الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن والاه.
طبعاً كما وعدناكم – إن شاء الله – سنبدأ اليوم الدرس الأول بالمنطق المعروف بالــ Formal logic، أي المنطق الصوري.
لن أخوض في تاريخ المنطق وتاريخ تطور المنطق، هذا موضوع كُتِبت فيه كتابات كثيرة، يزعم الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط Immanuel Kant أن المنطق وُلِدَ كاملاً وتاماً مع شيخ الفلاسفة أرسطو Aristotle، كانط Kant يزعم هذا، أن المنطق وُلِدَ تاماً ومُكتمِلاً مع أرسطو Aristotle، وأنه لم تطرأ عليه أية تغيرات ذات بال أو ذات قيمة بعد أرسطو Aristotle إلى اليوم، أي إلى عهد كانط Kant، وكانط Kant طبعاً مُتوفى سنة ألف وثمانمائة وأربع، أي إلى آخر القرن الثامن عشر، وهذا كلام غير صحيح، في الحقيقة حتى أحد أصدقاء كانط Kant نفسه عمل على تطوير المنطق، لايبنتز Leibniz نفسه عمل على تطوير المنطق، بعد ذلك طبعاً – بعد كانط Kant من القرن العشرين إلى وقتنا هذا – حدث تغيرات وتغييرات وإضافات ثورية في علم المنطق، وُجِدَ حتى منطق جديد، منطق مُختلِف إلى حد ما.
على كل حال طبعاً هذا الكلام أيضاً يستبعد إسهامات سقراط Socrates، وأكثر منها بكثير إسهامات أفلاطون Plato في المنطق الصوري، عنده إسهامات مقدورة وواضحة جداً، لكن مع أرسطو Aristotle فعلاً هذا العلم أخذ صفة منهجية ودرسية تعليمية واضحة، من أوله إلى آخره بشكل مُمنهَج مُمدَرس فعلاً يُوحي بعظمة هذا الفيلسوف وقدته الاستثنائية كمُفكِّر من طراز أكثر من فريد، على كل حال هذه واحدة.
الشيئ الثاني ما هو المنطق؟ في الأول نفهم المنطق وبعد ذلك نفهم لماذا سموه المنطق الصوري وليس المادي، أي مُقابِل المنطق الصوري هناك المنطق المادي، منطق المضمون والمُحتوى! هذا منطق الصورة والشكل، المنطق طبعاً له تعريفات أيضاً كثيرة، باختصار قيل هو علم قوانين الفكر، وهذا تعريف جميل وجيد، عليه مُؤخَذات لكن هو جيد، علم قوانين الفكر! يُوجَد فكر عند الإنسان، فكيف يعمل هذا الفكر؟ يعمل وفق قوانين مُعيَّنة، العلم الذي يتعاطى مع هذه القوانين ويستفيد منها ويستثمرها ويدلنا كيف تعمل وكيف تترتب اسمه علم المنطق.
يُوجَد تعريف أيضاً لدى الأقدمين وتصادق عليه الإسلاميون تقريباً، أي مناطقة المُسلِمين، أنه آلةٌ، قالوا هو علم آلي، أي هو فعلاً علم شكلي لا يُراد لنفسه مثل علم الفيزياء، الكيمياء، والطب، لا! هو علم وسلي، آلة تعصم مُراعاتها الذهن من الوقوع في الخطأ عند التفكير، أي وسيلة مُعيَّنة، علم بقوانين مُعيَّنة، إذا اتبعت هذه القوانين لا تُخطئ في تفكيرك، لا تقع في أخطاء، ومِن أكثر مَن تعصَّب لهذا الرأي ابن حزم، العلّامة الإمام الكبير ابن حزم! وعنده كتاب طبعاً لطيف جداً وعنده أخطاء فيه أُخِذت عليه، قيل إنهلم يُحكِم هذا العلم، اسمه ماذا؟ اسمه التقريب، هذا كُتيب بسيط أو كتاب صغير الحجم اسمه التقريب في المنطق، وقال مَن يُراعي هذا العلم لا يُمكِن أن يُخطيء أبداً، طبعاً هذه الكلمات فيها مُبالَغات، إذا كتب الله لنا عمراً وفرغنا من تدريس المنطق الأرسطي – أي الــ Formal – وأخذنا في المنطق التحليلي والمنطق الرمزي والمنطق الحديث – المنطق البراجماتي الخاص بجون ديوي John Dewey، منطق ضخم! عنده كتاب أنا قرأته، كتاب ضخم جداً ومُعقَّد، ترجمه المرحوم زكي نجيب محمود، هذا اسمه المنطق البراجماتي، وهناك المنطق الوجودي، وهناك المنطق النفساني الخاص بجون ستيوارت ميل John Stuart Mill، أي يُوجَد أكثر من منطق وعلوم كثيرة – فسوف نرى أن هذه الكلمات فيها مُبالَغة، وكلها طبعاً كانت تمتح من معين محدودية الموجود والمُتاح قبل طبعاً مئات السنين.
إذن هو علم قوانين الفكر أو آلة تعصم الذهن بمُراعاتها أو عند مُراعاتها من الوقوع في الخطأ كما تعصَّب ابن حزم، لن تُخطيء أبداً – قال – إذا راعيت قواعد المنطق، هذه القوانين هل هي قوانين معيارية أو تقريرية؟ مبادئ وقوانين – مثلاً – علم الفيزياء والكيمياء تقريرية، لكن هذه المبادئ معيارية، ما معنى معيارية؟ يُمكِن ألا يُراعيها الإنسان، أليس كذلك؟ يُمكِن أن يتجاوزها، ويقع في الخطأ، طبيعي! لأننا تتعلَّق بفكرنا نحن كبشر، طبيعي جداً! وهذا ما يقع فيه مُعظَم الناس.
لن نُطوِّل، ما دام ذكرنا تعريف المنطق وأنه قوانين علم الفكر فما هي قوانين الفكر؟ قوانين الفكر كثيرة جداً، بعض الفلاسفة قال هي بالمئات، بعضهم قال لا، هي بالعشرات، أرسطو Aristotle قال ثلاثة، لكن Fundamental laws، القوانين الأساسية – أي الأصلية – أرسطو Aristotle قال ثلاثة، وفعلاً هذه الثلاثة خطيرة جداً وقوية جداً، وطبعاً بديهي أنه لا يُمكِن تجاوزها في الحقيقة، نحن نصدر عنها بطريقة أو بأُخرى، لا يُمكِن أن يقوم الفكر أصلاً – الفكر الإنساني ليس له أصلاً إمكانية أن يقوم – بدون هذه القوانين، فسواء وعاها أو لم يعها وسواء سمعت بها من قبل أو لم تسمع أن تصدر عنها بطريقة تلقائية، سوف نرى! وهي ثلاثة قوانين: قانون الهُوية أو يُسمونه قانون الذاتية، أي Law of identity، والآن سنكتبه، قانون التناقض أو يُسمونه قانون الغيرية، أي Law of contradiction، التناقض! وبعد ذلك قانون الوسط المرفوع، يُسميه المناطقة الإسلاميون الثالث المرفوع، أي Law of excluded middle، هذه ثلاثة قوانين، سوف نكتبها الآن ونشرحها بسرعة.
إذن سنقول قوانين الفكر الإساسية، كم قانوناً قلنا؟ ثلاثة: أولاً قانون الهُوية، لا نقول الهَوية، لماذا؟ لأن هذا مأخوذ من هُو، الشيئ هُو هُو وليس هَو، يقولون الهَوية الشخصية، لا يُوجَد شيئ اسمه الهَوية الشخصية، اسمها الهُوية الشخصية، غلط هذا! الهُوية من هُو، قانون الهُوية Law of identity، ثانياً قانون التناقض أو يُسمونه الغيرية – والتناقض أدق – Law of contradiction، ثالثاً – القانون الثالث والأخير – قانون الوسط المرفوع أو الثالث المرفوع، إذن قانون الوسط أو الثالث – المُسلِمون يُسمونه الثالث – المرفوع، إلى اليوم في الغرب يُسمى قانون الوسط المرفوع، Law of excluded middle.
ما معنى قانون الهُوية؟ ببساطة قانون الهُوية يعني أن ألف هي ألف، هكذا بصغية صورية! وسوف نفهم من هنا لماذا سموه المنطق الصوري، ألف هي ألف، القلم هذا هو نفسه، أي ألف هي نفسها، أو يُعبِّرون عنه بالشيئ هو نفسه، الشيئ – كل شيئ – هو نفسه، الكاميرا Camera هذه هي نفسها، يُمكِن أن تجد مليون كاميرا Camera مثلها لكنها ليست هي، هي غير! أليس كذلك؟ هي نفسها طبعاً، لا تقل إنك ستأتي بمثيل لها، هذا مثيل، نُسخة مُطابَقة، لكن ليست هي، نُسخة مُطابَقة، هذا يعني أن هذا شيئ وحده وهذا شيئ آخر وحده، طبعاً هذا مُهِم جداً كقانون Fundamental أو أصولي للفكر، لماذا؟ لأن بلا هذا القانون يُمكِن أن يُزعَم – مثلاً – أن هذا الشخص الذي جاء اليوم – مثلاً – وقدَّم المُحاضَرة هو هذا، بالعكس! لكن هو كان هذا، قالوا نعم هو كان هذا، لكن الآن هو هذا، كيف يا أخي كان؟ مُستحيل، إذا كان هذا قدَّم المُحاضرة فإذن هو هذا الذي قدَّمها، انتهى! لا يُمكِن ليوم الدين أن يكون غيره الذي قدَّمها إذا رأيناه وأدركنا أنه الذي قدَّم، انتهى! الأشياء عندها حقائق ثابتة، وحتى الصفات الثابتة لها تبقى ثابتة، هُوية الصفة الآن وليس هُوية الشيئ نفسه الكائن، حتى هُوية الصفة! وهذا طبعاً واضح ومفهوم للكل، الطفل يعرف هذا، الطفل الذي عمره حتى شهرين حين يأتي إليه – مثلاً نفترض – رجل رذل قليلاً ويقوم بعمل حركة بشعة يصرخ، بعد ذلك حين تأتي أمه وتبتسم له يرتاح، لو جاء هذا الرجل مرة ثانية له سوف يُعاوِد الصراخ، لن يقول لأ، هذه أمي، يعرف أن هذه أمه وهي غير هذا، هذا من غير أن يدرس، مَن عمره حتى أسبوعين أو ثلاثة يفهم هذا، يعرف أن أمه غير هذا الرذل الذي قام بعمل حركة مما خوَّفه بها، كأن يُخرِج له صوتاً قبيحاً خشناً، أليس كذلك؟ يعرف هذا بالفطرة، هذه مبادئ فطرية، تُولَد أنت مُزوَّداً بها، لن تتعلَّمها في الفلسفة وفي دروس مسجد الشورى، مُستحيل! هذه موجودها، ولذلك هو قانون أساسي.
قانون التناقض – Law of contradiction – أو الغيرية يقول ماذا؟ لا يُمكِن لألف أن تكون ألفاً ولا ألف، مُستحيل! إذن سوف تقولون هذا مبني على هذا، وهذا صحيح! قانون التناقض مبني على قانون الهُوية، فإذا ألف كانت هي ألف لن يُمكِن أن تكون في نفس الوقت هي ألف وهي لا ألف، مُهِم جداً أن نعرف كلمة الــ لا هذه، أي الــ Not، لا ألف! لماذا؟ لكي نقدر أن نُميِّز بين ما يُسمونه المُتناقِضات والمُتضادات والملكة وعدم الملكة، هناك أشياء تختلف! باختصار التناقض أهم شيئ في هذه الأشياء، ونحن تكلَّمنا عن التناقض، التناقض هو شيئ ونفيه، ألف ونفيها، أي ألف ولا ألف، ما اللا ألف؟ الباء، الجيم، التاء، الحاء، وإلى آخر ما تريد، وإذا كانت ألف تُشير إلى مخلوق أو إلى كائن فسائر الكائنات التي لا يعلمها إلا الله هي كلها لا ألف، في حين أن الأضداد ليست هكذا، عندنا الأبيض وضده الأسود، فقط عنده الضد، لكن هنا الشيئ ونفيه، كما نقول حي، ما نقيض حي؟ لا حي، لا تقل ميت باللُغة العربية، الأفضل دائماً أن تنفيها، حي ولا حي، قائم ما نقيضها؟ لا قائم، جالس ما نقيضها؟ لا جالس، سعيد ما نقيضها؟ لا سعيد، وهكذا! الشيئ ونفيه دائماً نقائض.
لذلك بعض الناس قالوا قانون الغيرية أو قانون التناقض – لأننا قلنا ما الغيرية؟ لا ألف، أرأيتم؟ قانون الذاتية أو الهُوية ألف ألف، قانون الغيرية ألف ولا ألف، لذلك يُسمونه قانون الغيرية، هذا مُهِم لكي نفهم ما هذه الترجمة، وهو قانون التناقض – يُمكِن أن يُعبَّر عنه بالآتي، لا يُمكِن الجواب عن الشيئ بنعم ولا في نفس الوقت، لو سألتك هل سعيد حي؟ لن يُمكِن أن تقول لي حي ولا حي أو نعم ولا، غلط! إما نعم أو لا، إما حي أو غير حي، إذا قلت لي لا فهذا سيعني أنه مات، سنقول رحمة الله عليه، رحمه الله، وسندعي له يقوم الجُمعة، أو تقول لي حي، نعم، إذن هو حي، انتهى! لا تقل لي نعم ولا، لن يُمكِن! هكذا عرَّفوه، قالوا قانون التناقض يعني أنه لا يُمكِن الجواب عن أي شيئ بنعم ولا، إما بنعم وإما بلا، لا تقل لي نعم ولا، لأن هذا لا يُمكِن، هل هذا واضح؟
حين أقول لك هل هذه الكاميرا Camera لك هل يُمكِن أن تقول لي نعم ولا؟ إما لي وإما ليست لي، لي أو ليست لي، هل هذا واضح؟ هذه كاميرا Camera فيديو Video أو كاميرا Camera صور ثابتة؟ يُمكِن أن يكون فيها الاثنان، هذا شيئ ثانٍ! لا تقل لي هي كاميرا Camera فيديو Video ولا فيديو Video، لا! إذا كانت فيديو Video فهي فيديو Video، فيديو Video وصور ثابتة! ليس تناقضاً هذا، لكن فيديو Video ولا فيديو Video مُستحيل، كيف لا فيديو Video؟ هي فيها فيديو Video، إذن انتهى! هي فيديو Video، تُصوِّر فيديو Video، لن يُمكِن أن تنفيها، لابد أن يبقى مُتضمَّناً هذا الفيديو Video، فيديو Video زائد – Plus – صور ثابتة، هذا شيئ ثانٍ، هل هذا واضح؟ إلى آخره، وهذا طبعاً واضح أيضاً، واضح بالفطرة.
لا يُمكِن للطفل الذي عمره أسبوع أو أسبوعان – كما قلنا – أن يفهم بعد ذلك أن هذا الشخص هو نفسه الذي صرخ فيه والذي لم يصرخ فيه، مُستحيل! هو الذي صرخ فيه وبشَّع شكله له، أليس كذلك؟ لا يُمكِن أن يتناقض مع نفسه، لا يُمكِن أن يقول نفسه صرخ ولم يصرخ في، لا! مُستحيل، هو نفسه إما صرخ وإما لم يصرخ، أليس كذلك؟ أما أنه صرخ ولم يصرخ في نفسه الوقت فهذا مُستحيل، هذا أيضاً بالفطرة، الطفل يُولَد مُزوَّداً بهذا بالفطرة، هل هذا واضح؟
نأتي الآن إلى قانون الثالث المرفوع، ما معنى الوسط المرفوع أو الثالث المرفوع؟ أن كل شيئ لابد أن يكون مُتصِفاً بأحد النقيضين، لابد إما أن يكون ألفاً أو لا ألف، كل شيئ لابد أن يكون إما ألفاً وإما لا ألف، ونحن رأينا أن ألف ولا ألف يُسمونهما ماذا؟ نقيضين، هذان نقيضان، وكل شيئ لابد أن يكون إما هكذا أو هكذا، نفترض الإنسان مثلاً، إما أن يكون حياً أو غير حي، لن يُمكِن أن تقول لي لا، هناك شيئ ثالث بينهما، أين هي؟ أرني إياه، ما هو هذا الشيئ؟ غير موجود، إما حي أو غير حي، لا يُوجَد وسط بينهما، إما حي أو غير حي، إذا قلت لي هو في آخر رمق فهذا سيعني أنه حي، إذا قلت لي هو لا يزال يتنفَّس فهذا سيعني أنه حي، انتهى! ستقول لي هذا منطق صوري وهو فعلاً غير مضموني كثيراً، هو غير مضموني وليس منطقاً مادياً، هو منطق صوري، منطق صور وأشكال، وسنفهم لماذا، لأن هذه المسألة – مثلاً – عندنا في التشريع، ليس فقط في الإسلام، حتى هنا في الغرب تُوجَد مُشكِلة كبيرة، ما تعريف الموت؟ دخلنا هنا في الطب الآن، موت جذع الدماغ، ما يسمونه Brain stem death، أي موت جذع الدماغ، هذا تعريف! هناك أناس قالوا لا، نحن لا نعترف به، نحن عندنا الموت لا يكون إلا بموت آخر خلية، في المسيحيين هنا يُوجَد أُناس مُتعصِّبون، الأصوليون اليهود والأصوليون المسيحيون وبعض المُسلِمين الذين لا يفهمون – الحمد لله المُسلِمون ليس عندهم الشيئ هذا – قالوا نحن لا نعترف إلا بموت آخر خلية من الإنسان، إذن انتظر – إن شاء الله – لسبعة أشهر، إلى أن يذوب حتى كله في الأرض، كلام فارغ! لا يُمكِن هذا، قالوا لا، نحن نخاف، كيف ندفن إنساناً وهو على هذا النحو؟ وإذا نحن قلنا بهذا الشيئ فهذا يعني أننا – الحمد لله – لابد أن نُخرِج أكثر الضحايا ونرد لهم الاعتبار، لأننا سنكون دفننا أكثر آبائنا وأجدادنا أحياء، لأن هناك أناساً كثيرين يكون عندهم جذع الدماغ هو الذي مات والخلايا الثانية كلها حية، حتى حين يموت الإنسان – معروف أنه مات – تظل هناك بعض الخلايا التي تشتغل وتنمو، ويخرج للإنسان شعر ذقن أيضاً، معروفة الأشياء هذه! فما دخل هذا بهذا؟ فمثلاً هنا هذا ليس له علاقة بالمنطق، هذا له علاقة بمنطق العلم المادي، الذي هو – نفترض – الطب أو الفسيولوجيا – Physiology – وما إلى ذلك، العلم يتعامل مع وقائع، مع أشياء يلمسها، ليس مع أشكال! بالنسبة للمنطق العملية سهلة، إما حي أو غير حي، لكن تعريف الحي صعب، مَن هو الحي؟ ولا يعترف بمنطق الوسط، يقول لا وسط، قانون الثالث المرفوع يقول إما حي أو لا حي، لا تقل لي هو في حالة بين الحياة وبين الموت، الطب يقول لك هذه الحالة موجودة، موجودة عندي بصراحة، موجودة يا أخي! هناك حالة لا أقدر ان أفهمها، هل هذه حياة أم موت؟ والله نحن لا نفهم بصراحة، ويبدو أن هناك أناساً دسوا في القبور وهي في الحالة هذه، فلو أثبتنا في النهاية أن هذه حياة سيعني هذا أننا دفناهم أحياء، ولو أثبتنا أنها موت سيعني هذا أنهم أخذوا ما يستحقون، فهذا الآن ليس نقاشاً منطقياً، صار نقاشاً مُختلِفاً.
طبعاً خطأ المنطق – وهذا النقد وُجِّه إليه من قديم – أن بعض أعلامه ودعاته زعموا للأسف أنه منطق لكل العلوم، ويفي ويكفي! هذا غير دقيق، أنا عندي رأي خاص في المسألة هذه، لماذا؟ لأن قد يقول لي أحدكم كيف هذا؟ إذا هو منطق لكل العلوم فأين علوم المناهج، أي الميتودولوجيا Methodology؟ أليس كذلك؟ أين الميتودولوجيا Methodology؟ أنت عندك أحياناً تعدد للمناهج بتعدد العلوم، كل علم عنده مناهج مُختَصة به، وداخل حتى المنهج المظلاتي الكبير تجد مناهج بينية وفرعية، تتعامل مع علوم بأعيانها بدقة، وهذا صحيح طبعاً، خاصة بعدما تطوَّر العلم نفسه بمعنى الــ Science، بدأنا نفهم ما المناهج العلمية وما كذا وكذا، فالمنطق لا يُغني في هذه الأشياء، ولذلك أنا أقول لك حتى ضمن هذه المناهج – Methods – المشهورة والمعروفة – سواء تجريبية أو تاريخية أو حدسية توسمية أو… أو… أو… إلى آخره – يبقى هذا المنطق حاضراً بشكل واضح، يتراجع في بعض المناهج وبعض العلوم كما رأينا في فيزياء الكم، في فيزياء النسبية يتراجع! فحتى قوانينه الأصلية هذه تصير في موضع عدم اعتبار، تُلغى! يصير الشيئ موجوداً وغير موجود في نفس الوقت، هذه مسألة ثانية، هذه أشياء لم تخطر على بال كانط Kant ولا على بال أرسطو Aristotle ولا ابن سينا ولا الفارابي ولا ابن حزم ولا الغزّالي – أبو حامد من أكثر الذين خدموا المنطق – ولا على بال أحد، لم يكن هذا على بالهم فعلاً! لكن الحاجة ماسة الآن إلى إعادة النظر في المنطق الصوري، وهي طبعاً ماسة من مائتي سنة وأكثر حتى، صحيح هذا الكلام! لكن دعونا نأخذ المنطق الصوري كما هو ببساطة.
الآن ننتقل إلى مسألة لماذا سموه المنطق الصوري؟ فهمنا لماذا، المنطق هذا يقول لك صحيح أنني أُعبِّر بالطريقة هذه، ألف هي ألف، ستقول له ما ألف هذه؟ سيقول لك هذا لا يهمني، قل التفاحة هي التفاحة، هذه التفاحة هي هذه التفاحة، هذا القلم هو هذا القلم، لا يهمني ماذا تضع في هذا، أنا أعطيك فقط شكلاً أو هيكلاً، وأنت عبئه بما تُريد، ستقول له هل هذا يعني أنك لا تُنتِج علوماً يا منطق؟ سيقول لك نعم، أنا لا أُنتِج علوماً، أنا لست كيمياء، لست فيزياء، ولست فلكاً أبداً! لكن أنا منطق لكل العلوم، أي لابد أن يُراعيني أي واحد يتكلَّم في أي علم، إذا لم يُراعني فسوف يغلط ويأتي بنتائج خاطئة، سوف ينسبها إلى العلم وهي خاطئة، العلم منها براء! فهذا معنى أنه منطق صوري، أي يهتم بصورة الفكر وليس بمادة الفكر.
نحن نرى أن هناك تشابهاً بين – مثلاً – أن فلاناً أكل هذه التفاحة غصباً عن صاحبها فحكم عليه القاضي بغرامة وصلت – مثلاً – إلى ثلاثة يوروات أو خمسة يوروات أو عشرة يوروات وبين – مثلاً – لما بعث الله محمداً – صلى الله عليه وسلم – وجاهد في الله حق جهاده على مدى ثلاثة وعشرين سنة نوَّر الله أرجاء الجزيرة ومنها انطلق الإسلام، يُوجَد مُشترَك في الصورة بين هذا وهذا، ما هو إذن؟ ما المُشترَك بين مَن أكل تفاحة ليست له غصباً وغرَّمه القاضي وبين الله بعث محمداً ومحمد جاهد في الله ثلاث وعشرين سنة وما إلى ذلك؟ يُوجَد مُشترَك في صورة الفكر، مع أن هذه جُملة مُختلِفة عن هذه بالكامل، هذا حكاية رجل خسيس أكل تفاحة ليست له، وهذه حكاية نبي عظيم، ما المُشترَك إذن؟ مبدأ الهُوية، أليس كذلك؟ أقدر أن أتكلَّم عن محمد، لأنه فعلاً ظل ثلاث وعشرين سنة ينشر الدين وهو الذي يُعزى إليه فضل انتشار الإسلام وتنوير وهداية البشر في كذا وكذا، محمد! لأنه محمد، محمد هو محمد، الذي نُبيء في سن الأربعين ومات في الثالث والستين، هو محمد! لكن هناك مَن سيقول لك لا، أين هذا يا بابا؟ مَن قال لك هذا؟ يُمكِن أن يكون محمد الذي جاء الوحي في غار حراء غير الذي ذهب عند خديجة وغير الذي عمل كذا وكذا، ضاع الفكر بالطريقة هذه! يُوجَد هنا مبدأ يشتغل وهو ثبات الهُويات، محمد هو محمد، عاش ومات وهو واحد، ليس غيره! لم يدخل فيه جني ولم يتمثَّل جني في صورته، هو شخص واحد، والذي أكل التفاحة واحد، لا يُمكِن أن يقول لا يا سيادة القاضي، انتبه! أنا حين أخذت التفاحة كانت تفاحة غير تفاحته الخاصة، واحدة أُخرى، هذه نُسخة ثانية مُختلِف، لكن هذا لا يُمكِن، هي كانت تفاحة واحدة، ويُوجَد مبدأ ثبات الهُويات، هي هي، أنت أكلتها هي هي، ومن ثم ستدفع ثمنها وستدفع غرامة أيضاً، أرأيتم كيف؟ هذه قضايا تاريخية وقضايا جنائية وقضايا شعرية وأدبية – رميو وجوليت Romeo and Juliet وقيس وليلى – وكلها مُتضمَّن فيها هذا طبعاً، ونحن نُفكِّر بالطريقة هذه تلقائياً!
كذلك أيضاً قانون التناقض أو الغيرية، نفس الشيئ! لا يُمكِن أن تقول نعم أنا قتلته لكن ليس عدلاً أن أُحاكَم على قتله، لماذا؟ لأن أنا ليس مَن قتله، لا يُمكِن! إذا كنت مَن قتله فأنت مَن قتله وليس غيرك مَن قتله، لا يُمكِن أن تقول لي أنا قتلته وغيري هو الذي قتله لأن ليس أنا مَن قتله، ما هذا؟ أنت تناقضت مع نفسه، والذي يتناقض مع نفسه يكفينا مئونة أن نُناقِشه، سنقول هذا إنسان مجنون، وسنُطبِّق القانون رُغماً عنه، أرأيتم؟ هذه قضائية جنائية هنا، ويدخل فيها قانون التناقض، ونحن نرى أن رُغماً عنها، يومياً في كل شيئ نفعله هذه القوانين سارية.
أنا لاحظت أن حتى في النوم أو أحياناً في بعض مُقدِّمات النوم تختفي هذه القوانين، هذا صحيح! يحدث معي هذا يومياً، ربما من كثرة ما أُفكِّر وما إلى ذلك، وتحدث معكم كلكم، مُتأكِّد طبعاً أنها تحدث مع كل واحد، لا الهُوية ولا التناقض، تجد أنك في أول الحلم أو في أول حتى الإخلاد للنوم تُفكِّر – مثلاً نفترض – في زميلك محمود الذي ساعدك، لكن محمود المُستعرَض هذا الآن يصير ورقة، أنت تُخاطِبه وتستحضره كورقة، ورقاء خضراء هي محمود، ما علاقة هذا بهذا؟ هوية محمود غير هوية الورقة، يدخل عندك هذا في هذه، يحدث كل هذا الخلط! هذا يحدث وهو مُمكِن، وبالمُناسَبة مع الجنون نفسه حين يُغلَب الإنسان على عقله تفقد هذه القوانين سريانها وفعلها، ويبدأ المجنون فعلاً لا يخضع – لا أقول لا يعترف هو، هو أصلاً لا يعترف بشيئ وإنما يبدأ المسكين لا يخضع – في كلامه وأحلامه وعواطفه وردود أفعاله لهذه القوانين الأسياسية للفكر، هذه قوانين الفكر! فمعدوم الفكر – أي المجنون – لا يخضع لها، مثل الحالم والنائم، تتداخل عنده الهُويات وتتداخل عنده الأشياء، عادي وطبيعي، هذا يحدث!
ننتهي من الشيئ هذا الآن، وندخل في أشياء لها دخل أكبر بالمنطق ومسائل المنطق، مثل العلم، طبعاً العلم – نفس الشيئ – من المُصطلَحات الإشكالية جداً، لكن باختصار بعضهم يقول العلم هو إدراك الشيئ على ما هو عليه، إدراك الشيئ على ما هو عليه، قال هذا هو العلم! طبعاً هذا أيضاً يُناقَش، العلم! انتبهوا الآن فنحن نتكلَّم عن العلم كمُصطلَح منطقي وليس كمُصطلَح فني عُرِفَ من أيام جاليليو Galileo وهؤلاء الجماعة، أي الــ Wissenschaft بالألمانية أو الــ Science بالإنجليزية، لا! العلم بالمعنى المنطقي، انتبهوا! لا تقولوا العلم بمعنى الــ Science، لا! هذا شيئ ثانٍ، هذا مُصطلَح فني، وقسَّموه إلى قسمين: حصولي وحضوري، ما معنى حصولي وحضوري؟ باختصار العلم الحصولي مأخوذ من حصول، حصول صورة من الشيئ في الذهن، علم حصولي! علمكم الآن بي – أنني واقف الآن وألبس كذا وكذا وأُحاضِر في المنطق – حصولي أو حضوري؟ حصولي، حصلت صورة مني ومن موقفي هذا وحالتي – الحالة State الخاصة بي – في أذهانكم، هذا علم حصولي، أليس كذلك؟ علم حصولي! علم بأن واحد زائد واحد يُساوي اثنين، علَّمونا هكذا! وبأن اثنين في اثنين يُساوي أربعة، علم حصولي! فهو عبارة عن حصولة من الشيئ في الذهن، يُسمونه الحصولي باختصار، وهناك علم حضوري وهو اسم على مُسمى، حضور الشيئ المعروف في نفس العارف وذاته، مثل ماذا؟ مثل علم الإنسان بنفسه، طبعاً علمي بنفسي، إحساسي بنفسي، وإدراكي لنفسي ليس علماً حصولياً أبداً، لكن علمي بصورتي في المرآة علم حصولي، أليس كذلك؟ طبعاً تتغيَّر هذه، أليس كذلك؟ اليوم عيناي فيهما تعب، غداً وجهي مُفتَّح، بعد ذلك مصفر، بعد ذلك كبرت مع السنين، هذا علم حصولي، حين تنظر تحصل على صورة من صورتك في المرآة في ذهنك، أليس كذلك؟ الأعمى للأسف ليس عنده هذا الشيئ، لا يقدر أن يُحصِّل صورة من وجهه الآن في هذه اللحظة، والذي وُلِد اكمه لم يُحصِّل الصورة هذه أبداً في دماغه، ليس عنده هذا لأنه لا يرى، هذا علم حصولي، لكن علمه بنفسه وشعوره بنفسه وما إلى ذلك هو علم حضوري، أي يكون العارف هو المعروف، والذات والموضوع شيئ واحد، هل فهمتم كيف؟
الآن يُمكِن أن تدرسوا الترموس Thermos مثلاً، هذا يُسمونه باللُغة الفصحى ماذا؟ ربما سألنا السؤال هذا حتى في دروس المنطق قديماً، لا أعرف! يُسمونه الكاظمية، يُسمونه الكاظمية لأنه يكظم، يكظم الحرارة والبرودة، علمكم الآن بهذه الكاظمية وبلونها ربما وحدوسكم بأشكال مُعيَّنة وبشكلها وبكذا وكذا – إلى آخره – هو علم حصولي، الذات العارفة والموضوع المعروف مُفترِقان، هذا شيئ وهذا شيئ، أليس كذلك؟ عادي! في العلم الحضوري الأمر ليس كذلك، أنت تعلم بنفسك، العارف هو المعروف، والذات هي الموضوع، أليس كذلك؟ نفسك! هذا صحيح، كذلك – ضعوا Plus – معرفة الله بالأشياء، لا إله إلا هو! معرفة ماذا؟ حضورية، ليست حصولية، الله ليس عنده وسائل مثلنا للسمع والبصر، فهو لا يرى مثلنا ويسمع وما إلى ذلك، لا! الأشياء كلها حاضرة في جلاله، لا إله إلا هو، كلها! ما كان منها وما سيكون إلى ما شاء الله، كلها حاضرة، لا إله إلا هو! شيئ غريب وصعب، هذا اسمه علم حضوري، علم الله علم حضوري وليس حصولياً.
الآن العلم الحصولي ينقسم إلى قسمين: تصور وتصديق، جميل جداً! الــ Concept والــ Essence، تصور وتصديق، هذا الحصولي! الحضوري ليس فيه تصور وتصديق، ليس فيه! الحصولي ينقسم إلى قسمين: تصور وتصديق، نأخذ التصور في الأول، وسنشرح لكم مُصطلَحين هامين جداً جداً في المنطق وبعد ذلك في الفلسفة.
الآن الطفل يُولَد كما قال تعالى لا يعلم شيئاً، وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩، والطفل عبر وسائل الحس التي عنده مثل السمع والبصر والشم واللمس – هذه وسائل الحس – يبدأ يلتقط ويرى، الآن رأى – مثلاً نفترض – الحقيبة هذه، بعد ذلك رأى الحقيبة هذه، بعد ذلك رأى الحقيبة هذه، بعد ذلك رأى الحقيبة هذه، عشرات أو مئات الحقائب! أليس كذلك؟ الآن تحصل في ذهنه من كل حقيبة على حدة، أليس كذلك؟ مُمتاز! هذه يُسمونها ماذا؟ المعقولات الأولى، مُهِم جداً هذا المُصطلَح! هذه المعقولات الأولى، قد يقول لك أحدهم ما المعقولات الأولى؟ يُستخدَم كثيراً جداً في الفلسفة العقلية هذا المُصطلَح، يقولون المعقولات الأولى والمعقولات الثانية، ما الأولى؟ هي هذه، حصول صور من الجُزئيات – ليس من الأجزاء، من الجُزئيات – في ذهن العارف، أي العالم! حتى لو كان طفلاً، العالم لا تعني العالم الذي نعرفه، هذه مُصطلَحات منطقية، يُسمونها تصوراً، جيد! لكن كيف تحصل هذه؟ انتبهوا! تحصل كالتالي، هو الآن رأى هذه الشنطة ورأى كذا وكذا وكذا، وحده – سُبحان الله – وبقدرة غريبة جداً يبدأ هذا الطفل أو هذا الإنسان تلقائياً يلحظ المُشترَك بين كل هذه الصور الجُزئية، يُوجَد مُشترَك بينها، يُوجَد مُشترَك فعلاً! لن نشرحه، معروف للكل ما المُشترَك بين الحقائب هذه المُختلِفة، وينفي التمايزات التي لا تُؤثِّر على وحدة حقيقتهن، أنهن كلهن حقائب، هذه حقيبة وهذه حقيبة وهذه حقيبة وهذه حقيبة، يُوجَد مُصطلَح مُهِم احفظوه من الآن وهو الماهية، الماهية تُساوي – لكي نفهمها جيداً – الحقيقة، أي حقيقة الشيئ، فقط! أليس كذلك؟ يقولون الحقائق، درَّسنا لكم في السنة الفائتة هذا، يقولون ما هو – مثلاً – الجنس وما يُقال في جواب ما هو على مُختلِفين بالعدد أو مُتعدِّدين ومُختلِفين بالحقائق؟ ما معنى أنهم مُختلِفون بالحقائق؟ بالماهيات، هم مُختلِفون بالماهيات، هل الإنسان مثل الغزال؟ لا، ماهية الغزالية شيئ، ماهية الإنسانية شيئ، ماهية الفرسية شيئ، ماهية النمرية شيئ، ما هية البغلية شيئ، ماهية الحمرية شيئ، وكذلك ماهية الدود وماهية التمساح، هذه كلها ماهيات! يُوجَد أعظم مُشترَك بين الأشياء كلها، ما هو؟ الوجود، أليس كذلك؟ حتى مع الله تبارك وتعالى، لكن هذه المسألة سندعها للفلسفة، لن ندخل فيها الآن، دعوا الحديث عن الله الآن وهل هذا الوجود المُشترَك لفظي أو معنوي، المُهِم ما المُشترَك بيني وبين النجم؟ أنه موجود معي، هذا موجود، الدودة موجودة، الجن موجود، جبريل موجود، وإبليس موجود، إلى آخره، الوجود! إذا الوجود هو الذي يجمع هذه الأشياء كلها فكيف تتمايز؟ بالماهيات طبعاً! هذا غزال، هذا قرد، هذا إنسان، هذا جن، وهذا إنس، الماهيات تُميِّز الأشياء، وإلا هناك الوجود، تشترك كلها في الوجود، أليس كذلك؟ يجمعها الوجود، وتُميِّزها ماذا؟ الحقائق، وهي ماذا؟ الماهيات، جميل! فالآن ماهية الحقيبة في ذهن الطفل هذا كيف كوَّنها؟ كوَّنها من خلال أنه رأى المُشترَك ثم أكَّد عليه وركَّز عليه، يُوجَد مُشترَك! وبعد ذلك نفى ماذا؟ نفى التمايزات هذه، رأى أنها غير مُؤثِّرة، هذه صغيرة وهذه كبيرة، لا تُوجَد مُشكِلة، لكن هذه حقيبة وهذه حقيبة، ويسمعهم يقولون هذه حقائب، هذه حقيبتي، لكن هذه كبيرة! نعم، لا تُوجَد مُشكِلة، بعد ذلك هذه بنية وهذه حمراء وهذه خضراء، بعد ذلك هذه من 29:29 @@ وهذه من @@ وهذه من كذا أو كذا، لكنه يرى أن هذا ليس له علاقة أيضاً بالأمر، هذه حقيبة وهذه حقيبة وهذه حقيبة، ففهم ومن ثم كوَّن صورة الآن، ماذا يُسمونها الآن؟ ليست جُزئية، هذه الحقيبة جُزئي، هذه الحقيبة جُزئي، هذه الحقيبة جُزئي، إلى آخره! حين نقول الحقيبة يختلف الأمر، هل نقدر أن نقول الحقيبة؟ نقدر أن نقول الحقيبة، انتهى! إذا قلنا الحقيبة فهذا يعني أننا نقصد الكُلي، ما الكُلي؟ الذي له جُزئيات غير محصورة حتى ربما، طبعاً هناك كُلي له جُزئيات محصورة، وهناك كُلي له جُزئي واحد فقط، مثل الله! حين نقول الإله – أي الحق، الإله الحق، لا إله إلا الله – يكون له كم جُزئي؟ كم مصداق له؟ لكن هل هو كُلي؟ هذا مبحث سوف نُناقِشه بعد ذلك في الفلسفة، وهناك أشياء كثيرة، قديماً كانوا يقولون الشمس لها جُزئي واحد، هي هذه! لكن هذا غير صحيح، يُوجَد بلايين بلايين النجوم فيها، لكن لا علينا من هذا، المُهِم الآن الذهن حين ينتزع هذا المعنى الكُلي – ونحن فهمنا ما الكُلي، مَن يذكر لي كُلياً ثانياً غير الحقيبة؟ أُريد كُلياً ثانياً! مَن يأتي بكُلي ثانٍ على عجل؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور القلم، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم القلم، الكرسي، الرجل، المرأة، الإنسان، الكتاب، الورقة، الدرس، والعلم، أليس كذلك؟ هذه كلها كُليات، أليس كذلك يا إخواني؟ كُليات – أو هذه الكُليات سموها المعقولات الثانية، سموها ماذا؟ المعقولات الثانية، ولذلك يُسمونها المعنى أو المعاني الكُلية، سُبحان الله! هذا يعني أنها خاصية للإنسان تقريباً.
طبعاً هناك فلاسفة – وسوف نُدرِّس لكم هذا بعد ذلك إن شاء الله في الفلسفة بالتفصيل في وقته – أنكروا هذا الشيئ، وأنكروا الكُليات، يُسمونهم الفلاسفة الاسمانيين أو الاسميين أو القائلين بأصالة التسمية Nominalism، أي الــ Nominalists، لأن الــ Nominalism هو مذهب أصالة التسمية، وسوف نشرحه بعد ذلك في الفلسفة، لكن هي موجودة، ونحن نتصرَّف بها بصراحة، وأنا أقول أيضاً كان مُستحيل أن يقوم فكر ويقوم اتصال وحضارة وتعاطي بين بعضنا البعض من غير المفاهيم الكُلية، أليس كذلك؟ غير مُمكِن، غير مُمكِن، غير مُمكِن! تخيَّل الأمر من غير المفاهيم الكُلية هذه، ما الذي كان سيحدث؟ اللُغة نفسها لا يُمكِن معها هذا، غير مُمكِن! يُمكِن أن يكون القاموس الخاص بك بعدد الأشياء طبعاً، ستضطر أن تتحدَّث عن كل شيئ بنفسه، بكل أوصافه الفارقة ستتحدَّث، شيئ غريب جداً! المُهِم هذه سموها المعقولات الثانية، يدخل في المعقولات الثانية – ليس فقط تكوين المعنى الكُلي والكُليات – أيضاً شيئان، يدخل فيها – أي زائد – الأحكام، مُراعاة النسب والعلائق بين الأشياء، مثل ماذا؟ مثلاً عندي تصور وتصور، نفترض – مثلاً – جبل، نفترض ذهب، لفظ جبل وحده هو لفظ تصوري، أليس كذلك؟ طبعا تصور! قلنا وعرَّفنا التصور، ولفظ ذهب لفظ أيضاً تصوري، أنت تتصوَّر شيئاً على حدة، أليس كذلك؟ قالوا إذا نحن قلنا جبل من ذهب فهذا يعني أننا حملنا ماذا على ماذا؟ يُسمونه المحمول والموضوع، أي الصفة والموصوف، وصفنا الجبل بأنه من ذهب، إذن ما الموضوع؟ الجبل، وما المحمول أو الصفة؟ الذهب، هذا جبل، ووضعنا عليه صفة ذهب، جبل من ذهب! فهذا اسمه الموضوع وهذا اسمه المحمول في لُغة المناطقة، المُسنَد والمُسنَد إليه أو الصفة والموصوف، هل هذا واضح؟ جبل من ذهب! هذه الآن أصبحت قضية، أي الــ Preposition، هذه لا تعني حرف جر هنا، في المنطق معناها القضية، والــ Prepositions معناها القضايا، فــ Preposition معناها قضية، ليس Case، هذه قضية بمعنى حالة، لكن هذه Preposition بالمنطق، هذه لُغة منطقية، الــ Preposition هي القضية، هذه القضية! التعامل مع القضايا وتاريخ القضايا من المعقولات الثانية، فأن تلحظ أن الأشجار خضراء، أوراق الأشجار خضراء، الشجر له كذا وكذا وكذا، ويتمتع بكذا وكذا، أي أنك بدأت تأتي بتصورات وتربطها ببعضها، أليس كذلك؟ أي تُمارِس الحُكم، ما الحُكم المنطقي؟ إثبات شيئ لشيئ أو نفيه عنه، أليس كذلك؟ أوراق الأشجار خضراء، أليس كذلك؟ مثلاً ألوان النجوم ليست خضراء، النجم لا يكون أخضر، يُمكِن أن يكون فضياً – Silver – أو أبيض، يُمكِن أن يتوهَّج بالأحمر إذا كان قريباً كالشمس، لكنه ليس أخضر، لم نر يوماً نجماً أخضر مثلاً، هذه قضية وفيها حُكم، هذه يُسمونها المعقولات الثانية.
وهكذا نكون فرغنا أيضاً من شرح التصديق، إذن ما التصديق؟ مَن يُعرِّف لي إياه الآن؟ هو الحُكم، التصديق يكون بالحُكم، تكوين قضايا، تكوين القضية هو هذا التصديق، أي الربط بين تصورين، الربط بين تصورين نفياً أو إثباتاً! هذا يُسمونه التصديق، معلوماتنا الآن نحن منها تصوري ومنها تصديقي، طبعاً التصوري لو بقيَ وحده هكذا لن يُفيدنا في أي شيئ، أليس كذلك؟ سنبقى وكأننا خزّاناً للكلمات والمفاهيم، دون أن نفعل أي شيئ، الذهن لا يشتغل هكذا، الذهن مُباشَرةً يربط التصورات ببعضها، أحياناً يكون ربطاً صحيحاً، وأحياناً يكون ربطاً خاطئاً وخيالياً ووهمياً، مثل جبل من ذهب، لم نر هذا بصراحة، وكذلك جبل من زئبق، أين يُوجَد جبل من زئبق؟ هل رأيتم جبلاً من زئبق؟ لكن على الأقل في الأساطير يتحدَّثون عن وجود جبل من ذهب، أليس كذلك؟ هناك أشياء مثل هذه.
على كل حال لا علينا من هذا، إذن هذا هو التصديق، هل هذا واضح؟ فهذا التصور وهذا التصديق، وطبعاً هناك تقسيمات أُخرى، لا أدري هل نشرحها أو لا، قالوا كل منهما ينقسم إلى بدهي ونظري، دعونا نُعطيكم صورة سريعة عن المُصطلَح هذا، التصور منه تصور بدهي يُسمونه ضروري – أتسمعون بالعلوم الضرورية؟ هناك العلوم الضرورية، يُسمونها البديهية، هي هذه! هي البديهية، أي الضرورية Necessary، هي الضرورية نفسها، يُسمونها Necessary – ومنه وعلم نظري يُسمونه كسبي، مُكتسَب هذا، مُكتسَب بالنظر، لابد أن تنظر وتُفكِّر لكي تقدر أن تكتسبه، كذلك التصديق، منه بدهي ومنه نظري، أي كسبي، ضروري وكسبي! هل هذا واضح؟ التصور البدهي كتصورنا – مثلاً نفترض – للحرارة، الطفل يتصوَّر هذا مُباشَرةً بالبداهة ويشعر بها، ربما لا يمتلك اللُغة لكي يقول أنا حران، لا يمتلك لكنه يشعر بهذا، يشعر بمعنى الحرارة، يعرف ما معنى أن تكون حاراً وما الحرارة، وكذلك البردة أو الضيق أو الجوع أو العطش، أليس كذلك؟ أو الرغبة في التخلي، كل هذه معاني بدهية، كلها معاني تصورية طبعاً، معنى واحد فقط! ويُدرِكها بالبداهة، هل هذا واضح؟
الآن عندنا التصديق البدهي، سنأخذ البدهي في الأول، التصديق البدهي! مثل ماذا التصديق البدهي؟ مثل تصديقنا بأن الكل أعظم من جُزئه، هذا تصديق، انظر إلى هذه القضية الآن، يُوجَد كل ويُوجَد جُزء، ونحن ربطنا هذين برابط أعظم، الكل أعظم من جُزئه، ليس من أي جُزء! المقصود جُزئه، لأن هناك جُزءاً غيره قد يكون أكبر منه، فعندنا الكل وهذا جُزئه، طبيعي أن الكل أعظم من جُزئه، الطفل يُدرِك هذا بالبداهة، بالبداهة! أليس كذلك؟ من غير أن نُدرِّسه ومن غير أن نُعلِّمه، الكل يُدرِك هذا، هذه أشياء بديهية!
ستقول لي ما التصديقات النظرية؟ أنا سأقول لك، خُذ أي نظرية فلسفية أو نظرية فيزيائية أو نظرية كيميائية أو نظرية البيج بانج Big Bang أو نظرية أن هناك كائنات في العالم الآخر، هناك نظريات – مثلاً – في أمراض شرايين القلب، وهناك نظريات كالتي نذكرها في الخُطب عن التفكير وعن التقليد وعن النمط وما إلى ذلك، هذه كلها أشياء نظرية مكسوبة، ومناهج وعلوم وتجارب وإمبريقيات، مسألة كبيرة! لا تحدث هذه وحدها، لو هذه كانت بدهية لاشتركنا كلنا في معرفتها، كان يُمكِن أن يأتي أي أحد بريالة لكي يعقد خُطبة، وماذا بعد؟ كل هذا نعرفه، لأنه بدهي، لكن هذا ليس بدهياً، قليل البدهي فيه، لكنه مُهِم وقوي جداً جداً، نحن نتكلَّم ونكون مبسوطين ومُنسجِمين على مقدار الجديد الذي استفدتموه، لأن هذا غير بدهي، وأنا لم أستفده من عندي، وأنا لم أُؤلِّفه، أنقله عن العلماء، أليس كذلك؟ مثلاً هكذا! لأن هذا نظري، هذا كله نظري، هذا المقصود بالنظري فانتبهوا، النظري قد يكون مأخوذاً بطريق الاستقراء وبطريق التجربة، لا يعني كونه نظرياً أنه تأملي، لا! هذا مفهوم واسع، أي النظري، هل فهمتم؟ ما يُؤخَذ بالنظر وبالاستدلال، والاستدلال – انتبهوا – ليس الاستنباط فقط، لا! الاستدلال يشمل الاستنباط ويشمل الاستقراء، والاستنباط أكبر وسائله القياس، وعندنا الاستقراء، أي الــ Induction، هناك الــ Perfect induction وهناك الــ Imperfect induction، والاستقراء اليوم هو منهج العلوم التجريبية، أليس كذلك؟ من فيزياء وكيمياء وأحياء وفسيولوجيا – Physiology – وما إلى ذلك، كل هذا استقراء، كل هذه علوم، وسنأخذها بعد ذلك في المناهج إن شاء الله.
إذن الآن عندنا التصور البدهي، وعندنا التصور النظري، كيف؟ تصور مُفرَدة واحدة، لكن بالنظر وليس بالبداهة، قلنا الحرارة والبرودة وما إلى ذلك بدهية، لكن ماذا عن النظري؟ كثير جداً جداً جداً، الفوتون Photon مثلاً، الفوتون Photon مَن لم يسمع به قبل ذلك سيقول الآن حين أذكره ما الفوتون Photon؟ هذا يعني أنه ليس بدهياً، ومن ثم نحن سنشرح لك نظريات علم الضوء وما إلى ذلك لكي نُفهِمك في النهاية ما الفوتون Photon بهذه الطريقة، طبعاً أي مُصطلَح عن أي ظاهرة أو أي شيئ في أي علم لا تفهمه إلى أن تسمعه لا يكون بدهياً طبعاً، هذا نظري! ولذلك تتعلَّمه، يشرح لك إياه المُتخصِّص، أليس كذلك؟ يقول لك السبّاح هناك التنحي، يقول لك والله التنحي مُشكِلتنا يا أخي وما إلى ذلك، فتقول له ما التنحي؟ فيقول لك هل أنت تفهم معنى التنحي؟ فتقول له نعم لا أفهم معناه لأنه ليس بدهياً، التنحي يعني أنك حين تغوص لمسافات عميقة جداً في البحر تحدث عندك مشاكل في الدم، تحدث تفريغات هوائية في الدم نفسه، مشاكل كُبرى هذه لدى الغطّاسين طبعاً، اسمه التنحي هذا! ترجمته بالعربي التنحي، أنا لا أفهمه، كيف تفهمه؟ هذا تصور! تصور علمي هذا، لابد أن تكسبه بالتعلم، تتعلَّمه من علم السباحة والغطس، نحن لا نعرفه، وهكذا! بلايين بلايين المُصطلَحات، كلها نظرية، تصورات نظرية، أليس كذلك؟
تحدَّثنا عن الــ Teleportation، حين أقول الــ Teleportation تقول لي ما معنى الــ Teleportation؟ هذا تصور، Teleportation! حين أقول النقل البُعدي تقول لي ما النقل البُعدي؟ هذا مُصطلَح واحد كسبي نظري، أليس كذلك؟ وهكذا! الــ Entanglement، حدَّثتكم عن الــ Entanglement، ما الــ Entanglement؟ مَن يقول لي؟ مَن يتذكَّر؟ هل نسيتم؟ الــ Entanglementهو التشابك أو التعالق، أي الــ Verschränkung، سماه شرودنغر Schrödinger الــ Verschränkung، أي التعالق، الــ Entanglement! كل نظرية الــ Teleportation تقوم على نظرية الــ Entanglement، كلكم الآن نسيتم مع أنكم سمعتم كاملة في رمضان، هذا ليس بدهياً، ليس نظرياً فقط، هذا نظري مُدبَّل – من Double – طبعاً، أرأيتم؟ لأنه صعب، أمر صعب يحتاج إلى مَن يستوعبه جيداً.
فهذه هي التصورات النظرية، كثيرة جداً جداً أمثلتها، انتهينا من الشيئ هذا، وانتهينا من العلم وأقسامه وما إلى ذلك، نأتي الآن إلى الدلالات، لكن قبل ذلك – لكي نفهم لماذا نُريد أن نتكلَّم في الدلالات – سنرى مباحث المنطق، المنطق طيلة حياته يبحث في ماذا؟ يبحث في ثلاثة مجالات: واحد، اثنان، وثلاثة، وأنتم الآن أخذتم نظرة سريعة، تكلَّمنا نحن عن التصور، أليس كذلك؟ وتكلَّمنا عن التصديق، أليس كذلك؟ وفهمنا ما التصور، وفهمنا ما التصديق، والتصديق يخرج منه الــ Prepositions، أي القضايا! أليس كذلك؟ جبلٌ من ذهب، محمدٌ رسول الله، لا إله إلا الله، مسجد الشورى في الحي الثاني، مسجد الشورى في فيينا، ودرسنا اليوم في المنطق، كل هذه قضايا! كل هذه قضايا تحمل شيئ على شيئ، تربط شيئ بشيئ، سلباً أو إيجاباً، مُسيلمة ليس نبياً، أينشتاين Einstein عالم فيزياء، وهكذا! هذه القضايا.
بعد ذلك الشيئ الثالث عندنا هو الاستدلال، والاستدلال يكون خُطوة مُتقدِّمة عن التصديق، أي عن القضايا، خثطوة مُتقدِّمة! وتتوسَّل – كما قلت لكم – أمرين: الاستنباط – ووسيلته الكُبرى هي القياس – والاستقراء، هذا اسمه Deduction وهذا اسمه Induction، إذن الاستباط والاستقراء! الاستنباط تحرك من العام إلى الخاص، من الكُلي إلى الجُزئي، هذا هو طبعاً، يقولون كل إنسان فان، وعدنان إنسان، فعدنان فان، هكذا كان يقول سقراط Socrates قديماً، فان وسيشبع من الموت، لم نستفد شيئاً جديداً، نحن نعرف هذا، نحن نعرف أن أي إنسان سيموت، ومن ثم أي أحد ستأتي به أنا أعرف أنه سيموت، هذا صحيح، لكن هذه طريقة في التفكير، اسمها الاستنباط، قالوا هذه طريقة عقيمة، وهذا النقد وُجِّه للقياس الأرسطي والاستنباط الأرسطي، لكن أنت حين تأخذ القياس بكل تعقيداته تجد أنه مُفيد بعد ذلك، لأنك أحياناً تغلط دون أن تنتبه، كلما تعقَّد الشيئ كلما صار من الصعب مُراعاة قوانينه، والاستقراء عكسه! انتقال من الجُزئي إلى الكُلي، وسندع هذا إلى ما بعد، مثل أيام الأسبوع، هي الجُمعة، السبت، الأحد، الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، والخميس، هذا استقراء تام، أليس كذلك؟ هذا Perfect induction، هذه أيام الأسبوع، هل يُمكِن أن تأتي بغيرها يا حبيبي؟ سبعة أيام عند كل الشعوب، أليس كذلك؟ وكل يوم من الأيام أربع وعشرون ساعة، إذن أيام الأسبوع كل منها أربع وعشرون ساعة، تنتقل من الجُزئي إلى الكُلي، هذ معدن، والمعدن يتمدد بالحرارة وينكمش بالبرودة، وهذا معدن – رصاص أو كذا أو كذا أو كذا – ثانٍ، في النهاية ماذا ستقول لي؟ كل معدن يتمدد بالحرارة، هذا اسمه استقراء، وهذا الاستدلال، أرأيت؟ هذا مبني على هذا، وهذا مبني على هذا، هذا المنطق فقط! كل المنطق يبحث في ثلاثة أشياء.
نحن تحدَّثنا عن التصورات، وقلنا التصورات ما هي؟ هي ماذا؟ الأشياء الجُزئية، أليس كذلك؟ هذا هو، لذلك المنطق حين يُريد أن يشتغل هنا لابد أن يتحدَّث عن الألفاظ والدلالات، اللفظ المُركَّب والمُشترَك اللفظي والمعنوي والعلاقة بين هذه المعاني في دائرة النسب المُختلِفة والدلالات، دلالة اللفظ على معناه أو على جُزء معناه أو على لازم معناه، إلى آخره! كله في التصور، أي في المُفرَدات، وبعد ذلك نبدأ نتكلَّم عن القضايا، أليس كذلك؟ بعد ذلك ننتقل إلى الاستدلال وينتهي الأمر، ننتهي من المنطق، هذا المنطق كله! وهو مُرتَّب، هذا علم مُرتَّب، جميل! لذلك نحن اليوم سنتكلَّم عن الدلالة، أي الــ Signification، الــ Signification هي الدلالة، وطبعاً – كما نقول دائماً – الدلالة مُثلَّثة الدال: دَلالة، دِلالة، ودُلالة، أفصحها ماذا؟ الفتح: دَلالة، إذن الــ Signification هي الدلالة، ما الدلالة؟ باختصار وبلُغة عامية هي شيئ يُوصِّلك إلى شيئ، هذا الشيئ إذا حصل فلابد أن يُوصِّلك إلى الشيئ الثاني، الذي يُوصِّل – أي المُوصِل – يُسمونه الدال، الموصول إليه يُسمونه المدلول، ستقول لي هذه الــ Linguistics والــ Pragmatics، أي علم التداولية، نعم طبعاً، هذا هو، دي سوسيرو De Saussure وهؤلاء الجماعة أخذوا هذا من المنطق، الدال والمدلول! والعرب استخدموا الدال والمدلول، الجاحظ وغيره عندهم الدال والمدلول، والمناطقة من قديم استخدموا الدال والمدلول.
جميل أن نفهم الدلالات وأنواعها، وهذا سهل جداً إن شاء الله، وبعون الله في رُبع ساعة نكون انتهينا منها، الدلالات يا إخواني تنقسم إلى قسمين، وارسموا هذه الرسمة السهلة جداً، هناك دلالات لفظية وهناك دلالات غير لفظية، كل دلالة إما أن تكون دلالة لفظية أو دلالة غير لفظية، اكتبوا هذا عندكم فهو مُهِم جداً جداً، المقصود باللفظي إما بالكلمات المنطوقة وإما بالأصوات، كل هذا Verbal، حتى الصوت لفظي، مثل أح أو إحم أو آه مثلاً، هذا صوت وأنت تفهمه، حين يقول لك أحدهم آه تفهم أنه مألوم مُباشَرةً، حين يقول لك أحدهم أح يعني أنه شرب أو أكل شيئاً حاراً، دلالة! لكن هذا ليس لفظاً، هذا صوت، لكنه مفهوم، أليس كذلك؟ إذن أصوات أو كلمات، انتبهوا! الدلالة اللفظية أعم من أن تكون فقط بالكلمات، يُمكِن أن تكون بالأصوات، جميل!
الدلالة اللفظية تنقسم إلى ثلاثة أقسام، وغير اللفظية تنقسم إلى ثلاثة أقسام، ونفس القسمة! وهي سهلة جداً، دلالة لفظية وضعية، دلالة لفظية طبيعية، علماً بأن النسبة الصحيحة طبعية، لكننا صرنا نستثقلها لأن الناس لا يعرفونها وقد يقول أحدهم عن المُتحدِّث إنه يغلط ولا يفهم، طبعية! هي طبعية كما قلت، طبعية! نسبة إلى فعيلة فعلي، لكن هذا ما يحدث، الكل يقول طبيعي، هذا شيئ طبيعي أو بديهي، لا يُوجَد شيئ اسمه بديهي، الصحيح بدهي! ليس طبيعياً وبديهياً، إنما هو طبعيٌ وبدهيٌ، أرأيتم كيف؟ مثل قبليٌ، أليس كذلك؟ ومثل مدنيٌ، لماذا لا تقول مديني؟ أنت تقول مدني، وهذا الصحيح! هو مدني وليس مدينياً، المُهِم بعد ذلك دلالة لفظية عقلية، أرأيتم؟ ثلاثة أنواع! بعد ذلك غير اللفظية أيضاً منها وضعية، ومنها طبيعية، ومنها عقلية، أليس كذلك؟ سهل! وفهم هذا يُسهِّل إلى حد بعيد فهم هذا إن شاء الله، ونبدأ باللفظية.
الدلالة اللفظية الوضعية، أولاً ما معنى وضعية؟ اصطلاحية، يصطلح عليها الناس، ستقول لي اللُغة كلها اصطلاح، وهذا مضبوط، اللُغات كلها مُواضَعات، أليس كذلك؟ اللُغات كلها مُواضَعات! بالعربية نقول البهجة، أليس كذلك؟ أو المُتعة، بالإنجليزية يقولون Joy، بالفرنسية يقولون Joie، أليس كذلك؟ Joie! يقولون La joie de vivre، أي بهجة الحياة، La joie de vivre بالفرنسية أو The Joy of Life بالإنجليزية، بهجة الحياة! بالألمانية يقولون ماذا عن Joy؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور Lust، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، Freude ربما تكون أحسن من Lust، لأن هي ليست Lust، ليست الشهوة الجنسية، لا! هذه Freude، (ملحوظة) قال أحد الحضور عن بهجة الحياة Die Freuden des Lebens، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم، Die Freuden des Lebens، Freude وليس Lust، وLust بالألمانية تُساوي Lust بالإنجليزية، أرأيتم؟ وفي النهاية المُعبَّر عنه هو شيئ واحد، ما هو؟ الذي نفهمه وهو البهجة، بهجة الحياة! هم يفهمون أنه الــ Joy، أي The Joy of Life بالإنجليزية أو La joie de vivre بالفرنسية أو Die Freuden des Lebens بالألمانية، هي نفسها! إذن كيف هذا وهو شيئ واحد؟ لأن هذه مُواضَعات يا سيدي، ويُمكِن أن تكون اللُغات بالآلاف يا سيدي، ويُمكِن أن تُعبِّر أي كائنات أُخرى عن نفس الظاهرة بلُغات مُختلِفة لا تعرفها الكرة الأرضية كلها أيضاً، عادي! أي لا تُوجَد مُشكِلة، أليس كذلك؟ يُمكِن أن تُعبِّر الملائكة عن هذا الشيئ بلُغتها هي، الله أعلم! يُمكِن أن يكون عندها لُغة وتُعبِّر عن هذه الأشياء بلُغة مُختلِفة تماماً، مُواضَعات هذه! لكن مُواضَعات تختص بماذا؟ باللُغة، أليس كذلك؟ ستقول لي ولماذا الـ Ampel أحمر وبرتقالي أو أصفر وأخضر؟ ويكتبون لك بصور وأشياء، وأحياناً هناك أشياء تُوضَع في الطريق وضعاً وأنت تراها، مثل أعلام الأرض والصحراء وما إلى ذلك، لماذا؟ هذه أيضاً مُواضَعات، لكنها غير لفظية، أما هذه فلفظية، هذه كلها مُواضَعات لفظية، مُمتاز!
إذن اللُغات كلها داخلة في الدلالة اللفظية الوضعية، تواضع الناس واصطلحوا على أن يُسموا الحيوان – لن نقول الكائن، غلط! سنقول الحيوان – الناطق المُذكَّر بالرجل، أي الــ Man، الرجل! هكذا سموه الرجل، لكن هؤلاء سموه الــ Man، هم أحرار! أُناس سموه الرجل وأُناس سموه الــ Man، مُواضَعات! لكن هو نفسه في النهاية الحيوان الناطق المُذكَّر، أليس كذلك؟ ليس الأُنثى، يُسمونه الــ Man، أي الرجل! مُواضَعة هذه، واللُغات كلها مُواضَعات واصطلاحات، فهذه أسهل شيئ، أي الدلالة اللفظية الوضعية، وفي الحقيقة المنطق فقط يهتم بهذه، هناك علوم أُخرى تهتم بالدلالات الثنائية، وطبعاً رأينا هذا في علم الفسيولوجيا – Physiology – وعلم الطب، بعد ذلك علم البيولوجيا Biology، وبعد ذلك الفلسفة، فهذه تدخل هنا، لكن المنطق قال لا، أنا كمنطق – أي As logic بالإنجليزية أو Als logik بالألمانية – أهتم بماذا؟ بالدلالة اللفظية الوضعية، هل هذا واضح؟ ولذلك قال أنا سأُقسِّمها ثلاثة أقسام أيضاً، سيُورِّطنا المنطق بشكل زائد! قال سأُقسِّمها ثلاثة أقسام أيضاً: دلالة مُطاَبقة، دلالة تضمن، أي اشتمال، ودلالة لزوم.
بعد ذلك سأشرحهم لكي أنتهي من الدلالات هنا، الآن نرجع ونُكمِل، دلالة لفظية طبيعية، أعطيتكم أمثلة عليها، ما معنى طبيعية؟ أي بالطبيعة، بالخلقة، بالفطرة هي هكذا، الله خلقها هكذا، بالقانون الطبيعي! لم نتواضع عليها، الآن أي أحد من البشر حين يتألَّم ماذا يفعل؟ يُصدِر أصوات مُتشابِهة تماماً، هي نفسها! الكل يقول آه، بكل اللُغات يقول آه، هذه الألفاظ تدل على ماذا؟ على المألومية، على الألم! لأنه يتألَّم، ألفاظ هي، أليس كذلك؟ ليست كلمات، نحن قلنا دلالة لفظية، اللفظ يشمل حتى الأصوات، فهذا الصوت هو لفظ، لكنه يدل على ماذا؟ على الألم، بالوضع أو بالطبيعة؟ بالطبيعة، هكذا الله خلق الإنسان، صعب أن تضربه فيقول هههه، مُستحيل! لابد وأن يقول آه، يتألَّم بالطبيعة وبالفطرة، مُباشَرةً تلقائية! حتى الحيوانات كذلك، القط حين تضربه يُخرِج صوتاً مُعيَّناً، كل القطط هكذا، والكلب يُخرِج صوتاً آخر، أليس كذلك؟ يُخرِج صوتاً مُعيَّناً، علم بأن هذا الصوت يدرسه العلماء، هذه ليست لُغات، هذه أصوات! يُريد أن يقول لك إنه هنا مألوم، هنا يُعاني، هنا كذا وكذا، بأصوات وليس بلُغة، لأن اللُغة عندها تعريف مُعقَّد، فهذه الدلالة اللفظية الطبيعية.
الدلالة اللفظية العقلية، كيف تكون الدلالة اللفظية العقلية؟ ما معنى أنها عقلية؟ ما معنى العقلي هنا؟ يُدرِكها العقل، كيف يُدرِكها العقل؟ بماذا يُدرِكها العقل؟ بماذا يُدرِكها؟ بقوانينه، قانون العلية أو السببية مثلاً، كيف؟ أنا الآن جالس هكذا، بعد ذلك حرَّك شيئ الباب، طبعاً هناك خمسون احتمالاً، مثل الريح، أليس كذلك؟ أي الهواء، أو قط أو كلب أو إنسان، بعد ذلك بدأ شخص يتكلَّم، قال ربما هو هنا أو ربما ليس هنا، أنا لم أره، لكنني أدركت مُباشَرةً أنه إنسان، بماذا أدركت إذن هنا؟ انتبه! لا تقل لي أنا أدركت معنى كلمة ليس هنا، أنا لا أتكلَّم عن هذا، أتكلَّم عن أن الفاعل المجهول إنسان، أدركت أنه إنسان، بالعقل أدركت! لماذا؟ لأن تلفظه بالكلمات – باللُغة التي تفهمها – يدل عقلاً على أنه إنسان، بالعقل! العقل يفهم أنه لا يُوجَد قرد يتكلَّم بالكلمات هذه، أليس كذلك؟ لا يفعل هذا أي حيوان، فقط الإنسان! فأنا هنا الآن فهمت إنسانية هذا الفاعل، فهمت أن هذا إنسان مع كونه غير مرئي لي ومجهولاً، بماذا فهمت؟ بالعقل، والبحث ليس في معنى الكلمات التي قالها، ليس هو هذا، بغض النظر عن هذا فهمت، يُمكِن حتى أن يتكلَّم بكلمات دون أن أسمع ماذا قال، لكنني فهمت أن هذه لُغة بشرية، فقلت هذا إنسان، ففهمت إنسانيته باللفظ، بألفاظه! لأنه يتلفَّظ، لكن فهمت هذا بطريقة العقل، العقل يفهم أن هذا الحدث – هذا الــ Event – أو هذا الشيئ لا يفعله إلا بنو البشر، انتهينا من هذا.
نأتي – وهذا أسهل – إلى دلالة غير لفظية وضعية، كثيرة جداً جداً! كما قلنا إشارات الــ Ampel أو السيمافرو Semáforo كما يُسمونها، السيمافرو Semáforo – يقولون – أو الــ Ampel، هذه أشياء تواضعنا عليها، كان يُمكِن أن نعكسها، عادي! لا تُوجَد مُشكِلة، هذه كلها دلالات غير لفظية ووضعية، مع الأحمر تقف، وإلا ستدفع مالاً فيما بعد، ممنوع! مع البرتقالي تستعد، مع الأخضر تذهب وتنطلق، إلا إذا كنت ليبياً، لا أعرف! طبعاً العلماء يقولون عندنا إشارات، العقود والنُصب والإشارات والخط! هذه يُسمونها الإشارات الأربعة، لكن هذا ليس شرطاً، يمكِن أن تكون حتى أربعمائة، ما النُصب؟ مثل شواهد الطريق، مثل شواهد القبور، مثل العلامات التي يضعونها في الطريق أياً كانت، الآن وأنت تمشي ترى شيئاً مثل القمع، حين ترى هذه الأقماع والمخاريط تعرف أن هناك @@53:55، أليس كذلك؟ يضعونها باللون الأبيض والبرتقالي، فنعرف أن هذه معناها كذا وكذا، وقد تجد إشارة مرسومة على شكل سهم، تعني اذهب من هنا، لابد وأن تذهب من هنا! وهذه كلها غير طبيعية، هذه مُواضَعات، تقدر أن تدخل فيها وتُكسِّرها ومن ثم ستدفع غرامة بعد ذلك، لكن أن تفهم معناها، كلها أشياء يتواضع عليها الناس، وهناك أشياء كثيرة جداً، مفهوم ما – مثلاً – في آداب المائدة، مثلاً حين تُوضَع أشياء مُعيَّنة يعني هذا أن الطعام سيحضر، هذا في البيت! يُمكِن أن تتواضع الأسرة وحدها على أن المائدة حين تُوضَع في زاوية مُعيَّنة يعني هذا أن الآن ليس وقت الأكل، وحين تتحرَّك يعني هذا أن الأكل سيُوضَع، أليس كذلك؟ في الوقت هذا! فهذه مُواضَعات وكلها غير لفظية، بإشارات أو بحركات أو بأشياء، ليس عندنا مُشكِلة!
دلالة غير لفظية طبيعية، طبيعية لكن غير لفظية، إذا كانت لفظية فهي – كما قلنا – مثل الآه والأح وما إلى ذلك، لكن هذه ليست كذلك، مثل صُفرة الوجل، ترى أحدهم وترى عينيه وما إلى ذلك وترى وجهه أصفر، ومن ثم تقول هذا خائف، والله هذا مقطوع قلبه كما يُقال، كيف فهمت هذا؟ هو لم يتلفَّظ، لم يخرج أي كلام، الرجل لم يتكلَّم بكلمة، لكن أنت ترى أن وجهه مخطوف، والسياق – Context – يُؤكِّد أن هناك شيئاً مُخيفاً، هناك – مثلاً – شرطة وهذا خائف، فتقول ربما يكون هذا مُجرِماً أو مُتهَماً، ما قصته هذا؟ وجهه أصفر، أصفر كالليمون! أليس كذلك؟ أو حُمرة الخجل، ذهبت لكي تخطب بنتاً ما إلى ابنك وما إلى ذلك، وبعد ذلك احمر وجهها جداً، فتقول خجلت البنت هذه، يُقال لك مَن قال لك إنها خجلت؟ فتقول طبعاً يا أخي هذا بالطبيعة، حين يخجل الإنسان يصير وجهه أحمر، قد يقول لي أحدكم حسناً، أنت تقول إنها غير لفظية، فه مثلاً لا وآه طبيعية؟ لا، هذه غير طبيعية، هذه دلالات غير لفظية وضعية، الليبيون أفهموني هذا، عندهم العكس، هل فهمتم؟ هذه ليست طبيعية، ليس بالطبيعة أن آه تعني آه، يُمكِن أن تعني العكس، هم عندهم العكس، ويقولون لك هذا مضبوط، فتقول كيف هذا مضبوط؟ لكن لا تستغرب، لأن هذه وضعية، إذن حركات هز الرأس وما إلى ذلك بطريقة مُعيَّنة ليست طبيعية، القرآن الكريم حين نُترجِمه يجب أن نأخذ هذا بعين الاعتبار، وأنا قلت لكم الذاتي والعرضي في فهم الدين مُهِم جداً جداً، ووعدتكم بخُطبة سوف تكون رائعة إن شاء الله – إن شاء الله ليس عن تبجح – وسوف أُسميها جمال وأفيال، وقلت لكم الله يقول أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ۩، لو كان القرآن هندياً وكان النبي هندياً لقال أفلا ينظرون إلى الفيل كيف خُلِق، هذه أشياء عربية، وليس المقصود الإبل وحدها، المقصود إثارة الذهن وإيقاظ الفكر للتفكر في عظمة الله، أليس كذلك؟ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ ۩، هذه طريقة العرب، يُمكِن أن يكون إنغاض الرؤوس عند أمة ثانية معناه الاستحسان، كأنهم يقولون برافو Bravo وهذا جيد مائة في المائة، أليس كذلك؟ حين تأتي وتُترجِم إلى اللُغة الثانية لابد أن تُترجِم على هذا النحو، لا تقل له يُحرِّكون رؤوسهم وما إلى ذلك، لأن هذا يعني أنه لن يفهم، أنت برجلته بهذه الطريقة، سيقول لك كيف هذا؟ هم كفّار وهم أعداء محمد، فكيف وافقوا؟ ستقول له كيف فهمت أنهم وافقوا؟ وسيقول لك طبعاً وافقوا لأن إنغاض الرأس معناه المُوافَقة والاستحسان، فلابد أن تُترجِم المعنى، لا تُترجِم حرفياً أو حروفياً أبداً، ترجم فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ ۩ بمعنى سيهزأون ويُنكِرون، فقط! انتهى الأمر، لأن هذه كلها مُواضَعات، هذه معناها آه، احفظوها! هذه غريبة وجننتني، لكن لا علينا من هذا الآن، إذن الدلالة غير اللفظية الطبيعية – كما قلنا – مثل صُفرة الوجل وحُمرة الخجل، هذه طبيعية لكنها غير لفظية!
آخر شيئ دلالة غير لفظية وعقلية، تهتم بها كثيراً الفلسفة وعلم الكلام، كدلالة الحادث على مُحدِثه، شيئ حادث! أليس كذلك؟ كيف عرفنا أنه حادث، يجري عليه التغير، يتغيَّر من حالة إلى حالة وما إلى ذلك، فهذه سمة الحادث، وتحله الأعراض المُختلِفة، ستقول لي ما الأعراض؟ سأقول لك باختصار، كيان الشيئ يُسمونه الجوهر، الشيئ نفسه! أي الــ Ding بالألمانية أو الــ Thing بالإنجليزية، هذا الجوهر! كل ما يتعلَّق به من حالاته وصفاته المُختلِفة يُسمونها الأعراض، مثل طويل، قصير، سمين، رفيع، أصفر، أحمر، هنا، ليس هنا، أمس، اليوم، وإلى آخره، هذه كلها يُسمونها المقولات العرضيةّ!
زَيْدُ الطَّوِيلُ الأَزْرَقُ ابْنُ مَالِكِ فِي بَيْتِهِ بِالأَمْسِ كَانَ مُتَّكِي.
بِيَدِهِ غُصْنٌ لَوَاهُ فَالْتَوَى فَهَذِهِ عَشْرُ مَقُولاَتٍ سُوَى.
هذه العشرة! زيد هو الجوهر، والأشياء الثانية الأُخرى – الكيف، الكم، الأين، المتى، النسبة، الملك، أن يفعل، أن ينفعل، وإلى آخره – يُسمونها ماذا؟ المقولات العرضية، سوف نأخذها في المنطق إن شاء الله، يُسمونها المقولات العرضية التي تُعطينا مُواصَفات الشيئ، لكن فقط هذه هي باختصار.
فنحن عندنا الحادث، كيف عرفنا أنه حادث؟ هذا حادث السماء، هذا حادث النجم، وهذا حادث كذا، لأن تحله الأعراض، أليس كذلك؟ يكون هنا وبعد ذلك يصير هناك، أليس كذلك؟ يكون أمس هناك واليوم يصير هنا، يمر عليه أمس ويمر عليه اليوم، غصباً عن أبيه، لا يُوجَد شيئ إلا والزمان يمخر عُبابه، أليس كذلك؟ الله الوحيد الذي لا يُؤثِّر فيه ولا يمخر وليس له سُلطة عليه لا زمان ولا مكان، أليس كذلك؟ فكل الأشياء ما عدا الله حوادث، لماذا؟ تحلها الأعراض، أي التغيرات، أليس كذلك؟ فبالعقل نعرف ذلك، العقل رتَّب، ستقول لي كيف رتَّب؟ وسأقول لك اقرأ الفلسفة واقرأ علم الكلام – الثيولوجيا Theology – عند المُسلِمين وعند اليهود والنصارى، عند موسى بن ميمون وغيره ستجد الكلام هذا، يقول كل حادث لابد له من مُحدِث، ستقول له كيف فهمت أنت؟ كيف فهمت من كونه حادثاً أن له مُحدِثاً؟ سيقول لك بالدلالة العقلية، ستقول له أي دلالة هذه؟ وسيقول لك هذه دلالة غير لفظية، هي عقلية، بالعقل! أرأيت؟ هذه اسمها الدلالة غير اللفظية العقلية، دلالة حدوث الشيئ على وجود مُحدِثه.
دعونا من هذا حتى لا نُعقِّدكم بعلم كلام أو فلسفة أو كلام فارغ، سنأخذ شيئاً أسهل من هذا بكثير، أنا وضعت الكوب – أُريدر أن أشرب والله – هنا، بعد ذلك ذهبت ثم عودت فلم أجدها هنا، مَن أخذ كوبي؟ سيُقال لي لماذا يا شيخ تسأل السؤال هذا؟ الكوب ذهب وحده، لكن هذا لا يُمكِن، يستحيل أن يذهب وحده، بالعقل أفهم أن هذا الكائن لا يتحرَّك، لأن أي كائن نُريد أن نُعرِّفه، قد تقول لي هو هو كائن حسّاس نامٍ مُتحرِّك بالإرادة، ومن ثم هو حيوان، وقد تقول لي هو كائن حسّاس نامٍ مُتحرِّك بلا إرادة أو حتى غير مُتحرِّك، ومن ثم هو نبات، قد تقول لي هو غير مُتحرِّك فقط، ومن ثم هو جماد، وسوف نأخذ هذا في علم التعريفات في المنطق بعد ذلك، فأنا أفهم أن هذا من القسم الأخير يا حبيبي، ولا يُمكِن أن يتحرَّك وحده، وهذه الطاولة لم تتحرَّك، تحرَّكت معه حركة نسبية، موجودة الطاولة! لابد من أن أحدهم أخذه، كيف استدللت على هذا؟ بالدلالة غير اللفظية العقلية، أرأيتم؟ كل مُتحرِّك لا يتحرَّك بذاته لابد له من مُحرِّك Mover، هو أن Unmoved thing، هو شيئ غير مُتحرِّك، لكنه تحرَّك، وهذا يعني أن لابد من أن أحدهم حرَّكه، وهو من الأشياء التي تتحرَّك وتُحرِّك غيرها بالإرادة، أي إنسان أو حيوان ذكي جداً مثل الشِمْبانزِي Chimpanzee أو أي حيوان مُعيَّن، أليس كذلك؟ هذا أيضاً من هذا القسم، وهكذا طبعاً! أنت عندك دفتر أو كتاب، وأول جلدة ممزوعة، بدأت تقرأ فأعجب وقلت هذا مُمتاز، هذا مَن ألَّفه يا أخي؟ الآن أنت تسأل عمَن ألَّفه، لابد له من مُؤلِّف، لا تقل لي هذا أتى هكذا وحده والله، وحده طُبِع وليس له مُؤلِّف، أُلِّف وحده! هذا لا يُمكِن، لابد من مُؤلِّف ألَّفه، وأنت ستقول لابد أن له مُؤلِّفاً، ولابد أن مُؤلِّفه فيلسوف، لماذا هو فيلسوف؟ لماذا هو ليس عالماً – مثلاً – في البيولوجيا Biology؟ لا يا حبيبي، هذه المباحث كلها فلسفية، فهذه كلها استدلالات غير لفظية عقلية، يترتَّب بعضها على بعض، وهذه كثيرة جداً جداً، ستقول لي هذا يعني أن مُعظَم استدلالاتنا على هذا النحو، وهذا صحيح طبعاً، هي تكون بهذه الطريقة أيضاً، الكل! وخاصة في العلوم، إلا لو كان الأمر أيضاً على طريقة الليبيين يا دكتور حسن، قال الحمامة نتِّف ريشها وبعد ذلك ستجد أنها ستفقد حاسة السمع لأنها لا تستجيب للطيران، استدلال هذا! لكنه غير دقيق، فالعلوم تستدل أيضاً بالطريقة هذه، الاستدلالات كلها غير لفظية لكنها عقلية.
سنختم الدرس بكلمات، سنرجع إلى هنا، وجميل لو فهمنا هذا – إن شاء الله – اليوم، ما الدلالة اللفظية الوضعية التي هي من قسم المُطاَبقة؟ لكي نختصر سنقول اللفظية الوضعية تنقسم إلى ثلاثة أقسام، هنا هذه الأقسام كلها تخص ماذا؟ الكلمات، هذه الكلمات! وسنُخرِج الأصوات، الأصوات هذه سندعها وحدها وسنظل مع الكلمات، أي بالإنجليزية Words أو بالألمانية Worte، دلالات مُطابَقة، كلمة تدل على مدلولها، ما مدلولها؟ معناها، مدلول الكلمة هو معناها، أليس كذلك؟ الكلمة تدل على مدلولها بالمُطابَقة، أو دلالة مُطابَقة، أي هي دلالة الكلمة على تمام معناها، على كل معناها، هذا باختصار الآن! حين نقول بيت – مثل المسجد هذا – سنجد أن كلمة بيت تُوحي إليكم بماذا؟ بالأرضية، بالسقف، بالجدران، بالباب أو الأبواب، والنوافذ، أليس كذلك؟ كل هذا مع بعضه اسمه البيت، فإذا قلنا بيت دلت على هذه الأشياء المذكورة بماذا؟ بالمُطابَقة، لأن هذا هو تمام معنى البيت حين نقول بيت، يُسمونه باللُغة الأصولية – في أصول الفقه يُسمونه ماذا؟ – الفرد المُطلَق والفرد الكامل، حين نقول بيت هذا مُطلَق، حين نقول البيت هو كذا وكذا هذا الكامل، أي البيت الكامل، أليس كذلك؟ ليس منقوصاً، نفس اللُغة! لكن هذه لُغة أصولية وهذه لُغة منطقية.
الإنسان، ما هو الإنسان؟ عرِّفوه، هيا! (ملحوظة) قال أحد الحضور حيوان ناطق، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم إنه حيوان ناطق، أحسنت، طبعاً أُنبِّه مرة ثانية على أن النطق عند أرسطو Aristotle لا يعني أن تتكلَّم وتُخرِج أصواتاً، لا! هل تعرف ما معنى النطق عند أرسطو Aristotle بالضبط؟ التفكير العقلي، وبالذات عند أرسطو Aristotle تكوين المعاني الكُلية والحُكم عليها، هو هذا! المعقولات الثانية، أرأيت؟ ذكي أرسطو Aristotle يا أخي، هذا أنا مُعجَب به يا أخي، ولست أنا وحدي مَن أُعجِب به، الدنيا كلها أُعجِبت به، ابن رشد قال سُبحان مَن خلقه، قال الله خلقه من أجل أن يُري كما النوع الإنساني، ابن رشد قال هذا! قال هذا غير طبيعي، وفعلاً هو غير طبيعي، أنا – والله – يُذهِلني، أُقسِم بالله العظيم! رجل في القرن الرابع قبل الميلاد يموت وعنده كل العلوم والأفكار هذه، يا أخي مُخيف، مُخيف الرجل! وكل الذي وصلنا من كُتبه سبع وأربعون كتاباَ، كم عدد الكُتب التي ألَّفها؟ مائة وسبعين كتاب، انتبهوا جيداً! ما وصلنا سبع وأربعون، وملأ الدنيا اليوم، جنَّنا الرجل هذا، تكلَّم في السياسة، في الاجتماع، في الفيزياء، في الأحياء، وفي غير ذلك، رجل رهيب! وكذلك في المنطق، في الفلسفة، وفي غير ذلك، ما هذا العقل يا أخي؟ وكم عاش؟ ثلاث وستين سنة، فعلاً سُبحان مَن خلقه، وابن رشد – والله – عنده الحق، أُقسِم بالله! سُبحان مَن خلق أرسطو Aristotle، الحمقى فقط يظنون أنهم يُمكِن أن يكونوا مثل أرسطو Aristotle، تجد مَن يقول سأكون مثله وسأفهم مثل، لأنه أحمق أو من المغرورين والمرضى النفسيين، هناك الكثير من المرضى النفسيين، حين تُعطي أحدهم أصعب معلومة يفهمها ويقول لك عادي، عندي هذه، وكأنه ألَّفها، لأنه فقط فهمها، ظن أنه ألَّفها وأنه ذكي جداً، فليذهب ويفهم غيرها وحده إذن، فهناك الكثير من المرضى، لكن أرسطو Aristotle هذا غريب، فقال النطق عندي لا يعني الكلام، فلا ينبغي أن نُترجِم هذه الكلمة على هذا النحو، غلط! هذه ضللتنا، ضللتنا كثيراً! يقصد بالنطق والناطقية التفكير العقلي وبالذات تكوين المعقولات الثانية، وهي تكوين الكُليات والحُكم عليها بالنسب والعلائق، هو هذا! هذا الإنسان فعلاً، لأن القرد أكيد عنده معاني تصورية، أليس كذلك؟ وكذلك القطة الخاصة بك، تعرفك وتعرف أن هذا مَن يُعطيها كل يوم الأكل وما إلى ذلك، عندها الأشياء هذه، لكنها لا تقدر أن تُكوِّن المعقولات الثانية بتمام معناها.
على كل حال الإنسان هو الحيوان الناطق، فإذا دللنا بالإنسان على الحيوانية الناطقية مع بعضهما تكون هذه دلالة بالمُطابَقة، أليس كذلك؟ هذا هو، وهو واضح جداً! لكن لكي نُوضِّح هذا الآن سنقول جاء واحد وقال لآخر هل تُؤجِّر لي بيتك؟ فقال له سأُؤجِّر لك إياه، بعد أن انتهى كل شيئ ووقَّع العقد – Vertrag – وما إلى ذلك ثم ذهب وأعطاه الأموال في الشهر الأول ودفع مُقابِل إيجار ثلاثة أشهر مُقدَّماً جاء الثاني وقال له انتبه، ممنوع أن تفتح أي نافذة، وممنوع أن تدخل من الباب، فقال له نعم يا حبيبي؟ كيف؟ من أين – إن شاء الله – سأدخل؟ النوافذ ممنوع أن أفتحها، والباب ممنوع أن أدخل منه، وهذا يعني أنني لن أدخل البيت! لكنه قال له لا، أنا أجَّرت لك البيت ولم أُؤجِّر لك النافذة، فذهبا إلى القاضي، سيحكم لمَن؟ للمُستأجِر مُباشَرةً، سيقول له لا يا حبيبي، أنت كتبت هنا أنك أجَّرت له البيت، بيتك من غير أي قيد، والمُطلَق يُحمَل على الكامل، أي البيت يدل على مجموع ما ذُكِر بما فيه – قال له – الباب الخاص بك والنوافذ، بدلالة ماذا؟ المُطابَقة، قال له المنطق لا يُساعِدك، يُساعِد صاحبك، اذهب إلى الخارج، عادي! أرأيتم كيف؟ هذه دلالة مُطابَقة، سيقول لي أحدكم جيد، عندي الآن مسألة ثانية، جئت الآن وتعاقدت – لأن عندي بيت وأُريد أن أدهنه – مع دهّان، أي مع مَن يدهن ويُلوِّن لكي يدهن لي بيتي، وجاء بعد ذلك ودهن لي ما يُدهَن في العادة، معروف ما يُدهَن الآن! أليس كذلك؟ قلت له ادهن لي البيت، فقال لي سأدهن لك البيت، فدهن الأخشاب التي تُدهَن والجدران وما إلى ذلك، لكنه ترك @@1:6:33@@، لأنه لا يُدهَن، وترك – نفترض مثلاً – النجف المُعلَّق، تركه! وترك كذا وكذا، إلى آخره، دهن الأبواب والنوافذ وكذا وكذا من الأشياء التي تُدهَن، لكنني قلت له لا، ماذا عن @@@1:6:46 يا حبيبي؟ فقال لي @@ ماذا؟ ما علاقة هذا بما أفعله؟ هذا ليس له علاقة بالبيت؟ فقلت له لا، وماذا عن @@1:6:53@؟ فقال يا أخي لا يُدهَن، فذهبت أنا وهو عند القاضي، سيحكم لمَن؟ للدهّان، فلماذا؟ لماذا ونحن قلنا الأرضية داخلة في البيت؟ لا، هنا صار التعاقد على البيت لكن لا بدلالة المُطابَقة، وإنما بدلالة التضمن، مفهوم حين تتعاقد مع دهّان أنك ستقول له ادهن لي بيتي وسيكون المقصود ادهن من بيتي ما يُدهَن، هذا يعني جُزء معنى البيت، فكلمة بيتي في عقد مع دهّان تدل على البيت بالمُطابَقة أو بالتضمن؟ بالتضمن، كيف بالتضمن؟ جُزء معناه ضمن كله، ما معنى جُزء معناه؟ الحائط وحده أو الحوائط، السقف وحده، الأبواب وحدها، والنوافذ، أو بعض هذه دون الكل، كل هذا يُسمونه دلالة تضمن، هذه دلالة تضمن! أليس كذلك؟ سنأتي بمثال أسهل من هذا، سنأتي بمثال عن الكتاب، دلالة المُطابَقة من الكتاب تدل على ماذا؟ على ماذا يدل كله؟ على الجلدة الخاصة به، الجلدة التي من ورق مُقوَّى أو كرتون أو شمواه أو حتى جلد أو جلدة عادية ورقية، وعلى الأوراق، وعلى المطبوع، على كل مافيه! هذا كله اسمه الكتاب، أليس كذلك؟ لو أخذت الكتاب هذا وقد نُزِع عنه جلده وذهبت إلى مُجلِّد وقدَّمت له الكتاب وقلت له اضبط لي هذا الكتاب ماذا سيُفهَم من هذا؟ هذه دلالة تضمن، أنت تُريد ضبط الجلد فقط، لأنه مُجلِّد، لكنك بعد ذلك قلت له ما هذا؟ تُوجَد صفحات هنا بيضاء يا حبيبي لم تُصوِّرها المطبعة، لماذا لم تُصوِّرها وتُلصِقها لي هنا؟ فقال لك لا يا حبيبي، أنا مُجلِّد، فقلت له لكنني قلت لك اضبط لي هذا الكتاب، فقال لك لا، اضبط لي هذا الكتاب تُفهَم هنا بدلالة التضمن، أنا مُجلِّد، أنا أُعنى بالجلد دون الصفحات والمضمون، المضمون لا يهمني، اذهب إلى المطبعة التي طبعته، أليس كذلك؟ والحق مع مَن؟ مع المُجلِّد، وهكذا!
هذه دلالة ماذا؟ التضمن، أصعب الدلالات – وسنختصرها بكلمات – اللزوم، دلالة اللزوم! إذن المُطابَقة دلالة اللفظ على كامل معناه، كله! لكن أحدهم سألك وقال لك هذا الكائن حيوان أو نبات؟ فقلت له إنسان يا رجل، هذا إنسان! أنت أجبته الآن بالتضمن أو بالمُطابَقة عن سؤاله؟ بالتضمن، هو يُريد أن يعرف هل هو حيوان أو نبات، فأنت قلت له إنسان، وهذا يعني أنه حيوان، وأنت هنا لا تلحظ ولا يهمك أن تلحظ الناطقية، أليس كذلك؟ ولا هو يسأل عنها، الناطقية لا تهمه، هو يسأل فقط لأنه يُريد ان يُفرِز الماهية، أن هذا حيوان أو نبات، فقلت له إنسان، وهذا يعني ماذا؟ أنه حيوان وليس نبات، هذا جواب بالتضمن، أرأيتم المنطق؟ هذا جواب بالتضمن، نأتي الآن إلى اللزوم، كيف يكون اللزوم؟ اللزوم كالآتي، حين تنطق لفظة أو تكتبها أو تتعاطى معها أو تتعاقب عليها تدل على معنى لا هو منها ولا هو تمام معناها، أي لا مُطابَقة ولا تضمن، لا هو تمام معناها ولا هو جُزء معناها ضمن كل معناها، بل معنى خارج عنها، عجيب! هو خارج عنها وهي تدل عليه؟ نعم، وتدل عليه طبعاً، واللزوم هذا منه ذهني ومنه عُرفي، تُوجَد أشياء الناس يتعارفون عليها أيضاً، وهناك لزوم عقلي، العقل يحكم به، مثل ماذا؟ مثل دلالة السقف بالعقل أو بالذهن لزوماً على الحائط، لا يقف سقف وحده هكذا! أليس كذلك؟ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ۩، لا يقف سقف وحده هكذا بطريقة الله، الله الذي يحمل الأشياء، حين تقول سقف نفهم مُباشَرةً ماذا؟ إما هناك حائط أو عمد، هناك أعمدة تحمله، مُباشَرةً نفهم هذا! ستقول لي لكن – والله – الأعمدة غير الحائط، وهي – والله – غيره فعلاً، هذا مضبوط بصراحة، الحائط شيئ والذهن وحده يقدر أن يتصوَّر السقف ويقدر أن يتصوَّر الحائط، لكنه حين يتصوَّر السقف مُباشَرةً يقفز إلى العمد أو الحوائط، أليس كذلك؟ لا يُوجَد سقف في الهواء، فالآن دلالة السقف على الحيطان دلالة لزومية، من اللزوم! دلالة المُثلَّث على أن مجموع زواياه مائة وثمانون درجة دلالة باللزوم، وكذلك دلالة العمى على البصر، حين نقول المسكين أعمى Blind، Blind المسكين هذا، أعمى تدل مُباشَرةً على ماذا أيضاً؟ على البصر، أليس كذلك؟ لأن ما هو العمى؟ هو عدم البصر، مسلوبية البصر، عمى الإنسان هو أن يُسلَب بصره، أو ألا يكون عنده هذا من الأصل، أليس كذلك؟ جيد! الآن سنبدأ نشرحها، ربما تكون صعبة لكن سيكون من الجيد أن تفهموها، حين نقول الآن العمى يدل على البصر يعني هذا أنه لا يُمكِن أن تتصوَّر العمى من غير أن تتصوَّر البصر، أليس كذلك؟ يستحيل! كما أنك لا يُمكِن أن تتصوَّر مفهوم الأربعة دون أن تتصوَّر مفهوم الزوجية، أليس كذلك؟ حين تفهم ما هي الأربعة تفهم أنها زوج، وما معنى زوج؟ قابل للقسمة إلى مُتساويين بغير باقٍ، أي إلى اثنين واثنين، زوج! لا يُمكِن غير هذا، والاثنان تنقسم إلى واحد وواحد، عكس ثلاثة وخمسة، لا يُمكِن أن تقول لي لا، أنا أتصوَّر الأربعة وليس لي علاقة بالزوجية، هذا لا يُمكِن غصباً عنك، أليس كذلك؟ وكذلك الحال مع المُثلَّث، فهو مجموع زواياه مائة وثمانون غصباً عنك، إذا لم تُكمِله ولم يكن على هذا النحو لا يكون مُثلَّثاً، سيكون أي شكل ثانٍ، لكي يكون مُثلَّثاً لابد وأن يكون مجموع زواياه مائة وثمانين درجة، وكذلك الغراب يدل على ماذا؟ على السواد، لأن إلى الآن بالمُناسَبة لم يثبت أن هناك أي غراب أبيض، هناك أُناس قالوا هذا موجود، لكن إلى الآن لم نره وحتى هذا غير ثابت بصراحة، دعونا نقول إن الغربان إلى الآن سوداء، هذه قضية في البيولوجيا Biology ليس لنا علاقة بها وفي علم الطيور، لكن الغربان سوداء على الأقل إلى الآن أو كما هو شائع، فأنت أيضاً حين تتصوَّر لفظ غراب مُباشَرةً تتصوَّر السواد، يُوجَد فرق بين هذه اللزومات، فعلاً يُوجَد فرق! كيف؟ الآن حين أتصوَّر الغراب وأتصوَّر السواد يكون اللزوم هذا في ذهني أو في عقلي أم يكون في الخارج أم يكون في الاثنين؟ في الخارج، بدليل أن الإنسان يُمكِن أن تُضلِّله وتُفهِمه أن هناك غراباً وتقول له هو نوع من الطيور وهو كذا وكذا دون أن تُعطيه لونه، والذهن يتصوَّره بأي لون، أحمر أو برتقالي أو أبيض، وهكذا! ليس عنده أي مُشكِلة الذهن، عادي! لا يقع في التناقض الذهن، أليس كذلك؟ لا يقع في التناقض هنا، لكن يقع في التناقض إذا تصوَّر معنى الأربعة والزوجية لكنه قال لا، في الذهن الأربعة ليس شرطاً أن تكون زوجاً، هذا لا يُمكِن! سنقول لك لابد وأن تكون زوجاً، أليس كذلك؟ إذن هذا لزوم في الذهن، أليس كذلك؟ في الخارج لا يُوجَد شيئ اسمه زوجية، لا يُوجَد! هذا لزوم فقط في الذهن وحده، أليس كذلك؟ لكن لزوم الغراب للسواد أو للسوادية هو لزوم في الخارج دون الذهن، أليس كذلك؟ وكذلك الحال مع لزوم البصر للعمى، حتى لا ننسى يا إخواني في اللزوم دائماً عندنا الملزوم واللازم، الآن في الغراب الأسود مَن اللازم ومَن الملزوم؟ هذا مُهِم حتى لا تنسوا مرة ثانية، دائماً الملزوم هو الموصوف، هو الموضوع، هذا هو! المُسنَد إليه، واللازم بمثابة الصفة أو ما يُسنَد إلى الشيئ، انتهى! هذا يعني أن الملزوم هو الغراب، اللازم هو السواد أو أسود، أي صفة أسود، هل فهمتم كيف؟ هذا هو! فنحن قلنا يلزم تصور البصر من تصور العمى، وهذا يعني أن العمى هو الملزوم، البصر هو اللازم، لا أقدر أن أتصوَّر العمى دون أن أتصوَّر البصر، مُستحيل! لابد أن أتصوَّر العمى على أنه سلب للبصر، فقدان للبصر، أليس كذلك؟ جيد! في العمى والبصر لكي أتصوَّر العمى لابد وأن أتصوَّر البصر، أي المسلوب هذا، هذا اللزوم في الخارج أو في الذهن؟ فقط في الذهن، ليس في الخارج! لأن الأعمى فعلاً لا يتصف بالبصر، ليس عنده بصر وليس للمسكين علاقة بالبصر، أليس كذلك؟ حين أذهب وأُفتِّش أجده أعمى، ليس للمسكين علاقة بالبصر نهائياً، هذا يعني أن في الخارج لا يُوجَد بصر عنده أليس كذلك؟ البصر هذا أين جاء؟ في الذهن عندي، لكي أفهم معنى العمى في الذهن لابد وأن أفهم وأستحضر مفهوم البصر، ائت به وأقول له تعال يا بصر، لماذا؟ لأن هو ليس عنده البصر، أرأيتم كيف؟ هو هذا، فهذه أنواع اللزوم، يقولون لزوم في الخارج والذهن معاً، لزوم في الذهن وحده، لزوم في الخارج دون الذهن، ينبغي أن تفهموا هذه المسألة، إذا قمتم بمُراجَعتها فسوف تفهمونه، هي سهلة جداً، لكن أهم شيئ أن تفهموا اللزوم بشكل عام.
هذا كل ما يتعلَّق – إن شاء الله – بالدلالات وأقسام وأنواع الدلالات، لابد من المُراجَعة يا إخواني، وحاولوا أن تبحثوا في الإنترنت Internet، يُمكِن أن تجدوا – إن شاء الله – متن الشمسية، متن الشمسية للإمام الكاتبي المشهور بنجم الدين القزويني، من أهل القرن السابع الهجري، هذا أشهر متن على الإطلاق في المنطق الإسلامي في المنطق، كُتيب صغير مُركَّز، بعد شرح اليوم هذا ستفهم كل ما يتعلَّق بالأشياء التي ذكرتها من خلال هذا المتن، بعد أن ننتهي من دروس المنطق إن شاء الله – لا أعرف عددها، ربما يصل العدد إلى عشرين أو ثلاثين درساً – سوف نأتي بالمتن هذا ونقرأه، مثلما فعلنا قديماً مع متن البيقونية، وسوف تجدون أنكم تفهمون كل شيئ فيه، أو يُمكِن أن تأخذوا السلم المُنورق – بتقديم الواو على الراء السلم المُنورق – للإمام عبد الرحمن بن محمد الأخضري رحمة الله عليه، هذا أشهر متن شعري في العربية والإسلامية في المنطق، ابحثوا عنه مع شرحه، حتى الأخضري قام بعمل شرح عليه، وهو شرح مُمتاز وأنا أنصح به، وغيره شرحه طبعاً، هذه متون بسيطة، لكن طبعاً حين تقرأها وحدها يستحيل أن تفهمها، لا يُمكِن لأحد أن يفهمها، سوف تُعقِّدك في حياتك، لكنني أقول لك اقرأ ما يختص بكلامنا بعدما تسمع الدرس، ائت بالشمسية وائت بالسلم المُنورق، ولماذا أنا نصحت بهما؟ لأن في أدبيات العلم عندنا في العالم الإسلامي لا يُمكِن أن تقول أنا قرأت لعبد الرحمن حسن حبنكة ضوابط المعرفة، هذا لا ينفع! لا يُمكِن أن تقول أنا قرأت للمُظفَّر المنطق، هذا لا ينفع! لابد أن تقرأ المتون الأصلية هذه، هذه درسها كل العلماء ويستندون إليها ويحفظونها، ستقول لي لن أفهمها بعد الشرح، لكنك سوف تفهمها جيداً بنسبة مائة في المائة، سوف تفهمها مثل الكتاب بعون الله، واضحة جداً! لا يُوجَد فيها أي تعقيد، والحمد لله.
أضف تعليق