بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه.
القصة باختصار أيها الإخوة أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – بعث الوليد بن عُقبة بن أبي مُعيط إلى بني المُصطلِق مُصدِّقاً، ما معنى مُصدِّقاً؟ يجمع الصدقات والزكاوات، وكان بين الوليد وبين بني المُصطلِق في الجاهلية نزاع وخصام وثأر – من الجاهلية – فلما علموا أن رسول الله أرسل إليهم أحداً – ولعلهم لم يعلموا أنه الوليد أصلاً – وقد قدم عليهم خرجوا بجمعهم يستقبلونه، فوقع في نفسه أنهم يُريدون شراً به، فخاف الرجل وولى الأدبار وكذب على النبي، قال يا رسول خرجوا إلىّ لكي يقتلوني، هذا لم يظهر له وإنما قدَّر هذا، قل أنا هربت لأنني ظننت أنهم يقتلونني، لكنه كذب فغضب النبي وهم أن يغزوهم، لأن هذا يعني وجود ردة، أن تقتل رسول وتمنع الزكاة يعني أنك ارتددت، فنزل الوحي بقول الله إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا – وفي قراءة مسعود وهي قراءة صحيحة سبعية فتثبَّتوا – أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ۩، فسجَّل عليه القرآن بماذا؟ بالفسق، اسمه تسجيل بالفسق، سجَّل عليه هذا، وكما قلت لكم على كل حال ثابت فسقه في صحيح مُسلِم بشربه الخمر، وفي التواريخ كان مِمَن يُحرِّض مُعسكَر الشام ومُعاوية على عليّ بن أبي طالب، يكتب كتابات ويُحرِّض الرجل هذا، كان يُحرِّض لأن في قلبه مرض، فاسق الرجل هذا، فهذا يُؤكِّد أن في جيل رسول الله مِمَن تُسمونهم أصحاباً الفسقة، وقلنا لكم هناك مُسرِف بن عُقبة وبُسر بن أبي أرطأة وحرقوص بن زُهير السُلمي وأبو الغادية وأبو الأعور السُلمي، هؤلاء كلهم صحابة فسقة – والعياذ بالله – وظلمة، لهم أفعال فظيعة ومُوبِقات شنيعة، فإذن قوله خير القرون قرني في الجُملة، في المجموع وليس على التفاصيل والأفراد، تماماً كجيل التابعين وجيل تابعي التابعين، فالمسألة لا تحتاج إلى أن نتحيَّر فيها، ثم عليكم ألا تتناقضوا وأن تكونوا مُتسِقين مع مذهبكم وقاعدتكم، لماذا أنكرتم على عبد الرحمن بن عُديس البلوي وعلى ابن الحمق وعلى هؤلاء وهم صحابة؟ لأنهم خرجوا على عثمان، أما الخارجون على عليّ هؤلاء لا تُنكِرون عليهم، هنا تناقض! المسألة فيها نوع من التفرقة بالهوى، والله – تبارك وتعالى – أعلم.
لو كان الصحابة إخواني وأخواتي كلهم عدولاً كما يقول هؤلاء فما معنى أن الله – تبارك وتعالى – يشترط والخطاب في الصحابة وللصحابة – وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ۩ – العدالة؟ لو كانت العدالة ثابتة قاعدة أصالةً لا معنى لاشتراطها، أليس كذلك؟ الآن لو كان كل الذين يجلسون في هذا المجلس المُبارَك طلّاب علم وقلت ائتوني باثنين طلّاب علم منكم ماذا سوف يكون المعنى؟ لو كانوا كلهم من طلّاب علم هذا لا ينفع، كنت سأقول أخرجوا إليّ اثنين منكم وينتهي الأمر، هذا يكفي، لكنني قلت ائتوني باثنين طلّاب علم، هذا يعني أن ليس الكل من طلّاب العلم، أليس كذلك؟ قال الله وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ۩، لماذا هذا الاشتراط؟ ثم أن لو كان الصحابة كلهم عدولاً كما تزعم هذه القاعدة العجيبة على أنها على سبيل الاطراد – قبلناها على سبيل الأغلبية، أما على سبيل الاطراد حتماً لا نقبلها – لم كان أبو بكر إذن لا يقبل بخبر الواحد في قضايا فرعية؟ لما جاءته الجدة تُطالِبه بالميراث قال لها لا أعلم لكِ شيئاً، لا في كتاب الله ولا في سُنة رسوله، فخرج إليه مَن؟ المُغيرة بن شُعبة، قال له أنا أشهد أن النبي قضى لها بالسُدس، قال له هل معك أحد يشهد؟ أنا لا أقبل قولك هكذا، لماذا يا أخي؟ صحابي هذا مُصدَّق عدل، قال لا، لا أقبل، لاحتمالات كثيرة، فشهد له مَن؟ محمد بن مسلمة، فأنفذ لها أبو بكر السُدس بعد أن شهد له، عمر نفس الشيئ، عمر يأتيه أبو موسى الأشعري – ليس رجلاً من صغار الصحابة وعاديي الصحابة – يستأذن عليه مرة ومرتين وثلاثاً وعمر كان مشغولاً أو لعله لا يسمع فمضى، فتح الباب عمر فوجده، قال إلى أين؟ قال له استأذنت عليك ثلاث مرات وسمعت النبي يقول إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع، لتُقيمن عليه البيّنة أو لأجعلنك نكالاً قال له عمر، هل أن تتحدَّث عن الرسول؟ هذا الحديث في الصحيح طبعاً، هل أنت تقول أن الرسول قال هذا؟ من أين أتيت بهذا الكلام الذي لا أعرفه؟ هنا لو صحت قاعدتهم وعلم الصحابة ما شاء الله من العلم ما لم يعلموه ولكن علمته الأمة بعدهم – علماؤنا علموا أشياء الصحابة لا يعلمونها، كلهم لا يعلمونها لكن نحن نعلمها ما شاء الله، نحن نعلم ما لم يعلموا – لا نبغى أن يقول أبو موسى ماذا؟ عمر الزم حدك، لا تتعد طورك، أنا صحابي، الصحابة كلهم عدول، لا مجال ولا مساغ للتُهمة في حقي، أليس كذلك؟ لكنه لم يقل هذا، خاف المسكين وهُرِع إلى الأنصار، وفي المجلس أُبي بن كعب وجماعة من أصحاب رسول الله فوجدوه وقد انتُقِع لونه – الرجل وجه أصفر – ونُزِف دمه، ما الذي حدث؟ قال عمر قال كذا وكذا، قالوا كلنا سمعنا هذا، والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، قم يا أبا سعيد، مَن الذي قام معه؟ أبو سعيد الخُدري، الصحابي كان صغيراً في السن حينها وذهب معه وشهد، فسكت عنه عمر وكف، قال نقبل إذن، لماذا؟ لو كان عدلاً لما حدث هذا، وليس هذا فحسب، في الحديث الصحيح المُخرَّج في البخاري وفي مُسنَد أحمد قال عليّ – عليه السلام ورضيَ الله عنه وأرضاه – كنت امرأً إذا سمعت شيئاً من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نفعني الله بما شاء أن ينفعني به وإذا حدَّثني أحدٌ من أصحابه استحلفته، لماذا تستحلف العدول؟ عدول هؤلاء، أتستحلف العدل أنت؟ الله قال إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ۩، خصَّها بمَن؟ بالفاسق، الفاسق لابد أن نتثبَّت من قوله، لكن إن كان عدلاً لن يُوجَد مساغ للتثبت، هذا عدل، لكن عليّ قال ليس هذا فحسب بل وأستحلفه، أقول له احلف بالله العظيم أنك سمعت هذا من رسول الله، هذا فيه تُهمة، الاستحلاف فيه تُهمة واضحة، لماذا التُهمة للعدول يا جماعة الخير؟ أليس كذلك؟ قال استحلفته فإن حلف لي صدَّقته، قال وحدَّثني أبو بكر وصدق أبو بكر، ما معنى هذا الكلام إذن؟ لم استحلفه، ليس مثل الصدّيق يُستحلَف رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، أبو بكر فوق التُهمة، وفعلاً هو فوق التُهمة، فوق كل تُهمة، قال وصدَّقته أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال – حديث الاستغفار – ليس من عبد يُذنِب ذنباً فيقوم فيتوضأ فيُحسِن الوضوء ثم يُصلى ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، وتلا الآية وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۩ من سورة آل عمران، لماذا؟ قولوا لي لماذا؟ لماذا عليّ يستحلف أيها الإخوة؟ لماذا يُتهَم أبو هُريرة بالكذب؟ اتهمه صحابة وتابعون أو من الفريقين، لماذا؟ عن أبي رُزين في صحيح مُسلِم خرج عليهم يضرب رأسه أو وجهه، قال تقولون كذب أبو هُريرة! أنا أكذب؟ قال، لا أكذب على رسول الله، وأنا مع ذلك سمعت الرسول يقول كذا وكذا، لكي تعرفوا أنني لا أكذب، إذن كان يُتهَم بالكذب أبو هُريرة في زمان الصحابة، والحديث في صحيح مُسلِم، في البخاري وفي مُسلِم يقولون أكثر أبو هُريرة والله الموعد، كنت امرأً… إلى آخره، اتُهِم بالإكثار واتُهِم بالكذب، صُرِّح بالكذب في صحيح مُسلِم، قال سمعت الرسول يقول إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمشي في الأُخرى حتى يُصلِحها، اتُهِم بالكذب، لم يدرأ عن نفسه بأنني صحابي لا مساغ للتُهمة في حقي أبداً، هذا غير وارد، ليس صحيحاً!
عمر ضرب أُناساً من الصحابة وسجن أُناساً منهم في الرواية، منهم أبا مسعود البدري الأنصاري، سجنه عمر! ومنهم ابن مسعود، وضرب أبا هُريرة وسألوه أيام عثمان أكنت تُحدِّث هذا الحديث أيام عمر؟ قال لو حدَّثت مثل هذا الحديث لأدماني بدرته، لكسَّر رأسي قال، هذا غير مُمكِن، لماذا؟ إذا كانوا كلهم عدولاً دون أي كلام لماذا يرد عليّ – عليه السلام وكرَّم الله وجهه – حديث معقل بن سنان الأشجعي – من أشجع، من أعراب الصحابة هذا – في بروع بنت واشق؟ نُذكِّركم بحديث المُفوَّضة، ما حديث المُفوَّضة؟ المُفوَّضة هي التي مات عنها زوجها – وذكرنا هذا في دروس التفسير في رمضان حتى – ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقاً، سُئل فيها ابن مسعود وهو في الكوفة فظل يستخير الله فيها شهراً كاملاً ثم خار الله له أن لها مثل صداق نسائها – أي امرأة من نسائها، أي صداق المثل كما يُسمونه، هذا صداق المثل – وعليها العدة، العدة بالإجماع عليها، لا كلام في هذا، المُتوفى عنها مدخولاً أو غير مدخول بها زوجها عليها العدة بالإجماع، عليها العدة ولها الميراث، فقال معقل بن سنان الأشجعي أشهد لقد قضيت فيها بقضاء رسول الله، قضى فيها رسول الله في بروع بنت واشق الأشجعية – يُقال كانت أخت معقل بن سنان – بمثل هذا القضاء، مات عن زوجها ولم يدخل بها ولم يفرض لها، وقضى لها بهذا، عليٌّ رفض هذا، كيف يا عليّ ترفض رواية صحابي وهو معقل بن سنان الأشجعي؟ قال لا نترك كتاب ربنا لقول أعرابي بوّال على عقبيه، لا تقل لي صحابي أو غير صحابي، هذا بوّال على عقبيه، ما الذي أفهم هذا الأعرابي؟ قال، لا آخذ بكلامه، حسبها الميراث وعليها العدة، لا صداق لها، عليّ قال لا صداق لها، من أين لها الصداق؟ لا يُوجَد صداق، لماذا؟ لماذا يرد عليّ – عليه السلام – حديث الصحابي والصحابة عدول ممنوع ترد عليهم؟ كلهم عدول ما شاء الله وعلى الجادة!
ثم أنهم يحتجون في عدالة الصحابة – رضوان الله عليهم – بالآيات التي رأينا القول في تفسير بعضها، أي بالثناء المُجمَل، أليس كذلك؟ لابد أن يُبيَّن القول فيها، ويُمكِن للشيعة ويُمكِن للخوارج أن يحتجوا بالآيات التي فيها الذم المُجمَل، القرآن أيضاً فيه آياتٌ كثيرة تذم الصحابة ذماً مُجمَلاً، ونحن نحمل هذه الآيات – وسنتلوا عليكم شيئاً منها أو أطرافاً منها – على ماذا؟ هل نحملها على الصحابة جميعاً؟ هل نحملها على كل الصحابة أم على مَن وقع عليه الذم وهو يستحقه – هو به حقيق – وهم قلة بفضل الله؟ أول سورة المُمتحِنة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا – انظر إلى هذا، الحديث لكل الصحابة – لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ۩، هذه نزلت في حق مَن؟ واحد، واحد من الصحابة وبدري، عمر قال دعني أضرب عنق هذا المُنافِق، قال له ما يُدريكَ يا عمر لعل الله أن يكون اطلع على أهل بدر فقال اذهبوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟ واحد، والذم ماذا؟ ذمٌ مُجمَل، لا يا أخي، مَن الذي تطرَّف في هذه الآيات؟ الشيعة، قالوا هذا هو، القرآن يسب الصحابة، لا يا أخي، نزلت في واحد هذه أطال الله عمرك، كذلك المدح مدح مُجمَل نحمله على مَن يستحقه، والذم نُسقِطه على مَن يستحقه، نصم به مَن يستحقه، الله يُحِب العدل، على أن مُعظَمهم هم مواضع لماذا؟ للاعتبار والمدح بفضل الله، وأقلهم – نزرٌ يسير جداً من الصحابة – هم الذين استحقوا الذم بفضل الله، قلة قليلة جداً، هذا هو العدل الذي يُحِبه الله ورسوله.
قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ۩ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ۩، وأنا أقول لكم ما ندين الله به أن المُهاجِرين والأنصار في الجُملة – مُعظَم هؤلاء – ما كان يبدو من عملهم هو الأقل وما أخفوه لله هو الأكثر، رضيَ الله عنهم وأرضاهم، كانوا سادات الأولياء، هذا هو، أما أن بعضهم قال ما لم يفعل وأظهر ما ليس في قلبه وبالغ فهذه قلة قليلة جداً جداً، فهذه الآية من ضمن الذم المُجمَل، قال الله أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ۩، هذه نفس الشيئ، ذمٌ مُجمَل، لا تنطبق على كل صحابيٍ صحابيٍ، بل على القلة اليسيرة المنزورة منهم، قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ۩ إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩، هل يُمكِن أن تقول لي هذه نزلت في كل الصحابة كإخواننا الشيعة وتقول هذا ذم؟ لا يا أخي، هذا ذم مُجمَل يُحمَل على قلة، وأنتم رأيتم ما حدث يوم العُسرة، مَن الذين تخلَّفوا؟ ثلاثة، أي أن الذين اثاقلوا ولم يذهبوا ثلاثة، ليسوا ثلاثين ولا ثلاثمائة، ثلاثة فقط، هكذا دائماً هذا الذم ينطبق على قلة قليلة من الصحابة بفضل الله تبارك وتعالى، في الأحزاب قال وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ۩، منهم مَن ظن الظن الحسن ومنهم مَن ظن الظن السيئ، مَن الذين ظنوا الظن السيئ؟ قلة، لا تقل لي الصحابة يوم الأحزاب تقريباً باستثناء جماعة يسيرة ظنوا بالله أسوأ الظن، حاشا لله، حاشا لأصحاب رسول الله أن يكونوا ظنوا أسوأ الظن، القلة القليلة منهم مَن فعل هذا، ثم أن هناك حادثة الإفك وآيات الإفك، قال الله إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ – ماذا قال؟ – عُصْبَةٌ ۩، وبعد ذلك قال إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ۩، هذا ذمٌ مُجمَل يُحمَل على مَن؟ على العُصبة، قبلها بقليل قال إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ ۩، لا تترك آية عُصبة ثم تقول لي الله قال إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ۩ وهذا يدل على أنه يُخاطِب الصحابة جميعاً، غير صحيح، هذا ذمٌ مُجمَل يُحمَل على العُصبة القليلة التي لقيت جزاءها وحُدَّت، حُدَّوا في ظهورهم حد المُفتري القاذف، أرأيتم؟ إن شاء الله غفر الله لصالحيهم، أما رأس النفاق الذي تولى كبره لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۩ في الآخرة حتى، اللعين الكافر هذا، أرأيتم كيف؟
قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا – انظر إلى هذا، ذمٌ مُجمَل – لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ۩، في مَن نزلت هذه الآية على الصحيح؟ كما في الصحاح بما فيها البخاري نزلت في أبي بكر وعمر، الصحيح نزلت في أبي بكر وعمر، ثابت بن قيس بن شماس أيضاً تبع لكن هي نزلت أصالةً كما في الصحيحين في أبي بكر وعمر، روى البخاري عن ابن أبي مُلكية قال كاد الخيران أن يهلكا، كيف؟ أبو بكر وعمر، فسَّرها، قال – في البخاري – كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر، لما وفد ركب تميم على رسول الله اقترح عمر الأقرع بن حابس واقترح أبو بكر رجلاً آخر، يقول واقترح أحدهما الأقرع أن يُقدَّم على قومه واقترح الآخر رجلاً آخر، هكذا في لفظ للبخاري، فقال أبو بكر ما أردت إلا خلافي، قال لعمر أنت تُحِب أن تُخالِفني فقط، قال ما أردت خلافك، وارتفعت أصواتهما عند رسول الله، صوت أبي بكر وصوت عمر ارتفعا، أنت أردت وأنا لم أرد وأنت تضع رأسك برأسي وتنكد علىّ ما إلى ذلك من الكلام، الصحابة – سبحان الله – بشر، عند رسول الله حدث هذا، فأنزل الله فيهما أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ ۩، ستقول لي والله هذه من أقوى الآيات فيما نحن بصدده وفيما قولناه، أنه لا عصمة على بياض لأحد من الصحابة ولا حتى لأبي بكر وعمر، إياك أن تفهم غير هذا، هذا يعني أن تستقم كما أُمِرت، أرأيت؟ حتى وأنت الصدّيق وأنت عمر لابد أن تظل إلى آخر يوم تُراعي الحدود مع الله ورسوله، لا يُوجَد لعب، أرأيتم؟ لا يُوجَد لعب، وهذا أيام الوفود، أي أن هذا في أي سنة على ما يبدو؟ التاسعة، وفي التميم، هذا لا يُمكِن، قال ابن الزُبير فكان عمر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – بعدها لا يُسمِع رسول الله حتى يستفهمه، يتحدَّث بصوت مُنخفِض لا يكاد يُسمَع، خوف طبعاً من الله وإلا سيُحبَط عمله، وهذا يدل على صدق عمر، لو عمر من الذين يُكابِرون ومن الذين لا يعبأون بغضب الله لبقيَ على ما هو عليه، أليس كذلك؟ غلطة ولن تتكرَّر، أليس كذلك؟ مثل غلطة عمر يوم الحُديبية، الرسول يقول أنا عبد الله ورسوله ولن يخذلني وكذا وكذا وعمر يقول لم نُعطي الدنية في ديننا، لم كذا وكذا؟ في صحيح البخاري اتهموا الرأي على الدين، قال لقد رأيتني – يوم الحُديبية وأنا أرد رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرسول يقول كذا وأنا أقول كذا، في الصحيح أن عمر بقيَ إلى أن لقي الله يستغفر ويتصدَّق ويُعتِق رجاء أن يغفر الله له ذلك الذنب، أرأيتم؟ لم يقل أنا عمر، أنا من العشرة المُبشَّرين والحديث في صحيح ولا مُشكِلة عندي، لم يقل هذا أبداً، لا يُمكِن أن ترد على الرسول أمره، رآها عظيمة، وفعلاً عظيمة هي، أليس كذلك؟ سوف نرى مَن الذي ردوا على الرسول أوامره في حُب أهل بيته وبالذات في عليّ، ولم يحفظوا وصاته في المُهاجِرين والأنصار وبالذات في عليّ وأهل بيته، ماذا سيكون موقف النبي منهم يا حبيبي؟ أنت ما شاء الله تُعطيهم شيكاً على بياض من عندك، وكاد الخيران أن يهلكا، وعمر بسبب موقف بسيط في الحُديبية بقيَ إلى أن لقي الله يستغفر ويتصدَّق ويُعتِق رجاء أن يغفر الله له ذلك الذنب، وما الذي حمله – أي عمر – على ذلك؟ الشفقة على الدين والحمية للدين، يُريد أن يكون الدين عزيزاً، لسنا الذين نُعطي الدنية لقريش وغير قريش، نحن مُستعِدون لأن نموت من عند آخرنا، هذا هو، ليس كمُعاوية الذي ذبح المُسلِمين وذبح الصحابة ودمَّر الدنيا، إلى اليوم الدنيا مُدمَّرة وهذا ما قلته في إحدى خُطبي، وأنتم تقولون لا، تُعطونه شيكاً على بياض وتقولون مغفور لهم، ممنوع أن تنتقده بكلمة واحدة، أي دين هذا؟ لا أعرف، أي فهم هذا؟ من أين هذا؟ من أين أتيتم بهذه القواعد؟ والله لا أدري، شيئ غريب، دعونا نُواصِل على كل حال.
قال الله وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ۩، هذا مُجمَل، قال الله إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ۩، نفس الشيئ، هذا واحد وهو الوليد وإن انطبقت على أمثاله، وقال أيضاً وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ۩، هذه تنطبق على مَن انطبقت عليه وهكذا.
نكتفي – إن شاء الله – هذا اليوم بهذا القدر، للأسف لم نُكمِل، بقيَت فضلة يسيرة بإذن الله – تبارك وتعالى – نُكمِلها في الأسبوع المُقبِل، على أن ندخل بحول الله – تبارك وتعالى – في مُناقَشة ملف أو فتح ملف مُعاوية بن أبي سُفيان، في الحلقة المُقبِلة سنبدأ في هذه، هذه تقدمة الآن، فهمنا مَن هو الصحابي وتعريف الصحابي وعدالة الصحابة، لكن سنُكمِل مبحث عدالة الصحابة – بإذن الله تبارك وتعالى – وبعد ذلك نبدأ في مُعالَجة مسائل ملف وقضية مُعاوية بن أبي سُفيان بحول الله وتيسيره، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين وصحابته الميامين، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أضف تعليق