الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً.
أما بعد، إخواني وأخواتي:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، في الدروس السابقة قسَّمنا القضية الحملية، أي الــ Categorical proposition، قسَّمناها باعتبار الموضوع، أي باعتبار موضوعها! إلى ماذا؟ إلى قضية شخصية، إلى قضية طبيعية، إلى قضية مُهمَلة، وإلى قضية محصورة، وقسَّمنا المحصورة إلى كُلية وجُزئية، وباعتبار الكيف قسَّمناها إلى سالبة ومُوجِبة، وتقريباً أجرينا أو اطردنا التقسيم ذاته في القضية الشرطية، مُتصِلةً ومُنفصِلةً، أليس كذلك؟ اليوم والدرس المُقبِل – إن شاء الله – والذي بعده في الحقيقة – لأن الدرس المُقبِل سيكون تتمة لهذا الدرس المُطوَّل – في غاية الأهمية، اليوم سنتكلَّم عن تقسيم يختص بالحملية، لا ينطبق على الشرطية، وفي الدرس الذي بعده – أي بعد الدرس الثاني إن شاء الله – سنتحدَّث عن تقسيم يختص بالشرطية، وليس له علاقة بالحملية، إذن صارت التقسيمات بشكل عام كالآتي: هناك تقسيم يعم كلا النوعيني القضايا، أي حملية وشرطية! هناك تقسيم يختص بالحملية، وهناك تقسيم يختص بالشرطية.
واليوم سنأخذ كما قلنا – تقسيماً جديداً، هذا التقسيم ثلاثي، باعتبارات ثلاثة! أول اعتبار سيكون باعتبار وجود موضوعها لكن في المُوجِبة وليس السالبة، وجود الموضوع! إذن سنقول الاعتبار الأول باعتبار وجود موضوع الحملية – سنقول الحملية لكي نتذكَّر أن هذا الكلام في الحملية فقط – في المُوجِبة، لماذا ليس في المُوجِبة والسالبة؟ سوف نفهم بعد قليل لماذا، سوف نفهم! لأن السالبة تصدق حتى مع انتفاء موضوعها، المُوجِبة ليست كذلك، لا تصدق إلا مع وجود موضوعها، هذه من قواعد علم المنطق، لذلك قلنا في المُوجِبة، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: إلى ذهنية، إلى خارجية، وإلى حقيقية.
نأتي إلى أول شيئ، نحن طبعاً عندنا الآن تصور واضح – أعتقد – وراسخ للقضية الحملية، والتي أركانها بشكل عام كم؟ ثلاثة: الموضوع، المحمول، والرابطة التي بينهما، هل هذا جيد؟ وقد تكون سلبية وقد تكون مُوجِبة، جميل جداً! هذا معنى القضية، الآن ثبوت المحمول للموضوع فرع ثبوت الموضوع بذاته، أي لا يُمكِن أن يكون المحمول ثابتاً للموضوع إلا إذا كان الموضوع ثابتاً، ولذلك يقولون – كلمة مشهورة هذه في الفقه، في الأصول، وفي المنطق – العرش ثم النقش، وأنا دائماً أستخدم هذه، أقول ثبِّت عرشك ثم انقش، أليس كذلك؟ أثبت نسباً ثم طالب بالميراث، هذا هو طبعاً! لا تقل لي فلان يرث أو الكيان الفلاني – مثلاً – من غير أن يُوجَد، لا تقل لي العاصب يرث كذا وكذا من غير أن يُوجَد عاصب، هذا غير معقول! لا تقل لي الزهرة فوّاحة ولا تُوجَد زهرة، أي لا يُنسَب الفوح إلى زهرة غير موجودة، أليس كذلك؟ لابد في الأول أن تكون الزهرة موجودة، ثم ننسب لها الفوحان، هذا معنى قولهم العرش ثم النقش، لكي تتحدَّث عن النقش على العرش لابد أن يُوجَد عرش، لكي تُطالِب بميراث لوارث لابد أن يكون الوارث موجوداً، هل فهمتم كيف؟ وهذا يعني لكي نتكلَّم عن حمل المحمول على الموضوع لابد أن يكون الموضوع ثابتاً وموجوداً، هذا طبيعي! لكن هذا في ماذا؟ في المُوجِبة، الزهرة فوّاحة، العاصب له كذا وكذا من الميراث، هذا في المُوجِبة، أما السالبة فتختلف، يُمكِن أن تحمل المحمول على الموضوع مع انتفاء الموضوع، الموضوع ليس موجوداً، ويُمكِن حتى أن يستحيل وجوده، انتهى! هذا مُستحيل، لماذا؟ لأنهم قالوا السالبة تصدق بانتفاء الموضوع، علماً بأنهم يقولون بـــ ، وأنا أرى أن هذا تعبير خاطئ في كل كُتب المنطق، ليس بـــ وإنما مع، وسوف ترون الفرق، الذي يقرأ في كتاب منطق عليه أن يُصلِّح هذا، كلهم يقولون بــ وهذا غلط، هذه ترجمة رديئة من أيام المُترجِمين الأوائل لمنطق أرسطو Aristotle، وإلى اليوم يجرون عليها، وأنا غير قادر على أن أفهم لماذا، هذا ضعف لُغوي، ليست السالبة تصدق بـــ وإنما تصدق مع، تصدق مع انتفاء الموضوع، أي السالبة تصدق حتى مع انتفاء الموضوع، لماذا؟ كما نقول أبو عيسى أو والد عيسى لم يأكل ولم يشرب ولم ينم ولم يأت النساء ولم… ولم… ولم… هذا مضبوط، لأنه لم يكن من الأصل والد عيسى، عيسى ليس عنده أب، ويُمكِن أن تحمل عليه كل هذه الأشياء منفيةً، تسلبها عنه لأنه عدم، ليس مخلوقاً ولن يُخلَق، انتهى! هذا يجوز، هذه قضية صحيحة، والد عيسى لم يأكل ولم يشرب ولم ينم ولم يأت النساء ولم… ولم… ولم…، كما تقول العنقاء ليست عاشبة ولا لحمة ولم تطر ولم تبض، كل ما تُريده هو صحيح، لأن العنقاء لم تُوجَد أصلاً، وانف عنها كل ما تُريد، هذا مضبوط! فالسالبة تصدق مع انتفاء موضوعها، لأن العنقاء هذه – مثلاً – غير موجودة، لم تُوجَد هذه يوماً، الرُخ لم يُوجَد يوماً، أليس كذلك؟ وكذلك الواق الواق، جزيرة الواق الواق ليست آمنة ولا مأهولة أو ليست مُوحِشة ولا… ولا… قل كل ما تُريد، وانف عنها كل ما تُريد، لأن لا يُوجَد أي شيئ اسمه جزيرة الواق الواق، فالسالبة تصدق مع انتفاء موضوعها، هذا أدق من قولهم السالبة تصدق بانتفاء موضوع، ليس بانتفاء وإنما مع انتفاء، مع انتفاء موضوعها! لأنها تصدق في بعض المرات التي يُوجَد فيها موضوعها، فليس شرطاً أن يكون موضوع السالبة غير موجود لكي تصدق، هذا معنى قولهم بــ وهذا غلط، هذا التعبير غير جيد وهو غالط، لا أدري لماذا يُقلِّد بعضهم بعضاً، هذا تقليد بسبب الهيبة، ليس حتى بسبب هيبة التجديد وإنما بسبب هيبة الانتقاد، ما دام قالوا بــ فدعونا نقول بــ ، وهذا تعبير ركيك جداً وضعيف وغير صحيح، السالبة تصدق مع، أي حتى مع انتفاء موضوعها، طبعاً تصدق بوجود موضوعها، أليس كذلك؟ محمد – صلى الله عليه وسلم – ليس كذّاباً، مُسيلمة ليس رسولاً، هذه سالبة صادقة، أليس كذلك؟ مع وجود الموضوع، مع وجود الموضوع هي صادقة طبعاً، فهذا التعبير هو التعبير الصحيح.
الآن كلامنا سيكون في المُوجِبة، انتهينا من السالبة، أليس كذلك؟ كلامنا الآن عن المُوجِبة، لأننا نتكلَّم عن وجود الموضوع فقط، إذا لم يكن هناك موضوع فهذا سيكون موضوعاً ثانياً، ونحن انتهينا منه! فكلامنا عن وجود الموضوع، هذا الموضوع أحياناً قد يكون وجوده في الذهن وليس في الخارج، الموضوع قد يكون وجوده في الذهن! ونحن حين نصوغ القضية هذه يكون التفاتنا إلى الوجود في الذهن، كما نقول – مثلاً – كل بحر زئبق وكل جبل ياقوت مُمكِن الوجود، كان يُمكِن أن يخلق الله بحراً من زئبق وجبلاً من ياقوت، وهذه قضية صحيحة، أليس كذلك؟ لكن الآن جبل الياقوت وبحر الزئبق هل لهما وجود خارجي؟ هل لهما وجود حقيقي؟ أين وجودهما؟ في الذهن، مُخك يفترض هذا، وبعد ذلك يحمل على هذا الموضوع أحكاماً، ماذا حمل عليه هنا؟ حمل عليه حُكماً فلسفياً، وهو الإمكان، لأن الإمكان من المفاهيم الفلسفية، ليس من المفاهيم الماهوية ولا المنطقية، الإمكان، الاحتياج، الضرورة، الامتناع، والعلية – العلة والمعلوم – أيضاً، و… و… و… إلى آخره! هذه المفاهيم كلها يُسمونها المفاهيم الفلسفية، فهنا – هذا استطراد لكي نُذكِّركم بالمعلومات – حمل عليه – أي حمل على هذا الموضوع الذهني الذي لا وجود له إلا في ساح أو في حاق الذهن – مفهوماً فلسفياً وهو الإمكان، مُمكِن الوجود!
نفس الشيئ مع الآتي، العنقاء مُمكِنة الوجود، العنقاء تُوجَد في الذهن، لا تُوجَد في الخارج، لم يُخلَق شيئ اسمه العنقاء، طائر مثل الجبل وعنده جناحان وما إلى ذلك، بيولوجياً في علم الإحياء يستحيل أن يُوجَد طائر بالحجم هذا، لن يقدر على الطيران، هذا غلط، هذا كله كذب! فهذه خُرافة من خُرافات الأولين، لكن العنقاء مُمكِنة الوجود، العقل لا يُحيل وجودها، العلم فنياً ولأشياء مُعيَّنة طبيعية يُحيل، لكن العقل نفسه لا يُحيل وجودها.
أحياناً الذهن يحمل المحمول على موضوعه – أي الحُكم، فهو يحكم، هذا الحمل يُسمونه ماذا؟ الحكم – ويحكم بمُلاحَظة الأفراد الموجود في الواقع وفي الخارج، الموجودة حقيقةً! هذا يعني أنه حتى يقدر على أن يُلاحِظ تحقق الوجود نفسه طبعاً، كما نقول – مثلاً – كل الحاضرين لخُطبة الجُمعة فيما نعلم – نعرفهم نحن – يسمعون الخطيب لأنه يتكلَّم في المايك Mike أو في الميكروفون Microphone، صوته عالٍ جداً، فكل الحاضرين يسمعونه، فالآن نقول كل الحاضرين أو كل المُستمِعين أو كل حضور الجُمعة أو خُطبة الجُمعة، ماذا يُراعى في ذلك؟ الأفراد الحقيقيين، هؤلاء موجودون اليوم في المسجد، ويُمكِن أن نُحدِّدها حتى فنقول كل حاضري خُطبة الجُمعة في مسجد الشورى مثلاً، فأنت تتكلَّم عن أفراد حقيقين، عن أناس تعرفهم ويُمكِن أن تعدهم وأن تُسميهم أيضاً، لا تتكلَّم كحقيقة أو كقانون، أي كقانون هكذا! أرأيت؟ لو تكلَّمت كقانون سيختلف الأمر، حين تقول – مثلاً – كل معدن يتمدَّد بالحرارة وينكمش بالبرودة هل تقصد أفراد حقيقية أو أفراد مُتحقِّقة وبعضها لم تتحقَّق ويُمكِن أن تتحقَّق؟ تقصد الاحتمال الثاني، أنت تقصد بكل معدن الموجود والذي لم يُوجَد لكن يُمكِن أن يُوجَد بعضه ويُمكِن أن يتحقَّق، هذه يُسمونها ماذا الآن؟ هذه يُسمونها الحقيقية، الجُملة الخاصة بجماعة الشورى حقيقية، كما قلنا هم أفراد مُتحقِّقون.
تقول – مثلاً – كل رجل في الجيش مُتدرِّب على حمل السلاح، أنت تقصد أفراد حقيقيين دخلوا الجيش وتدرَّبوا، تتكلَّم عنهم هكذا، بالعقل يُمكِن أن يدخل أحدهم الجيش ولا يتدرَّب، لكن أنت تقصد الواقع، في الواقع هذا يحدث، مَن يدخل الجيش لابد وأن يتدرَّب، لا يُوجَد لعب، أليس كذلك؟ هو هذا! فأنت تلحظ مَن؟ الأفراد الحقيقيين المُتحقِّقين في الواقع، يُسمون هذه قضية خارجية، ليست ذهنية هذه مثل ياقوت وزئبق وعنقاء، لا! هذه خارجية، لكن قضية كل معدن وكل كذا وكذا حقيقية، وكذلك الحال مع الأحكام العامة الاستقرائية وحتى مع الأحكام الشرعية، مثل الماء طهور، أي كل ماء طهور، هذه قضية حقيقية، كل ماء طهور حقيقية، ليست خارجية! حين تقول كل ماء طهور لا تقصد الماء هذا ولا الماء في الصنبور هناك ولا الماء الذي في الزير ولا الماء الذي عندي أو عندي، تقصد كل ماء! الموجود والذي سيُنزِله الله في المطر إلى أن تقوم الساعة، النبي قال الماء طهور لا يُنجِّسه شيئ إلا – حديث ابن ماجه – ما غيَّره، وهذا الحديث ضعيف، أرأيت؟ هو هذا، فأنت تقصد الماء بشكل عام، من حيث أتى! تتكلَّم عن ماهية الماء، الذي وُجِدَ منها والذي سيُوجَد ولم يُوجَد بعد، فهذه يُسمونها القضية الخارجية، والثانية يُسمونها الحقيقة، والأولى يُسمونها الذهنية، هذا كلام سهل، ليسى فيه أي شيئ جديد.
نأتي إلى الاعتبار الثاني، ثانياً سنتكلَّم عن الحملية باعتبار تحصيل موضوعها أو محمولها أو عدولهما، والعدول هو النفي، لكن هذا يختلف عن السلب، ليس مثل الكيف هذا، ليس مثل كيف القضية، أي مُوجِبة أو سالبة، لا! وهذا الشيئ ضروري أن تكتبوه، مُهِم جداً جداً، لماذا؟ الآن موضوع القضية أو محمولها يُمكِن أن يكون شيئاً من الأشياء، أي شيئ من الأشياء! مثل محمد، سعيد، باب، شجرة، وسقف، هذا شيئ! ويُمكِن أن يكون وصفاً، مثل عالم، كريم، سخي، جبان، رعديد، قصير، وطويل، هذه أوصاف! هذا محمول الموضوع، يُمكِن أن يكون كذلك أو كذلك، هل هذا جيد؟
الآن هذا يُمكِن أن يكون ثابتا، غير منفٍ، كما هو! محمد رسول الله، محمد رسول الله قضية مُحصَّلة بالنسبة للمفعول، لا تقل مُحصِّلة، قل مُحصَّلة، هذه قضية مُحصَّلة، محمد رسول الله، فما الفرق بينها وبين القضية المعدولة؟ هل المنفية لن تكون معدولة مثل محمد ليس كاذباً، ومُسيلمة ليس رسولاً؟ لا، انتبه! الآن نأتي إلى العدل، ما العدل هذا؟ العدل أن يدخل على الموضوع أو على المحمول – يُمكِن أن يدخل على المحمول او على الموضوع، ويُمكِن أن يدخل على الاثنين، لا تُوجَد مُشكِلة، عادي أن يدخل على الاثنين – حرف النفي بحيث يُشكِّل مع الموضوع جُزءاً واحداً، هو هكذا! أي ستصير هذه كلمة واحدة وسيُنسَب لها بعد ذلك أحكاماً، يُحمَل عليها المحمول، أرأيت؟ أو الموضوع نقسه يُحمَل عليه المحمول، المحمول نفسه يُمكِن أن تُدِخل عليه حرفاً، ومن ثم سيصير كله على بعضه وكأنه كلمة واحدة، ويُمكِن بعد ذلك أن تسلب عنه هذا، هو نفس معزول، مثل ماذا؟ مثل غير عالمٍ، هكذا! غير عالم ليس مُحصَّلاً، هو معدول، أرأيت؟ غير عالم، كل غير عالم مُستهان به، قلت كل غير! هذه يُسمونها قضية غير مُحصَّلة، كل عالم مُحترَم، هذه قضية مُحصَّلة، كل غير عالم مُستهان، أي به، يُمكِن أن تقول مُستهان فقط، أي مُستهان به، كل غير عالم مُستهان به، فالآن هذه يُسمونها قضية معدولة الموضوع، مُحصَّلة المحمول، لأن مُستهان به غير داخل عليها حرف غير أو حرف لا وما إلى ذلك، إذن صار عندنا المحمول مُحصَّلاً، وعندنا الموضوع معدول، غير عالم، كل غير عالم، هل يُمكِن أن نجعل الاثنين معدولين؟ نعم يُمكِن، في الأول جعلنا الاثنين مُحصَّلين، كل عالم مُحترَم! هذه مُحصَّلة الموضوع ومُحصَّلة المحمول، بعد ذلك جعلناها معدولة الموضوع ومُحصَّلة المحمول، ويُمكِن أن نفعل العكس، فيصير الاثنان مُحصَّلين، فماذا سنقول إذن؟ كل غير جادٍ غير مُوفَّقٍ، هذه يُسمونها قضية معدولة الطرفين، اسمها قضية معدولة الطرفين! الموضوع فيها معدول والمحمول فيها معدول، هل هذا واضح؟ هذا هو، انتهينا من هذا.
نأتي الآن إلى الجُزء الصعب، وهذا سيكون درس اليوم والدرس القادم، علماً بأن الدرس القادم سيكون صعباً جداً، لكن سيكون الأمر جيداً إذا حصَّلت فحواه وفهمته جيداً، من الصعب أن تحفظه كله، فهناك أقسام كثيرة! لكن درس اليوم هو الأساس لفهم الدرس المُقبِل، ثالثاً من جهة النِسَب، جمع نِسبة، النِسَب وليس النَسَب، النِسَب جمع نِسبة، ومن ثم سنتكلَّم عن المُوجَّهات، أتسمع بهذا؟ هذا من أهم مباحث القضايا، التوجيه في القضايا والمُوجَّهات وأقسام المُوجَّهات التي سنذكرها في الدرس القادم وهي مُعقَّدة، لكن اليوم لابد أن تفهم شرح اليوم لكي تفهم الدرس القادم، مُهِم جداً أن تُركِّز الآن، سهل وجميل درس اليوم أيضاً، ليس صعباً.
انظروا يا إخواني، يُوجَد شيئ يُسمونه مادة القضية ويُوجَد شيئ يُسمونه جهة القضية، مادة القضية وجهة القضية! نبدأ بالمادة، أي مادة القضية، انتبهوا! أي قضية؟ هذه القضية الشرطية أو الحملية؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور الحملية، فأكَّد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم على أنها حملية، ثم قال نحن قلنا اليوم تقسيمات اليوم تختص بالحملية، ليس لها علاقة بالشرطية، هذا كله في الحملي، هل فهمتم؟ درس اليوم والدرس المُقبِل فقط في الحمليات، ولا ينطبق على الشرطيات، هذا كلام في الحملي حتى لا تُخربِطوا، فنحن عندنا مادة القضية، ما معنى مادة القضية؟ قلنا عندنا موضوع، عندنا محمول، وعندنا الرابطة بينهما، أليس كذلك؟ جميل! الآن كل محمول حين يُحمَل على موضوعه يُحمَل عليه بكيفية مُعيَّنة، أي في الواقع وفي نفس الأمر، نسبة المحمول للموضوع لابد أن تكون واحدة من ثلاث، لابد من هذا! كيف؟ لو قلنا الله موجود الآن سنكون حملنا ماذا على ماذا؟ الوجود على الله، أي حملنا موجوداً على الله، الله موجود! هذا هو، وجود الله مُمكِن أو ضروري أو مُستحيل؟ ضروري، الله واجب الوجود، ماذا يقول علماء الكلام والعقيدة هنا؟ الله واجب الوجود، هم لا يقولون موجود، لأن أنا موجود، أنت موجود، وهذا موجود، فهم لا يقولون هذا، فهماً منهم وبدقة يقولون الله واجب الوجود، فصرَّحوا بجهة القضية، وهي ماذا؟ جهة الوجوب، الله ضروري الوجود، ما معناها؟ أي واجب الوجود، الضرورة هي الوجوب، نفس الشيئ! مُصطلَحان بنفس المعنى، فحين نقول الله ضروري الوجود أو الله واجب الوجود ستكون هذه القضية مُوجَّهة، ما معنى مُوجَّهة؟ صرَّحنا فيها بالنسبة، بجهة النسبة!
نُريد أن نُوضِّح هذا الكلام كما قلنا، الآن نسبة المحمول للموضوع في نفس الأمر وفي الواقع لا تخرج عن واحدة من ثلاث، أولاً الوجوب، يُساوي ماذا الوجوب كما قلنا قبل قليل؟ (ملحوظة) قال بعض الحضور الضرورة، فأكَّد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم على صحة أنه يُساوي الضرورة، وقال أحسنتم! الوجوب هو الضرورة، ما معنى الوجوب أو الضرورة؟ معناه أن المحمول يُنسَب أو يُحمَل على موضوعه لذاته – لذات الموضوع وليس لاعتبارات أُخرى خارجية – على جهة الوجوب، الضرورة! ويمتنع سلبه عنها، لا تُوجَد إمكانية لهذا، ليس بحسب مزاجك الأمر، هو هكذا! نأتي ونقول الإنسان – مثلاً – حيوان، حمل الحيوانية على الإنسان للإمكان أو الضرورة أو الامتناع والاستحالة؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور للإمكان، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، هذا غير صحيح، هل هناك إنسان في الكون كله – وُجِد أو سيوجد – ليس حيواناً؟ إذا هو إنسان فهو حيوان، أنت حين تُعرِّف الإنسان – هذه ماهية الإنسان – تقول حيوان ناطق، أليس كذلك؟ هذا ذاتي، كيف لا يكون الذاتي ضرورياً وهو ذاتي؟ مفهوم إنسان نفسه يُساوي مفهوم حيوان ناطق، الإنسان حيوان ناطق! أرأيت كيف هو العلم؟ ما أخذت كله سوف يُسعِفك الآن أو يخذلك، بحسب استذكارك وفهمك له، نقول الإنسان حيوان ناطق، الحمل هذا حمل شائع صناعي مُتعارَف أو حمل أولي ذاتي؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور أولي، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم حمل أولي ذاتي، هل أنت مُتأكِّد؟ هذا عادي وأنت كلامك صحيح، لكن فقط هل أنت مُتأكِّد؟ (ملحوظة) قال المُجِيب إنه مُتأكِّد، فقال فضيلته لماذا إذن؟ ما الحمل الأولي الذاتي؟ هذا كله تعليق على كلمة أخينا هنا، لكي نتكلَّم ونعرف الجواب، لماذا؟ ما الحمل الأولي الذاتي؟ (ملحوظة) ذكر أحد الحضور الحمل الشائع، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، الشائع عكسه، ثم أجاب أحدهم بإجابة صحيحة لكنها غير واضحة، فقال له فضيلته هذا الكلام صحيح، صحيح بنسبة مائة في المائة الآن، لكن وضِّح للناس الذين يسمعون لأول مرة الكلام هذا المعنى، باختصار الحمل الأولي الذاتي حمل الشيئ على نفسه، أي الاتحاد مفهومي، مفهوم إنسان هو نفسه مفهوم حيوان ناطق، أليس كذلك؟ التغاير بالإجمال والتفصيل، إنسان مُجمَلة وحيوان ناطق مُفصَّلة، ويُمكِن أن نُفصِّلها أكثر من هذا، فنقول الجوهر النامي الحسّاس المُتحرِّك بالإرادة الناطق، ما عدا كلمة ناطق سيُساوي كل الكلام الطويل الخطابي كلمة حيوان، نحن قلنا في الحمل لابد في كل حمل أن يُوجَد اتفاق وأن تُوجَد مُغايرة، علماً بأنكم ستحتاجون إلى هذا في الفسلفة أيضاً، انتبهوا! هذه الأشياء لا ينبغي أن تنسوها، ولابد أن تعرفوها كما تعرفون الماء، لابد أن تستذكروها دائماً، ما الماهية؟ ما الوجود؟ ما الحمل الأولي؟ وما الحمل الشائع؟ لابد من هذا، وإلا لن تُوجَد إمكانية لكي تعرفوا الفلسفة والمنطق، ولن تستوعبوا أبداً المفاهيم هذه كلها، هذا ضروري! لابد أن تفهموا هذا بشكل جيد، فهذا الحمل الذاتي، اسمه الحمل الذاتي! أي حمل الشيئ على ذاته، وهذا يعني وجود اتحاد مفهومي، هناك اتحاد مفهومي! ما هو الإنسان؟ الإنسان هو الحيوان الناطق، ما هو الحيوان الناطق؟ الحيوان الناطق هو الإنسان، لكن نحن قلنا في الحمل لابد في كل حمل أن يُوجَد اتفاق وأن تُوجَد مُغايرة، أليس كذلك؟ وإلا لو لم تُوجَد مُغايرة ومن كل وجه لن يُوجَد أي معنى للكلام، كأنك تقول الإنسان الإنسان أو الحيوان الناطق الحيوان الناطق، هذا كلام فارغ، هذا اسمه حشو، أليس كذلك؟ لابد من وجود مُغايرة، ولو حتى باعتبارات! هنا تُوجَد مُغايرة باعتبار الإجمال والتفصيل، مُغايرة اعتبارية وليست حقيقية مفهومية، الحمل الشائع ليس حمل شيئ على ذاته، هو الذي يُلاحَظ فيه المصاديق الخارجية، مثلما نقول ضرب فعل، يضرب فعل، واضرب فعل، أليس كذلك؟ لكن ما هو الفعل؟ تعريفه مفهومياً هو الذي لا يُخبَر عنه، هذا حمل ذاتي أولي، أرأيت؟ حين نقول الفعل هو الذي لا يُخبَر عنه يكون هذا حملاً ذاتياً أولياً، المُجمَل هو الذي لا يستبين معناه، هذا حمل ذاتي أولي! قُر، مُجمَل: حمل شائع. فَعَلَ، فِعلٌ: حمل شائع. افْعلْ، فِعلٌ: حمل شائع، احفظ هذا، هو سهل لكنه مُهِم جداً جداً في الفلسفة والمنطق، انتبه!
نرجع الآن مرة ثانية، إذن حين نقول الله – تبارك وتعالى – موجود تكون هذه قضية غير مُوجَّهة، لماذا؟ لم يُصرَّح فيها بالجهة، لكن لو قلنا الله موجود ضرورةً، الله واجب الوجود، الله ضروري الوجود، والله موجود ضرورةً أو وجوباً ستكون كل هذه قضايا مُوجَّهة، فهمنا ما هو الوجوب؟ هذا أولاً، هذا هو الوجوب أو الضرورة، حمل المحمول أو نسبة المحمول إلى الموضوع على جهة ماذا؟ الضرورة، بحيث يمتنع سلبه عنه، لا تقدر على هذا!
الآن سألتكم سؤالاً جعلنا نُطوِف هذا التطواف السريع، لكن هذا شيئ مُهِم، في كل مرة لابد أن نُراجِع وأن نتذكر لكي ترسخ الأشياء، على كل حال حين نقول الإنسان حيوان تكون هذه قضية غير مُوجَّهة، أليس كذلك؟ قلنا حيوان! لكن لو قلنا الإنسان بالضرورة حيوان أو الإنسان حيوان وجوباً أو الإنسان حيوان بالوجوب أو بالضرورة ستكون هذه قضية مُوجَّهة، هذا صحيح! نحن ذكرنا وصرَّحنا، لكن لو نُصرِّح ستبقى غير مُوجَّهة، ومن ثم سأسأل وأقول الإنسان حيوان ضرورةً أو ليس ضرورةً؟ ستقول لي ضرورة طبعاً، ضرورة! لأن الحيوانية ذاتي للإنسان، لكي تُعرِّف الإنسان لابد وأن تُعرِّفه بالذاتي، فكونه حيواناً هذا ذاتي وكونه ناطقاً هذا ذاتي آخر له، وهذا تمام الماهية، ما الإنسان؟ حيوان ناطق، هذا تمام الماهية! هل فهمنا ورأينا؟ هذا هو.
العرضي ما هو؟ هذا الذاتي، فما العرضي؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور العرض العام والخاصة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم فقط هذا هو، العرض العام والخاصة فقط، سيظل عندنا النوع والجنس والفصل، هذه ذاتيات، هذا ما يتكوَّن به ذات الشيئ، أي شيئ! إنسان أو حائط أو أي شيئ تُريد أن تُعرِّفه، الذاتيات والعرضيات! فلا يُمكِن أن تسلب ذات الشيئ عنه، وإلا ستكون سلبته نفسه، هل فهمت ما قصدت؟ هذا هو طبعاً، فأنت حين تُعرِّف الشيئ بواحد من ذاتياته لابد أن يكون هذا ضرورياً، أرأيت؟ هذا يرتبط بالدروس السابقة طبعاً، لابد أن تُعرِّف الشيئ بذاته، طبعاً هذا ضروري! الإنسان حيوان ضرورةً، ليس إمكاناً وليس امتناعاً طبعاً، وإلا كيف تقول إنه حيوان؟ إذن ستكون هذه قضية كاذبة، لو قلنا الإنسان حيوان والنسبة امتناع سيعني هذا أن القضية كاذبة، فالإنسان ليس حيواناً، لكن هو حيوان، وهذا يعني أن كلامك غالط، أليس كذلك؟ هذه واضحة!
ثانياً الامتناع، وهو عكس الوجوب تماماً، يُساوي ماذا؟ عنده مُصطلَح ثانٍ يُسمونه ماذا؟ الاستحالة، طبعاً يقولون الاستحالة، في المنطق يستخدم الوجوب والامتناع والإمكان، في علم الكلام عندنا – أي في علم العقيدة عندنا بالأسلوب العقلي – يستخدمون الضرورة والاستحالة والإمكان، هكذا! هذه مُصطلَحات، هذا نفس الشيئ، فالامتناع عكس الوجوب تماماً، معناه استحالة ثبوت المحمول للموضوع، أي يجب سلبه عنه، يجب سلبه! عكس الوجوب تماماً، كاستحالة – مثلاً – اجتماع النقيضين، أليس كذلك؟ النقيضان لا يجتمعان، صرِّح لي بجهة القضية، النقيضان لا يجتمعان! ستقول ضرورة، ضرورة لا يجتمعان، لأن من المُستحيل أن يجتمعا، مُستحيل أن يجتمعا، أي بالضرورة! ستقول في الاثنتين تُوجَد ضرورات، وهذا صحيح طبعاً، (ملحوظة) ذكر أحد الحضور أنهما مُختلِفتان، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، هنا ضرورة إيجاب وهنا ضرورة سلب، احفظ هذا! لذلك تُسميان بالضرورتين، ما معنى الضرورتين؟ ضرورة الإيجاب وهي الوجوب وضرورة الامتناع وهي الاستحالة، فهذه ضرورة وهذه ضرورة، اسمهما الضرورتان.
آخر شيئ الإمكان، الإمكان هو سلب الضرورتين، الآن فهمتم أن هناك ضرورتين، أليس كذلك؟ الآن جاء تعريف الإمكان، الإمكان يُساوي سلب الضرورتين، أي ضرورة؟ ضرورة الإيجاب وضرورة الامتناع، هذه اسمها ضرورة وهذه اسمها ضرورة، الاثنتان ضرورتان، هذا الإمكان اسمه الإمكان الخاص، أو يُسمونه الإمكان الحقيقي، من هنا الآن سيبدأ شيئ جديد عليكم ومُهِم أن تحذقوه، لابد أن تفهموا الفرق بين الإمكانين، أي الإمكان الخاص وهو الإمكان الحقيقي والإمكان العام، الإمكان الخاص فرغنا الآن من شرحه أو من تعريفه، هو سلب الضرورتين، فالآن نتحدَّث عن وجود الإنسان، نقول الإنسان موجود، نُريد أن نرى مادة القضية، ما حقيقية النسبة بين المحمول والموضوع؟ هل بالضرورة أن يُوجَد الإنسان؟ هل كان لازماً أن يكون الإنسان موجوداً؟ ليس شرطاً طبعاً، لو لم يُرِد الله أن يُخرِجنا لما أخرج الإنسانية كلها ولانتهى الأمر، عادي! هل مُستحيل أن يُوجَد الإنسان؟ لو استحال أن يُوجَد فقد وُجِد، هذا غير صحيح! كيف تقول لي هذا مُستحيل ونحن موجودون؟ فكيف هذا مُستحيل؟ هذا كلام فارغ، أليس كذلك؟ هذه أسهل في نفيها، هذا الكلام باطل، الإنسان ليس مُستحيلاً أن يُوجَد، وإلا كيف وُجِد وهو يتكلَّم؟ لكن هل يجب أن يُوجَد؟ لا، لا يجب أن يُوجَد؟ الوجود الواجب الوحيد هل تعرف هو وجود مَن؟ وجود الله، فقط! أي وجود آخر غير وجود الله هو وجود مُمكِن، ما معنى وجود مُمكِن؟ يستوي طرفاه، كان يُمكِن ألا يُوجَد ويُمكِن أن يُوجَد، فالضرورتان مسلوبتان، هو ليس ضروري العدم وليس ضروري الوجود، أرأيت؟ هذا هو معناها، ليس ضروري العدم وليس ضروري الوجود، لو كان ضروري الوجود لما خُلِق، لكان خالقاً، هذا سيكون الله، لن يكون مخلوقاً، ولو كان ضروري العدم لما وُجِد، وهو موجود! هذا يعني أنه ليس ضروري العدم وليس ضروري الوجود، هو مُمكِن! هذا يُسمونه ماذا؟ الإمكان الخاص، وحين نقول هذا مُمكِن نقصد دائماً الإمكان الخاص، هكذا حين تسمع كلمة مُمكِن أو إمكان اعلم أن هذا الإمكان الخاص، وهم يُسمونه الإمكان الحقيقي.
ستقول لي هل هناك إمكان ثانٍ؟ نعم، يُوجَد إمكان اسمه الإمكان العام، وهو الذي يجري ويتردَّد على ألسنة العوام، الإمكان العام! مُهِم جداً الآن أن نفهمه، لأن الإمكان العام غير داخل في مادة القضية، ما الداخل في مادة القضية؟ الوجوب والامتناع والإمكان الخاص، هذه مواد القضية!هذا مُهِم لكي نُفرِّق، ذكِّروني بها بعد ذلك وسوف أذكرها، الإمكان العام لا يدخل في المادة، يدخل في الجهة، وسوف نرى الفرق بين جهة القضية ومادة القضية، ما الإمكان العام؟
الإمكان العام يا إخواني سلب إحدى الضرورتين، وليس كلتا الضرورتين، وهذا فارق ما بينه وبين الإمكان الخاص، الإمكان الخاص سلب لأي ضرورة؟ للاثنتين معاً، لضرورة الإيجاب وضرورة الامتناع، مسلوبتان كلتاهما! أما الإمكان العام فهو سلب لإحدى الضرورتين، أليس كذلك؟ وهذا يعني أن ترك الأُخرى في حاق الاحتمال، مُمكِن أن تُوجَد ومُمكِن ألا تُوجَد، افهموا! هذا معناها، هذا اسمه الإمكان العام، مثل ماذا؟ سنأخذ في جهة الإيجاب وسنأخذ في جهة السلب، حين نقول الله – تبارك وتعالى – مُمكِن الوجود هل يكون هذا التعبير صحيحاً؟ طبعاً يكون صحيحاً، قد تقولون غير صحيح بحسب المعلومات الجديد، لكن الآن أتينا بشيئ جديد، انتبهوا! بحسب المعلومات القديمة طبعاً الله واجب الوجود، ضروري الوجود، لكن هذه المعلومات عمرها الآن دقيقتان، مع العلم الجديد يختلف الأمر، هذا صحيح، هذا التعبير صحيح! أرأيتم؟
فقلْ لمنْ يدَّعِي في العلمِ فلسفة ً حفِظْتَ شَيئًا وغابَتْ عنك أشياءُ.
هذه فعلاً مُشكِلة الثقافة البتراء، سماها ابن سينا الفطانة البتراء، هناك مَن يعرف شيئاً ولا يعرف أشياء، فكل ما تعلَّمه هو الإمكان الخاص مثلاً، ولم يسمع في حياته مرة بالإمكان العام، رُغم أن كُتب الفلسفة مليئة به، ولا يُمكِن أن تفهم الفلسفة من غير الإمكان العام، مُستحيل! لكنه لم يدرسه، درس صفحات في العلم طيلة حياته ثم قال لا، هذا غلط، أجمع الفلاسفة على كذا وكذا، ومن ثم سنقول له أنت لا تفهم رأسك من رجليك، هو غير فاهم! أبو نواس قال له:
فقلْ لمنْ يدَّعِي في العلمِ فلسفة ً حفِظْتَ شَيئًا وغابَتْ عنك أشياءُ.
وهذا صحيح، هذا الكلام صحيح، وهذا التعبير سليم، لكن المقصود بالإمكان هنا ليس الإمكان الخاص وإنما الإمكان العام، لأن لو هذا كان مُمكِناً بالإمكان الخاص سيكون هذا أكبر باطل، لأن الإمكان الخاص هو سلب الضرورتين، أي وجود غير ضروري وعدمه غير ضروري، فهل وجود الله غير ضروري؟ هو الوجود الوحيد الضروري، أليس كذلك؟ ومن ثم سيصير هذا باطلاً، هذا سيكون باطلاً إذا أردت الإمكان الخاص، كلام فارغ هذا! أليس كذلك؟ لكن لو أردنا الإمكان العام سيكون هذا كلاماً صحيحاً بنسبة مائة في المائة، والإنسان مُمكِن الوجود أيضاً! الله مُمكِن الوجود والإنسان مُمكِن الوجود، كلاهما تعبير صحيح، كيف؟ دعونا نرى!
الآن لو قلنا الله مُمكِن الوجود ماذا سيكون المسلوب؟ أي ما المُستحيل؟ سلب ضرورة العدم، الله مُستحيل أن يكون غير موجود، لكن الآن هو موجود، فهل هو موجود بالإمكان الخاص أو موجود بالوجوب؟ بحسب البراهين موجود بالوجوب، أرأيت؟ فهذا معنى الإمكان العام، يسلب إحدى الضرورتين، حين تقرأ التعبير ستفهم ما الضرورة المسلوبة، هنا قال الله مُمكِن الوجود، ما المسلوب إذن؟ العدم، أليس كذلك؟ سلب ضرورة العدم، العدم مُستحيل أن يُوجَد، لأن الله مُستحيل أن يُعدَم، هذا مضبوط! فهو موجود، موجود بالإمكان العام! فهذا الوجود الآن هل هو من قبيل الإمكان الخاص أو من قبيل الضروري؟ من قبيل الضروري، لكن في الحالتين مُستحيل العدم، أليس كذلك؟ هذا الكلام صحيح، والبراهين أكَّدته بعد ذلك، حين أبدأ مع مُلحِد – انتبه – نقاشاً عن وجود الله هل أبدأ معه بُمصطلَح الإمكان الخاص أو بالإمكان العام؟ بالإمكان العام، سأقول له الله يا سيدي ويا أخي الله مُمكِن الوجود، لماذا لا يكون هكذا يا أخي؟ لو لم يكن مُمكِن الوجود – لو كان مُستحيل الوجود – ستصير المسلوبة ضرورة الوجود، لن تكون هناك إمكانية للنقاش حوله، وإلا سوف تُناقِشني في ماذا؟ أليس كذلك؟ هذا مُهِم لكي نتدرَّج منطقياً ولكي يكون العقل منطقياً، فلابد وأن نبدأ بالإمكان العام وليس بالإمكان الخاص، نقول له دعنا نتفق يا سيدي على أن هذه الفكرة التي اسمها الله مُمكِنة الوجود، فيُمكِن في النهاية أن أقول لك إنه مُمكِن الوجود طبعاً، ولذلك أنا جئت لكي أُناقِشك، إذا أقنعتني فسوف آمن به، لو لم تُقنِعني فلن أُؤمِن به، هذا مضبوط! هذه بداية صحيحة، لا تقل الله ضروري الوجود، سوف يقول له لا، هذه مُصادَرة عن المطلوب، أنا جئت لكي أٌناقِش وجود الله، فكيف تقول لي إنه ضروري؟ اثبت لي بعد ذلك، هذا لا يصح! أنا جئت من أجل النقاش، هل فهمت؟ هكذا هو التفكير العقلي، فأنت ستبدأ بالإمكان العام، في الإمكان العام ما المعدوم والمسلوب هنا؟ ضرورة العدم، لأن لو كان عدمه ضرورياً لن تكون هناك إمكانية للنقاش حوله من أصله، انتهى! أليس كذلك؟ فلماذا تُناقِشه إذن وأنت تقول إنه ضروري، أي ضروري العدم؟ إذن انتهى الأمر، لن نتناقش حوله، لا تُوجَد إمكانية ولا تُوجَد معقولية للنقاش العقلي أصلاً حوله.
وكذلك الحال مع الإنسان مُمكِن الوجود، نفس الشيئ! ما المسلوب هنا؟ أي ضرورة المسلوبة؟ ضرورة العدم طبعا، ضرورة العدم المسلوبة، الإنسان مُمكِن الوجود بالإمكان العام، هل وجود الإنسان ضروري أو مُمكِن بالإمكان الخاص؟ مُمكِن بالإمكان الخاص، وفعلاً ها هو موجود ويتكلَّم ويُناقِش ويُصدِّع رؤوسنا ورأس نفسه بالقضايا والعلوم والفلسفات والحروب والمشاكل وما إلى ذلك، هذا الإنسان موجود، هذا صحيح! فوجوده اتضح أنه ليس ضرورياً، اتضح أنه مُمكِن إمكاناً خاصاً، هل فهمتم كيف؟ هذا هو تماماً.
نأتي إلى الطرف الثاني، شريك الخالق أو شريك الباري، ماذا عن هذا؟ ما هذا؟ (ملحوظة) قال أحدهم مُمكِن الوجود، فأنكر الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هذه الإجابة وقال هل أهذا مُمكِن الوجود؟ غلط! لو قلت إنه ممكِن الوجود سيعني هذا أنك سلبته ضرورة العدم، هذا غير صحيح! نحن نُريد العكس الآن، شريك الخالق، ماذا سنقول؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور مُستحيل، فأكَّد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم صحة هذه اللإجابة قائلاً مُستحيل الوجود، هذا التعبير الصحيح طبعاً، لكن نظرنا فيه إلى ماذا الآن؟ ليس إلى الإمكان العام طبعاً، نظرنا فيه إلى مواد القضية، ثلاث! أليس كذلك؟ إلى المواد الثلاث، نُريد أن نتناول هذا من جهة الإمكان العام، ماذا سنقول؟ سنقول كما قعلنا قبل قليل، قلنا الله ضروري الوجود، هذه صرَّحنا فيها! بعد ذلك قلنا الله مُمكِن الوجود، والنظر فيه إلى الإمكان العام، الآن شريك الخالق مُستحيل الوجود، تعبير صحيح يُقابِل الله ضروري الوجودي، أُريد تعبيراً ثانياً! شريك الخالق مُمكِن العدم، الإمكان هنا – شريك الخالق مُمكِن العدم – هو إمكان خاص أو إمكان عام، إمكان عام وليس إمكاناً خاصاً، مُستحيل أن يكون إمكاناً خاصاً، لأن شريك الخالق مفهوم مُتناقِض، هل فهمتم كيف؟ هذا في حد ذاته كما تعرفون، جيد! الآن ما المسلوب هنا؟ ضرورة الوجود، هذا صحيح! ضرورة الوجود مسلوبة، مُستحيل أن يكون وجوده ضرورياً، انتبهوا! هذا مُستحيل، لأن الذي وجوده ضروري هو الله، فقط! ظل الآن احتمالان، والحديث عن مُمكِن العدم، هناك احتمال لأن يكون معدوماً بالإمكان الخاص، وهناك احتمال لأن يكون معدوماً بالضرورة، أليس كذلك؟ لأن المسلوب هنا ضرورة الوجود وليس ضرورة العدم، فبقيت ضرورة العدم في حيز الترجيح، ونُريد أن نُناقِش حولها، هذا الصحيح! هل فهمت قصدي؟ هذا الصحيح!
بالدليل الآن شريك الخالق معدوم بالإمكان الخاص أو معدوم بالضرورة؟ بعد الأدلة نقول معدوم بالضرورة، فالمنفي هنا – دقِّقوا – هو ضرورة الوجود، مسلوب! ومُستحيل أن يكون ضروري الوجود، مُستحيل! عدمه معدوم بالإمكان الخاص أو معدوم بالضرورة؟ بالبراهين سيثبت أنه معدوم بالضرورة، لأنه مفهوم مُتناقِض، هذا مفهوم مُتناقِض كما مشروح في كُتب علم الكلام!
الآن يا إخواني آخر نُقطة في درس اليوم، نرجع إلى مادة القضية وجهة القضية، مادة القضية تتحدَّد بإحدى النسب الثلاث: الوجوب، الامتناع، والإمكان الخاص، وهو سلب الضرورتين، هذه مادة القضية، مادة القضية قد يُصرَّح بها، إذا صُرِّح بها كما هي فستصير القضية مُوجَّهة ودائماً الجهة ستُوافِق المادة، هذا هو طبعاً! إذا صُرِّح بالمادة ستصير القضية مُوجَّهة – لأن صُرِّح بالمادة، هذا معنى التوجيه – وجهة القضية ستُساوي تماماً مادتها، كيف؟ نقول الله موجود ضرورةً أو وجوباً، الله موجود، هذه عبارة صحيحة، أليس كذلك؟ لكنها ليست مُوجَّهة، القضية غير مُوجَّهة، لأن لم يُصرَّح فيها بالنسبة بين المحمول وبين الموضوع، وهي واحدة من ثلاثة، بعد ذلك قلنا الله موجود ضرورةً، أي وجوباً، الإيجاب! صُرِّح أو لم يُصرَّح؟ صُرِّح، ما المادة؟ المادة هي الضرورة، هي الضرورة فعلاً! الله بالضرورة موجود، بالإيجاب! هو واجب الوجود، لم نُصرِّح فيها، لكن العقل يفهم ويعرف أن المادة هي الوجوب، وجود الله وجوبي أو ضروري وليس إمكانياً، أليس كذلك؟ فلما صرَّحنا بها صارت القضية مُوجَّهة، هذا التوجيه يُوافِق تماماً المادة، لأن فعلاً مادة القضية هذه هي الوجوب، هذا صحيح! وطبعاً هذا الكلام ليس فيه أي شيئ جديد، يُكرِّر نفسه.
حين نقول شريك الخالق مُمتنِع ضرورةً تعني مُمتنِع أنه مُستحيل، أليس كذلك؟ شريك الخالق مُمتنِع ضرورةً، نفس الشيئ! شريك الخالق مُمتنِع، نعرف المادة وصرَّحنا بها فأصبحت مُوجَّهة، والجهة تُوافِق المادة.
الإنسان موجود إمكاناً أو بالإمكان أو موجود مُمكِن، لو قلنا الإنسان موجود ستكون هذه قضية صحيحة، ما مادتها؟ الإمكان، الإمكان خاصة، سلب الضرورتين، لم يكن لازماً بالضرورة أن يُخلَق، ولا تُوجَد ضرورة لاستحالة لخلقه، وإلا كيف خُلِق؟ لو كان هذا مُستحيلاً لما خُلِق، أليس كذلك؟ فلا هذا صحيح ولا هذا صحيح، الله – عز وجل – شاء أن يُوجِده فأوجده، ولو شاء ألا يُوجِده لما أوجده، هذا صحيح! لأنه مُمكِن، هذا معنى الإمكان الخاص، صرَّحنا بمادة القضية، فأصبحت مُوجَّهة، جميل! إلى الآن الكلام واضح ولم نأت بشيئ جديد، فما الذي يحدث الآن؟ الذي يحدث الآن يا إخواني أن القضية نفسها قد لا يُصرَّح فيها بالمادة، وقد يفهم بعض السامعين أو المُتأمِّلين مادة القضية على جهة سليمة وقد لا يفهم ذلك، قد يُخطئ حتى في فهم المادة.
أولاً إن أخلاها من بيان الجهة تُعتبَر القضية غير مُوجَّهة، يُسمونها مُطلَقة، القضية المُطلَقة أو غير المُوجَّهة! الإنسان موجود، الله موجود، وشريك الخالق مُستحيل أو بالأحرى غير موجود، غير موجود أحسن من كلمة مُستحيل، لأن غير موجود يقصد بها ضرورةً طبعاً، فدعونا نقول غير موجود حتى لا تُخربِطوا، إذن موجود، وغير موجود، لا تُوجَد مادة هنا، وقلنا إذا صرَّحنا بالمادة الصحيحة كما يفهمها العقل فستكون القضية مُوجَّهة والجهة ستُساوي المادة، مادة القضية الإيجاب، الامتناع، والإمكان، هذه المادة! هل هذا جيد؟ لكن عندنا مُشكِلة الآن، عندنا الإمكان العام الذي شرحناه قبل قليل وفرغنا منه للتو، عندنا الإمكان العام ورأينا ما الإمكان العام، سلب إحدى الضرورتين وترك الأُخرى في ساحة الاحتمال بحسب ترجيح الأدلة، هل فهمنا؟ جميل جداً، لذلك أحياناً يأتي أحد يُصرِّح بالجهة ويكون التصريح خاطئاً أو قابلاً للنقاش، فسنُخضِعه لأبحاث الاستدلال والترجيح، هذا هو موضوع الدرس المُقبِل إن شاء الله، سنتكلَّم عن أقسام المُوجَّهات وكيف ميَّزناها وبأي اعتبار، هناك أقسام كثيرة للأسف وهي مُرهِقة، لكن نحن فهمنا اليوم الأساس تماماً، والله – تبارك وتعالى – ولي التوفيق.
أضف تعليق