أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى، نعوذ برضاك من سخطك ونعوذ بُمعافاتك من عقوبتك ونعوذ بك منك، لا نُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفوته من خلقه وأمينه على وحيه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً وافتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، اجعلنا هُداةً مُهتَدين غير ضالين ولا مُضِلين، سلماً لأوليائك وعدواً لأعدائك، نُحِب بحُبك مَن أحبك ونُعادي بعداوتك مَن خالفك، اللهم وأجِرنا من مُوجِبات الوهم ومن غبارات الفهم ومن مضلات الهوى. اللهم آمين.
أما بعد، إخواني في الله:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، موضوعنا لهذه الليلة بحول الله وتيسيره سيدور على قضية الصُحبة والصحابة، مَن هو الصحابي؟ رضيَ الله عن أصحاب رسول الله، وهل الصحابة كما هو معروف وسائد بيننا نحن بالذات معاشر أهل السُنة عدولٌ كلهم؟ هل الصحابة عدولٌ كلهم لا يجوز الكلام في أحدهم على سبيل النقد أو التصحيح؟ بل بعضهم يُعظِم حتى الاستغفار لهم، وجدت الإمام الذهبي – رحمه الله تعالى – وذكر مُعاوية بن أبي سُفيان وقال وله هانات والله يغفر له، له هانات – أي له بعض الأخطاء اليسيرة يقول – والله يغفر له، فوجدت مَن المُعاصِرين مَن ثرَّب ودمدم على الإمام الذهبي وتناوله بلسانه.
(ملحوظة: قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أرجوكم يا إخواني أغلِقوا الموبايلات Mobiles، أي إنسان عنده مُتحرِّك أن يُغلِقة رجاءً)
وجدت مَن المُعاصِرين مَن ثرَّب ودمدم على الإمام الذهبي وتناوله بلسانه، فهي عنده عظيمة أن يقول مثل الإمام الذهبي في مُعاوية والله يغفر له، لا يجوز، إنما يُقال فقط رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، أما أن تستغفر له فمَن أنت؟ هكذا جرى الكلام، ولذلك يُشدِّدون النكير جداً على مَن توجَّه بنقدٍ لأحد الصحابة وقال أنه أخطأ في كذا أو فسق عن أمر الله في كذا وكذا أو احتقب – مثلاً – من الذنوب والآثام كذا وكذا مما ثبت بالنصوص، يُعظِّمون الأمر جداً، لماذا؟ لأنهم قعَّدوا قاعدة في عدالة الصحابة وجعلوها كأنها مُنزَّلة من لدن الله، الصحابة كلهم عدول، وعلى حد ما قال الإمام أبو محمد بن حزم – رحمه الله تعالى – الصحابة كلهم في الجنة، نقطع لهم بذلك، هو قطع بأن الصحابة كلهم في الجنة، وسوف يأتيكم بيان حظ هذا الكلام من الحق – إن شاء الله تبارك وتعالى – مُقايَسةً بما في الكتاب الكريم وبما صح عن سيد الأنبياء والمُرسَلين، النبي صح عنه أنه قال فلان في النار، فلان من أصحابي في النار، فلان في النار، جماعة لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، وابن حزم – رحمة الله تعالى عليه – يقطع لهم بالجنة، يقطع لجميع الصحابة بالجنة، هكذا احتجاجاً بظاهر القرآن الكريم.
على كل حال مسألة طويلة وعويصة، أسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُلهِمنا فيها رُشدنا وما يرضاه عنا من القول والفهم والهوى والمحبة، وأسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُبرئني وإياكم والمُسلِمين أجمعين من أن نكون من القائلين أو المُتقوِّلين بالهوى والغرض، نعوذ بالله من ذلك، مسألة الدين لمَن عقل ليست مسألة يُلعَب بها، لكن بعض الناس لا يُريد أن يقول بالتي هي أحسن ولا يُريد أن يقرع الحُجة بالحُجة ويكتفي فقط لا بالملام والعتب وإنما يتمادى به الأمر إلى البهت والظلم والتشنيع بغير حق – وهذه مُهاتَرة نُنزِّه ألسنتنا وأقلامنا عنها إن شاء الله تعالى – فيروح يتساءل مَن الذي يدفع لفلان؟ ومَن الذي وراء فلان؟ وأنا أقول مَن كان يتكلَّم في مسائل العلم لأن وراءه مَن يدفعه أو مَن يدفع له فلا وفَّقه الله تبارك وتعالى، وأُشهِد الله تبارك وتعالى – وكنت لا أُريد أن أخوض في هذه المسألة – الذي رفع السماوات بغير عمدٍ وأُقسِم بعزة جلاله – لا إله إلا هو – ما مِن أحدٍ يدفعني وما مِن أحدٍ يدفع لي، كما أُشهِده وأُشهِد ملائكته وحملة عرشه ومُرسَليه ونبييه والمُؤمِنين أجمعين أنني لست بشيعيٍ ولست برافضيٍ وما من جهةٍ تدعمني أو تُعزِّزني حتى يطمئن مَن يستمعوا إليّ وإلى وجهتي.
(ملحوظة: قال أحد الحضور ونحن نشهد لك بذلك)
أنا رجلٌ أقرأ شيئاً وأفهم شيئاً تحصل لي قناعة فأُفضي بها إلى إخواني وإلى المُسلِمين بلا حريجة – بفضل الله تبارك وتعالى – وبلا مُحاسَبة، لا أحسب ولا أضرب أخماساً في أسداس، ما أعتقد أنه الحق أُفضي به، فإن جاءني مَن يُلزِمني بالحُجة وبالدليل أو يُبيِّن لي خطئي كنت – إن شاء الله تبارك وتعالى – مِن أسرع الناس إلى الحق، ومَن أنا؟ وما خطري؟ وما أبغي – إن شاء الله – نفسي إلا الخير عند الله تبارك وتعالى، فأسأل الله أن يسلكني في زمرة الباحثين عن الحق، ولست أُريد إخواني وأحبابي في الله أن أُطوِّل بذكر هاته المُقدِّمات فالوقت لن يُسعِفنا، الموضوع طويل ومُتشعِّب، فلا أُريد أن أُضيِّعه في هذه التقدمات، وقد كان رغب إليّ أحد أحبابي أن أتكلَّم بين يدي حديثي عن مُوجِب الحديث في مثل هذا الأمر، وهل بقيَ لمثل هذه المسألة أو لمثل هاتيك المسائل من موضعٍ في عصرنا هذا وفي أوضاعنا هذه لنتناولها بالدرس والبحث والتفصيل؟ وأنا أعجب من هذا السؤال، أعجب من هذا السؤال أو التساؤل، وهل نحن مُفترِقون اليوم إلى سُنة وشيعة – شيعة إمامية وشيعية زيدية – وإباضية في عُمان وإلى غير ذلك إلا بسبب هذه المسائل ونحوها من المسائل؟ وما لم نخض في هذه المسائل ونتكلَّم فيها بالحق الذي يُرضي الله – تبارك وتعالى – يبدو أنه ما من أمل أن نتكلَّم عن وحدة هذه الأمة أو على الأقل التقريب بين أفراق أو فرق هذه الأمة.
مسألة الصحابة إخواني وأخواتي – أنار الله قلبي وقلوبكم جميعاً بذكره وبمعرفته – مسألة تجاذبتها أطرافٌ مُتقابِلة بين مُفرِط ومُفرِّط، بين غالٍ وجافٍ، بين مَن تعصَّب لهم وبين مَن كسر عليهم، بين الوكس والشطط، كلا طرفَيْ قصد الأمور ذميمُ كما يُقال، أهل السُنة – ونحن منهم – في طرفٍ أفرطوا فحكموا بعدالة الصحابة جميعهم فرداً فرداً مُتغاضِين عن ما ثبت في صحاح النصوص والوقائع من فسق بعضهم وتعدي بعضهم وظلم بعضهم بل وإجرام بعضهم وإساءته إلى الإسلام والمُسلِمين مما سيأتيكم بيانه – إن شاء الله – في هذه الحلقة وفي حلقاتٍ تتلو بالتفصيل وبالعزو إلى مصادره، ليس كلاماً هكذا يُلقى على عواهنه، ولكن بين يدي حديثي أُحِب أن أقول أولئكم كانوا الأقلين، أعني الصحابة الذين تعدوا وظلموا وبغوا وأساءوا السيرة، كانوا الأقلين بحمد الله تبارك وتعالى، ومُعظَم أصحاب رسول الله كانوا على الجادة رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم، هذا على الضد وعلى العكس مما ذهب إليه الطرف الآخر في أقصى اليسار وهم الشيعة الإمامية الاثنا عشرية الذين جفوا في هذه المسألة وفرَّطوا، جفوا وفرَّطوا فزعموا أن الصحابة كلهم إلا نفراً قليلين جداً – بعضهم جعلهم خمسة أو ستة أو تسعة أو بالعشرات – ارتدوا وغيَّروا وبدَّلوا ولم يفوا لله بعهده ولا لرسوله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، وهذا أدخل في الذم، لو قُدِّر على عبدٍ أن ينحاز إلى أحد الطرفين – هكذا ضربة لازب، أي قُدِّر عليه حتماً – العبد العاقل سينحاز إلى طرف أهل السُنة، أن يُحسِّن الظن بمَن ينبغي إساءة الظن به خيرٌ من أن تُسيء الظن بكبار أولياء الله وأشياخ هذه الأمة ومُقدَّميها رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم، بل تعدى ببعضهم – لا أقول بكلهم وإنما أقول تعدى الأمر ببعض هؤلاء الشيعة من الإمامية – إلى أن يقعوا في عِرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيتكلَّموا في عِرض أم المُؤمِنين عائشة – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها – وهي زوج رسول الله وحرمه، وهذه عظيمة تكاد السماوات يتفطرن منها وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً، فنسأل الله السلامة والنجاة والحفظ، فتنة! وهذه داهية ما لها من واهية، وهناك مَن توسَّط، أنفارٌ من أهل السُنة في القديم والحديث ومن الزيدية – الشيعة الزيدية – ذهبوا إلى توثيق مُعظَم الصحابة أو الصحابة في الجُملة إلا أنهم استثنوا مَن أوجبت النصوص استثناؤه، النصوص أوجبت استثناء جماعة من هؤلاء، لا تستطيع أن تدفع في صدر النصوص والأعجاز، ولا أن تُباهِت وتُكابِر على الوقائع الثابتة القطعية، فإن فعلت فأنت مُزرٍ بعقلك، نحن نسأل الله – تبارك وتعالى – أن نكون مِمَن اعتدل فلم يغل ولم يجف، لم يُفرِط ولم يُفرِّط، وتكلَّم بإنصاف وبعدلٍ بعيداً عن الهوى والغرض بارئاً – بإذن الله تبارك وتعالى – من العصبية وانغلاق الذهن وجمود العقل، إنما بتفتح راجياً وجه الله تبارك وتعالى، مُعلِناً محبة مَن أوجب الله محبته وواليته ونُصرته، بارئاً مما أوجبت النصوص الشرعية البراءة منه أو على الأقل من أعماله ومن سيرته ومن قبائحه، هذا دين الله تبارك وتعالى، والحُب في الله والبُغض في الله من عزمات الدين.
لكن بعضهم يقول هذا الكلام كله لا موضع له، لماذا؟ لأن الحديث عما شجر بين الصحابة لا يجوز أصالةً، فالحديث لا مكان له من الأساس، لماذا؟ قالوا قال الله – تبارك وتعالى – تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۩ مع أن هذه الآية الكريمة لم تنزل فينا وإنما نزلت في بني إسرائيل، كانوا يتفاخرون بانتسابهم ويعتزون ويتعزون بذلك إلى إبراهيم – عليه الصلاة وأفضل السلام – ويقولون كان أباً له وهو يهودي، فأكذبهم الله تبارك وتعالى، كما يتعزون بالانتساب إلى موسى فرد الله عليهم – تبارك وتعالى – بقوله فهلا عملتم مثل أعمالهم؟ أنتم لا تعملون مثل عمل إبراهيم وموسى، ثم تتعزون بالانتساب إليهما! تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ۩ -، وإن وقعوا في شيئ وحاشاهم – أعني الأنبياء – فأنتم لن تُسألوا عنهم كما أنهم لن يُسألوا عما أجرمتم، عجيب! هذه الآية مَن قرأها ووضعها في سياقها كما أوردها الله – تبارك وتعالى – يرى أنها تذييلٌ على طرفٍ كريمٍ مما حكى الله – تبارك وتعالى – لنا من أنباء الأقوام السابقين، من بني إسرائيل، ثم ذيَّل بقوله تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۩، والقرآن طافح وملآن من نبأ الأولين، القرآن ملآن وطافح من التنديد ببعض أتباع وأصحاب موسى عليه الصلاة وأفضل السلام، أليس كذلك؟ معروف هذا، فمِن أين لنا أننا لا يسوغ لنا أن نبحث في قضايا التاريخ ومسائل التاريخ مِن أجل أنها تتعلَّق بالصحابة فيحرم أن نتحدَّث عما شجر بينهم؟ عجيبٌ جداً هذا، قالوا النبي قال وإذا ذُكِرَ أصحابي فأمسِكوا، وهذا الحديث يُروى عن ابن عمر ويُروى عن ثوبان مولى رسول الله ويُروى عن عبد الله بن مسعود، وليس يُروى عن غيرهم، يُروى عن ثلاثة من الصحابة بأسانيد قال فيها ابن رجب الحنبلي الحافظ – رحمة الله تعالى عليهم أجمعين – فيها كلها مقال، لم يصح هذا الحديث عن رسول الله، نعم رُويَ مُرسَلاً عن طاووس بن كيسان بسند صحيح لكنه مُرسَل، رُويَ مُرسَلاً ابن كيسان بسند صحيح، لكنه مُرسَل والمُرسَل ضعيف، لكنه ليس يستند بسند يُقبَل عن رسول الله مرفوعاً إليه، وهو يُروى عن هؤلاء الصحابة الثلاثة رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين، فالحديث ليس صحيحاً، وكيف يكون صحيحاً وهو مُعارِض للقرآن الكريم؟ القرآن يتكلَّم عن بعض الصحابة وسوف نُوافيكم بالآيات وهي معروفة بالكل، ويتكلَّم عما بدر منهم ويعتب عليهم وأحياناً يُدمدِم عليهم ويُثرِّب عليهم وأحياناً يُعرِّض بأن الله – تبارك وتعالى – سيغفر لأنفار أو جماعات منهم ويسكت عن الآخرين، فهم في خطر المشيئة، وسوف تفهمون هذا لماذا، سوف تقفون على جانب من دقة القرآن الكريم وعدله لأنه كلام رب العالمين لا إله إلا هو، قال الله وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ۩، العدل التام المُطلَق الكامل بفضل الله وحوله.
وكيف يصح مثل هذا الحديث – وهو لا يصح بتةً – مع كونه مُعارِضاً لأحاديث صحاح كثيرة عن رسول الله؟ بعضها تواتر، بعضها مُتواتِر وإن يكن تواتراً معنوياً كحديث ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، وكادت الأمة تتفق – ولا أقول أجمعت لأنها لم تُجمِع لكن كادت تُجمِع – على أن الفئة الباغية هي مُعاوية ومَن معه مِن أهل الشام، هؤلاء هم الذين بغوا على أمير المُؤمِنين عليّ – كرَّم الله وجهه وعليه السلام – ومَن معه مِن البدريين والرضوانيين وبقية الأصحاب رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، هذه الفئة الباغية، والنبي تواتر الحديث عنه في هذه الفئة الباغية، هذه أحاديث صحاح، كيف نردها؟ إلى غير هذا الحديث أحاديث كثيرة سوف تأتيكم في محالها بإذن الله تبارك وتعالى، لكن هذه تقدمة سريعة من أجل موضوع أنه ينبغي أن نُمسِك، وأيضاً يستدلون بــ ويتكئون على ما يُروى عن عمر بن عبد العزيز – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – أنه قال تلك دماءٌ طهَّر الله – تبارك وتعالى – منها أيدينا فلا نُلوِّث بها بها ألسنتنا، وهذه الجُملة تُنسَب إلى الإمام أحمد، ولم نقع لها على سند، تُنسَب إلى الإمام أحمد، وأحمد تكلَّم في هذه المسائل لكن على طريقته تكلَّم فيها، ومَن عاد إلى مُسنَده وقع على عشرات الأحاديث والآثار في مسألة الخلاف بين الصحابة، ومَن استقصى كتابه فضائل الصحابة – كتاب للإمام أحمد – أيضاً صادفته أحاديث كثيرة في هذا الموضوع وفي هذه القضية، على كل حال هذه الجُملة لسنا نطمئن أن عمر بن عبد العزيز قالها وإن قالها فقد أخطأ فيها، لماذا؟ أولاً القول “تلك دماء طهَّر الله منها أيدينا” مُشعِر تماماً بظاهره إن لم يكن بنصه أنها دماء سُفِكَت بغير وجه حق، وهذا ردٌ لكلام الله ورسوله، الله – تبارك وتعالى – يقول فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ۩، الله – عز وجل – هو الذي أوجب قتال البُغاة، أنا أعلم الآن إخواني وأخواتي ومَن سيستمع إليّ أنه سيُصدَم، وأنا مُتأكِّد أنكم ستُصدَمون في عشرات المسألة، سوف تقولون لم نكن نفهم المسألة بهذه الطريقة، لقد لُقِّننا عكس هذا، لأننا نتلقَّن يا إخواني، نحن نتلقَّن فقط، ونتحفَّظ أشياء ثم نُعيدها، لا نُحاوِل أن نُفكِّر وأن نزن كل ما نقرأ وكل ما يُلقى إلينا مما نسمع ونُلقَّن، وينبغي علينا أن نتجرأ على استخدام عقولنا.
الله – تبارك وتعالى – هو القائل فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ۩، فإن قاتل إمامٌ من أئمة المُسلِمين – أعني الخليفة بحق، وقد كان الخليفة بحق في وقته باتفاق المُسلِمين تقريباً الإمام عليّ كرَّم الله وجهه ورضوان الله تعالى عليه – الفئة الباغية بأمر الله وبأمر رسول الله فإن الدماء التي سُفكِت إنما سُفكِت بحق من طرفه، أما الدماء التي سُفِكت من طرف أعوانه وجيشه وإخوانه – سفكها جُند أهل الشام ومَن معهم – فقد سُفِكَت بباطل، هذه الدماء التي ينبغي أن نقول نسأل الله أن يُطهِّر أيدينا من مثلها وسيوفنا وأسلحتنا من مثلها، لأنها دماء تُسفَك بغير حق وسيُسأل كل مَن سفك قطرةً منها عنها بين يدي الله تبارك وتعالى، إقامة الحدود أيها الإخوة! لا يُقال النبي أقام الحد والصحابة أقاموا الحد فهذه الدماء نسأل الله أن يُطهِّر أيدينا منها، الحد لا يُقام بباطل، وقتال الباغي لا يُعَد قتالاً باطلاً، هذا ردٌ في صدر القرآن الكريم، والنبي يقول ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، قال عمّار عائذاً بالله من الفتن رضيَ الله عنه وأرضاه، النبي لا يقول هذا هكذا تعسفاً أو اعتباطاً وحاشاه – أعوذ بالله من زلات اللسان وزلقات الجنان – إنما يقوله لكي نفهم ولكي نرشد، لكي نعقل أيها الإخوة، لكي نُميِّز بين المُحِق وبين المُبطِل، بين الصحيح وبين الخطأ، فهذه الدماء لا نقول هكذا في الجُملة نسأل الله أن يُطهِّر ألسنتنا منها كما طهَّر أيدينا، كلا، حاشا ابن عبد العزيز أن يكون قال هذه القولة وهي مُضمَّنة الرد على الله ورسوله.
تعرفون دماء البُغاة التي سفكها الإمام عليّ – عليه السلام – مثل دماء الخوارج التي سفكها في النهروان وغير النهروان، وقد صح عن رسول الله وكاد يتواتر – ولعله مُتواتِر – عشرات الأحاديث في الصحيحين عن الخوارج ومذمتهم والأمر والتهييج والبعث على قتلهم، اقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمَن قتلهم، لإن إدركتهم لأقتلنهم قتل عاد، كلاب النار، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق، أليس كذلك؟ لا تقل لي عليّ بن أبي طالب – كرَّم الله وجهه – قتل هؤلاء المُسلِمين الركّع السجّد الذين نحقر أعمالنا إلى أعمالهم كما صح عن المعصوم – صلوات ربي وتسليماته عليه – فإنه ما فعل هذا أعلى الله منزلته وأعلى مقامه وهو عالٍ إلا عن أمر رسول الله وهو عن أمر الله تبارك وتعالى، أليس كذلك؟ مع أن رأس هؤلاء الخوارج كان صحابياً، أليس كذلك؟ رأس الخوارج كان صحابياً، يا له من صحابي! حرقوص هذا، وبعض علماء الإسلام الكبار – بعض علماء الرجال والسير – يذكرونه في الرضوانيين، أي في أصحاب السمرة، أي في أصحاب بيعة الرضوان، ولكنه كان رأس الخوارج، نعوذ بالله مِنه ومِن أمثاله ومِمَن سار على دربه وفي نهجه، لم يشفع له أنه صحابي وأنه رضواني، بل هو من كلاب النار، هو وأمثاله!
فالإمام عليّ قتلهم وسفح دماءهم ونصره الله عليهم وأمكنه منهم بأمر الله ورسوله وله الأجر لما صح عن المعصوم أنه قال اقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمَن قتلهم، وتوعَّهدهم لإن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد، لأنهم أفسدوا هذا الدين، أما نواياهم فنكِلها إلى الله تبارك وتعالى، مسالكهم وفهومهم خائبة وخاسرة وفاسدة الخوارج في كل عصر ومصر والعياذ بالله تبارك وتعالى، إذن لا حُجة في مثل هذه القولة!
أيها الإخوة:
نعود إليكم بعد قليل إن شاء الله تبارك وتعالى، هذه لضرورة فنية حتى نتمكَّن من تحميل هذه المواد بطريقة ميسورة – إن شاء الله – على الشبكة، وبارك الله فيكم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سامحك الله يا دكتور على قرارك في وقف هذا البحث!
لكن نور أبصارنا وعلمنا أن التفكير لا حدود له وعلى المسلم أن يبحث جميع العقائد والأفكار ويتثبت منها حتى ما قيل عنها خطوطا حمراء..
ولكنك عدلت عن الاستمرار فى بيان الحق للأسف لاسباب غير مقتعة..
نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق