الأخبار والآثار
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه، ربنا افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين.
نُكمِل قصة تجويع مُعاوية لأهل المدينة سنتين أو ثلاثاً: وذاك أنّه حبسهم سنتين أو ثلاثاً لم يُعطهم شيئاً، فقال – مَن الذي قال؟ ثابت بن قيس -: ما هذا؟ فقالوا: نُريد أن نكتب إلى مُعاوية، فقال: ما تصنعون أن يكتب إليه جماعة – جماعة يكتبون؟ انظر إلى الصحابي الجليل ثابت بن قيس رضوان الله عليه الذي يفهم نفسية مُعاوية ورد فعل مُعاوية، شيئ مُخيف -، يكتب إليه رجلٌ منّا – قال لهم هذا ثابت بن قيس -؛ فإن كانت كائنةٌ برجلٍ منكم خيرٌ من أن تقع بكم جميعاً، وتقع أسماؤكم عنده – هل فهمتم؟ يعرف مُعاوية تماماً، حين تكتب جماعة من عشرة أو عشرين نحن نُوقِّع أو نحن المُوقِّعون أدناه وما إلى ذلك يُمكِن أن يبطش بهم جميعاً، إن لم يبطش بهم وأجرى حسابات وما إلى ذلك تبقى أسماؤهم عنده، يعرف أنهم من المُعارِضين ومن المُتجرّئين على أن يقولوا له ثُلث الثلاثة كم؟ كما يُقال، هذا لا يُسأل كم ثُلث الثلاثة؟ تسكت أمام هذا الحليم، فهم يفهمونه، لم يُخدَعوا بأنه حليم وما إلى ذلك، يعرفون ماذا يفعل في كل مَن يُعارِضه أو يُلوِّح له بالعصا -، فقالوا: فمَن ذلك الذي يَبذل نفسه لنا؟ – لأن هذه أيضاً عملية استشهادية، أن تكتب باسمك نحن نُريد عطاءنا أو أعطنا العطاء وما إلى ذلك عملية استشهادية – قال: أنا – صحابي جليل فارس، قال أنا، هذا ثابت بن قيس -، قالوا: فشأنك – أي خُذ هذا، هيا افعل وتحمَّل -، فكتب إليه وبدأ بنفسه فذكر أشياء منها نُصرة النبي صلى الله عليه وسلم – قال له نحن الأنصار نصرنا النبي، قال له نحن أنصار رسول الله، نحن أنصار الله ورسوله – وغير ذلك، وقال حبست حقوقنا واعتديت علينا وظلمتنا – كما قلت لكم مُعاوية ما شاء الله ومَن تلاه فعلوا هذا، ابحثوا كيف حفظوا رسول الله في أهل بيته وقد أوصى بأهل بيته وكيف حفظوا رسول الله في الأنصار وقد أوصى بالأنصار وكيف حفظوا رسول الله في مدينته وحرمه وكيف فعلوا في مدينته وحرمه، استقرأوا التاريخ، اقرأوا وانظروا، أشياء واضحة جداً جداً جداً، ما شاء الله عليهم، شديدو الحرص على حفظ وستر رسول الله في هذه الأمور، أهدروها جميعها وانتهكوها جميعها، كما يقول القرطبي الذي نهك كذا وكذا، المُهِم نعود إلى ما كنا فيه الآن – وما لنا إليك ذنب إلا نُصرتنا للنبي صلى الله عليه وسلم – قالوا له نحن نعرف هذا، هؤلاء كانوا يفهمون، لم يكونوا مُصابين بالهبل مثلنا، قالوا له نحن نعرف أن الذنب الذي أذنباه في جنبك يا مُعاوية أننا نصرنا النبي، كانوا يفهمون يا جماعة أن هذا الرجل وأباه وجماعته عندهم شديد من نجاح المشروع المُحمَّدي الإسلامي، لا يُريدون هذا، لماذا؟ لا يُريدون هذا، عشرون سنة سدنة الكفر والشرك ومُحزِّبو الأحزاب، ما شاء الله يوم الفتح تبدَّل الحال، مثل ابن تيمية الذي ضحك علينا هنا، احك هذا لأي عالم سيكولوجي في العالم وسوف يقول شيخكم هذا لا يفهم رأسه من رجليه بصراحة، ابن تيمية يقول نعم مُؤلَّفة قلوبهم، وإن كان الرجل كما ورد في الأثر ليُسلِم صباحاً طمعاً في الغنيمة ويتألَّف قلبه فما يأتي عليه النهار إلا والإسلام أحب إليه من الدنيا وما فيها، والله العظيم لا يُصدِّق هذا إلا أهبل، لا يُمكِن لرجل أن يُصبِح هكذا يا جماعة، لا يُمكِن أن يُسلِم رجل الصبح ثم يكون في العصر ما شاء الله عليه، وخاصة في مَن أقصد؟ في الطُلقاء، الذين أسلموا وهم يعرفون أنه لا خيارات، خياراتهم لم تكن واسعة جداً، واضح أمرهم كيف سيكون، ما هذا يا ابن تيمية؟ كيف تقول هذا؟ بأي منطق تقول هذا؟ بأي علم تدرس؟ كيف تُريد أن تُفهِم البشرية هذا؟ رأينا مُعاوية كيف أسلم ورأينا كم سنة ما شاء الله ما تعدَّل، بل كان هذا الرجل يزداد سوءاً والعياذ بالله، وختم حياته بأن جعل ابنه على رقاب الأمة، دمَّر الدنيا وانتهى الأمر، ابنه الذي دمَّر المدينة واستباحها ثلاثة أيام وقتل آل بيت رسول الله، هذه هي النتيجة، وهي واضحة جداً -، فلما قدم كتابه على مُعاوية دفعه إلى يزيد – انظر إلى هذا، ابنه الذي يكذبون عليه، قالوا ابن عباس دخل مرة على مُعاوية فأمر أن يستقبله، فاستقبله واحتفى به وجلس معه وآنسه وألطفه، وبعد ذلك حين خرج ابن عباس قال إن يمت هذا يمت خير قريش، والله العظيم يا أخي شيئ غير معقول، هل ابن عباس يقول هذا؟ ولا يقولون لنا ماذا قال ابن عباس في يزيد وفي أبي يزيد، أخبار أُخرى أصح وأقوى يسكتون عنها، قالوا البخاري قال يا أخي، قال عن مُعاوية إنه فقيه صحب رسول الله، حاجونا بهذا وقالوا أنه شهد له بأنه صحب رسول الله، لأنه صلى الوتر بركعة واحدة، عندنا إسناد ثانٍ وهو قوي جداً بفضل الله، أبو جعفر الطحاوي قال لا أدري من أين أخذها الحمار، عن مُعاوية، هذا دسوه، لم يقل ابن عباس إنه فقيه صحب النبي، قال لا أدري من أين أتى بها الحمار، عن مُعاوية، سوف نأتي بهذا فيما بعد، حين نُجيب عن الشُبهات سوف ترون هذا، كل شيئ له جواب، هؤلاء يُعطونكم شيئاً ويسدون أشياء، لكن يجب أن تعرفوا كل شيئ، هذا ابن عباس، عنده يزيد هذا ما شاء الله، كأنه فتى قريش، هذا المُجرِم الخليع، المُهِم أن تنظروا إلى يزيد الحليم ما شاء الله مثل أبيه – فقرأه ثم قال له ما الرأي؟ – انظروا إلى جواب يزيد ما شاء الله – فقال تبعث فتصلبه على بابه – ثابت بن قيس صحابي شهد أُحداً، النبي سماه الحاسر، أقبل يا حاسر، أدبر يا حاسر، لماذا؟ في أُحد عشرين جراحاً، علماً بأن الأنصار هم الذين كانوا الفرسان الكبار ما شاء الله عليهم، لأنهم كثرة وفرسان شجعان، هذا اسمه ثابت بن قيس وقد شهد أحداً والمشاهد بعدها، كان مع عليّ في صفين وهذا لا ينساه له مُعاوية طبعاً، هذه جريمة كُبرى، هذا ثابت بن قيس رضوان الله عليه الأوسي وليس الخزرجي، وهذا مُهِم وسوف تفهمون لماذا أقول هذا الكلام، هذا ثابت بن قيس الأوسي وليس الخزرجي، هذا الحاسر، قال له اصلبه على باب بيته واقتله، يأمر بالصلب، كلمة صلب هذه سهلة عندهم جداً، وبعد ذلك صلبوا الإمام زيد وصلبوا غيره -، فدعا – أي مُعاوية – كبراء أهل الشام فاستشارهم فقالوا تبعث إليه حتى تقدم به ها هنا – أي تأتي به إلى هنا، انظروا إلى الغدر، هذه عقلية مُعاوية، عقلية الغدر، تُؤمِّنه وتأتي به – وتقفه لشيعتك – تقفه لكي يراه كل الناس، جماعتك وكبار رجال الدولة – ولأشراف الناس حتى يروه ثم تصلبه – بعد ذلك تصلبه، هكذا تكون شفيت فيه غيظك، ما هذه الناس يا أخي؟ – فقال هل عندكم غير هذا قالوا لا – هذا هو الرأي، لابد من الصلب هنا أو عند بيته، لم يقولوا هذا صحابي، صحابي ماذا؟ هم قتلوا أهل بيت النبي، صحابي ماذا؟ هم استباحوا المدينة وحرقوها وذبحوها وهتكوها، صحابي ماذا؟ وصحابة ماذا؟ يُقال صحابة عندنا فقط، عند المُصابين بالهبل وعند الذين يُدافِعون عن الظلمة، هم يقولون لا صحابي ولا كلام فارغ، لكن نحن نقول هم صحابة، الذين دمَّروا الدنيا كلها وذبحوا الصحابة هم الصحابة ورضيَ الله عنهم، منطق غريب جداً -، فكتب إليه قد فهمت كتابك وما ذكرت، وقد علمت انها كانت ضجرة لشغلي – قال له أنا فقط كنت مشغولاً، كنت مشغولاً ثلاث سنوات، نسى المدينة كلها، نسى الأنصار لأنه مشغول، دجّال مثل القذّافي الذي كان ناسياً، هل نسيت ثلاث سنوات؟ هل نسيت سنتين؟ هل نسيت سنة؟ أرزاق الناس يا أخي، كيف كنت ناسياً؟ – وما كنت فيه من الفتنة التي أشهرت فيها نفسك – انظروا إلى هذا، قال له كنت مع عليّ في صفين، لم أنساك، أنا أعرفك – فأنظرني ثلاثاً، فقدم كتابه – كتاب مُعاوية – على ثابت فقرأه على قومه وصبَّحهم العطاء في اليوم الرابع.
أرسل لهم العطاء بعد ثلاث سنوات، طبعاً لماذا ذكرت هذا؟ لأن سوف يُقال لنا هذا كذب، من غير أن ننظر في الإسناد كذب مائة في المائة، لماذا؟ كيف يُقال هذا؟ قالوا ثابت بن قيس معروف ومقطوع أنه لقيَ الشهادة في اليمامة، في الحرب مع مُسيلمة الكذاب لعنة الله عليه، ولبى الله دعوة الرسول له بأن يعيش سعيداً وأن يموت شهيداً، وهو الذي بحسب بعض الروايات طبعاً نزل فيه قوله تعالى أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ۩ فمرض واعتل في بيته، إلى آخر هذه القصة المشهورة، وهنا نقول لهم هذا خطأ، لأن هذا الصحابي الجليل الشهيد الذي تتحدَّثون عنه هو ثابت بن قيس بن شمّاس الخزرجي، وهناك ثابت آخر اسمه ثابت بن قيس وهو أوسي، انتبهوا إلى هذا، ومن غريب الاتفاق الذي لحظه الإمام الذهبي أن أولاد ثابت بن قيس بن شمّاس شهيد اليمامة قُتِلوا يوم الحرة، جيش يزيد قتل الثلاثة، ذبحهم جميعاً، من غريب الاتفاق أن أولاد ثابت بن قيس الأوسي الذي كتب هذا الكلام لمُعاوية الثلاثة قُتِلوا في الحرة أيضاً، هذا الاتفاق الغريب، لدينا ثابتان كلاهما ابن قيس، أحدهما خزرجي وآخر أوسي، جناحا الأنصار ولك أن تتخيَّل هذا، أولاد الأول الثلاثة وهو شهيد اليمامة قُتِلوا في الحرة، وأولاد الثاني الأوسي الثلاثة قُتِلوا في الحرة، كانوا ثلاثة أيضاً، ثلاثة ذكور وثلاثة ذكور، هذه الحرة وبركات الحرة، هذه بركات يزيد بن مُعاوية وبركات استخلافه، أولاد الصحابة يُقتَلون هكذا.
على كل حال نرجع إلى المال، ما زلنا في الصعلكة وتغوّل أموال الناس وحقوق الناس ومنع حقوق الناس وتجويع الناس، أساليب صعلكة، لا يُمكِن لحاكم عادل عاقل أن يتعامل مع شعبه بالطريقة هذه، هذا صعلوك، الصعلوك لا يشبع، يُريد أرض الناس ويُريد أموال الناس ويُريد كل شيئ، فضلاً عن أسلوبه ومُخطاباته واستفزازه للناس وتعليقه على الناس، سوف ترون الكثير، في البداية والنهاية لابن كثير قال الزهري – محمد بن مسلم بن شهاب – ومضت السُنة أن دية المُعاهِد كدية المُسلِم – قال هذه السُنة الماضية – وكان مُعاوية أول من قصرها إلى النصف وأخذ النصف لنفسه.
طبعاً أخذ النصف – كما في روايات أُخرى – لكن لم يضعه مُباشَرةً في جيبه، وإنما كان يأمر به في بيت المال لكن السؤال: ماذا يُفعَل بأموال بيت المال؟ معروف هي لمَن، ما شاء الله لا حسيب ولا رقيب عليه، لا يقدر أحد على أن يقول له شيئاً، يتصرَّف كما يُريد!
نأتي الآن لكي أقرأ عليكم أيها الإخوة بسرعة وعلى عجل بعض المقاطع من ترجمة مُعاوية وهي ترجمة مُطوَّلة – زُهاء مائة وخمسين صفحة – في أنساب الأشراف للإمام البلاذري، وفيها لطائف وعجائب وبدائع مما يتعلَّق بمُعاوية، قال هشام: حدَّثني شيخ لنا قال، قال مُعاوية ليزيد: يا بني اتخذ المعروف عند ذوي الأحساب لتستميل به مودتهم وتعظم به في أعينهم وتكف به عنك عاديتهم – أين أجر الله؟ أين الآخرة؟ هذا كله غير موجود عنده، كلها أغراض سياسية ميكافيلية فقط، لكي يُصبِحوا معك وتأمن شرهم فيثبت مُلكك، هكذا كان يعتقد مُعاوية، وبأموال مَن؟ بأموال الأمة، وعند مَن؟ ذوي الأحساب، عند الناس المُهِمين، أما المحاويج والمُعدَمون والضائعون فيزدادون ضياعاً، مع السلامة، فليذهبوا إلى الجحيم، ما علاقتي بهم؟ – وإياك والمنع فإنه مفسدة للمروة وإزراء بالشريف – هل هذا واضح؟ -. المدائني قال: دخل أبو الأسود الدؤلي على معاوية فإنه ليُحدِّثه – هذه قصة مشهورة ومُؤلِمة، أبو الأسود معروف وهو شريف، ظالم بن عمرو هذا، رجل شريف كبير، وكان من تلاميذ الإمام عليّ أيضاً هذا، واضع النحو وسيد شريف وشاعر كبير ورجل صالح وتقي – إذ حبق – أي خرج منه ريح بصوت، فتنة سبحان الله -، فقال: يا أمير المُؤمِنين أنا عائذ بالله – لأن هذا عند العرب فضيحة كبيرة، وخاصة هذا أبو الأسود، هذا ليس مثل أي إنسان عادي، قال له استعذت بالله فتكن لي معاذاً بعد الله – وبسترك، ثم خرج ودخل عمرو بن العاص فحدَّثه – قال له مُباشَرةً كان عندي أبو الأسود وضرط، هذا صعلوك كما قلت لك، هذا الرجل ليس سيداً، قالوا أسود الناس، كيف يُقال أسود الناس؟ رجل صعلوك، يتصرَّف كصعلوك، لا شرف لديه ولا عفة ولا همة ولا رجولة، هذا كله غير موجود يا أخي، والله العظيم ونحن صعاليك مساكين نعرف من أسرار الناس ولا نتحدَّث، أُقسِم بالله ونحن صغار كنا نعرف من أسرار الناس وفضائحهم ما لم نُفض به إلى أحد إلى اليوم بفضل الله عز وجل، أُقسِم بالله ونحن صغار أطفال يا أخي، أُشهِد الله على هذا، وهذا يقول أنه أمير المُؤمِنين ويفضح سيداً في مقام أبي الأسود الدؤلي، ألست قادراً على مسك لسانك؟ نعم لست قادراً، هذا صعلوك، نفسية صعلوك فماذا تفعل؟ – وبلغ ذلك أبا الأسود فأتاه فقال: يا مُعاوية إن الذي كان مني قد كان مثله منك ومن أبيك – الكل يحدث معه هذا الشيئ -، وإن من لم يُؤتمَن على ضرطة لجدير ألا يُؤتمَن على أمر الأمة.
وصدق أبو الأسود، الله أكبر، إي والله العظيم، قال له لم تقدر على تكون أميناً على ضرطة، فكيف تكون أميناً على أمر الأمة؟ كيف تكون خليفة؟ لا والله قال له، انظر إلى هذا الرجل، ربك أراد هذا لكي نستيقظ ونفهم، غير قادر على مسك نفسه لكي يستر على رجل كريم مثل هذا في ضرطة، هذا كلام تافه، فكيف تُؤتمَن على أعراض الناس وأموالها ودينها أنت؟ مُستحيل قال له، أنت رجل سخيف، فعلاً إنسان سخيف، أنا أقول لك أنني أتحداك أن تقرأ تاريخ مُعاوية في كل الكتب بشكل عام وتُحِبه، طبعاً سوف تقرأ روايات تمدحه وتُقرِّضه وبشكل عام سوف تقرأ هذا الرجل، لا يُمكِن أن تُحِبه، وأنا قلت لكم ذات مرة برهاناً لا يُرد، قبره بالشام موجود ولا يُزار، متروك سبحان الله أشبه بالمهجور بالكامل، لماذا لا يُزار؟ لماذا لا تهفو إليه القلوب؟ لماذا لا تهوي إليه قلوب الناس من الذين يدّعون محبته ويترضون عنه ويُكفِّرون من أجله؟ لا أحد، لن يُفكِّر أحد في زيارته، هذا كلام فارغ، الله لم يجعل له قبولاً في قلوب الصالحين، يومياً تأتيني مُكالَمات وإن كان هذا ليس دليلاً لكنني أقوله، يقولون لي والله يا شيخ أو والله يا أخانا وأنا صغير كنت لا أُحِب هذا الرجل، والله يومياً تأتيني مُكالَمات عن هذا، سبحان الله، قيل لي والله ما برَّد قلبي إلا مُحاضَراتك، الآن أنا اطمئننت على نفسي، لا يُرتاح إليه، لا يُمكِن أن تقرأ حيات هذا الرجل ثم ترتاح إليه، ليس بيدك الأمر، لا يُمكِن يا جماعة!
قالوا: وأدخل عبد الله بن جعفر سائباً أو بُديحاً – هذا مُغنٍ – على مُعاوية، فأخذ بحلقة باب البيت وجعل يُوقِّع بها – أي تن تن تن، الرجل كان مُوسيقاراً أو مُغنياً، اسمه سائب أو بُديح، اسمه واحد منهما – ويُغني مُعاوية – ولك أن تتخيَّل هذا، يفعل هذا أمام الحاشية، صعلوك فعلاً من الصعاليك، لا يهمه شيئ، ليس عنده احترام لنفسه، يا أخي ملك أنت، ولا نقول أمير مُؤمِنين طبعاً، أنت ملك فيجب أن تكون وقوراً رزيناً، غن وحدك، أهلاً وسهلاً، هذا مُمكِن، لكن ليس أمام الناس، لا يهمه، هذا الرجل يضرب له بحلقة الباب ويُتنتِن له وهو يُغني -، ومُعاوية يُحرِّك رجله – أي أنمُعاوية يُغني ويُحرِّك رجله -، فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ – عبد الله بن جعفر قال له ما هذا؟ – فقال: إن الكريم طروب.
إن الكريم صعلوك وليس طروباً، هذه صعلكة، أنا حين كنت صغيراً – كان عمري إحدى عشرة سنة – كنت أفتتح الحفلات عندنا بالقرآن الكريم، عجزوا معي لكي أُنشِد مرة معهم نشيداً، قلت لهم نشيد لا، أُقسِم بالله هذا ما حدث، وإلى اليوم يستحيل أن أُنشِد أمام الناس، يستحيل أن يحدث هذا، قرآن نعم، نشيد لا، أراه يغض من مقامي، أنا أقرأ كتاب الله، نشيد لا، لا أُنشِد، عمري كان إحدى عشرة سنة وعجزوا والله العظيم، قالوا يا عدنان مرة واحدة، قل كذا وكذا، انشد لنا على المسرح، قلت لهم مُستحيل، نشيد لا، قرآن نعم، مُعاوية أمير المُؤمِنين ويُغني أمام الحاشية، لا يُوجَد استحياء، لا تُوجَد عفة نفس، لا يُوجَد احترام داخلي، أنا أقول لكم هذه مسائل سيكولوجية مَن درسها ومَن عاشها يا جماعة، ولذلك قلت بالأمس لابد أن نقرأ التاريخ قراءة برؤية – رؤية علمية معرفية – لكي نفهم، لا ينبغي أن نظل فارغين كالهبل فنقرأ ولا نفهم شيئاً، هذا لا يصح، يجب أن تُوزَن الأمور، علماً بأن العقاد أجمل ما فعله في كتبه – العبقريات وغيره – أنه حاول أن يُعيد قراءة الشخصيات من مناظير اجتماعية ونفسية وأنثروبولوجية، وهذا شيئ جميل جداً وإن لم يُوف على الغاية، لكنه شق الطريق، هذا هو، حتى طه حُسين إلى حدٍ ما يُحاوِل، الإسلاميون لا يفعلون هذا، عندهم حسن الظن، لهم الظاهر ولله السرائر، والظاهر يُكتَمن إذا لم يُساعِدهم يكتمونه ويحرقونه!
يقول هنا: وحدَّثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن عوانة قال: قيل لعبد الله بن العباس إن الوليد بن عُقبة – تعرفون الوليد السكّير – يقول: ما رأيت أحداً أحق بما هو فيه من مُعاوية – الله أكبر -، فقال: إذا لم يقل الوليد هذا فمَن يقوله.
ابن عباس قال ما شاء الله على الشهادة، الوليد بن عُقبة الفاسق الذي أنزل الله فيه إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ۩ وأزيدكم بأنه السكّير الذي صلى بالناس أربع ركعات وهو سكران، قال أنا ما رأيت أحداً …. (حدث عطل فني من المصدر).
حتى الرسول لا يُستثنى، سوف ترون الآن آثاراً عن مُعاوية هامة، مُعاوية كان يرى أنه ما ولدت قرشية قرشياً مثله ولم يستثن الرسول، لا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا عليّ ولا محمد مثله، انظروا إلى الجراءة على رسول الله، كان يقول لم تلد قرشية قرشياً مثلي، أنا شيئ مُختلِف تماماً، ما شاء الله، نفسية طاغية، شيئ عجيب، هذه نفسية طاغية يرى نفسه شيئاً غير البشر، فقال ابن عباس إذا لم يقل الوليد هذا فمَن يقوله؟ هذا الوليد بن عُقبة الذي حين شم رائحة أن مُعاوية يُمكِن أن يُصالِح عليّاً قبل صفين ويُمكِن أن يُفاوِضه بعث له شعراً، قال له:
مُعاوي إن الشام شامك فاعتصم بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا.
وحام عليها بالقنابل والقنا ولا تك محشوش الذراعين وانيا.
وإن عليّاً ناظر ما تجيبه فأهد له حربا تشيب النواصيا.
قال له انتبه ولا تُصالِح عليّاً، قال له أعد له حرباً تُشيب النواصي واترك الصلح وما إلى ذلك، هذا الخبيث الفاسق قال هذا، لم يُوجَد رجل الله حذَّر منه والنبي حذَّر منه ورأت الأمة منه خيراً، ما رأيكم؟ لكن الأمة سفهت الحق أيها الإخوة وأزرت بنفسها حين عطَّلت هذه الإشارات الإلهية والنبوية وأوَّلتها كما تُريد، فأذاقها الله سوء العذاب على أيدي هؤلاء الطواغيت – والله العظيم – وفرَّق شملها وبدَّد جمعها وبهدلها إلى اليوم، لا يُريدون فماذا نفعل؟ أمة شقية برد المأثور عن رسول الله!
وقالوا: قدم الأحنف والمُنذِر بن الجارود الشام، فرشا المنذر حاجب مُعاوية – انظر إلى حجّاب مُعاوية، هذه رشوة، كل المسائل فيها رشوة وأموال وما إلى ذلك، هكذا كانت الدنيا كلها والعياذ بالله – بأربعة آلاف درهم على أن يُدخِله قبل الأحنف، فدخل المُنذِر قبل الأحنف – الأحنف وراءه يا حبيبي ألوف الرجال، بإشارة من يده يفعل ما يُريد، سيد عظيم جداً هذا، طبعاً هذا تلميذ عليّ وكان معه في صفين -، فقال مُعاوية للحاجب: كيف قدمت مُنذِراً على الأحنف؟! فحدَّثه الحديث – قال له أعطاني أربعة آلاف، ما شاء الله عليه، هذا أمير المُؤمِنين، أرأيت؟ هذا أمير المُؤمِنين الأمين على أموال الأمة وعلى دين الأمة وعلى قيم الأمة، ما هذا؟ قال له أعطاني أربعة آلاف فأدخلته قبل الأحنف -، فضحك معاوية وقال: لا تعد.
أي لا تفعل هذا مرة ثانية، هذا هو فقط، مثلما فعل حين رأى ابنه يزيد يسكر، وهذا في تاريخ ابن كثير، وسوف نأتي بهذا في موضوع الخمر، كان ابنه يسكر ومع ذلك لم يغض ولم يضربه وما إلى ذلك، لماذا؟ هو كان يسكر، كان يسكر في حديث أحمد وأبي داود، فهو كان يسكر وابنه كان يسكر أمام الناس، أي عيني عينك كما يُقال، فقال له افعل هذا في الليل، الليل أخفى للويل، الآن لا، وهكذا، حتى قتل الناس سيأتيكم، تم قتل الناس بالخُفية، في المعارك نُرسِلهم ثم نقضي عليهم دون أن يعرف أي أحد، شيئ رهيب، أمين على قيم الأمة!
المدائني عن فليح بن سليمان قال: وفد عمرو بن العاص على مُعاوية ومعه قوم من أهل حمص فأمرهم – أي عمرو – إذا دخلوا أن يقفوا ولا يُسلِّموا بالخلافة – كانوا جماعة من المُصابين بالهبل، قال لهم لا تقولوا خليفة، هذه فيها مُشكِلة عليكم لأن سوف يزعل مُعاوية، فلا تذكروا هذه الخلافة، لماذا؟ يُريد أن يغيظ مُعاوية، لكي يقولوا له السلام عليكم فقط، لكم هم لم يفهموا هذا، يُريد أن يُغيظ مُعاوية حين لا يُسلِّمون بالخلافة -، فلما دخلوا قالوا: السلام عليك يا رسول الله – هذه غباوة هؤلاء الناس -، وتتابعوا على ذلك – كلهم قالوا السلام عليك يا رسول، كان أُناس حمقى -، فضحك معاوية وقال: اغربوا وزجرهم، فلما خرجوا قال لهم عمرو: نهيتكم عن أن تُسلِّموا بالخلافة فسلَّمتم بالنبوة؟! عليكم لعنة الله.
طبعاً هنا يُوجَد حديث ليس له علاقة بالصعلكة لكننا سنقوله، فيه نوع من الصعلكة طبعاً لأنه عن سب عليّ طبعاً وكيف كان يُسَب في المجلس، هذا السب عندنا فيه تحقيق طويل وآثار كثيرة جداً.
المدائني عن جويرية بن أسماء أن بُسر بن أبي أرطأة نال من علي عند مُعاوية، وزيد بن عمر بن الخطاب حاضر – مَن زيد هذا؟ ابن مَن؟ ابن أم كلثوم، بنت مَن؟ بنت سيدنا الإمام عليّ عليه السلام، يا حبيبي أنت تسب جده، ليس لأنه عليّ فقط بل لأنه جده، هذا أبو أمه -، فعلاه بعصا – زيد علا بُسر بن أبي أرطأة – فشجه، فقال مُعاوية: عمدت إلى شيخ قريش وسيد أهل الشام فضربته – هل بُسر سيد قريش؟ تباً لبُسر، قالوا له صُحبة وما إلى ذلم، تباً لبُسر وأفعال بُسر وقبائح بُسر وذبحه للأطفال، ذبح الأطفال الصغار بالسكين أمام أمهم والعياذ بالله من بُسر، بيع المُسلِمات وسبي المُسلِمات، يا أخي أعوذ بالله، قال عنه القرطبي في التذكرة بُسر الذي فعل وفعل وهتك الإسلام، قال بُسر هتك الدين، عند مُعاوية هو سيد قريش، الأمور انقلبت يا جماعة، هذا أبكى الصحابة، كل شيئ انقلب، كل القيم انقلبت، كل شيئ انقلب أيام مُعاوية، وسوف ترون هذا بشهادة مُعاوية، مُعاوية أقر أن كل شيئ انقلب، هو الذي قلبه، قلب الدين والقيم والأخلاق وكل شيئ باعترافه الذي سوف يأتيكم الآن -، ثم أقبل على بُسر فقال: شتمت عليّاً وهو جده، وهو أيضا ابن الفاروق – هذا دمه حار مثل أبيه عمر، لا يُوجَد لعب عنده، عليّ جده وهو ابن الفاروق – أفكنت ترى أنه يصبر لك؟ – هذا يعني بشكل واضح أن مجالس مُعاوية كان يُسب فيها عليّ، كان يُسَب فيها عيني عينك ويُلعَن ويُنتقَص والعياذ بالله، حقد، هذا اسمه الحقد العبشمي، عبد شمس عندهم حقد، لا يُمكِن لإنسان يحترم نفسه أن يعقد مجالسه للسب واللعن، وخصمك مات شهيداً إلى الله، انتهى وكف عنه، لكنه يشتفي منه بعد موته، وسب عليّ ثبت بالأسانيد الصحاح أنه سب للنبي، بأسانيد صحيحة صحَّحها الألباني وأبو إسحاق الحويني أيضاً، قال صحيح، كلهم صحَّحوها، ليس القدماء فقط بل وحتى المُعاصَرين، – قال: وأم زيد بن عمر أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب؛ ثم إن معاوية أرضاهما جميعا وأصلح بينهما.
المدائني – اسمعوا هذا الآن – عن سعيد بن المُبارَك وعوانة قالا: قال مُعاوية: معروف زماننا مُنكَر زمان قد مضى، ومُنكرَه – أي مُنكَر زماننا – معروف زمان قد بقي.
اعترف بهذا، انقلبت الأمور، انقلبت وهو يعرف هذا، يعرف هذا ويُقِر به!
في الصحيفة التاسعة والثلاثين قصة الإغراء، كيف كان مُعاوية يُغري بين سعيد بن العاص وبين مروان بن الحكم، علماً بأن أحسن مَن حل هذه الناحية وأطال فيها العقاد، العقاد أثبت لك أن مُعاوية كان يستوثق لحكمه وأمره بالإغراء بين القبائل وبين العشائر وبين البلدان وبين الأشخاص، باستمرار يفعل هذا، حتى بين الأقرباء، سعيد بن العاص في نهاية المطاف ابن عم مروان بن الحكم، سعيد بن العاص كان أميراً على المدينة، وبعد ذلك عُزِل وأتى مروان، يأتي كتاب لمروان من مُعاوية ويقول له حين يأتيك كتابي هذا تذهب بنفسك وتهدم بيت سعيد بن العاص، فمروان انتهز هذا، خيط باطل هذا، اسمه خيط باطل، أخوه عبد الرحمن شاعر فكان يُسميه خيط باطل ويسبه، وقال هذه الأمة سوف تذهب في ستين داهية حين تكون هناك أهمية لهذا فيها، قال سوف تذهب أمة محمد وهذا معروف، مُسلسَل الحسن والحُسين صوَّروه جميلاً وجعلوا شكله صبوحاً، وهو كان من أقبح عباد الله، قال الذهبي وجهه أحمر ورأسه كبيرة وعُنقه دقيقة وكان ضعيفاً وما إلى ذلك، كان شيئاً فظيعاً، لكنهم صوَّروه ما شاء الله، مُسلسَل الإفك والزور، مُسلسَل الاستهبال على الأمة، فالمُهِم انتهز الفرصة وأخذ الفعلة معه لكي يهدم البيت، قال له إلى أين سعيد؟ كيف تهدم بيتي؟ قال له اسكت، تأخَّر عني، لابد أن أهدمه، قال له كيف تهدمه؟ قال له عزمة هذه من مُعاوية، قال له لو كنت مكاني لهدمت بيتي، قال له لا، اصبر، فذهب إلى بيته فأتى بكتب، أتى بأكثر من رسالة تأتي له كل شهر والثاني وقال له تفضَّل، نظر مروان فصُعِق، كلها رسائل من مُعاوية لما كان سعيد والياً على المدينة يقول له فيها اهدم بيت مروان، لكن سعيد لم يرض، قال لن أهدمه، وسعيد أفضل من مروان، ولذلك يقول كل المُؤرِّخين لما كان سعيد يكون والياً على المدينة كان لا يسب عليّاً، لا يرضى بأن يسبه يوم الجُمعة، فإذا عاد مروان سبه، مروان كان يسب عليّاً يوم الجُمعة ويلعنه، سعيد لا يلعن، يتورَّع عن لعن عليّ، فيُغري حتى بين أولاد العم نفسهم وهم من نفس الأسرة الأُموية لكي يستتب له الحكم، يُريد أن تكره الناس كلها بعضها البعض ومن ثم يأمن، يخاف من كل شيئ، فظيع الرجل، فظيع مثل كل الطواغيت، لم يكن أحسنهم ولا أسوأ ربما.
المدائني كتب مُعاوية إلى سعد بن قيس بن عُبادة – هذا البطل الطوال الذي تعرفونه، هذا كأبيه، أبوه سيد ما شاء الله وهو كان مثله، وقيس بن سعد طبعاً من جنود عليّ الكبار في معاركه – حين أبى المصير إليه، وكان مع الحسن بن عليّ عليهما السلام: يا يهودي ابن اليهودي – مُعاوية يكتب هذا، الآن قيس يهودي وأبوه سعد بن عُبادة سيد الأنصار يهودي؟ هكذا سبه – إنما أنت عبدٌ من عبيدنا – قال له في البداية تعال، فقال لا أُريد، لن آتي إليك، فكتب إليه هذا لكي يستفزه -، فكتب إليه يا وثن ابن الوثن دخلتم في الإسلام كارهين وخرجتم منه طائعين.
أنت لست مُسلِماً أصلاً، تركت الإسلام من قديم، دخلت كُرهاً وخرجت طوعاً، قال له يا وثن ابن الوثن دخلتم في الإسلام كارهين وخرجتم منه طائعين.
المدائني – هذه قصة أُسامة – عن عبد الله بن فائد قال: قال معاوية لأُسامة بن زيد: رحم الله أم أيمن كأني أنظر إلى ساقيها وكأنهما ظنبوبا نعامة خرجاء، فقال: هي والله خير من أمك وأكرم، فقال مُعاوية: وأكرم أيضاً؟ – طبعاً أكرم، مُربية الرسول هذه، ألا تكون أكرم من هند آكلة الأكباد؟ ما هذا؟ تعساً لهذا العقل يا أخي – قال: نعم، قال الله عز وجل إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۩.
طبعاً واضح أن مُعاوية يُعرِّض بماذا؟ بلونها، هي حبشية سوداء، قال له وأكرم؟ هل أنت تُصدِّق نفسك وتقول أكرم؟ انظر إلى هذا الرجل، عجيب يا أخي، رجل عنصري، يقول له وأكرم أيضاً؟ هل أنت تُصدِّق أنها أكرم؟ خير كما تعرف بالأجر وبالفضل الديني، وأكرم لأن لها كرامة، هذا معنى دُنيوي أيضاً، قال له لأن الكرامة عندنا في الدين أصبحت تختلف عن الكرامة التي عند العرب، قال الله أَتْقَاكُمْ ۩، أي أنها أصبحت بالتقوى، لا يُوجَد عندنا عربي وعجمي وأسود وأبيض، قال الله أَتْقَاكُمْ ۩.
المدائني عن مسلمة بن مُحارِب قال: كان سليم مولى زياد من الدهاة … هذه لا نحتاجها كثيراً ومن ثم سوف نتركها، بقيَ القليل الآن!
المدائني عن أبي محمد العبدي قال أكل صعصعة بن صوحان مع مُعاوية فتناول شيئاً من بين يديه – اقتربت يده من شيئ أمام مُعاوية فأكله، انظر إلى هذا، قلت لك نفسه ضيقة، هكذا هو الصعلوك -، فقال له: لقد أبعدت النجعة – يلحظ هذا، هذه الأخبار استفاضت وأكَّدت أن مُعاوية يلحظ الآكلين دائماً، نفس ضيقة، ليس عنده سماحة حقيقية -، قال مَن أجدب انتجع.
لماذا؟ لأن أمامي لا يُوجَد أي شيئ، كل شيئ عندك يا مُعاوية، انظر إلى هذا، هذا لؤم أيضاً، يأتون بالطبق ويضعون الطعام كله أمام مُعاوية، أما الضيوف لا يضعون لهم شيئاً، قال له مَن أجدب – هذه جدباء، لا يُوجَد شيئ – انتجع، اذهب وانظر، قال له مَن أجدب انتجع، يا أخي العرب كانوا أذكياء!
المُهِم المدائني قال: قال مُعاوية لمُعاوية بن حُديج – تعرفون مُعاوية بن حديج، هذا كان في مصر، وكان من سبّابة الإمام عليّ، هذا كان يسب عليّاً، وقال له الحسن بن عليّ يا مُعاوية بن حُديج لا تسب عليّاً، سوف نقول لكم القصة فيما بعد، وقد ذكَّره بالآخرة لكن لا فائدة، وهذا مُتهَم بقتل مَن؟ محمد بن أبي بكر، نحن قلنا لكم عمرو بن العاص ومُعاوية بن حُديج أو أحدهما أو الاثنان، يُوجَد اختلاف، فمُعاوية يقول لمُعاوية بن حُديج الآتي – ما جرأك على قتل محمد بن أبي بكر؟ قال: الذي جرأك على قتل حُجر بن عدي – طبعاً لأن مُعاوية بن حُديج كندي، أي من كندة، وحُجر بن عدي كندي أيضاً -، أفتقتل حلماءنا وتلومنا على قتل سفهائكم؟
حدَّثني العمري عن الهيثم عن ابن عيّاش قال: دخل مالك بن هبيرة السكوني – من السكون – على مُعاوية، فلما طلع قال لعمرو بن العاص: يا أبا عبد الله ما أحب أن هذا من قريش، قال: وما يهولك منه؟ قال: أقسم بالله لو كان منهم لأهمتك نفسك وما خلوت بمصر – هذا السكوني كان داهية فعلاً-، فلما دنا سلم وجلس، قال: وخدرت رجله فمدها فقال له مُعاوية: يا أبا سعيد وددت أن لي جارية لها مثل ساقيك – انظر إلى هذا، قلت لك أنه صعلوك، إنسان صعلوك، يُؤذي ضيوفهن يُؤذيهم بكلام قبيح مثل هذا، وعنده مُشكِلة جنسية الرجل، سوف ترون هذا خاصة أنه يُلاحِظ أشياء كثيرة غريبة -، قال: في مثل عجيزتك يا أمير المُؤمِنين – أعطاه على الحامي مُباشَرةً -، قال: حبجة بلبجة – أي واحدة بواحدة – والبادئ أظلم، فلما نهض قال مُعاوية لعمرو: إن الله قد أحسن بك إذ جعل هذا من كندة.
لو كان هذا قريباً منك في قريش لبهدلك، هذا دمَّر الدنيا، هؤلاء أناس خطيرون، قال له حبجة بلبجة!
الآن هذه الجُزئية خطيرة، وهي لها علاقة بموت مُعاوية، سوف نحتاجها فيما بعد لكننا سوف نقرأها الآن بسرعة: عن أبي بُردة بن أبي موسى – أبو بُردة الخبيث المُجرِم، هذا ابن الصحابي أبي موسى الأشعري رضيَ الله عن وأرضاه، هذا الذي أتى بسبعين من الشهود يُقسِمون أن حُجر بن عدي الكندي كفر كُفرة صلعاء فقُتِل، هذا أبو بُردة أفندي ابن الصحابي الجليل، هذا من أخبث عباد الله، كان أبو بُردة عليه من الله ما يستحق إذا رأى أبا الغادية قاتل عمّاراً يقول له ماذا؟ أبشر بالجنة، انظر إلى هذا الحقير، يُقابِل مَن؟ كلام النبي، النبي يقول قاتل عمّار وسالبه في النار، لكن هذا ماذا يقول له؟ أبشر بالجنة، قتلت عمّاراً الذي كان مع عليّ فاهنأ، انظر إلى هذا بالله عليك، أُناس طواغيت يا أخي، هؤلاء الناس كانوا فظيعين، نحن نظن لأن العهد كان قريباً برسول الله وما إلى ذلك أن قطعاً كان الورع أكثر والتقوى وكانوا كذا وكذا، هذا غير صحيح، والله كانت هناك رؤوس يا جماعة في الطُغيان والكُفران والفسق، هؤلاء الجماعة كانوا فظيعين، نحن دراويش ومساكين لكن هؤلاء بعض كانوا فظيعين – قال: دخلت على مُعاوية حين أصابته قرحته – هذه مُهِمة، أعني القرحة، مُعاوية مات بالقرحة، ابن قتيبة يقول النقّابات، ما هي؟ الدُبيلة، موتته بالدُبيلة كما صُرِّح به – فقال: هلم يا بن أخي فانظر إليها، فنظرت إليها وقد سبرت فقلت: ليس عليك يا أمير المُؤمِنين بأس – هذا في البداية لكن بعد ذلك لا فائدة -، ودخل يزيد فقال له: إن وليت من أمر المُسلِمين شيئاً فاستوصى بهذا – بمَن؟ بأبي بُردة بن أبي موسى يا حبيبي، بأبي بُردة طبعاً، يُوصي الأخباث، يعرف أنهم أخباث، هؤلاء ما شاء الله عليهم، مثلما قال له وإن لك من أهل المدينة يوماً فإن خرجوا عليك فارمهم بمُسلِم بن عُقبة، وفعلاً وصية في مكانها، استباح المدينة ثلاثة أيام مُسلِم، يعرف مُعاوية هذا، قال له أبو بُردة مُمتاز، كأنه يرى الغيب، المُهِم يُوصي بالأخباث – فإن أباه كان أخاً لي وخليلاً، غير أني رأيت في القتال غير رأيه.
المُهِم في الثامنة والأربعين: حدَّثني عبد الله بن صالح العجلي عن شريك قال: كتبت عائشة إلى مُعاوية في قتل حُجر أو غير ذلك: أما بعد فلا يغرنك يا مُعاوية حلم الله عنك – انظروا إلى أمنا عائشة، تعرف حقيقة مُعاوية، كيف كانت تُخاطِبه؟ لم تظن يوماً أنه صحابي جليل وإنسان طيب كما نقول نحن، تعرفه وتعرف إجرامه وتُحذِّره من الله، تقول له انتبه، لا يُغرنك يا مُعاوية حلم الله عنك – فيزيدك ذلك استدراجاً – هذا يعني أنها تُصرِّح بأنه ماذا؟ مُستدرَج مفتنون، قالت له أنت ضائع، أنت تُهرَع إلى جهنم وأنت غير مُنتبِه إلى نفسك يا مُعاوية -، فإنه بالمرصاد، وإنما يعجل من يخاف الفوت.
لو كانت تخاف الفوت عجِّل وتُب وإلا سوف تهلك، هذا خطاب عائشة له، تفهم ما هو!
الآن اسمعوا القصة العجيبة هذه، وهي لا تحتاج إلى تحليل، لا تحتاج أبداً: المدائني عن أبي أيوب بن عبد الله قال: كان مُعاوية يحسد الناس على النكاح – يُغتاظ إذا وجد رجلاً فحلاً عنده نسوان وما إلى ذلك، يُجَن لأنه لا يُريد هذا، يرجو لو أن كل الناس كانوا كما يُقال دلاديل تعبانين عنينين -، فقال لرجل من جلسائة من كلب، وكان شيخاً كبيراً، كيف أنت والنساء؟ – كيف وضعك هنا؟ – قال: ما أشاء أن أفعل إلا فعلت – في الوقت الذي أُريد أفعل دون أي مُشكِلة فاغتاظ مُعاوية، وهذا الرجل كان كبيراً، كان أكبر منه -، فجفاه وحرمه صلته – قطع له رزق، لا مُرتَّب بعد الآن، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، صعلوك كما قلت لكم، هذا كله لشرح حديث الصعلوك اليوم، وهذا الحديث يُشرَّح في مُجلَّد من أخبار مُعاوية لكي تعرف كما كان صعلوكاً الرجل هذا، لم يكن أمير مُؤمِنين ووالياً مُؤتمَناً على أمر الأمة، يقول فجفاه وحرمه صلته، الكلبي المسكين تبهدل، قال نحن ضعنا في آخر حياتنا لكنه كان ذكياً -، فدس الكلبي امرأته الى ابنة قرظة – هذه زوجة مُعاوية – امرأة مُعاوية فشكت وقالت: ما أنا وهو في اللحاف الا بمنزلة امرأتين – احنا الاتنين نساء، رجل ميت، ذكي هذا الكلبي -، ودخل مُعاوية على ابنة قرظة فقال: مَن المرأة التي عندك؟ – في حياتي ما سألت زوجتي مَن التي عندك ومَن التي كانت عندك، في حياتي لم أفعلها ولن أفعلها، وهذا ليس من شرف الرجل، ما الذي يعنيني؟ ولم أسألها يوماً مع مَن كنتِ تتحدَّثين من النساء في الهاتف وما إلى ذلك، هذا لا يعنيني، هذا عيب، لا تتدخل في شؤون النساء أبداً، أنا أقول لك كيف تكون الأخلاق وكيف تُفهَم الأشياء، يقول لها مَن التي كانت عندك يا حبيبي، هذا أمير المُؤمِنين، ما هذه الشخصية يا حبيبي؟ – قالت: امرأة فلان الكلبي، قال: وما قالت؟ قالت: شكت حالها وكبر زوجها وأنه لا ينال منها شيئاً ولا يقدر عليه، فقال: ما كذا يزعم – أي أنه يقول غير هذا، فرح مُعاوية -، فأرسل إليه وتوارت امرأته عند النساء – عمل له دوكة، قال لأمراته ستظلين هنا لأننا نُريدك، ما هذا؟ يُريد أن يفضحه، مُعاوية يُريد أن يفضحه لكي يفرح، يُريد أن يقول له أنت كذّاب، رجل مُعقَّد -، فقال له مُعاوية: يا فلان كيف قوتك على الجماع؟ فقال: ما أشاء أن أفعل إلا فعلت – مُمتاز -، فقالت امرأته: كذب يا أمير المُؤمِنين – طبعاً هذه كلها خُطة، مُعاوية يظن أنه ذكي وأنه وضع خُطة ضد امرأته، لكن هي مَن وضعت الخُطة أصلاً مع زوجها، المسكينان يُريدان مالاً -، فقال الشيخ: أقلني هذه الكذبة – قال له نعم أنا كذبت فسامحني -، فضحك مُعاوية وقال: أنا أبو عبد الرحمن – أنا هذا الكلام لا يدخل رأسي فكشفتك وعرفت أنك تعبان، فرح بهذا وقال له أنا أبو عبد الرحمن -، وأمره فانصرف، وعاد إلى ما كان عليه من بره وصلته.
أعاد إليه المُرتَّب مرة ثانية، هذا كله تطبيق على خُطبة أمس لكي تعرف كيف تقرأ التاريخ، لابد أن تقرأه هكذا أيضاً طبياً وجنسياً وسيكولوجياً وإلى آخره، لابد من كل هذا لكي تفهم الشخصية التي أمامك، لا يُقال صحابي وانتهى الأمر، لا نُسكِّر مخاخنا ونقول هذا صحابي ونمشي ونترضى عليه، كل مظالمه هذه يُسكَت عنها، ليس هكذا الدرس، ليس هكذا فهم الدنيا يا أخي، ما هذا الكلام الفارغ؟ والله لو تعاملنا مع حكَام اليوم بطريقة هذه – أُقسِم بالله – ما غيَّرنا واحداً منهم ولرضينا عليهم جميعاً، أُقسِم بالله على هذا، ما المُشكِلة؟ ائتني بحكام واحد موجود الآن تسبَّب في قتل سبعين ألفاً من طراز الصحابة والتابعين يا بابا، هذا غير موجود، ولن يُوجَد، قتل صحابة وتابعين، ولذلك أحد العلماء – من أهل السُنة – قال مُعاوية لن يُوجَد أحد في مثل سوئه، لماذا؟ قال لكي يُوجَد رجل مثله لابد أن يُوجَد رجل مثل عليّ – في مكانة عليّ وذات عليّ – وتُعاديه كما عاداه مُعاوية لكي تأثم كما أثم مُعاوية، لكن كيف هذا؟ لن تجد مثل عليّ إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، سبعون ألفاً تسبَّب في قتلهم من أجل الكرسي وقد صرَّح بذلك!
أمامي جُزئيات ذكرناها، لكن تُوجَد قصة جميلة جداً الآن تُوضِّح حقيقة الرجل، في صفحة ثلاث وخمسين: المدائني عن ابن عوانة وابن جعدبة قالا: قال مُعاوية لابن عباس: إن عثمان أصاب من هذه الدنيا وأصابت منه، وإنها قد مالت بي وملت بها – يعترف الرجل، رجل دنيا، قال له لعبت بي الدنيا، لعبت بي كثيراً -، فما ترى يا أبا عباس؟ – يقول هذا لمَن؟ لعبد الله بن عباس، قال له ماذا ترى؟ هذه الدنيا بهدلتنا – فقال: إن الدنيا قد أمكنتك فهي في يدك ولك درها – ما شاء الله -، وإن الآخرة مُمكِنة لك إن أردتها – أرأيت؟ الأمور واضحة عند مُعاوية وعند ابن عباس، أنت لست رجل آخرة وواضح أن سعيك كله للدنيا، أنت لا تُريد الآخرة، لكن الفرصة موجودة إذا أردت، وفعلاً أنا أقول لك لو مُعاوية تاب ولو في آخر حياته توبة نصوحة حقاً وأعلن البراءة من أفعاله ومن ذنوبه واعتذر للتاريخ وللإمام عليّ ولشيعة الإمام عليّ وكف عن سبه وأصلح لعل الله يغفر ويتجاوز له ولحسن حتى في نظر الأخلاف من أمثالنا، لكن هذا لم يحدث يا بابا، هذا مات على ما هو عليه، وكما قلنا ختم حياته بيزيد وانتهى الأمر -، ولما نقصك من دنياك وزادك في آخرتك خير لك مما نقصك من آخرتك وزادك في دنياك.
هذا هو طبعاً، لكن أين؟ يا حسرةً، يا حسرةً!
هنا المدائني عن محمد بن الحجّاج عن عبد الملك بن عُمير أن أبا موسى الأشعري عبد الله بن قيس – الصحابي الجليل – دخل على مُعاوية فقال: السلام عليك أيها الأمير، فضحك مُعاوية وقال: بايع يا أبا موسى – لم يكن مُبايعاً له -، وبسط يده – أي مُعاوية -، فقال أبو موسى – وهذه القصة لها دلالتها -: أبايع علينا ولنا – عندنا شروط وعندنا حقوق وعندنا أشياء أُخرى أيضاً -، فقبض مُعاوية يده وانصرف أبو موسى، فقال له ابن عضاة الأشعري – قريب أبي موسى – : يا أبا موسى إنك رأيت رجالاً من قريش يقولون لمُعاوية – أي يتكلَّمون معه كلاماً يُزعِجه – فيحلم عنهم، ففعلت كما فعلوا، وإنه يهون على مُعاوية أن يقتلك فيُؤدِّب بك غيرك – قال له أنت مخدوع فيه، هل صدَّقت أن مُعاوية حليم وما إلى ذلك؟ إذا كان حليماً فإنه يكون حليماً أحياناً مع القرشيين لأنهم قومه وهؤلاء أُناس أقوياء وهناك عصبية، شيئ فظيع هؤلاء القرشيون، لكن أنت أشعري يمني، لا تقل صحابي وغير صحابي، يُمكِن أن يقتلك بسهولة ويُؤدِّب بك غيرك، أي يجعلك نكالاً، فلا تغتر وتقس نفسك على القرشيين من قومه، انتبه إلى هذا، فهم يعرفون حقيقة الرجل -، فإني سمعته يقول – وفعلاً قال هذا في غير مُناسَبة -: إن السلطان يضحك ضحك الصبي ويصول صولة الأسد – هو يعرف نفسه -؛ فراح أبو موسى – خاف أبو موسى وقُطِع قلبه، قال سوف يقتلني ولا فائدة – إلى مُعاوية فسلَّم عليه بالخلافة – السلام عليك يا خليفة رسول الله، لكن في الأول قال له يا أمير، لم يكن مُعترِفاً له بالخلافة، الآن قال له يا خليفة – وقال: ما أنكرت من تسليمي عليك بالإمرة – لماذا زعلت حين قلت لك يا أمير؟ – فقد كنا نقولها لعمر بن الخطاب فيراها وغيرها سواءً – عمر لا تهمه الألقاب -، وما أنكرت من قولي أبايعك علينا ولنا؟ علينا الوفاء بها ولنا أجرها – طبعاً تأوَّل، يُريد أن يُخلِّص لنفسه، لأنه يعرف أنه أمام رجل باطش طاغية، لا تلعب معه، هذا ليس عليّاً، قلت لكم عليّ بايعه مَن بايعه وامتنع مَن امتنع، عليّ قال اتركوهم وما اختاروا لأنفسهم، ويُؤمَن جانبة عليّ مُطلَقاً، لكن هذا مُعاوية وليس عليّاً، سوف يقتلك، إذا لم تُبايع سوف أقتلك لكي أأمن جانبك، يتصرَّف كملك -، فتبسَّم مُعاوية وقال: بايع أبا موسى – بايع – فلعمري ما أخرجتها حتى زممتها وخطمتها، ولئن كنت قد قلت خيراً لقد أردت شراً.
قال له أنا أعرفك وأعرف ماذا كانت تقصد وأفهم كل شيئ لكن بايع وهات يدك، أخذ البيعة مُباشَرةً!
الآن المدائني عن غسان بن عبد الحميد عن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور عن أبيه – المسور بن مخرمة الصحابي – قال: قدم مُعاوية المدينة فخطبهم فقال – هنا يُوجَد اعتراف، مُعاوية يعترف -: إني رمت سيرة أبي بكر وعمر – فعلت مثلهم فيكم، أحكم في الرعية مثل أبي بكر وعمر – فلم أطقها – هذا هو طبعاً، كيف تُطيقها؟ لا تقدر، هذا مُستحيل -، فسلكت طريقةً لكم فيها حظ ونفع، على بعض الأثرة – يعترف بأنه يستأثر، لكنه قال بعض الأثرة وهذا غير صحيح، أثرة كبيرة جداً جداً جداً، وهذا الكلام هل تعرف مَن يُخاطَب به؟ وجهاء القوم فقط، هو يُخاطِب وجهاء القوم، لا يُخاطِب الرعية والناس المساكين، هذا مُستحيل، هو يُخاطِب الناس الكبار -، فارضوا بما أتاكم مني وإن قل – أي شيئ يأتيكم ولو كان قليلاً ارضوا به، ولك أن تتخيَّل هذا -، فإن الخير إذا تتابع وإن قل أغنى، وإن السخط يُكدِّر المعيشة، ولست بباسطٍ يدي إلا إلى مَن بسط يده، فأما القول يستشفي به ذو غمر فهو دبر أذني – لا أهتم بهذا فتكلَّموا – وتحت قدمي حتى يروم العوجاء.
إذا دخل في مداخل تتعدى الكلام سوف نعرف كيف نُعالِجه، لكن الكلام لا قيمة له، لذلك روى عنه البلاذري أيضاً بعد قليل أنه قال لن نحول بين الناس وبين ما يقولون – تكلَّم بما تُريد – ما لم يحولوا بيننا وبين مُلكنا هذا، علماً بأن هذا شعار كل الطواغيت، كل الطواغيت يقولون تكلَّم وتحدَّث ما دمت تترك لنا المُلك، أنا أعرف ملكاً عربياً ذهب إلى أمر الله – لن نقول غير هذا – كان هذا شعاره، كان شعاره تكلَّموا وإياكم والفعل، لا تُحوِّلوا القول إلى فعل، تكلَّموا وسبوا فهذا لا يهم لكن إذا فعلتم سوف تذهبون في داهية، مُباشَرة الشنق والإعدام، وهكذا كان مُعاوية أيضاً، نفس الأساليب – والعياذ بالله – ونفس العقلية.
هنا – هذه فظيعة والعياذ بالله تبارك وتعالى، إي والله – قصة طويلة لا تعنينا كثيراً، لكن ماذا قال في النهاية؟ يُمكِن أن نقرأها: حبيب بن مسلمة الفهري قال: ركب مُعاوية وأنا معه، فبينا نحن نسير إذ طلع رجل باذ – هيئته سيئة، أطمار وما إلى ذلك – الهيئة فلم أره أكبر مُعاوية ولا اكترث له – لا يحترم مُعاوية رغم أنه رجل باذ الهيئة -، وأعظمه مُعاوية إعظاماً شديداً ثم قال: أجئت زائراً أم طالب حاجة؟ فقال: لم آت لشيء من ذلك ولكني جئت مُجاهِداً وأرجع زاهداً – الله أكبر، جئت لكي أقول كلمة حق في وجهك، أي لإمام ظالم، هذا جهاد بل أعظم الجهاد، قال له جئت مُجاهِداً وأرجع زاهداً، لن آخذ منك أي شيئ، لأنني أُريد أن أقول في وجهك كلمة الحق، رجل فعلاً -، فمضى مُعاوية عنه، فقلت: مَن هذا يا أمير المؤمنين؟ – حبيب بن مسلمة الفهري قال له مَن هذا يا أمير المُؤمِنين؟ – قال: عُقبة بن عامر الجهني – الصحابي الجليل عُقبة بن عامر الجهني، انظر إلى أهل الخير، هذه بقية خير -، قلت: ما أدري ما أراد بقوله أخيراً أم شراً، قال: دعه فلعمري لئن كان أراد الشر إن الشر عائد بالسوء على أهله – انظر إلى هذا، تهديد خطير، قال له ليس هو فقط بل هو وأهله، طبعاً مُعاوية لا يرحم، لا يُوجَد لعب، إذا الرجل وراءه شيئ سوف أُضيِّعه وأُضيِّع عائلته كلها -، قلت: سُبحان الله ما ولدت قرشية قرشياً أذل منك – أهذا بالكلام فقط؟ -، فقال: يا حبيب أحلم عنهم ويجتمعون خير أم أجهل ويتفرَّقون؟ قال: قلت: بل تحلم ويجتمعون، قال: امض فما ولدت قرشية قرشياً له مثل قلبي – أستغفر الله العظيم، ولم يستثن رسول الله، طاغية، الرجل يرى نفسه أحسن رجلاً وأحلم رجلاً والأوسع قلباً ولم يستثن محمداً، لو قال ما ولدت قرشية باستثناء رسول لقبلناها قليلاً على الأقل من هذا الطاغية، لكنه لم يستثن رسول الله، قالوا ما شاء الله عليه، ترضوا عليه، يقول فما ولدت قرشية قرشياً له مثل قلبي -، قال: قلت: إني لأخاف أن يكون ما تصنع ذلاً، قال: وكيف وقد قاتلت عليّاً فصبرت على مناوأته؛ وبعضهم يروي هذا عن الضحاك بن قيس.
هنا أيضاً عن عوانة قال: قال معاوية: يا معشر بني أمية إن محمداً لم يدع – أوشكت الوقت تقريباً على الانتهاء لكن هذه خطيرة جداً والعياذ بالله – من المجد شيئاً إلا حازه لأهله – المسألة مسألة تنافس بين محمد وآل محمد وهم بنو هاشم وبين مُعاوية وبني عبد شمس، هكذا ينظر إلى الأمور، لا يرى أنه مُجرَّد رجل في الصحابة ورجل في الأمة وهي أمة محمد، لا يرى هذا، يرى أن المسألة مسألة مُنافَسة مع الرسول وأهله، هذا الخبر خطير، هكذا يقول إن محمداً لم يدع من المجد شيئاً إلا حازه لأهله -، وقد أُعِنتم عليهم – والعياذ بالله، العياذ بالله من الكلام هذا يا أخي – بخلتين: في ألسنتهم ذرب – كيف؟ ألسنة بني هاشم ذربة، عندهم سلاطة وفصاحة، وفعلاً أهل بيت الرسول حين تتكلَّم الكلمة يردون عليك مُباشَرةً بذكاء عجيب لكن ليس فيها فحش، حاشا لله، قال في ألسنتهم ذرب – وفي العرب أنف – العرب لا يتحمَّلون أي ذرب من أحد، وكأن كل كلامه الذي رأينه اليوم ليس فيه أي ذرب، لكن عن مَن كان يتحدَّث؟ عن أم أيمن وعن فلان وعن فلان وعن أُناس اشترى ضمائرهمن ثم يتهم بني هاشم، وقد حذَّر منهم مرات عديدة، قال والله لكم يوم من بني هاشم وكذا وكذا، بالعكس يا أخي، الإمام عليّ صار خليفة ولم نر منه إلا كل خير والله العظيم، أول شيئ فعله الإمام عليّ أنه دخل بيت المال وبدأ يُفرِّق في الأمة، أول شيئ فعله أنه فرَّق في الفقراء وما إلى ذلك، قالوا له يا أبا الحسن، يا أمير المُؤمِن لو أبقيت شيئاً تتألَّف به قلوب بعض الأكابر وما إلى ذلك، فقال ما عاذ الله أن أطلب النصر بالجور، فرَّق كثيراً ووزَّع حتى فرغ عن آخره كما قالوا فأمر بقمه وكنسه وصلى فيه ركعتين، هذا الإمام عليّ، وكان مُعاوية يُحذِّرهم دائماً منه، يقول والله بنو هاشم هؤلاء كذا وهؤلاء كذا وهؤلاء كذا، تكذب على مَن يا مُعاوية؟ رأيناك ورأينا بني هاشم إذا حكموا، أين هذا يا بابا؟ -، وهم محدودون – ما معنى وهم محدودون؟ من الحديد، أي عندهم غضب، لكن هؤلاء عندهم عفة، آل الرسول لا يقبلون الذل والمهانة، هذا لا يُمكِن، كل إنسان يقف ويأخذ حده، فمحدودون بمعنى أنهم كالحديد، عندهم قوة في الشخصية وما إلى ذلك -، فأوسعوا الناس حلماً فوالله إني لألقى الرجل أعلم أن في نفسه علي شيئاً فأستثيره فيثور علىّ بما يجد في قلبه، فيوسعني شتماً وأوسعه حلماً، ثم ألقاه بعد ذلك أخاً أستنجده فينجدني.
مُعاوية كان عنده هذه العُقدة، يُصِر دائماً على أنه حليم وأنه أحلم من بني هاشم، وهذا غير صحيح، أحلم الناس رسول الله، وبعد رسول الله من بني هاشم الإمام عليّ، وكان مشهوراً جداً بالحلم الإمام عليّ، حلم حقيقي، لم يحلم عن أحد وأمر بقتله ودس السُم له، لم يفعل هذا أبدا أبداً أبداً، مأمون الغائلة، ميمون النقيبة، لكن مُعاوية كل حياته غدر ونقض عهود وتسميم للناس وقتل ثم يقول أنا حليم، أنا حليم، أنا حليم، ما هذا الكلام الفارغ؟ يقول فما ولدت قرشية قرشياً له مثل قلبي، ما شاء الله أوسع الناس قلباً.
نكتفي بهذا القدر – إن شاء الله – والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم على ختام الأنبياء والمُرسَلين وآله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله.
(تابعونا في الحلقات القادمة)
أضف تعليق