الأخبار والآثار
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه.
قلنا بقيَت طماعية مُعاوية في الوهط لم تُزايله، لم يتخلى عن طمعه في الوهط، عينه عليها، حتى إذا مات عمرو بن العاص – رحمه الله تعالى – أراد مُصادَرتها من ورثة عمرو، فعن سعد بن إبراهيم أنه سمع رجلاً من بني مخزوم يُحدِّث عن عمه أن مُعاوية أراد أن يأخذ أرضاً لعبد الله بن عمرو – هذا مَن يرويه؟ ابن كثير، الحافظ ابن كثير في جامع المسانيد والسُنن، المُجلَّد السادس والعشرين، صفحة أربعمائة وست وخمسين – يُقال لها الوهط، فأمر – عبد الله بن عمرو – مواليه فلبسوا آلتهم – تجهَّزوا للحرب، قالوا سوف تقوم حرب، لن نُسلِّم أرضنا هكذا لمُعاوية، سوف نُقاتِل عنها – وأرادوا القتال، قال فأتيته فقلت – لعبد الله بن عمرو – ماذا؟ فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مُسلِم يُظلَم بمظلمة فيُقاتِل فيُقتَل إلا قُتِل شهيداً.
قال له وهذا ظلم بيّن فطبعاً تركها مُعاوية، إذا كان هناك دم وقتل وفضيحة لا نُريدها، لكن – سبحان الله – ظلت عينه عليها!
قال ابن أبي عاصم – الإمام الجليل صاحب السُنة – في كتابه الآحاد والمثاني حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة … إلى أن قال عن عطاء أن عائشة بعث إليها مُعاوية بقلادة – حدَّثتكم بهذا – قُوِّمَت مائة ألف درهم فقسمتها بين أمهات المُؤمِنين، لا أدري دنانير أو دراهم.
وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة قال سعيد بن منصور – إذن الحديث أصله عند سعيد بن منصور في السُنن، هذا الأهم – حدَّثنا سُفيان عن أيوب عن عكرمة أن صفية بنت حُيي باعت حُجرتها من مُعاوية – ما معنى باعت من؟ باعت له، إذن مَن الذي اشترى؟ مُعاوية، وهذه أم المُؤمِنين، يا أخي هذه زوجة الرسول وأنت تُعطي الكثير فأعطها ولا تأخذ حُجرتها، لكن اشتراها، قال لها هاتِ، أي أملاك يأخذها، خذوا مالاً وهاتوا الأملاك – بمائة ألف – سوف يأتي هؤلاء ويقولون لا يا أخي، هذه في مناقب مُعاوية، حرصاً منه على أن يكون في البيت الذي دخله الرسول وربما صلى فيه وتشفَّع وبكى، لكن سوف نرى ماذا فعل في آل بيت الرسول وماذا فعل في مدينة الرسول وماذا فعل في شهداء أُحد وماذا فعل في سُنة النبي وفي أحاديث النبي، على مَن هذا الكلام؟ لا يسوغ علينا هذا الكلام، مُستحيل – وكان لها أخ يهودي – هذا طبعاً أخوها – فعرضت عليه أن يسلم فيرث فأبى فأوصت له بثُلث المائة. أي حوالي أربعة وثلاثين ألفاً، طبعاً هذا خالكم فانتبهوا، هذا خال المُؤمِنين أيضاً كما قلت لكم، أليست هذه صفية بنت حُيي؟ هذه زوجة الرسول وأمنا، فأبوها هو جدها ولو كان كافراً، هذه أنساب، سوف يكون هذا جدنا، وسوف يكون أخوها اليهودي الذي أبى أن يُسلِم خالنا، هذا خال المُؤمِنين كما يقولون، محمد بن أبي بكر الذي أحرقوه في جيفة حمار هو خالنا أيضاً، لا، هذا ليس خالك، لأن هذا ليس من نسل مُعاوية، من نسل أبي بكر الصديق، مُعاوية فقط خال المُؤمِنين، ابن عمر ليس خالنا، محمد ليس خالنا، عبد الرحمن ليس خالنا، لكن مُعاوية فقط هو خال المُؤمِنين، أعطوه هذا اللقب، شيئ مُضحِك، شيئ صبياني فعلاً!
ومر بنا إنكار مسروق على مُعاوية بيع الأصنام للهنود، ورأينا هذا في البلاذري وفي غيره، في كتاب الإكراه من المبسوط – تعديداً للمصادر كما يُقال، والمبسوط للسرخسي، هناك كتاب الأصل المعروف بالمبسوط لمحمد بن الحسن، هذا في المبسوط للسرخسي، الجزء السابع والعشرين، كتاب الإكراه – ذكر عن مسروق – رحمه الله – أنه قال بعث مُعاوية رضيَ الله عنه بتماثيل من صُفر – نُحاس – تُباع بأرض الهند – (ملحوظة) قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لأحد الحضور هذا يهمك يا أبا محمد وهو في المبسوط للسرخسي، الجزء السابع والعشرين، صفحة مائتين وأربع وعشرين، كتاب الإكراه، يقول من صُفر، وسوف ترى فيما بعد التأول، لكي تعرف كيف يتأوَّلون له، وسوف تُصبِح هذه حُجة ومن ثم يُرجِّحون صحة بيع الأصنام كاملة للكفّار بعمل مُعاوية، والراجح عند الفقهاء أنه لا يجوز، وحين نجد صُلباناً وأصناماً وكل ما عُبِد به أحد من دون الله يُكسَّر ولا يُباع كما هو، لا يُمكِن أن يُباع كما هو لكي يُستعان به على الكفر والشرك، مُعاوية كان يبيعه كما هو، قالوا مُعاوية أفقه مِن مسروق، مَن مسروق هذا؟ تابعي، لكن مُعاوية صحابي جليل ورضيَ الله عنه، يقولون كلامه حُجة وهو أفقه ومن ثم يُمكِن أن نبيع الأصنام كاملة والصُلبان وهذه الأشياء، وأبو حنيفة أفتى بهذا ومحمد بن الحسن خالف، هذا غير صحيح، فكلام محمد بن الحسن هو الصحيح – فمُرَّ بها على مسروق رحمه الله فقال والله لو أني أعلم أنه يقتلني – عن مُعاوية – لغرَّقتها – أي هذه السفائن أريد أن أُغرِّقها حتى لو كان سيقتلني – ولكني أخاف أن يُعذِّبني فيفتتني – أنا لا أصبر على البلاء والتعذيب، أخاف من أن أُفتَن فيما بعد، أين الفتنة؟ أن يقول له هذا جائز وأُبارِكه وأُفتي لك به، طبعاً هذه الفتنة، كيف ستكون الفتنة غير ذلك؟ لكن هو لا يفعلها، الباطل باطل، هذا باطل يا أخي، أتبيع أصنام يا مُعاوية؟ أينقصك المال؟ -، والله لا أدري أي الرجلين مُعاوية – ما هذا الإنسان؟ -، رجلٌ قد زُيَّن له سوء عمله أو رجلٌ قد يئس من الآخرة – والعياذ بالله مثل الكفّار، إما أنه رجل ظالم مُضِل زُيَّن له سوء عمله إما أنه رجل كافر لا يُؤمِن بالآخرة، هكذا قال مسروق، أبو عائشة مسروق بن عبد الرحمن الهمداني قال هذا – فهو يتمتع في الدنيا. والعياذ بالله.
سوف نرى الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد وانفرد به مُسلِم دون البخاري، حديث مُهِم جداً جداً، وطبعاً انظروا إلى التأويلات السخيفة الباردة، أخرج الإمام أحمد والإمام مُسلِم عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة – اسمه عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة – قال دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص – رضيَ الله عنهما – جالس في ظل الكعبة والناس مُجتمِعون عليه فأتيتهم فجسلت – هذا مَن؟ عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة -، فقال – عبد الله بن عمرو قال – كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلاً فمنا مَن يُصلِح خباءه ومنا مَن ينتضل – ما معنى ينتضل؟ يرمي بالسهام، هذا اسمه الانتضال – ومنا مَن هو في جشره – ما معنى الجشر؟ الدواب يخرج بها صاحبها من بيته أو من مكانه إلى المرعى ويبيت بها، لا يعود بها إلى البيت، يُقال جشرها، يجشرها جشراً، من باب نصر، ينصره نصراً، فالرجل في جشره تعنى له دواب وأنعام يرعى بها بحيث يبيت بها في المرعى ولا يعود بها إلى الحظائر – إذ نادى مُنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ جامعةً – الصلاة منصوبة على الإغراء، كما نقول الجهادَ أو العملَ العملَ أو البدارَ البدارَ، منصوبة على الإغراء، وهناك منصوب على التحذير كأن يُقال النهرَ النهرَ أو السيارةَ السيارةَ بمعنى احذر من أن تصطدم بك، هذا منصوب على التحذير، هنا الصلاةَ جامعةً على الإغراء، وكذلك العملَ العملَ على الإغراء، وجامعةً طبعاً منصوبة على الحري – فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه لم يكن نبيٌ قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ويُنذرِهم شر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جُعِلَ عافيتها في أولها وسيُصيب آخرها بلاء وأمور تُنكِرونها وتجيء فتنة فيُرقِّق بعضها بعضاً – ما معنى هذا؟ معنى هذا كلما أتت فتنة قال الناس عظيمة كبيرة ومُهلِكة فإذا والتها فتنة أُخرى قالوا ما أصغر الأولى، اتضح أن هذه كانت بسيطة لأن هذه فتنة ألعن، وهذه الفتنة اللعينة يأتي بعدها فتنة ثالثة أُخرى فيُقال أف، الفتنة تلك كانت يسيرة، وهكذا، هذا والعياذ بالله معنى وتجيء فتنة فيُرقِّق بعضها بعضاً – وتجيء الفتنة فيقول المُؤمِن هذه مُهلِكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة – نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تتوفنا مفتونين – فيقول المُؤمِن هذه هذه، فمَن أحب أن يُزحزح عن النار – النبي يُعطينا مخرج من الفتن – ويُدخَل – يُدخَل وليس يَدخل، هذا تأول الآية القرآنية التي فيها فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ ۩، قال الله وَأُدْخِلَ ۩، لم يقل ودَخل، فإذن النبي يقول فمَن أحب أن يُزحزح عن النار ويُدخَل – الجنة فلتأته منيته وهو يُؤمِن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يُحِب أن يُؤتى إليه – الإنصاف، كما تُحِب أن تُعامَل عامِل الناس -، ومَن بايع إماماً – أي خليفة وما إلى ذلك – فأعطاه صفقة يده – يُقال صفق بيده، ضرب اليد باليد اسمه الصفق باليد، يقول إن إخواني الأنصار ألهاهم الصفق بالأسواق، لأن حين تحديث بيعة يتم الصفق بالأيدي ويُقال اتفقنا وبسم الله وعلى بركة الله، فضرب اليد باليد اسمه الصفق، هنا يقول فأعطاه صفقة يده – وثمرة قلبه فليُطِعه إن استطاع، فإن جاء آخر – إمام آخر يُريد أن يأخذ الخلافة وذاك بُويع وانتهى الأمر، مثل مَن؟ مثل عليّ ومُعاوية، عليّ بُويع، بايعه العالم كله إلا بعض أهل مصر الذين رفضوا وأهل الشام، والبقية كلهم بايعوه، إذن انتهى الأمر والنبي حكمه واضح، يُضرَب عُنق مُعاوية ويُقتل، لابد أن يُقاتَل، الأمة كلها تجتمع على قتاله أو يدخل فيما دخل فيه الناس، وخاصة الذين بايعوا مَن؟ الأنصار والمُهاجِرون، إذن انتهى الأمر، لكن هم قالوا تأوَّل فأخطأ وله أجر، النبي يقول اضربوا عُنقه وهم يقولون له أجر، العبوا بالدين، هذا لعب – يُنازِعه فاضربوا عُنق الآخر، فدنوت منه – مَن الذي يقول هذا؟ عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة، اقترب من عبد الله بن عمرو بن العاص – فقلت له أنشدك الله آنت – أي أأنت؟ – سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ – قال له هذا الكلام خطير وفيه أمور خاصة في النهاية – فأهوى – بيديه – إلى أذنيه وقلبه بيديه – أي أشار إلى بيديه إلى أُذنيه وقلبه – وقال سمعته أذناي ووعاه قلبي – قال له نعم، أنا سمعته وفهمته كما حدَّثتكم به، طبعاً عبد الله بن عمرو صحابي جليل ورجل غير مُتهَم -، فقلت له – هذا ابن عبد رب الكعبة، ما دام سمعته ووعيته فاسمع الآتي، وهذا موضع الشاهد عندنا – هذا ابن عمك مُعاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ۩ أين علماؤنا من هذا الحديث المُخرَّج في صحيح مُسلِم؟ وهذا عند الإمام أحمد صحيح بلا مثنوية، لا يُوجَد قولان فيه، قول واحد، بماذا وصف مُعاوية؟ بوصف الطُغاة الذين يأمرون الناس أن يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل وأن يقتلوا أنفسهم، هذا مُعاوية، هذا مُعاوية في كلمتين، واقرأوا التفاسير والسخافات، وأنا الآن سأُنقِذكم من هذه التفاسير الباردة الضائعة والتائهة بكلمة واحدة، عبد الله بن عمرو نفسه لم يقل له اسكت، فض الله فاك، أعظمت المقال في أمير المُؤمِنين وما إلى ذلك، لم يقل له هذا أبداً، يعلم ابن عمرو أن الذي قاله الرجل حقٌ تماماً، ابن عمرو يعرفه، لذلك لم يعترض عليه بكلمة، أليس كذلك؟ هذا الحديث، ماذا فعل؟ سكت ساعة – قال فسكت ساعة – وعند أحمد هُنيهة، هنا ساعة، أي قطعة صغيرة من الزمن، عشر دقائق أو خمس دقائق أو ثلاث دقائق، وعند أحمد ووضع يديه على جبهته ونكس، طبعاً انظروا إلى هذا الرجل الورع، أعني عبد الله بن عمرو، وهو عالم كبير ومُحدِّث وما إلى ذلك، لا يُريد أن يتكلَّم بأي كلام لكي يُدافِع عن مُعاوية كما دافع الشرّاح سواء النووي أو الأُبي أو السنوسي أو الهرري الأرمي أو القُرطبي في المُفهِم، أبو العباس قال مُعاوية ليس كذا وكذا ومُعاوية ما شاء الله لا يأكل أموال الناس، ما هذا الكلام يا أخي؟ لو هذا الكلام فيه شيئ من حق لرد به عبد الله بن عمرو، لقال له اسكت، أعظمت الفرية على أمير المُؤمِنين، متى فعل مُعاوية هذا؟ لكنه لم يقل له هذا أبداً، ابن عمرو يعرف أن هذه الحقيقة، لذلك لم يتعقبه بحرف واحد وعظم عليه السؤال لأنه أمام الناس وسوف يُنقَل هذا لمُعاوية، سوف يُنقَل الكلام هذا، الأمر مُحرِج جداً جداً، ومُعاوية معروف مَن هو، المُهِم قال فسكت ساعة – ثم قال أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله. رضيَ الله عنه وأرضاه، أعني عبد الله بن عمرو، أرأيتم؟ قال له سوف أقول الحق، الشيئ الذي في طاعة الله أطعه فيه، الشيئ الذي في معصية الله لا تُطِعه فيه، والسؤال كان عن ماذا؟ السؤال كان عن الطاعة أم عن المعصية؟ عن المعصية، يأمرنا بمعاصٍ غليظة، أن نأكل الأموال بالباطل وأن نقتل أنفسنا، كيف هذا؟ يقتل بعضنا بعضاً لكي يثبت له الأمر، هذا الحديث أين؟ في أحمد ومُسلِم، كيف ضيَّعوه؟ بالتأويلات الباطلة الفارغة، حين تقرأها – والله – تستعجب، أصابني الكُباد حين قرأت، ما هذا؟ أقول أين العقل؟ هذا هو الفهم الأيديولوجي والفهم المذهبي، هذا ليس الفهم العلمي، الفهم العلمي يقول أن هذا دليل جديد، سوف اُضطَر رُغماً عني إلى الاعتراف به.
بالأمس اتصل بي أحد إخواني وأحبابي – مُتابِع للسلسلة وهو من أهل العلم في إسبانيا – وقال لي شيئاً عن الشيخ عبد الله التُليدي، أنا لم أقرأ هذا الشيئ لأن كتابه الذي قال فيه هذا الكلام ليس عندي لكنه قال لي والله ذكر هذا، رغم أن هذا الشيخ كان من تلاميذ الحافظ الغُماري – قدَّس الله سره – وبعد ذلك صار سلفياً في الاعتقاد، في العقيدة صار سلفياً الشيخ التليدي – رحمة الله عليه – وهذا معروف، قال لي مع ذلك ذكر في كتابه بشكل واضح الآتي، قال مُعاوية وأفعال مُعاوية وما إلى ذلك علينا نحن معاشر أهل السُنة أن نُجيب عنها جواباً واضحاً لم نتكلَّم به إلى اليوم، الرجل عليه أمور عظيمة جداً لابد أن نقول فيها الحق، قلت له ولم لم يقل؟ ما دام ذكر هذا لم لم يقل في هذا الموضع ما ينبغي أن يُقال؟ أنت الآن تتحدَّث بمُناسَبة حديث – شرح حديث وما إلى ذلك – عن مُعاوية فتكلَّم وقل كلمة لله، قل شهادتي عن مُعاوية على ما درست وفهمت وحفظت أنه واحد واثنان وثلاثة وعشرة، ومن ثم يُبريء ذمته، على كل حال قال الشيخ هذا، إن شاء الله كتابه هذا لكي أرى بالضبط ماذا قال الشيخ عبد الله التُليدي رحمة الله عليه.
في نُبلاء الذهبي – سير أعلام النُبلاء -، المُجلَّد الثاني، صحيفة أربعمائة وإحدى عشرة: ابن عون حدَّثنا محمد وحدَّثنا عمر بن كثير بن أفلح وهذا حديثه قال قدم أبو أيوب على مُعاوية فأجلسه معه على السرير وحادثه وقال يا أبا يوب مَن قتل صاحب الفرس البلقاء التي جعلت تجول يوم كذا وكذا؟ – طبعاً واضح أن هذا اليوم الذي كذا وكذا من أيام الله ضد الكفّار، إما في الخندق وهذا بعيد قليلاً وإما في أُحد وإما في بدر، قال له صاحب الفرس البلقاء الله أعلم مَن كان، أحد أخوال مُعاوية أو أحد عموماته أو أحد أقربائه، مُعاوية إلى اليوم كان يحمل هم مَن الذي قتله، وهو يعرف طبعاً، أبو أيوب قتله، حز في نفسه هذا، انظر إلى هذا بالله عليك، هذا هو طبعاً، ثارات الجاهلية، قال له مَن قتل صاحب الفرس البلقاء يا أبا أيوب؟ هذه مَن ذكرها؟ الذهبي في النُبلاء – قال: أنا – قال له أنا، أنا الذي قتلته، أنا كنت مع رسول الله وهو كان كافراً، هذا هو المعنى – إذ أنت وأبوك على الجمل الأحمر معكما لواء الكفر.
قال له هل أنت تحرجني بهذا السؤال؟ أنا الذي قتلته يوم كنت أنت وأبوك على الجمل الأحمر تحملان لواء الكفر يا مُعاوية والآخر على الفرس البلقاء، أبو أيوب الأنصاري هذا، ولذلك قلت لكم هناك شُبهة في اغتيال أبي أيوب أيضاً، بعدما غضب جداً جداً على مُعاوية وقال لا يظلني وإياك يا مُعاوية ذهب على الغزو ثم مات، قالوا مرض ومات رحمة الله عليه، انتهينا منه، وسوف نرى أموراً الآن، يقول لابنه ذلك أخفى، ذهب إلى الجهاد ومات، يقول له ذلك أخفى، هذا يعني أنه قُتِل أم استُشهِد؟ هذا ليس عن أبي أيوب وإنما عن رجل آخر، ضيَّعناه باسم الحرب والجهاد، ومن ثم قُتِل، ذلك أخفى يقول لابنه، كوارث فعلاً، أصل القصة هذه ذكرها الذهبي في تاريخ دمشق لابن عساكر.
ثم قال الذهبي: أبو إسحاق الفزاري عن إبراهيم بن كثير سمعت عمارة بن غزية قال: دخل أبو أيوب على مُعاوية فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم – طبعاً هنا أتوا بالقصة مبتورة، القصة بتمامها كما قلت لكم أنه طلب منه شيئاً فلم يُعطه فقال أبو أيوب ما قال – سمعته يقول: يا معشر الأنصار إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا، فبلغت مُعاوية فصدَّقه – ما معنى فصدَّقه؟ قال في الرواية الثانية فقال مُعاوية فأنا أول مَن صدَّقه، أرأيتم؟ أنا جعلت النبي صادقاً هنا، استأثرت عليكم ولم أُعطِكم ومن ثم أثبت أن النبي كان صادقاً والحمد لله، هذه مزية لي! جريء -، فقال – أبو أيوب -: ما أجرأه! لا أُكلِّمه أبداً ولا يُئويني وإياه سقف – ما دام بلغت به الوقاحة أن يستهزيء بالنبي إلى هذه الدرجة انتهى الأمر بيني وبين مُعاوية، هذا أبو أيوب الأنصاري -. وخرج من فوره إلى الغزو فمرض – هنا أمر هام، يقول فمرض -; فعاده يزيد بن مُعاوية وهو على الجيش – أي يزيد كان أمير الجيش، طبعاً معروف لمَن يقرأ التاريخ أن يزيد رفض أن يذهب في جيش القسطنطينية وتشاغل ثلاثة أيام مع الجواري، وبعد ذلك أبوه أتى به وعنَّفه وقال له لابد أن يذهب فأرغمه أن يلتحق بالجيش، فهو ليس عنده نية في الجهاد ولا ذهب بنية ولا يُريد أصلاً، أليس كذلك؟ على كل حال ذهب ابتداءً أو ذهب بعد ثلاثة أيام إنما الإعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فلا تضحكوا على المُسلِمين بالعمومات، أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له، مَن كان أميره؟ يزيد، إذن مغفور له، كفوا عن الهبل، هذا اسمه هبل، ما عاد يجوز علينا هذا، هذه اسمها عمومات، النبي قال رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته، ليس لك إلا ما نويت، أليس كذلك؟ يا رسول الله الرجل منا يُقاتِل حمية، يُقاتِل شجاعة، يُقاتِل ليُري مكانه، يُقاتِل من أجل كذا وكذا، قال مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العُليا فهو في سبيل الله، الذي يُقاتِل حمية أو يُقاتِل شجاعة وما إلى ذلك شيئ ثانٍ، ورأينا قزمان الذي قاتل كثيراً وما إلى ذلك ما شاء الله، كان قبل ذلك يُجبَّن، أي يُتهَم بالجبن، قالوا يا رسول ما أغنى أحدٌ عنا ما أغنى قزمان اليوم، قال ماذا؟ قالوا قاتل كثيراً وما إلى ذلك، قال هو في النار، الصحابة صُعِقوا، كيف في النار الرجل؟ قال لهم النبي هو في النار، هذا وحي، لا تغتروا، أنتم لا تعرفون، علماً بأنه ليس من الهدي أن تنعتوا كل مَن مات بأنه شهيد، الشهادة لا يعرفها إلا الله وأنتم لا تعرفون فانتبهوا، نحن نعمل هذا سياسة لكي نرفع معنويات الناس ونكسب أيضاً كذا وكذا، نقول الشهداء وما إلى ذلك ونحن لا نعرف، عمر قال إن شهداءكم إذن لكثير، ما شاء الله أنتم فرحين، هذا غير صحيح، الشهيد يُقاتِل فقط لكي تكون كلمة الله هي العُليا، ليس عنده أي مصلحة شخصية أو دوافع أُخرى، هذا هو الشهيد عند الله تبارك وتعالى، فقالوا يزيد كذا وكذا، ما هذا الكلام الفارغ؟ تضحكون على الناس بهذه الطريقة يا أخي، ونحن رأينا الحديث الذي بدأ به البخاري صحيحه: إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امريء ما نوى، فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه، قال النبي ومَن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه رغم أن هذا مُهاجِر، هذا مُهاجِر وهذه هجرة إلى الله ورسوله في الظاهر، قال النبي فهجرته إلى ما هاجر إليه، ولدينا حديث مُهاجر أم قيس وما إلى ذلك، على الأمة أن تستيقظ إلى هذه الأمور، لا ينبغي أن تُخدَع بالعمومات، الله قال في أهل البيعة لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ۩، أليس كذلك؟ مِن هؤلاء أبو الغادية الجُهني في المشهور الذي عليه كثير من العلماء المُحقِّقين كالحافظ ابن حجر وغيره، وأبو الغادية الجُهني في النار، قال الله لَقَدْ رَضِيَ ۩، نحن نقول في النار، لماذا؟ لأن النبي قال قاتل عمّار وسالبه في النار، مَن الذي قاتله؟ أبو الغادية، إذن هو في النار، كل عموم يُمكِن أن يُخَص منه أفراد، هذا الفقه، هذا أصول الفقه، لا تضحكوا على الناس بالعمومات، يأتون بعمومات كحديث أو آية ثم يضحكون علينا به، هذا غير مقبول، أعمِل كل الأدلة على كل حال – فقال: هل لك من حاجة؟ قال: ما ازددت عنك وعن أبيك إلا غنى – ولكم أن تتخيَّلوا هذا، يُوجَد شيئ هنا، كأن أبو أيوب حس بأنه سُم، السم كان أحسن أسلوب لقتل الناس أيام مُعاوية، وبعد ذلك ورثه بنو العباس طبعاً، دخل أمير الجيش نفسه وهو يزيد لكي يعود أبا أيوب، يُريد أن يرى هل انتهى أمره أم لا، فقال: هل لك من حاجة؟ قال: ما ازددت عنك وعن أبيك إلا غنى، لماذا هذا الإغلاط إذن؟ المُؤمِن حين يكون في جهاد ويجود بروحه تكون عنده رقة، وفعلاً مات في تلك الساعة، المُؤمِن تكون عنده رقة حينها ويُسامِح حتى مَن ظلمه، يُسامِح الناس كلها ويستسمحهم ويستحلهم ويُحلِّلهم ثم ينتهي الأمر، أليس كذلك؟ والموت حلّال المشاكل كما يُقال، لكن هذا لم يحدث هنا، أبو أيوب يتكلَّم بغضب، فهل شعر بالغدر؟ هل شعر بأنه دُسَّ له السُم؟ هل شعر بأن ميتته غير طبيعية؟ ظل قلبه قاسياً، قال له ما ازددت عنك وعن أبيك إلا غنى، يزيد يُريد من الناس أن تقول بالعكس يا أخي هذه ليست تُهمة وحتى الأمير يزيد ذهب وزاره يا أخي، سمن على عسل، لا يُوجَد شيئ، مات ميتة ربنا، مرض مرضاً عادياً، لأن الشُبهات تدور حولهم، وكاد أن يقول خُذوني -; إن شئت أن تجعل قبري مما يلي العدو… الحديث. أي فافعل، لا أُريد منك شيئاً ولا من أبوك، هذا هو!
في مُسلِم عن أُسيد بن حضير – هذا يُقال للعلم – قال إن رجلاً قال للنبي يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلاناً؟ فماذا قال له النبي – عليه الصلاة والسلام – كما في صحيح مُسلِم؟ قال له أما إنكم معشر الأنصار ستلقون أثرةً بعدي فاصبروا حتى تلقوني على الحوض، هذا في مُسلِم، وهذه القطعة أيضاً والوصاة في صحيح البخاري أيضاً، هذه القطعة الأخيرة في صحيح البخاري لكي تعرفوا ما هي خلفية موضوع أبي أيوب وموضوع أول مَن صدَّقه.
الآن سوف ترون كيف جوَّع مُعاوية أهل المدينة، منع عطاءهم عنهم ثلاث سنوات، حدث هذا مع أهل المدينة، النبي دعا للأنصار ولأبناء الأنصار وذُريات الأنصار وأوصانا بهم خيراً، أليس كذلك؟ لا فائدة، سوف نرى ماذا فعل مُعاوية وأبناء مُعاوية وذُرية بني عبد شمس بالمدينة وقد أوصى بها رسول الله، استباحوها واستحلوها وأحدثوا فيها أعظم الأحداث، النبي قال مَن أحدث فيها حدثاً – ما معنى أحدث حدثاً؟ قتل أو قطع أو اغتصب أو اعتدى على الناس والعياذ بالله، هذه العظائم يُسمونها الأحداث – أو آوى فيها مُحدِثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، هذه مدينة رسول الله، هذه حرم مثل مكة، حرم ما بين عير إلى ثور، هذه حرم، قال حرَّمها الله، الله حرَّم مكة، قال وأنا أُحرِّم المدينة، قال النبي المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، لا تستحل فيها شيئاً مما حرَّمه الله، ابن مُعاوية هناك مَن يترضى عنه إلى اليوم ويقول خلافته بحق وبيعته بحق والحرة لم تكن أيضاً، بعض السُفهاء قال الحرة لم تكن، مثل الذين أنكروا الجمل وصفين، هناك مَن أنكروا معركتي الجمل والصفين، قالوا لا يُوجَد هذا كله، أنكروا هذا الأمر بالكامل، ابن حزم أنكر كثيراً من وقائع الجمل وصفين، قال معركتا الجمل وصفين وقعتا لكن أكثر الوقائع غير صحيحة، وهناك أُناس أنكروا وقوع الجمل وصفين من أصله، لا يقدر الواحد منهم على تصديق أن الصحابة أخطأوا هذه الأخطاء، قال هذا غير مُمكِن، عائشة خرجت وأخطأت وما إلى ذلك، يا أخي أن تُكذِّب الرسول، الرسول قال واحدة من أمهات المُؤمِنين سوف تنبحها كلاب الحوأب، ليت شعري أيتكن التي تنبحها كلاب الحوأب، في رواية قال لها يا عائشة احذري أن تكونيها، انتبهي إلى هذا، أبو بكر بن العربي – ما شاء الله – بصدر مفتوح قال هذا الحديث غير موجود وليس يُعرَف، هذا كذب، هذا لم يحدث، عجيب! الحديث هذا مروي بأسانيد صحيحة جداً جداً ولكم أن تتخيَّلوا هذا، رواه أحمد ورواه الحاكم ورواه كثيرون، صحَّحه الألباني ولكم أن تتصوَّروا هذا، قال صحيح جداً، وأتى بتخريجه وذكر الأسانيد، فلا يُمكِن أن يُقال هذا، والحافظ ابن حجر صحَّحه، والذهبي صحَّحه، والشيخ ابن كثير صحَّحه، فالأئمة صحَّحوه، الحديث معروف، وهذا الذي حصل، لكنهم لا يُريدون هذا، لا يُريدون أن يفهموا الحقائق، لابد أن نُكذِّب حتى الرسول ونرد أحاديثه لكي تبقى الصورة الوردية لنا كما هي، لماذا يا أخي؟ هل الصحابة أنبياء؟ هل هم معصومون؟ رضيَ الله عنهم لكنهم بشر لهم أخطاء، أسهل علينا أن نعترف بأنه بشر غير معصومين وأن نعترف بأخطائهم لكي تنقى نفوسنا ونفهم ما الذي حصل، إذا أفهمتني أنهم معصومون بعد ذلك حين أقرأ وحدي وأرى أسانيد صحيحة تدل على أنهم فعلوا كذا وكذا قد أُلحِد، يُمكِن أن يُلحِد الشاب الصغير في الدين، سوف يقول هذا الدين كله كذب، أليس كذلك؟ ويُمكِن أن يكفر ويقول إذا كان هؤلاء تلاميذ محمد وأمهات المُؤمِنين هكذا فعلوا فإذن هذا الدين كله كذب في كذب، لأنك أعطيته صورة مثالية تماماً، هؤلاء كلهم كانوا مثل النبي، ما شاء الله على هؤلاء، ما شاء الله لم يُحِبوا الدنيا ولم تكن عندهم أموال وكانوا زاهدين وفقراء ومُستقيمين، كلهم ما شاء الله مثل الرسول، وبعد ذلك يقرأ في ألف كتاب وألف كتاب وألف سند وألف حديث صحيح ويجد أن هذا كله خطأ ومن ثم سوف يقول هذا يعني أن الدين كذب، كلهم كانوا مُنافِقين حتى الصحابة، يكفر بالدين كله وأنت السبب بهذا العبط وبهذا الأسلوب السخيف، الله لم يُكلِّفك بهذا ولا القرآن، هذه خُطبة أمس، وسوف يأتي عبيط ويقول يا عدنان ما هدفك من تلاوة الآيات؟ حتى الآيات سوف يحتجون عليها، لن يُعجِبهم هذا، لماذا أتيت بهذه الآيات كلها التي فيها عتب على الصحابة وتثريب في سياق واحد في أول الخُطبة؟ لماذا؟ ما قصدك؟ لا أقصد ما فهمت، يا أخي قرآن هذا، هذا قرأن وقلت لك ما هو قصدي، قصدي أن أُفهِمك أن القرآن يقول لك لا تتعاطى مع الصحابة على أنهم معصومون، ليسوا معصومين وعندهم أخطاء مُختلِفة وهم طبقات شتى وأنحاء، أفهم هذا، قال لا وعلى كل حال هذا حدث وانتهى، أنا أقول له أنت لم تفهم ولم تُجِب عن سؤال واحد: لم آثر الله أن يُخلِّد هذه الأحداث في آيات قرآنية؟ كان يقدر ربنا بكل بساطة حين يُخطيء الصحابة في أُحد أو في حُنين أو في حادثة الإفك أو في شيئ أن يُوحي إلى محمد – عليه السلام – ويقول له يا خيرتي ويا عبدي ويا حبيبي قل لأصحابك كذا وكذا وكذا فأنا غير راضٍ عن كذا وكذا، ومن ثم يأتي النبي ويُجمِّعهم لكي يقول لهم يا جماعة هذا لا يصح، عيب ما فعلتم، جبريل يقول لي كذا وكذا وكذا، لابد أن تتبوا إذن، والذي لن يتوب له عذاب عظيم وكذا وكذا، كان يُمكِن أن يحدث هذا دون أن ينزل قرآن، يُخفي الله هذا الطابق ويُستَر كل شيئ ومن ثم ينتهي الأمر، لكن الله لم يفعل هذا، أليس كذلك؟ الله ماذا فعل؟ أنزل قرآناً، السؤال الآن: لماذا؟ لكي يقول لنا طريقتكم في التعامل هذه خاطئة، كل أسلوبكم هذا خطأ، القرآن هو الذي يُخطّئنا، لست أنا مَن فعل أو العلماء وما إلى ذلك، القرآن هو الذي يقول كل طريقتكم عبط وغلط يا جماعة، الله يقول أنا خلَّدت هذه الأشياء لكي تتعلَّموا، وحين تُعيدون قراءة التاريخ وتفهمون الحقبة التاريخية افهموها على أساس قرآني ولا تظنوا أن الصحابة كلهم كانوا معصومين ومنُزَّهين ولا يُخطئون وبالتالي الذي أخطأ فيهم لابد أن نقول أنه أخطأ، رضيَ الله عنه وغفر الله له، لنا من ورائه أن نقول أخطأ، ومن ثم الأمور تهدأ والنفوس تهدأ، أليس كذلك؟ نأتي بالفم الملآن ونقول عائشة أخطأت بلا شك، خروجها خطأ خطأ، الألباني – وهو شيخ سلفي – في سلسلة الأحاديث الصحيحة يقول وبلا شك الذي أقطع به أن خروج عائشة خطأٌ – قال أقطع به، هذا يقين عندي، هذا خطأ – لأكثر من سبب، قال هذا ليس موضع تفصيلها لكن لا كلام في أنها أخطأت، هذا كلام معقول، رجل عاقل وهو شيخ سلفي مُحدِّث، قال هذا خطأ، لا كلام في هذا، لا تقل لي أنها لم تُخطيء وأرادت أن تُصلِح وما إلى ذلك، تُصلِح ماذا يا جماعة؟ أرادت أن تُصلِح لكن نبحتها كلاب الحوأب، والحديث صحيح جداً يقول الألباني، نبحتها كلاب الحوأب، في بعض الروايات ثلاث ليالٍ وليس ساعة فقط، تنبح ثلاث ليالٍ، قالت ما هذا الماء الذي نحن عليه؟ بمعنى أنها تسأل عن المكان، فقالوا الحوأب، الحوأب! قالت والله ما أظن إلا أنني هي – أي التي حذَّر منها النبي – وما أراني إلا راجعة، أرجعوني لقد وقعت في الفتنة، للأسف جاءها عبد الله بن الزُبير وغيره وشهدوا له، قالوا لها لا، هذا غير صحيح وما إلى ذلك، في بعض الروايات التي ذكرها ابن كثير قيل له هذا ليس الحوأب وفي روايات أُخرى يغلب على ظني أنها الأصح قيل أن هذا الحوأب ولكن لماذا ترجعي؟ الزُبير نفسه وهو حواري رسول الله قال لها لا، لماذا ترجعين؟ على كل حال استحضري نية الإصلاح، لعلك تقدمين هناك ولعل الله أن يُصلِح بكِ بين المُسلِمين، هذا لم يحصل، وحين وصلوا أول شيئ صار بعد فترة وجيزة جداً الجمل الصُغرى، الجمل جملان، هناك الجمل الكُبرى، وفي الجمل الصُغرى لم يكن الإمام عليّ موجوداً حينها، لم يكن موجوداً في نواحي البصرة، كان بعيداً لكن هم جاءوا وبعد ذلك اصطلحوا مع عامل عليّ على البصرة سُهيل بن حُنيف، وبعد ذلك اختلفوا معه، بعد كم يوم نكسوا العهد – نكسوه معه – وذهبوا وقتلوا حرّاسه – هذا قتل وموت، سيلان دم – أيضاً، قتلوهم ثم أخذوه وهو صحابي ونتفوا لحيته وأرهقوه ضرباً وكادوا يقتلونه لكنهم تركوه، لماذا؟ لأن أخاه كان والياً أيضاً لعليّ على المدينة فخافوا أن يأثر من أهلهم وقراباتهم، خافوا أن يذبحهم لو ذبحوا أخاه، يُقال أنهم سكتوا عنه لأنهم كانوا خائفين، هذا غدر وقد أسلتم الدم، هذه جماعة عائشة وطلحة والزُبير، هذا كله قبل أن تقع حرب الجمل إلى الآن، هذه اسمها الجمل الصُغرى، هذا شيئ مُؤلِم جداً جداً ومُسارَعة إلى الدم وهتك الناس وذبح الناس، لماذا؟ فهذا خطأ، هذا نقول عنه أنه خطأ، لذلك يقول الذهبي وقد ندمت عائشة – رضوان الله عليها – ندامةً أكيدة، بالنسبة لي حين تقول لي مغفورة وفي الجنة أقول لك أمرها إلى الله، رضيَ الله عنها، لا تتحكَّم فيما عند الله، لا أنت ولا غيرك، أمرها إلى الله، نسأل الله أن يغفر لنا وأن يغفر لكل مَن أخطأ في هذه الأمة وانتهى الأمر، خاصة الناس العظام كأزواج الرسول، هذا المنطق يُمكِن أن يقبله أخوك الشيعي، يقول لك أقبل هذا حين تقول لي أنها أخطأت وكان خروجها خطأ في خطأ وهو مقطوعٌ به كما قال الألباني، مقطوع بخطأ خروجها، هذا الكلام مقطوع به، لا تُناقِش فيه، لا تتفلسف مثل ابن العربي ومُحِب الدين وتقل هذا الكلام الفارغ، لا تتفلسف، خطأ خطأ، ولكن هي زوجة الرسول وأم المُؤمِنين – رضوان الله عليها – وكانت امراة – سبحان الله يا أخي – لا نقول لها سوابق فحسب بل ولها لواحق حسنة، سيدة كثيرة العبادة كانت أمنا عائشة وكثيرة الصدقات، مشهورة بهذا يا أخي، كريمة كرماً عجيباً جداً جداً، فهذه الأعمال – إن شاء الله – تكون ماحية، لم لا يا أخي؟ وهي زوجة الرسول، إذا كانت شفاعة الرسول تنالي وتنالك ألا تنال أم المُؤمِنين؟ فكف عنها واحترم نفسك وارجع.
عمّار بن ياسر بعثه الإمام عليّ – عليه السلام – وبعث الحسن ابنه لكي يحفز الناس، لأن سوف تقوم حرب، وهذا كان قبل الجمل، جاء عمّار وقال لهم ماذا؟ قال لهم – والحديث في البخاري – والله إنها لزوجته – صلى الله عليه وسلم – في الدنيا والآخرة، عائشة التي أتت لكي تُحارِبنا هي زوجة نبيكم، هذه ليست امرأة عادية، هذه أم المُؤمِنين، والله – قال لهم – إنها لزوجته في الدنيا والآخرة، انظر إلى الوعي الذي عند عمّار والإنصاف والفهم والتوازن، لا تفرط الأعصاب ويبدأ يُحرِّض على أم المُؤمِنين نفسها أو يسبها، حاشا لله، ولكن – قال لهم – الله ابتلاكم بها ليعلم هل تتبعونه أو إياها، هذا الفقه، ابتلاء يا أخي، حدث ابتلاء، هذا ابتلاء ولن أتبعها، لن أتبعها وهي أمي، لن أتبعها لأنها على باطل هنا، أي مُبطِلة، عائشة كانت مُخطئة فلن أتبعها لكن أترضى عليها، والإمام عليّ عليه السلام أكرمها، انظر كم عُقِر حول جملها، أرواح كثيرة ماتت حول هذا الجمل الفظيع، معركة الجمل، والإمام عليّ في النهاية قال لا فائدة، اعقر الجمل هذا، اقطع قائمه من أجل كذا وكذا وبعد ذلك أكرمها وأنزلها مُنزَلاً كريماً، هذه أمه، عليّ يعرف أنها أمه، جاءت تُحارِبه وتطلب كذا وكذا لكنها أمه، وسيَّر معها أخاها محمد بن أبي بكر، قال له تأخذها مع زُمرة من النساء مُعزَّزة مُكرَّمة، زوجة رسول الله هذه، فيا أخي الشيعي احترم نفسك، لا تقل لي عائشة في النار وتسبها وتطعنها وتلعنها، اتق الله، موضوع خطير هذا، لكن أيضاً يا أخي لا تُكلِّف الشيعي هذا أكثر مما يحتمله العقل الإنساني وتأتي لكي تُعاكِس الحقائق والدورات ومن ثم تقول لم تُخطيء ومن البداية كان موقفه كله صحيح وما إلى ذلك وأنها اجتهدت فأخطأت، ليس هكذا المنطق، المنطق لابد أن يكون بعدل وبحق بصراحة، لكن نحن أهل السُنة لم نترب على هذه العقلية، لدينا يا أخي استعداد – لا أعرف لماذا – لأن نطعن في أحاديث نبوية صحيحة وأن نُسكِت النبي كما قلت لكم، نقول له اسكت فكلامك هذا غير مُناسِب، القرآن حتى يعترضون عليه، لماذا تتلون هذه الآيات؟ هذه الآيات غير مُناسِبة في هذا المقام فأخِّروها قليلاً، من أجل أن نحفظ ماذا؟ كرامة صحابي حتى لو كان في منزلة مُعاوية، غير معقول يا أخي، غير معقول!
منطقي الذي أدين به ربي تبارك وتعالى والله العظيم – أقول هذا بفم ملآن وبضرس قاطع، وهذه الكلمة التي سأقولها لعلهم يُكفِّرونني بها لكنني سأقولها، هذه تخص إيماني وتخص مصيري عند الله – أنني لست أُفضِّل – والله – أن يكون الله تبارك وتعالى أنعم علىّ وشرَّفني بأن أخدم أعتاب رسول الله والأرض التي يمشي عليها عشرين سنة صاحباً له على أن أبوء في آخر حياتي بدم مُسلِم واحد ظلماً، أن أقتل رجلاً مُسلِماً – والله – لا أُفضِّله ولا أُوثِره، أُفضِّل أن أكون الصعلوك التعبان عدنان الذي يعيش في القرن الخامس عشر الهجري اليوم وألقى وألقى الله دون أن أسفك دماً حراماً أو أُفتي بدم حرام واحد، هذا أحسن لي عند الله، وأعرف أن رحمة الله – إن شاء الله – واسعة بإذن الله تعالى، رحمة ربي واسعة – إن شاء الله – للمُوحِّدين، لكن لا يُمكِن أن تكون صحابياً ويُسمَح لك بالقتل، وقد رأيتم حديث مُحلِّم بن جثامة، قال النبي اللهم لا تغفر لمُحلِّم ثلاث مرات، دعا عليه ثلاث مرات ولم يقل هذا صحابي أو يا أصحابي اذهبوا واذبحوا الناس لأنكم أصحابي فهذا عادي وسوف تذهبون إلى الجنة، هذا المنطق أنتم الذين ألَّفتموه، هذا منطق بني أُمية، منطق الذين تسبَّبوا في قتل سبعين ألفاً من الناس، كيف يُبيِّضون صحائفهم؟ وضعوا لنا أفكاراً وأحاديث وقالوا الصحابي مهما فعل في الجنة ومائة في المائة وإياك ومقطوع له بالجنة وكذا وكذا، أكاذيب وكلمات سخيفة جداً لا تنطوي على مُسلِم عاقل يا جماعة، لا تنطوي على مُسلِم عاقل والأحاديث النبوية ضدها تماماً، سمرة بن جندب يقتل في ستة أشهر ثمانية آلاف، وبعضهم من القرّاء والعبّاد، يا سمرة كيف تفعل هذا؟ ثمانية آلاف، وأكيد بعضهم كانوا مظلومين وأكيد بعضهم قُتِل بشُبهة، قال لو قتلت إليهم مثلهم أو مثليهم ما طرف لي جفن، قال لا أهتم، هذا عادي، يُؤتَى بالرجل – لأن المسكين مُتهَم بشيئ – ويُقول اقتلوه، لا يُوجَد تحقيق ولا يُوجَد فتح ديوان ولا أي شيئ، فقط اقتلوه، فأحد أعوانه خاف، وهذا سوف أذكره في الخُطبة المُقبِلة إن أمكن مع توثيقه، أحد أعوانه خاف، هذا مُخيف، ما هذا المسلك المُخيف الدموي؟ كيف تقتل هكذا من غير تحقيق؟ قال لهم هذا واحد من أمرين، إن كان بريئاً عجَّلنا به إلى رحمة الله – هذا أحسن له، قتلناه وسوف يذهب إلى الجنة إن شاء الله، سوف يفرح في الجنة لأنه بريء – وإن كان مُجرِماً أخذناه بذنبه، والسلام عليكم، هتلر Hitler هذا، هذا منطق هتلر Hitler، وقالوا هذا صحابي، قطع الله لسانك، يا عدنان إبراهيم صحابي هذا، سمرة بن جندب يا حبيبي، ادع ربك أن يحشرك مع سمرة يا حبيبي، ادع الله بهذا يا بابا، أي دين تؤلِّفون أنتم؟ هل هذا دين محمد صلى الله عليه وسلم؟ هل هذه تركة محمد؟ هل يجوز تسويغ قتل الألوف من الناس – قتل الناس هكذا من غير تحقيق – ثم تقول لي صحابي؟ ما هذا؟ بالله يا إخواني هل أبناؤكم يقبلون هذا؟ أبناؤكم الصغار هل يقبلون هذا؟ تقولون لهم عندنا دين وعندنا طبقة – Class – اسمها الصحابة، الله أفهمنا والنبي أفهمنا أن الصحابي مهما قتل أو عربد أو أمات أو أخذ أو سرق هو في الجنة وإياك أن تتكلَّم عليه بكلمة، سوف يقول لك ابنك يا بابا هذا الدين لا أُريده، هذا الدين عبط، لا أُريده أنا، كفرت بدينك هذا، أي أننا سوف نُكفِّر الناس، أرجع وأقول انتبهوا – هناك كلمات كثيرة أقولها وسبحان الله تأتي أشياء وتُصدِّقها – فبالطريقة هذه سنُساهِم في جعل الناس ينسلخون من دين الله، لأن هذا الدين سوف يُصبِح غير أخلاقي، أنا أقول لكم هذا الدين سوف يُصبِح غير أخلاقي، ألبرت شفايتزر Albert Schweitzer الفيلسوف الأنساني الألماني العظيم – الطبيب والفيلسوف والأديب والموسيقار الذي ترك الدنيا كلها في ألمانيا وعاش مُعظَم حياته في إفريقيا يُطبِّب الفقراء والمساكين، رجل فعلاً – كتب يقول أنا أتنبأ أن الأديان التي ستسحوذ على الدنيا وعلى البشرية في العصور المُقبِلة هي الأديان الأخلاقية، البشر سوف تأتيهم حقبة – والآن نحن بدأنا فيها – لن يعنيهم أن تقول لهم ديني مُؤيَّد بالأدلة وما إلى ذلك، سوف يُقال لك أُريد أن أرى الأخلاقية التي في دينك، هل دينك أكثر رحمة؟ هل دينك أكثر تسامحاً؟ هل دينك أكثر انفتاحاً؟ هل دينك أكثر محبة؟ هل دينك أكثر نفعاً؟ هل دينك أكثر نفعاً للحضارة وللتقدم؟ أهلاً وسهلا، إذا قلت ديني ليس كذلك فضلاً عن أن ديني فيه قتل وفيه تكفير وفيه ردة وفيه قطع وفيه كذا وكذا سوف يُقال لك مع السلامة، لا نُريده، فانتبهوا إلى هذا!
على كل حال في النهاية لا يصح إلا الصحيح، أعاننا الله على هذه الحرب التي نخوضها وعلى هذه الأشياء وعلى هذا المشوار الصعب جداً جداً، في النهاية ثقتي عظيمة بفضل الله والدليل على ذلك في الأمة، أي في هذه الأمة المُحمَّدية، في الشباب والشابات، والله العظيم هذا واضح جداً، سينحازون إلى الدين الحق، إلى دين القيم الأخلاقي، أي دين محمد، دين رب العالمين، وليس دين أُمية وعبد شمس، سوف ترون هذا، نحن مُهِمتنا أن نُساهِم في استنقاذ الإسلام الحقيقي من براثن الإسلام الأُموي، لابد أن نُرجِع الاعتبار إلى الإسلام المُحمَّدي، الإسلام المُحمَّدي ضائع، أنتم سمعتموني أصرخ من سنين وكنت دائماً أقول لو بُعِثَ محمداً لقال أرجعوا لي ديني، هذا كان شعاري، أعرف هذا، عندي إحساس عميق يا أخي بأن ليس هذا الدين تركه محمد، ليس هذا الدين، لن يعترف به النبي، لن يُقِره، سوف يقول أرجعوا لي ديني، أين ديني؟ شيعة وسُنة وإباضية وتكفير وقتل، ما هذا؟ أي دين هذا؟ سوف يقول أعرضوا علىّ كتاباً في عقيدة، لكننا سوف نقول كتاب واحد لا يكفي يا رسول الله، هناك مُجلَّدات لابد منها، كيف تكون هناك مُجلَّدات؟ أنا كنت أُعلِّم الناس في خمس دقائق الدين ومن ثم يُسلِمون، في خمس دقائق فقط، كيف تكون هناك مُجلَّدات؟ لا يا رسول، عندنا أشعرية وماتريدية وزيدية واثنا عشرية وعندنا كتب المُعتزِلة وعندنا كتب جماعة التكفير والهجرة اليوم وعندنا كذا وكذا، هناك مُجلَّدات، عبد الجبّار عنده عشرون مُجلَّد، اقرأ هذه المُجلَّدات يا رسول الله لكي تعرف كيف يُفكِّر المُعتزِلة، الأشاعرة عندهم ألوف الصفحات، الشيعة عندهم صحائف أكثر، وكذلك الحال مع الزيدية، سوف يقول ما هذا؟ وبدورنا سوف نقول هذا في العقيدة فقط لكي نعرف كيف نُسلِم ولا نكون كفّاراً، سوف يقول ماذا؟ لا يُمكِن أن يعترف النبي بهذا، لا يُمكِن، أنا حليت هذه المسألة – كلها مسألة غريبة وعجيبة يا جماعة – بآيات من كتاب الله في خُطبة ذات مرة والله العظيم، وهذا الحل – أُقسِم بالله – مُقتنِع به، ولذلك أنا مُتسامِح، لا يُمكِن أن أُكفِّر لا الشيعي ولا الزيدي ولا الإباضي ولا المُعتزِلي، لا أُكفِّر أحداً من هؤلاء أبداً، أُكفِّر الذي كفَّره القرآن بشكل واضح قاطع، هذا هو، ما عدا هذا لا نُكفِّر بهذه الاجتهادات العجيبة جداً، ما هو هذا الحل البسيط؟ قال الله كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ ۩ …… ثم ربنا ربنا ربنا، ماذا قال الله في صحيح مُسلِم عن ابن عباس؟ قد فعلت، قد فعلت، قد فعلت، انتهت المُشكِلة، انتهت المُشكِلة تماماً، استفت القرآن وقلت له يا قرآن، يا كلام ربي الأجل الأعز الأكرم قل لي ما هو الطريق إلى الجنة؟ قل لي أقصر طريق بكلمات قصار والكلام كله فصيح وقصير وجليل وعزيز ومُطهَر لكي نُوحِّد به الأمة، الله سوف يقول لك أما قرأت كتابي؟ وأما بلغك حديث نبيي الصحيح من رواية ابن عباس في صحيح مُسلِم وقد أخبرت أنا وقلت قد فعلت، قد فعلت، قد فعلت؟ مَن هؤلاء الناجون؟ الذين أعلنوا إعلاناً ظاهرياً يُواطيء ما في مكامن القلوب بأنهم مُؤمِنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر كما في سورة النساء، هذا هو فقط، الله قال قد فعلت، وطبعاً ضموا إلى ذلك الأعمال الصالحة ولم يأتوا المُوبِقات، الله غفر لهم ونصرهم – إن شاء الله – وتقبَّلهم، انتهى الأمر يا جماعة، لكن هناك مَن يُريد أن يُدخِل خمسة عشر ألف كتاب لكي تعرف الدين!
على كل حال نأتي الآن إلى تجويع مُعاوية لأهل المدينة، كيف جوَّعهم؟ روى الإمام الخطيب البغدادي أبو بكر في تاريخ بغداد الآتي، يقول انصرف ثابت بن قيس إلى منزله فوجد الأنصار مُجتمِعة في مسجد بني ظفر يُريدون أن يكتبوا إلى مُعاوية في حقوقهم أوّل ما استُخلِف – ما المُراد بأول ما استُخلِف؟ ثلاث سنوات -، وذلك أنّه حبسهم سنتين أو ثلاثاً لم يُعطهم شيئاً. أي أنه جوَّعهم، هذه سياسة تجويع مثل طواغيت العرب اليوم، الآن يرون الثورة المُشتعِلة في سوريا فيقطعون الكهرباء كل يوم لثلاث أو أربع ساعات، لابد أن يُشغِلوك في أمور ثانية، هذا أمر لازم حتى لا تُفكِّر، وطيلة حياة النظام السوري وغير النظام السوري هناك جمعيات تعاونية وتذهب وتقف طويلاً لكي تحصل على بندورة وخبز وما إلى ذلك، كأنه مُجتمَع شيوعي، لابد أن يُشغِلوك بهموم العيش اليومية وما إلى ذلك حتى لا تُفكِّر في التمرد والثورة، هؤلاء رهيبون، سأعطيكم شيئاً هاماً، خُطبة أمس كان من المُفترَض أن تكون عن هذا الموضوع، فذهبت وقدَّمت بمُقدَّمات فأصبحت خُطبة ثانية بصراحة، في خُطبة أمس كنت أنتوي أن أتكلَّم عن الفتنة، الفتنة أكبر فتنة، مُصطلَح الفتنة نفسه أصبح عندي أكبر فتنة، المُصطلَح نفسه فتنة، فتن الأمة، أعظم فتنة تُفتَن بها الأمة في نظري شيئان: (الظلم والاستبداد السياسي) و(الجهالة)، أي التجهيل، هذان أعظم الفتن، وفي قاموس الظلمة وفقهاء السُلطان يا إخواني عبر العصور وخاصة من ألف وأربعمائة سنة حين تتعرَّض للسُلطان أو تُنازِع السُلطان أو تُحرِّض على السُلطان أو تنتقد الفتنة يُقال هذه فتنة، يقولون لك هذه فتنة، أنت تُحدِث فتنة الآن فانتبه، حين تُحاوِل أن تفهم ماذا حدث بين الصحابة وما الذي لم يحدث ومَن المُحِق ومَن المُبطِل ولماذا جاءت بنو أمية ولماذا ذهب عليّ وإلى آخره يُقال هذه فتنة، هذه فتنة، ممنوع أن تفتح الملف هذا، فتنة يا أخي، هذا يعني أننا ضمنا شيئين بمُصطلَح واحد، ضربنا عصافير كثيرة بحجر واحد وهو حجر الفتنة، ضمنا ألا نعترض على السُلطان وأن نُشرعِن استبداده إلى أبد الآبدين وضمنا ألا نفهم كيف جاء هذا الاستبداد إلى أبد الآبدين، بمُصطلَح اسمه ماذا؟ الفتنة، كانت هذه خُطبتي سبحان الله، لكن لكي أدخل فيها كان لابد أن أُقدِّم مُقدَّمات عن الوعي التاريخي ودوره فأصبحت خُطبة ثانية، وإن شاء الله سوف نُكمِل الخُطبة الأصلية فيما بعد، فهؤلاء يقولون فتنة باستمرار، ما هي الفتنة على لسان رسول الله؟ أعظم الفتن فتنة أن يُقبَض العلماء فيتخذ الناس رؤوساء أو رؤساء جُهّالاً، فيستفتونهم فيُفتونهم بغير علم فيضلون، النبي قال أعظم فتنة، إذن هي فتنة ماذا؟ التجهيل، فتنة الجهالة، هذه هي الفتنة، لا تقولوا فتنة أننا نُحاوِل أن نفهم وأن ندرس وأن نُقارِن وأن نُحاكِم وأن نستخدم عقلنا، أنتم الفتنة والله العظيم، وأنتم تستبقون الفتنة، أنا أقول لكم بدليل تعالوا واجعلوا أمريكا والصليبية والصهيونية والدنيا كلها تُقنِعنا وتُقنِع أحبابنا والذين يقتنعون بهذا الفكر أن نُكفِّر إخواننا المُسلِمين، هيا نُكفِّر المُسلِمين أياً كانوا، وهابية أو صوفية أو أشعرية أو ماتريدية أو شيعية أو زيدية وإلى آخره، هذا مُستحيل، لا نُعطي فتاوى بالتكفير والذبح والقتل، يستحيل أن نفعل هذا، يستحيل، هذا لا يُمكِن، نحن نعرف أن هذا طريق جهنم، وواضح أنه يُوصِل إلى جهنم من أقصر طريق على اليسار، لا نفعل هذا أبداً، لأننا نفهم ما الذي يحدث، عندك طائفة من المُسلِمين على استعداد أن تُكفِّر الشيعي مُباشَرةً إذا قال عائشة مُخطئة في خروجها وهذا خطأ كبير ولا يجوز، يُقال كفر لأنه يطعن في أم المُؤمِنين والله قال كذا وكذا، عندهم التكفير من أسهل ما يكون، شيئ جنوني، أنا تكلَّمت كلمتين عن مُعاوية الطاغية الذي يُحِبونه فقط فقالوا ليس قصده مُعاوية وإنما قصده عمر، عمر! هل أنا قصدي عمر؟ لو كان هذا قصدي لصرَّحت به، أنا لا أخشى إلا الله عز وجل، لا يهمني ولا أرعى اعتباراً لهؤلاء بالذات، لا أرعى اعتباراً لهم، لم أقل هذا ولم أقصده يا كذبة، قالوا قصده عمر، نحن نعرف قصده، عنده كذا وكذا، هل تعرفون قلبي ما شاء الله؟ حتى صلاحيات الله أخذتموها، لذلك هم يتساهلون جداً في التكفير، لأن عندهم نوع من صلاحيات الرب، يظن الواحد منهم أنه يعرفون الحقائق ويعرف باطنك وأنك فعلاً كافر وحلال الدم ومن ثم يُعطي فيك الفتوى مُغتبِطاً بها، الله أكبر يا أخي، شيئ مُخيف هذا، هذا الشيئ المُخيف، هذا سرطان الأديان، هذا السرطان الذي يقتل أي دين ويُحوِّله إلى لعنة على أهله وعلى غير أهل، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، هذه الفتنة، فالجاهل فتنة والاستبداد فتنة يا جماعة، الظلم فتنة، إكراه الناس فتنة، لو أتيت لي بأشهر آية في كتاب الله في الفتنة والتي يعرفها الصغير قبل الكبير ماذا ستكون؟ قد تقول وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ۩، وهذا غير صحيح، ليست هذه أشهر آية، قال الله وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ ۩، فضلاً عن أنه قال وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ ۩، الكل يعرف الآيتين ويقول قال الله وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ ۩ يا أخي، قال الله وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ ۩، سؤال: ما هي الفتنة التي أشد من القتل؟ الإكراه والضغط، أن تضغط علىّ بالتعذيب وبالتجويع وبالتخويف وبغسيل الدماغ حتى أترك ديني واعتقادي وأرجع إلى كفرك، بعضهم فسَّرها وقال الفتنة هنا هي الشرك، وهذا غير صحيح، ليست الشرك، هذا تفسير باللازم، لأن لازم الإكراه والخضوع له الشرك، أن تعترف بالشرك، لكن هذا غير صحيح، ولذلك رأيتم اليوم في حديث مسروق وغير مسروق قال أخاف أن يفتنني، ما معنى يفتنني؟ يُعذِّبني ويُكرِهني، يضعني تحت السوط وما إلى ذلك فأُفتَن، هذا هو، قال الله وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ ۩، أي فتنة ماذا؟ التنكيل والتعذيب من أجل أن تترك دين محمد – عليه السلام – وترجع إلى الكفر والشرك، هذه فتنة، أليس كذلك؟ هذا يعني أن الإكراه هو الفتنة، والسؤال مَن الذي يُمارِسون الإكراه في الأمة؟ الظلمة، الحكام الظلمة والطواغيت والمُستبِدون، إذن إذا أردنا أن نُعدِّل الأوضاع وأن نرى الأمور كما هي فإن أعظم فتنة تتمثَّل يا إخواني في الإكراه والظلم وتعذيب الناس، وهذه يتولاها مَن؟ الحكام الظلمة والطغمة والزبانية والجلاوزة، والفتنة الثانية الجهل والتجهيل، لأن لا تحلم أن الأمة تثور على ظالم أو تنتصف لنفسها منه وهي أمة جاهلة، لابد أن يكون هناك قدر من الوعي، لابد من قدر من الوعي، هذا الوعي هو الذي يبدأ به الثائر أولى خطواته في الاعتراض على الظلم وفي شجب الظلم، لكنهم قالوا لا، الكلام في السُلطان فتنة ومُحاوَلة الفهم والدرس فتنة، هذه فتنة وهذه فتنة، كل شيئ عندهم فتنة، أنا أقول لكم صار مُصطلَح الفتنة من أعظم الفتنة والله العظيم، فتنوا به الأمة، ما عادت تفهم طريقها، ما عادت تفهم كيف تفهم، هذا كله بسبب مُصطلَح الفتنة.
انتهينا إن شاء الله، نكتفي بهذا القدر والسلام عليكم ورحمة الله.
(تابعونا في الحلقات القادمة)
أضف تعليق