عليّ مكروه في قريش طبعاً لأنه جندلهم، وحتى نواصب الشام منهم مَن يكرهه لأنه قتل آباءه في صفين، مثل هذا حريز بن عثمان عليه من الله ما يستحق، حين تسأله لماذا أنت لا تُحِبه؟ كان يقول قتل آبائي وأجدادي، قتلك الله كما قتلهم، هل هو قتلهم بالهوى والغرض أو عن أمر ورسوله يا أخي؟ بُغاة آباؤك وأجدادك، قال هذا لا يهمني، هم آبائي وأجدادي، انظر إلى هذا بالله عليك.
الجوزجاني للأسف أحد رجال أهل السُنة، وقالوا عنه مُتدين صُلب، صُلب ماذا؟ هذا مُبتدِع ناصبي والعياذ بالله، هذا حين تقرأ في كتابه في الجرح والتعديل تجد أن أي واحد فيه ميل لأهل البيت وتشيع لعليّ مُباشَرةً يصفه الجوزجاني قائلاً زائغ مال عن الطريق، أي طريق يا جوزجاني؟ طريق حُب مُعاوية والسُفيانيين والمروانيين، طريق بني أُمية، هذا الرجل كان في الشام – دمشقي هو – وفي يوم من الأيام كان عنده تلاميذه الذين يكتبون الحديث عنه وما يتعلَّق بالعلم والرجال والجرح والتعديل فأخرجت له جاريته فروجة لتُذبَح، ويبدو أنه لا يُوجَد – كلهم طلّاب علم مثلنا مساكين – مَن يستطيع أن يذبحها، فقال يا لله العجب، دجاجة لا تجد مَن يذبحها وابن أبي طالب ذبح في غداة واحدة عشرين ألفاً، انظر إلى هذا الإمام، هل نُوثِّقه هذا؟ لا نُوثِّقه هذا، هذا ناصبي ضال مُضِل، لا آخذ عنك لا علم رجال ولا جرح وتعديل ولا تهمني أنت وأمثالك، تُبغِض عليّاً أنت مُنافِق، أنت الأمر، هذا كلام الرسول وليس كلامنا، ليس عندي حديث تُبغِض مُعاوية أنت مُنافِق، لا، لكن عندي تُبغِض عليّاً أنت مُنافِق، الرسول قال هذا في صحيح مُسلِم، يُبغِض عليّاً هذا الرجل ويُندِّد به، يقول دجاجة لا تعرفون كيف تذبحونها لكن عليّ بن أبي طالب هذا في غداة واحدة ذبح عشرين ألفاً، ذبحهم للهوى والغرض، لم يذبحهم لأنهم هم الذين اعتدوا على سُلطانه وخرجوا عن طوعه وبغوا، وهم بُغاة وهو مأمور بكتاب الله أن يُقاتِلهم، وقد ندم ابن عمر ويُروى عن سعد – لكن السند ضعيف – أنه أيضاً ندم أن لم يكن قاتل مع الإمام عليّ ضد البُغاة، بكتاب الله مأمورون أن نُقاتِلهم يا أخي، قال قتل عشرين ألفاً، حتى لو قتل مائتين ألف يا حبيبي ما المُشكِلة؟ هل أنت تُعيّره بأمر صدع فيه بأمر الله – تبارك وتعالى – ورسوله؟ لا يحوز يا أخي، أي علم هذا؟ هكذا قالوا هذا إمام من الأئمة العظام وهو مُتدين صُلب في دينه، صُلب ماذا؟ صُلب في البدعة، صُلب في النصب، أعوذ بالله، هؤلاء أُناس لا يخافون على دينهم يا أخي، هكذا لُقِّنوا هذا الشيئ!
نُكمِل – إن شاء الله – بعد الفاصل إخواني وأخواتي.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه ومَن والاه، ربنا افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين.
نعود إلى الحافظ ابن حجر رضوان الله تعالى عليه، فابن حجر قال الذي فهمه في الحديث أن بُغض عليّ ليس بمُجرَّده – أن تُبغِض عليّاً بالمُطلَق – يُعَد علامة على النفاق، لكن أن تُبغِض عليّاً بلحاظ أو من زاوية أو لأنه – ما العلة في البُغض؟ – نصر الله ورسوله، حارب الكفّار والمُشرِكين وأبلى من البلاء أحسنه وأعظمه، قال إذا أبغضته من هذه الزاوية فأنت مُنافِق، ونحن نقول عليّ في هذا يستوي مع سائر الذين قاتلوا وأبلوا بل يستوي مع الحجر والشجر ومع العجماوات وحاشاه، ستقول لي كيف؟ أنا سأقول لك كيف، ومَن أبغض عليّاً وغيره لأجل هذا المعنى ليس مُنافِقاً بل هو كافرٌ، لو أبغض أحدهم الغار لأنه أكن رسول الله وصاحبه يكفر أو لا يكفر؟ يكفر مُباشَرةً، لماذا يا غار أنت خبأت محمداً؟ يا ليتهم طالوه وانتهى الأمر، هذا هو المعنى، إذا قلت هذا تكون كافراً، لو أبغضت هذا الغار فأنت كافر، لو أبغضت كلباً – كما قال أحد العلماء – لحراسته رسول الله كفرت، لأن ماذا سيُصبِح المعنى؟ أنك تتمنى العنت والخبال لرسول الله والضر ومن ثم تكفر، في قصة العنكبوت مع أنها ليست بتلكم القوة لو أبغضت العنكبوت الذي نسج على غار رسول الله تكفر، لو أبغضت البغلة أو الفرس الذي قاتل عليه الرسول – أي لماذا حملته وحمته ونجا بها من القتل في إحدى الوقعات؟ – كفرت، ولو أبغضت عمر وحُذيفة وابن عوف وأي أحد لأنه نصر الرسول بلسانه وسنانه وماله وجاهه كفرت، فما مزية عليّ؟ هذا كلام غير صحيح، فهم الحافظ مع تقديرنا وتعظيمنا للحافظ ابن حجر – ومَن مثل الحافظ؟ – فهم غير صحيح وغير دقيق بل أنا أقول لكم العلة في أن رسول الله – هذا ديني الذي أدين الله به – جعل محبة عليّ علامة الإيمان وبُغض عليّ علامة النفاق تمام معنى الإيمان في عليّ وكمال معنى الإيمان في عليّ، التمام والكمال الذي لأجله قال النبي المُصطفى عليٌّ مني وأنا منه، الذي لأجله صح عنه ما تعرفون وبعضهم حكى فيه التواتر، ويا للعجب ابن تيمية طعن فيه، ابن تيمية – رحمه الله – طعن في هذا الحديث، والشيخ الألباني المُعاصِر استغرب جداً، قال بمعنى الكلام عجيب جداً أن ابن تيمية يطعن في هذا الحديث الثابت الصحيح، يبدو أنه لعجلته في الرد على الشيعة شكَّك في الحديث، الحديث ثابت بلا مثنوية، عليٌّ مني وأنا منه، عليّ مولاي وأنا مولاه، في ألفاظ أُخر اللهم وال مَن والاه وعاد مَن عاداه، وكما قلنا لكم وأنفسنا وأنفسكم، وكما قلنا لا يُؤدي عنك إلا أنت أو رجلٌ منك، هذه المزية ثابتة لعليّ، عليّ لمَن قرأ سيرته – هذه المسائل تحتاج إلى نوع من التعمق والقراءة والبحث عن الحق فقط – يعلم أنه – عليه السلام – كان لا يعدل بالحق شيئاً، الحق قبل أي شيئ، لا يهمه، تم فيه هذا المعنى، ولأجل هذه المعاني مُجتمِعةً – كما قلنا – شرَّفه الله وأعلى مقامه بأن جعل ذُرية المُصطفى من ظهره وصُلبه، هل تُريدون مزية أعظم من هذه المزية يا جماعة؟ هذا هو طبعاً، وأبى الله لفاطمة أن يكون زوجاً لها وبعلاً إلا عليّ – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – لما كان من عليّ، فهذا هو، لا تقل لي أن الموضوع يتعلَّق بكره عليّ من زاوية أنه نصر الإسلام، لو كرهت أي أحد من الصحابة أو أي شيئ من الجمادات لأنه حمى الرسول ونصر الإسلام تكفر، لأن ماذا يعني هذا إذن؟ هذا يعني أنك تُحِب أن الإسلام يُضَر وأن الرسول يُضَر وأن الإسلام لا ينتصر، ومن ثم تكون كافراً، لا تُوجَد مزية لعليّ هنا، هذا فهم ابن حجر رضوان الله تعالى عليه، وما منا إلا رادٌ ومردودٌ عليه، نحن لم نقتنع بكلام الحافظ ابن حجر يا إخواني في هذه المسألة، والله – تبارك وتعالى – أعلم.
إذن نأتي إلى حديث الترمذي وابن حبان، نحن استطردنا قليلاً: الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمَن أحبهم فبحُبي أحبهم، ومَن أبغضهم فببُغضي أبغضهم، ومَن أبغضني فقد أبغض الله، ومَن أبغض الله يُوشِك أن يأخذه.
الحديث في إسناده كلام، أي لم يُتفَق على تصحيحه، صححه بعضهم وتكلَّم فيه آخرون، على فرض صحته – سنُسلِّم أنه حديث صحيح – يثور سؤال مُباشَرةً، مَن هم المُخاطَبون بالكلام؟ مَن الذين قال لهم الله الله في أصحابي؟ بحسب كل ما مر معنا يبدو أن المُراد بأصحابي حيزه – المُهاجِرون والأنصار – وأن المُخاطَبون بالتحذير هم التابعون، فإن حفظوا الله ورسوله في أصحاب رسول الله كانوا من التابعين بإحسان، وإن فعلوا كما فعل أقوام كانوا من التابعين بغير إحسان، الحديث ليس فيه شيئ مُشكِل، الأمور واضحة جداً والله، الأمور واضحة تماماً، والله – تبارك وتعالى – أعلم.
قلنا نحن في بداية المُحاضَرة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أنكر على عمر بن الخطاب – وقطعاً هو من أصحابه – إنكاراً شديداً وتمعر وجهه، وهذا في مرتين، هل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ من أجل ماذا؟ من أجل أنه أغضب أبا بكر الصدّيق، وعمر هو مَن هو؟ عمر هذا، فاروق الإسلام رضوان الله عليه، لكن بينه وبين أبي بكر مراحل، فتُحفَظ المثابات، أليس من باب أولى أن يشتد النكير على مَن وقع في أحد من السابقين من المُهاجِرين والأنصار وخاصة في الإمام عليّ فسبه ولعنه وأمر بسبه وقاتله وحاربه وصار حرباً عليه وعلى شيعته وأهل بيته أن يشتد النكير عليه يا أخي؟ أين عقلنا؟ النكير اشتد على عمر من أجل أبي بكر، ألا يشتد على أمثال مُعاوية من أجل عليّ عليه السلام؟ وليس هذا فحسب، قلبي يقول لي – وأحسب أن بعضكم يقول هذا الآن في قلبه – والله إذا كان الأمر كذلك فالأمر واضح جداً جداً، والله ما أوضح منه، ولكن – سبحان الله – الهوى والغرض أو المُتابَعة وانغلاق العقل والتقليد الجامد، هناك مَن هو كذلك ومن ثم يرفض، يُريد أن يُردِّد ما تقول الكتب وانتهى الأمر لكن على طريقة مُعيَّنة، في صحيح مُسلِم يا إخواني أن أبا سُفيان مر ببلال وسلمان وصُهيب رضيَ الله عنهم، قال النووي في المنهاج شرح مُسلِم هذا المرور من أبي سُفيان كان بعد الحُديبية في الهُدنة، في المدينة المُنوَّرة جاء ومر عليهم، فماذا قالوا؟ قالوا لم تأخذ سيوف الله من عدو الله مأخذها، قالوا هذا ملعون، أبو سُفيان حينها لم يُسلِم طبعاً، هذا كان في الهُدنة بعد الحُديبية، أي بعد سنة ست أو في أعقابها، قالوا لم تأخذ سيوف الله من عدو الله مأخذها، فبماذا رد عليهم أبو بكر؟ كان موجوداً حينها فقال أتقولون هذا لسيد قريش؟ هذا كبير قريش وما إلى ذلك، ثم ذهب أبو بكر – هم لم يذهبوا حتى ولم يشتكوا – إلى رسول الله وأخبره، أخبره بما حدث كأنه يُريد أن يقول للرسول لا يجوز هذا ولا يليق، الرجل معنا في عهد الآن وفي هُدنة، وهو رجل سيد، وأنزلوا الناس منازلهم، هذه وجهة نظر سيدنا الصدّيق رضوان الله تعالى عليه، فما ينبغي لسلمان وصُهيب وبلال أن يقولوا هذا القول للرجل، وقد سمع هذا بأذنه وهذا يُؤذيه، فذكر هذا للنبي، هل تعرفون ماذا كانت ردة فعل رسول الله الذي ليس عنده لا غرض ولا هوى أبداً، رسول الله الحق، هو الحق – ما شاء الله – وهو النور؟ قال يا أبا بكر لعلك تكون أغضبتهم – احذر من أن تكون أغضبت الثلاثة هؤلاء -، إن كنت أغضبتهم فقد أغضبت ربك، الله أكبر يا أخي، لا كلام هنا يا حبيبي، بلا أبي سُفيان بلا أم سُفيان، هؤلاء صحابة أجلاء، وقلوبهم مع الإسلام وما قالوا هذا إلا حميةً لدينهم ونبيهمن فهُرِعَ إليهم أبو بكر وقال يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا لا، ثم قالوا غفر الله لك يا أخانا، غفر الله لك، لأنهم قالوا نحن شعرنا بشيئ من الغضاضة لكن نحن نستغفر لك الله، رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، هذا هو، وهذا الكلام من رسول الله كان انتصاراً لمَن؟ لسلمان وصُهيب وبلال، إزاء مَن؟ الصدّيق، كيف لو تخيَّلنا وتصوَّرنا الرسول حياً بين ظهرانينا ويطلع – لا إله إلا الله – على ما فعله مُعاوية مع الإمام عليّ وما فعلته شيعة مُعاوية مع أهل بيته ومع الإمام عليّ وكل المجاريات الدموية التي دمَّرت الأمة ومزَّقتها اطلع عليها الرسول؟ هل كان سيقول رضيَ الله عن هذا ورضيَ الله عن هذا وهذا له أجران وهذا له أجر واجتهد فأخطأ؟ هل هذا منطق النبي؟ هل هذا منطق الحق يا عباد الله؟ عجيب، إِنَّا لِلّهِ ۩.
طبعاً لدينا أحاديث كثيرة، لدينا أحاديث المُنافِقين، قلت لكم أنا وعدتكم – إن شاء الله – هذا سنُفصِّل فيه القول تفصيلاً، حديث مُسلِم في أصحابي اثنا عشر مُنافِقاً، وهذا يُؤكِّد أن النبي استخدم هنا الصُحبة بالمعنى اللُغوي وليس بالإطلاق الشرعي “الحيز”، هذا معنى لُغوي على التوسع، قال الله وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ۩، وقال أيضاً مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ۩، لكن قوله إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ ۩ ليس استخداماً للصُحبة بالمعنى اللُغوي، يُوجَد حديث في صحيح مُسلِم عن ابن مسعود، قالوا يا رسول الله أنُواخَذ بما عملنا في الجاهلية؟ مَن هؤلاء؟ أُناس أسلموا، من أصحابه؟ لا نعرف، هناك الصُحبة اللُغوية والصحبة الشرعية، لا نعرف متى قيل هذا، لكنهم يخافون من أعمالهم في الجاهلية وأسلموا، الآن أنا سأسلكم على طريقتنا في الفهم وتناول الصحابة بالذات ماذا كان ينبغي أن يقول النبي – على طريقتنا – وحاشاه أن ينبغي لفهمنا أن يقول شيئاً؟ الإسلام يجب ما قبله، وأنتم عدول فاطمئنوا، لا يُوجَد كلام، هذا السؤال لا موضع له، انتهى الأمر فأنتم صحابة، لكن لم يقل هذا النبي، قال مَن أحسن في الإسلام لم يُؤاخَذ بما عمل في الجاهلية، ومَن أساء في الإسلام أُخِذَ بما عمل في الجاهلية والإسلام، وهو نصٌ على احتمال إساءة بعضهم، نصٌ في عدم معصوميتهم، هل يقول أحد أن الصحابة كانوا معصومين؟ لا يقول أحد هذا، لا يُوجَد أحد سُني يقول الصحابة معصومون، أليس كذلك؟ الشيعة يقولون الأئمة الاثنا عشر معصومون، أليس كذلك؟ نحن نقول الصحابة غير معصومين نظرياً، وعملياً نتعامل معهم على أنهم معصومون، عملياً نفعل هذا ولا نقبل غيره، وبالمُناسَبة أنا سأقول لكم وعلى طريقتي أيضاً الجارحة – لا أعرف – والقوية في الوضوح أحياناً مِن ناحية منطقية تحليلية مَن أكثر اتساقاً مع نفسه ومع لوازم مذهبه وقوله: الشيعة الإمامية – ولسنا نقول بقولهم في عصمة الأئمة – أم أهل السُنة؟ الشيعة قالوا الأئمة معصومون وطبعاً هذا يلزم منه لوازم وتترتب عليه توابع وتوالٍ كثيرة، وكانوا منطقيين مع أنفسهم في كل شيئ بعد ذلك، قدَّموا العصمة وقالوا بكل لوازمها، يُوجَد اتساق منطقي، بالنسبة لأهل السُنة قالوا الصحابة ليسوا معصومين، المعصوم هو النبي فقط، لا يُوجَد أحد معصوم، لا الصدّيق معصوم ولا الاثنا عشر، وهذا جميل جداً، لكن هل كانوا منطقيين بعد ذلك حين سلَّموا أن الصحابة مَن زنى ومنهم مَن بهت، هل تعرفون منهم مَن بهت مَن؟ عائشة أم المُؤمِنين، في سورة النور حادثة الإفك، ووصمهم الله بأنهم ماذا؟ عند الله هم الكاذبون، قال الله فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ۩، أتوا ببهتان عظيم وليسوا مُنافِقين جميعاً، رأس النفاق كان تولى كبره، لكن منهم مسطح وحسان وأخت زينب بنت جحش، أي صحابة وصحابيات، كانوا كرماء وطيبين ما شاء الله لكنهم أخطأوا وكذبوا، كذبوا على عِرض رسول الله يا جماعة، جرحوا قلبه ومُقلته، عادي! قالوا نحن نعترف بهذا، هم فعلوا كذا وكذا وكذا، أي الصحابة، هذا صحيح، يعترفون بهذا ثم يقولون ومع ذلك كل هذا لا يُسوِّغ لأحد أن ينتقدهم أو ينقص من أي واحد فيهم وإن قتل الصحابة أيضاً وإن وإن، وكل شيئ فعلوه لابد أن تقول فعله باجتهاد وله أجر إن شاء الله، لكن يا أخي النبي يقول في النار! قاتل عمّار في النار، الفئة الباغية فئة تدعو إلى جهنم، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، والحديث مُتواتِر، كيف تُريد أن تُقعِّد هذه القاعدة؟ قال لا، نحن قعَّدنا قاعدة ثانية أيضاً، اسمعواهذه القاعدة العجيبة، وأرجو مَن يسمعها يسمع الجواب عنها، قال قعَّدنا قاعدة، الصحابة عدول محفوظون لهم المثابة الأعظم والأعلى والأكرم، بعد ذلك إذا ورد في أي نص شيئ يُجرَح به أحد من هؤلاء الصحابة لابد أن نُؤوِّله حتى تبقى للصحابي محفوظيته ومثابته واحترامه، أقول لهم تقعيد القواعد مسألة سهلة، أستطيع أنا وتستطيع أنتَ وتستطيعن أنتِ أن نُقعِّد الآن من القواعد ما شئنا، لكن لابد من تبرير تقعيد القاعدة، مثلاً نحن حين نحمل في القرآن الكريم أي آية تُوهِم التعطيل أو التشبيه أو التجسيم في حق الله على التنزيه والإثبات في باب الأسماء والصفات لماذا نفعل هذا؟ لأن عندنا آيات قطعية مُحكَمة تقول لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ ۩ وتقول وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ۩، أليس كذلك؟ هذا المُبرِّر، فهل عندكم قطعيات من سُنة مُتواتِرة أو من قرآن – والقرآن كله مُتواتِر – أو حتى من سُنة صحيحة قوية أن الصحابة كلهم على التعريف الذي ارتضيمتوه للصحابي مغفور لهم ما قدَّموا وما أسلفوا وما قدَّموا وما أخَّروا وأنهم كلهم في الجنة من عند آخرهم؟ إذا لديكم هذا بطريق القطع هذا يُبيح لكم أن تُقعِّدوا القاعدة، ليس لديكم هذا، ولو استظهرتم بالثقلين على أن تُثبِتوا أن هذا موجود نقول لكم عكسه تماماً هو الموجود في القرآن والسُنة، في القرآن والسُنة عكسه هو الموجود، لذلك الشيخ الألباني – من المُعاصِرين رحمة الله عليه – رد على الحافظ ابن حجر، قال لا، حين تُقعِّد قاعدة أن كل الصحابة في الجنة وما إلى ذلك وتأتي بكلام ابن حزم لن يدخل هذا في عقلي، هذا الألباني، لماذا؟ لحديث الباب في الصحيح، أي في السلسلة الصحيحة، ما الحديث الذي صحَّحه الألباني؟ قاتل عمّار وسالبه في النار، قال هذا نص، النبي يقول الذي يقتل عمّاراً في النار، لا تستطيع أن تقول غير هذا، رُغماً عنك لابد أن يخرج هذا، لا تُوجَد هذه القاعدة، وقاتله صحابي اسمه أبو الغادية الجُهني، هو في النار دون كلام، وكما قلنا كَركَرة في النار، وقزمان في النار، ومدعم هذا في النار، والحديث في البخاري، وكثيرون منهم في النار، ولم يثبت عليهم نفاق، منهم مَن غل ومنهم مَن قتل نفسه، هؤلاء في النار، ليسوا مُنافِقين بالضرورة، لم يكونوا مُنافِقين لكنهم في النار، كلهم في النار، إذن انتهى الأمر، هذه القاعدة لا مكان له، هذه القاعدة بالتشهي وبالهوى، يظنون أن هذه طريقة علمية، ليس هكذا العلم، هذا غير موجود، أين مُسوِّغ تقعيد القاعدة؟ يستطيع خصمك أن يُقعِّد قاعدة على الضد منها تماماً، هذا لا ينفع، المسألة ليست هكذا، لابد لها من مُسوِّغات علمية، مُسوِّغات علمية حقيقية!
المُهِم النبي قال مَن أحسن في الإسلام لم يُؤاخَذ بما عمل في الجاهلية، ومَن أساء في الإسلام – أي منكم يا مَن تسألونني – أُخِذَ بما عمل في الجاهلية والإسلام، هذا الكلام منطقي، هل تعرف لماذا؟ لأنك على الأقل التقيت برسول الله، تشرَّفت وتنوَّرت لأنك التقيت بالنور التام، بسيد الخلق، إمام الأنبياء والمُرسَلين، عليك أن تكون أعظم وأكثر استقامة من غيرك مِمَن لم ينل هذا الشرف، أليس كذلك؟ عموماً يا إخواني لا ندري هل شرف الصُحبة هكذا بالمُطلَق وبالعام يُوازي شرف أن تكون إحداهن زوجةً لرسول الله؟ هي مِن أصحب أصحابه، صحابة بالجنب، زوجه وموضع سره، أليس كذلك؟ وترى منه ويرى منها، هذه زوجته، لذلك قال الله تعالى يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ ۩، قال لهن أنتن لكن مثابة عظيمة، لكن لا بعنوان الزوجية فقط – أنكِ زوجة محمد – وإنما الزوجية مُضافاً إليها ماذا؟ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ۩، قال الله إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ۩، إذا اتصفت أم المُؤمِنين بتقوى الله مع كونها أم المُؤمِنين تكون ليست كسائر النساء، ولذلك لأن لها هذه المثابة الخاصة وهذه الميزة الفارقة إن أتت بفاحشة مُبيّنة ماذا يحدث؟ قال الله يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ۩، كأن النبي فهماً في عمق الآية قال أيضاً لمَن رآه – لا أُحِب أن أقول أصحابه وغير أصحابه وإنما أُحِب أن أقول لمَن رآه مِمَن له الصُحبة الشرعية أو حتى الصُحبة اللُغوية – مَن أحسن في الإسلام لم يُؤاخَذ بما عمل في الجاهلية، ومَن أساء في الإسلام أُخِذَ – لم يقل لهم مَن كفر أو مَن ارتد وإنما قال مَن أساء، يصحبني ثم يُسيء السيرة – بما عمل في الجاهلية والإسلام، هل فهمتم كيف؟ لماذا إذن هذا التضعيف؟ لأنك صحابي أو على الأقل التقيت به، وهذا عدل لأن الله قال لمحمد نفسه – صلوات ربي وتسليمات على محمد وآله وصحبه – إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ۩، لأنك نبي رسول ومن ثم خطؤك مُضاعَف، هنا ستقول لي والله عجيب يا أخي، هذا منطق قرآني واضح جداً جداً، إذن من أتينا بالمنطق هذا الذي أخرج الصحابة من هذه القاعدة التي تنطبق على الرسول نفسه وعلى أمهات المُؤمِنين وجعلنا الصحابة ما شاء الله ذنوبهم مغفورة من عند آخرها فعلوا ما فعلوا واحتقبوا ما احتقبوا؟ أنا أقول لك دون أن أُقسِم بالله قاعدة أُموية سياسية، ليست علمية، لا قرآنية ولا نبوية، سياسة! سياسة ألَّفت هذا الكلام حتى نسكت ونغض على جرائم ومَن تلاهم مِن ظلمة المُسلِمين، هذا ممنوع، لكن بني أُمية هم الذين وضعوا هذه القواعد وعلماؤهم ورواتهم من النواصب، ليس كلهم وإنما بعضهم من النواصب.
نأتي الآن إلى موضوع العدالة، الجُزء الثاني من المُحاضَرة، أولاً ما هي العدالة؟ طبعاً عُرِّفَت بتعريفات كثيرة بالعشرات، لكن سنذكر – إن شاء الله – أقوم هذه التعريفات وأعدلها، تعريف يكاد فعلاً – إن شاء الله – يُرضي الجميع ويقول به الجميع، قالوا العدالة ملكة مُعيَّنة – قالوا ملكة، أرأيت؟ ما المقصود بملكة؟ هذه تُوجِب سلوكاً مُمتَداً وحالة دائمة، ليست عرضية كأن تجده الآن في حالة وبعد ساعة في حالة أُخرى كأبي رياح، لا، ملكة ثابتة في النفس، أي Competence – يكون معها المُكلَّف سالماً من مُوجِبات الفسق – أي أسباب ومُقتضيات الفسق – كما من خوارم المروءة، هذه هي العدالة، من أحسن التعريفات أنها ملكة، حالة نفسية ثابتة تحدث عنده تُوجِب حالة سلوكية دائمة، دائمة في مُعظَم أحايينه وأحوال المُكلَّف، كلمة مُكلَّف فيها ثلاثة شروط: مُسلِم – أو مُسلِمة – بالغ عاقل، لذلك احفظوا هذا، شروط العدالة تقريباً خمسة: الإسلام، البلوغ، العقل، البراءة والخلو عن أو من أسباب الفسق ومن – خمسة – خوارم المروءة، هذا هو فقط، هذا العدل، هذا هو العدل صحابياً كان أو غير صحابي، ستقول لي إسلام وبلوغ وعقل أمور نفهمها لكن ما هي أسباب الفسق؟ عموماً أسباب الفسق هي المعاصي كارتكاب الكبائر أو الإصرار على الصغائر، يُمكِن ألا يرتكب كبائر لكنه يفعل صغائر ويصر عليها ومن ثم يكون فاسقاً، وفعلاً لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار، العلماء قالوا الصغيرة إن أصر عليها استحالت كبيرةً، إن جاهر بها استحالت كبيرةً أيضاً، ممنوع أن تُجاهِر بها وتُصِر عليها وإلا تستحيل كبيرة، وإن داوم عليها – هذا الإصرار – يحدث نفس الشيئ، إذن لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار، إذن فهمنا ما هي أسباب الفسق، ارتكاب الكبائر والمُداومة والإصرار على الصغائر، لكن أن يُلِم بالصغائر ويفعلها مرة ويتركها مرات طويلة لا يُعتبَر فاسقاً، أليس كذلك؟ مَن منا يخلو من الصغائر؟ هذه صغائر، قال تعالى إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ ۩، من ضعف الهشاشة البشرية لابد أن نُلِم بالصغائر، هذا شيئ طبيعي ومعقول، لكن لا نُديم ولا نُصِر عليها، حاشا لله هذا فسق، وخوارم المروءة ماذا عنها؟ أشياء غير محرومة لكنها تخرم مروءة الإنسان، هذه قضية تتعلَّق أكثر ما تتعلَّق بالعُرف، كتطفيف حبة، مثلاً يأتي أحدهم في السوق يشتري أو يبيع فيُطفِّف بالإخسار أو بالزيادة في الميزان ولو حبة، لو حبة قمح، هذا لا يجوز، يخرم مروءتك، يأتي إلى السوق ويذوق طعام الناس ثم لا يشتري، يقول هذا لا يعجبني، هذا غير جيد، قديماً كان مَن يأكل في الشارع تُخرَم مروءته، كأن تكون شيخاً جليلاً وتأكل في الشارع، هذا يخرم مروءتك، أن تمشي حاسر الرأس بين قوم عادتهم تغطية الرأس ولا ترعوي من هذا ولا تخشى العار، عند الناس هذا عار وعيب، هذا يخرم المروءة رغم أن هذه مسألة بسيطة، وكذلك أن يقضي حاجته في الشارع مع أنه يستتر لكن يبدو أنه يقضي حاجته، يقف ويقضي حاجته في الشارع، لا يليق هذا بإنسان من الرواة أوالعلماء، خوارم المروءة أشياء مثل هذه تتعلَّق بالعُرف، هذه العدالة في الجُملة، ستقول لي إذا كانت هذه العدالة كيف تقول لي الصحابة كلهم عدول؟ هناك صحابة قتلوا وصحابة سرقوا وصحابة بهتوا وتسبَّبوا في مشاكل كبيرة يا أخي، أي عدالة هذه؟ هذا هو، هذا الشيئ الذي يُحيِّر، قالوا لأ، الصحابة كلهم عدول!
على كل حال الذي ندين الله به أن الصحابة كلهم عدول قاعدة صحيحة في الأغلب، إذا قلت أنها أغلبية فنعم الصحابة عدول أغلبية، ما معنى أغلبية؟ أن لها استثناءات، نحن نتكلَّم في الاستثناءات، أليس كذلك؟ نحن عكس الشيعة الإمامية الذين قالوا الصحابة كلهم مجروحون إلا استثناءات: عليّ وأبو ذر وسلمان وأبو سعيد وزيد بن أرقم والمقداد والأسود وإلى آخره، أي عشرات وما إلى ذلك والبقية كلهم جُرِّحوا والعياذ بالله، هذا غير صحيح، حاشا لله، نحن نعكس تماماً، نقول الصحابة كلهم عدول قاعدة سليمة لكنها أغلبية، ليست مُطرِدة في كل صحابي فرداً فرداً، هذا غير صحيح، فهي لها استثناءات، قال بهذا العلّامة محمد بن إبراهيم بن الوزير صاحب العواصم والقواصم، قال هذه قاعدة صحيحة لكنها أغلبية، ومثله بعد ذلك بزُهاء ثلاثمائة سنة – الأول مُتوفى في عام ثمانمائة وأربعين، والآخر مُتوفى في عام ألف ومائة وثمانية، أي في القرن الحادي عشر – الإمام صالح بن مهدي المُقبِلي – رحمة الله عليه – صاحب العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشائخ والأرواح النوافخ، هذا قال أيضاً صحيحة أغلبياً، نحن نقول بهذا، صحيحة أغلبياً، لها استثناءات وهي قليلة بفضل الله، كلامنا في الاستثناءات، فلسنا – بفضل الله – مِمَن في قلبه مرض أو دغل ونُريد أن نشنأ جُملة الصحابة، حاشا لله، مَن نحن حتى نشنأ أنصار محمد وشيعة محمد وأحباب محمد يا أخي؟ حاشا لله، حاشا لله! ولكن كلامنا في الاستثناءات، والقاعدة صحيحة في الأغلب.
ثم أن يا إخواني من المعروف لدى الخاصة والعامة أن مثل هذه الأمور يُفهَم منها – إذا أردت أن تزن النصوص الواردة فيها بهذا الميزان العادل – أن الثناء على المجموع لا على الجميع، الثناء يتناول المجموع لكن لا يتناول الجميع فرداً فرداً، لابد أن تكون هناك استثناءات، لو أتيت وقلت والله الشعب الليبي أطيب شعب – أطيب الشعوب العربية – وسلَّم لك الناس هذا فإنهم يُسلِّمونه على جهة أن الثناء على مجموع الشعب الليبي وليس على الجميع، ولذلك سترى من الليبيين – والعياذ بالله – كتائب القذّافي، أناس مُجرِمون قتلة – والعياذ بالله – يفعلون ما لا يُفعَل، وهذا لا يخرم القاعدة، لأنها قاعدة ماذا؟ أغلبية، قال الله يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ۩، إذن قال الله فَضَّلْتُكُمْ ۩، هل فعلاً فضَّل كل بني إسرائيل فرداً فرداً حتى مَن قال الله فيه وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ۩ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ ۩ – هذا ذهب في ستين داهية، أليس كذلك؟ – أو الذين أرهقوا موسى بالسؤال والجواب والاعتراض أو الذين اتخذوا العجل من بعده أو أو أو؟ حاشا لله، لكن الله يقول فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ۩ أي في الجُملة وفي المجموع، فعلاً بنو إسرائيل في زمانهم خير أمة، أحسن من قوم فرعون وأحسن من الأقوام المُشرِكية والوثنية، هذا أكيد، لكن فيهم وفيهم والعياذ بالله، أليس كذلك؟ ومنهم ومنهم، فهذا ثناء على المجموع لا على الجميع، ثناء على الجُملة لا على كل فردٍ فردٍ، هل هذا واضح؟ هل تعرفون هذا مثل ماذا؟ كقول النبي في الحديث المُخرَّج في الصحيحين خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وهذا الحديث من أعظم مُتكئات مَن يُعدِّل كل الصحابة وفي الحقيقة هو حُجة لنا عليهم وليس العكس، بدليل أن النبي يقول خير الأجيال جيلي، وفي جيله كان عبد الله بن أُبي بن سلول، طبعاً واضح أنه يُريد خير القرون من المُسلِمين، لا تُحدِّثني عني أبي جهل وأبي لهب، واضح أن المقصود من المُسلِمين، طبعاً ليس على إطلاقه فواضح أنه سيُقيَّد بأشياء، لكن هذا من المُسلِمين، حتى مِمَن أظهر الإسلام أو من المُسلِمين يُوجَد رأس النفاق، قالوا هذا أخرجناه ولا نعتبره صحابياً، قلنا جميل لكن بماذا أخرجتموه؟ قالوا بالنصوص، قلنا ونحن أخرجنا الآخرين مِمَن فسق وتعدى وظلم بالنصوص، فلا يحل لكم ويحرم علينا، انتبهوا إلى هذا، انظروا إلى النقاش العلمي، أنتم أخرجتموه بماذا؟ بالنص، ونحن أخرجنا مَن أخرجنا مِمَن أساء السيرة وظلم وتعدى مِمَن تسمونهم أصحاباً وإن سلَّمنا لكم اللقب – ليس عندنا مُشكِلة – بالنصوص أيضاً، أخرجناهم بالنصوص وبالقاعدة الشرعية فلا بأس، فحلالٌ لكم وحلالٌ علينا إذن، لا نتناقض، وبعد ذلك قال خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، التابعون! أي جيل التابعين، وقد كان في جيل التابعين الحجّاج بن يوسف الثقفي الفاسق – والعياذ بالله – المُبير، قيل الفاسق هو المُختار بن أبي عُبيد الثقفي الذي كان على الكوفة في زمانه وأخذ بثارات الحُسين، والمُبير هو الحجّاج بن يوسف – والعياذ بالله – الذي قال فيه الذهبي لا رحمه الله، الحجّاج لا رحمه الله قال الإمام الذهبي، والآن بعض النواصب الذين يُبغِضون آل البيت ويتشفون فيهم يُؤلِّفون كتباً عن الحجّاج رضيَ الله تعالى عنه، يجعلونه من أعظم رجالات الإسلام، شيئ غريب يا أخي، حقد على أهل البيت، الذهبي يقول لا رحمه الله، لا رحم الله فعلاً هذا الحجّاج المُجرِم، فكان فيهم الحجّاج وكان فيهم المُختار، أليس كذلك؟ وكان فيهم الخوارج – الخوارج بعضهم من الصحابة وأكثرهم من التابعين – الذين خرجوا على الإمام عليّ، وكان فيهم النواصب، وكان فيهم البُغاة الذين خرجوا على إمام الزمان وأمير المُؤمِنين عليّ عليه السلام، أليس كذلك؟ والنبي يقول خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، وكل هؤلاء في قرن التابعين، البُغاة والخوارج والنواصب والحجّاج والمُختار وأمثال هؤلاء، ستقول لي لكن خبر النبي لا يتخلَّف يا أخي وهذا الخبر صحيح ومُخرَّج في الصحيحين والنبي لا يقول إلا حقاً ففسِّر لنا لأنك حيَّرتنا، لا تُوجَد حيرة، لماذا الحيرة والتهوك والتردد؟ والله لا يُوجَد أي مُوجَب للحيرة، إذا تحيَّرت في الآية التي تقول وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ۩ تحيَّر في الحديث، ما الجواب؟ ثناء على الجُملة هذا، ثناء على المجموع لا على الجميع ولا على كل فردٍ فردٍ، أليس كذلك؟ وفعلاً أنت تُلاحِظ في النهاية أن جيل الصحابة في الجُملة حتماً وبالحري أفضل من جيل التابعين، وحتماً جيل التابعين في جُملته أفضل من جيل تابعي التابعين وهكذا، هذا صحيح، صدق رسول الله، سوف يقول لك النبي هل أنت أهبل؟ هل فهمت من كلامي أنني أُوثِّق كل مَن في جيلي مِن المُسلِمين؟ أنا لم أقل هذا، كيف أُوثِّق والله أنزل علىّ في أحد أصحابي إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ۩؟ نزلت في مَن هذه؟ في الوليد بن عُقبة بن أبي مُعيط، سوف تقول لي لا فالقصة الضعيفة وقال بعض العلماء كذا وكذا، لكن هذا غير صحيح، القصة بعد دراسة أسانيدها وهي كثيرة جداً لا يُمكِن أن تكون ضعيفة، بل هي قوية صحيحة قطعاً، وعلى كل حال المُفسِّرون والعلماء كفونا المؤونة، ابن عبد البر وأبو الفرج بن الجوزي حكيا الإجماع على تفسير الآية بهذه القصة، لا كلام فيها، فيها إجماع، لذلك لا تكاد تعثر على مُفسِّر مُعتبَر إلا قال الآية نزلت في الوليد بن عُقبة بن أبي مُعيط، على كل حال إن لم تنزل فيه فهذا صاحب من أصحاب رسول الله وهو فاسقٌ بلا مثنوية بما ثبت في صحيح مُسلِم من شربه الخمر بل إدمانه على شرب الخمر – هذا في صحيح مُسلِم – وصلاته بالناس حين كان والياً عليهم بالكوفة من قبل أخيه لأمه أمير المُؤمِنين عثمان- رضيَ الله عن عثمان وأرضاه – صلاة الفجر أربع ركعات، صلى بالناس صلاة الفجر أربع ركعات – ما شاء الله Double – وبعد ذلك سلَّم – كان سكراناً ورائحته ظاهرة – وقال أزيدكم؟ أتريدون المزيد لأن الأربع ركعات لا تكفي؟ فقال ابن مسعود لم نزل معك من اليوم في زيادة، قال له ديننا كله فسد، حسبنا الله ونعم الوكيل، ابن مسعود كان من المُنكِرين، ابن مسعود أنكر على عثمان بعض الأشياء وأنكر على مُعاوية أشياء كثيرة في الشام مثل عُبادة وأبي الدرداء، قال له لم نزل معك من اليوم في زيادة، ما شاء الله عليك قال له، ما شاء الله، وبعد ذلك حُدَّ – هذا في صحيح مُسلِم – حد الشارب، حده سيدنا عثمان – رضيَ الله عنه وأرضاه – وهو أخوه لأمه، ثم عزله عن ولاية الكوفة ووضع عليها سعيد بن العاص على ما أذكر، وبعد ذلك انظر حتى إلى خاتمته: ذهب يرتاد أرضاً يجد فيها مَن يُعينه على فسقه فطاب له هواء الرقة بالجزيرة وجلس هناك في جماعة من النصارى كان يُنادِمهم ويشربون الخمر حتى مات والله أعلم بنهايته، الذهبي في النُبلاء قال الإسناد قوي والسياق في الكفّار، اترك هذا فأنت تقول إسناد قوي وهذا ما ثبت عن عطاء بن يسار، ثبت عن عطاء بن يسار وعن السُدي، والإسناد قوي كما قال الذهبي، جرت مُخاصَمة بين عليّ وبين عُقبة بن أبي مُعيط ومعه ابنه الوليد، فماذا قال الوليد؟ قال لعليّ أنا أفصح منك لساناً وأحد منك سناناً وأرد – وفي رواية أملأ – للكتيبة منك، قال اسكت إنما أنت فاسق، اسكت – قال له – يا فاسق، أنا أعرفك، فأنزل الله – تبارك وتعالى – أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ ۩، قال الذهبي الإسناد قوي والسياق في الكفّار، يا أخي في الفسّاق، هذا فاسق، والرجل فاسق بلا مثنوية، ويكفي إجماع المُفسِّرين الذي حكاه ابن عبد البر وابن الجوزي على أن آية الحُجرات إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ۩…. سنحكي القصة على جهة الاختصار لكن بعد هذا الفاصل فكونوا معنا.
أضف تعليق