمة العربية المُضطهَدة تحت كل حكّام العرب والمُسلِمين، مصر ثمانون مليوناً، سبعة عشر يوماً، كم عدد الذين ذهبوا؟ ألف مصري؟ كم عدد الذين جُرِحوا؟ جُرِح ألفان أو ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف من ثمانين مليون، تحرَّرتم – إن شاء الله – وانتهى الأمر، مَن لا يقبل هذه الطريقة؟ مَن يُشكِّك في جدواها وفي نجاعتها؟ جعل الله كلامي خفيفاً وهو ثقيل كالرصاص على الطواغيت العرب، هذا الكلام سيسمعونه في أي شيئ، سوف يُجَن جنونهم، أو الأجهزة الأمنية والرقابية الثقافية سوف يُجَن جنونها، كيف يقول هذا الكلام الخطير جداً جداً جداً؟ وهو كلام ديني في مسجد، نُناقِش أحاديث نحن ومواقف الأئمة كأحمد بن حنبل، لا يا أحمد، على كل حال تلميذك البخاري لم يقتنع بوجهة نظرك فأخرج الحديث في صحيحه، جزاه الله خيراً، يُهلِك الناس هذا الحي من قريش، فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال لو أن الناس اعتزلوهم، تلميذه البخاري لم يقتنع بوجهة نظره – أي بوجهة نظر أحمد بن حنبل – فأخرج في صحيحه، لو أن الناس اعتزلوهم، اتركوا لنا مُتنفَّساً يا جماعة، الحقيقة لابد أن تُطِل قليلاً بقرنها، هذا حرام، لكن الحقيقة لا يُمكِن أن تُدفَن، أنا أقول لكم الحقيقة عصية على الدفن، لا يُمكِن أن تُدفَن، ستبقى في مكانٍ ما وهي ثابتة قوية فابحث عنها، ابحث عنها ستجدها وسوف ترى أنها مُتآزِرة!
يا إخواني أحد أساليب التحقق المنطقي من صدق مقولة أو دعوى مُعيَّنة شيئ اسمه الاتساق، في المنطق – Logic – هذا، ما هو الاتساق؟ أنت الآن تُريد أن تُؤمِن بحديث مُعيَّن، لماذا أنت اخترت هذا الحديث؟ يتسق هذا مع الفطرة ومع التجربة التاريخية التي عمرها ألف وأربعمائة سنة في حالة أمة محمد ومع تجارب أمم أُخرى عمرها آلاف السنين، يتسق مع روح القرآن، وهذا أهم شيئ، يتسق مع أحاديث أُخرى صحيحة، يتسق مع كل ما يُمكِن أن يُشكِّل برهاناً بذاته، فيزداد على كونه برهاناً بذاته برهاناً من جهة أو حيثية الاتساق والتآزر، أي Coherence، هذا هو، فهذا أنا أقبله، وتلك الأحاديث لا أقبلها ولا أُؤمِن بها، الإمام أحمد يبدو أنه كان مُفعَماً إيماناً بنظرية السيف هذه، ولذلك ورد عنه أنه قال لا يُتعرَّض للسُلطان، انتبهوا إلى هذا، السُلطان لا يتعرَّض له أي أحد، لماذا يا أحمد؟ قال معه السيف، أرأيتم؟ هذه نظرية مخبوعة، هذه نظرية مسكونة بالخوف والرعدة، نظرية خائفة، قال معه السيف، مثل هذا المنطق تماماً كرَّره أحد خرّيجي المدرسة الحنبلية وهو ابن تيمية في أكثر من كتاب، والسُلطان والسُلطان لأنه صاحب السيف يقول ابن تيمية، ما دام صاحب السيف اسكت، اقعد ولا تتحرَّك ولا تتكلَّم، اسكت، انتهى الأمر، لماذا؟ ماذا عن عصيان مدني إذني؟ قال لا، هذا الحديث أحمد قال اضربوا عليه، حتى هنا لا يُوجَد عصيان مدني، لابد أن تُؤدي له الزكاة وتُؤدي له كذا وكذا حتى لو عربد واشترى جوارب وحريم وخصيان أيضاً وشرب الخمر وعمل كل ما يُريد، هو هذا، سُلطان هذا، أي نظرية هذه؟ يا عيب، يا عيب، يا عيب على وعينا السياسي البائس، هل هذا وعينا؟ هل هذا وعي أمة نزل عليها القرآن الكريم؟ تعرفون أن الثورة على سيدنا عثمان عكس ما عُلِّمنا، يتحدَّثون عن ابن سبأ وما إلى ذلك وهذه كلها أكاذيب، ابن سبأ إن كان موجوداً – قد يكون موجود الرجل – لم يكن له دور أصلاً يُذكَر، لا وزن لدوره، أما الذي أعطاه أكبر دور في الثورة على عثمان فهو الكذّاب الزنديق كما وصفه ابن حبان وغير ابن حبان سيف بن عمر التميمي، قال ابن سبأ فعل وذهب وجاء ولعب اللعبة، ابن سبأ فعل كل شيئ وانتهى الأمر، هذا كله كلام فارغ، كل مَن يحترم عقله لم يقتنع ومنهم ابن تيمية، ابن تيمية لم يقتنع بالمرة في منهاج السُنة ولم يذكر ابن سبأ مرة في قصة فتنة عثمان، لم يقتنع، وذكر أن من بين الأسباب التي لأجلها ثار الثوّار على عثمان ضعف عثمان، لم يكن قوياً عثمان، قال الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ۩، لم يكن قوياً، لم يكن كفؤاً في تلك اللحظة، أعني في آخر ست سنوات، لم يكن قوياً في هذه اللحظة التاريخية الحرجة، كان ألعوبة بيد بني أُمية، وخاصة مروان بن الحكم، كان ألعوبة، ابن تيمية اعترف بأنه كان ضعيفاً، قال ضعف عثمان من أسباب الثورة، طبعاً هناك أسباب مُركَّبة، هذا اعترف به ابن تيمية في منهاج السُنة ونحن نعترف به، ولم يذكر ابن سبأ ابن تيمية مرة واحدة، وهذا جيد ويُحسَب لابن تيمية، هذا تفكير علمي، لكن من بين الذين ثاروا على عثمان صحابة، من بين الذين قتلوه أو شاركوا في قتله أو أعانوا على قتله صحابة كما قلت لكم، وليس هذا فحسب، الذين سكتوا على قتله وخذلوه صحابة، هذا الشيئ مُؤلِم وعجيب، طبعاً ماذا أُريد أن أقول؟ ماذا أُحِب أن أقول من وراء هذا الكلام؟ أُحِب أن أقول من وراء هذا الكلام أن الوعي السياسي للصحابة في تلكم الحقبة كان مُرهَفاً جداً، لم يتسمَّم بحكاية أنه صحابي وذو النورين – رضوان الله عليه، معروف مَن هو عثمان، رضوان الله عليه فعلاً – وإن جلد ظهرك وأخذ مالك، هذا الكلام لم يكن يعرفه الصحابة، لم يكن مصكوكاً حينها، لم يكن هناك حديث أيام الصحابة اسمه وإن جلد ظهرك وأخذ مالك، كان عندهم منطق نُقوِّمه بحد سيوفنا، عندهم منطق أبي بكر الصدّيق إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت أو أعوججت فقوِّموني، هذا هو طبعاً، الضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله وإلى آخره، هذا هو، كان عندهم منطق عمر، روى ابن سعد وغير ابن سعد والله لوددت أني وإياكم في سفينة في لجة البحر تذهب بنا شرقاً وغرباً فلن يعجز الناس أن يولوا رجلاً منهم فإن استقام اتبعوه وإن جنف قتلوه، قالوا يا أمير المُؤمِنين لو قلت عزلوه، أي صعبة هذه الكلمة، هل يتم القتل مُباشَرةً؟ كيف نقتل أميرنا؟ قال بل قتلوه، عمر قال لهم أنا أُعلِّمكم وأنا رجل سياسي، أتريدون السياسة؟ قتلوه، ليكون أنكل لمَن بعده، حتى لا يأتي بعده رجل لكي يلعب بكم، وهذا صحيح فعلاً، الذي يُجنِّني دائماً بصراحة من أجل ماذا يا شيخ فلان ويا شيخ علان ويا مُؤسِّس فلانية ويا مُؤسِّس علانية تُدافِع عن حاكم ظالم نهب البلد لمصلحته ومصلحة ولدين أو ثلاثة له – أليس كذلك؟ – وبعض الأقارب وحزب ملعون فيه قلة مُتنفِّذة مُنتفِعة، وتُهدَر حقوق عشرين مليوناً وثلاثين مليوناً وثمانين مليوناً وأربعين مليوناً؟ لا أقدر على فهم هذا، لماذا؟ وفعلاً يُحاوِلون أن يُفهِموك كأن هذا – سبحان الله – معصوم الرب – لا إله إلا هو – ومُرسَل السماء، يقولون لابد أن نتغاضى عن أخطائه وعن جرائمه في حق ماذا؟ ثمانين مليوناً، غير معقول يا أخي، الأمة تُعاني، الأمة كلها تُعاني – أُقسِم بالله – من أجل أن يعيش رجل وعائلته وبعض الأزلام والطُغمة فوق الريح كما يُقال، مليارات عندهم، لماذا؟ هذا لا يُمكِن، سنخرج عليهم، سنكسر رؤوسهم من عند آخرهم، ويموت منا ألف أو ألفان أو مليون أو مليونان ونتحرَّر وتعود إلينا عزتنا وقرارنا وحريتنا وبلدنا وحدودنا وثرواتنا، نحن أبناء هذه الأرض يا أخي، هل نحن من خشب وهو من ذهب؟ هو منا وصعلوك ومعروف أبوه ومعروفة أمه ومعروف أصله، بالأمس كان صعلوكاً لا يجد الخبز والطماطم ثم يُصبِح اليوم مليارديراً على أكتافنا ويرتفع سن الزواج فينا لسن الأربعين، في مصر الشاب لا يجد شيئاً، يُصبِح عمره أربعين سنة ولا يقدر على الزواج، لعدم وجود أموال، لا تُوجَد وظائف، هناك مُشكِلة ثم يأتيك الشيخ المُنافِق الكذّاب ويقول سبب ما أنتم فيه ترك الصلاة، تركتم الحجاب والنقاب، لا تُوجَد لحى تكفي، لو أخذنا بالسُنة وكذا وكذا، طبعاً بلا شك المعاصي أسباب لنقمة الله بلا شك يا إخواني، مَن يرد هذا الكلام؟ مَن يرد؟ مُستحيل، حتى على المُستوى الفردي هذا صحيح، حين تتبرَّج المرأة وتترك الصلاة أو تترك أنتَ الصلاة تُصاب بنقم من الله تبارك وتعالى، تأتيك تحذيرات ثم تُصاب بنقم ويسود عيشك، هذا كلام لا يُرَد، لكن الذي نسخر منه أن تبقى تُردِّد هذه النغمة – ترك الصلاة وترك الحجاب وعدم الخشوع وعدم قيام الليل وعدم الاهتمام بأحكام التجويد وحفظ الأجزاء من القرآن الكريم وكذا وكذا – ولا تتكلَّم ولو لمرة عن السرقات والطُغيان والظلم والرشاوى والأموال الفاسدة والصفقات المشبوهة والتعاون مع الاستعمار والخيانة وبيع الغاز بلا مُقابِل وبخسارة، لا تتكلَّم عن هذا ولو لمرة، هذا الذي يضطرنا أن نقول لك أنت كذّاب، أنت دجّال كسيدك، أنت تقول حقاً هو بعض الحق ويُراد بهذا البعض الباطل، أرأيت؟ وبعض الحق يُساوي الباطل، فكيف إذا أُريد به أصالةً الباطل؟ ما هو الباطل؟ أن تدعم ولي نعمتك، أليس كذلك؟ وأن تُبرِّر له وتخرج على الناس بحليتك التي طولها نصف متر لكي تقول شهادة لله ثم تشهد في الظلمة، ما هذا؟ إلى متى؟ إلى متى تعبثون بنا؟ اتقوا الله فينا، حرام عليكم، والله العظيم حرام عليكم ما تفعلونه بأنفسكم عند الله وبنا – بهذه الأمة – وبهذا الدين، لكن الحمد لله جاءت الثورات، إن شاء الله تستمر – بإذن الله – وتكسر كل رؤوس طواغيت ولا أقول تعود الأمة إلى حكم نفسها بل تبدأ الأمة تحكم نفسها، لأن بالكاد حكمت نفسها في زمن أبي بكر وعمر وعثمان بعض الشيئ وبعد ذلك – كما قلنا – الإمام عليّ ثم انتهى الأمر، حتى عمر بن عبد العزيز – رضوان الله تعالى عليه – الرجل الصالح الطيب كان يُؤخِّر الصلوات حين كان والياً، ابن حجر في كتاب الصلاة في تضييع مواقيت الصلاة يقول عمر لما كان والياً على المدينة – نفس الشيئ – كان يُؤخِّر الصلوات، يُصلي الظهر مع العصر عند المغرب، قبل المغرب بدقائق يُصلي، هؤلاء بنو أُمية، وهذا ثابت عنهم طبعاً، ذكره ابن حجر ومن قبله ذكره ابن رجب الحنبلي في فتح الباري، تم تأخير الصلوات على يد بني أُمية، فعمر بعد ذلك حُدِّث – حدَّثه بعض التابعين الأجلاء عن هذا، قالوا ليست هذه السُنة وليس هكذا الذين، الصلاة كتاب موقوت، لابد أن تُصلى في وقتها، يُصلى الظهر في وقته والعصر في وقته، لا يصح ما تفعله، كيف تُخرِج الظهر عن وقته وتُصليه مع العصر قبل المغرب؟ أضعتم الدين – وعاد – ما شاء الله – إلى الحق، يقول ابن حجر ولكنه كان يُراعي قومه، أي بني أُمية، فهناك تأخير أيضاً، حين صار خليفة أعتقد انتهى كل هذا بفضل الله عز وجل، هذا انتهى حين أصبح خليفة، لكن حين كان والياً كان مُضطَراً أن يُراعيهم، عبد الرزّاق في المُصنَّف يروي عن عطاء يقول دخلت لأُصلي الجُمعة خلف الوليد – الوليد بن عبد الملك أحد الجبابرة الأربعة أبناء عبد الملك بن مراون، قالوا أبو الجبابرة الأربعة، وطبعاً هذا بعض وقت العصر – فصليت الظهر أولاً قبل أن أجلس، وجلست أومأت بالعصر إيماءً، لأن سوف يدخل وقت المغرب، الجُمعة تُصلى إلا عند المغرب، لك أن تتخيَّل أن الجُمعة تُصلى عند المغرب، هذا في مُصنَّف عبد الرزّاق، وهذا الذي أثبته – كما قلت لكم – الحافظان ابن رجب وابن حجر وغيرهما، هذا ثابت، أشياء ثابتة ومعروفة، لماذا؟ قال وإنما فعل عطاء ذلك – لم يقدر على صلاة العصر واقفاً، فقط إيماء برأسه السكين، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، هذا مُهِم لكي تروا الظلم، هناك أُناس يسمعون هذا الكلام لأول مرة، أليس كذلك؟ إلى هذه الدرجة كان يُوجَد الرعب؟ إلى هذه الدرجة شن بنو أُمية حرباً حتى على الصلاة وعلى الشعائر الدينية؟ نعم، لا أعرف ما هذا، أُناس عندهم كره للإسلام، يا أخي ما مُشكِلتك مع الصلاة؟ هذه صلاة، لماذا تُضيِّعون الصلوات على الناس؟ وطبعاً لابد أن تُصلي جماعة، لا يُمكِن أن تُصلي في بيتك، يسألون دائماً فإذا كنت مريضاً وعندك مُشكِلة سوف يسمحون لك، لا يُمكِن لأي شخص عادي ألا يُصلي معهم، إلى أين؟ لماذا لم تُصل معهم؟ يُؤتى به، رُغماً عنك تُصلي خلف الأمير أو خلف الإمام أو خلف الخليفة بحسب ما ابتلاك الله وأنت جالس في العاصمة أو في الأطراف، لابد أن تُصلي معهم في المسجد، فطبعاً المسكين عطاء أومأ إيماءً – مخافة القتل، سوف يُقصون رأسك مُباشَرةً، أتُصلي العصر؟ أُصلي العصر يا أخي لأن سوف يضيع، قالوا يضيع، هذا عادي، فليدخل وقت المغرب، ما علاقتك أنت؟ السُلطان معه السيف، هذه النظرية نفسها، السُلطان معه السيف، أرأيتم إلى أي درجة بلغ الظلم؟ ظلم فظيع، وهذا الكلام موجود في الشروحات، وأنا أعرف أن أي أحد قرأ فتح الباري قرأ هذا الكلام، لكن أن مُتأكِّد من أن عقليته والـ Sensor الخاص به وجهاز الانتخاب عنده لا يسمح له بالاستيعاب، كأنه لم يقرأ هذا الكلام ولم يفهمه، غير موجود، هذا غير موجود، لم يُوجَد ولم يُخلَق الكلام هذا، لماذا؟ لأن هذا يُشوِّه الصورة النمطية التي عنده عن الحكم الإسلامي الرشيد الزاهر وعن بني أُمية وبني العباس والإسلام والفتوحات، هذا ممنوع وانتهى الأمر، ولذلك لم تسمعوه مرة واحدة في منبر، أليس كذلك؟ هناك أحاديث في البخاري ومُسلِم – في الصحاح – ومع ذلك لا تسمعون هذا ولو لمرة في منبر، وهذا غريب كما قلت في خُطبة أمس، أليس كذلك؟ طيلة حياتنا نسمع حديث كتاب الله وسُنتي، كتاب الله وسُنتي، كتاب الله وسُنتي، ثم يتضح أنه ضعيف ومُرسَل وبلاغاً عند مالك من غير سند إلا اسم مالك، والحديث المُخرَّج في مُسلِم وفي غير مُسلِم بأسانيد صحيحة قوية جداً كتاب الله وعترتي، أي أهل بيتي، لم نسمع هذا ولو لمرة، وإذا قالوه يكون هذا على استحياء وبسرعة دون أن يشرحوه هذا للناس، والناس لا تفهم، أكيد العترة هي السُنة، كأن سُنتي هي أهل بيتي وانتهى الأمر، لأن هذا له علاقة بالشيعة، نشم منه رائحة التشيع، شيئ رهيب يا جماعة، هو هذا، هذه الرقابة الثقافية من ألف وأربعمائة سنة، شيئ يتصدَّر وشيئ يختفي، ونفس الشيئ كما قلت، أنت الآن تشتغل مع بني أُمية وتشتغل عاملاً لهم وتُبرِّر لهم مظالهم، بمُجرَّد اشتغالك معهم أنت ظالم، والله الإمام أحمد – رضوان الله عليه – عنده كرامات وأشياء عظيمة جداً جداً، ومواقفه حتى من السُلطة شخصياً في خلق القرآن الكريم تُحمَد له، مواقفه من الظلمة معروفة، هناك القصة المشهورة التي سأله فيها أحدهم يا أبا عبد الله أنا أشتغل سجّاناً – قال له أنا سجّان، أضع الناس في السجن وأحرصهم – فهل أُعَد من أعوان الظلمة؟ قال له من أعوان الظلمة؟ أنت منهم قال له، أنت ظالم من الظلمة، أنت لست من الأعوان، كيف؟ قال له لا، أنت منهم، لست من أعوانهم، أعوانهم تعرف مَن؟ قال له، قال له لا أعرف، قال له أعوانهم: الذي يطبخ لهم الطبيخ، طبّاخ يطبخ ويذهب هذا الطبيخ لهذا الأمير أو لهذا الخليفة، هذا من أعوان الظلمة، خيّاط يخيط لهم ملابسهم، هذا من أعوان الظلمة، هذا يعني أن أحمد عملياً كان بوده – وكان يُفتي بهذا طبعاً – لو أن الناس عملوا بالوصية النبوية لو أن الناس اعتزلوهم، أتى في آخر حياته ثم قال لا، اشطب عليه، لأنه في مواطن أُخرى كرَّس نظرية السمع والطاعة والصبر، تسمع وتُطيع وتصبر، هذا تناقض، علماً بأن أي فكر يُزاحِم الحقيقة أو تُزاحِمه الحقيقة يُوجِب التناقض في المواقف والتناقض في التكفير، خُذوا هذا كقاعدة مني، يحدث – سُبحان الله – تناقض، وكم في حياتنا وفي أدمغتنا من تناقضات!
حكيت لكم ربما في المرة الفارطة تناقضاً للإمام الذهبي، قال ويزيد مِمَن لا نسبه ولا نُحِبه، هذا جيد، هذا رأيك، لكن نحن نسبه ولا نُحِبه، نحن نسبه ولا نُحِبه، هل هذا جيد؟ هذا رأيك وأنت طبعاً إمام جليل، وبعد كم من صحيفة بسيطة قال ويزيد كان ناصبياً فظاً غليظاً جِلفاً يفعل المُنكَر ويشرب المُسكِر وافتتح خلافته بقتل الحُسين ابن رسول الله واختتمها بوقعة الحرة فلم يُبارَك في عُمره وفعل الأفاعيل، ما شاء الله عليك، هل يُوجَد سب أبلغ من هذا السب؟ تقول أنه ناصبي، وهذا يعني أن دينه بغض أهل محمد، أي أهل بيت محمد، يدّين ويتقرَّب إلى الله بحبهم وتقريبهم والصلاة عليهم في الصلاة، هذا هو دينه، أي النصب، وتقول أنه فظ غليظ جِلف، وتقول أنه يفعل المُنكَر، وكلمة مُنكَر أنت تقولها والله أعلم ماذا كان يفعل، تقول يفعل المُنكَر ويشرب المُسكِر، هل يُوجد سب يا ذهبي أكثر من هذا؟ رضوان الله على الذهبي، لماذا تناقض؟ لأن في تفكيره يُوجَد شيئ صحيح ويُوجَد شيئ غالط، هذه الكلمات صحيحة، كلمات لا نسبه غالطة، لابد أن تسبه، لابد أن تسبه لأن القرآن لا نقول سب بل لعن، ونحن نُفرِّق بين السب واللعن، السب كأن تقول أبوك كذا وأمك كذا يا ابن كذا وأصلك واطئ وخسيس وما إلى ذلك، هذا السب، المُسلِم لا يكون سبّاباً، لكن هناك شيئ اسمه اللعن، قال الله لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ۩، وقال أيضاً لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ۩، لعنة الله على مَن استحل حرم رسول الله، على مَن استحل أهل بيت رسول الله، على مَن زاد في القرآن، على مَن أحدث في الحرمين حدثاً، على مَن آوى مُحدِّثاً، على مَن غيَّر منار الأرض، على المُرابي، على كذا وكذا، هذه نصوص شرعية في الكتاب والسُنة، أليس كذلك؟ لا تدّعي أنك فطن وذكي جداً وأنك مُترَف وإنسان ما شاء الله راقٍ وعندك إتيكيت Etiquette وتقول أتنزَّه عن ما أمر الله به ورسوله وعن ما فعله الله ورسوله، الله لعن ورسوله أصنافاً من الناس وأصنافاً من البشر، أليس كذلك؟ أنت تقول لا، أنا أتنزَّه، الأحسن لي ألا ألعن، ما شاء الله، هل هذا أدب أم حماقة؟ لا أعرف، أم أن هذا هبل في عقلك؟ لا، هل تعرف لماذا هذا اللعن؟ لكي يشعر الناس بحجم الجريمة حين يُقال فلان الخليفة لعنة الله عليه، بلعن الله ورسوله نلعنه، لأن الله قال فيه وفي أمثاله كذا وكذا وكذا، اللعن جاء في أشياء أبسط من هذه، هذه ما نتشبَّث بها، لو سألت اليوم أي شيخ – نُريد أن نستروح قليلاً حتى لا يزعل الناس منا – وقلت له يا مولانا أنا مُتزوِّج امرأة ترغب عني أحياناً وحين أدعوها لا تُلبيني سوف يقول لك تبيت وتلعنها الملائكة حتى تُصبِح، إذن تلعنها، هذا لعن لفرد مُعيَّن أم لعن لطائفة؟ لعن لفرد مُعيَّن، هذا من أقوى أدلة لعن المُعيَّن، تقول لها الملائكة لعنكِ الله، لعنكِ الله، لعنكِ الله إلى أن تُصبِح، هذا يحفظونه، لكن عند شيئ فيه لعن للسُلطان الظالم وللظلمة ولسفّاكي الدماء يقولون لعن المُعيَّن ممنوع، نتأدب ونقبض ألسنتنا، غير معقول، الأدب مع هؤلاء، لكن الضعفاء من أمثالنا والنسوان والمظلومين لا يُلعَنون فقط بل ويُفتى بكفرهم وذبحهم وقتلهم ولا كرامة لهم، انظر أنت إلى الفتاوى في الخارجين على السُلطان، أبو حنيفة من الأسباب التي جُرِحَ بها – أنا أقول لكم هذا جوهر أبي حنيفة، غير هذا كله تدجيل – أنه كان يرى الخروج، يقول الأوزاعي احتملنا أبا حنيفة في كل شيئ حتى جاءنا بالسيف، هنا لا، لأن الأوزاعي ما شاء الله من السدنة ووكالة السُلطان، قال إلا السيف، لا تقل لنا نخرج على الظالم، لكن يا أوزاعي لماذا خرج جماعة ابن الأشعث؟ عشرات بل مئات من القرّاء والعلماء وسادات التابعين خرجوا وقاموا لله ولرسوله على الحجّاج وعبد الملك لكي يخلعوا السُلطان الظالم الجبّار العنيد، لماذا ثاروا على عبد الملك؟ هذا خطأ حدث وفي دير الجماجم ماتوا وسُجِنوا وعُفيَ عن مَن عُفي وكانت غلطة كبيرة وكان فساداً عظيماً، أُريد أن أقول لكم شيئاً، تخيَّلوا الآن أي شيئ نجح في التاريخ لو أنه فشل كيف كان سيُؤرَّخ له؟ تخيَّلوا لو مُعاوية فشل أمام عليّ – وعلى كل حال هو فشل طبعاً بلا شك، لكن نقصد لو فشل عسكرياً – ودُقَّت عُنقه في المعركة، مات وانتهى كل شيئ واندثر نظام أهل الشام ودخلوا فيما دخل فيه باقي الناس، مُستحيل أن تجدوا تعاطفاً مع مُعاوية، بالعكس سوف يقولون مُعاوية قبَّحه الله، مُعاوية قبَّحه الله خرج على الإمام الحق رابع الراشدين وأخي رسول الله الإمام عليّ، قد تقول لي هذه افتراضات وسوف نظل نترضى عليه، لكن لا، أنت لا تفهم، أنت تخدع نفسك، هل تعرف لماذا؟ يُوجَد رجل اسمه عمرو بن الحمق، اليوم في مصر شيخ سلفي نزل فيه سباً، قال الكذا والكذا والكذاب، بهدله بشدة، لكن هذا صحابي، من الصحابة الأجلاء، لماذا يسبونه؟ لأنه خرج على عثمان، قضية عثمان ربحت في النهاية، أليس كذلك؟ باسم دم عثمان طبعاً تم إفشال المشروع الإسلامي وقُتِل عليّ في النهاية وسُم الحسن ودخلنا في النفق المُظلِم – نفق بني أُمية – وإلى اليوم لم نخرج منه، إلى اليوم لم نخرج، فصار كل صحابي خرج على عثمان يُقال عنه فليذهب إلى الجحيم، طبعاً كيف يخرج على الإمام؟ أرأيتم؟ لكن مُعاوية خرج على عليّ ومُعاوية ربح، وهذا يعني أنهم سيقولون رضيَ الله عنهما، هذا اجتهد وهذا اجتهد، وهذا أصاب وهذا أخطا، ثم اسكت وينتهي الأمر، أرأيتم؟ عبد الرحمن بن عُديس البلوي صحابي جليل، يُقال هذا له فضائل خاصة ولعله من أصحاب الشجرة، هو منهم في الحقيقة، الأرجح أنه منهم، من أصحاب بيعة الرضوان عبد الرحمن بن عُديس البلوي، وهذا كان على رأس الطائفة التي جاءت من مصر مع عمرو بن الحمق ثائراً على عثمان بن عفان في المدينة، لم يعجبه الظلم وفساد الأحوال.
(ملحوظة) ذكر أحد الحضور محمد بن أبي بكر، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم محمد بن أبي بكر معروف لكن مُختلَف في صُحبته لأنه كان صغيراً جداً!
بعد ذلك عبد الرحمن بن عُديس البلوي أُخِذ، أخذه بنو أُمية وسُجِن في لبنان، فر من سجنه فأدركوه، أدركوه في جبل مُعيَّن فقال لهم اتقوا الله، ويحكم أنا من أصحاب محمد وأنا من أصحاب الشجرة، قالوا له الشجر في الجبل كثير، ثم قدَّموه وذبحوه، قالوا له شجرة ماذا؟ قالوا له الشجر في الجبل كثير، قالهم ويحكم أنا من أصحاب الشجرة، أنا من أصحاب بيعة الرضوان، صحابي أنا، خرجت على عثمان في نظري بالحق، اجتهدت يا سيدي، قولوا اجتهد فأخطأ ورضيَ الله عنه وأرضاه وعنده أجر فلا يُذبَح، قالوا له أين هذا يا بابا؟ العب غيرها، لكن إلى اليوم تُلعَب علينا قصة أُمية، أرأيتم كيف؟ هذا الذي يغيظيني، أرى الحقائق واضحة لكنهم يُريدون أن يتلاعبوا بنا، أي أحد خرج على عثمان يُذبَح كالسخل ويُسخَر منه ومن صُحبته وهو صحابي ويُسخَر من كونه أصحاب الشجرة، من أصحاب بيعة الرضوان، يُقال له الشجر في الجبل كثير، فقُرِّبَ فذُبِح، ذبحوه وقتلوه صبراً، هذا لا يُعترَف بصُحبته ولا ببيعته ولا برضوانيته، أرأيتم؟ لماذا؟ لأن التاريخ يكتبه المُنتصِرون، التاريخ يكتبه المُنتصِرون، هذه لعبة، هذه نفس اللعبة وهذا عيب، الأمة هذه أمة محمد، أمة القرآن الكريم الذي يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ۩، كان أحق بها وأجدر وأولى يا إخواني ألا تنطبق عليها هذه القواعد الظالمة، بالعكس سواء انتصرنا أو خسرنا ننحاز للحق ونكتب الحق ونُشيد بالحق، لكن أين؟ هذه مثاليات، هذا لم يحدث، لم يحدث وإلى اليوم لا يحدث، أليس كذلك؟ إن شاء الله نبدأ مشواراً جديداً ونُحاوِل أن نُعدِّل ما نستطيع تعديله.
أكتفي بهذا القدر على أن ألقاكم في حلقة أُخرى، والسلام عليكم ورحمة الله.
(تابعونا في الحلقات القادمة)
أضف تعليق