الأخبار والآثار
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه.
اقتربنا من نهاية الحديث عن موضوعة بني أُمية في أحاديث رسول الله، ونحن اشترطنا فيه الكلام على جهة الاختصار والإيجاز، وعن الشعبي – عامر بن شراحيل الشعبي – قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم وما يخرج من صُلبه. أيضاً رواه إسحاق – إسحاق بن رَاهُويَهْ – مُرسَلاً ورواته ثقات.
وروى الإمام أحمد بن حنبل مرفوعاً ولفظه عن الشعبي: سمعت عبد الله بن الزُبير وهو مُستنِدٌ إلى الكعبة وهو يقول: ورب هذه الكعبة، لقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاناً وما وُلِد من صُلبه.
ضعوها في قائمة التفلين، طبعاً معروف مَن الذي لُعِن وما وُلِد من صُلبه، أي الحكم بن أبي العاص، ضعوها في بحث التفلين، علماً بأن هذا بحث لطيف فساعدوني فيه، ابحثوا وفلِّنوا وبعد ذلك فكوا التفلين، قوموا بعمل De تفلين!
أخيراً وعن عبد الله بن عمرو – عمرو بن العاص – رضي الله عنهما قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذهب عمرو يلبس ثيابه – يتحدَّث عن أبيه – ليلحقني، قال ونحن عنده – ماذا قال النبي؟ عبد الله بن عمرو يقول النبي قال ونحن عنده -: ليدخلن عليكم رجل لعين. فوالله ما زلت وجلاً أتشوف أنظر داخلاً وخارجاً حتى دخل – أيضاً فلان، أي حتى دخل فلان -. رواه أبو بكر بن أبي شيبة بسند الصحيح.
طبعاً الذي دخل كما تعلمون مُعاوية، سنسوق الحديث لكم، ابن تيمية في منهاج السُنة – رحمه الله – قال هذا حديث لا يُعرَف، لم يمر عليه، قال لا أعرفه بأي سند، ونحن نقول له نُعرِّفك إياه، عندي حتى هنا اليوم أنساب الأشراف للبلاذري بسند قوي جداً، ذكره أئمة، سنأتي بالكتاب وبالسند ونُحاكِم السند إلى علم الجرح والتعديل، هذه أحاديث صحيحة، قال لم يمر علىّ هذا الحديث، لكن هذا في حلقة – إن شاء الله – بحيالها، والحديث في هذا الكتاب الذي معي، الحديث أصلاً هنا في أنساب الأشراف للبلاذري، المُجلَّد الخامس، قال وحدَّثني عبد الله بن صالح حدَّثني يحيى بن آدم عن شريك عن ليث عن طاووس عن عبد الله بن عمرو قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت يوم يموت على غير مِلتي، قال: وكنت تركت أبي يلبس ثيابه فخشيت أن يطلع، فطلع مُعاوية. وقبله وحدَّثني إسحاق وبكر بن الهيثم قالا حدَّثنا عبد الرزاق بن همام انبأنا معمر – معمر بن راشد – عن ابن طاوس عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص – هذا سند قوي جداً – قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت على غير مِلتي، قال: وكنت تركت أبي قد وُضِع له وضوء – أي ماء يتوضأ به -، فكنت كحابس البول مخافة أن يجيء، قال: فطلع مُعاوية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو هذا.
سوف نتحدَّث عن هذا الحديث لكن في حلقة مُقبِلة – إن شاء الله – في الأسابيع المُقبِلة أيها الإخوة، فقط هنا سأختم بكلمة عامة للإمام القرطبي – رحمة الله تعالى عليه – في كتابه التذكرة في الجُزء الثاني في حق بني أُمية، له كلمة عامة في بضعة أسطر في صفحة مائتين وتسعين من الجُزء الثاني، دار الجيل بيروت، سنة ألف وتسعمائة وست وثمانين، كتاب التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، في صفحة مائتين وتسعين من الجُزء الثاني قال الإمام القرطبي – صاحب تفسير الجامع لأحكام القرآن الكريم، التفسير الشهير الطيب – وبالجُملة فبنو أمية قابلوا وصية النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بيته وأُمته بالمُخالَفة والعقوق فسفكوا دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخرَّبوا ديارهم وجحدوا فضلهم وشرفهم – عن آل بيت النبي، هذا مَن؟ الشيعي القرطبي، طبعاً هو مالكي، أي أنه إمام مالكي وليس شيعياً، شيعي ماذا؟ أي أحد يتكلَّم كلاماً مثل هذا يكون شيعياً عندهم، هيا شيّعوا أبا عبد الله القرطبي، هذه حقائق، الحمد لله هؤلاء أئمة أهل السُنة، هؤلاء أئمتنا وسادتنا – واستباحوا لعنهم وشتمهم فخالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته وقابلوه بنقيض مقصوده وأُمنيته فواخجلتهم إذا وقفوا بين يديه، وافضحيتهم يوم يعرضون عليه والله أعلم.
الله أكبر، كلام جميل وقوي، سوف يُقال هذا يعني أن القرطبي فيه تشيع لأنه حكي هذا، هذا يدل أن عرقاً شيعياً أخذه قليلاً، يُحِب آل بيت النبي ويُدافِع عنهم ويتألَّم من أجلهم، لماذا يا شيخنا القرطبي؟ هل أنت لا تفهم الفقه وما إلى ذلك؟
هذا الإمام القرطبي، الإمام الآلوسي مَن يتهمه؟ الإمام الآلوسي له كتب في الرد على الشيعة الإمامية الاثني عشرية، له أكثر من كتاب، هل هو شيعي أيضاً؟ محمود شهاب الدين أبو الثناء الحسيني الآلوسي صاحب روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني، الإمام العلم المُوعِب رحمة الله عليه، فسَّر قوله – تبارك وتعالى – في سورة الإسراء وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ۚ ۩، طبعاً ذكر أن بعضهم فسَّرها ببني أُمية ولم يستروح إلى هذا، إلا أن هذا لا يعني أن بني أُمية قومٌ طيبون، بالعكس طبعاً، ثم ذكر اعتقاده فيهم، إذن مَن أحب أن يقف على هذه الجُملة فليعد إلى روح المعاني تفسير وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ۚ ۩ من سورة الإسراء، الإمام الآلوسي – رحمة الله عليه – جعل تفسيرها بأنهم بنو أُمية غير ظاهر المُلاءمة للسياق والله تعالى أعلم بصحة الأحاديث، لكنه – رحمة الله عليه – ذم مع ذلك بني أُمية قبل – أي قبل هذا الكلام – ذماً شديداً فقال وكان هذا بالنسبة إلى خُلفائهم الذين فعلوا ما فعلوا وعدلوا عن سَنن – أي طريق ومهيع – الحق وما عدلوا – انظر إلى هذا، قال وما عدلوا، أي من الجور، يُقال طريق العدول، وهذا كلام جميل – وما بعده بالنسبة إلى ما عدا خُلفائهم منهم مِمَن كان عندهم عاملاً والخبائث عاملاً – عمل الأولى بمعنى أنه تولى عملاً لهم، وعمل الثانية من العمل، أي عملوا أفعالاً خبيثة – أو مِمَن كان من اعوانهم كيفما كان، ويُحتمَل أن يكون المُراد ما جعلنا خلافتهم وما جعلناهم هم أنفسهم إلا فتنة، وفيه من المُبالغَة في ذمهم ما فيه وجعل ضمير نُخوِّفهم على هذا لما كان له أولاً أو للشجرة باعتبار أن المُراد بها بنو أُمية ولعنهم لما صدر منهم من استباحة الدماء المعصومة والفروج المُحصنة – المُحصَنة أو المُحصَّنة – وأخذ الأموال من غير حِلها ومنع الحقوق عن أهلها وتبديل الأحكام – هذه عظائم بني أُمية، هذه أفعال بني أُمية، هؤلاء بنو أُمية وقد فعلوا كل هذه الأشياء، لك أن تتخيَّل هذا، أول مَن بدَّل الأحكام كما سيأتيكم مُعاوية – والحُكم بغير ما أنزل الله – تعالى – على نبيه – عليه الصلاة والسلام – الى غير ذلك من القبائح العظام والمخازي الجسام التي لا تكاد تُنسى ما دامت الليالي والأيام وجاء لعنهم في القرآن – عن بني أُمية – إما على الخصوص كما زعمته الشيعة أو على العموم كما نقول – قال أنا لا أقول أنهم ملعونون بخصوصهم لكن هم داخلون في عموم اللعنة التي تطالُ مَن يفعل فعلهم بل أقل من خبائث أفعالهم ومناكرها -، فقد قال سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۩ – مَن أعظم الذين آذوا رسول الله في أهله وقرابته وعترته؟ بنو أُمية، ومن ثم بنو العباس أيضاً، فكيف لا يُلعَنون في الدنيا والآخرة؟ وأي أذية أعظم مما فُعِل بأهل بيت رسول الله؟ وأنتم تعرفون، وللأيام خبر وذُكر -، وقال عز وجل – في سورة محمد، أي في القتال – فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ۩ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ۩ إلى آياتٍ أُخر، ودخولهم في عموم ذلك يكاد يكون دخولاً أولياً – أول مَن تنطبق عليه آيات اللعن هذه مَن هم؟ بنو أُمية، قال هؤلاء أول أُناس يدخلون في اللعن، بعد ذلك يأتي أُناس آخرون، لكن هم أول ناس – لكن لا يخفى أن هذا لا يُسوِّغ عند أكثر أهل السُنة لعن واحد منهم بخصوصه.
قال عند أكثرنا لعن واحد بخصوصه غير سائغ، وهذه مسألة – كما قلنا – تناولناها بالدرس في حلقة خاصة مُطوَّلة.
الإمام ابن حجر شرح حديث الغِلمة، وهذا فتح الباري، المُجلَّد الثالث عشر، طبعاً دار الكتب العلمية وتوزيع الباز في المملكة السعودية، الطبعة الثانية، سنة ثماني وتسعين، الحديث في الصحيفة العاشرة، يقول الإمام البخاري – رحمة الله عليه – حدَّثنا موسى بن إسماعيل حدَّثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد – هذا رجل يقول عن جده -، قال أخبرني جدي قال كنت جالساً مع أبي هُريرة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ومعنا مروان – مروان بن الحكم -، قال أبو هُريرة سمعت الصادق المصدوق يقول هلكة أُمتي – النبي يتحدَّث فانتبهوا، ليس نحن وليس التاريخ، النبي هو الذي يقول هلكة أُمتي، هلاك الأمة بسببهم، ما فعله هلاك بني أُمية هلاك للأمة وتدمير، حين نقول أنهم كارثة وبداية كارثتنا وأن هذا تدمير قالوا تُبالِغ، ما هذه المُبالَغات؟ لماذا؟ فتحوا الفتوح وجيَّشوا الجيوش، لكن سيأتيكم الجواب – على يدي غِلمةٍ من قريش، فقال مروان لعنة الله عليهم غِلمةً – لا يعرف أنهم أولاده وأنه منهم طبعاً -، فقال أبو هُريرة لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان – هنا فلَّن، اجعلوا هذه في التفلين، هنا قطعاً أبو هُريرة فلَّن، مُستحيل أن يكون صرَّح، لأنه لو صرَّح لقطع بلعومه، في كتاب العلم من صحيح البخاري ومن كتاب الملاحم على ما أذكر أيضاً قال أبو هُريرة بثني خليلي وعائين من العلم، أما أحدهما فبثثتكم إياه وأما الآخر فلو بثثته لقُطِعَ وفي بعض ألفاظه لقطعتم هذا البلعوم، ما العلم الذي كان أبو هُريرة يعرفه ولو حدَّث به أيام بني أُمية لقُطِعَ بلعومه؟ لأن أبو هُريرة متى تُوفيَ؟ قيل سبع وخمسين وقيل ثماني وخمسين، قل مَن قال تسع وخمسين، لكنه تُوفيَ قبل رأس الستين، وكان يدعو بهذا هو، سوف تقع مُصيبة كبيرة، ما المُصيبة الكبيرة في الستين؟ تولي يزيد والعياذ بالله طبعاً، فكان أبو هُريرة يمشي في المدينة وقد رواه أبو شيبة بسند حسن ويقول أعوذ بالله من إمارة الصبيان وأن تُدرِكني رأس الستين، لماذا تغضب من بني أُمية؟ هذه أحاديث صحيحة، احرقوا صحيح البخاري، ماذا نفعل يا أخي؟ في البخاري هذا، فالمُهِم أنه قال لو حدَّثتكم بالعلم الثاني مُباشَرةً تقتلونني، لماذا؟ لأن هذا العلم الثاني عنهم، أي عن بني أُمية، يا أخي النبي قال هذا والحمد لله، أنا شخصياً غير مُتحسِّر على ضياع هذا العلم، ما وصل إلينا منه كافٍ في كشف النقاب عن وجه الصواب، فهمنا والحمد لله، هذا الحديث كافٍ، هذا الحديث وأمثال هذا الحديث في مُعاوية وأولاد الحكم بن أبي العاص كافية، هذه الأحاديث كافية أن تُنبِّه الوسنان واليقظان، فأبو هُريرة فلَّن، مُؤكَّد أنه فلَّن، مُستحيل أن يقول وإلا قتلوه، قال أنا أقدر على أن أقول مَن هم، أولاد فلان وأولاد علان، لكنني لن أقول طبعاً – لفعلت، يقول الراوي – عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد الذي يروي عن جده – فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم – أي جدي – غِلماناً أحداثاً قال لنا عسى هؤلاء أن يكونوا منهم، قلنا – أي الذين معه، يبدو أنهم أحفاده وما إلى ذلك – أنت أعلم.
الآن الحافظ ابن حجر في الشرح يقول قوله: “كنت جالساً مع أبي هُريرة” كان ذلك زمن معاوية. هذا أولاً، ثم يشرح إلى أن يقول قال ابن بطال جاء المُراد بالهلاك مُبيّناً في حديث آخر لأبي هريرة أخرجه علي بن معبد وبن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه – أي من كلام النبي – أعوذ بالله من إمارة الصبيان – النبي قال هذا -، قالوا وما إمارة الصبيان؟ قال إن أطعتموهم هلكتم – الهلاك أين يكون؟ في الدين، سوف تذهبون إلى جهنم، يا رسول الله نعتذر منك، أنت قلت هذا ونحن نُدافِع عنهم إلى اليوم، هل هذا مسموح؟ أهلك نفسك – أي في دينكم وإن عصيتموهم أهلكوكم – أي في الدنيا بالقتل والتذبيح ومنع الأرزاق والسجن والتشريد في البلاد، هذا هو – أي في دنياكم – يقول ابن بطال – بإزهاق النفس أو بإذهاب المال أو بهما، وفي رواية ابن أبي شيبة أن أبا هُريرة كان يمشي في السوق ويقول اللهم لا تُدركني سنة ستين – وفي رواية رأس الستين – ولا إمارة الصبيان وفي هذا إشارة إلى أن أول الأُغيلمة كان في سنة ستين – وهنا قد يقول لي أحدكم هذا ليس عن مُعاوية، لكن مُعاوية حسابه طويل، من اليوم سيبدأ، هناك أحاديث كثيرة عن مُعاوية، هذا لا يزال فقط عن الذين جاءوا بعد مُعاوية والذين فتح لهم باب الظلم والتغلب والنزوان على خلافة الأُمة، هذا موضوع ثانٍ – وهو كذلك فإن يزيد بن مُعاوية استُخلِف فيها وبقيَ إلى سنة أربع وستين فمات – علماً بأنه لم يُكمِلها، بقيَ لأقل من أربع سنين – ثم وليَ ولده مُعاوية ومات بعد أشهر، وهذه الرواية تُخصِّص رواية أبي زُرعة عن أبي هُريرة الماضية في علامات النبوة بلفظ يُهلِك الناس هذا الحي من قُريش – هذا تفلين، النبي لا يقول هذا الحي، ماذا فهمنا من هذا الحي؟ ماذا قال النبي؟ بنو أُمية، هذا واضح والرواة مُستحيل أن يقولوا هذا، النبي لا يقول يُهلِك الناس هذا الحي من قُريش، مَن هو؟ أي حي يا رسول الله؟ لكن الرواة بلعوا ألسنتهم، هذا ممنوع وإلا تُقتَل، وهم معذورون هنا، إلا مَن أراد أن يجري إلى الله شهيداً، هذا شيئ آخر، فطبعاً هم بنو أُمية أو بنو عبد شمس في الجُملة – وأن المُراد بعض قُريش وهم الأحداث منهم لا كلهم – قلت ليس هذا المُراد، هنا أيضاً ابن حجر كأنه يُفلِّن، مَن بعض قُريش والأحداث منهم؟ هم بنو عبد شمس أو بنو أُمية – والمُراد أنهم يُهلِكون الناس بسبب طلبهم المُلك والقتال لأجله – مَن فعل ذلك؟ يقول لشيخنا ابن حجر مُعاوية، الذي طلب المُلك وارتكب المهالك وأتى المآتي العظيمة فيه والبوائق والفواقر مُعاوية، هو أول مَن فعل هذا، هو الذي قاتل من أجله – فتفسد أحوال الناس ويكثر الخبط بتوالي الفتن وقد وقع الأمر كما أخبر صلى الله عليه و سلم وأما قوله لو أن الناس اعتزلوهم…. هذا موضوع ثانٍ، لكن حتى في النهاية يقول شيئاً ابن حجر أيضاً ولم يكن وفياً للنص، لابد أن أكون دقيق وأحترم الحافظ الكبير، يقول قال ابن وهب عن مالك تُهجَر الأرض التي يُصنَع فيها المُنكَر جهاراً وقد صنع ذلك جماعة من السلف….ابن حجر وقف هنا، ليست هذه رواية ابن وهب، اذكر التممة يا ابن حجر، أنا كتبتها هنا بالرصاص، رواية عبد الله بن وهب عن الإمام مالك واحتج مالك بفعل عُبادة بن الصامت وأبي الدرداء لما هجرا الشام حين استعلن مُعاوية باستحلال ربا الفضل، كلاهما قالا لا نُساكِن بأرضٍ أبداً، احتج مالك بهذا، وهذا مذكور حتى في التذكرة للقرطبي ومذكورة الرواية كاملة، ابن حجر توقف عند جماعة من السلف، مَن؟ بالذات عُبادة، الإمام مالك احتج بعُبادة وأبي الدرداء، على مَن احتجوا بهذا الشيئ وتظاهروا؟ على مُعاوية الذي استحل ربا الفضل، حتى وإن كان مُجتهِداً فيه لكن هم رأوا في ذلك مُنكَراً، لا ينبغي أن نسكت، لماذا لا نذكر النصوص كاملةً كما هي؟ نوع من التفلين حتى في نقل النصوص!
في ضمن الردود أيها الإخوة يضحكون على الناس بهذه الطريقة: يقولون أليس مُعاوية كان مع الذين قاتلوا مع الرسول يوم حُنين؟ قاتلوا هوازن، أي قبلية هوازن، أليس مُعاوية كان معهم؟ قلنا بلى، وأبو سُفيان كان معهم وكذلك صفوان وكان مُشرِكاً، لم يدخل الإسلام، انتبهوا إلى هذا، والنبي يومها تألَّفه وأعطاه غنماً بين جبلين، وبعد ذلك انشرح قلب الرجل فيما يبدو للإسلام، إذن مع الذين حاربوا أيضاً مَن ليس مُؤلَّفة وليس طُلقاء، طبعاً للمعرفة حُنين متى كانت؟ في شوال من السنة الثامنة للهجرة، بعد فتح مكة بخمسة عشر يوماً، أي لا يزال هؤلاء ما شاء الله طُلقاء جدداً، أي أنهم طُلقاء جُدد لا رسخ الإسلام عندهم، ومنهم مَن؟ بحسب ما نعرف نحن مُعاوية، نحن نعرف أن مُعاوية أسلم يوم فتح مكة، قالوا بعد ذلك سوف نبحث هذا، لكن في الحلقات الجائية فقط في بحث إسلام مُعاوية، متى أسلم مُعاوية؟ بحث طويل وليس كإطلاق الكلام، أحد الذين تصدوا للرد علىّ زعم قال والتحقيق أن مُعاوية أسلم قبل فتح مكة، عام القضية، سوف نرى التحقيق، وبالله عليكم احكموا، هو تكلَّم بهذه الجُملة، قال والتحقيق أن كذا وكذا فقط، وأنا اليوم سأُدلي بتحقيقي في المسألة، تحقيق حقيقي مُوسَّع ومُسهَب، وسوف نرى متى أسلم مُعاوية وبالدليل، لا تتبعوني ولا تتبعوا غيري، انظروا إلى الدليل، هناك الأدلة الصحيحة الرجيحة – إن شاء الله – والمليحة، فمُعاوية وأبوه ذهبوا إلى حُنين، ما علاقة هذه بما نقول؟ قالوا الله قال ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۩، ومُعاوية كان منهم، أي من المُؤمِنين، إذن نزلت السكينة أم لم تنزل؟ أنا لا أقول نزلت، لم تنزل على مُعاوية فيما يبدو لي إن شاء الله، قالوا نزلت عليه فلماذا يا عدنان تتكلَّم على رجل أنزل الله السكينة عليه؟ هذا جميل لكي تُبسَطوا قليلاً، فقبل قليل كنا مُنفعِلين، إن شاء الله لا يغضبون مني، والله هذه مُضحِكات مُبكيات، سوف يقولون هذا يسخر، والله لا أسخر من أحد لكن هذا لا يهم، هذه الحقيقة وسوف نرى، أولاً هل القرآن قال الله أنزل السكينة المُحارِبين أم عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ۩؟ قال عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ۩، هذا قرآن، هذا كلام رب العالمين، لأن الله يعلم أن فيمَن كان مع رسول الله مُؤمِنون وهناك مُنافِقون وهناك مُؤلَّفة قلوبهم وهناك مُشرِكون لم يُسلِموا كصفوان، أليس كذلك؟ هناك مَن لم يُسلِموا، هذا لم يكن مُسلِماً أصلاً، صفوان كان مُشرِكاً، أي أنه كان على شركه، وهذا يُفيدنا في موضوع الدعوة إلى الإسلام، ابن تيمية – رحمة الله عليه – عنده تحقيق جيد، قال الذي يذكره كتاب السير والمغازي أن كفار مكة لم يكن لهم خيار إلا أن يُسلِموا أو يُقتَلوا غير صحيح، النبي فقط عفا عنهم ثم تركهم لاختيارهم، وهذا صحيح فعلاً، مَن أحب أن يُسلِم أسلم، لكن هناك أُناس مُعيَّنون كانوا قادة الأحزاب وسدنة الكفر، النبي كان يُريد أن يقتلهم، لذلك تخلَّصوا بإظهار الإسلام، ولعل أبا سُفيان هذا منهم، أي واحد منهم، لكن أما البقية لم يكونوا كذلك، بدليل موضوع صفوان، النبي تركه، وذهب بعد خمسة عشر يوماً وهو مُشرِك لكي يُقاتِل مع النبي، قاتل هوازن مع رسول الله، فهذه حرية، لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، لا تُوجَد فتنة، قال الله حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ۩، لن تكون هناك فتنة، وهذا هو الصحيح، هذه كانت فائدة سريعاً لكنها تحتاج إلى كلام أطول، نعود الآن إلى ما كنا فيه، فالقرآن يعلم هذا، ومَن المُؤلَّفة يا إخواني؟ مَن المُؤلَّفة قلوبهم؟ يُقال المُؤلَّفة، وهل كان مُعاوية من المُؤلَّفة؟ سوف يُقال اتق الله يا رجل، اتق الله قطع الله لسانك، أتقول لصحابي جليل وهو مُعاوية بن أبي سُفيان كان من المُؤلَّفة؟ طبعاً، مُعاوية كان من المُؤلَّفة يا جماعة، هو طليق ابن طليق وهو من المُؤلَّفة، وسنرى مَن المُؤلَّفة، المُؤلَّفة كما قال الآلوسي في التفسير كفار لم يُسلِموا، يُعطيهم النبي رجاء ماذا؟ أن يُسلِموا، وهذا كان أولاً، ثانياً – ثلاثة أقسام المُؤلَّفة – المُؤلَّفة أُناس أسلموا ولم تثبت ولم تُباشِر بشاشة الإيمان قلوبهم، أي أنهم ضعاف، على ضعف وعلى شك وحيرى وتردد، يُعطيهم لماذا؟ لكي يرسخ الإيمان في قلوبهم، لكي يُحِبوا الإسلام أكثر، ثالثاً – هذا القسم الأخير الذي ذكره الآلوسي في روح المعاني، وهذا تقريباً زُبدة ما يذكره مُعظَم العلماء – المُؤلَّفة أُناس يُعطيهم النبي – صلى الله عليه وسلم – دفعاً لشرهم عن المُسلِمين حتى وإن بقوا على شركهم وكفرهم، هؤلاء المُؤلَّفة، فطبعاً كلمة مُؤلَّفة عار، انتبهوا إلى هذا، يُقال هذا من المُؤلَّفة، هذا العار باقٍ بقاء الدهر أم يزول؟ يُمكِن أن يزول، يبدأ المرء مُؤلَّفاً ثم يُباشِر الإسلام بشاشة قلبه ويحسن إسلامه إن شاء الله، لكن الذي أُريده مُعاوية يوم حُنين كان مُؤلَّفاً كأبيه أم غير مُؤلَّف؟ مُؤلَّف وبالأدلة، سوف نأتيكم بها ومن شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو لا يشك أنه كان من المُؤلَّفة، ابن حجر قال من المُؤلَّفة، ابن الأثير في أُسد الغابة قال من المُؤلَّفة، مُعظَم العلماء قالوا مُعاوية كان من المُؤلَّفة، بدليل أن النبي أعطاه، انتبهوا إلى هذا، الذي قرأ السيرة وفقه ما فيها يعلم ما فعل النبي يوم حُنين، أي في غزوة حُنين، غنائم هوازن كان فيها ألوف من الإبل – كثيرة جداً – ولم يُعط المُهاجِرين والأنصار شيئاً وإنما تألَّف بالأموال، وأنتم تعرفون ما حدث في حُنين، باختصار – لأن هذا موضوع ثانٍ – في حُنين الحمد لله في البداية حدث نصر للمُسلِمين، لكن بعد قليل – سُبحان الله – دخلهم العُجب، قالوا لن نُغلَب اليوم من قلة، نحن اليوم كثرة فلن نُهزَم، فسُبحان الله صارت عليهم الدبرة، حتى فروا وتركوا رسول الله إلا قلة فيهم الإمام عليّ عليه السلام، والنبي لم يفر، كان على بغلته لم يرم مكانه، وقال جُملتين، نظر يمينه وقال يا معشر المُهاِجرين في رواية، فقالوا لبيك يا رسول الله وانعطفوا إليه، ثم قال يا معشر الأنصار، وفي رواية يا أهل سورة البقرة، يا أهل بيعة الرضوان، يا كذا وكذا، فانعطفوا إليه، ليس المؤلَّفة وليس الطُلقاء، بدليل ما رواه ابن أبي شيبة في المُصنَّف، قال أبو طلحة يا رسول الله أما تنظر إلى هذه – أم سُليم زوجة أبي طلحة – ماذا تقول؟ قالت نعم يا رسول الله، لقد انهزم عنك الطُلقاء قتلهم الله، قال قد كفى الله وأحسنهم، نحن لا نحتاجهم، أي الطُلقاء، فهي تقول الطُلقاء، إذن مَن الذين عطفوا إليه ونصروه كرةً أُخرى؟ المُهاجِرون والأنصار، هؤلاء هم المُؤمِنون الذين أنزل الله عليهم السكينة وخصهم الله بقوله، الله لم يقل أنزل سكينته على مَن معه أو على مَن حضر أو على المُحارِبين أو على كذا وكذا، قال وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ۩، أما الطُلقاء وفيهم أبو سُفيان وابنه طبعاً مُعاوية فلم يكونوا كذلك، أبو سُفيان يروي عنه ابن إسحاق في السيرة – وذكره ابن هشام أيضاً – أنه كان على تلة، هرب مُباشَرةً، يقول ابن إسحاق وإن معه لأزلامه في كنانته، معه كنانة فيها الأزلام الخاصة بالشرك يستقسم بها، وقال لن تنتهي اليوم هزيمتهم دون البحر، محمد وأصحابه سوف يظلون هاربين، أعوذ بالله منه، حتى بعد ذلك كانت تقوم معركة مع الروم إن ظهر الروم يقول إيه بني الأصفر، هؤلاء الروم يا عمي، هؤلاء الأمريكان، لا يُغلَبون، فيقول هذا مُنافِق، ما زال مُنافِقاً، هذا أبو سُفيان، وأين كان مُعاوية؟ لم يثبت في رواية واحدة أن المُؤلَّف الطليق كان مع الرسول ومع الثابتين، بالحري والحتم كان مع أبيه وجماعته طبعاً، على كل حال الثابت حتى لا نتكلَّم ولا نتقوَّل أنه كان طليقاً، سوف طبعاً نُنازَع في هذا، سوف يُقال أسلم عام القضية وروى الواقدي وقالا البخاري ومُسلِم، سوف نرى الأدلة وسوف نُناقِشها نقاشاً علمياً دقيقاً وموزوناً، وبعد ذلك ماذا قال؟ قال هو أسلم عام القضية، لكن هو مُؤلَّف، لو أسلم لماذا يتألَّفه النبي؟ يقول الذهبي، قال الذهبي أنت لا تعرف ما الذي يخرج من رأسك، لو أسلم عام القضية لماذا يتألَّفه النبي؟ النبي لا يتألَّف مَن حسن إسلامه أو سبق إسلامه، وهنا قد يقول لي أحدكم ما المُراد بعام القضية وما إلى ذلك؟ عمرة القضية سنة سبع وفتح مكة سنة ثمان، هل سنة أفرقت؟ أفرقت كثيراً، لأن مَن يُسلِم قبل الفتح أسلم عن طواعية وعن اختيار، مثل سيدنا خالد بن الوليد وعمرو بن العاص، عن طواعية وعن اختيار، يُوجَد نوع من الصدق الآن، لكن الذي يُسلِم عام الفتح الله أعلم بحاله، منهم مَن صدق ومنهم مَن تخلَّص لكي يُحافِظ على نفسه ويُحقِّق بعد ذلك ما يُريد، هوازن بعد خمسة عشر يوماً، هناك معارك وألوف النوق والجمال والأفراس والذهب والفضة، هناك مرابح، أليس كذلك؟ فنذهب معهم، إذن هؤلاء الطُلقاء وعلى كل حال سوف نُثبِت هذا.
إذن لا يُمكِن أن يُدلَّس علينا بأن يُقال مُعاوية كان في حُنين وهو من جُملة المُؤمِنين ونزلت السكينة عليه، هو من جُملة المُؤلَّفة المُطلَقين إن جاز التعبير، أطلقه الرسول، فهو من الطُلقاء المُؤلَّفة، لم يُسلِم قبل ذلك، وسوف نرى – إن شاء الله – هذا الآن مُباشَرةً!
بالنسبة إلى متى أسلم كما قلت لكم مُعظَم مَن ترجم لمُعاوية على الإطلاق يُرسِلون هذا إرسال المُسلَّمات، أن مُعاوية أسلم عام الفتح، لا يمترون في هذا يا إخواني ولا يُناقِشون فيه، ومن ضمنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، عنده أن مُعاوية أسلم عام الفتح قضية مُقرَّرة، لا يُناقِش فيها كثيراً، لماذا؟ معروف، ماذا قال رحمه الله؟ منهاج السُنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية، المُجلَّد الرابع، وهذه طبعة المملكة السعودية، مُؤسَّسة قُرطبة، الطبعة الأولى، سنة ست وثمانين، صفحة أربعمائة وثماني وعشرين، يقول وأما قوله – ابن المُطهَّر الحلي – “إن مُعاوية لم يزل مُشرِكاً مدة كون النبي – صلى الله عليه وسلم – مبعوثاً” فيُقال: لا ريب أن مُعاوية وأباه وأخاه وغيرهم أسلموا عام فتح مكة – قال لا ريب، لا نُناقِش هنا، انتبهو إلى هذا، سوف يُقال يا عدنان أتُشكِّك في إسلام مُعاوية أيضاً؟ هذه الحقيقة التي قال عنها النووي وهو الصحيح، الصحيح أنه أسلم عام الفتح وليس عام عُمرة القضية -، قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من ثلاث سنين…. إذن ماذا يقول ابن تيمية؟ يقول لا ريب، أي لا شك، No Doubt، لا يُوجَد أي شك، يقول هذا معروف.
وقال النووي في شرحه على مسلم – في المنهاج – وإنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح المشهور!
الإمام الذهبي له قولان، الحافظ ابن حجر له قولان، وهذه – إن شاء الله – من فوائد هذا الدرس، الحافظ الذهبي – رحمة الله عليه – في سير أعلام النُبلاء قطع بأنه أسلم عام الفتح وزيَّف رواية الواقدي بطريقة ذكية وعجيبة، أنه أسلم عام القضية، أي عام عُمرة القضية، وسوف نرى هذا، سوف نقرأ كلامه بطوله، لكنه في تاريخ الإسلام – في المُجلَّد الثالث من تاريخ الإسلام – حين ترجم لمُعاوية صدَّر الترجمة بأن مُعاوية أسلم قبل الفتح في عام عُمرة القضية سنة سبع، وهذا عجيب، الآن قد يقول لي أحدكم نحن من باب حُسن الظن وحمل المُسلِم على أحسن محامله سوف نقول أن مُعاوية أسلم عام القضية، لماذا نحرمه هذا الشرف؟ لا يُوجَد في العلم شيئ اسمه حُسن وسوء ظن، تُوجَد تحقيقات منهجية، يعني المُؤرِّخ لا يقول هذا من حُسن ظني، كيف من حُسن ظنك؟ هل أنت درويش؟ أنت درويش أم مُحقِّق ومُؤرِّخ؟ كيف يكون التحقيق المنهجي في هذه المسألة؟ أنت في النُبلاء قلت لا، هذا كلام فارغ وهذا ليس له أي وزن، وزيَّفته باستخفاف وبذكاء ولوذعية، في تاريخ الإسلام قلت الآتي، هذا كتاب تاريخ الإسلام، صفحة ثلاثمائة وست، هذا مُجلَّد – كما قلنا – أحداث سنة واحد وأربعين إلى ستين، مُباشَرةً بعد أن عرَّفه قال أسلم قبل أبيه في عُمرة القضاء وبقيَ يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه، ولم يقل بعد ذلك في رواية ثانية أنه أسلم عام كذا وكذا، كأنه اعتمد هذا، ولم يذكر الرواية الثانية الصحيحة المشهورة، هي مُستفيضة لكنه لم يُشِر إليها وهذا غريب، لكن في النُبلاء زيَّف هذا، كيف زيَّفه؟ هنا لم يأت بالدليل، سنسمع ماذا يقول في النُبلاء، المُجلَّد الثالث، صفحة مائة وتسع عشرة، أنا كتبته وهو موجود عندنا، قال مُصعب الزُبيري كان مُعاوية يقول: أسلمت عام القضية … أي سنة سبع، عُمرة القضية، وأنتم تعرفون باختصار أن النبي اعتمر أربع عُمر، بالاتفاق لم تزد على أربع عُمر، عُمرة الحُديبية، وهذا طبعاً حين منعوه عن البيت، وبعد ذلك بسبب الاتفاق الذي صار جاء من العام التالي، وهذه عُمرة القضية، عُمرة القضية لما بقوا في مكة ثلاثة أيام وأهل مكة غادروها إلى الجبال وما إلى ذلك، هذه العُمرة الثانية، العُمرة الثالثة مع حجته إذ كان قارناً، ولذلك أين أحل؟ أين قصَّر أو حلق؟ هو حلق طبعاً، في منى أم على المروة؟ في منى، لأنه كان قارناً، وساق الهدي، والعُمرة الرابعة والأخيرة – هذا في حديث أنس أيضاً، هناك أربع عُمر – عُمرة الجعرانة، عُمرة الجعرانة بعد هوازن، أي بعد حُنين، زُهاء أُسبوعين، وبعد ذلك حصلت الطائف وعاد، وسوف نُحدِّثكم عنها، الثلاث العُمر غير العُمرة التي قرنها في حجته متى فعلهن؟ في ذي القعدة، في ذي القعدة الثلاث العُمر بالاتفاق، لماذا؟ لأن الجاهليين المُشرِكين كانوا يعتقدون أن من أفجر الفجور أن يعتمر المرء في ذي القعدة، هذا الشهر ليس جيداً وما إلى ذلك، قال لهم النبي بالعكس، فمُبالَغة منه في استخراج وتزييف هذا الاعتقاد السيئ الردي فعل عُمره كلهن إلا التي قرنها بحجته الشريفة – حجة الوداع – في شهر ذي القعدة، هذه المعلومة ستنفعنا الآن في التحقيق، فاستحضروها إن شاء الله، على كل حال يقول الذهبي قال مُصعب الزُبيري كان مُعاوية يقول: أسلمت عام القضية، يقول الذهبي ابن سعد – أي روى ابن سعد، مَن ابن سعد؟ محمد بن سعد وهو كاتب الواقدي، يُسمونه ابن سعد كاتب الواقدي، محمد بن عمر الواقدي كان شيخ ابن سعد، ابن سعد مَن؟ صاحب الطبقات، شيخ ثقة، من أئمة الإسلام العظام رحمة الله تعالى عليه، الواقدي يقبلونه في التاريخ وبعض المغازي لكن في الحديث لين، لا يقبلونه، أييردونه -: حدَّثنا محمد بن عمر – مَن هو؟ الواقدي -، حدَّثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن عمر بن عبد الله العنسي، قال مُعاوية: لما كان عام الحُديبية، وصدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت، وكتبوا بينهم القضية، وقع الإسلام في قلبي، فذكرت لأمي، فقالت: إياك أن تخالف أباك، فأخفيت إسلامي، فوالله لقد رحل رسول الله من الحُديبية وإني مُصدِّقٌ به، ودخل مكة عام عُمرة القضية وأنا مُسلِم. وعلم أبو سُفيان بإسلامي، فقال لي يوماً: لكن أخوك خيرٌ منك وهو على ديني – أي لأنه على ديني -، فقلت: لم آل نفسي خيراً، وأظهرت إسلامي يوم الفتح، فرحب بي النبي صلى الله عليه وسلم وكتبت له – الرسائل والوحي مسألة سنُاقِشها بالتفصيل أيضاً -. ثم قال الواقدي: وشهد معه – صلى الله عليه وسلم – حُنيناً، فأعطاه من الغنائم – تألَّفه إذن، أرأيتم؟ لأن لم يكن هناك قسم، حُنين لم يكن فيها قسم، كان فيها تألّف – مائة من الإبل، وأربعين أوقية – أي فضةً، والآن الذهبي سيختم بالتعليق، ما رأيك يا ذهبي؟ هذه أدلة إسلامه قبل الفتح -. قلت: الواقدي لا يعي ما يقول، فإن كان مُعاوية كما نقل قديم الإسلام، فلماذا يتألَّفه النبي صلى الله عليه وسلم؟ – إذا أسلم وحده عن محبة لماذا يتألَّفه؟ هذا غير صحيح، وهذا أولاً – ولو كان أعطاه، لما قال عندما خطب فاطمة بنت قيس: أما مُعاوية فصعلوكٌ لا مال له.
ثم قال الذهبي في تضاعيف ترجمته له في النُبلاء قلت حسبك بمَن يُؤمِّره عمر – عمر أعطاه الشام، أعني دمشق -، ثم عثمان على إقليم وهو ثغر فيضبطه ويقوم به أتم قيام، ويرضي الناس بسخائه وحلمه، وإن كان بعضهم تألَّم مرة منه، وكذلك فليكن المُلك. وإن كان غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً منه بكثير وأفضل وأصلح، فهذا الرجل ساد، وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه وسعة نفسه وقوة دهائه ورأيه. وله هنات وأمور، والله الموعد.
من أجل هذه الكلمة قالوا الذهبي مُنحرِف عن الصحابة، بعض المُعاصِرين سب الذهبي وقال له مَن أنت يا ذهبي؟ رجل صعلوك مُتمسلِف كتب رسالة قال فيها أقول له ومَن أنت يا ذهبي حتى تقع في صاحب رسول الله وتقول له: وله هنات وأمور؟ هذه الكلمة رغم كل هذا المدح وكل هذه الموازين العجيبة أزعجتهم، الذهبي هنا يُعرِب عن موازين ليس لها علاقة بالضوابط الشرعية، لا يُوجَد عند الله وزن لكونه ملك كبير وساس وما إلى ذلك، عند الله هل تُراعي أمر الله؟ موازين حتى سيدنا عمر مُختلِفة، عمر كان يرتجف ليل نهار ويعرف أن هذه مُصيبة من المصائب إن لم تُقِم فيها حد الله بحرفه، لا يُوجَد لعب، وإلا ما دخلك في هذه المُشكِلة كلها؟ تقول لي ساد الناس وساس وقاد وعمل، ما هذا؟ تقول وكذلك فليكن المُلك، لكن لا يُوجَد عند الله هذا الكلام، هذا في الدنيا، ومع ذلك في النهاية قال الذهبي في قلبي شيئ سأقوله، قال وله هنات – أي أن له أخطاء، ليست كبيرة جداً لكن عنده – وأمور، وكلمة أمور أكبر من هنات، قال وله هنات وأمور، عنده أخطاء صغيرة وعنده أخطاء كبيرة، يعرف الذهبي هذا طبعاً لكن لا يقدر على أن يُصرِّح المسكين، ثم قال والله الموعد، الله سوف يُفصِل في القضية، أنهى الذهبي حديثه بهذه الكلمة!
على كل حال واضح جداً أن الذهبي هنا يُسخِّف رأي مَن قال أنه قديم الإسلام قبل الفتح، قال هذا كلام فارغ، قال الواقدي لا يعي ما يقول، لكن في تاريخ الإسلام ذكر قولاً واحداً ولم يُعقِّب عليه، أنه نعم قديم الإسلام وأسلم عام القضية، أيهما الأصح؟ أيهما آخر الأمرين من الذهبي كما يُقال؟ أيهما آخر رأيي الذهبي؟ أنا أقول لكم قطعاً الذي في النُبلاء، لماذا؟ هذا المنهج التاريخي، لأن تاريخ الإسلام قديم التأليف، فرغ منه أول مرة عام سبعمائة وثلاث عشرة للهجرة – رحمة الله على أبي عبد الله الذهبي الحافظ – وذكر في مُقدَّمته أنه جعله عُمدته في الانتخاب منه والاقتباس والتعويل والرجوع عليه في العبر ودول الإسلام والنُبلاء، وهو يُحيل عليه ويقتبس منه كثيراً في سير النُبلاء، فوضح بهذا بشكل واضح أن الآخر منهما هو النُبلاء، والدليل أنه في النُبلاء زيَّف القول، أتى بالدليل الخاص بالزُبيري – مُصعَب الزُبيري – وزيَّفه الرجل بطريقة ذكية، أما هناك فلم يذكره أصلاً حتى يُزيِّفه، فواضح أن آخر رأيي الذهبي أنه يعتقد أن مُعاوية ليس قديم الإسلام، بل أسلم عام الفتح، وهذا الذي لم يرتب شيخ الإسلام ابن تيمية، قال لا ريب أنه أسلم هو وأبوه وأخوه عام الفتح، قال لا ريب!
الحافظ ابن حجر العسقلاني له رأيان أيضاً، في الإصابة رجَّح أنه أسلم عام الفتح وأنه ليس قديم الإسلام، في فتح الباري – وسأقرأ كلامه بطوله – أتى بكلام في نظري بكل صدق – سوف ترونه – هو كلام مبني على افتراض احتمالات، وهو مُتهافِت جداً، ثم جعله من فتح الله عليه في النهاية، وسوف ترون هذا، كلام عجيب جداً، ضعيف جداً جداً جداً – سُبحان الله – ومُتهافِت، أراد أن يُوفِّق فيه بين أقوال كثيرة تعلَّق بها مَن ذهب وهمه ووده إلى قِدم إسلام مُعاوية ولو بسنة، ونفس السؤال منهجياً الآن، أيهما آخر رأيي أمير المُؤمِنين ابن حجر: الذي في الفتح أو الذي في الإصابة؟ لأول وهلة مَن درس تاريخ هذا الرجل يرى أن الذي في الإصابة هو الآخر منهما، علماً بأن هذا تحقيقي الشخصي في المرتين، أي مع الذهبي وابن حجر، لم أقرأه لأحد، هذا بحثي الشخصي، يذهب الذهن لأول الأمر إلى أن الذي في الإصابة هو الآخر منهما، وهو أنه أسلم عام الفتح، لماذا؟ لأن الفتح تمادى ابن حجر في وضعه أزيد من ثلاثين سنة وهو يكتب فيه، موسوعة كبيرة جداً جداً جداً، ثم لم يُشِر في الفتح إلى الإصابة إلا مرة واحدة، وذلكم في الجُزء الثاني عشر، وقد كتبت هذا وراجعته بنفسي، مرة واحدة في آخر أجزاء الفتح، طبعاً هو لم يقف نفسه فقط على الفتح، كان يكتب في الفتح ويُملي في المجالس وطبعاً يضع تصانيف أُخر، تصانيفه فوق المائتين والخمسين مُؤلَّف الرجل، شيئ عجيب، موسوعة وبحر، رحمة الله عليه وجزاه الله خيراً عن الإسلام وأهله.
فلو كان وضع الإصابة قبل الفتح لأحال عليها مراراً في تراجم الصحابة، لقال كثيراً ترجمناه في الإصابة وما إلى ذلك، لكنه لم يفعل هذا أبداً، لم يذكر الإصابة إلا مرة واحدة يتيمة في آخر أجزاء الفتح، لكي أكون دقيقاً سأقرأ لكم أين، كتبت هنا أن هذا في المُجلَّد الثاني عشر، كتبت هنا أقول ابن حجر له قولان في إسلام مُعاوية، الذي رجَّحه في الفتح ومال إليه أنه ربما أسلم قبل الفتح، والذي رجَّحه في الإصابة إسلامه يوم الفتح لا قبله، وقد دافع عن هذا الرأي في الإصابة، فصار مطلوباً معرفة متى ألَّف الإصابة، لأنه مكث في الفتح زُهاء ثلاثين سنة، لا نعرف متى وضع الإصابة، والذي ظهر لي أن الإصابة مُتأخِّرة عن الفتح، كتبه في أُخريات سني حياته وهو مشغول بالفتح، بدليل أنه لم يُشِر إليه في الفتح إلا مرة واحدة في الجُزء الثاني عشر والفتح كله ثلاثة عشر جُزءاً، عند كلامه على حديث الولد للفراش عن زمعة وأولاده، موضوع في النسبة، وهل هو بالإضافة أم بالقطع وما إلى ذلك، قال وفي الإصابة، قال هذا مرة واحدة، هذا يعني أنه فرغ من الإصابة في آخر أيام الفتح، وأما ترجيحه أو استرواحه أن مُعاوية قد يكون قديم الإسلام فهذا في أوائل مُجلَّدات الفتح، فوضح أن الإصابة عن ما ذكره في هذه القضية في الفتح، إذن هو آخر الرأيين أيضاً كالذهبي، وهذا الصحيح وسوف تأتيكم الأدلة بإذن الله، لأنه ابتدأ بإملاء فتح الباري في ثمانمائة وسبع عشرة وانتهى منه في ثمانمائة واثنين وأربعين، أي زُهاء ثلاثين سنة، رحمة الله تعالى عليه.
نكتفي بهذا القدر إن شاء الله، ونُكمِل في حلقة أُخرى بإذن الله.
(تابعونا في الحلقات القادمة)
أضف تعليق