– الأستاذ المُهندِس طرفة بغجاتي: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نُتابِع معكم أيها الإخوة الأحبة وأيتها الإخوات الفاضلات الحلقة التاسعة في سلسلة ذكرى الإمام الغزالي، ذكرى واحتفاليات مرور تسعمائة سنة على وفاته رحمه الله، وقد قمنا برحلةٍ طويلةٍ مع شيخنا الفاضل في الحلقة الثامنة في مُقارَنةٍ سريعةٍ بين الفلاسفة في الغرب ومنهم ديكارت Descartes وهيوم Hume وكانط Kantوكيف أخذوا بعض الأمور وكثيرها من الإمام الغزالي وخاصةً ما أُثبِت في كتاب المقال في المنهج لديكارت Descartes وأخذه عن المُنقِذ من الضلال وعن شيئٍ من التهافت، وذكر لنا شيخنا الفاضل قصةً جميلةً حصلت في عنابة في الجزائر في أوائل السبعينيات نرجو الرجوع إليها في الحلقة الثامنة.
لم يكن للإمام الغزالي مُشكِلة مع الفلاسفة في التحليليات فهي علوم يقينية عنده وليس في الحسابيات وليس في المنطقيات ولا الطبيعيات والفيزياء والرياضيات وحتى الخلقيات، المُشكِلة كانت في الإلهيات، في موضوع قِدم العالم، أبديٌ هو أم أزليٌ؟ وفي مقولة المكان والزمان والعلاقة المُتميِّزة بينهما، وهنا شرح لنا الشيخ الفاضل عبقرية الإمام الغزالي في بحثه لهذا الموضوع، حيث كان يقول إن للزمان لا معنى بدون المكان وإن الزمان باعتباره عدّادٌ للحركة لا يُمكِن أن يكون له وجود دون مكانٍ يتحرَّك به، وعاد شيخنا الفاضل بذكرى سريعة لابن رشد الذي خفَّف وكان مُتواضِعاً وكان مُتماسِكاً في موضوع علم الله للجُزئيات وكان له شرحٌ يُمكِن أن يتوافق ويتطابق مع الشريعة الإسلامية مع كونه مُعجَباً بالعالم الشهير أرسطو Aristotle، نرجو الرجوع لهذه الحلقة المُهِمة، وننتقل الآن لحلقتنا التاسعة في هذه السلسلة مع شيخنا الفاضل عدنان إبراهيم، تفضَّل شيخ عدنان.
– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: شكراً، بارك الله فيك يا أبا عدنان.
بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه، ربي يسِّر وأعِن.
إخواني:
أبو حامد – رحمة الله تعالى عليه – حاول أن يُعجِّز الفلاسفة في إثبات كون الله صانعاً للعالم كما يلتزمون، هم يلتزمون أنه صانع العالم، قال لا، هذا على أصولكم لا يتم، كيف وهو من كلامهم وبلوازمهم البيّنة يأخذهم؟ قال لأنكم ادّعيتم أن العالم صدر عن الله بغير فاصلة زمانية صدوراً ضرورياً كما تصدر الحرارة عن النار والنور عن الشمس، ومَن كان هذا شأنه أولاً هو لا يفعل بالاختيار فلا إرادة له ولا اختيار له وبالتالي لا يُسمى فاعلاً، أي لا يُسمى صانعاً، لأن الفاعل والصانع من أول وآكد شروطه أن يكون ذا اختيار لكي يصنع ويخلق، وهو على قولكم – بلازم قولكم – لا اختيار له، فكيف استجزتم أن تُسموه صانعاً؟ هو ليس صانعاً بحسب أقوالكم، لكن هو في نفس الأمر صانع وخالق – لا إله إلا هو – عند أبي حامد لكن على أُسس مُختلِفة تماماً، فهذه نُقطة من الأشياء التي ألزمهم بها رحمة الله تبارك وتعالى عليه، كما أنه قال أنتم تزعمون في مبادئكم الفلسفية أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد، هكذا هم يقولون: الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد، وبين قوسين (ابن رشد في التهافت – تهافت التهافت – لم يلتزم هذا المبدأ)، لم يُسلِّم أنه من المباديء المقطوع بها في الفلسفة، قال لا، أنا لا ألتزمه، طبعاً لأنه خطير جداً، التزامه خطير جداً جداً، يُفضي إلى تعدد الخالقين، فيكون الذي صدر عن الله شيئٌ واحد فقط، ثم بعد ذلك عن هذا الصادر تصدر صادرات أُخرى وهكذا فتتعدَّد الآلهة الخالقة، ابن رشد طبعاً هنا أحس بالخطورة وحراجة موقفه – أن يُقلِّد هكذا في عماية الأغارقة – فقال لا، هذا ليس مبدأً مُسلَّماً به، لكنه معروف، مبدأ في الفلسفة الإغريقية معروف، في الفلسفة الأرسطية الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد، للأسف إلى الآن هناك فلاسفة إسلاميون يلتزمونه ويُبرِّرونه للأسف الشديد، على كل حال يُجيبون عن الإشكالات والشُبهات، فقال هذا المبدأ أيضاً غير صحيح عندي، لماذا؟ لأن العالم – هذا العالم – يشهد بأنه ليس واحداً، هذا مُركَّب، هذا عالم مُركَّب، وأنتم تزعمون أنه مخلوق لله، فإذا كان هذا العالم مُركَّباً وهو مخلوق لله وقع التناقض، لأنكم تقولون المصنوع لله لا يكون إلا واحداً، والعالم ليس واحداً فتناقضتم، ألزمهم رحمة الله تعالى عليه، هذا هو باختصار، باختصار شديد، يُمكِن أن تعودوا طبعاً إلى المُجادَلات، وأبو حامد أيها الإخوة لإنصافه – وهذا ليس فقط مع الفلاسفة بل حتى مع الباطنية – يذكر حُجج القوم – كما قلت لكم – بأحسن مما يُمكِنهم أن يعرضوها به ويُفصِّل، هو لا يقف موقف المحامي فانتبهوا، يُقال أبو حامد محامي عن الشريعة، غير صحيح، أبو حامد باحث عن الحقيقة وهذا مجده، هذا شرفه، لماذا؟ لو كان مُحامياً مدرهاً عن الشريعة والإسلام لاتخذ موقف المحامي، والمحامي ماذا يفعل دائماً؟ يُخفي حُجج خصمه ويُبرِز بيّناته هو وحُججه، هكذا لابد أن يفعل المُحامي وإلا يخسر، أليس كذلك؟ وأحياناً يُحامي عن قضية ويعلم أنها ليست عادلة ويكسبها للأسف، فهلوة! أبو حامد ليس مُحامياً، أبو حامد باحث عن الحقيقة، ولو وجد بعقله المُستقِل الحر الطلق الطُلعة النزيه أن الحق معهم في كذا وكذا مسألة لوافقهم رحمة الله تعالى عليه، فهو فعل الشيئ نفسه مع الباطنية، عرض حُججهم بدقة شديدة جداً وتوسع حتى عتب عليه بعض خواص أصحابه وقالوا أنت أسأت بهذا، أنت تحتج لهم الآن، أي كأنك واحد منهم، قال لا، أنا ما كذبت وما أتيت بشيئ من عندي وإنما كل ما يعرض من تشغيب وشُبهات أنا ألتزم أن أذكره، بالمُناسَبة أبو عدنان – بارك الله فيه – يُؤكِّد ما الذي بقيَ من أبي حامد؟ ماذا نستفيد من أبي حامد؟ نستفيد الكثير الكثير وهذا منه، اليوم أنا أُخاطِب إخواني العلماء والمُفكِّرين والأكاديميين: إذا أردت أن تدفع وتُدافِع عن الإسلام عليك أن تعرض شُبهات الخصوم كأحسن ما تُعرَض به ولا تترك شيئاً، أنا أقول كما قال نيتشه Nietzsche انظر في المرآة، مصداقية كاملة، وبعد ذلك تبدأ في تفنيدها إن كنت من أهل اللياقة والقدرة على أن تُفنِّد وإلا فتراجع، اترك الساحة لغيرك، لكن أن تأتي تُقرمِط قرمطةً وتزعم أن هذا المذهب أو تلك النِحلة احتجوا بواحد اثنين فقط وهذه حُججهم وهذا القضاء عليه هذا لا يجوز، لأن هذا سيُظهِرك بمظهر الضعيف، سيُظهِر دينك بمظهر الدين الضعيف، كما يقول المثل الإنجليزي إذا أردت أن تُسيء إلى قضية لا تُحارِبها، دافع عنها بضعف، هذه نكبة الإسلام اليوم، كثيرون – لا أقول بعض وإنما كثيرون – يُدافِعون عن الإسلام اليوم بضعف، أكثر مَن يُدافِع عن الإسلام ببساطة ومن غير تبجح يُدافِعون بضعف، فهذا يُسيء إلى الإسلام وإلى قضية الإسلام العادلة، أبو حامد كان نزيهاً رحمة الله تعالى عليه، وبصدد بعض الشُبهات للباطنية قال هذه سمعتها من صاحبٍ لي – كما قلت لكم – كان معي – أي كان على طريقتنا سُنياً إسلامياً وما إلى ذلك – وأصبح باطنياً وهو الذي أدلى بهذه الشُبهات فلابد أن أذكرها، قال لا أتغاضى عنها، موجودة ومن ثم سأذكرها، مع أنه لم يسمعها ولم يقرأها إلا لواحد، إذن أُثيرت هذه ووُجِدَت فلابد أن نتصدى لها، ومنطق دس واخف والوصاية مرفوض مع أن أبا حامد تكلَّم به بالمُناسَبة، قد يأخذ بعضهم على أبي حامد هذا، يقول لك عجيب، هذا العقل المُتفتِّح المُستقِل الطُلعة والنزيه المُلتزِم بالحيدة والموضوعية التامة والمنهجة الصارمة يُوصي في غير مكان من كُتبه بما فيها المُنقِذ من الضلال وبما فيها التهافت والإحياء وإلجام العوام عن علم الكلام أن هذا لا يُقال للعوام، ينبغي هذا أن يُضَن به، ينبغي أن يُخفى، ينبغي ألا يُمكَّن منه عاميٌ، ينبغي كذا وكذا، أنا أقول لك هذا كان مُفيداً فعلاً ومُجدياً ومُوفِّراً للطاقات والجهود في عصر أبي حامد الذي يعتمد على النسخ اليدوي، فكان يُمكِن فعلاً إخفاء بعض النُسخ فلا تُتداول ولا تدور إلا بين أيدي الثقات، مَن أثق به أدفع إليه نُسخة وأستحلفه ألا يدفعها إلا لمَن يثق بدينه وبعقله، أما اليوم في عصر الطباعة والإنترنت Internet والبي دي إف PDF يا حبيبي انتهى هذا، هذا الشيئ انتهى، ولذلك أبو حامد في المُنقِذ من الضلال لما قيل له بصدد الباطنية مرة أُخرى أنت أسأت ماذا قال؟ الإمام أحمد كان يُنكِر على مَن يذكر شُبهات القوم، ليس الفلاسفة وإنما المُتكلِّمون طبعاً، المُعتزِلة والجهمية والمُعطِّلة وإلى آخره، أحمد كان يُنكِر ويقول الحارث بن أسد المُحاسَبي أساء لأنه في كُتبه يذكر حُجج هؤلاء المُعطِّلة وحُجج الجهمية، وهكذا يُوسِّع نطاق الابتلاء بهذه الشُبهات، هذا الإمام أحمد، أبو حامد لم يقتنع بهذا، ماذا قال أبو حامد؟ كموقف أصلي قال لا تُوجَد مُشكِلة ولكن هذا الكلام ينسحب فقط على شُبهة لم تنتشر، أما إذا انتشرت وعُرِفَت فكلام أحمد هذا لا يُفيد، موجودة الشُبهة، انتهى الأمر، لابد أن نرد عليها، للأسف اليوم العالم المُسلِم والشيخ المُسلِم والمُفكِّر المُسلِم في القرن الخامس عشر الهجري وفي القرن الحادي والعشرين الميلادي يتكلَّم – والله – كأنه لا يعيش في العصر، مِن أجل مَن تفتح يا فلان هذا الملف؟ كيف تُناقِش هذا التاريخ المدفون؟ مدفون ماذا؟ مدفون ماذا وخمسون ألف كتاب مُؤلَّف في القضايا هذه؟ أعني القضايا التاريخية وغير التاريخية، قالوا لماذا تتحدَّث عن قضية مُعاوية ويزيد؟ خمسون ألف كتاب مُؤلَّف فيها، خمسون ألف موقع يتناول هذه القضايا، أليس كذلك؟ خمسون ألف منبر يصدح بها يا رجل، لابد أن يكون لنا فيها قول، لابد أن يكون لنا فيها رأي ونلتزم فيه – إن شاء الله – الحق والقوبل بالحق، أغضب أو أرضى مَن أغضب ومَن أرضى، هذا لا يعنينا، يتكلَّمون كأنهم عُميان لا يعيشون في العصر، قالوا تنبشون التاريخ! كل مَن تكلَّم بهذه العبارة أعرف أن في عقله بعض حُمق والله العظيم، يا أخي ما هذا؟ تقول ننبش في التاريخ! تاريخ ماذا؟ التاريخ منوبش ورائحته فائحة في العالم كله، قالوا فعلاً هو تاريخ مدفون، غير مدفون يا أخي، تاريخ معيش، نعيشه كل يوم! ولابد أن يكون لنا قول يا أخي، عجيب هذا الشيئ، فأبو حامد كان يفهم هذا، قال لا، هذا في شُبهة لم تنتشر، أما إذا انتشرت فلابد من التصدي لإدحاضها وبيان تهافتها، لابد من هذا، وهذه وظيفة العالم والمُفكِّر المُسلِم الحق أيها الإخوة.
في مسألة علم الله بذاته وبالكون هم طبعاً يزعمون أن الله يعلم ذاته ومُستغرِق على طريقة أرسطو Aristotle في التفكر في ذاته وفي قدسه وفي جماله وكماله، ويعلم الكون والوجود بعلم كُلي لا بعلم جُزئي تفصيلي، أبو حامد قال هذا لا يتم لكم أيضاً، الله لا يعلم لا ذاته ولا كونه على طريقتكم، كيف يا أبا حامد؟ ليس من مصلحتك أن تُنكِر هذا، قال لا، أنا أُثبِت هذا بطريقتي، لكن بطريقتكم لا يثبت، لماذا؟ لأنكم جعلتم الله ليس فاعلاً بالاختيار إنما فاعلاً بالضرورة، والآن ببساطة هل تشعر النار بالحرارة التي تصدر عنها؟ لا تشعر، هل تقيس هذه الحرارة؟ هل تتحكَّم فيها وفي توزيعها النار؟ مُستحيل، هل تشعر الشمس بالنور الذي تبثه وبالحرارة التي تُلقيها في الكون وتُهديها للكون؟ لا تشعر، أليس كذلك؟ هل يشعر المطر بالفعل الذي يُحدِثه في الأرض؟ هل تشعر الأرض بالمنة التي لها على النباتات والأشجار؟ لا تشعر، لا شيئ من هذا شاعر، لا شيئ! قال إذا كان الأرض على طريقتكم الباطلة يفعل على هذا النحو بالضرورة فهو لا يشعر بشيئ من هذا وبالتالي يستحيل عليكم إثبات أن الله يعلم، أما أنه عندنا يعلم فيعلم بأدلة أُخرى، طبعاً الله عند المُتكلِّمين وعند المُوحِّدين وعندنا كمُسلِمين بفضل الله عز وجل – نحن العارفون بالله، الأمة الإسلامية، الأمة المُوحِّدة، أمة القرآن يا جماعة، أمة الكتاب والسُنة، هذه أمة عارفة بالله – مُختار، يقول لك الله فاعل مُختار لا إله إلا هو، قال الله وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ ۩، فهو مُختار، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، بشكل واضح، ما شاء الله! والمشيئة هي ماذا؟ الإرادة، هي الاختيار، أراد شيئاً واختاره وشاءه، فالله شاءٍ، الله شاءٍ ومُريدٌ ومُختارٌ، إذا شاءه يكون، إذا لم يشأه لا يكون، فلا يكون إلا عن مشيئة فهو فاعل بالاختيار بشكل قطعي، هذه من المسائل التي عالجها أبو حامد بأسلوبه اللطيف العميق الذكي وأحياناً الصاعق، صاعق! الأدلة قوية، رحمة الله تعالى عليه.
مسألة حشر الأجساد أيها الإخوة مسألة – كما قلت لكم – مُشكِلة وفيها شُبهة طوَّل ابن سينا في الرسالة الأضحوية في المعاد في عرضها أو العرض لها وهي شُبهة الآكل والمأكول، حقيقةً هي شُبهة قوية، لا يُستهان بها، وباختصار تقول هذه الشُبهة الإنسان إذا سلَّمنا وأقررنا أنه يُحشَر روحياً وجسدياً – أي بروحه أو بنفسه وبجسده – هذا يلزم منه الوقوع في مُناقَضات لا انفكاك عنها أو منها، ما هي؟ قال لك إذا سيُحشَر بجسده الكامل جسده الكامل فيه أبعاض ليست له، وقد تعود وتنمى – تنميها أصول وأسباب وتواريخ – إلى آلاف إن لم يكن إلى ملايين الأجساد، باختصار زيد المُؤمِن مات، دُفِنَ في الأرض، أكلته الأرض، أليس كذلك؟ اغتذت نباتات ببعض أجزائه التي أصبحت الآن مطمورة في الأرض، جاء حيوان أكل هذا النبات، جاء إنسان ذبح الحيوان وأكل الحيوان، صارت بعض أبعاض أو بعض أجزاء زيد المُؤمِن المطمورة في الأرض أبعاضاً لعمرو الكافر الداب فوق الأرض، الساعي فوق الأرض، وهكذا تتكرَّر المسألة هذه مع هذا الكافر في حق كافر آخر أو مُؤمِن آخر على اختلاف أعمال البشر، فإذا أردنا أن نُسلِّم وأن نقتنع بأن هؤلاء يُحشَرون كاملين – بكامل أجسادهم – وقع التناقض، مُستحيل! إذا حُشِرَ عمرو الكافر كاملاً حُشِرَ زيد المُؤمِن ناقصاً، ومعروف من مباديء الفلسفة العقلية ومن مباديء حتى المنطق استحالة التناقض، استحالة اجتماع النقيضين، بمعنى مُستحيل أن يكون الجُزء الفلاني المُسمى ألف في عمرو وزيد في نفس الوقت، يستحيل هذا، إن كان في عمرو فهو ليس في زيد، وإن كان في زيد فهو ليس في عمرو، ابن سينا قال هذه شُبهة، لذلك قال أنا نزولاً على مُقتضى هذه الحُجة أُنكِر البعث الجسماني، لا يُوجَد بعث جسماني، التي تُبعَث هي الأرواح والأنفس وتتعذَّب في نار جهنم وتتنعَّم في الجنان إن شاء الله، اللهم اجعلنا من أهل الجنان العاليات الرفيعات بغير سابقة حساب ولا عذاب برحمتك ومنّك يا رب العالمين، قال هذا هو!
على كل حال ابن سينا في النجاة أيها الإخوة – في كتاب النجاة له – عرض لمسألة البعث مرتين، المرة الأولى بعبارة قصيرة مُركَّزة وواضحة أعرب فيها عن يقينه بالبعث الجسماني، انتبهوا فهذه مُشكِلة، مُشكِلة أرَّقت الدكتور العلّامة سُليمان دنيا، ثم بعد ذلك في كلام أطول منه – في كلام أكثر استطالةً وإسهاباً منه – عرض لمسألة البعث الروحاني وأطلق إشارات مُلتبِسة غامضة مُلتوية يُفهَم منها إنكاره للبعث الجسماني، في نفس الكتاب! فأخذ بعض الدارسين في الشرق وفي الغرب على أبي حامد أنه لم يكن أميناً مع ابن سينا في هذه المسألة حين عزى إليه نكران البعث الجسماني، طبعاً أبو حامد من أين أخذ آراء الفلاسفة التي رد عليها في الكتاب؟ من ابن سينا والفارابي وخاصة من ابن سينا، فهو لم يقرأ لأرسطو Aristotle، لم يعد إلى كتاب أصلي لأرسطو Aristotle، وهو قال هذا، قال أنا آخذ هذه الآراء وأرد عليها من أكبر مُمثِّلين للفلسفة الأرسطية، مَن هما؟ من الفارابي المُتوفى سنة ثلاثمائة وتسع وعشرين للهجرة، ومن الشيخ الرئيس أبي عليّ بن سينا المُتوفى سنة أربعمائة وثماني وعشرين للهجرة، أي قبل ميلاد أبي حامد بكم؟ أبو حامد وُلِدَ في سنة أربعمائة وخمسين، إذن بعشرين سنة فقط، قال آخذ الآراء من هذين الاثنين وخاصة من ابن سينا، لماذا نسبت إلى ابن سينا أنه يُنكِر البعث الجسماني مع أنه صرَّح في النجاة بأنه من المُوقِنين بالبعث الجسماني؟ نعم أطلق بعد ذلك ضمن الجواب الآخر على البعث الروحاني إشارات مُلتبِسة مُلتوية مُتردِّدة قد يُفهَم منها إنكار البعث الجسماني، فالدكتور سُليمان دنيا في البداية – وذكر هذا في الطبعات السابقة، وهذا من باب الوفاء وأيضاً من باب النزاهة العلمية – قال هذا أخذناه على شيخنا أبي حامد، كان ينبغي أن يكون أكثر نزاهةً وأكثر دقةً، ظلم ابن سينا، قال إلى أن وقعت في يدي رسالة أضحوية في المعاد لابن سينا وهي موضوعة كلها – رسالة بحيالها – لمسألة البعث فإذا به يقطع بإنكار البعث الجسماني ويأتي بشُبهة الآكل والمأكول، إذن آخر آراء ابن سينا ومُعتقَد ابن سينا إنكار البعث الجسماني، فإذا بأبي حامد مرةً أُخرى يُثبِت أنه نزيه وصادق وعدل، واضح أنه قرأ تقريباً مُعظَم تراث ابن سينا، فإذا نسب إليه شيئاً يعلم صدق النسبة، رحمة الله تعالى عليه ورضيَ عنه وأرضاه.
أيها الإخوة:
بما أننا نتكلَّم ما زلنا عن الغزّالي الفيلسوف أو الغزّالي مع الفلسفة وفي بحار الفلسفةوعدتكم أمس في الخُطبة أن أتكلَّم عن رأيي الشخصي ولم أُسبَق إليه في مسألة المقولة المنسوبة تكثيفاً وتركيزاً لأبي حامد: ليس في الإمكان أبدع مما كان، وقلت لكم أبو حامد لم يقل هذا هكذا، طبعاً يا ليته قاله، جميل جداً، هذا تكثيف جميل، الذي قاله بالنص والفص في كتاب التوكل من إحياء علوم الدين: وكل ما قسم الله بين عباده من رزقٍ وأجلٍ وإيمانٍ وكفرٍ فكله عدلٌ محضٌ، ليس في الإمكان أصلاً أحسن ولا أتم منه، ولو كان – كان هناك ما هو أحسن منه وأتم منه – وادخره تعالى مع القدرة – لأنه قادر طبعاً ويُوجَد ما هو أحسن منه لكنه لم يفعله – ولم يفعله لكان بخلاً وظلماً، أي لكان الله بخيلاً ولكان ظالماً، حاشاه، أعوذ بالله من زلات اللسان، طبعاً بعض الناس يتحرَّج كثيراً من هذه التعابير، لا تتحرَّج، حكاية الكفر ليست بكفر، انتبه إلى هذا، بعض الناس يُطنطِن ويُحدِث لك دوشة كبيرة بسبب عنوان خُطبة مثل الله عاجز أم شرير؟ الله يجوز، اتقوا الله! يا جماعة نحن لا نقول الله عاجز وشرير أبداً، نحن نتساءل حكايةً لسؤال الملاحدة أصحاب شُبهة الشر، يقولون الله في نهاية المطاف إما أن يكون عاجزاً أو شريراً، فنحن نتساءل هل حقاً الله عاجز أو شرير؟ الله لا عاجز ولا شرير، الله قادر وخيّر، الله قادر ورحيم لا إله إلا هو، حكاية الكفر ليست بكفر، علينا أن نتخفَّف قليلاً من هذا الورع الجاهل، أنا سأُسميه الورع الجاهل، تدّعي أنك مُتورِّع بهذه الطريقة، هذا ورع الجاهلين، أُريد ورع العالمين، ورع العالم في السلوك وفي الاعتقاد الحق، وإلا حكاية الكفر ليست بكفر، الله قال في كتابه وَلَدَ اللَّهُ ۩، هم الذين قالوا هذا، كلمة عظيمة! وَلَدَ اللَّهُ ۩، أي أنتج ولداً، Begotten! هذا كفر، حكاه الله لكي يرد عليه، أليس كذلك؟ قال الله وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ۩ لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ۩، ورد عليهم، ونحن قولنا هذا، الله عاجز أم شرير؟ قلنا هذا شيئٌ إدٌ، نعوذ بالله من زلات اللسان وزلقات الجنان، وحاولنا أن نهدمه عليهم وأن ننقده بخُطبة طبعاً لا تتسع، نحتاج إلى عشرات الخُطب، لكنها مُكثَّفة، هناك أشياء مُكثَّفة لمَن فهمها، رأيت من بعض التعليقات أن بعض الناس لم يفهمها، من السهل أن تُنقِّد عليها ومن الصعب أن تنقضها، فيما بعد بالحوار الفلسفي سوف تجد أن هذا ليس من السهل!
على كل حال أبو حامد هذا ما قاله في كتاب التوكل من إحياء علوم الدين رحمة الله تعالى عليه، أبو حامد لم يقل – انتبه – ما نسبه إليه مُؤرِّخو الفلسفة في الشرق والغرب هنا، قالوا أنه قال بنظرية أفضل العوالم، هذا كذب، كذب! لا أقول كذب وقاح لكن كذب جاهل أيضاً، لم يفهموا ماذا قال أبو حامد ونسبوا إليه ما يستحيل أن يقول به أبو حامد، لماذا؟ ما هذا؟ هذه نظرية أفضل العوالم التي قال بها بعد ذلك غوتفريد فيلهيلم لايبنتز Gottfried Wilhelm Leibniz الألماني، ماذا تقول؟ تقول أن هذا العالم الذي نحن فيه بالمُقارَنة مع أي عالم مُتخيَّل أو مُفترَض أو مفروض أو مُتصوَّر آخر أفضلها، وهي نظرية حمقاء، أنا إبستمولوجياً أثبت أمس لكن باختصار – والآن أيضاً سأختصر لكن يُمكِن أن أعقد مُحاضَرة مُطوَّلة فيما بعد عن هذا من أجل إثبات وجهة نظري – استحالة إثبات نظرية على هذا الشكل أو بهذه الصورة، يستحيل أن تقول لي أنا سأُثبِت أن هذا العالم أفضل العوالم المُمكِنة، مُستحيل! لماذا؟ لأنك في نهاية المطاف ستصدم بأول حاجز، أنك لم تفرغ من فهم هذا العالم، لكي تعقد مُقارَنة بين هذا العالم لابد أن تُثبِت أنك فرغت منه تماماً، فهمت كل ما يمخر ويعتري ويتحكَّم في هذا الوجود من قوانين – سواء قوانين نفسية أو روحية أو تاريخية أو اجتماعية وخاصة فيزيقية طبيعية – بالكامل، هل فرغنا؟ مُستحيل، إلى اليوم علماء الفيزياء يعتبرون أنهم لم ينتهوا، في أول القرن العشرين قالوا انتهينا، علم الفيزياء انتهى، أصبح Perfect أو Complete وانتهى الأمر، واتضح أن هذا كله كلام فارغ، مثل حتى الرياضيات، قالوا عندنا فقط عشرون مسألة في الرياضيات، حين نتمكَّن من حلهن ينتهي علم الرياضيات Mathematics، نسد عليه وننتهي منه ومن ثم نبدأ في علم ثانٍ، هذا غير صحيح، وقال سوف نعلم ولابد أن نعلم، لابد أن نعلم وسوف نعلم قال، إلى اليوم لم يعلموا، لم يعرفوا الحل، مسائل مُعقَّدة جداً جداً لم تُحَل إطلاقاً إلى اليوم، هذا غرور الإنسان! حين تفرغ من فهم هذا العالم بتفاصيل قوانينه ودساتيره المُتحكِّمة فيه ويثبت هذا بشكل فعلاً كامل تام تقول الآن أنا مُهيأ أن أُقارِن، مع ماذا؟ مع عالم آخر لم يكن، غير موجود، غير مخلوق، بماذا ستُقارِن؟ هذا كلامي، أنا قلت هذا، ستُقارِن بعقلك الذي بُنيَ وأبدع ونشط وفعل ضمن قوانين هذا العالم، أليس كذلك؟ سوف تجد من المُحال أن تقفز خارج إناء هذا العالم وخارج Coat هذا الكون وتُفكِّر ضمن قوانين مُختلِفة لكي تفترض شيئاً مُختلِفاً عن هذا العالم، كل ما ستفعله أنك ستُعيد إنتاج هذا العالم مُشوَّهاً، مُشوَّهاً – انتبه – وليس مُحسَّناً، مُستحيل! ستُعيد إنتاج هذا العالم مُشوَّهاً، هل تعرف لماذا؟ هنا يأتي كلام أبي حامد، لأن هذا العالم الفكرة العميقة فيه فلسفياً وعلمياً تُجدي نتيجةً وتُعطي نتيجةً وقناعةً أنه مُتكامِل، عالم مُتكامِل – كما قلنا روح واحدة، نفس واحدة – مُتعالِق بلغة – كما قلنا لكم – ميكانيكا الكم، مبدأ التعالق Entanglement، يبدو أن هذا الكون مُرتبِط بذاته وكل شيئ فيه مُرتبِط بكل شيئ بطريقة تعز على الفهم، طريقة تعز حتى على الفهم! شيئ خيالي بل أكبر من الخيال نفسه، لكم أن تتخيَّلوا هذا، وكل شيئ فيه يُؤثِّر في كل شيئ، لو أخذنا ببساطة – طبعاً هذا الكلام يحتاج إلى شرح، كلام طويل جداً جداً لكن سنتحدَّث ببساطة – حتى ما يتعلَّق بالحقل الإنساني في مجال أبحاث الأعصاب والدماغ والباراسيكولوجيا Parapsychology – علم النفس الجنيبي أو الماورائي وإلى آخره – سوف نجد أعاجيب يا إخواني، أعاجيب حتى في علم الحيوان، في علم السلوك الحيواني، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، ببساطة مجموعة شِمْبانزِي Chimpanzee على ضفة نهر تعلَّمت كيف تغسل البطاطا في النهر وبعد ذلك تقطعها وتأكلها، فهذا سوف يكون أحسن لها، واستفادت من أشياء، المُهِم – قصة طويلة – نجد فيما بعد أن مجموعة شِمْبانزِي Chimpanzee أُخرى في مكان بعيد – كيلو مترات بعيدة جداً ولم يحدث التقاء مُطلَقاً، هل هذا بالصدفة؟ قالوا بالصدفة – بدأت تُمارِس نفس اللُعبة، نفس العملية وبسهولة! وكل خبرات الشِمْبانزِي Chimpanzee الأوائل أصبحت مُكتَسبة للثانيين من غير لقاء!
في الميدان الإنساني – هذه تجارب إمبريقية ثابتة – مجموعة سُجناء نُعطيهم الكلمات المُتقاطِعة – تجربة على مرحلتين – لم يتم التفكير فيها ولا حلها خارج السجن فيستغرقون فيها وقتاً، ونسبة النجاح – مثلاً – تكون أربعين في المائة، نُعطيهم كلمات مُتقاطِعة – وهؤلاء مساجين لم يخرجوا، ليس لهم علاقة بالعالم الخارجي – حُلَت بالأمس في الخارج – في جريدة حُلَت – فيحلوها بنسبة سبعين في المائة وبسرعة، عجيب! ما الذي يحدث؟ طبعاً ما دام هناك مُخ بشري ما فكَّر في القضية هذه سوف يكون من السهل عليك أن تُفكِّر فيها، ما دام هناك مُخ بشري حل القضية هذه سوف يكون من السهل عليك أن تحلها، لأن هناك تعالق Entanglement ليس بين الجُزيئات تحت الذرية – Subatomics – بل بين العقول والنفوس البشرية أيضاً بطريقة لا تزال غير مفهومة، هذا يُعيدنا مرة أُخرى ويُرجِّعنا إلى ما أشرت إليه أمس في خُطبتي، إلى موضوع حتى الخلايا المرآوية Mirror neurons، حين تنظر إلى أحدهم تجد نفسك مُتضايقاً، لماذا تكون مُتضايقاً؟ لأن هذا المسكين مُتضايق، هو فقير، وحين تذهب وتُعطيه بعض المال لكي تُساعِده وتحل له مُشكِلته تشعر أنك سعيد لأن هو سعيد، اكتشفوا هذا، هذا في علم الفسيولوجيا Physiology في القرن الحادي والعشرين، هذه معلومات في القرن الحادي والعشرين، فالطبيب الذي لا يُطوِّر معلوماته لن يفهم هذه الحقيقة، لابد أن يذهب ويدرس آخر شيئ في علم الأعصاب والدماغ، خلايا حدَّدوها وعرفوا مكانها في الجبهة – ولك أن تتخيَّل هذا – ثم سموها الخلايا المرآوية Mirror neurons، وهذا مبحث لطيف، أعني موضوع أن هذا الكون نفس واحدة – تصوَّر – ووحدة واحدة وأن هناك كُلية، مبدأ الـ Wholeness، يشتغل بشكل كُلي، كل شيئ فيه مُتعالِق مُترابِط، ولذلك كلام أبو حامد هنا في مُنتهى الدقة والإبداع، كل شيئ في مكانه إذا تعلَّق الأمر بفعل الله، أفعال البشر مُعظَمها حماقات وسخافات ورقاعات وجرائم وخطيئات، ليس لنا علاقة بهذا، نحن نتحدَّث عن فعل الله، قال لك كل ما قسمه الله – ولك أن تتخيَّل هذا – بين عباده من رزقٍ وأجلٍ وإيمانٍ وكفرٍ أفعال الله، كل شيئ الله يفعله عدلٌ محضٌ وحكمة تامة وقسطاس مُستقيم وميزان دقيق لا يُخترَم بأي شُذيذة، ليس حتى بأي حالة شاذة بل بأي شُذيذة، كل شيئ عنده بمقدار لا إله إلا هو، هو هذا، لا يُوجَد شيئ ناقص ولا يُوجَد شيئ ناقص، لذلك يقول شيخنا وحُجتنا – رحمة الله عليه – ما كُثِّف: ليس في الإمكان أبدع مما كان، بخصوص ماذا؟ هل هذا بخصوص المُقارَنة بين العوالم؟ لم يقل هذا هو، هذا كذب، متى قال هذا؟ قالوا نظرية أفضل العوالم أبو حامد قال بها، تكذبون عليه أنتم، لم تفهموا ماذا قال وتكذبون عليه، سُبحان الله يا أخي، شيئ غريب جداً، ما قال هذا هو، قال هذا العالم هو كما هو – ولك أن تتخيَّل هذا – كل شيئ فيه على أفضل ما يكون مما طبعاً يُعزى إلى فعل الله وتقدير الله، أفضل ما يكون، لا يُمكِن أن تقول يا رب لماذا أعطيتني هذا الطول؟ سوف يكون أحسن لو أعطيتني طول فلان، لو أعطيتني عشرة سم زائدة مثله سوف يكون أحسن، لن يكون أحسن، أبداً لن يكون أحسن، لا يُمكِن أن تقول سوف يكون أحسن لو أعطيتني ذكاء فلان، والله لن يكون أحسن، مسكين أنت، لا تقل هذا الكلام أبداً، لا يُمكِن أن تقول لو أعطيتني مال فلان سوف يكون أحسن، والله لن يكون أحسن، انظر إلى هذا، هذه النظرية تصدر عن فيلسوف كأبي حامد ومُتكلِّم كبير وعن صوفي، صوفي يُؤمِن بمبدأ القناعة التامة والرضا بقضاء الله عز وجل، الرضا! الرضا الذي عرَّفته أنا – بفضل الله – مرة – بفتح إلهي أيضاً – تعريفاً مُركَّزاً أيضاً بكلمة، أليس كذلك يا محمد؟ هذا كان جواباً عن سؤالك، عرَّفته بكلمة! الرضا في تعريفي – إن شاء الله يكون صحيحاً، فهو من الله ومن فضله ومنّته، وإلا فهو من نفسي ومن الشيطان – هو لو أنك استقبلت من أمرك ما استدبرت ما اخترت إلا ما اختار الله، مات ابنك مثلاً، فبكيت وحزنت وقلت الحمد لله وسلَّمت، الآن عندك فرصة لنُعيد دولاب الزمان – وطبعاً هذا مُستحيل عملياً، عملياً مُستحيل – فيعود لك ابنك الآن حياً، أتُريده أن يبقى حياً – الله يقول لك – أم تُريده يموت؟ قل له لا يا ربي، الذي قدَّرته أُريده أن يحدث مرة ثانية، هذا الرضا، هذا هو الرضا، وَلَسَوْفَ يَرْضَى ۩ فيما بعد تماماً، اللهم اجعلنا من الراضين المرضيين. اللهم آمين، رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۩.
هذه نظرية أبي حامد! أبو حامد من الذكاء بحيث لا يتورَّط في افتراض مُقارَنة حمقاء بين كون لم يتم فهمه بالتمام والكمال وبين أكوان سيبتدعها عقل الإنسان، ماذا ستكون؟ ستكون نُسخاً مُشوَّهةً من هذا الكون، لماذا؟ لأنها ستكون هذا الكون لكن يعمل فيه وهم التحسين: لو لم يكن هناك عقارب وحيات سوف يكون أحسن، لو نحيت الزلازل والبراكين سوف يكون أحسن، لو نحيت الشر وإبليس وما إلى ذلك سوف يكون أحسن، لكن هذا غير صحيح سوف يخرج لك كون مُهلهَل من أغبي ما يكون، وكون لا يعمل، لا يشتغل أبداً أبداً، وفي النهاية هذا الكون الذي تظن أنه قد يكون أفضل من هذا العالم هو هذا العالم نفسه الذي أبدعه الله بحكمته وقدرته وجعله كنفس واحدة مُتآزِراً مُتكاتِفاً لكن أنت أعملت فيه حكمتك وعقلك أنت، وسوف نرى – ما شاء الله – كيف نُقارِن بين كون الله وبين كون هذا الرقيع الأهبل، لا يُمكِن أن يُفكِّر فيلسوف بالطريقة هذه، انتهى الأمر، ولذلك أنا أقول لمَن اعترض على الخُطبة أمس وهو واحد وحيد قال لا أنه لا يفهم شيئاً مع احترامي له، حين يسمع كلامي هذا سوف يُصدَم الآن وسوف يقول الآن هذا صحيح، لقد اتضح أنني أهبل، انتبه إلى هذا، أنت ليس أمامك إلا أن تُفكِّر في استجلاء حكمة الله ضمن هذا الكون وضمن أوضاعه كما هي، وسوف تقول هل فعلاً وجود انذار بالمرض وهذا الإنذار يكون مُؤلِماً أفضل؟ سوف تجد أنه أفضل، الأفضل أن يكون كذلك، هل الأحسن أن يكون النطاق البصري الخاص بنا كما هو: أي ما بين فوق البنفجسي وتحت الأحمر؟ هل الأحسن أن يكون بين هذين النطاقين فقط؟ سوف تجد أن هذا أحسن، لو كان أكثر أو أقل لن يكون في مصلحتك أبداً أبداً، سوف يُتعِبك تعباً شديداً جداً، هل الأحسن أن يكون التواصل العصبي داخل المشابك الخاصة بنا بهذا المُستوى وبهذا المُعدَّد الزمني؟ هذا الأحسن، إلى آخر هذه الأسئلة وهي لا تتناهى، سوف تجد كل شيئ هو الأحسن، هل الأحسن أن تدور الأرض على محورها الوهمي بميل ثلاث وعشرين ونصف درجة؟ هذا الأحسن فانتبه، لو اختلف الأمر قليلاً كل شيئ لن ينضبط، كل شيئ يختل ويفسد، هو هذا، هذا الذي أمامك، فلا تقل لي ربنا – عز وجل – كان قادراً على أن يخلق هذا الكون ويكون فيه جهاز الإنذار غير مُؤلِم أو كان ربنا قادراً على أن يخلقه يا أخي من غير براكين، هذا كلام فارغ كله، هذا كلام فارغ! لماذا؟ لأن هذا البركان له علاقة بميل الأرض وبتكوين الأرض وبجيوفيزياء الأرض وبصحة الأرض، مثل العرق عندك، ولابد أن تتعرَّق الأرض ولابد أن تنفجر، كل هذا لابد منه، فهذه مسألة عجيبة، وفي ظل أخذ الكون هو كما هو وضمن نواميسه قام العلم الإنساني، أي Science، هو هذا، بالطريقة هذه قام، وهذه عبقرية الإنسان، وهذا بعض أهداف الله، بعض الغاية من خلق الإنسان، الله يُريد هذا، يُريد منك أن تُشغِّل هذا المُخ الذي أعطاك إياه وهو مُزوَّد بالليقات ثم تبدأ تستنبط هذه القوانين وتفهمها وترتفقها فيما بعد فتُسخِّر الكون، تزيد مُسخَرية الكون لك، هو هذا، هذا كل ما هو مُتاح لنا، أما التهويمات اللا فلسفية هذه والرقيعة بين هذا الكون وبين أكوان أُخرى تكون نُسخة مُحسَّنة غير مقبولة، لن تكون مُحسَّنة، ستكون هذا الكون مُشوَّهاً ممسوخاً، أرأيتم؟ فقط هو هذا!
أبو حامد لم يتورَّط هذه الورطة – الحمد لله – وتكلَّم عن الحكمة التي تشي بها أوضاع هذا الكون، أقدار الله في هذا الكون، فكيف يُقال أبو حامد صاحب نظرية أفضل العوالم؟ هذا كلام فارغ، وبالمُناسَبة يُمكِن أن تقرأه لفلاسفة كبار، لذلك – نحن تعلَّمنا هذا من أبي حامد إن شاء الله، ولعل هذا بعض تأثيره حتى في أنا شخصياً – لا تتبع الرجال على أسمائهم، لا تقل هذا علّامة كبير، هذا أبو حامد، لا يهمنا، استخدم مُخك! كما قال كانط Kant تجرأ أن تستخدم عقلك، أبو حامد طبعاً دائماً في حربه الشعواء على التقليد يقول هذه عادة ضعاف العقول، هكذا! يقول عادة ضعاف العقول يعرفون الحق بالرجال، أي إنسان ضعيف العقل مسكين فقير غلبان – كما يُقال – وتائه يعرف الحق بالرجال، مَن سبقك يا أبا حامد إلى هذا؟ لا أحد، إذن أنت مُبطِل، مَن إمامك يا أبا حامد في هذه المسألة؟ لا أحد، إذن أنت مُبطِل، وكأنك بهذه الطريقة عبقري! أنت أهبل، أنت تائه، ليس هكذا العلم، الإنسان الذكي لا يفعل هذا بغض النظر عن أي شيئ، وإلا والله يا إخواني لو هذا المنطق فيه شيئ من حق لما قام لا كشف ولا علم ولا اختراع، كل عبقري سوف نقول له مَن سبقك؟ ما معنى مَن سبقني يا أخي؟ أنا مُكتشِف، أنا عبقري لذا أول مرة يُقال هذا الكلام، أهبل أنت، أنت أحمق! لن نأخذ بكلامك، لو هذا صحيح لما تقدَّمت عجلة العلم والكشف والاختراع والتنظير بالمرة ولو لواحد سنتيمتر، لكن الحمد لله الناس الأذكياء في الدنيا بفضل الغرائز التي وضعها الله في البشر الطوّاقين للمعرفة يتغاضون عن هؤلاء الحمقى دائماً، لم يسبقني أحد وسوف أستمر، وسوف يثبت فيما بعد التاريخ لمَن الحق، هو هذا، فعادة ضعاف العقول يعرفون الحق بالرجال، هل هذا من مذهبنا السُني؟ لا يا حبيبي ليس من مذهبنا السُني، إذن هو باطل، والشيعي يقول لك هل هذا من مذهبنا الشيعي؟ لا ليس منه، إذن هو باطل، هذل هذا من مذهبنا الزيدي؟ لا ليس منه، إذن هو باطل، هل هذا قال به ماركس Marx؟ لم يقل به ماركس Marx، إذن هو باطل، عبّاد نيتشه Nietzsche يقولون هل نيتشه Nietzsche قال هذا؟ لم يقل، إذن هو باطل، هل قال هذا ابن رشد؟ لم يقله، إذن هو باطل، ما هذا الكلام الفارغ؟ هذا لا يكون مُفكِّراً ولا مُثقَّفاً ولا أي شيئ، هذا رجل تائه من العوام، عادة ضعاف العقول يعرفون الحق بالرجال، هذا ضعيف العقل والرأي.
سأختم – إن شاء الله – وقفتي مع أبي حامد الفيلسوف والراد على الفلسفة بثلاث مسائل: فساد الأجرام العُلوية وتحللها، بلغته ذبولها، بلغة جالينوس Galenos وأرسطو Aristotle الفساد والذبول، وبعد ذلك مسألة توسع الكون، The expanding of universe، هل الكون يتوسَّع أم كما قال الفلاسفة – كما قلنا – محدود فلا يُوجَد ذراع زائد أو ذراع ناقص؟ والمسألة الثالثة والأخيرة مسألة السببية، هل تُوجَد سببية ضرورية حقيقية فعلاً في الكون أو لا تُوجَد سببية؟ سوف نرى التفسير الذي تقدَّم به أبو حامد الغزّالي، ثلاث مسائل! وسوف نرى ما موقف العلم الحديث في المسائل الثلاث أو في الثلاث المسائل.
نبدأ أولاً بتوسع الكون، أبو حامد – كما تعلمون – قاعدته كلامية، وبالمُناسَبة هو لا يلتزم بهذه القواعد ولا بلوازمها لأنها كلامية، أنتم قولوا لي لماذا يلتزم بها؟ لأنه مُقتنِع بها، مُبرَّرة عنده عقلياً، درسها وما إلى ذلك فوجدها مُبرَّرة ومن ثم التزمها، أستاذ في الجامعة اليوم – أستاذ في الأزهر أو في الزيتونة أو في السوربون Sorbonne أو في جامعة فيينا – يكون مُتكلِّماً أشعرياً – مثلاً – ويلتزم لأن هذا هو المكتوب، ويلتزم حتى نفس البراهين التي سُبِق إليها ولا يستفيد حتى من براهين العصر، هذا إنسان مُقلِّد مسكين في شكل باحث ودكتور وبروفيسور Professor، هذا كلام فارغ، أبو حامد ليس هكذا، أبو حامد مُفكِّر كبير، كل شيئ يُعيد اختباره، إذا اقتنع بدليل التزمه، إذا لم يقتنع رده، فهو مُقتنِع – رحمة الله تعالى عليه – بأن الله – تبارك وتعالى – خالق ومُبدِع ومُحدِث الكون، أحدثه من عدم – انتبهوا – وله وبداية في الزمان ولم يصدر عن الله صدوراً ضرورياً وأحدثه باختياره، وأنا شرحت لكم كيف رفض أبو حامد بشكل قطعي وذكي جداً – رحمة الله تعالى عليه – أن يُفكِّك بين بُعدي الزمان والمكان، استمعوا إليه الآن لتعرفوا ماذا يقول هنا، الآن سأقرأ عليكم ماذا يقول فركِّزوا:
قلنا المفهوم الأصلي من اللفظين وجود ذات وعدم ذات، والأمر الثالث الذي به افتراق اللفظين نسبةٌ لازمةٌ بالقياس إلينا بدليل أنا لو قدَّرنا عدم العالم في المستقبل ثم قدَّرنا لنا بعد ذلك وجوداً ثانياً لكنا عند ذلك نقول كان الله ولا عالم، ويصح قولنا سواءٌ أردنا به العدم الأول أو العدم الثاني – الذي افترضه قبل قليل – الذي هو بعد الوجود، وآية أن هذه نسبة أن المستقبل بعينه يجوز أن يصير ماضياً – هذا صحيح فيُعبَّر عنه بالماضي، إذن هذه نسبة، ليست حقيقة واقعية، هل فهمتم؟ ليست حقيقة واقعية، لو كان حقيقة واقعية لا ينقلب المُستقبل ماضياً، مُستحيل، لكن نسبة! مثل ماذا؟ مثل الفوق إذا انقلب إلى تحت، يكون واقعياً أو نسبة؟ يكون نسبة، وطبعاً الفوق ينقلب إلى تحت والتحت إلى فوق، كيف الآن؟ الآن هذا الطابق فوقي وهو تحت الساكن في الطابق الثاني، هو تحته، أليس كذلك؟ يضع رجليه فوق رأسي الآن، فهذا الطابق نفسه أو السقف Ceiling تحت السيد Herr فلان الفلاني، أرأيتم؟ وهو فوقي، أصبح فوقاً وتحتاً، لماذا؟ لأنه نسبة، والنسب إضافية، فكذلك مسألة الزمان، نسبة قال، انظر إلى هذا، عقله قلت لك عقل مُرتَّب وجميل وبسيط لكنه عملاق خارق صاعق وماحق رحمة الله عليه، طبعاً بهذا الشرح أنا وضَّحت لكم المعنى الآن، وإلا الكلام لإنسان مُبتديء صعب، لا يُفهَم، لكن هو بسيط لمَن تمرس بلغة الفلسفة – فيُعبَّر عنه بلفظ الماضي، وهذا كله لعجز الوهم عن فهم وجود مبتدأ إلا مع تقدير (قبل) له وذلك (القبل) الذي لا ينفك الوهم عنه نظن أنه شيء مُحقَّق موجود – ذو واقعية خارجية كماقلت لكم، نظنه هكذا نحن، لكن هو نسبة، ليس كما نظن، أمر انتزاعي، وأمس شرحت لكم الانتزاعي والواقعي في الخُطبة، أليس كذلك؟ قلت لكم العقرب واقعي، العقرب له زمان واقعي، العقرب عنده سُم واقعي، العقرب شر والعقر ضر: انتزعي، هذا ليس واقعياً، هذا هو – هو الزمان – موجود شيئ اسمه الزمان وحده، لكن لا، أدركناه أو لم ندركاه قال لا -، وهو كعجز الوهم عن أن يُقدِّر تناهي الأجسام فيما يلى الرأس إلا على سطح له فوق – نفس الشيئ، البُعد المكاني، ترى أن هذا من المُستحيل إلا أن يُوجَد في النهاية سقف مُعيَّن يتناهى به الفضاء، أليس كذلك؟ لابد أن تفترض هذا السطح، وإذا افترضته وقعت في مُناقَضة، سوف تقول هذا السطح سوف يكون وراءه شيئ، والشيئ الذي وراءه سوف يكون إما خلاء أو ملاء، إذن الفضاء ليس مُنتهياً ومن ثم وقعت في تناقض، وبالمُناسَبة كانط Kant استفاد من هذه المسائل، أنا أعتقد كانط Kant مُتأثِّر بالغزّالي أيضاً، هذا لم يُدرَس لكن لابد أن يُدرَس، كانط Kant حين عرض في المقولات الثنتي عشرة عالج الزمان والمكان، كانط عنده اثتنا عشرة مقولة، قوالب الفكر Categories، في الـ Categories هذه الخاصة بكانط Kant عالج الزمان والمكان على هذا النحو، وقال باختصار إذا افترضت في النهاية أنها ذات واقعية يلزم منه تناقض والفكر يتعثَّر ولن يقدر على الخروج من ورطته، لكنها ليست ذات واقعية، هذه كلها قوالب للتفكير، لو لم يُوجَد الذهن الإنساني وكان مُبتنىً بهذه الطريقة لن يكون لها حتى أي وجود ذهني ومُدرَكي، أرأيت؟ كانط Kant إذن هنا عالة على أبي حامد في هذه الفقرة من تهافته، هذا أبو حامد، قلت لك شيئ هائل الرجل هذا رحمة الله عليه، على كل حال أنا أعتقد أبو حامد ظُلِم، هل تعرفون لماذا؟ لم يجد مِن الإسلاميين الذين نصروه ومِن الأشاعرة خصوصاً مَن بسط عطاءه وأبرز حيثيته بشكل يليق به، هم اكتفوا بأنه ضرب الفلسفة ضربة قاصمة ولا رحمها الله وانتهى الأمر، قالوا أبو حامد فعل هذا، ما هذا؟ وقالوا من المُستحيل أن يكون فيلسوفاً، كيف يكون كذلك وهو ضد الفلسفة؟ أخذوها ببساطة صبيانية، المسألة أعمق من هذا بمراحل يا إخواني، فماذا يقول؟ – فيتوهَّم أن وراء العالم مكاناً – لأنه لا يقدر على إدراك تناهي المكان إلا بسطح، فإذا افترض السطح هذا يتوهَّم أن بعده مكاناً إما خلاء وإما ملاء – إما ملاء وإما خلاء، وإذا قيل ليس فوق سطح العالم فوق ولا أبعد منه كاع – يتراجع ويتوهم، كيف؟ لابد أن يكون هناك كذا وكذا لوجود سقف، هذا كله وهم! – الوهم عن الإذعان لقبوله كما إذا قيل ليس قبل وجود العالم (قبل) هو وجود مُحقَّقٌ نفر الوهم أيضاً عن قبوله وكما جاز أن يُكذَّب الوهم في تقديره فوق العالم خلاء هو بُعد لا نهاية له بأن يُقال له الخلاء ليس مفهوماً في نفسه، أما البُعد فهو تابع للجسم الذي تتباعد أقطاره فإذا كان الجسم مُتناهياً كان البُعد الذي هو تابع له مُتناهياً، فانقطع أن الخلاء والملاء غير مفهوم، فثبت أنه ليس وراء العالم لا خلاء ولا ملاء وإن كان الوهم لا يُذعِن لقبوله، وكذلك يُقال كما أن – هذه خُلاصة هذه الفقرة كلها، أحببت أن أصل بكم إليها – البُعد المكاني – انظر إلى هذا، سماه البُعد المكاني، Dimension! ولك أن تتخيَّل هذا، دقة عجيبة عند الرجل هذا – تابعٌ للجسم فالبُعد الزماني تابعٌ للحركة، فإنه امتداد الحركة كما أن ذلك امتداد لأقطار الجسم، وكما أن قيام الدليل على تناهي أقطار الجسم منع من إثبات – انظر إلى هذا، يُبرِز تناقض الفلاسفة، وشرحت لكم هذا بأسلوب مُبسَّط، هذه طريقته – بُعد مكاني وراءه فقيام الدليل على تناهي الحركة من طرفيه يمنع من تقدير بعد زماني وراءه – هنا العبقرية تتحدَّث، شيئ غريب يا أخي، قال لك أنا أرفض أن أُفكِّك بين بُعدي الزمان والمكان، وإذا ثبت هذا في حق المكان ينبغي أن تقبل بالعقل لا بالوهم أنه لا قبل قبل إحداث العالم، الوهم يكع عن هذا، لا يُريد، يرفض ويتأبى، ينبغي أن تقبل بالعقل لا بالوهم أنه لا قبل قبل إحداث العالم، ومع ذلك هو مُحدَث وله بداية في الزمان، شيئ غريب، شيئ خارق – وإن كان الوهم مُتشبِّثاً بخياله وتقديره ولا يرعوى عنه – وقلت لكم أنا سر عظمة أبي حامد وابتكارية أبي حامد قدرته على الانفكاك، هو رجل مُنفَك، الانفكاك من أسر المذهبية ومن أسر التقليد ومن أسر الشائع ومن أسر القوالب ومن أسر النمط ومن أسر الإطار، رجل عنده قدرة على القفز غريبة، يقفز خارج الصندوق ويُعيد النظر، شيئ خطير الرجل هذا في كل شيئ، لذلك أنا شخصياً لا أُقارِن ابن رشد به، لا تقل لي ابن رشد، هذا الرجل أعظم بكثير، هذا لمَن يلومني في تقدير أبي حامد وثنائي عليه، أنا لا أتحدَّث عن عاطفة، أتحدَّث عن درس إن شاء الله، على كل حال ماذا يقول؟ -، ولا فرق بين البُعد الزماني الذي تنقسم العبارة عنه عند الإضافة – انظر إلى هذا، عند النسبة! – إلى (قبل) و(بعد) وبين البُعد المكاني – كما قلت لك إلى فوق وتحت، ولا يُوجَد لا فوق ولا تحت، هي نسبة، وكذلك في الزمان، انظر إلى هذا، بذكائه حين ماهى بينهما ورفض التفكيك بينهما استطاع أن يفهم سر المسألة الرجل رحمة الله تعالى عليه – الذي تنقسم العبارة عنه عند الإضافة إلى فوق وتحت، فإن جاز إثبات (فوق) لا (فوق) فوقه جاز إثبات (قبل) ليس قبله (قبل) مُحقَّق إلا خيالياً وهمياً كما في الفوق، وهذا لازم – أي لازم لهم – فليُتأمل، فإنهم اتفقوا على أنه ليس وراء العالم لا خلاء ولا ملاء.
فيحصل ويخرج منه أنه ليس قبل إحداث العالم لا قبل ولا ما يحزنون، نعرف هذا، يجب أن تُؤمِنوا بهذا، والعالم له بداية، عجيب! شيئ من أروع ما يكون، سوف نرى فيما بعد في مُقارَنته مع ابن رشد كيف تكون حُجة ابن رشد ضعيفة جداً جداً جداً ومُغالَطية، مُغالَطة ساذجة مكشوفة، ولا يخضع لحُجة أبي حامد!
نكتفي لكن – إن شاء الله – في هذه الحلقة بهذا القدر على أن نلقاكم في حلقة قادمة، فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
– الأستاذ المُهندِس طرفة بغجاتي: جزاك الله عنا خيراً شيخ عدنان، انتهينا بعونه تعالى من الحلقة التاسعة في هذه السلسلة المُبارَكة إن شاء الله، ولقاءنا معكم – إن شاء الله – في الحلقة العاشرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(تابعونا في الحلقة القادمة بإذن الله)
أضف تعليق