بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن والاه، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً، وافتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين.
إلى أن نُهيء اللاب توب Laptop أيها الإخوة سنُجري مُراجَعة سريعة إن شاء الله، ما هما المُتقابِلان؟ (ملحوظة) سمح الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لأحد الحضور بالإجابة قائلاً تفضَّل يا أبا القاسم، فقال هما المُتنافِران اللذان لا يلتقيان في محل واحد من جهة واحدة في وقت واحد، فقال له فضيلته أحسنت، هذان هما المُتقابِلان، اللفظان المُتنافِران، لا يلتقيان في محل واحد من جهة واحدة في وقت واحد، كل قيد من هذه القيود مُهِم جداً.
التقابل أربعة أقسام، ما هي؟ (ملحوظة) رغب الأستاذ أبو القاسم في الإجابة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هل أبو القاسم فقط مُن يُراجِع؟ تفضَّل يا أبا القاسم، فذكر الأربعة أقسام فقال له فضيلته مُمتاز، ثم إعاد ذكرها قائلاً إذن تقابل النقيضين، تقابل الملكة وعدم الملكة، تقابل الضدين، وتقابل المُتضايفين.
هل يُمكِن أن يُعرِّف لنا أحدكم تقابل النقيضين؟ ما هما النقيضان أصلاً؟ طبعاً معنى التقابل دائماً التعاكس، التقابل معناه ليس الترادف أو التعادل، معناه التعاكس، شيئ ضد شيئ!
كيف يتقابل النقيضان؟ (ملحوظة) رغب الأستاذ أبو القاسم في الإجابة، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم تفضَّل يا أبا القاسم، فأجاب بالإجابة الصحيحة فقال لفه فضيته أحسنت، هذان هما النقيضان، ثم أعاد الإجابة قائلاً أمر وجودي أو معنى وجودي وعدمه، ليس العدم وإنما عدم ذلك الوجودي، هذا مُهِم حتى لا نغلط، نقيض أبيض ليس أسود، انتبهوا! أبيض وأسود ضدان، نقيض أبيض لا أبيض، ويدخل فيه الأسود والأحمر والأصفر، الكل! أليس كذلك؟ أي شيئ آخر، إذن هو وجودي وعدمه، أي وعدم ذلك الوجودي، يستحيل أن يجتمعا في محل واحد في وقت واحد، كما يستحيل أن يرتفعا عنه في نفس الوقت، والثالث مرفوع، أي الــ Excluded middle، لا تُوجَد احتمالية ثالثة، إما هذا أو هذا، أليس كذلك؟ أي لا يُوجَد احتمال ثالث بينهما، مُمتاز!
ما هي الملكة وعدمها؟ الملكة وعدمها شبيهان جداً بالنقيضين، وأنا رتَّبتهما هذا الترتيب حتى لا تنسوا، قلنا تقابل النقيضين، وتقابل الملكة وعدمها، نفس الشيئ! الملكة وعدمها ما هما؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور أمر وجودي وعدمه، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أيضاً أمر وجودي وعدمه، أي وعدم ذلك الوجودي، هذا مثل النقيضين، وماذا بعد؟ فذكر المُجيب المحل القابل للملكة، فقال له فضيلته أحسنت، إذن أمر وعدم هذا الأمر، لكن ليس بالمُطلَق، وإنما عن محل قابل للملكة، لفظ – مثلاً – موجود ولا موجود، هذا نقيض ونقيضه أو ملكة وعدمها؟ نقيض ونقيضه، لأن كل شيئ لابد أن يكون إما موجوداً وإما غير موجود، لا كلام في هذا! حتى الله نفسه موجود عز وجل، أليس كذلك؟ فهذان نقيضان، لكن الملكة وعدمها مثل ماذا يا أبا القاسم؟ (ملحوظة) قال أبو القاسم مثل السميع والأطرش، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم، مثل السميع والأطروش أو الأطرش، مثل البصير والأعمى، هذه ملكة وعدمها، ليسا نقيضين وليسا ضدين، لماذا؟ لأن ليس من شأن كل شيئ أن يكون سميعاً، لا يُقال هذا! وإلا الحجر هذا لا هو سميع ولا هو بصير طبعاً، هما ارتفعا عنه، أليس كذلك؟ إذن لابد أن نُكمِل تعريف الملكة وعدمها، أمر وجودي وعدم ذلك الوجودي، وماذا بعد؟ عدمه في المحل الذي يقبل الملكة، وماذا بعد؟ لابد أن نُكمِل! ماذا؟ (ملحوظة) قال أبو القاسم لا يجتمعان معاً، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا يجتمعان معاً في المحل، ولا ماذا؟ فقال المُجيب ولا يرتفعان، فقال فضيلته ولا يرتفعان معاً، أليس كذلك؟ مُستحيل أن يرتفعا معاً، لكن هذا الحائط لا سميع ولا أطرش طبعاً، لأن هذه ليست ملكة وعدمها، الذي يسمع مَن هو؟ الإنسان والحيوان، أليس كذلك؟ وربما الملائكة أيضاً، لكننا لا نقول الحائط أطرش لأنه لا يسمع، هذا كلام فارغ! من الأصل هو لا يقبل السمع، وكذلك الحال مع البصر، نحن لا نقول هذا الحائط لا هو بصير ولا هو أعمى، ارتفعا عنه! هذا غير صحيح، الملكة وعدمها تكون كما قلنا، الملكة في المحل اللائق بها، وعدمها عن ذلك المحل، لا عدمها بالمُطلَق! عدمها في ذلك المحل، الذي كان يُمكِن أن يكون قابلاً لها، مثل إنسان ترى أنه أعمى Blind، هذا الإنسان أعمى وكان يُمكِن أن يكون بصيراً، يقبل المسكين هذا، مثل كل الناس! فهذه ملكة وعدمها، إذن البصر والعمى تقابل الملكة والعدم وليسا تقابل النقيضين، أحسنت، مُمتاز! انظروا إلى المُراجَعة التي تُثبِّت المعلومات، أبو القاسم ما شاء الله عليه، ألف ألف، فتح الله عليه.
الضدان، تقابل الضدين ماذا عنه؟ هل يُوجَد مَن يُجيب غير أبي القاسم؟ لابد أن تُراجِعوا، هذه خسارة، أنا أقول لكم هذه خسارة عليكم والله العظيم، انتبهوا! الدروس ستزيد فضلاً عن أن بعضها ينبني على البعض الآخر، إذا فهمتم في الدرس ثم عُدتم وراجعتم فسوف تثبت المعلومات بعون الله تعالى، ومن ثم سوف تستوعبون الدروس القادمة بسلاسة أكثر، تفضَّل يا أبا القاسم، (ملحوظة) أجاب أبو القاسم بأنهما أمران وجوديان، يستحيل أن يجتمعا في محل واحد من نفس الجهة، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا يزال هناك سؤال، وهو هل يتوقَّف تعقل أحدهما على الآخر؟ ثم أجاب قائلاً لا، هذا الفرق بينهما وبين المُتضايفين، لأن نفس التعريف في المُتضايفين، أيضاً أمران وجوديان، يستحيل أن يجتمعا في محل واحد من نفس الجهة، أليس كذلك؟ كما يستحيل أن يرتفعا، إلى آخره! لكن – زائد – يُتوقَّف تعقل أحدهما على الآخر، الضدان لا يتوقَّف تعقل أحدهما على الآخر، مثل ماذا؟ (ملحوظة) أجاب أحد الحضور بإجابة خاطئة فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، الضدان وليس المُتضايفين، الضدان مثل ماذا؟ فقال الألوان، فقال فضيلته الألوان، مثل أسود، أبيض، وأحمر، إلى آخره! لا يُمكِن أن يكون الشيئ مُلوَّناً بلونين في نفس الوقت، يستحيل! لكن يُمكِن أن يكون مُلوَّناً بلون ثالث، وتعقل الأبيض هل يتوقَّف على تعقل الأحمر مثلاً؟ لا، عادي! ونحن قلنا هذا وأثبتناه بطريقة بسيطة، يُمكِن لطفل لم يُشاهِد لوناً مُعيَّناً في حياته أن يتعقَّ الألوان الأُخرى، رُغم أنه لم يُشاهِد لوناً مُعيَّناً، الطفل هذا – مثلاً – موجود في بيئة مُعيَّنة، صار عمره أربع سنوات ولم يُشاهِد اللون هذا، أليس كذلك؟ ومع ذلك هو يتعقَّل الألوان الأُخرى دون أن يتعقَّل هذا اللون، ليس شرطاً! وبعد ذلك جين يراه يتعقَّله، لا يتوقَّف تعقل هذا على الآخر، بخلاف المُتضايفين، أحدهما يتوقَّف على الآخر في تعقله، مثل ماذا؟ فوق وتحت، أب وابن، علة ومعلول، سبب ومُسبَّب، لا يُمكِن أن تفهم واحداً إلا بفهم الثاني، لا يُمكِن لأحد أن يفهم العلة وما هي العلة من غير أن يفهم ما هو المعلول، مُستحيل! ولا يُمكِن لأحد أن يفهم ما هو المعلول من غير أن يفهم العلة، هذان هما المُتضايفان، ولن نشرح طبعاً، لأن الشرح هذا موضوع ثانٍ ونحن نُراجِع.
بعد ذلك ما الكُلي؟ ما تعريف الكُلي الذي يُسمونه الــ General term؟ ما الــ General term؟ ما هو الكُلي؟ نقول الكُلي، ما هو؟ الآن – مثلاً – المايك Mike كُلي أو جُزئي؟ الميكروفون Microphone كُلي أو جُزئي؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور كُلي، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم كُلي، هذا المايك Mike جُزئي، أليس كذلك؟ ماذا عن الإنسان؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور كُلي، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم كُلي، ماذا عن هذا الإنسان؟ جُزئي، جيد! إذن ما هو الكُلي من خلال الأمثلة البسيطة هذه؟ (ملحوظة) أجاب أحد الحضور بالإجابة الصحيحة فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم وأعاد الأجابة قائلاً ما يصح أو ما لا يمتنع انطباقه على كثيرين ولو بالفرض، انظر إلى هذا التعريف، هذا التعريف – Définition – دائماً لابد أن يكون دقيقاً، ولو بالفرض! لماذا؟ لأن هناك كُليات لا يُوجَد منها إلا واحد، واجب الوجود، الله تبارك وتعالى، مُصطلَح واجب الوجود كُلي أو جُزئي؟ قلنا هذه مسألة خلافية في الثيولوجيا Theology حتى في الأديان الثلاثة، ونحن أكَّدنا أنها كُلي، واجب الوجود كُلي، مع أن في الواقع وفي الحقيقة لا يُوجَد منه إلا الله، قال تعالى لا إله إلا الله، مفهوم الإله مفهوم كُلي، الله قال لكن لا يُوجَد في الحقيقة إلا أنا.
والدليل أنه مفهوم كُلي وليس جُزئياً الآتي، رُغم أن في الواقع لا يُوجَد إلا واحد، يُوجَد فقط واحد! ويبطل وجود أي واحد آخر، الدليل أننا نطلب البرهان عليه، ولو كان جُزئياً لكفى نفس تصوره في البرهنة عليه، لأنه جُزئي، عادي! لن نُريد برهاناً، لكن هو كُلي، والكُلي لابد من البرهنة عليه، يُمكِن أن يكون هناك كُلي ولا يُوجَد منه بالمرة أصلاً، مثل العنقاء! كلمة العنقاء كُلي أو جُزئي؟ أي طائر العنقاء كُلي أو جُزئي؟ كُلي، لو وُجِدت العنقاء – أي الــ Phoenix – في الحقيقة يُمكِن أن يُوجَد منها ألف أو ألفان أو مليون عنقاء، أليس كذلك؟ أي مثل الغراب، مثل مفهوم الغراب! يُوجَد منه غربان لا يعلمها إلا الله، والعنقاء نفس الشيئ، لكن هل مفهوم العنقاء يُوجَد منه في الواقع؟ ولا واحد! وهو مفهوم كُلي.
شريك الخالق كُلي أو جُزئي؟ كُلي، كان يُمكِن أن يُوجَد عشر شركاء أو مائة شركاء، هناك أديان افترضت لله ملايين الشركاء، مثل الهندوسية، وكلها باطلة، فشريك الخالق مفهوم كُلي، يُمكِن أن ينطبق على هُبل، على اللات، على العُزى، على عُزير، على المسيح، وعلى غير ذلك، هذا شريك الخالق، وهو مفهوم كُلي، لكن في الحقيقة – بحسب التحقيق عندنا كمُوحِّدين – لا يُوجَد منه في الواقع أي واحد، هذا كله كذب، هذه مُجرَّد تسمية، الله قال إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا ۩، أنت تُعطيه الاسم هذا، لكن هذا كذب، ليس له مُسمى، أنت تقول هذا المُسمى هو مُسماه كذباً هكذا، هذا غلط عندك في الاستدلال، هو ليس مُسمى، لكننا لا نُريد أن ندخل في مبحث ثيولوجي وعقلي، هذا سيصير شيئاً آخر، لكن نحن – بالنسبة لنا كمُسلِمين – نقول شريك الخالق مفهوم كُلي، لا يُوجَد منه أي واحد، العنقاء مفهوم كُلي، لا يُوجَد منه أي واحد، واجب الوجود مفهوم الكُلي، يُوجَد منه واحد فقط، واحد أحد، لا إله إلا هو! فهذا هو الكُلي، الكُلي ما لا يمتنع صدقه على كثيرين ولو بالفرض، لأن شريك الخالق لا يُوجَد منه، فقط نفرضه! وهذا مُمكِن بالفرض، فرض المُحال ليس بمُحال.
الجُزئي في المُقابِل، ما هو الجُزئي؟ الــ Singular term عكس الكُلي، ما لا يصح إلا على فرد واحد، مثل أنا، هذا الرجل، هذا الغُلام، هذا الشاب، هذا المايك Mike، مسجدنا، هذه الطاولة، هذا الكذا، كتابي، كتابك، القاهرة، بغداد، والقيروان، هذا كُله جُزئي طبعاً، القيروان الخاصة بتونس لا يُوجَد غيرها، ستقول لي افرض أن هناك اثنين منها، لكننا سنقول قيروان تونس، انتهى! ما المُشكِلة؟ لو هناك اثنان من Cairo سنقول Cairo, America وCairo, Egypt، ليس عندنا مُشكِلة! Cairo, Egypt واحد جُزئي، هذا اسمه جُزئي! محمد بن عبد الله جُزئي، أي الرسول الخاتم جُزئي، ما لا ينطبق إلا على واحد يُسمونه الجُزئي.
جالس في الدار جُزئي أو كُلي؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور كُلي، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم كُلي، معروف ينطبق على ماذا جالس في الدار، تائب عن ذنبه جُزئي أو كُلي؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور كُلي، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم كُلي، أليس كذلك؟ مُتورِّع عن المعصية كُلي أو جُزئي؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور كُلي، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم، هذه كلها جُزئيات، أرأيتم كيف؟ هذه كلها كُليات! حاج بيت الله، مُؤدٍ زكاة ماله، ومُحافِز على الصلوات، هذه كلها كُليات، هذه ألفاظ كُلية وليس جُزئية.
بيِّن المُتواطئ والمُشكِّك في الألفاظ التالية:
أخضر، أخضر أو الخضرة كما تُريد، لا تُوجَد مُشكِلة، نفس الشيئ! أخضر أو الخضرة مُتواطئ أو مُشكِّك؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور مُشكِّك، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم مُشكِّك، أحسنت، لماذا؟ ادخل عبر اللاب توب Laptop إلى الإنترنت Internet وسوف تجد خمسين ألف ترجمة للأخضر، أليس كذلك؟ ادخل وسوف تجد كل هذا، هذا كلها أخضر! وما جهة التفاوت، (ملحوظة) قال المُجيب الشدة، فقال له فضيلته أحسنت، الشدة Intensity! أخضر فاقع، أخضر باهت، أخضر كذا وكذا.
جوجل Google – الرقم جوجل Google وهو عشرة أس مائة – مُتواطئ أو مُشكِّك؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور مُتفاوِت، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم مُتفاوِت طبعاً، لكن لماذا هو مُتفاوِت إذن؟ فقال المُجيب إجابة خاطئة، فقال له فضيلته إنه غلط، الجوجل Google مثل العشرة ومثل الواحد، هذا مُتواطئ، الجوجل جوجل Google، عشرة أس مائة، انتهى! العدد مُشكِّك، مفهوم العدد! أي العدد Number، نقول العدد، العدد مُتواطئ أو مُشكِّك؟ مُشكِّك، لأن العدد يُطلَق على واحد ويُطلَق على جوجل Google، وهذا واحد وهو عدد، وهذا جوجل Google وهو عدد، والعشرة عدد، والبليون Billion عدد، والسنتليون Centillion عدد، أليس كذلك؟ ما جهة التفاوت؟ الكثرة، هذا يُوجَد منه واحد، واحد زائد واحد يُساوي اثنين، هذا يُساوي ثلاثة، هذا يُساوي جوجل Google، هذا يُساوي كذا، فهذا هو!
الإنسانية أو مفهوم الإنسان، كُلي الإنسان أو الإنسانية ماذا عنه؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور مُتواطئ، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم مُتواطئ طبعاً، قد يقول لي أحدكم كيف هو مُتواطئ؟ هذا أسود، هذا أحمر، هذا أبيض، وهذا كذا! نرجع إلى الماهية، أصلاً ما هو تعريف الإنسان؟ نحن نتحدَّث عن الإنسان، الإنسان الحيوان الناطق، وهذا حيوان ناطق، وهذا حيوان ناطق، وهذا يعني أنه مُتواطئ، نحن لم نقل الإنسان هو الحيوان الناطق الطويل، بطول مائة وأربعة وثمانين سنتيمتراً أو الحيوان الناطق الذي لونه أحمر أو أشهب وما إلى ذلك، لم نقل هذا، غير صحيح! أليس كذلك؟ قلنا الحيوانية الناطقة، أينما تُوجَد هذه يُوجَد الإنسان، أليس كذلك؟ وهذه موجودة في كل بشر، موجودة في كل بشر! فهذه هي الإنسانية.
ماذا عن الوجود؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور مُتواطئ، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، الوجود مُشكِّك، بدليل – حتى لا تنسى – أن الله موجود، وأنا موجود، وأنت موجود، لكننا لا نتساوى، على الأقل من جهة ماذا كما قلنا؟ الأولوية، مَن وجوده أولى؟ من عنده الأولوية Priority؟ مَن وجوده أولى، ومَن وجوده أسبق أيضاً؟ مَن عنده الأسبقية؟ وجود الله، أسبق بالزمان عند القائلين بالخلق على كل مخلوقاته، وبعد ذلك هو أسبق بالرُتبة عند القائلين بقدم العالم، هذا مُهِم لكي نكون دقيقين، لابد أن نجمع الفلسفة مع غيرها ومع ما قاله هوكينج Hawking بالأمس أيضاً، هذه مُشكِلة هوكينج Hawking! فلابد أن يكون وجود الله أولى إما بالزمان والرُتبة – ونحن نعتقد هذا – وإما على الأقل بالرُتبة دون الزمان عند أرسطو Aristotle وابن رشد والمشائيين وعند هوكينج Hawking أيضاً، قالوا لا تُوجَد بداية للزمان، ليس عندنا مُشكِلة، لكن أيضاً الله موجود وهو أولى، وجوده أولى! فمفهوم الوجود مفهوم مُشكِّك وليس مُتواطئاً.
القدرة، مفهوم القدرة مُتواطئ أو مُشكِّك؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور مُشكِّك، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم طبعاً مُشكِّك، هذا هو طبعاً، هذا يقدر على أن يحمل نصف كيلو، هذا يقدر على أن يحمل أربعمائة وخمسين كيلو، والله يقدر على إفناء وخلق السماوات والأرض كلها، هذه قدرة وهذه قدرة وهذه قدرة، مُشكِّك! مفهوم مُشكِّك، وطبعاً نحن قلنا المُتواطئ معناه الذي يُوجَد في أفراده بالتساوي، لأن التواطؤ هو التساوي والتعادل، المُتواطئ يُوجَد في أفراده بالتساوي، المُشكِّك يُوجَد فيها على تفاوت، إما تفاوت بالأسبقية، بالأولوية، بالشدة، بالقوة، وإلى آخره!
اليوم سنأخذ موضوعاً جديداً فركِّزوا معي، هذا موضوع جميل ومُمتاز، وسوف يفتح لكم باباً من أبواب الفكر من ألطف ما يكون بإذن الله تعالى، وهو المفهوم والماصدق، طبعاً من أين أتوا بكلمة الماصدق أو المصداق؟ من أين أتوا بها؟ من جواب عن سؤال، أنت تقول له كذا وكذا، وهو يقول لك صدق على ماذا؟ على ماذا؟ أي على ما يصدق؟ على ما يصدق؟ فقالوا يصدق على كذا وكذا، وبعد ذلك أخذوا منه هذا الاشتقاق وقالوا ماصدق، هناك أُناس قالوا المصداق واختصروها، لا تُوجَد مُشكِلة! المفهوم – إذن نكتب – والماصدق أو المصداق، أي Connotation and denotation، الــ Denotation أيضاً يُسمونها الــ Extension، أعتقد بالفرنسية نفس الشيئ، الـ Extension، أي L’extension، هذا المصداق، أفراد الشيئ!
ما هو المفهوم؟ تحدَّثنا عنه عدة مرات قبل ذلك، المفهوم يا إخواني هو الصورة الذهنية التي يتعاطى معها العقل الإنساني للشيئ، أي شيئ مُعيَّن له صورة ذهنية، في الذهن! يتعاطى معها الذهن طبعاً بطريقة مُعيَّنة، لأن هذا المفهوم قد يكون مفهوماً كُلياً وقد يكون مفهوماً جُزئياً، أليس كذلك؟ والذهن يتعاطى مع كلتا الحالتين، مع المفاهيم الجُزئية والمفاهيم الكُلية، وكلامنا عن الكُلي والجُزئي، وفي الدرس القادم سوف يكون كلامنا عن الجُزئيات بأقسامها الخمسة: الجنس، النوع، الفصل، الخاصة، والعرض العام، فهذا المفهوم هو مُجرَّد أو عبارة عن الصورة الذهنية للشيئ، سواء كانت لشيئ جُزئي أو لمفهوم كُلي، أي أشياء جُزئية كثيرة انتزع منها الذهن المفهوم الكُلي، تصرف الذهن! هذا هو المفهوم، أي الــ Concept.
المصداق Denotation، المصداق هو الفرد إذا كان جُزئياً أو الأفراد التي يصدق عليها المفهوم، فقط! هذه سهلة، حين نقول الكوب ونطلب تعريفه نتحدَّث عنه كمفهوم، حين نقول الإنسان- يقولون عرِّف الإنسان، الإنسان هو الحيوان الناطق – نتحدَّث عنه كمفهوم، أليس كذلك؟ تقول هذا إنسان وهذا إنسان وتلك الفتاة إنسان وتلك المرأة إنسان، إلى آخره! تُشير إلى ماذا الآن؟ إلى مصاديقه، إلى أفراده في الواقع، هذا صحيح! تُشير إلى أفراده أو إلى مصاديقه، سواء كان مصاديق الكُلي وهي كثيرة – لأن الكُلي ينطبق على كثيرين ولو بالفرض – أو مصداق الجُزئي، أي واحد! أليس كذلك؟ إذا أمكنت الإشارة إليه، مثلاً حسن حنفي المصري، قلت هذا وأشرت إليه، قلت هذا حسن حنفي مثلاً، أشرت إلى المصداق الخاص به وهو جُزئي، لأن حسن حنفي مفهوم جُزئي ينطبق على فرد واحد من مصر، لا يُوجَد غيره، جيد!
إذن هذا هو المفهوم وهذا هو المصداق, النقطة الثانية الآن في الدرس هامة، هذا سهل جداً، ويفهمه حتى أي طفل، هذه نُقطة هامة، افتحوا مُخكم جيداً وهي سهلة، إن شاء الله سأنجح في توضيحها وستجدون أنها جميلة جداً جداً، كنت أنتوي أن أشرح لكم أنها حلت مُعضِلة كبيرة في المنطق، إلى اليوم يتورَّط فيها مناطقة غربيون، وكان في رأسهم برتراند راسل Bertrand Russell ولم يخرج منها، لكن لن أشرحها الآن حتى لا تُخربِطوا ويصير الموضوع مُعقَّداً عندكم، لكنني شرحتها لبعض إخواني وسوف ترونها، شيئ غريب! المنطق الإسلامي دقيق جداً جداً، والمناطقة الإسلاميون أضافوا إضافات كثيرة، وهذه من إضافاتهم، إضافة جميلة وقوية وبارعة، انتبهوا!
الآن حين آتي وأقول الإنسان هو الحيوان الناطق أتحدَّث وعيني على هذا وهذا أو عيني على المفهوم الكُلي كمفهوم؟ على المفهوم الكُلي، أتحدَّث بكلام عام ويُمكِن أن أكتبه على ورقة حتى بيني وبين نفسي، الإنسان هو الحيوان الناطق، هذا هو المفهوم الكُلي، يُوجَد شيئ يُسمونه في المنطق الحمل، ما الحمل؟ الإسناد، الحمل هو الإسناد! ان تُضيف شيئاً إلى شيئ، أن تصف شيئاً بشيئ، أليس كذلك؟ مثلاً أنت حين قلت الإنسان هو الحيوان الناطق حملت ماذا على ماذا؟ (ملحوظة) أجاب أحد الحضور بالإجابة الصحيحة فأعادها الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً حملت الحيوانية والناطقية على الإنسان، برافو Bravo عليك، هذا هو طبعاً! أي إنك وصفت الإنسان بالحيوانية الناطقية، أليس كذلك؟ هذا هو! إذن عندك محمول وعندك موضوع، ما المحمول؟ الحيوانية والناطقية، هذا المحمول! وما المحمول عليه ما هو؟ الإنسان، وهذا يُساوي الموضوع، يُسمونه الموضوع! أي المحمول عليه، لا نقول المحمول عليه لأنها طويلة، فنقول الموضوع، لأننا نضع عليه الأشياء، ما هو؟ الإنسان، أليس كذلك؟ إذن الإنسان هو المحمول عليه، هذا اسمه الحمل، وسوف نأخذ أيضاً أشياء أُخرى في الحمل، لكن الآن سنأخذ حيثية في الحمل مُهِمة جداً جداً.
هذا الحمل حين نقول الإنسان حيوان ناطق هل لُوحِظ فيه المفهوم نفسه – أي هل المُراد تعريف المفهوم نفسه؟ – أو لُوحِظ أفراد مثل محمد أو سعيد أو سعد وما إلى ذلك؟ ما المُلاحَظ فيه؟ المفهوم فعلاً، هذا يُسمونه الحمل الأولى، أليس كذلك؟ الحمل الأولي! ويُقال حديثي عن الإنسان بالحمل الأولي كذا وكذا، تقرأ أنت في كُتب المنطق والتفسير حتى في النقاشات وفي علم العقيدة – أشياء مُعقَّدة – أن أحدهم يقول لك لا يا أخي، أنت تخربطت، أنا أتحدَّث عن الإنسان بالحمل الأولي، هذا معنى الحمل الأولي، أي بلحاظ ماذا؟ نحن نُلاحِظ فيه ماذا؟ المفهوم فقط، إذا لاحظت المفهوم دون المصاديق والأفراد فسوف نُسمي هذا الحمل الأولي، أليس كذلك؟ الإنسان هو الحيوان الناطق، الأسد هو الحيوان الزائر، لأنه يزأر! القط هو الحيوان المائي، يموء! فهو ماءٍ، هذه من عندي، لا تأتي إلا مائي، هو هكذا صرفياً! هو الحيوان المائي، جيد!
انتبهوا، حين آتي بعد ذلك وأقول إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۩ يكون هذا حملاً أولياً أو حملاً من نوع ثانٍ؟ ما رأيكم؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور من نوع ثانٍ، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لابد أن يكون حملاً من نوع ثانٍ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۩، لكن يا حبيبي محمد ليس في خسر، وعيسى وإبراهيم ونحن – إن شاء الله – لسنا في خسر، أليس كذلك؟ إذن هنا هذا لا يُراعى فيه مفهوم الإنسان، ماذا يُراعى فيه؟ أفراد الإنسان، تنظر إلى البشر وتجد أن أكثرهم – والعياذ بالله – في ضلال، أليس كذلك؟ وهم خاسرون، فحين قال الله الكلام هذا كان عين الآية – لن نقول عين الله، وإنما عين الآية – على ماذا؟ عين الآية على المفهوم – الإنسان حيوان ناطق – أو على أفراده وأفعالهم وأقواليهم وتقليدهم وتعصبهم ومشاكلهم؟ الأفراد! فلماذا قلنا الإنسان؟ لأننا أخذنا الإنسان كلفظ وجعلناه مُجرَّد عنوان، يحكي بعض صفات وأحوال مصاديقه، لذلك يُقال الآن الحديث عن العنوان والمُعنوَن، مَا العنوان؟ مفهوم الإنسان، أليس كذلك؟ ما المُعنوَن؟ أفراد الإنسان، أليس كذلك؟ هذا هو!
الآن يُقال الآية تتحدَّث عن الإنسان بالحمل الشايع، احفظوا هذا! الحمل الأولي – وهذا سوف تجدونه في بعض كُتب التفسير القوية، أُناس مُفسِّرون كبار أذكياء يقولون هذا – غير موجود هنا، الآية لا تتحدَّث عن الإنسان بالحمل الأولي بل بالحمل الشايع، وسوف أقول لكم حتى لا تتخربطوا شيئاً في الحمل الأولي والشايع ولن تنسوه أبداً.
إذن عندنا الحمل الأولي وعندنا الشايع، أي الشائع! هل تعرفون لماذا سموه الشايع؟ لابد أن نفهم المُصطلَحات حتى لا ننساها! لأن بصراحة مفهوم الإنسان هو كلمتان فقط، الحيوان الناطق، انتهى الأمر! لكن مصاديق الإنسان شائعة جداً جداً، بعدد البشر! هذا وهذا وهذه وهذه، إلى آخره! كل واحد فينا هو مصداق الإنسان، كثير أو ليس كثيراً هذا؟ كثير جداً، أليس كذلك؟ شائعة! أي كثيرة، فأنت انظر إلى هذا، حين يكون الحمل يُقصَد به الأفراد فالأفراد شائعة، قل نعم هذا اسمه الحمل الشائع، لن تنساه أبداً في حياته، انتهى! لن تخربط بينهما وتقول هذا حمل أولي وما إلى ذلك، انتهى! الحمل الأولي للمفاهيم، يُلاحَظ فيه المفهوم، الحمل الشائع يُلاحَظ فيه الأفراد، أي المصاديق! هل فهمنا؟ فهمنا، لكن لا تزال المسألة غير واضحة، سوف نأتي بأمثلة وأمثلة وأسئلة إلى أن تغلبوا فيها، ومن ثكم سوف تفهمونها وتعرفون كم هي لذيذة فعلاً! لذة المعرفة هذه، بهجة المعرفة!
الآن إذا جاءك واحد من علماء اللُغة وتحدَّث عن الفعل – Verb – وقال لك الفعل هو ما لا يُخبَر عنه فلابد أولاً أن نُحلِّل الجُملة هذه، هل صحيح فعلاً الفعل لا يُخبَر عنه؟ طبعاً لا يُخبَر عنه، مُستحيل! يُخبَر عن الأشياء، عن الذوات، وعن الجواهر، أليس كذلك؟ سوف ترون في المنطق أن هناك عشر مقولات، مقولة الجوهر زائد تسع مقولات للعرض، أي للأعراض! هل هذا واضح؟ سوف نأخذها ونُبسِّطها كلها إن شاء الله، جميل! هذه مقولات أرسطو Aristotle، جميل! وهناك مقولات لكانط Kant، يقولون هي ثنتا عشرة مقولة، هذه شيئ ثانٍ مُختلِف، وعندكم مقولات لهيجل Hegel، وسوف نرى أن مقولات أرسطو Aristotle مقولات أنطولوجية وليست إبستمولوجية، تتحدَّث عن أشياء الوجود، لكن هذا فيما بعد، ولن تفهموا الفلسفة بدون أن تفهموا المنطق، مُستحيل!
على كل حال نرجع، نحن نقول – مثلاً – محمد رجل طويل، أخبرنا عنه بالرجولية وبالطول، أليس كذلك؟ محمد يعبد الله حق العبادة، أخبرنا عنه بالفعل، فعل يعبد! أليس كذلك؟ دخل محمد مسروراً مُتهلِّلاً، أخبرنا عنه بهذه الحالية، أليس كذلك؟ فمحمد يُخبَر عنه، البيت واسع، المسجد شرح، والسماء عالية، إلى آخره! تُخبِر عنها، تُخبِر عن الأسماء هذه وعن الذوات والجواهر بما تُريد، ليس عندنا مُشكِلة! لكن هل الفعل تُخبِر عنه؟ يستحيل، فعل ضرب كيف تُخبِر عنه؟ لا تقل جاء ضرب، لا يُوجَد شيئ اسمه ضرب وقد جاء، أليس كذلك؟ مُستحيل أن تُخبِر عن الفعل، تُخبِر به أنت، أنت تُخبِر به! فلان ضرب، فلان يضرب، اضرب يا فلان، تُخبِر به أو تأمر به، لكن لا تُخبِر عنه، جيد! وهذا مفهوم طبعاً لُغةً، كل اللُغات تفهمه، لكن غير المفهوم والذي يُشكِّل لنا قليلاً نوعاً من الحيرة أمر آخر، سيأتي إليك واحد ويعترض قائلاً لا، كلامك فيه تهافت، مُتناقِض مع نفسه! لماذا؟ سيقول لك كيف أنت تقول الفعل لا يُخبَر عنه وها أنت للتو قد أخبرت عنه؟ بماذا أخبرت عنه؟ بأنه لا يُخبَر عنه، أنت تُعرِّف لي إياه أو تُحاوِل أن تُعرِّفه، تقول الفعل لا يُخبَر عنه، أنت وضعت نُقطتين وقلت الفعل هو لا يُخبَر عنه، إذن أخبرت عنه بأنه لا يُخبَر عنه، ما هذا التفاوت؟ هذا اسمه التفاوت، هذا يُسمونه التهافت، التناقض! أُريد الآن أن تُدقِّقوا، كيف يكون الجواب في ضوء ما شرحت لكم عن مُصطلَحي الحمل الأولي والحمل الشايع؟ (ملحوظة) سمح الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لأحد الحضور بالإجابة قائلاً تفضَّل، فأجاب بالإجابة الصحيحة، فقال له فضيلته أحسنت، هذا الجواب صحيح، أُريد أن تُجيب الآن بلُغة منطقية، أنت أحسنت وتجاوزت العقبة ما شاء الله، جاوبت الإجابة الصحيحة بنسبة مائة في المائة، أنت فاهم! أُريد المُصطلَح المنطقي الآن، أنت في امتحان فاكتب له المُصطلَح المنطقي، قل له هنا الفعل لا يُخبَر عنه، والفعل هنا بأي حمل؟ (ملحوظة) قال بعض الحضور بالحمل الأولي، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، أنتم غلطتم، هذا بالحمل الشايع، ثم قال للمُجيب الأول أنت أجبت بطريقة صحيحة لكن لم تعرف كيف تصوغ إجابتك، الفعل لا يُخبَر عنه، أي فعل؟ الفعل بالحمل الشايع، لا يُخبَر عن يضرب أو عن ضرب أو عن كُل أو عن يُأكل، لا يُخبَر عنه، مُستحيل! يُخبَر به، لكن مفهوم الفعل – أي الــ Connotation، الذي هو اسم، يُعبَّر عنه حتى باسم الفعل؟ أليس كذلك؟ فعلٌ، فعلاً، وفعلٍ، فهو حتى اسم، عنوانه اسم، أليس كذلك؟ ماذا عن المفهوم الخاص؟ يُخبَر عنه، هل فهمتم كيف؟ – يُخبَر عنه، الذي لا يُخبَر عنه مصداق الفعل، خُذ لي أي فعل من حقيبة القاموس، مد يديك وأخرج فعلاً، ربما يخرج معك فعل يتأمل، هذا لا يُخبَر عنه، غير مُمكِن أن تُخبِر عن يتأمل، تُخبِر به، تقول فلان جاء لكي يتأمل، أخبرت به، لكن يستحيل أن تُخبِر عنه.
فإذن قولنا الفعل لا يُخبَر عنه هو الفعل بالحمل الشايع، والذي أُخبِر عنه هو الفعل بالحمل الأولي، أليس كذلك؟ هذا هو فعلاً، وأنت هنا تُقدِّم لي تعريفاً – Définition – للفعل، أليس كذلك؟ كما تُقدِّم تعريفاً – Definition – للإنسان، تقول الإنسان هو الحيوان الناطق، والفعل ما لا يُخبَر عنه، هذا صحيح كله! هذا كله صحيح طبعاً، فالإنسان هو الحيوان الناطق، الإنسان هنا بالحمل الأولي، لكن إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۩، الإنسان ضاحك، الإنسان مُتعِب، الإنسان مُتناقِض، والإنسان مُلتوي المشاعر، الإنسان هنا بالحمل الشايع، الفعل لا يُخبَر عنه بالحمل الشايع، لا يُخبَر عنه! أما الذي جرى الإخبار عنه الآن فهو الفعل بالحمل الأولي، الــ Concept، الــ Connotation، الفعل كمفهوم! هذا طبعاً يُخبَر عنه، وحتى عنوانه اسم أيضاً، عنوانه اسمه فعل، هذا اسم أو ليس اسماً؟ اسم، أرأيت؟ فنحن أخبرنا عنه، جميل جداً! إذن فهمنا هذا.
عندنا أيضاً ربما أمثلة أُخرى، الجُزئي بماذا عرَّفنا قبل قليل؟ قلنا الجُزئي هو الذي يمتنع صدقه على كثيرين، على أكثر من واحد يمتنع! ستقول لي غير صحيح، مُتهافِت كلامك هذا، لأن الآن محمد بن عبد الله جُزئي أو كُلي؟ جُزئي، وهذا جُزئي! بسّام قباني جُزئي أو كُلي؟ جُزئي، وهذا جُزئي! وهذا الــ @28:50@ جُزئي، هذا يُصادِق على هذا وهذا وهذا، دخلنا في الخربطة! ستقول لي كيف الجُزئي يمتنع صدقه على كثيرين وأنا سآتي لك بمليون جُزئي الآن؟ طبعاً هذا على كل واحد، لكن أُريد أن أعرف كيف هذا باللُغة المنطقية الآن، باللُغة المنطقية كيف؟ كيف يا حمدي؟ (ملحوظة) أجاب الأستاذ حمدي بإجابة خاطئة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أنا لا أسأل عن معنى الجُزئي، أسأل عن الكلام في الكلام الخاص بنا، الآن أنا نقول الجُزئي هو الذي يمتنع صدقه على كثيرين ولو بالفرض، لا يصدق إلا على واحد، لكنك ستقول لي كيف هذا وأنا سآتي لك الآن بمليون جُزئي؟ (ملحوظة) ذكر أحد الحضور الحمل الأولي، فاستفسر الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم عن قصده بالحمل بالأولي ثم قال أحسنت، مفهوم الجُزئي – أي الــ Connotation – نفسه ما هو؟ هو الذي كذا وكذا وكذا، هو كُلي! أليس كذلك؟ الجُزئي كُلي! لذلك إذا قال لك المنطيق الجُزئي كُلي فاحذف التهافت، هنا يُوجَد تهافت، برِّر لي إياه! وفعلاً الجُزئي كُلي، لأن كلمة الجُزئي من الكُليات، أليس كذلك؟ كمفهوم – Concept – هي كُلي، مثل الإنسان، الطاولة، وما إلى ذلك، هذه كُليات! أليس كذلك؟ لكن حين نأتي ونرى المصاديق يختلف الأمر، كم بسّام قباني عندنا من حلب مثلاً؟ كم حسن حنفي عندنا من مصر؟ كم محمد بن عبد الله – آخر الأنبياء والمُرسَلين – عندنا؟ واحد، واحد، واحد! لا يُوجَد غيره، كم مسجد الشورى بالحي الثاني في فيينا، Lassallestrasse، رقم كذا؟ واحد في الكون، لا يُوجَد غيره! أليس كذلك؟ فإذن بالحمل الشايع هو الذي يمتنع صدقه على كثيرين، أليس كذلك؟ لكن يختلف الأمر لو أخبرنا عنه وفي لحظنا المفهوم نفسه، وطبعاً هذا المفهوم عرَّفناه، وهكذا! هل هذا واضح؟ هذا سهل جداً.
مثال آخر، اللفظ المُجمَل، في علم أصول الفقه يُوجَد شيئ يُسمونه الإجمال، وطبعاً الإجمال أنواع كثيرة جداً وقد شرحناها، بسبب الاشتراك اللفظي والمعنوي، وبسبب كذا وكذا، هناك عدة أشياء، سنأتي منها بشيئ واحد حتى لا ندخل في أصول الفقه، أسباب الإجمال كثيرة جداً! لكن – مثلاً – قال الله وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۩، جميل! الله قال فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ۩، هذا لفظ مُجمَل، في أصول الفقه! نحن لا نتحدَّث في المنطق، نتحدَّث الآن في أصول الفقه، هذا لفظ مُجمَل، ما معنى مُجمَل؟ أول شيئ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ۩، نقطع اليمين أو الشمال؟ الآية لم تقل، يُوجَد إجمال يا أخي، غير واضحة الحكاية، وعكس الإجمال ماذا؟ البيان، مُجمَل ومُبيَّن، قد يُقال هذا مُبيَّن، لكن هذا ليس مُبيَّناً، هذا مُجمَل بصراحة، فهل هذه اليمين أو الشمال؟ لا نعرف، هذا أولاً، ثانياً نقطع من الرسغ أو من المرفق أو من الكتف؟ غير واضح، أليس كذلك؟ صار عندنا إجمال، على الأقل في لفظ أَيْدِيَهُمَا ۩ عندنا إجمال من عدة جهات، أليس كذلك؟ فإذن جاز للأصوليين أن يقولوا بكل بساطة اللفظ المُجمَل هو ما كان غير ظاهر المعنى، هذا صحيح! معناه غير واضح، لكن سيأتي واحد لم يفهم المنطق لكي يقول ها أنتم عرَّفتوه، كيف المُجمَل غير ظاهر المعنى وأنتم تُعرِّفونه؟ أنتم قدَّمتم له تعريفاً Définition، قلتم المُجمَل هو كذا وكذا، إذن أصبح المُجمَل غير مُجمَل! فكيف نُجيب عن هذا؟ حديثنا عن المُجمَل الذي هو غير ظاهر المعنى بالحمل الأول أو بالشايع؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور بالحمل الأولي، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، بالشايع طبعاً، بالشايع! وسآتي لك بأمثلة، وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۩، قال قُرُوءٍ ۩، هذا لفظ مُجمَل! بسبب الاشتراك، لأن القرء يُطلَق على الحيضة ويُطلَق على الطُهر، ويُطلَق في رأي أبي عمرو بن العلاء على الفترة بينهما، أليس كذلك؟ لم نفهم ما المقصود بالقرء الآن، هو هذا أو هذا أو هذا؟ فهل هذا مُجمَل أو غير مُجمَل؟ مُجمَل، في التفسير! هذا اللفظ مُجمَل، أليس كذلك؟ كمصداق – أنا أتيت لك بمصداق، أنا أتيت لك بــ قُرُوءٍ ۩ وأتيت لك بــ أَيْدِيَهُمَا ۩، أي بمصداق – هذه فعلاً غير ظاهرة المعنى، أما المُجمَل كمفهوم فنحن عرَّفناه طبعاً وهو ظاهر المعنى، أليس كذلك؟ أرأيتم كيف؟ هذا هو!
إذن المُجمَل الذي يكون ظاهراً يكون بالحمل الأولي، والذي يكون غير ظاهر المعنى يكون بالحمل الشايع، أرأيتم؟ هذا الفرق بين العنوان والمُعنوَن، الحمل الأولي والحمل الشايع! عينك على ماذا أنت؟ حين قلت المُجمَل هو غير ظاهر على المعنى كانت عينك على ماذا؟ كانت على المفهوم أو على المصاديق؟ على المصاديق طبعاً، أنت تُعرِّف وعينك على قُرُوءٍ ۩ وعينك على أَيْدِيَهُمَا ۩، إلى آخر المُجمَلات! أليس كذلك؟ تقول هذا هو المُجمَل، المُجمَل كذا وكذا، لكن لو جاء الآن مُفسِّر وقال لك المُجمَل مُبيَّن كيف ترفع هذا التهافت؟ كيف هو مُجمَّل ومُبين؟ قال لك المُجمَّل مُبيَّن، كيف ترفع التهافت؟ (ملحوظة) أجاب أحد الحضور بالإجابة الصحيحة، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، قل له أنا عندي جوابان، هذه الجُملة لأي مُفسِّر يُمكِن أن نُجيب عنها بالآتي، المُفسِّر يقصد أن يقول المُجمَل كمفهوم – As concept – بُيَّن في الأصول وهو ما كان غير ظاهر المعنى، فهو قال لك أنا أتحدَّث عن المُجمَل بالحمل الأولي كمفهوم، فهو مُبيَّن، أليس كذلك؟ مُبيَّن تعريفه، هذا مضبوط! ويُمكِن أيضاً يكون قصده المُجمَل كمصداق وهو مُبيَّن، كيف إذن؟ تم بيانه، فسَّرناه! جاءت أحاديث وآيات أُخرى فأفهمتنا ما القرء، فقال لك المُجمَل في تفسيري مُبيَّن، أي صار مُبيَّناً! ليس هو كائن، ليس الآن هو مُبيَّن، لكن صار مُبيَّناً، إذن عندنا جوابان، جواب تفسيري وجواب منطقي، أليس كذلك؟ المُجمَل مُبيَّن بالحمل الأولي طبعاً، لأننا عرَّفناه، وسيقول لك ما بيانه؟ ستقول له ما كان غير ظاهر المعنى، انتهى! هذا صحيح، هذا هو، الحمل الأولي! لكن لو قال لك لا، يا أخي، كيف هذا إذن؟ فقال لك كذا وكذا، فقال له لا، أنت تتحدَّث عن المصاديق، هذا الجواب الأول، والجواب الثاني عن المُجمَّل مُبيَّن أنه يقصد صار مُبيَّناً، انتهى! ارتفع فيه الإجمال، بسبب صحة حديث وافق عليه أهل المذهب، فرفع الأجمال، وأصبح مفهوماً ما المُراد، ومن ثم سنقول انتهى، بُيَّن! أي المُجمَل بُيَّن، تم بيانه، هذا شيئ ثانٍ، وليس عندنا مُشكِلة.
نفس الأمر لو قال لك المُتشابِه مُحكَم، نفس الشيئ! المُتشابِه مُحكَم، كيف؟ الجواب الأسهل هو أنه تمت معرفة المُراد به، فصار عندنا المُتشابِه من المُحكَمات بصراحة، أو بالحمل الأولي المُتشابِه مُحكَم وذلك إذا عرَّفناه، قال لك أنا أقصد أنه مُحكَم من حيثية التعريف كمفهوم، فبالحمل الأولي هو مُحكَم، وأما بالحمل الشايع فالمُتشابِه مُتشابِه طبعاً، أرأيت كيف؟ هذا ليس تهافتاً، هذا كلام دقيق.
لو قال لك المنطق – وأنا شرحت هذا قبل قليل – الجُزئي كُلي، سوف تقول هذا كلام مُتهافِت، كيف الجُزئي كُلي؟ لكن الجُزئي كُلي طبعاً، فكيف إذن؟ (ملحوظة) قال بعض الحضور بالحمل الأولي، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنتم، بالحمل الأولي! لأن الجُزئي الذي لا يصدق على كثيرين أو يمتنع صدقه على كثيرين كمفهون هو فعلاً كُلي، وسوف تجد مصاديقه جُزئيات في الدنيا لا حصر لها، هذا وهذا وهذا وهذا وهذا، أليس كذلك؟ أرأيت كيف؟ كلها مصاديق له، فالجُزئي كُلي بالحمل الأولي أو بالشائع؟ بالحمل الأولي، بالحمل الأولي كمفهوم اسمه الجُزئي، هذا كُلي! من الكُليات بلا شك، هذا ليس تهافتاً، هذا كلام دقيق.
انتهت الحصة الأولى من درس اليوم، نأتي إلى موضوع ثانٍ، فكِّروا فيه فهو جميل، حين تفهمون الحالة الحمل الأولي والشايع ستجدون أنه جميل وسيحل لكم مُعضِلات في المنطق رهيبة جداً، رهيبة فعلاً! مُعضِلات غير عادية، وفكِّروا في الشيئ هذا الذي يُسمونه Russell’s paradox، أي مُفارَقة راسل Russell، نسبة إلى برتراند راسل Bertrand Russell، وفي الأسبوع القادم أعطوني الجواب، فهو تحدى، قال أنا أتحدى، لا يقدر أي أحد على تفكيكها، لكن نحن فكَّكناها في خمسين ثانية بموضوع الحمل الأولي والشايع، لكن فكِّروا فيها جيداً لأن المسألة دقيقة، قال هناك مكتبة، وهي مكتبة خاصة، أي Private library، هذه المكتبة فيها نوعان من الكُتب، مُعظَم الكُتب طبعاً تُذكَر عناوينها في متونها، يُقال ونحن في كتابنا هذا عن وجود الله بين كذا وكذا نذكر كذا وكذا، مثلاً نفترض! ليس عندنا مُشكِلة، وهناك كُتب لم تُذكَر عناوينها في المتن، عنوان الكتاب نفسه غير مذكور في المتن بالداخل، لم تذكر ولو لمرة في أي صفحة، هذا يحدث في بعض المرات! فالآن جاء رجل “مكتبجي” – من مكتبة – وقال أنا أُريد أن أقوم بعمل فهرساً – أي Index – لأسماء الكُتب في هذه المكتبة التي لم تُذكَر أسماؤها – أي عناوينها – في متونها، ذهب إلى المكتبة التي فيها عشرة آلاف كتاب – مثلاً – وبحث ثن أخرج منها – مثلاً – حوالي ألف كتاب أو ألف وخمسائة كتاب، وفعلاً بالفحص من خلال الكمبيوتر Computer وجد أن هذه لم تُذكَر عناوينها في متونها، بعد ذلك أصبح عنده كتب كبير من مائتي صفحة، فذهب وجلَّده، أي عمل له تجليداً، ثم أعطاه اسماً، اسمه هكذا: فهرست الكُتب التي لم تُذكَر عناوينها في متونها، علماً بأن هذا ليس من عندي، هذا كلام راسل Russell، برتراند راسل Bertrand Russell شيطان، عقل ذكي جداً يا أخي! اسمه هكذا: فهرست الكُتب التي لم تُذكَر عناوينها في متونها، الآن دخلنا في مُفارَقة! لماذا؟ هذا كتاب – أي الــ Index هذا – أو ليس كتاباً؟ هذا كتاب، وهو مُجلَّد أيضاً وسنضعه في المكتبة على الرف، لو ذهب هو ولم يذكر اسمه في الداخل ووضعه سوف تكون هناك مُشكِلة، سوف يكون كاذباً، هذا نقص! أنت تقول هذا Index للكُتب التي عنوانها لم يُذكَر في متونها، وهو لم يُذكَر عنوانه في متنه، أليس كذلك؟ فهو خالٍ منه، أي الــ Index الخاص بك خالٍ منه، أنت تكذب، هذا غير كامل، أي غير Perfect، هذا صحيح! لو ذهب وقال هذه سهلة، يا سلام! هذا رقم ألف وخمسمائة وواحد، وهذا الكتاب اسمه فهرست بأسماء الكُتب التي لم تُذكر عناوينها في متونها، سنقول له أنت وقعت في مطب كبير يا حبيبي، وقعت في مطب! لماذا؟ لأنك ذكرت اسمه هنا، أي في هذا الفهرست! هو له عنوان وذُكِر في متنه، والمفروض أن يكون فقط للكُتب التي لم تُذكَر عناوينها في متونها، حل لي هذا الــ Paradox! رفع يديه وضحك على العالم كله وأخرج لسانه، أعني راسل Russell، قال حلوا هذا، لن تحلوها قال، وراسل Russell لم يحلها، لكن نحن قمنا بحلها بالمنطق الإسلامي، مثلما تُوجَد أشياء كانط Kant أخطأ فيها، وسوف ترون هذا، أُريد أن أنتهي فقط من الفلسفة والمنطق وسوف ترون هذا، سوف أشرح لكم هذا، سوف نأتي بفلسفة كانط Kant وسوف أشرحها في حلقتين أو ثلاثة بدقة بعون الله، وسوف أُريكم أين أخطاء كانط Kant، أخطاء! كانط Kant قضى على الميتافيزيقا Metaphysics، قال غير موجودة، ما هذه الميتافيزيقا Metaphysics؟ أي أنه قضى على الفلسفة للأسف، قضى عليها! مع أنه فيلسوف كبير قضى على الفلسفة بالكامل للأسف، لكن هكذا ظن الناس! سوف ترون أين أخطاء كانط Kant، طبعاً أخطاء رجل مثل ماركس Marx تُعتبَر بسيطة جداً، لكن كانط Kant عملاق، سوف ترون أيضاً أين أخطأ وسوف ترون عظمة الفلسفة الإسلامية حين تفهمونها حقاً، هذا حين تتخصصون فيها وتفهمونها بعمق وحين تفهمون المنطق حتى بعمق، لا تأخذوا فقط بأشياء جُزئية وسريعة، لابد أن تفهموا الأشياء بدقة، وسوف ترون شيئاً رهيباً، فالجواب عن راسل Russell فكِّروا فيه في ضوء الحمل الأولي والحمل الشايع، وحتى راسل Russell نفسه اخترع نظرية جديدة، نظرية الفئات والأشياء! وهي حل وهي إعادة صياغة مُطوَّلة قليلاً ومُترهِّلة للحمل الأولي والشايع، ظن أنه أتى بشيئ جديد لكنه لم يأت بهذا، نحن سبقناه وحكينا بلُغة منطقية من تسعمائة سنة بفضل الله، موجود عندنا هذا! العقل الإسلامي فعلاً عقل ذكي جداً جداً جداً حقيقةً، وهذا يُعطينا ثقة بأنفسنا، والله العظيم! عقل جبّار، لكن ليس العقل الموجود الآن للأسف، الآن ليس جبّاراً، كان جبّاراً! عقل غير طبيعي، غير طبيعي العقل الإسلامي، لابد أن ندرس تراثنا فعلاً وباحترام إن شاء الله.
حتى لا نُطوِّل فكِّروا فيها إلى الأسبوع القادم، نأتي إلى النسب الأربعة، أول شيئ في المنطق قالوا النسب، حتى لا نُخربِط نُوضِّح أنهم في المنطق الحديث والمُعاصِر في أوروبا لا يُسمونها النسب، يُسمونها العلاقات Relations، انتهى! أي العلاقات الأربعة، فإذا رأيتم كلمة النسب ولم تستملحوها ضعوا كلمة العلاقات.
النسب الأربعة هذه، لكن بين الكُليات طبعاً، بين المفاهيم الكُلية، لكن ليس من حيثية المفهوم، وإنما من حيثية المصداق، انتبهوا حتى لا تُخربِطوا، وأنتم فهمتم ما المفهوم وما المصدق، نُريد أن نرى النسب بين الكُليات، بين الألفاظ الكُلية! أي إنسان وحجر، حيوان وطير، أحمر وأبيض، وموجود وغير موجود، إلى آخره! أي الكُليات، كل الكُليات لكن من حيثية المصاديق، وليس المفاهيم وحدها، المفاهيم درسناها في الأول لم تكن دراسة مُستوعَبة، ورأيتم أن مُعظَمها لم يكن مُهِماً جداً، أخذنا منها فقط التقابل، أخذنا أنواع التقابل، تقابل النقيضين، تقابل الملكة وعدم الملكة، تقابل الضدين، وتقابل المُتضايفين، هذا بين المفاهيم، اليوم الأمر سيختلف، الكُليات ليس كمفاهيم، وإنما بلحاظ مصاديقها، الأفراد التي ينطبق عليها، انظروا إلى دقة المنطق، ولذلك سُبحان الله فعلاً، سُبحان مَن خلق أرسطو Aristotle هذا يا أخي وأعطاه العقل هذا، والله العظيم! ما العقل المُنظَّم هذا يا أخي؟ ما هذا الرجل؟ هل هذا وُلِد في القرن العشرين أو في القرن الحادي والعشرين؟ إذا قلت لي هناك مائة أينشتاين Einstein فسوف يأخذهم ويضعهم أمامه ثم يلعب بهم، قسماً بالله! يلعب بهم عادي، عادي! وسيظل مُتجاوِزاً لهم، شيئ رهيب، دماغ غير طبيعي بالمرة هذا يا أخي، هل يقدر بشر على عمل وتنظيم هذه الأشياء كلها وحده؟ ما هذا يا أخي؟ صحيح تُوجَد أصول قبله طبعاً لكنها لم تكن بالطريقة هذه، منطق أرسطو الذي نشره عبد الرحمن بدوي – رحمه الله – في ثلاث مُجلَّدات، منطق أرسطو Aristotle في ألف ومائتي صفحة، هذا عندي وهو في ثلاثة مُجلَّدات، منطق أرسطو Aristotle أكبر من أي كتاب في المنطق، أنت تقرأ كورساً – Course – مُوسَّعاً في المنطق وتجد أنه في تسعمائة صفحة، وهذا مُوسَّع بصراحة، لكن أرسطو Aristotle عنده ألف ومائتا صفحة يا حبيبي، هذا منطق أرسطو Aristotle الذي وضعه وألَّفه، شيئ رهيب الرجل هذا، سُبحان مَن خلقه، سوف نرى!
فالنسبة يا أخواني بين أي كُليين بلحاظ المصاديق لا تخرج عن واحدة من أربعة، وهذه مسألة سهلة جداً، أولاً العلاقة الأولى، يُسمونها علاقة التساوي، تمام! علاقة التساوي رمزها طبعاً الرياضي أنتم تعرفونه وهو مثل يُساوي، الإنسان يُساوي ماذا؟ الحيوان الناطق، مثلاً! وتعالوا وانظروا له كمصداق في الأرض، أي حيوان ناطق لابد وأن يكون في النهاية إنساناً، لا يُمكِن غير هذا، لا تجدون حيواناً ناطقاً ولا يكون إنساناً، وفسَّرنا لكم ما الناطقية عند أرسطو Aristotle، هذه ترجمة عربية بالمُناسَبة للناطقية، ترجمة غبية بصراحة، هي من قديم، من أيام الكندي، وليس لها أي معنى، المفروض أن نقول الحيوان المُتعقِّل للكُليات، فقط الذي يُؤلِّف الكُلي هو الحيوان المُتعقِّل، وتفسير النطق عند أرسطو Aristotle هو هذا، أن يكون لديك عقل تُكوِّن به المفهوم الكُلي، الذي أنكره الاسميون، لم يستوعبوه! هناك فلاسفة كبار لم يستوعبوا هذا، قالوا كيف هذا؟ قالوا هذا اسم، مُجرَّد اسم! لكن هذا غير صحيح، فعلاً يُوجَد مفهوم حقيقي للكُلي، على كل حال أرسطو Aristotle قال هذا هو الإنسان، هذا الإنسان! ليس أنه يتكلَّم فقط، هذا غير صحيح، أو الإنسان يُساوي الضاحك، على أساس أن القردة لا تضحك خلافاً لبعض علماء الزولوجي Zoology، قديماً كانوا يقولون الذي يضحك فقط هو الإنسان، يضحك وما إلى ذلك، الشِمْبانزِي Chimpanzee هذا دائماً يفتح فمه ويُظهِر أسنانه، لكننا لا نعرف هل هو يضحك أم لا، على كل حال هذا هو، مثلاً! فعلى رأي المناطقة قديماً وعلماء الزولوجي Zoology قديماً لا يضحك أي كائن إلا إنسان، حين تجد كائناً يضحك لابد وأن يكون إنساناً، فالنسبة فعلاً هي التساوي.
نفس الشيئ أيضاً حين تجيء وتقول لي الحصان يُساوي الحيوان الصاهل، يُساوي! الغراب طائر – وتأتي بالوصف الخاص به تماماً – أسود اللون وكذا وكذا وكذا، ويأكل الجيف وما إلى ذلك، تأتي بتعريفاً علمياً، كأنك تدخل في علم الحيوان، ليس لنا علاقة! اذهب واستشيره، قل للعلماء أعطوني هذا، وبالمُناسَبة هذه قدرة العقل التنظيمية أيضاً في العلوم، موضوع التنويع هذا شيئ رهيب، عبقرية هذه، لينيوس Linnaeus – لينيوس Linnaeus السويدي تقريباً – أول مَن نوَّع الحيوانات والنباتات، وضع لها هذا، لماذا؟ لماذا نوَّعها؟ ولماذا تكلَّم عن الثدييات – مثلاً – من خلال منظار مُعيَّن؟ ومنظار غريب جداً جداً ودقيق، وإلى الآن صحيح مثلاً، فدخلت فيها حتى الحيتان، عجيب! في البحر هذه، لكنها دخلت، قال هذه من الثدييات، وكذلك مع البطيطة، حيوان البطيطة أو منقار البط – قال – هذا ثديي، أحسبه على الثدييات، وكذلك الحال مع الإنسان، القرد، الشِمْبانزِي Chimpanzee، وما إلى ذلك، وضع معيَّاراً مُعيَّناً رُغم وجود معايير كثيرة أُخرى، لكنه حذفها وقال هذا هو المعيار الذي عندي وهو صادق، طبعاً عبقرية هنا، تنظيم العقل العلمي أيضاً هذا، هذه منطقية، منطقية في العلم! إذن هذه يُسمونها علاقة التساوي، هل حفظناها؟ يُساوي!
ثانياً العموم والخصوص المُطلَق، هناك أُناس يُسمونها الاشتمال، لأن واحداً يشتمل على الثاني بالكامل، أو يُسمونها التضمن، التضمن أو الاشتمال! أي العموم والخصوص المُطلَق، الآن طبعاً يُمكِن بصيغة رياضية أن نُعبِّر عنها وأن نقول ألف أعم مُطلَقاً – أي أكبر من – باء، هكذا يُعبِّرون عنها! ألف أعم مُطلَقاً من باء، أو يُمكِن أن نُصوِّرها بصيغة دوائر، في شكل دائرتان مُتحدتي المركز، هل هذا واضح؟ الدائرة الكبيرة ألف، الدائرة التي في الداخل باء، ونحن قلنا ألف أكبر من باء، أليس كذلك؟ الآن نُريد شيئاً من المفاهيم الكُلية، مثل ماذا؟ ما دائرة ألف مثلاً؟ حيوان، ما دائرة باء؟ إنسان أو أسد أو غزال، ما تُريد! أي واحد، فعلاً كل إنسان في النهاية هو داخل في الحيوان، لكن هناك حيوانات ليست بإنسان، ضع هنا في دائرة الحيوان الكبيرة غزالاً، ضع أسداً، ضع الطيور، ضع الحشرات، ضع الزواحف، ضع ما تُريد، هذا صحيح ومضبوط! لكن كل إنسان هو حيوان، فهو داخل ومشمول فيه، الحيوان أخذه وقال له أنت معي يا بابا، أنت تنتمي لي، لن تهرب مني، أنت في بطني، الدائرة الصغيرة إنسان، والدائرة الأكبر منها حيوان، دخل فيها سائر أنواع الحيوانات الأُخرى، هذا صحيح! هذا اسمه عموم وخصوص مُطلَق، فألف التي هي دائرة حيوان أكبر من دائرة باء التي هي إنسان، ولذلك يُسمونها دائرة الاشتمال أو التضمن، ألف تشتمل على باء أو تتضمن باء، هل هذا واضح؟
الدائرة الأولى التساوي، لو أردنا أن نُعبِّر عنها لكن ليس بألف يُساوي باء، وإنما نُعبِّر عنها بالدوائر، ماذا سنفعل؟ (ملحوظة) أجاب أحد الحضور بالإجابة الصحيحة، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، ثم ذكر الإجابة قائلاً سنرسم دائرة وفوقها بالفرجار سنرسم دائرة تماماً مثلها، ستكون فوقها بالضبط، ولن نراهما كدائرتين، سوف نراهما دائرة واحدة، وفي نهاية المطاف كل إنسان هو حيوان ناطق، نفس الشيئ! لم تأت بشيئ جديد، فالآن أنت سترسم دائرتين، مَن يقول لك هذه دائرة واحدة، قل له هذه ليست دائرة واحدة، هاتان دائرتان، سيقول لك كيف هاتان دائرتان؟ قل له أنا رسمتهما في مرتين لكن بنفس المركز، هو هذا! هذه علاقة التساوي، هو لن يراهما بالعين، لكن ليس لنا علاقة.
ثالثاً – النسبة الثالثة – العموم والخصوص من وجه، أي من حيثية مُعيَّنة، أرأيتم هذا الـ X؟ يتقاطع هذان الخطان أين؟ هنا في المركز، أليس كذلك؟ ويفترقان فيما عدا ذلك، فألف هكذا X باء، يُقال ألف وباء بينهما عموم وخصوص من وجه، هكذا X! هذا ليس من عندنا، هذا حتى في المنطق اليوم هكذا، صاروا يُعبِّرون عنها هكذا! المنطق الرمزي والرياضي كله هكذا رموز، لكن لو أردنا أن نُعبِّر عنها بشكل دوائر ماذا سنفعل؟ سنرسم دائرة ثم سنرسم دائرة ثانية، أليس كذلك؟ هاتان الدائرتان تلتقيان في الحيز هذا، أليس كذلك؟ في المساحة هذه ستلتقيان، صحيح! مثل – نقول مثلاً – دائرة أسود ودائرة غراب، أليس كذلك؟ دائرة أسد ودائرة غراب! الغربان تلتقي مع أسود، أليس كذلك؟ لأن الأسود ليس كله غراب، هذا هو طبعاً! احذف دائرة غراب وضع أسود وضع كل ما هو أسود، ستضع هنا الغربان، ستضع هنا @@48:48@ – مثلاً – هذه، ستضع المايك Mike، ستضع سواد الليل، ستضع كل شيئ أسود! ستضع الفحم الأسود، أليس كذلك؟ ستضع الجاكيت Jacket الأسود، سضع كل ما هو أسود هنا، لكن جُزء منها للغربان، يقولون الغربان مع أسود، أليس كذلك؟ سنُلاحِظ أن دائرة غراب تلتقي مع دائرة أسود في جُزء منها، وتنفرد دائرة أسود في بقية الأشياء السوداء، والتي ليست غربان.
هذا الرسم موجود في كُتب المنطق دائماً، أنا أرى أن عندي تحفظ عليه، الطريقة هذه بصراحة ليست دقيقة كثيراً، الرسم هذا ليس حلواً، يُمكِن أن نقوم برسم أحسن منه بصراحة، أنا أقترح هذا بصراحة، هذا سيكون أفضل! لماذا؟ لأن كل الغربان سوداء، فأنت حين تُكمِل الدائرة ستنفرد الغربان في ماذا؟ أنت قمت بعمل دائرة، في ماذا ستنفرد إذن؟ (ملحوظة) ذكر أحد الحضور أن الغراب من الطير، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نحن نتحدَّث عن الغراب الأسود، هل فهمت ما قصدت؟ فالآن هو طائر – مثلاً – أسود، هنا بعض الأسود فحم، وهذا ليس طائر، أليس كذلك؟ وبعضه – مثلاً – جاكيت Jacket، وهذا ليس طائراً، لكن هو أسود، إذن لابد أن يلتقي الغِرب أو الغربان مع الأسود في هذه الجهة فقط، التي هي من حيثية اللون، بعد ذلك ينفرد من حيثية الحيوانية والكذا والكذا، وفي النهاية سيتحدَّد بماهية طير، الطير! لأن بعض الأسود ليس حيواناً أصلاً، هذا من الأصل، مثل الفحم كما قلنا، المايك Mike، الجاكيت Jacket، وإلى آخره!
لماذا حكيت الكلام هذا؟ ربما أنا أسأت في التعبير، لكنني حكيته لأنني وجدت في بعض كُتب المنطق الحديث وليس القديم ما جعلني أذكره، مثل الدكتور مهدي فضل الله الذي حدَّثتكم عنه، هذا منطقي لبناني كبير، يُعبِّر عنه بهذه الصيغة فقط، قال هذا غراب وهذا أسود، أنا أرى أن هذه الصيغة تقريباً يُمكِن في النهاية أن تُعادِل صيغة العموم والخصوص المُطلَق، الاشتمال! أنا أرى كل الغربان تدخل في الأسود بصراحة، وبعض الأسود ليس غربان، فهذا عموم وخصوص مُطلَق، كتابه المطبوع يُمكِن أن تروه حتى في المنطق، هو كتاب مُمتاز حقيقةً وفيه شهادات جيدة، لكنه للأسف اعتمد هذه الصورة وهي غير مُوفَّقة، الصورة القديمة هي الدقيقة والمُوفَّقة، وهذا معنى عموم وخصوص من وجه، يلتقيان في أشياء وينفرد كل منهما بأشياء أُخرى، هنا ستقول لي أين حيثية الانفراد؟ ما هي؟ ليست اللون، وإنما أشياء أُخرى، وأين حيثية الانفراد في الأسود؟ أشياء أُخرى، أرأيت؟ من الأسود ما هو فحم، منه ما هو ملابس، ومنه ما هو حيوانات أُخرى، هذه حيثيات أُخرى كلها، أليس كذلك؟ وهكذا! إذن التعبير عنها كما قلنا هو ألف X باء، لماذا X؟ يلتقيان في نُقطة، يتقاطعان فيها! بعد ذلك كل واحد يختلف في باقي المساحات.
رابعاً – النسبة الأخيرة وهي أسهل نسبة – نسبة التباين، هذه سهلة جداً جداً جداً، سنرسمها بدائرتين ليس بينهما أي التقاء، مثل حجر وإنسان، أليس كذلك؟ حجر وإنسان! لا يُوجَد أي التقاء، لا يلتقيان في أي شيئ، انتهى! لا يثوجَد حجر إنسان، ولا يُوجَد إنسان حجر، أليس كذلك؟ هذا على الحقيقة وليس على المجاز، لأن يُقال فلان قلبه من حجر، دعوا الحجر، قولوا قلم وكتاب، لا يُوجَد كتاب قلم، ولا يُوجَد قلم كتاب، هذا شيئ وهذا شيئ، هذه ماهية وهذه ماهية، الحديث عن الماهية! أليس كذلك؟ ائت بأي شيئين لا يلتقيان مع بعضهما في أي شيئ ثم قل النسبة بينهما نسبة تباين، (ملحوظة) استفسر أحد الحضور عن هذه النُقطة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم إنها بحسب الحيثية، نحن قلنا إننا نتحدَّث الآن عن الماهية، مثلاً ماهية حجر، ليس لها علاقة بماهية إنسان بالمرة، لا تلتقي معها في شيئ، يُمكِن أن تأتي وتعمل حتى شيئاً مثل هذا ثم تقول لي – مثلاً نفترض – هنا قلم وهنا كتاب، مثلاً من حيثية أن القلم من ورق – هناك أقلام من ورق، تُصنَع من ورق مُقوَّى – والكتاب من ورق، هل يُمكِن أن نقول هذا؟ طبعاً، لأن هناك كتاباً إلكترونياً، ليس من ورق، ينفرد وحده! وهناك قلم ليس من ورق، وهناك كُتب من ورق مصنوعة، وهناك أقلام مصنوعة من ورق، يلتقيان في الحيثية هذه، أي بحسب الشيئ الذي تُريد أن تُحدِّده، لكن إذا لاحظت الماهية فماهية الحجر ليس لها علاقة بماهية الإنسان، انتبه! ليس الوجود وإنما الماهية، لأن الإنسان يُمكِن أن تُعرِّفه بخمسين شيئاً، لكنها ليست تعريفات مانعة، تعريفه الماهوي حيوان ناطق، انتهى! لا تقل لي أي شيئ ثانٍ، مثل فيه كذا وكذا، هذا ليس له علاقة بالماهية كما قلنا في الأول، هل هذا واضح؟ هذه الماهية لا تلتقي مع ماهية حجر في أي شيئ، وبالتالي أفراد الإنسان لا واحد منها حجر، ونحن قلنا القصد من هذا الكلام كله لحاظ المصاديق، هل في أفراد البشر أمامك شخص من حجر؟ لا، هل في أفراد الحجر حجر واحد إنسان؟ وهذا أصل التقسيم الذي نبَّهنا عليه في الأول، قلنا نحن نتحدَّث عن تقسيم هذه الأشياء من حيث المصاديق، أي الأفراد! ليس من حيث المفهوم، هل فهمت قصدي؟ لا يُوجَد في أفراد كتاب قلم، ولا يُوجَد في أفراد قلم كتاب، أليس كذلك؟ هل يُوجَد قلم كتاب؟ مُستحيل! وهل يُوجَد كتاب هو قلم؟ لا، لذلك هذا الشيئ كله داخل في الماهية في التعريفات، لكن نحن لا نُريد التعريف، نُريد في النهاية الأفراد، وهذا الذي يُحقِّق الماهية، كلامنا الآن لم يعد في المفهوم وإنما في الأفراد، في أفراد القلم لا قلم كتاب، في أفراد الكتاب لا كتاب قلم، وهكذا!
عندنا الآن نُقطة ربما تكون أصعب قليلاً وهي عكس النسب هذه، عكس هذه النسب! يُسمونها العلاقات بين نقيضي الكُليين، وبلحظ المصاديق أيضاً، بلحاظ المصاديق!
أولاً النسبة أو العلاقة بين نقيضي ماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور الكُليات، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، كل هذه كُليات، أول نسبة قلناها ما هي؟ نسبة التساوي، إذن النسبة أو العلاقة بين نقيضي المُتساويين، كيف؟ المُتساويان في اليمين الآن، وفي الشمال النقيضان، المُتساويان ما هما؟ قلنا ألف يُساوي باء، نُريد لا ألف، ما علاقتها بلا باء؟ يُساوي أيضاً، سهلة! وستحفظونها أيضاً لأنها مسألة سهلة، إذن النسبة بين نقيضي المُتساويين هي نسبة أيضاً التساوي، مثل ماذا؟ إنسان يُساوي حيوان ناطق، ألم نر أن هذه نسبة تساوي؟ هذا هو تماماً! كل إنسان في الواقع هو حيوان ناطق، انظر إلى أي واحد وخُذه، لابد أن يكون حيواناً ناطقاً، وأي حيوان ناطق هو الإنسان، لا كلام في هذا، جيد! لا إنسان هو، هو ليس إنساناً! إذن هو لا حيوان ناطق، أليس كذلك؟ هذا هو طبعاً، قل لي هذا ليس حيواناً ناطقاً وسوف أقول لك هذا ليس إنساناً، قل لي هذا ليس إنساناً وسوف أقول لك هذا يعني أنه ليس حيواناً ناطقاً، هذه نسبة التساوي، النسبة بين نقيضي المُتساويين!
الحصان حيوان صاهل، لا حصان، لا حيوان صاهل، لذلك لن تجد كائناً يصهل ولا يكون حصاناً، مُستحيل! ستقول لي هذا ليس حصاناً وسأقول لك هذا يعني أنه ليس صاهلاً، ستقول لي هذا ليس صاهلاً وسأقول لك هذا ليس حصاناً، أرأيت؟ هذه سهلة! النسبة بين نقيضي المُتساويين نسبة التساوي، اكتبوها واحفظوها!
ثانياً النسبة بين نقيضي الكُليين اللذين بينهما عموم وخصوص مُطلَق، أيضاً هذا عموم وخصوص مُطلَق لكنه معكوس، كيف؟ نحن قلنا ألف أكبر من باء، أي أعم مُطلَقاً من باء، باء أخص مُطلَقاً – أي أصغر – من ألف، أليس كذلك؟ هذه مفهومة، مثل ماذا؟ قل لي مثالاً، مثل حيوان وإنسان، فالحيوان أعم مُطلَقاً – لأن يدخل فيه الأسد، الغزال، وإلى آخره – من الإنسان، الإنسان هو إنسان، فعلاً هو واحد، نوعة من أنواع الحيوانت الكثيرة، فالحيوان أعم مُطلَقاً من الإنسان، والإنسان أخص مُطلَقاً من الحيوان، اقرأها من الجهة الثانية، يمين شمال وشمال يمين، جيد! نُريد أن نرى النقيض الخاص بهما، لا ألف ما علاقتها بلا باء؟ هل تعرف ما علاقتها؟ ائت بنفس الإشارة هذه لكن اعكسها، ستصير معكوسة! ستصير لا ألف أخص مُطلَقاً من اللا باء، أو اللاباء أعم مُطلَقاً من اللا ألف، ودعنا نرى هذا! لا حيوان هناك، ولا إنسان هنا، اكتب هذا! اللا إنسان – مثلاً – ليس إنساناً، مثل ماذا؟ ائت بأي شيئ تُريده، أليس كذلك؟ ائت بأي شيئ تُريده، أي شيئ! ليس طائراً فحسب بل ونبات أيضاً، أليس كذلك؟ ونبات أيضاً! لكن حين تقول لا حيوان تدخل على ماذا؟ ماذا يدخل فيها؟ هذا ليس حيواناً، ليس حيواناً! شيئ ليس حيواناً، يدخل الجماد، يدخل النبات، يدخل أي شيئ تُريده، هذا ليس حيواناً! أليس كذلك؟ اللا إنسان يدخل فيها ماذا؟ الغزال يدخل أو لا يدخل؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور يدخل، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم طبعاً، اللا إنسان مثل الغزال، وقبل قليل قلنا يدخل فيها الصاهل، أي الفرس، يدخل فيها التمساح Krokodil، هذا لا إنسان، أليس كذلك؟ هذا لا إنسان!
هذا يعني ماذا؟ اللا إنسان أعم مُطلَقاً، لأن يدخل فيها الغزال، أليس كذلك؟ والغزال لا يدخل في اللا حيوان، أليس كذلك؟ هذا هو! لأن هذا حيوان، فتصير النسبة فعلاً معكوسة، فاللا إنسان يصير أعم مُطلَقاً من اللا حيوان، ممنوع أن تأتي في اللا حيوان بإنسان، لكن في اللا إنسان أقدر على أن آتي بحيوانات أُخرى، ليس عندي مُشكِلة! أليس كذلك؟ صارت أعم، فكلمة لا إنسان هنا أقدر على أن أحط تحتها تمساحاً Krokodil، غزالاً، وفرساً، هذه كلها لا إنسان، هذا مضبوط! ويُمكِن أن أُدخِل نباتات أيضاً، ليس عندي مُشكِلة! ويُمكِن أن أُدخِل جوامد، لكن المُهِم أنني أُدخِل حيوانات، انتبه! لكن هنا في اللا حيوان ممنوع أن تُدخِل أي حيوان، أدخل نباتات، وأدخل جمادات، لكن ممنوع أن تُدخِل حيوانات، إذن مَن صار الأعم بحسب هذا المعنى، اللا إنسان صارت أعم، صارت دائرة أكبرة! اسمها لا إنسان، لكن دعنا نُصوِّرها، هناك دائرة كبيرة وهناك دائرة صغيرة، الكبيرة اسمها لا إنسان، والصغيرة اسمها لا حيوان، في اللا حيوان ماذا يُمكِن أن نحط؟ في اللا حيوان ممنوع أن تحط إنساناً، ممنوع أن تحط أي حيوان آخر، ممنوع! حط نباتات وجمادات كما تُريد، ليس عندنا مُشكِلة! أليس كذلك؟ حط أي نباتات وأي جمادات وأي كائنات عُلوية، ليس عندنا مُشكِلة، مثل نجم أو كوكب أو مجرات، ما تُريد! لكن في اللا إنسان تُدخِل نباتات، لأنها ليست إنساناً، وتُدخِل جمادات، وتُدخِل حيوانات ما عدا الإنسان، ممنوع أن تُدخِل إنساناً، حط غزالاً، حط فرساً، وإلى آخره! إذن مَن صار أعم؟ الإنسان، إذن هذا مضبوط!
النسبة بين نقيضي الكُليين اللذين بينهما عموم وخصوص مُطلَق هي العموم والخصوص المُطلَق معكوساً، فقط تعكسها أنت، أرأيت كيف؟ تعكسها! ستقول لي هذا الكلام جيد لكنه ليس عبقرياً، حين نُفكِّر فيه نجد أنه منطقي، وصحيح هو منطقي، لكن هل تعرف أين يُفيد هذا؟ في النقاشات، سواء الدينية التفسيرية أو في الأدب أو في علم الكلام أو في الفلسفة، لأن تغفل عنه العقول، في تفسير آيات أو في تفسير أشياء تغفل عنه العقول، يغفل عقل الإنسان عن الأشياء التي مثل هذه، فتقول له لا، هذا غلط، يقول هذان – مثلاً – بينهما كذا والنسبة بين النقيضين كذا وكذا وأنت أتيت بالنقيض وما إلى ذلك، حين تطول مُقدِّمات النقاش يغفل الإنسان، سُبحان الله! هذا معروف وهذه فائدة المنطق، لذلك ذكي جداً جداً مَن يتلمَّح الأشياء بطريقة حدسية، هذا لا يستفيد من المنطق، لا يلزمه فعلاً! لكن الإنسان العادي وما إلى ذلك يلزمه، والبليد لن يقدر على أن يفهمه، هذا رأيي! لأن يُوجَد رأي لابن تيمية هنا، وهو رأي ذكي لكنه ليس كاملاً، ماذا كان يقول؟ قلت لكم إياه في درس سابق! كان يقول المنطق لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد، سأقول له بينهما وسط يا حبيبي، هناك أُناس ليسوا بلداء وليسوا أذكياء جداً، هم مُتوسِّطون، معياريون Standards، مُعظَم الناس Standard، أليس كذلك؟ بصراحة يا أخي مُعظَم الناس هكذا! هل مُعظَم البشر هم مثلك يا ابن تيمية؟ هو كان عبقرياً! هل هم مثلك لمّاحون ويفهمون الشيئ وهو طائر؟ لا يفهمون للأسف، والله هناك علماء مساكين أخذوا شهادات ولا يفهمون هذه الأشياء، الواحد منهم مخه بطيء قليلاً لكنه ليس غبياً، ليس غبياً يا أخي لكن هو هكذا، فأنا أقول رأيي في المنطق، ينتفع به الإنسان العادي، أليس كذلك؟ الذكي جداً لن يحتاجه، والغبي لن يقدر على فهمه، سيتخربط! سيظل سنة لكي يفهم النسبة هذه، سيقول كيف وما إلى ذلك رُغم أنها سهلة، هذه هي الآن!
ثالثاً الآن، لا نُريد العبارات كلها، كالنسبة بين الكُليين اللذين كذا وكذا، دعونا نقول العموم والخصوص من وجه، مثل ماذا كما قلنا؟ مثل ألف X باء، هل هذا واضح؟ الآن نُريد أن نرى لا ألف ما علاقتها بلا باء، ما علاقة لا ألف بلا باء؟ نُريد أن نشرحها الآن، انتبهوا!
العلاقة التي بينهما لابد وأن تكون علاقة تباين، لكنها ليست كُلية، وإنما جُزئية، علاقة تباين جُزئي، للأسف هذه لم يرمزوا لها برمز مُعيَّن، للأسف! عندنا التساوي، وعندنا التباين، هل نحن وضعنا رمز التباين؟ خطان مائلان، نحن وضعنا الدوائر ولم نضعه، فاحفظوه واكتبوه، الخطان المائلان يعنيان التباين الكُلي، وهذا طبعاً لأنهما لا يلتقيان، هما لا يلتقيان لأنهما مُتوازيان، لا يلتقيان أبداً أبداً أبداً، لا يلتقي حجر مع إنسان، ولا يلتقي إنسان مع حجر، هذا شيئ وهذا شيئ، إلى اليوم الدين هما مُتوازيان، هل هذا جيد؟ فهذا التباين.
التباين الجُزئي لم يرسموا له شيئاً ولا أعرف لماذا للأسف، يُمكِن أن نرسم له نحن أيضاً لكننا لا نُريد أن نفعل هذا حتى لا نُؤلِّف علماً من عندنا، لكن يُمكِن أن نضع لأنفسنا أي إشارة دون أي مُشكِلة لكي نفهم منها أن هذا التباين الجُزئي، فدعونا نرى ما معنى هذه الصيغة، ألف – قلنا – من وجه وباء، ولا ألف تُباين جُزئياً لا باء، جميل! دعونا نرى مثل ماذا – مثلاً – كما قلنا، يلتقيان في نُقطة ويختلفان في نقاط، مثل ماذا؟ غراب – قلنا – وأسود، هذا صحيح! بعض الأسود غربان، أليس كذلك؟ والغربان كلها سوداء حقيقةً، وتنفرد في خواص أُخرى، ليس عندنا مُشكِلة!
الآن ماذا لو قلنا لا غراب وقلنا لا أسود؟ دعونا نرى ماذا يُمكِن أن تكون العلاقة، سنأتي ونستنبط بأنفسنا، ما اللا غراب؟ يصدق على سائر الطيور، على النباتات، على الجمادات، وعلى الحيوانات الأُخرى، أليس كذلك؟ لكن لا يكون غراباً، فدعونا نرى – مثلاً – اللا غراب، يُمكِن أن يكون – مثلاً – غزالاً، أليس كذلك؟ واللا أسود يُمكِن أن يكون أحمر، أليس كذلك؟ هل عندنا غزال أحمر؟ نعم عندنا، إذن هذا صار ماذا؟ تساوياً، عندنا غزلان حمراء، وفعلاً هذه لا ألف ولا باء، العلاقة هنا إلى الآن صارت ماذا؟ تساوياً، إذن هذا التباين الجُزئي، يُمكِن لبعض الأفراد أن تتساوى، هذا أولاً!
دعونا نرى شيئاً ثانياً، دعونا نرى – مثلاً – اللا غراب: البجع، الآن أستنبط وأنا جالس هذا الكلام، أنا لا أُحِب الحفظ، الحفظ يُصيبني بالجنون، الآن وأنا جالس أستنبط وأكتب، هناك البجع وهنا الأسود، هل يُوجَد بجع أسود؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور لا، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم للأسف في أستراليا اكتشفوا واحدة، والله اكتشفوها، هذا صحيح! على كل حال قالوا إنهم اكتشفوا بجعة سوداء، (ملحوظة) قال أحد الحضور إن اللون فوق أسود، فقال فضيلته نعم أسود، لعنة الله، دع هذا يا أخي، واجعله زهرياً، فقال أحد الحضور سنجعله أبيض، لكن فضيلته قال لا، البجع كله أبيض، لا نُريد أن نُساوي، دع هذا واجعله أحمر، يا سيدي اجعله بأي لون تُريد، كالبنفسجي أو النيلي مثلاً، هل يُوجَد بجع زهري؟ لا يُوجَد، البجع كله أبيض، حتى السوداء هذه في أستراليا وهي واحدة، علماً بأن هذه التي أوحت فعلاً لكارل بوبر Karl Popper بقصته، أوحت له بالشيئ هذا أكيد! إذن بجعة زهرية، هل تُوجَد بجعة زهرية؟ مُستحيل! ما النسبة بينهما؟ أرأيت؟ هذا التباين الجُزئي، التباين الجُزئي بعض مصاديقه بينها تساوي، وبعض المصاديق بينها تباين كُلي، لكن ليست كلها تبايناً كُلياً، وإلا ستكون علاقة تباين، وليست كلها تساوياً، وإلا ستكون علاقة تساوي، بعض المصاديق تساوي، وبعض المصاديق تباين، فسموه تبايناً جُزئياً، هذا يعني في الأجزاء الأُخرى أو الأفراد الأُخرى يُوجَد ماذا؟ يُوجَد تساوٍ، هذا هو التباين الجُزئي، هل هذا واضح؟ تمام!
دعونا نرى شيئاً آخر، قلنا طير وأسود، تمام! ما العلاقة بينهما؟ ما العلاقة بين طير وأسود؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور عموم وخصوص من وجه، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم، عموم وخصوص من وجه، أليس كذلك؟ عموم وخصوص من وجه! لكن بيني وبينك طير وأسود أحسن حتى من غراب وأسود، هذا أدق، فاكتبوها لأنها أحسن من كلمة غراب والله، لأنها سبَّبت لنا إشكالاً في الدوائر أيضاً، لماذا؟ لو وضعنا هنا طيراً ووضعنا هنا أسود – فعلاً بعض الطير أسود، وهناك طيور أُخرى ليست سوداء – سيكون هذا أحسن! لو قال لك أحدهم ما الطير الأسود؟ قل له هنا غراب، على الأقل هذا سيكون أدق، أليس كذلك؟ أدق! بعض الطير أسود، كالغربان مثلاً، وهناك طيور أُخرى أيضاً وهي كثيرة جداً، وهناك طيور بصراحة ليست سوداء، ألوان أُخرى مُختلِفة تماماً تدخل هنا، أليس كذلك؟ فهذا مثال أفضل من غراب وأسود – أي طير وأسود – وهو أدق حقيقةً.
لو قلنا لا طير ولا أسود سيكون اللا طير ماذا مثلاً؟ هيا، مرة ثانية، ما اللا طير مثلاً؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور إنسان، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم، إنسان، ولا أسود مثل أبيض أوروبي، ما النسبة بينهما؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور تساوٍ، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم، تساوٍ! مرة ثانية سأقول لا طير، ائتني باسم حيوان الآن، (ملحوظة) قال أحد الحضور أسد، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم، أسد! وهذا يُساوي بُنياً، هناك أسود بنية، أيضاً هذا تساوٍ! وسنأتي بمثال على اللا طير، وهو تمساح، أليس كذلك؟ تمساح أبيض، لأنه لا أسود، تباين! لا يُوجَد تمساح أبيضاً، لم نر تمساحاً أبيض بصراحة، أليس كذلك؟ يُمكِن أن يكون موجوداً لكننا لم نعرف أن هناك تمساحاً أبيض، وهكذا! يُمكِن أن تأتي بأي شيئ تُريد، مثل أن تأتي بلا طير ثم تقول لي – مثلاً – ثلج، طبعاً هذا لا طير، لا يُمكِن! هذا لا طير، الثلج يدخل فيه، والثلج ما لونه؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور أبيض، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أبيض، هذا تساوٍ، أليس كذلك؟ يُمكِن أن تأتي بلا طير – نفترض – كالدم، الدم! مفهوم الدم، كُلي الدم، الدم ما لونه؟ أحمر، إذن تساوٍ! أليس كذلك؟ أو يُمكِن أن تقول لي الدم وأبيض، لا يُوجَد دم أبيض، فهذا تباين، وهكذا وهكذا! يُوجَد دم صناعي – Artificial – ياباني أبيض، هذا صناعي! أي Artificial blood، وهو أبيض، وقالوا إنه يشتغل ويقوم بوظائف الدم تقريباً كلها، شيئ خطير! عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ۩، وهكذا! إذن فعلاً النسبة بين نقيضي اللذين بينهما عموم وخصوص من وجه في التباين الجُزئي.
رابعاً وأخيراً النسبة بين نقيضي المُتباينين، اللذين لا يلتقيان، نحن قلنا ماذا مثلاً؟ ألف تُوازي باء، لا تلتقي معها أبداً في أي مصداق، مثل إنسان ومثل حجر، أليس كذلك؟ لا ألف سنرى ما علاقتها بلا باء، لا إنسان ولا حجر، في اللا إنسان يدخل – نفترض – غزال، طبعاً هذا لا إنسان! ولا حجر يدخل فيها ماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور غزال، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، هذا مُختلِف، هذا لا حجر، هل سنقول هذا غزال وهذا غزال؟ ائت بشيئ ثانٍ مثلاً، (ملحوظة) قال المُجيب وردة، فقال فضيلته أحسنت، غزال ووردة، ما النسبة بينهما؟ تباين، أليس كذلك؟ نُريد لا إنسان مرة أُخرى، غزال! حط أسداً، وتقدر أن تحط غزالاً بالمُناسَبة، ليس عندنا مُشكِلة، لكن حط هنا أسداً، وحط هناك لا حجر، (ملحوظة) قال أحد الحضور هذا حيوان، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، هذا حيوان، صار يُوجَد عموم وخصوص هنا من وجه بينهما، لأن بعض الحيوان أسد، أليس كذلك؟ والأسد هو بعض أنواع الحيوان، فدخل فيه بنسبة عموم وخصوص وجهي، (ملحوظة) سأل أحد الحضور عن الرمز، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا يُوجَد رمز كما قلنا، قلنا لا ألف وقلنا لا يُوجَد رمز، للأسف الشديد يُقال فقط يُوجَد بينهما تباين جُزئي، بعض المصاديق تلتقي وبعض المصاديق تفترق، هل هذا واضح؟ اللقاء يكون بالعموم والخصوص من وجه أو بالتساوي، لكن الافتراق يكون بماذا؟ بالتباين، المُهِم أن يكون هناك التقاءً وأن يكون هناك افتراقاً، يُمكِن أن بالتساوي أو بالعموم والخصوص الوجهي كما في المثال الأخير، والتباين هو تباين.
إذن نرجع ونُلخِّصها مُباشَرةً، النسبة بين نقيضي المُتساويين هي التساوي، النسبة بين نقيضي كا بينهما عموم وخصوص مُطلَق العموم والخصوص المُطلَق المعكوس، النسبة بين الثالث والرابع من النقيضين ما هي؟ التباين الجُزئي، فقط احفظوها هكذا! هذه سهلة، في آخر اثنين النسبة بين النقيضين تكون تبايناً جُزئياً، ما التباين الجُزئي؟ بعض المصاديق تلتقي، واللقاء يكون كالآتي، بعضها تكون بالمُساواة الكاملة أو بالعموم والخصوص الوجهي، وبعضها تتباين كُلياً، هذا يُسمونها تبايناً جُزئياً، هل هذا واضح؟ إذن أول اثنين في مُنتهى السهولة كما هما، بين نقيضي المُتساويين تُوجَد نسبة التساوي، ثم يُوجَد عموم وخصوص مُطلَق لكن مع قيد العكس، اعكسها! اعكس الإشارة، بعد ذلك في الثالث والرابع يُوجَد التباين الجُزئي، واعرفوا تعريفه، هذا هو فقط! ومن ثم نكون – إن شاء الله – عرفنا النسب الثمانية، ما النسب الثمانية؟ (ملحوظة) ذكر أحد الحضور النسب الأربعة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم النسب الأربعة وعكوسها، العكس يُجمَع على عكوس! النسب الأربعة وعكوسها، هل هذا واضح؟ تمام!
من أول وجديد أسأل بكلمة واحدة هذه النسبة بين ماذا وماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور الكُليات، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم بين الكُليات، انتبهوا! بين الكُليات كمفاهيم أو بلحاظ المصاديق؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور بلحاظ المصاديق، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم بلحظ المصاديق، انتبهوا! ليس على الماهيات الكلام، لا! الموضوع عن الأفراد.
إن شاء الله في ساعة نشرح درس الفلسفة، هل فكَّرتم في السؤال الأخير الذي ختمنا به درس الفلسفة في المرة السابقة؟ هل فكَّرتم في السؤال؟ قلنا الشُكّاك قالوا الحس يغلط، نرى البعيد صغيراً وهو ليس صغيراً، النجم نراه صغيراً وهو قد الأرض بملايين المرات، أليس كذلك؟ ونرى الصغير كبيراً، أليس كذلك؟ وإذا أبعدناه فإنه يتصاغر، رُغم أن عنده حجم واحد بصراحة، كلما قرَّبته يُصبِح كبيراً جداً، ويُمكِن أن يستر حتى الشمس البعيدة، هذا خداع الحواس وهذه أخطاء الحواس، نضع قلماً – مثلاً – في الماء فنرى أنه انكسر لكن هو ليس مكسوراً، وكذلك حين نضع أيدينا في الماء البارد والساخن والدافئ، إلى آخره! قالوا إذن لا ثقة بالحواس، كيف؟ ما الذي يضمن لنا أن الحواس لا تتعامل مع الأشياء عموماً بطريقة خاطئة؟ هي تتعامل بطريقة خاطئة من الأصل! أنت الآن ترى أشياء وربما تكون كلها غلطاً في غلط، وما دام هي تقع في الخطأ فمَن يضمن لي أنني أرى الأشياء كما هي؟ ربما لا تكون ألوانها هكذا بالمرة أصلاً، ولا حتى أشكالها! ما هذا؟ ارتفعت الثقة بالحواس قالوا، انتهى! ما دام هي تغلط فالثقة بالحواس ارتفعت، ثم قالوا أيضاً إن الأمر أسوأ من هذا، الإنسان يعتقد بمفهوم أو بنظرية أو بإيمان مُعيَّن لسنة أو سنتين أو عشر أو عشرين أو ثلاثين سنة ثم يتطوَّر بعد ذلك في دراسته، في علمه، وفي معارفه، ومن ثم يكتشف أن كل عقائده كلام فارغ ودينه باطل ومذهبه باطل، أليس كذلك؟ ولذا ينتقد، فحتى المعقولات أيضاً – التي تُؤخَذ بالعقل وليس بالحس – يدخلها الخطأ، قالوا فما يُؤمِّننا من سراية الخطأ إلى سائر المُدرَكات الأُخرى؟ ما الذي يُعرِّفنا؟ أنا بعد عشرين سنة اكتشفت – بعد أن تسلَّحت بالمعرفة وما إلى ذلك – أن هذا الفهم الذي عندي – في أي نظرية، مثلاً اجتماعية أو اقتصادية أو دينية – كان غالطاً، كل هذا كلام فارغ! فما الذي يضمن لي بصراحة أن سائر مداركي الثانية العقلية أيضاً لا يدخلها ويسري إليها الخطأ؟ هذه شُبهة مَن؟ الشُكّاك، هذه شُبهة الشُكّاك واللا أدريين، قالوا لا، نحن ما عُدنا نهتم بالمسائل هذه، دعنا نأكل ونشرب، ليس لنا علاقة بها، لا نُريد أن نُصدِّع رؤوسنا، سنعيش حياة أشبه بالحيوانية، لا تقل لي هذا فكر أو فلسفة أو دين أو أدب أو أي شيئ، ليس لي علاقة، انتهى! الشُكّاك هكذا يُفكِّرون بالطريقة هذه، أو أن يشك الإنسان في كل شيئ، لابد أن نُجيب عن الكلام هذا، هذه شُبهات! وهذه الشُبهات بدأ بالجواب عنها محمد الغزّالي وديكارت Descartes، لابد أن تتصدى لها، وإلا ستكون هناك مُشكِلة.
طبعاً تُوجَد أجوبة يُسمونها نقدية، وتُوجَد أجوبة حلية، احفظوا هذين المُصطلَحين، الأجوبة النقدية هي التي تنصب على الكلام وعلى الشُبهة، وتُخرِج لها لوازم تُبيِّن بها تهافتها وضعفها، يُسمونها نقدية! أي تقول لك كلامك كله مُتهافِت وما إلى ذلك، لكن الأجوبة الحلية ليست كذلك، هي جواب عن الشُبهة من حيث هي، من غير هذه المُلاسَنات اللزومية، لا! جواب حقيقي يُعيد الثقة إلينا – مثلاً في قضيتنا هذه – بالحس وبالعقل، هذا اسمه جواب حلي، يُعيد الثقة ويُؤسِّس، وهذا حجر الزواية في المعرفة بالمُناسَبة، ولذلك أنا بدأت معكم – كان يُمكِن أن أبدأ بمائة بداية، الكُتب الفلسفية مُختلِفة تماماً في الشيئ هذا – بموضوع الشك وما إلى ذلك، لأن هذا حجر الزاوية في موضوع الإبستمولوجيا Epistemology، وبدأنا بالإستمولوجيا Epistemology لأننا شرحناها لكم في مرة سابقة، هي الآلة التي سندخل بها في مباحث الأنطولوجيا Ontology ومباحث الإكسيولوجيا Axiology، هي الآلة، العقل والمعرفة! هل تُوجَد إمكانية للمعرفة؟ وموضوع الشك هذا حجر الزاوية إذا أثبتنا أن هناك معرفة مُحترَمة ولابد أن نُوليها ثقتنا ولا نشك فيها، هذا جيد! ومن ثم هذا سيكون حجر الزاوية، وأنا أعطيتكم بعض الأجوبة النقدية في المرة السابقة، مثلاً هذا الشاك الذي يقول لكم ارتفعت الثقة بالحواس لأن الحواس تغلط وما إلى ذلك أقول له أولاً – أول شيئ – بماذا عرفت ذلك أنت؟ بماذا أدركت خطأ الحواس؟ سيقول لي بالعقل، العقل أثبت لي هذا، سأقول له كيف أثبت؟ كيف أنت عرفت أن النجم البعيد الذي لم تذهب إليه يوماً ولم تعرفه ولم تُجاوِره – لأنه بعيد جداً عنك بكذا وكذا سنة ضوئية مثلاً – كبير؟ سيقول بالقياس، أنا أراه! الأشياء حين تبعد عني في الأرض هنا لمسافة مائتي متر أراها صغيرة، أليس كذلك؟ كلنا نعرف أننا نراها هكذا، نراها كشيئ بسيط جداً جداً، والشيئ القريب مني أراه ضخماً، أنا الآن أخفيت الأخ هذا بالكوب فعلاً، الكوب أخفاه وأخفت أشياء أُخرى زائدة أيضاً، أليس كذلك؟ الشيئ القريب كبير، والشيئ البعيد صغير، فالعقل يُقايس، وأنا قست على الموضوع هذا موضوع النجم، فالنجم هذا البعيد جداً جداً وأنا أراه، لازلت أراه! وهذا يعني أنه سيكون كبيراً جداً جداً حين يقترب مني، لا أقدر على أن أُحدِّد لك كم هو كبير، لكن أكيد هو كبير جداً جداً، لأن هذا الأخ – مثلاً – أكبر من هذا الكوب ربما على الأقل – مثلاً – بمائة وخمسين أو مائتي مرة في الحجم، فكيف بالشيئ البعيد والذي لا أزال أراه صغيراً؟ أعني النجم، هذا يعني أنه حين يقترب سيكون شيئاً مُذهِلاً، أكبر من الأرض! هذا صحيح لكنني سأقول له أنت عرفت هذا بالعقل، أليس كذلك؟ عرفت هذا بالعقل، فيُمكِن أن يستدرك العقل أخطاء الحواس، أليس كذلك؟ بطريق المُقايسة أو بطريق أشياء أُخرى، أيضاً أخطاء الحواس يُمكِن أن تُصحِّحها الحواس نفسها، فحاسة العين – أي الــ Sense – يُمكِن أن تُصحِّحها حاسة اللمس، سأضع يدي في القلم وسأجد أنه مُستوٍ وليس مكسوراً، عادي! لو كان مكسوراً لشعرت بالكسر فيه وبالانعراج، سأجد – مثلاً – زواية، لكن هذا لم يحدث، ومن ثم سأقول عجيب، أنا مسكته ولم أجد أنه مكسور، هذا مُستقيم! حين أنظر إليه وأراه أجد أنه مكسور فعلاً، هذا يعني أن اللمس عبر اليد أصلح حاسة البصر، فأخطاء الحواس تُصحَّح بالحواس، وأكثرها تُصحَّح بالعقل، هذا أولاً، وهذا يعني أن لا تزال هناك ثقة بالحواس ككل، هي تشتغل مع بعضها، والعقل يشتغل معها، هي لا تشتغل إلا بالعقل طبعاً، هذا أولاً.
ثانياً إدراكك – أنك أدركت الخطأ – بماذا تم؟ بماذا تم هذا الإدراك؟ أدركت أنك ادركت الخطأ! بماذا تم هذا؟ كيف عرفت؟ بالعقل، هذا يعني أن العقل قوة عندك من خلال شكك ومن خلال كلامك، لازم كلامك أن العقل قوة عنده صلوحية الحُكم بالصح وبالغلط، أليس كذلك؟ وإلا لو لم يكن هذا عندها من الأصل وارتفع كما تقول أنت بالكامل من أين عرفت هذا؟ كيف عرفت أنك غلطت إذن؟ هذا يعني أنه لا تزال هناك بقية، لا تزال هناك بقية في عقلك تُؤكِّد أن العقل آلة صالحة للتعقل والإدراك، على الأقل هي التي أدركت بها خطأ العقل نفسه وخطأ الحواس، وحكمت على على هذا الخطأ بالخطئية، أليس كذلك؟ بماذا حكمت أنت؟ هذا هو!
ثالثاً يُوجَد لازم آخر لقولكم أيضاً، هل يُمكِن أن تُسلِّموا بالآتي؟ لماذا لا تكون الأشياء التي قلنا إنها خطأ خاطئة وصحيحة في نفس الوقت؟ ستقول لي لا، هذا مُستحيل! كيف تكون خاطئة وصحيحة في نفس الوقت؟ ومن ثم سأقول لك هذا يعني أنك لازلت تُسلِّم بوجود مبادئ عقلية سارية المفعول، مثل مبدأ النقيضين، قانون التناقض أنت لازلت تُؤمِن به، أرأيت؟ أنت لازلت تُؤمِن به وتصدر عنه، عقلك – أي عقل هذا الشكّاك واللا أدري – لا يحتمل أن الشيئ الذي أدركت أنه خطأ ورتَّبت على هذا الخطأ سحب الثقة من الحواس ومن العقل قد يكون خاطئاً وصحيحاً في نفس الوقت، هذا يعني أن عقلك لا زال يشتغل، لأنك تقول ممنوع أن يكون صحيحاً وغالطاً في نفس الوقت، أنت قلت لا، أكيد هو غلط، كيف أدركت هذا؟ بقانون عقلي، إذن أنت لازلت تصدر عنه وتحترمه، وهو يفعل فيك غصباً عنك طبعاً، هذه هي المُشكِلة! هذا الكلام – انظر إلى هذا الكلام الذي يُمثِّل دروساً بدائية في الفلسفة – لم يفهمه المسكين ستيفن هوكينج Stephen Hawking، في أفكاره العلمية في كتابه المشهور لم يفهم الأشياء التي مثل هذه، قال أنا رجل وضعي Positive، الفلسفة ماتت، وأنا لا أُؤمِن بهذه المبادئ العقلية، هذا كلام فارغ! كيف هذا؟ غصباً عنك هذا موجود، اليوم لا يُمكِن أن تقوم بعمل نظرية علمية دون احترام هذا، ولذلك جاكوب برونوفسكي Jacob Bronowski عنده كتاب رائع جداً جداً – قرأته في جلسة من شدة جماله – اسمه The Common Sense of Science أي بداهة العلم، كتاب سهل ومُبسَّط في مائتين وخمسين صفحة، جميل ومُمتاز جداً! وهذا عالم كبير، علماً بأنه رياضي، وهو عالم موسوعي معروف، من موسوعيي العصر، هذا إنجليزي رهيب، وأصله شرقي، لكن حين وصل عمره إلى الثانية عشرة كان في إنجلترا، قرأت لهذا الرجل عدة كُتب رهيبة، فهو عنده كلام مُمتاز جداً في فلسفة العلم قاله في الكتاب هذا، ماذا قال؟ قال العلم – علم بيكون Bacon وعلم نيوتن Newton بالذات الذي خصَّص له فصولاً طويلةً، لأنه كان مُعجَباً جداً به وحُقَّ له – كان يمشي في طريق مُزدوَج، أي ذهاب وعودة! من العقل يذهب إلى التجربة، من التجربة يعود إلى العقل، ومن العقل يذهب إلى التجربة، وهكذا قال! هكذا هو العلم غصباً عنك، بالعقل! لا تقل لي هذه تجربة وأنا وضعي، وضعي ماذا؟ هذا كلام فارغ، لكن المسكين ليس عنده هذا، ليس عنده أي أساس – Basis – في فلسفة العلم بالمُناسَبة، ليس عنده! ضعيف جداً، فهذا هو، حتى الشُكّاك هؤلاء يخضعون لهذه المبادئ على الرُغم منهم.
إذن الأجوبة النقدية كثير جداً، الجواب الحلي بسيط وقوي، أخطاء العقل – المُدرَكات العقلية التي يقع فيها الخطأ – أنا أقول لك بكلمة واحدة هي النظرية وليست البدهية، البدهية لا يقع فيها الخطأ، بدليل أنك تستخدمها لإلازم هؤلاء، قبل قليل أنا أستخدمتها، أليس كذلك؟ أنت تُلزِمهم بها وتُضحِك الناس عليهم، تتهكَّم عليهم! ستقول له كيف أدركت أنك أخطات؟ سيقول لك بالعقل أدركت، ومن ثم ستقول هذا يعني أن العقل قوة درّاكة يا حبيبي، أليس كذلك؟ لكنه سيقول لك لا، هو يُدرِك ويُخطئ فالأمور كذا وكذا، ومن ثم ستقول له يُمكِن أن يكون الخطأ هذا صواباً، ويُمكِن أن يكون صواباً وخطأً في نفس الوقت، لكنه سيقول لك لا، هذا مُستحيل، ومن ثم ستقول له هذا يعني أنك تُؤمِن بمبدأ عدم اجتماع النقيضين، وهذا يعني أن هذه الإدراكات – مثل قانون الهوية وما إلى ذلك – ليست كما ذكرت، ويُمكِن أن تقول له لا يا أخي، لست أنت مَن أدرك هذا الشيئ، وإنما شخص آخر، لكنه سيقول لك كيف؟ أنا مَن أدركته وأنا مَن حكمت، لكنك ستقول له لا، هذا شخص آخر غيرك، فإذن أنت لازلت مُعتصِماً بالثقة بعقلك، ستقول له غيرك مَن لاحظ، وسيقول لك لا، أنا مَن لاحظ، لكنك ستقول له لا، هذا عادي! يُمكِن أن يكون غيرك مَن لاحظه لأن مبدأ الهُوية غير موجود، ومن ثم سيقول لك لا يا أخي، كيف يكون غير مَن لاحظه وأنا مَن يتكلَّم؟ لكنك ستقول له هذا عادي، أنت ولست أنت، لأن ألف ليست ألف، سيقول لك لا يا أخي، ومن ثم ستقول له هذا يعني أنك تُؤمِن بمبدأ الهُوية The principle of identity، أنت تُؤمِن به جيداً، وهو سيقول لك نعم، أنا أُؤمِن به، فهو ليس كمَن قال لأحدهم أين رأيتك من قبل؟ هل أنت محمد؟ فقال له أنا لست محمداً، أنا سعيد، فقال له لا يا أخي، أنت محمد وأنا رأيتك في الإسكندرية، فقال له أنا لست محمداً، فقال له إذن هذان اثنان غيرنا، أي أنه أنكر نفسه حتى، فهو لم ير نفسه، كيف؟ هذه غير مُمكِنة، هذه نُكتة! لا اثنان غيرنا، لم يحدث هذا الشيئ بين اثنين غيرنا، وأنا مَن يختزن هذا الشيئ، كيف هذا؟ مُستحيل! لم يقل له هذا كان شخصاً غيرك، بل قال له إذن هذان اثنان غيرنا، أي أنه نفى نفسه أيضاً، وكأن هناك ذات أُخرى هي التي شعرت بالمشاعر التي هو عبَّر عنها، يستحيل! هذا كلام فارغ، هذه نُكتة، نُكتة تُقال هذه! لكن لا يُمكِن لإنسان عاقل أن يقتنع بها، هذه لا يقتنع بها أي أحد، إلا لو كان المُقتنِع مفصوماً ومجنوناً فعلاً، يشعر بأن عنده ازدواجية في الشخصية أو عنده أكثر من شخصية ومن ثم يغيب عن شخصيته بالكامل، مثل المفصوم تماماً، فهو يغيب عنها، انتهى! هذا شيئ ثانٍ، مجنون فعلاً! وقالوا هذا قديماً، أرسطو Aristotle قال مَن يشك حتى في شكه هو مجنون يرتفع معه الكلام، لابد أن يذهب ويُعالِج دماغه، نحن لا نتكلَّم مع المُصابين بالهبل، نحن نتكلَّم مع الإنسان الذي عنده على الأقل عقل، هذا هو طبعاً، مَن يقول أنا أشك في شكي وأشك في شكي في شكي سنقول له أنت أُصيبت بالهبل، انتهى! مع السلامة، سهَّل الله لك، لا كلام لنا معك، وفي حياتك العملية أنت لا تصدر عن هذا الهبل، تصدر عن عقل أيضاً، لا فائدة! وتصدر عن احترام لقانون السببية والعلية والهُوية والنقائض – كل أنواع النقائض التي شرحناها – وما إلى ذلك، أليس كذلك؟ فهذا يعني أن المُدرَكات العقلية التي يدخلها الخطأ هي أي مُدرَكات؟ الكسبية، أو التي يُسمونها النظرية، ليست الضرورية التي يُسمونها البدهية، هذه لا يدخلها الخطأ، يستحيل!
أمس كنت أكتب خاطرة وأنا أُعلِّق على كتاب هوكينج Hawking، فقد أعدت فهمي للفلسفة ولميكانيكا الكم وخاصة للــ Uncertainty principle بصراحة، لم أُحِب أن أنساق مع هؤلاء الذين يفرحون بأنفسهم، لا! حتى مبدأ عدم التعيين وعدم التحديد – الــ Uncertainty principle – أُريد له أن يكون الضربة الأخيرة القاضية لمبدأ السببية، قالوا انتهت السببية، لا يُوجَد شيئ اسمه سببية Kausalität، الــ Causality principle انتهى، لكن كلامهم غير صحيح، كلام فارغ وغير صحيح، فلسفياً غير صحيح هذا بسهولة، وكتبت هذا بسهولة! ولذلك بالمُناسَبة الآن يُوجَد بعض فلاسفة العلم الكبار – في المدرسة الفرنسية مثلاً – الذين تنبَّهوا بذكاء إلى الآتي، قالوا يبنغي أن نستخدم المُصطلَح بدقة، عندنا الــ Uncertainty principle، من Certain مُؤكَّد، أي مبدأ عدم اليقين، وعندنا الــ Indeterminacy principle، أي مبدأ عدم التعين، وهم يُعبِّرون عن الاثنين بنفس الشيئ، في الكُتب العلمية – هذا خاص بهايزنبرج Heisenberg، أي مبدأ هايزنبرج Heisenberg – مرة يُسمونه Uncertainty ومرة يُسمونه Indeterminacy، انتبهوا! يُوجَد فرق كبير بينهما، والفيلسوف الذكي يستخدم الواحد منهما بحسب رؤيته الفلسفية في الإبستمولوجيا Epistemology، سنستخدم الــ Uncertainty – اللا تيقن – أو الــ Indeterminacy؟ سنستخدم نحن – مثلاً – كفلاسفة عقليين الأول أو الثاني؟ (ملحوظة) قال بعض الحضور الأول، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم الأول، أحسنتم! كلكم على صواب، فعلاً الأول! هل تعرفون لماذا؟ الأول يُعطيكم شيئاً أو يُعطيكم إيحاءً وظلاً إبستمولوجياً أو أنطولوجياً؟ هل الأشياء ليست مُحدَّدة؟ هل خلقها الله في فوضى أم أنها بحسب فهمنا الذي توصلنا إليه إلى الآن وموديلنا – من Model – في التفكير وقدراتنا وآلاتنا غير مُحدَّدة إلى الآن؟ هي غير مُحدَّدنا عندنا، عندنا فقط! نحن غير قادرين على أن نصل فيها إلى يقين، لكننا لا نعرف كيف نفعل هذا، يُوجَد مبدأ يجعل الأمور تتصرَّف بدقة وبعلية، غير قادرين أن نضع أيدينا عليه بصراحة إلى الآن، يُوجَد قصور! هذا الــ Uncertainty، أي اللا تيقن، نحن غير مُتأكِّدين، لكن حين تقول لي هو بحد ذاته غير مُتعيِّن – أي Indeterminacy – وغير مُحدَّد يكون هذا إيحاءً أنطولوجياً، انتبه! ولذلك الفلاسفة الماديين والماركسيين يُحِبون الثاني، يتحدَّثون عن الــ Indeterminacy principle، يقولون هو هكذا، لأن الأمر مخلوق هكذا، وبالمُناسَبة هذا ليس كلاماً فلسفياً، هذا كلام فيزيائي، نحن – مثلاً – كأُناس ندرس الفلسفة العقلية وننحاز إليها سنتبنى المنظور الأول، سنقول بالــ Uncertainty، يُمكِن أن يأتي إلينا يوم بعد خمسين سنة أو بعد مائة سنة نعرف فيه ونُخرِج القانون، عادي! يُوجَد أمل، وأينشتاين Einstein مات على هذا الأمل، قال لهم لا، أنا سأظل أُحتِّم عليكم، الرجل عنده إيمان عميق بالله يا أخي! الله – قال لهم – لا يلعب بالنرد، قال لهم God does not play dice، الله لا يلعب – قال لهم – بالنرد، الله لا يرمي – قال لهم – الزهر، لا يُوجَد الكلام هذا! غير مُحدَّد عندكم أنتم، لكن أكيد عند الله في قوانين الكون وما إلى ذلك للأشياء قانون يحكمها، قال لا تُوجَد مثل هذه الأشياء، وهذا الذي أصاب أخينا المسكين هوكينج Hawking بالهبل، لأنه اقتنع بأن هذه فلسفة كاملة وظن أنها نهاية المطاف، وقال أنا سآخذ منظور فاينمان Feynman الخاص بالــ Sum Over Histories وسأقول أي جُسيم – علماً بأنه طبَّق هذا على الــ Singularity وعلى بداية الكون كُله – لا يتخذ مساراً واحداً في اللحظة ذاتها، في اللحظة ذاتها يتخذ مسارات كثيرة جداً جداً، وأنا سأقوم بعمل جمع لكل المسارات هذه، وطبعاً بعد ذلك هناك تقنيات مُعقَّدة جداً عند فاينمان Feynman، علماً بأن هناك مُحاضَرات مطبوعة في ألف وأربعمائة صفحة، أنا عندي ثلاث مُجلَّدات لفاينمان Feynman، فظيع الرجل! وهذه التجربة ابتدأ بها المُجلَّد الأول، قال تقع في قلب ميكانيكا الكم وهي كل اللُغز، قال هي All mystery، قال هي اللُغز كله! هي هذه، التجربة هذه قال، ولك أن تتخيَّل هذا! فلسفتها كلها تقوم على تجربة الــ Double Slit، أي الشق المُزدوَج، قال الإلكترون Electron يدخل من الثقبين في نفس الوقت، ويتخذ مسارات كثيرة في نفس الوقت، شيئ يُجنِّن! هذا غير، هذا عكس الــ Common sense، عكس البداهة! أينشتاين Einstein لم يقبله، مات ولم يقبله، قال مُستحيل، هذا غير صحيح! يُوجَد قصور في الموديل – Model – الخاص بكم في التفكير.
الآلات طبعاً فيها قصور، واضح القصور فيها! لا نقدر على إنكار هذا، لكننا لن نشرحه لكم، لأن كل هذه الأشياء لها علاقة بالتردد وبالشدة، المُهِم هذا تفسير مبدأ الــ Uncertainty، لماذا يحدث هكذا؟ هذه مسألة فنية، لو اقتصر الأمر على الفنية لكان الأمر سهلاً، لكن نيلز بور Niels Bohr قال لا، هذه ليست فنية، وهذا ليس قصوراً في الموديل Model ، الطبيعة في طبيعتها كذلك، هي هكذا! هذا يعني أن مدرسة كوبنهاجن Copenhagen أو نيلز بور Niels Bohr منظورها أنه غير مُحدَّد، هو غير مُحدَّد، ليس أنت غير القادر على التيقن منه، هو غير مُحدَّد وسوف يبقى إلى ما شاء الله غير مُحدَّد، لكن أينشتاين Einstein قال لهم لا، هو مُحدَّد! أنا بحدسي الإيماني ربما – لأنني إنسان مُؤمِن – أقول أكيد بعد مائة سنة أو بعد خمسين سنة وربما بعد عشر سنوات – أنت لا تعرف – سيختف الأمر، وأينشتاين Einstein سوف يكسب الجولة، سوف يقولون أف! هذا كان عبقرياً كبيراً، غير طبيعي! هذا كان فعلاً مُتميِّزاً، كسب الجولة بعد مائتي سنة، سوف يكتشفون هذا! لأن الله قال إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ۩، لا يُمكِن أن تضرب لي البداهات، على كل حال أُريد أن أقول نحن يُمكِن أن نأخذ بالمفهوم كما هو من غير كل هذه التفصيلات الدقيقة، وأنا سأقول لكم الذي يحدث في نهاية المطاف، حتى لو تبنيت منظور فاينمان Feynman نفسه الذي تبناه هوكينج Hawking وأيضاً ستخرج أيضاً السببية عندي، وهذا وفق منظور أوسع وأكثر تعقيداً للسببية بصراحة، هو هذا! الإلكترون Electron أو حتى أي جُسيم أو أي دقيقة حين يكون أمامها – نفترض – منفذ واحد للعبور – منفذ واحد فقط – تنفذ منه، حين يكون أمامها منفذان تنفذ منهما، تنفذ منهما لأن طبيعتها هكذا! هذا الجُسيم طبيعته هكذا، فأصبحنا الآن أمام سببية من نوع مُختلِف، هذا يعني لو أن الاثنان كانا مفتوحين ستنفذ من الاثنين، وهذه دقيقة أو إلكترون Electron واحد، جميل جداً! كيف نحسبها؟ قال فاينمان Feynman أنا حسبتها، سنقول له أعطنا حسابك! وسيقول سنتعامل مع هذا العالم وفق كذا وكذا، وهذه سببية – Kausalität – أيضاً يا بابا، هو هذا! وهو محسوب أيضاً، رياضياً محسوب! أليس كذلك؟ متى يتعيَّن؟ قال يتعيَّن في بعض المرات إذا تدخَّل المُراقِب، يأخذ حالة واحدة في النهاية، لكن هذا داخل أيضاً في السببية، سببية العالم الصغير! ماذا سيحدث لو أنك نفيت السببية من حيث كمفهوم بالكامل مثلما نفاها ديفيد هيوم David Hume؟ ديفيد هيوم David Hume نفاها لكنه أعاد إنتاجها بشكل سخيف طبعاً، أعاد إنتاجها مرة ثانية، وهذه المُشكِلة! ديفيد هيوم David Hume بالمُناسَبة ذكي، أنا اعتبرته من أذكى الفلاسفة لأنه فعلاً ذكي، عبقري الرجل! كان لابد وأن ينفي السببية، لو لم ينفها للزمته لوازم كثيرة جداً جداً ولرجع لكي يتعاطى مع الميتافيزيقا Metaphysics رُغماً عنه، فماذا فعل؟ ذهب ونفاها، لكن حين نفاها – هنا سؤالي – هل نفاها بالمُطلَق أو أعاد إنتاجها؟ أعاد إنتاجها، قال يُوجَد شيئ اسمه اقتران، اقتران دائمي موجود، لأن العقل لا يلحظ الضرورة، أين الضرورة حتى ألحظها؟ لا ألحظها! أنا أرى الشمس وهي تطلع ثم الدنيا وقد أصبحت مُنوَّرة، وأرى الشمس وهي تغيب ثم أرى الدنيا وقد أصبحت مُظلمة، أليس كذلك؟ هذا ما أراه، أرى ظاهرة وظاهرة، فقط! هذه بعد هذه، هذه قبل هذه، وانتهى الأمر! لا أرى الضرورة، أي حين تخرج الشمس لازم أن تُنوَّر الدنيا، كلمة (لازم) هذه لا أراها ولا أقدر على فحصها، هذا صحيح! ولذلك حتى العلوم التجريبية قالت اليقين الذي عندنا هو يقين تجريبي، ما معنى هذا؟ أي هو غير عقلي، كيف هو غير عقلي؟ العقل نفسه يُجوِّز أن تكون الأمور على جهة مُعاكِسة، هذا مُمكِن، عادي! كان يُمكِن أن يخلق ربنا – عز وجل – الكون بطريقة مُختلِفة، فحين تطلع الشمس يأتي ظلام رهيب في الدنيا، عادي جداً! وحين تغيب الشمس يأتي النور إلى الدنيا، أم أنكم ترون أن هذا غير مُمكِن؟ هذا مُمكِن تماماً، علماً بأن نصف الحكاية هذه تحدث في الكون، كل الكواكب والأجسام السماوية التي ليس عندها غلاف جوي فيه بخار ماء يحدث معها هذا، عادي! تخرج الشمس والدنيا كلها ظلام، لا ترى يديك! وترى الشمس من بعيد كالقرص المُضيء، تراها من بعيد كالشيئ المُضيء وحده، لكن عندك في كل شيئ يُوجَد ظلام، لعدم وجود بخار ماء يتشتت فيه الضوء، هذا قانون قانون رايلي Rayleigh في الفيزياء، لا يُوجَد بخار ماء يتشتت في الضوء لكي ترى الدنيا زرقاء وما إلى ذلك، هذا غير موجود، عادي! هذا مُمكِن، كان يُمكِن أن يُكمِل ربنا الحكاية، ومن ثم حين تغيب الشمس – انتبه – يختلف الأمر، يتكثَّف بخار الماء – مثلاً – بطريقة مُعيَّنة أو قليل منه وكوكب الأرض بالأشعة التي استقبلها ولم يقدر على تشتيتها، تخرج – مثلاً – بطريقة مُعيَّنة فتتشتت ومن ثم نرى، يقدر! هذا هو، ولذلك هذا اليقين العلمي كما ترون تجريبي وليس عقلياً، بخلاف اليقين العقلي! أنا أُوقِن بأن هذا الكوب الذي أمامي هو أمامي، ليس الكوب الذي يشرب فيه أبو القاسم، هذا يقين عقلي، لا يُمكِن غيره، لا يُمكِن أن تقول لي الكوب الذي يشرب فيه هو الذي تشرب فيه أنت والذي عندك هو الذي يشرب فيه، مُستحيل! هذا غير موجود، مُستحيل! لا يُمكِن أن تقول لي إن فلاناً الذي يجلس ويستمع إلىّ هو حي ميت، هو يستمع ولا يستمع، وهو موجود وغير موجود، لا يُمكِن! العقل لا يقبل هذا، هذه أشياء عقلية لا تلتوي، ولذلك حتى ربنا يوم القيامة سيُعامِلنا على أساسها، أليس كذلك؟ لا يُمكِن أن يقول أحدهم يا رب أنا فيلسوف، أخذت دكتوراة في الفلسفة وأنا أستاذ كبير، أنا لست أنا، في الدنيا الذين كفروا وما إلى ذلك أنا، لكن أنا هنا لست أنا، لست كذا وكذا، ولذلك أدخلني الجنة، سيقول له الله دع هذا الهبل، سيُذهَب به إلى جهنم، هذا لا يُمكِن! لا يُمكِن لا في الدنيا ولا في الآخرة، محمد بن عبد الله هو محمد بن عبد الله، سيأخذ – إن شاء الله – المقام المحمود والوسيلة، هو نفسه! لن يقول أحدهم أنا محمد وهو ليس هو، هذا لا يُمكِن! فهنا يُوجَد ثبات للهُويات مثلاً، وهذا لا يُمكِن! فهذه في الدنيا تحكم وفي الآخرة تحكم، ويخضع لها حتى حساب العبد يوم القيامة.
على كل حال نرجع إلى موضوعنا، إذن هذا هو الجواب الحلي، الجواب الحلي احفظه بحُملة واحدة، الخطأ يتطرَّق إلى العقليات النظرية، وليس العقليات البدهية، ستقول لي لا، كلامك هذا كلاسيكي – Classical – قديم، مبدأ هايزنبرج Heisenberg قضى عليه، رأينا شيئاً يكون ولا يكون وقد يكون في مكانين ثم يرجع وما إلى ذلك، لكنني سأقول لك بالعكس، كل هذا يخضع لقوانين لم نكشتفها بالكامل، أنا مُتعصِّب – مثلاً – لأينشتاين Einstein ومدرسة أينشتاين Einstein ومُقتنِع بكلامه بحسب فلسفتي، كل هذا يخضع لقوانين نحن لم نكشتفها إلى الآن بالكامل، على الأقل القدر الذي تم اكتشافه وخربطم بالكامل إلى الآن لا يزال يدعم مبدأ السببية الذي أردتم ضربه بالشيئ هذا، أنتم تخضعون للسببية وقمتم بتنظيمها من خلال قوانين جديدة، أليس كذلك؟ وصارت قابلة للحساب، لو أنكرتموها بالكامل لما أمكن حسابها، أليس كذلك؟ انتهى! لما وُجِدَ أي حساب، لأن يُمكِن في كل مرة أن يخرج الإلكترون Electron بنتيجة مُختلِفة، في كل مرة باستمرار! ومن ثم سينتهي الأمر! إذن ما الذي ينبغي أن يفعله العلماء بصراحة؟ ما التصرف الأكثر ذكاءً الذي ينبغي أن يفعلوه في اللحظة هذه؟ أن يرفعوا الراية البيضاء ويقولوا له توقَّفنا عن هذا، سكَّرنا باب الجُسيمات الدقيقة، أي ما يُسمونه بالمجال دون الذري Subatomic field، توقَّفنا عن هذا، لأن هذا عالم مجنون وهذا غير مُمكِن، لكن ما دام هذا أمكن وأخرجتم أشياء رياضية وأسميتموها جمع التواريخ وما إلى ذلك – فضلاً عن أن الإنسان حين يتدخَّل كمُراقِب يتعيَّن الشيئ – فهذا يعني أن الأمور تخضع أيضاً لسببية من نوع خاص، وهي أكثر تعقيداً طبعاً حقيقةً وأكثر صعوبة من السببية البسيطة التي تُوجَد في حياتنا والتي نراها، أليس كذلك؟ لكن السببية موجودة، ففكِّر في الكلام هذا عقلياً! لو ارتفعت – والله – لن يُمكِن لا لفاينمان Feynman ولا لغيره الحديث، سوف يُسكِّرون الباب كله، انتهى! هذا مُستحيل، لأن في كل مرة سيخرج لنا شيئ جديد، مُستحيل! لا يُمكِن هذا، مثل اللُغة، ومثل الكُليات، بالمُناسَبة كتاب برونوفسكي Bronowski الذي قرأته – أعني بداهة العلم – أفادني بمعلومة لطيفة جداً جداً، قال بعض شعوب جُزر المُحيط الهادي – هذا له علاقة بالمنطق لكن المناطقة لا يعرفون الشيئ هذا – ليس عندهم المفاهيم الكُلية، على الأقل فيما يتعلَّق بالأشجار، لا تُوجَد عندهم كلمة الشجرة، لا تُوجَد! كل شجرة عندهم لها اسم خاص، ولا يقولون الشجر أو شجر، لا يُوجَد هذا عندهم، مثلاً نفترض وجود أرقام، سيقولون واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، وهكذا! كل شجرة عندها اسم خاص، وهم لا يعرفون الكُلي الذي يجمع كل هذه المخلوقات، لا يعرفون أن اسمه الشجر، غريب! ولك أن تتخيَّل هذا، لذلك الدراسات الأنثروبولوجية مُهِمة جداً في تأسيس العلوم والمعارف، (استفسر أحد الحضور عن هذه النُقطة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم إنهم يتعاطون مع كل شجرة كجُزئي، نفترض – مثلاً – وجود عشر شجرات كرز عند أحدهم، كل واحدة لها اسم، وهي مُختلِفة عن الثانية بالكامل، هذه شيئ وهذه شيئ مُختلِف تماماً! وليس حتى بالرقم، وإنما بالكلمات، كل واحدة لها اسم تماماً يختلف عن الثاني، ويُعامِلونها كأنها كائنات مُتفرِّدة بالكامل، طبعاً هذه الطريقة غبية، طبعاً ليست طريقة إنسانية هذه، وهذه تقضى على للعلم، هذه ضد العلم بالكامل، لا يُمكِن هذا! العلم كله يقوم على التصنيف والتنويع والكُليات، أليس كذلك؟ هو هذا العلم، لكن يُوجَد بشر يُفكِّرون بالطريقة هذه، شيئ غريب! لكن يُوجَد هذا، أنا قلت غبية وغلطت في هذا، اليوم في مُحاضَرتي كنت أُريد أن أحكي شيئاً عن التواضع الخاص بنا والذي ندعو إليه، التواضع – Modesty – الفلسفي والحضاري – الذي سيصون العالم! وهذا كان شعاري في المُحاضَرة، كتبت – سُبحان الله – وأنا أُحضِّر لمُحاضَرتي على الطاولة جُملة، كتبتها ولم أقرأها! وهي ماذا؟ أن هذا التواضع أيضاً يُملي علينا أن نحذف من مُعجَمنا: غريب، عجيب، غير منطقي Illogical، غير عقلاني Irrational، غير معقول، مرفوض، وغير مفهوم، هذا غلط! هذا كله تبجح وغطرسة، وينبغي نعتصم بمُصطلَحات جديدة مُختلِفة: لابد أن يُختبَر، لابد أن ينظر إليه، ومُختلِف، محض مُختلِف هو يا أخي! لماذا تقول عنه عجيب، غريب، غير مفهوم، غير منطقي، شاذ، وغير طبيعي Abnormal؟ غلط! هذه كلها تبجحات وغطرسات ثقافية، الأمر مُختلِف! فقط هو مُختلِف، هذا مُهِم لكي تبدأ تحترم الاختلاف، وسيدفعك الاختلاف إلى المُطالَعة، طالعه وقاربه، قارب هذا الشيئ، ربما تجد أنه جميل.
أُريد أن أُعطيكم مثالاً عن موضوعنا في الفلسفة، في الصين – مثلاً – إلى اليوم تُوجَد جماعات مُختلِفة من الأطباء، غير أطباء العالم كله وغير أطباء الصين أيضاً، لكن هؤلاء ليسوا قلة، هؤلاء كثرة في الصين! هؤلاء يأخذون أموالهم طالما أنت صحيح Gesund، الواحد منهم يقول أنا وظيفتي – الــ Job الخاص بي – كطبيب ومُهِمتي كطبيب أن أحفظ عليك الصحة، ويقول لك كل شهر يبنغي أن تذهب إليه، كل شهر يمر عليك وأنت صحيح لابد أن تدفع فيه مالاً له، ينبغي أن تدفع له، وهناك يدفعون لهم وهم مُقتنِعون، وطبعاً هو يُعطيك دائماً مُقوِّيات وأشياء وأعشاب ووصفات، دائماً يقول لك خُذ كذا وكذا، ويقول لك طالما أنت صحيح Gesund لابد وأن تُعطيني مالاً كل شهر يا حبيبي، اليوم الذي تمرض فيه لا تُعطني فيه، هل ستقول فقدت الاستشارة؟ هذا نموذج مُختلِف، موديل Model مُختلِف يا حبيبي في عمل الطبيب، مُختلِف! هذا في الصين وهو شيئ جميل.
أنا أعطيتكم موديلاً – Model – مُختلِفاً في خُطبة ربما قبل خمسة أو ستة أسابيع عن أسماء الشوارع، أليس كذلك؟ هذا موجود اليوم في اليابان، هذه اليابان – يُسمونها الــ Japan – لا أوقعني الله فيها إن شاء الله، وإلا سوف أُصبِح مُشتتاً بشكل كبير، عندهم بلوكات Blocks، لا تُوجَد شوارع عندهم، لا يُوجَد شارع مثلنا! حين تذهب لياباني وتسأله عن اسم الشارع سيظل لمدة ساعة يسمعك دون أن يفهمك، سيقول لك نحن في بلوك Block عشرة، ستقول له جيد، شكراً جزيلاً، لكن هذا أي شارع؟ سيقول لك هذا بلوك Block عشرة، ستقول له لا إله إلا الله، أنا أُريد زميلي فلان، سيقول لك هل هو في البلوك Block هذا؟ ستقول له هو في شارع كذا وكذا، لكنه لن يفهم وسيُجنِّنك، منطق هذا! فالفراغات بين البنايات هناك خالية من الأسماء، الفراغات لا تُسمى! يُسمى البلوك Block كُله، الشارع – Street – يكون فيه عشر عمارات أو عشرين عمارة فيُسمونه كله خمسة، وبعد ذلك يُرقِّمون العمارات، والهول الأكبر أن الترقيم غير منطقي وغير مُرتَّب، فهو بحسب تاريخ بنائها، لو بُنيت العمارة الأولى هنا سيُعطونها رقم واحد، لو بُنيت العمارة الثانية قبلها سيُعطونها رقم اثنين، ويتعاملون معها بمُنتهى السلاسة، شيئ مُحيِّر! لكنهم يرون أن هذا شيئ عادي، يقولون لك هذا عادي، ما الأمر؟ لماذا أنت تستغرب من هذا؟ وحين يأتون إلى الغرب يُصدَمون في البداية، يقول لك أحدهم أين بلوك Block كذا؟ فتقول له بلوك Block ماذا؟ هنا تُوجَد أحياء، فيقول لك لا، أنا أُريد البلوك Block، فتقول له لا يُوجَد عندنا بلوك Block، عندنا شارع كذا، فيقول لك ما الشارع؟ فتقول له الشارع أو الجدة، فيقول لك ما الشارع هذا؟ ما الجدة هذه؟ فتقول له هذا شارع رقم كذا وكذا، أي أن هؤلاء المساكين لن يفهموا، هذا نموذج مُختلِف، هل اليابانيون أغبياء؟ ليسوا أغبياء، هم أذكياء جداً، علماً بأنه لا يُوجَد شعب غبي وما إلى ذلك، يُوجَد شعب مُختلِف، إنه مُختلِف فقط! اليوم أكثر الناس تبجحاً في الشيئ هذا هم الغربيون بصراحة، لكنهم بدأوا يتحللون من هذا، عندهم تبجح رهيب يا أخي، أي شيئ لا ينطبق معهم يعتبرون أنه غبي، غير مفهوم، غير منطقي، وسخيف، يُعطونه ألفاظ كثيرة! ما هذا؟ لا يا حبيبي، مُختلِف فقط! هو مُختلِف، فلا تُعطه هذه الألفاظ الخاصة بك، هو مُختلِف، بالعكس! هذا جميل، ما دام هو مُختلِف دعني أختبره، لابد من احترام الاختلاف وتقديس الاختلاف كما قال مونتين Montaigne، هذا كان من أسياد الشُكّاك في القرن السادس عشر، الفيلسوف والسياسي مونتين Montaigne، ميشيل دي مونتين Michel de Montaigne! أعطى الشك زخم قوي جداً، كان صاحبه أتين دي لابويسيه Étienne de La Boétie صاحب العبودية الطوعية، وكان يُحِبه كثيراً! أي كان يُحِب لابويسيه La Boétie كثيراً، فسألوه ما سر محبتك له؟ فقال لأنه هو هو وأنا وأنا، انظر إلى هذا الرجل، لأنه مُختلِف قال، هو غيري! ولذلك أنا أُحِبه، وفعلاً هذا الجميل، كيف تُحِب الصورة نفسها؟ هذا شيئ قبيح، أنا أعتقد كل إنسان يُطيل النظر لنفسه في المرآة ويكون مُعجَباً حتى بصورته – هذا مُصاب بالنرجسية – هو إنسان عقيم وعاقر، لا يُمكِن أن يُولِّد شيئاً! حين تنظر إلى نفسك ماذا ستُخرِج من نفسك؟ أنا أنظر إليك يا أخي، تبسمك في وجه أخيك صدقة، أنظر إليك وتنظر إلىّ، شيئ مُختلِف! أليس كذلك؟ ولذلك تجد أن العباقرة – أنا رأيت هذا – والناس الذين عندهم اتزان نفسي لا يُحِب الواحد منهم أبداً التحديق في نفسه في المرآة كثيراً، ينظر للضرورة فقط! كأن يُمشِّط شعره ثم يذهب، مع السلامة! لكن مَن يجلس ويُحدِّق في نفسه لمدة رُبع ساعة أو نصف ساعة وما إلى ذلك هو إنسان عقيم، وأنا أقول لكم هو غير مُبدِع، لا يُمكِن أن يكون هذا إنساناً مُبدِعاً، لا يُمكِن! وجرِّبو هذا، فهو مقياس، لا يُمكِن أن يكون مُبدِعاً.
نكتفي بهذا القدر، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
أضف تعليق