يتردى المرء في قساوة المنون، وحيثما ستؤول القوة والعنف إلى الانحطاط فلأن الجهد المُفرِط مُوجَّه ضد الطاو Tao، وحيثما توجَّهت ضد الطاو Tao فذلك هو الخراب، ولذلك تُقاسي وتُعاني، وهذا على جميع المُستويات!
الذين يعرفون لا يقولون والذين يقولون لا يعرفون! ربما قبل ثلاث جُمع حدَّثتكم عن قصة شافتسبري Shaftesbury – قصة الحس الخُلقي – الذي ألَّف The Fable of The Bees، يحكي أن زوجته كانت ذات مرة في حفل وقالت هناك دين ينتظم الحُكماء فقط في كل العالم، فهُرِعَت امرأة أحد النُبلاء وقالت لها وما هو هذا الدين؟ فقالت لها الحُكماء لا يقولون! في الأول قالت هناك دين ينتظم كل الحُكماء في العالم، دين واحد وعقلية واحدة في التدين! فهُرِعَت إحدى السيدات – سيدة نبيلة – وقالت لها وما هو هذا الدين؟ فقالت لها الحُكماء لا يقولون، هذا يُذكِّرنا بهذا! الذي لا يعرفون – انظر إلى هذا، يُوجَد تشابه عجيب – لا يقولون والذين يقولون لا يعرفون، فطبعاً حين تكون حكيماً وتتوصَّل إلى هذا الدين الكوني الكُلي لن تقول ما هو، لأن الذي يعرف لا يقول، لماذا لا يقول؟ علمياً تختلف المناظير، في أمثولة شافتسبري Shaftesbury لا يقولون خوفاً من مُصادَمة الحس العام ودين الجماعة والقطيع، لكن في الطاو Tao هنا يقول لك ليس من أجل ذلك، ولكن لأن اللُغة تعجز أن تقول، لأنه – هذا في أول عبارة أو فقرة – لا يُمكِن الإخبار عنه.
(ملحوظة) سأل أحد الحضور عن موقف الشرع، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم انظر، نحن الآن سنُناقِش الآن في تفاصيل بسيطة وفنية في الحديث الآتي مثلاً، فلننظر إلى هذا، هناك استثناءات وما إلى ذلك ونحن نُريد أن نُعمِّق الفهم لكن بطريقة شرعية أيضاً.
أولاً عندنا قاعدة تقول الإيثار في القرب مكروه شرعاً، وعندنا قواعد كثيرة مثلها، وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ۩، في عمل الآخرة وفي السعي إلى الآخرة لا ينبغي أن أرضى بأن يكون غيري أحسن مني، هذا استثناء! وهذا يعين أن الحديث سوف يكون مقصوراً على الخير الدنيوي، الأكل والشرب والنسوان والشهادات والحيثيات وما إلى ذلك، هو هذا! لكن الخير الأُخروى ليس كذلك، أحمد بن حنبل قال لا أوثر بالصف الأول أبي، الإيثار في القرب مكروه شرعاً، هذا مثال لو أردت أن تُدرِك العقلية الشرعية مثلاً، فالآن انتبه، هذا ليس في القُرب، هنا تُوجَد أسرار إلهية، وأنا لا أُخفيها عن الناس بمعنى أنني أُخفيها عن مُستحِقها، لا! بالعكس أنا من باب توقيرها وتبجيلها لا أدفعها إلى غير مُستحِقها، ومن هنا ماذا قال كل العلماء تقريباً من شرّاح حديث ابن ماجه مَن كتم علماً – وفي رواية يعلمه – ألجمه الله يوم القيامة بلجامٍ من نار؟ أحد العلماء سُئل مسألة من دقائق الشريعة فلم يُجِب، والسائل يعرف أنه يعرف، قال له يا شيخ أما تتقي الله؟ أما تخشى أن تكون من أهل ألجمه الله؟ قال له دع اللجام واذهب، إن جاء مَن يستحق ومنعته ألجمني الله، قال له اترك اللجام واذهب، ليست قصتك هذه قال له، أنا أعرف لماذا أمتنع عن تعليمك هذا الشيئ!
ولذلك الإمام الشافعي عنده أيضاً أبيات شعر – وهذا أيضاً فهم شرعي لكنه غير عميق، كلام شرعي عادي – يقول فيها:
وَمَنْ مَنَحَ الجهّالَ عِلْماً أضَاعَهُ وَمَنْ مَنَعَ المستوجِبين فقَدْ ظَلَم.
هذا هو! هذا إذا منعت إنساناً استوجب العلم هذا وهو من فضول العلم، من مُلح العلم، من دقيق العلم، من أسرار العلم، أي أنه ليس مما تتوقَّف النجاة عليه، ما تتوقَّف النجاة عليه – أنا أقول لك – اقتصادي ويسير وبسيط جداً ويُعلَّم في خمس دقائق، أركان الإيمان ومعاقد الدين وانتهى الأمر، هذه هي! صل وصُم وزك وحج وكف آذاك عن الناس وحقِّق أركان الأمر وينتهي الأمر، هذا هو! معرفة الدقائق والأمور وطبيعة بعض الغيبيات والأشياء وعالم التمثلات وعالم المثال وبعض أسرار الروح وما إلى ذلك – أشياء كثيرة جداً – لا تتوقَّف النجاة عليه، كثير من الناس والعرفاء والصُلحاء عاشوا وماتوا دون أن يعرفوا هذه الأشياء، وإن شاء الله يكونون من أهل الجنة، ما المُشكِلة إذن؟ ليس فيها أي شيئ، لكن هذه لأهلها بإذن الله تبارك وتعالى، أرأيتم؟
ولذلك ورد في حديث يُنسَب إلى رسول الله لكنه ضعيف – وطبعاً هذه الكمة أيضاً تُنسَب إلى عيسى ابن مريم عليه السلام – أن واضع العلم في غير أهله كمُقلِّد الخنازير الدُر والجوهر، لا ينبغي هذا أن تُعطي هذه الحقائق لطيفة ومُمتازة لأي أحد، الإمام عليّ في حديث كُميد بن زياد – وهو أثر طويل وعظيم جداً جداً جداً، طويل! يصل إلى صفحة – قال اللهم بلَى، لا تخلو الأرضُ من قائمٍ للهِ بحجةٍ إما ظاهراً مشهوراً، إلى آخره، بعد ذلك ضرب الإمام عليّ – عليه السلام – صدره وتأوَّه قائلاً آه، إن ها هنا لعلوماً لو أصبت لها حملة، أين هذا؟ مَن الذي يحملها؟ ليس كل أحد يقدر على حملها، أرأيت؟ لأن هذه العلوم – كما قلنا – زائدة عما به معقد الهداية ومناط النجاة، فلا تُعطى إلا لأهلها.
النبي نفسه ماذا قال؟ هذا مروي في صحيح مُسلِم – في مُقدِّمة صحيح مُسلِم – من حديث ابن مسعود، ويُروى موقوفاً ومرفوعاً، رُويَ عن عليّ – مثلاً – في مُسلِم أيضاً مرفوعاً عن رسول الله، ما أنت مُحدِّثٌ قوماً بحديثٍ لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنةً على بعضهم، هذا من ابن مسعود! حديث الإمام عليّ – عليه السلام – مرفوعاً: حدِّثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما يُنكِرون، أتُحِبون أن يُكذَّب الله ورسوله؟ يُمكِن أن يكفر بعض الناس، يكفر ويقول لا، لأن هذه أشياء لا تُطيقها عقولهم، أليس كذلك؟
الشيخ عبد الغني النابلسي – قدَّس الله سره – ماذا يقول؟ يقول ذلك مثل الطيور وتفاوت حوصلاتها، فحوصلة العصفور الصغير لا يُمكِن أن تتسع لما تتسع له حوصلة النسر العظيم، النسر يُمكِن أن يأكل خمسة كيلو من اللحم، ما رأيك؟ عنده جناحان يصل طولهما إلى ثلاثة أمتار ويُمكِن أن يأكل عنزة كاملة، العصفور الصغير عشرون حبة من الشعير تُتخِمه، كيف يُمكِن أن تُعطيه عنزة لكي يأكلها؟ لن ينفع، لا يُمكِن أن تُدخِل لتراً من الماء في هذا الكوب، لا يُمكِن! هو هذا، فهذا منطق مُختلِف، ومن ثم لا يُمكِن أن يُعطى هذا العلم لأي إنسان، وكما قلنا قبل قليل هو لا يستحق هذا وهو لا يُريده ولا يتعاناه ولا يُكابِده، أليس كذلك؟ ثم لماذا أُعطيه شيئاً وهو لا يزال مُقصِّراً في أشياء لابد أن تُستكمَل دونه؟ هو لا يعرف كيف يُصلي ولا كيف يتوضأ، ولا يعرف كيف يسجد للسهو في الصلاة، فكيف أُعلِّمه أسرار الدين والشريعة العميقة والتي نالها أولياء الله بعد عشرين أو ثلاثين سنة من العبادة والذكر؟ كلام فارغ! أليس كذلك؟ لو فعلت هذا لضيَّعته!
ولذلك في الفتوحات المكية للشيخ الأكبر يُنسَب إلى زين العابدين – وهذا في غير الفتوحات المكية طبعاً، موجود في كُتب كثيرة – أنه قال:
إنّي لأكتمُ مِن علمـي جواهـرَهُ كي لا يرى الحقَّ ذو جهلٍ فيفتَتِنا.
وقد تقدّم في هـذا أبـو حَسَـنٍ إلى الحُسين، ووصّى قَبلَه حَسَنا.
هذه خاتمة مقطوعة في أولها ماذا قال؟
يا رُبَّ جوهرِ عِلمٍ لو أبوحُ بـهِ لَقِيلَ لي: أنت مِمّن يَعبُد الوَثَنـا.
أي لكفَّروني، النبي قال هذا!
ولاَ ستَحلّ رجالٌ مسلمون دمي يَرَون أقبحَ مـا يأتونـه حَسَنـا.
ثم قال:
إنّي لأكتمُ مِن علمـي جواهـرَهُ كي لا يرى الحقَّ ذو جهلٍ فيفتَتِنا.
وقد تقدّم في هـذا أبـو حَسَـنٍ إلى الحُسين، ووصّى قَبلَه حَسَنا.
هذا هو، أرأيت؟ هو يفهم الشيئ هذا!
الفخر الرازي في آخر سورة الطلاق يروي عن ابن عباس أنه قال لو حدَّثتكم بما أعلمه من تأويل هذه الآية – اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ۩ – لكفَّرتموني أو قال لرجمتموني بالحجارة، لها معنى فظيع وغريب ولا يستوعبه كل إنسان، تخيَّل! قال هذا هو، فهذا طبيعي طبعاً، هذا ليس في الإسلام فقط، هذا في كل الفلسفات، فهو حتى هنا، وأنا ذكرت مرة في خُطبة أيضاً قريبة جداً جداً أن حتى الفلسفة اليونانية كان لها مستويان للتدريس، مُستوى للعامة ومُستوى للخاصة، حتى بالطريقة الحيزية الفضائية! كان يُوجَد مُستوى مفتوح للناس، وبعد ذلك كانوا يدخلون في غُرف مُعيَّنة ويُسكِّرون على أنفسهم الأبواب لكي يُدرِّس الفيلسوف لجماعة مخصوصين، هذه كان يُسمونها الحكمة وهذه كان يُسمونها الفلسفة، حُب الحكمة! والحكمة نفسها تُعطى لأناس مخصوصين، تخيَّل! هذا هو، أفلاطون Plato يُنسَب إليه شيئ مثل هذا، فيثاغورس Pythagoras طبعاً مدرسته سرية مثل هذه، من الأصل قامت على هذا، فالكل يُدرِك هذا، لأن انظر إلى العامي يا أخي، هل تعرف كيف يكون ذهنه؟ ذهنه – مُستحيل، لا يُمكِن – صغير جداً جداً، كيف تُدخِل فيه حبلاً غليظاً؟ لا يقدر المسكين على تحمل هذا، هو مثل إبرة الخيط، هذه الإبرة بالكاد يدخل الخيط فيها، هل يُمكِن أن تُدخِل فيها حبلاً Schnur؟ لا يُمكِن هذا، فهو لا يقدر على التحمل، هذا ثقيل عليه، فينبغي أن ترحمه، أحسن شيئ رحمةً بالعامة أن تُعطيهم ما يفهمون.
فقط تُوجَد جُزئية عن أمثولة الماء وهي جميلة: ليس تحت السماء أكثر نعومةً وليونةً من الماء، وعلى الرُغم من ذلك فليس هناك أقدر منه على مُهاجَمة الصُلب والشديد، ليس له مُساوٍ، الضعيف يُمكِنه التغلب على ذي البأس، ويُمكِن للأخضر أن يقهر اليابس، كل مَن تحت السماء يعرف هذا، لكن ما من أحدٍ يضعه موضع التطبيق.
من هنا يقول الحكيم مَن يتقبَّل ازدراء الناس به جدير بأن يحكمهم، مَن يتحمَّل مشاكل البلاد جدير بأن يكون ملك الدنيا، وكثيراً ما تبدو الحقيقة مُتناقِضة!
وطبعاً الطاو Tao كله يقوم على هذه التناقضات الظاهرية، وهو نفسه مُتناقِض! طبعاً هناك أُناس رأوا أنه – كما قال ندهام Needham هنا – مُزعِج جداً، هو أحياناً يبلغ حد الإزعاج، لأنه يُقرِّر أشياء مُتناقِضة، فهل هو يتناقض؟ لا، هو يتعمَّد هذا، لأنه يُريد أن يُروِّض ذهنك على تقبل التناقض كحقيقة عادية من حقائق الوجود، هنا كابرا Capra في كتابه طاو الفيزياء – The Tao of Physics – هذه النغمة فرَّع عليها ولحَّن عليها ونوَّع عليها ربما – لا أعرف كم بالتحديد – عشرين أو ثلاثين مرة، قال هو هذا، وهذا الآن الفيزياء تُقرِّره، لأن فعلاً طبيعته في الكون هي هكذا تناقضية، هو طبيعتها هكذا! أنت أردت أن تجعله في النهاية مُنظَّماً ودقيقاً بقوالب أرسطية وهذا كان خطأً، هو ليس هكذا! ولذلك انظر إلى ميكانيكا الكم التي أكَّد عليها كثيراً لأنها تُؤكِّد هذا تماماً، الشيئ يُوجَد ولا يُوجَد، يُمكِن أن يكون حياً وأن يكون ميتاً في نفس الوقت، عكس قوانين التناقض! يُمكِن أن يكون هنا وأن يكون هناك في نفس الوقت، أشياء مُذهِلة ومُحيِّرة، لا تكاد تُصدِّق!
(ملحوظة) طرح أحد الحضور سؤالاً، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، ليس شرطاً أيضاً، ما رأيك؟ بالعكس! هذه الفلسفات كلها مُقدِّمة وعميقة جداً لكن لا منطقية هنا طبعاً، هذا ليس المنطق الصوري، وهذا يتعلَّق بوجود الله نفسه أيضاً، ما رأيك؟ هل تعرف لماذا؟ أنت في نهاية المطاف لا تُنكِر الوجود، انتبه! أنت لا تُغرِق في عدمية أبداً ولا تُنكِر وجود كل شيئ، لا! أنت تعترف بالوجود، لكن مُشكِلة التعاطي المنطقي مع الوجود أصبحت الآن حتى قاصرة، أمام حتى الفيزياء الحديثة أو المُعاصِرة قاصرة تماماً، وهي لا تصلح بالمُناسَبة، لا تصلح بالمرة! وقبل حتى الفيزياء الحديثة – أنا أقول لك – المنطق التحليلي كما يُسمونه أو الفلسفة التحليلية بدأت مع حلقة فيينا وبعد ذلك مع برتراند راسل Bertrand Russell في الــ Principia Mathematica وضح تماماً بالمُناسَبة – تماماً – أن هذا المنطق الصوري الشكلاني الحدي – ليس منطق المُتصَل – أصبح فاشلاً حتى في الرياضيات الحديثة، وراسل Russell عنده ثلاثة أجزاء، أنا الآن بصدد قرائتهم من جديد، فعلاً يا أخي تُوجَد إثباتات رياضية، هذا منطق فاشل ولا يصلح، غير صحيح! هو هكذا، ماذا تفعل؟ بالعكس! أنت الآن – أنا أقول لك – عليك أن تُعيد النظر في البراهين التقليدية على وجود الله والتي دائماً ما نتبجَّح بها ونظن أنها قوية، لكنها ليست قوية بشكل كبير، وهذه هي المُشكِلة، ليست قوية بل ضعيفة جداً، هناك براهين أقوى منها بكثير جداً جداً، وهذه يُسمونها – ذكرت هذا أيضاً في خُطبة قريبة – الميتافيزيقية الحقيقية Perfect Metaphysics، وهذه على العكس ما نعرف، فهي غير قابلة للنقد، براهين على وجود الله غير قابلة للنقد بالمرة، ما رأيك؟ لأنها المبادئ الأولى الكُلية للفكر والتي لا يُمكِن أن ترتد إلى ما هو أبسط منها، لذلك لا مناص من قبولها، المُنطلَقات الموجودة في تفكيرك، هي هذه! هي نفسها براهين وجود الله، تخيَّل! أقوى شيئ هذه البراهين على الإطلاق، وهي – نفس الشيئ – ليست محكومة بالمنطق الأرسطي لا من قريب ولا من بعيد، شيئ مُختلِف تماماً، تحترم المنطق الأرسطي – بتعبير جينو Guénon – هي كخُطوة تقريباً ثالثة، لكنه إذا ما قورِن معها يُعتبَر فاشلاً، لكن هذه أشياء تحتاج إلى وقت، والله – تبارك وتعالى – أعلم.
(ملحوظة) طرح أحد الحضور سؤالاً، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أولاً انتبه، نحن التعبير الذي عبَّرنا عنه هو ألا يكون له فعل، وقلنا هذا اللافعل في الحقيقة ليس موقفاً سلبياً أو عدمياً أو مُتماوِتاً أو كسولاً، بالعكس! حقيقته أنه الفعل في حده الأقصى، كيف؟ من خلال منطق أن تستلم إلى منطق الطاو Tao نفسه، ما معنى أن تستسلم لمنطق الطاو Tao نفسه؟ أنت لن تستسلم له إلا بعد أن تكتشفه، أليس كذلك؟ لذلك هذه الكتابات موجودة أيضاً رُغم أنها قاصرة كما يُعبِّر هو، لكنها موجودة! التعليم نفسه في حده الأدنى فيه هذا، أي أن هناك فلسفة طاوية ولها فلاسفتها الكبار جداً الذين كتبوا وبسَّطوا، تشوانغ تسو Chuang-Tzu هذا مُبسِّط وشارح لها بالأمثلة وبالقصص وبالاستعارات، وهذا شيئ طيب وجميل، لماذا كل هذا؟ لكي يُلبي شرط الفهم في الأول، إذا أنت فهمت منطق الطاو Tao الأخير هذا فسوف تستلم له، أنا أقول لك نحن عندنا في الفكر الديني نفسه وفي العرفان الديني نفس الشيئ، أنت ستستسلم إذاعرفت تماماً إرادة الله، لكن – انتبه – بالمعنى المُعتزِلي هنا، لن أدخل هذه الشكليات الكلامية مثل أهل السُنة يُفرِّقوا بين الإرادة والأمر وإلى آخره، دعونا نتكلَّم بمنطق عام، كمنطق المُعتزِلة، هم لا يُفرِّقون بين الإرادة والأمر، فلنقل هذا لكي نُبسِّط فقط، إذا أنت أدركت هذا تماماً كما هو فسوف تستسلم له – بإذن الله – ولن يكون هناك إلا كل خير.
لذلك يروون عن سُفيان الثوري ويحيى بن مُعاذ الرازي وعن يوسف بن أسباط أنهم جلسوا مرة في مجلس – جمعهم مجلس – فطرحوا سؤالاً على أنفسهم: ماذا تُحِب؟ فسُفيان الثوري قال والله أنا أُحِب أن يُبسَط لي في عمري، لماذا؟ قال له أحدهم، قال حتى أستدرج وأستأنف وأتوب من ذنوبي وتقصيري، لاحظ المسكين تقصيره! أي أنه يُريد فرصة جديدة لكي يتوب، منطق لإمام وعارف بالله كبير، قال له وأنت يا يوسف؟ قال أنا والله لو كان الأمر بيدي لاخترت أن أموت الساعة، أموت الآن مُباشَرةً في اللحظة هذه، تخيَّل! وهو صادق ويعرف ماذا يقول، لماذا؟ قال لأنني الآن على الأقل مُسلِم مُوحَّد ولا أدري ماذا سيحصل والحي لا تُؤمَن عليه الفتنة، أخاف من نفسي وأخاف من مكر الله، فالآن حين أموت أُقبَض مُسلِماً، الحمد لله أنا مُسلِم، نعم مُسلِم مُقصِّر وما إلى ذلك لكنني مُسلِم، ويحيى بن مُعاذ – هذا عجيب – كان ساكتاً فالتفت إليه سُفيان وقال له يا حبيبي أنت ماذا تقول؟ قال له أنا لا أُريد شيئاً، أنا أُسلِّم لما يُريد هو، إذا أحب أن يتركني على قيد الحياة فأهلاً وسهلاً، إذا أحب أن يقبض روحي فأنا سأُحِب هذا، فبكا الاثنان وقالا هذا هو العارف، هذا العارف قالا، هذا الذي استسلم لله، انتهى!
عملياً الذي يحدث هو هكذا، مع العارفين الكبار هذا الذي يحدث وهو رُغم عنهم بالمُناسَبة، ولو أنت ذقت طرف هذا الشيئ لرأيت أن هذا المنطق السليم!
بالأمس أحد معارفنا في غزة هناك وصلني عنه خبر مُحزِن، للأسف المسكين يُعاني من ألم شديد جداً جداً في رأسه على مدار الساعة، وغير معروف ما هو، هل هو ورم؟ هل هو جلطة؟ هل هو سرطان؟ وصراخ ليل نهار! شيئ مُحزِن جداً وقابض والله، هذا من عشرة أيام! بعد ذلك هناك رجل صالح من قراباته وهو يعرف ما حصل له، قالوا له يا أبا فلان كذا وكذا، اقرأ عليه أو اقرأ على الماء وما إلى ذلك وأنت دائماً ما تعمل هذا، وفعلاً هو يعمل هذا – ما شاء الله – لأناس كثيرين وربنا يأخذ بيده، فقال لهم لا، لن أفعل هذا، فلماذا؟ قريبه هذا، ابن أخيه وختنه – صهره – أيضاً، قالوا له لماذا؟ قال ليس بيدي!
حدَّثتني زوجته قائلة طالما قال لي أنا هذا، انظر إلى هذا، عملياً هذا الذي يحدث، كان يأتيه أُناس كثيرين ويحل لم مشاكلهم، أتى إليه ذات مرة رجل أعمى – لا يرى أي شيئ بالمرة – ثم خرج يُبصِر ويُكبِّر من شدة التأثر، كيف هذا؟ الله أكرمه في لحظة يا أخي، أشياء عجيبة يفعلها، آلاف الحالات فعل معها هذا، ومع أهله رفض أن يفعل، فقالت له عجيب، باب النجّار مخلع، فقال لها الموضوع لا يتعلَّق بباب النجّار، ليس بيدي! هو غير قادر على أن يُفهِمهم ما يحصل، هم يظنوا أن الرجل يجلس وكأنه مُدير الكرامات وبحسب مزاجه ينتقي، لكن الأمر ليس كذلك، الله أعلم ما سره وما طبيعة سره مع الله، لكنه حين يُؤذَن له يفعل، فهو – مثلاً – تنبأ بأشياء كثيرة وحصلت أيضاً بعد أن رآها المسكين، أحد أصدقائه – وأيضاً هذا كان من أنسبائه وكان يعزه كثيراً، كان صديق العمر – مرض، فأراد أن يرى ماذا سيحدث له خلال الكشف الإلهي الخاص به ثم جعل يبكي، جعل يبكي لأنه عرف أنه يموت بعد أيام، رأى ما سيحصل! جعل يبكي واعتزل في بيته وهو يبكي ليل نهار دون أن يفهم أي أحد لماذا، فلما مات قال لهم هذا هو، هذا الذي كنت أنتظره، لا فائدة! ونفس الشيئ مع نسيبته أيضاً وهي سيدة فاضلة، نفس الشيئ! قالوا مرضت وعندها الكلاوي، فنظر وقال لا فائدة، انتهى الأجل! كل شيئ مُنتهٍ، وهذا كان قبل أيام من وفاتها، بعد أيام من قوله هذا ماتت، لكنه إذا بشَّرك – بإذن الله – وقال لك بعون الله سأقرأ على هذا الماء – بإذن الله تعالى – وخُذ بيقين وسوف تبل من مرضك فلتتوكَّل على الله، لكنه لا يكذب عليك، إذا قال لك خُذ هذا والله المُستعان فلتخف على نفسك، لكنه إذا قال لك بعون الله ستبل وستشفى فلتطمئن إن شاء الله تعالى، فهم محكومون بأشياء!
هذا الشخص نفسه – حكيت هذه القصة ربما عشر مرات – أيام حرب العراق ضد الكويت وما إلى ذلك قال له أهله يا أبانا ويا كذا ويا فلان ادع لصدام، ها هو ضرب إسرائيل وما إلى ذلك، ألحوا عليه فقام وتوضأ، أراد أن يدعو ثم رجع، قالوا له مالك؟ قال لا يُمكِن، غير مأذون بالدعاء لصدام قال لهم، نحن نظن أن الدعاء أمره يسير، نقول اللهم اللهم ونحن هُبل، هذا كلام فارغ، حتى لو دعونا في مكة، هذا كلام فارغ، كل شيئ ذهب، لكن هؤلاء ليسوا كذلك، هؤلاء ليسوا مثلنا، فهذا – كما قلت لكم – ليس مُديراً للمُعجِزات والكرامات، هذه أشياء إلهية، فعتبوا عليه فقال لهم لا تعتبوا علىّ، ليس بيدي، وقال لهم هذا الرجل – أي صدام – لن يُكتَب له النجاح، انتهى! قال لهم هو لن يُكتَب له النجاح، هكذا أنا أرى له، ولذلك أُريد أن أدعو له – أنا أُحِب أن أدعو له كشخص – لكن لا يُوجَد إذن إلهي لكي أدعو له، ممنوع أن أدعو له، تخيَّلوا! شيئ عجيب، يُمكِن أن يُعاني هو نفسه من مرض في النهاية ولا يُؤذَن بالدعاء لنفسه ويبقى يُعاني ألمه، وهو عنده الشيئ هذا، ما رأيكم؟ وأُناس آخرون يعمل لهم شبه مُعجِزات، شيئ غريب جداً جداً، مع الأمراض والأوجاع والنسوان اللاتي لم يحبلن من عشر سنوات ثم صرن يحبلن – شيئ فظيع – بإذن الله، وكل هذا من خلال كوب ماء يقرأ عليه قرآناً ويقول لك خُذها، اشربها واغسل وجهك وما إلى ذلك وسوف ينتهي كل شيئ، لكن حين يأذن الله، ليس بيده! لأن فعلاً الأمر على هذا النحو.
أبو بكر الصديق في مرض وفاته دخل عليه الزوّار وقالوا له يا أبا بكر أنأتي لك بالطبيب؟ فقال لهم آتاني الطبيب، عجيب! ولم يأت الطبيب إليه، قالوا فماذا قال لك الطبيب؟ قال لهم قال إني فعّال لما أُريد، هذا هو!
رجل قالوا له أنأتي لك بالطبيب؟ فقال لهم الطبيب أمرضني، قال لهم هو طبيبي – وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ۩ – فكيف تأتون لي بطبيب؟ لا يرون الأسباب مثلنا، نحن نرى فقط الأسباب ونتعلَّق بها، انظر يا إخي إلى الدعاء، هو سبب أيضاً، الدعاء مثل الحقنة Injection، لكن هي سبب كوني وهو سبب شرعي، وكل الأسباب لا تفعل إلا إذا أراد الله لها أن تفعل، أي إذا شاء هو أن يفعل فعلت بإرادته، بفعله هو، هو هذا يا حبيبي، لأنه ملك الكون، هو ملك كل شيئ، لا إله إلا هو! لا كلام في هذا، آمنت بالله، هذا هو!
فهذا الذي يحدث، الحكاية لا تتعلَّق بأنه يُريد وما إلى ذلك، في الأول هو يفهم، وبعد ذلك إذا فهم هذا المنطق وتعمَّقه فإنه يسترسل معاه، يرتاح بإذن الله تعالى، يرتاح والله يُقلِّبه كيفما يُريد، ويستجيب لكل ظروف.
سيدنا عمر بن الخطاب ماذا قال؟ قال لا أُبالي على أي حالتي أصبحت من سراء أو ضراء، أرأيت؟ هذا العارف، هذا عمر بن الخطاب، لا يهمني – لا قدَّر الله – إذا أصبحت وابني كان على قيد الحياة أو كان ميتاً، لا يهمني إذا افتقرت أو اغتنيت أو إذا ماتت زوجتي، كل هذا لا يهمني! أهم شيئ ألا يُصَب ديني، لا يهمني أي شيئ ما دام ديني محفوظ وإيماني بالله محفوظ، كل هذا سيذهب! كأنه أيضاً كان طاوياً، انظر إلى هذا، هذا منطق الحياة، لابد أن يحدث هذا، لابد أن يُوجَد الموت، أليس كذلك؟ الرسول نفسه ألم يمت له أُناس؟ كل أولاده ماتوا في حياته إلا فاطمة، أليس كذلك؟ وعمه مات يا حبيبي وأصدقاؤه وإخوانه وأحبابه، وهو رسول الله يا رجل!
بعض الناس يظن أن العصمة تمنع المحنة، وهذا غير صحيح! العصمة لا تمنع المحنة، هذه قاعدة عندنا في العقيدة، العصمة لا تمنع المحنة! هو معصوم وهو نبي مُؤيَّد من السماء ومع ذلك يُمتحَن ويُبتلى، والابتلاءات صعبة جداً جداً جداً، هو هكذا! لماذا؟ لأن – أنا أقول لك – يُوجَد في النهاية يحكم هذا الوجود وهو أكبر من منطقنا الإنساني الشخصي الصغير، نحن منطقنا أناني جداً، إذا أنا ولي وصالح أو نبي ومعصوم فلابد أن تحفظ لي أولادي وأهلي وأموالي وحميري وأفراسي وخيلي وشعيري وقمحي وكل شيئ، لا شيئ يُمَس ولا شيئ يُنقَص، وتُطِل لي عمري لكي أعيش ألف سنة! ما الهبل هذا؟ منطقك هذا لأنك صغير، لكن ليس هذا المنطق الذي يحكم الكون!
وبالمُناسَبة لو كان المنطق هذا موجوداً لفسد الكون، أُقسِم بالله لفسد الكون! الجمال بالمُناسَبة هو فيما هو عليه، ليس في الإمكان أبدع مما كان، أنا أقول لك لكي نحن نعيش لابد أن يموت غيرنا، هو هكذا! لكي نتجدَّد لابد أن نموت نحن أيضاً، نحن تقريباً كل عشر سنوات نموت بالكامل، يموت كل هذا! أليس كذلك؟ ويبقى هذا السر الإلهي الذي لا يموت أصلاً، نفخة الله عز وجل، هو هذا! فنحن حتى نُمارِس هذه التجربة دون أن نشعر بها وهي ضرورية للحياة، هذا شيئ ضروري وهو شيئ طبيعي جداً جداً، لكن عليك أن تبحث كما قال تشوانغ تسو Chuang-Tzu – وهذا شيئ جميل – عن الجمال والروعة والحكمة والشيئ في موضعه وفي وقته، كيف؟ كما قلنا اليوم عدة مرات الشباب حلو طبعاً، الشباب فيه جوانب جميلة، أليس كذلك؟ أنا أقول لك وفيه جوانب نقص، ونحن كلنا كنا شباباً، الشباب فيه اندفاع، أليس كذلك؟ وفيه حيوية وفيه لذة في كل شيئ، حتى الأكل! الشاب يأكل بطريقة غير التي يأكل بها الكهل من أمثالنا أو الشيخ الكبير الذي وصل إلى الستين أو السبعين أو الثمانين، أليس كذلك؟ يتذوَّق الموز والتفاح والإجاص والعجور، الطريق مُختلِفة، غير! لذة الجنس عنده والتعاطي مع زوجته غير، الربيع وهواؤه والعطور والروائح غير، أليس كذلك؟ فرحه بالملابس وبالسيارات غير، أليس كذلك؟ وهذا شيئ جميل فعلاً، يشم الحياة، الشاب يستنشق الحياة، سُبحان الله! أليس كذلك؟ يستنشقها ويستجوفها، مضبوط! لكن الشيئ الذي ينقص الشاب ما هو؟ روعة الحكمة، ليس عنده حكمة، ضحل جداً الشاب، ضحل جداً ومسكين، نصف كم! كالذي أتى أمام العلّامة البوطي وهو يرتدي نصف كم، ظن أن البوطي يُريد أن يكشف على عضلاته، وبعد ذلك كان يدّعي أنه يُفكِّر وينظر إليهم، كأنه يقول انظروا إليهم، أهبل! هذا المسكين بعد ذلك حين يكبر سوف يقول أنا كنت أهبل، كان عمره خمس وعشرين سنة وأهبل، أهبل! لكنه الآن ليس أهبل لأنه شاب، هو هكذا الشباب، الشباب شُعبة من الجنون، أليس كذلك؟ جسم وصدر عريض وما إلى ذلك، وحين يُسلِّم عليك يضغط على يديك، كأنه يقول لك أنا أقوى منك فانتبه، أنا أحسن منك، هو هكذا المسكين! عنده الحكاية تُقاس بالرطل – كأنها بطاطا بالرطل – وبالضغط وما إلى ذلك، هذا الشاب! لكن هذه أشياء حلوة، وعند المسكين أشياء تُعَد حماقات، أما الكبير هذا كما يقولون يكح ويضرط وما إلى ذلك، تعبان جداً! وحين يذهب لكي يقضي حاجته يُخرِج القليل من البول بصعوبة، عنده مشاكل في البروستاتا Prostate وآلام، يذهب لكي يقضي حاجته كل ربع ساعة ويُقطِّر وما إلى ذلك، مُشكِلة للأسف! هذا يُشفَق عليه من هذه الناحية، لكن حين تنظر إلى النواحي الثانية – إذا عنده، أما إذا لم يكن عنده فقد انتهى، أصبح هذا كومة خُردة، والله العظيم انتهى، أُقسِم بالله! لذلك انتبه وامهد لنفسك – تجد أن عنده أولاً رحمة عجيبة، عنده روح الرحمة بأولاده وبأحفاده وبأصدقائه وبجيرانه، رجل طيب عنده روح المُسالَمة والوداعة، يُؤلِّف بين الناس دائماً، أما الشاب فليس كذلك، وهو يتحدَّث قد يسب ويُشعِل النار، يقول لأحدهم – مثلاً – طلِّقها يا رجل وسأخطب لك فلانة، مجنون! ليس لأنه شرير، لكن لأنه هكذا شاب، فعقله صغير، لكن الشيخ الكبير في السن ليس كذلك، يُؤلِّف ويضم وما إلى ذلك، ثم إن هناك حكمة الحياة وجمال الحياة، جمالها في أنه يتمتَّع برؤية بذوره الماثلة في أولاده – مثلاً – وأحفاده وأصدقائه وتَلاميذه، أليس كذلك؟ والناس التي قضت! في بعض المرات الشيخ يجد مُتعة غير عادية في صداقة العمر، أصدقاؤه! كأبي محمد المغاري وأبي سعيد الغفّار والزيتوني وغيرهم، يتذكَّر كيف كان يجلس معم ويقول – مثلاً – هذا مات فرحمة الله عليه ويبكي، يبكي بكاءً شديداً، هذه الدموع الجوهرية اللؤلؤية! يبكي عليه بحسرة، ومَن يعيش منهم يذهب إليه لكي يزوره، يتعنى الذهاب إليه ويتعب ويُسافِر وما إلى ذلك، جميل هذا الشيئ، الشاب لا يفهم هذه الأشياء، أليس كذلك؟ والشاب كل يوم مع صديق ويسب هذا ويغتاب هذا ويأتي بغيره وما إلى ذلك لأنه لا يفهم، لا يفهم شيئاً، فهو كاللعوب، أي كالفتاة اللعوب، فهذا في كل شيئ والشطارة أن ترى في كل مرحلة الجميل والبهيج، لكن التحدي أن تخلق فيها أيضاً هذا الجانب لأنه لا يُوجَد دائماً وحده، أليس كذلك؟ ليس دائماً! حتى الشاب يُمكِنه أن يخلق جوانب جديدة في حياته بصراحة، مثل خدمة مبدأ مُعيَّن، هناك مبادئ تحتاج إلى قوة شباب تخدمها، أليس كذلك؟ مبادئ التبشير بالشيئ الشباب يقدرون عليها أكثر من الشيوخ، يُسافِرون ويذهبون ويجيئون ويُحاضِرون ويطبعون ويعملون ويُصوِّرون ويتظاهرون ويُصرِّخون ويُسجَنون ثم يخرجون وينُشئون مُدوَنات على الإنترنت Internet وما إلى ذلك، شيئ كبير، هذا يفعله بشكل أكبر الشباب بصراحة، النبي قال نصرني الشباب وخذلني الشيوخ، الشباب! أنت تحتاج إلى طاقة شباب، فالشاب حين يسير في الطريق هذا يكون هذا شيئاً رائعاً، أنا أقول لك هذا رائع جداً جداً جداً، ويُحدِث من خلاله نوعاً حتى من التسامي بالغريزة الجنسية وغيرها من التدمير والذبح وما إلى ذلك عبر هذه الدعوة، هذا الشيئ لا يزال أجمل من أشياء أُخرى كثيرة، الشيخ الكبير في السن أيضاً – كما قلنا – يقدر عبر حياته كلها أن يخدم هذه المرحلة المُتأخِّرة من عمره باستقطار الحكمة وتكوينها ومُراكَمتها شيئاً فشيئاً بإذن الله، سوف يجدها كنزاً مرصوداً أمامه يخدمه، فهذا جميل، صدِّقني!
قبل أيام كان عندي أُناس فقالوا الجو – أعوذ بالله – منه، عندنا ليس كذلك، أعوذ بالله! قابض وكريه جداً هذا، هذا جو نوم، فقلت لهم كنت أراه إلى ما قبل فترة – ربما قبل سنة أو سنتين – سيئاً لكن الآن لا، فقالوا لي كيف؟ قلت لهم والله العظيم لا، الآن أنا أرى الجمال في كل الطقوس وفي كل ظروف المناخ Klima، في الخريف أرى جمالاً غير طبيعي، أرى كيف يكون للأرض – سُبحان الله – معنى وفلسفة خاصة، وفي الجو الضبابي أخرج وأنزل وأجري في الحقول وما إلى ذلك وأتجلى وأعيش فعلاً شيئ غير طبيعي، الربيع من أجمل ما يكون، الصيف يا سلام عليه وعلى البحر وما إلى ذلك، كل شيئ جميل، هل تعرف لماذا؟ أنا أقول لك هذا يحدث إذا رأيت كل شيئ من وراء يد الله، الآن حين يأتي بيكاسو Picasso ويرسم لك رسماً عادياً طبيعياً تقول أف، فظيع هذا، حين يرسم لك رسماً تجريدياً سريالياً تقول أف، هذا رهيب، كيف تقول رهيب وكل ما وضعه مُجرَّد خط؟ لكن لا، هذا بيكاسو Picasso ولابد أن تفهم أنه رهيب، قد تقول لي أنا غير فاهم، لكن حاول أن تفهم، هذا عيب فني عندك، لكن الآن الذي يتفنن ويُخرِج رب العالمين يا حبيبي، إذن لابد أن أرى الجمال في كل شيئ، قال تعالى الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۩، وقوله أَحْسَنَ ۩ من ماذا؟ من الحُسن، كل شيئ جمَّله، كل شيئ خلقه الله فهو حسن!
قبل أيام وأنا أتمشى أيضاً وأتريض خطر لي هذا السؤال الفلسفي العجيب في علم الجمال أو الأستاطيقا Aesthetics، هل الجمال ظاهرة بشرية فقط – أي لا تُوجَد إلا بوجود البشر – أم أنه ظاهرة موضوعية؟ إذا قلنا أنه ظاهرة موضوع فالسؤال هنا سيصير عاماً أو عائماً ليس له معنى، ما معنى أنه ظاهرة موضوعية؟ طبعاً ليس معناه أن الدببة والقرود والديدان تُدرِكها، ليس هذا هو، فما معنى الموضوعية إذن؟ السؤال نفسه هام! صار لها عندي معنى واحد أنها تكون في نظر الله جميلة، أن الله يراها حلوة، سؤال جريء ومُخيف، والذي جرأني على طرحه أن الله نفسه حكم من عنده على أشياء بالحُسن، هناك أشياء حكم عليها – أنا أقول لك – بالمُطلَق، مثلما قال الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۩، لكنه حين يقول وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ۩ يختلف الأمر، لكم هذه! هنا ظاهرة نسبية، هل فهمتم كيف؟ يحكي عن الجمال كظاهرة نسبية! وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ ۩، قال وَلَكُمْ فِيهَا ۩، وَلَكُمْ۩ نسبية، لكن هل كل آيات الجمال في القرآن الكريم فيها “لكم” هذه؟ لا، هناك آيات تتحدَّث عن الجمال بإطلاق، سواء أنت موجود ليكون لك أو غير موجود، هو هذا جميل وحسن، فهذا فتح لي أيضاً سؤالاً فلسفياً أعمق بكثير، كيف يُمكِن تعيير هذا الشيئ؟ وما المعنى الوجودي الحقيقي لهذا الشيئ؟ لكن هذا يحتاج إلى مُحاضَرة، لأن هذا فعلاً يحتاج إلى مُحاضَرة طويلة، وسوف ترون الجواب، جواب عجيب القرآن ألهمني إياه بهذه الآيات، لكن على كل حال نحن لا نزال بشراً ونسبيين، أضعف الإيمان أن نُهيئ أنفسنا لأن نلحظ الجمال في كل شيئ، لازم! وفعلاً يا أخي أنا صرت ألحظ الجمال في كل شيئ، ألحظه في كل طقس وهذا الذي ألهمني مرة كلمات قلتها لكم في درسين هنا، نجيت الله بها وكتبتها، قلت له فعلاً أبحث عنك وأجدك وأُحِبك في الصيف، في الشتاء، إذا عزفت الريح، إذا كذا، إذا كذا، في الخلوة، في الجلوة، في الظلام، في النور، مع الناس، ووحدي! في كل شيئ تجد الله وتُحَبه، وتجد شيئاً جميلاً أيضاً وشيئاً حسناً وشيئاً مُتقَناً وشيئ عظيماً جداً جداً يا أخي، من أحلى ما يكون! لكن ما الذي يُشوِّهه؟ تُشوِّهه النماذج والإطارات للأسف، والتي أكثرها تقليدية ومكرورة ومُستنسَخة، تعوَّدنا أن نسمع أف، هذا الجو قابض، هذا الجو كئيب، أعوذ بالله، ثم نُردِّد بهبل، وفعلنا سوف نراه هكذا، ما رأيك؟
وأنت جالس حاول أن تنظر إلى زوجتك على أنها تعيسة وإلى حياتك معها على أنها مثل الزفت، قل ماذا استفدت؟ وما كذا وكذا؟ كانت حلوة في أول سنتين، الآن أعوذ بالله منها، وسوف تراها هكذا! وسوف تركبك القردة “كما يُقال” وبعد قليل سوف تصرخ وتصير أهبل، الصحيح أن تفعل العكس تماماً، حين تركبها القردة وتكون روحها في منخارها وتكون قرفانة من نفسها وترتدي ملابس المطبخ وتكون رائحتها رائحة بصل وثوم وحالتها سيئة قل بالعكس، ما أجمل هذه المرأة يا أخي! ما أحسنها! وما أعلى أخلاقها، انظر إلى عنايتها بنا وبأولادها، والله لو أنا مكانها – وهذا صحيح فعلاً لو كنت مكانها – لما استطعت أن أفعل ما تفعله في هذا الجو وفي هذا التعب التي تُعانيه مُنذ الصباح، لضربت الحكاية كلها بالحذاء حتى لو طلَّقني، ما أحلى هذه المرأة! وسوف تذهب إليها ضاحكاً فتقول لك خير، ما الأمر؟ فتُسمِعها كلمات حلوة وما إلى ذلك ومن ثم سوف تضحك هي وسوف تنبسط وبالتالي كل شيئ سوف يصير على ما يُرام، صدِّقني! أنت صاحب الدفة، في النهاية هذا أوحى لي أمس – والله العظيم – بأن المزاج لم يُقدِّره الفلاسفة والعلماء حق تقديره، صدِّقني! والله العظيم مَن مزاجه سيئ لن يرى أي شيئ على أنه حسن وجميل، ما رأيك؟ لو رأى الله والملائكة صفاً صفاً لقال هذا فيه نظر، لأن مزاجه مُعتَل، لذلك السيوطي عنده رسالة في المزاج السليم والمزاج العليل، رسالة! مَن عنده المزاج العليل يرى كل شيئ على أنه قبيح، حين تسمعه أحلى قصص الشعر يقول لك ما التكلف هذا يا أخي؟ ويتنكَّد!
أنا ذات مرة تعرَّفت على رجل فلسطيني أثناء عودتي في أثينا في حياتي لم أر ضريعاً له، في حياتي – إلى اليوم والله العظيم – لم أر مثله، لم أر خلقة أنكد من خلقته في حياتي، غير طبيعي! في حياتي لم أر مثله، مُستحيل أن يضحك، وماذا بعد؟ كل كلامه حاد، قلت له من أين أنت يا أخي؟ فقال بحدة لماذا تسأل؟ هكذا والله العظيم! قلت له أُحب أن أتعرَّف، فقال لي تتعرَّف لماذا؟ فقلت له شكراً، فرد بحدة قائلاً عفواً، لكن أنت من أين؟ فأجبته، فقال بحدة أين النُصيرات هذه؟ كل كلامه هكذا! كل كلام المسكين هكذا، قلت ما مُشكِلة هذا المسكين؟ مزاج هذا المسكين مُعتَل، لا أعرف هل عنده نقص في الهرمونات أم عنده مُشكِلة في دماغة أم ماذا؟ لا أعرف! هذا الشاب عنده مُشكِلة وربما تكون تربوية، قلت أعان الله التي ستأخذه غداً، كيف سيعيش مع زوجته؟ كيف سيُربي أولاده هذا؟ صعب جداً جداً جداً، سيئ العشرة هذا، عنده مُشكِلة!
بعض الناس تراه حتى في هذا المسجد يقول كلمتين وهو كئيب، لا يضحك! دائماً المسكين متنكد وما إلى ذلك، مُستحيل أن يهتز لنظرية فلسفية أو علمية أو لتفسير أو لآية أو لشيئ حلو، لا يُمكِن أن يهتز لشيئ، بالعكس! أنت كلما تأتيه بشيئ حلو يتعقَّد بشكل زائد، يقول لك ما هذا يا أخي؟ لماذا يتفلسف علينا؟ لعن الله كذا وكذا، لماذا لم يقل كل هذا من خلال آية واحدة؟ ما الهبل هذا كله؟ كل شيئ يُزعِجه، كل شيئ يراه بالمقلوب، نظاراته سوداء هو! فأنا أقول لك المزاج عملية أساسية جداً جداً في تقدير وزن الأفكار والنظريات ومسالك البشر، ما رأيك؟ والله العظيم! فما أقصده هو الآتي، حين تأتي وتُقيِّم فلسفة فيلسوف يا ليت تُحاوِل أن تُدخِل سجله الغذائي وتاريخه المرضي، شيئ ضروري! هذا الفيلسوف لا نقرأ فقط أفكاره ومراجعه، هذا هبل، لا! مَن قال الكلام هذا؟ ائت بتاريخه المرضي.
جوته Goethe المسكين كان عنده القولون العصبي – جوته Goethe صاحب فاوست Faust – وهذا انعكس على بعض ما كتب، الآن يُوجَد شيئ اسمه النقد الطبي للأدب، ما رأيكم؟ أنا أعجبني هذا الفرع من العلم، اسمه النقد – النقد Critique – الطبي للأدب! كيف؟ يقوم على الشيئ هذا، العقّاد المسكين كان عنده القولون أيضاً، وصاحب ألم القولون هذا حين يأتيه لابد أن ينبطح على بطنه، ينام المسكين على الأرض ويضغط على بطنه ثم يبدأ يكتب، وهو يكتب كل جُمله تكون غير مُتفائلة كثيراً في هذه اللحظة وتكون قصيرة، يضع نقاط كثيرة ويبدأ من جديد، جُمله مُتقطِّعة وغير مُناسَبة، تخيَّل! فجاء النقّاد الآن وعرفوا أن جوته Goethe كان عنده القولون والعقّاد كان عنده، لاحظوا أن بعض الفقرات من كُتبهم فعلاً فيها هذا النمط، فالجُمل صارت قصيرة رُغم أن العقّاد عنده إسهاب غريب – مثلي – وازدواجيات ويعود إلى الجُملة بعد خمسين جُملة، العقّاد عنده مثل هذا وجوته Goethe عنده مثل هذا في فاوست Faust، وفي مرات لا يكون كذلك، كأنه طفل يكتب إنشاء، كأنه يكتب كتابة تليجرافية، أي كتابة التليجراف Telegraph! قالوا هذا كتبه وهو مُنبطَح على بطنه، كان يتلوى المسكين، فبدأنا نعرف لماذا، ومن هنا رأينا أن بعض أفكاره كانت قاتمة نوعاً ما، تخيَّل!
طبعاً هذا مثال، وهناك أمثلة أعمق منه بكثير، كأن يُعاني من ذُهان أو يُعاني من عُصاب أو يُعاني – مثلاً – من اكتئاب فصُامي دوري كما يُسمى، يُقال هذا جُنَّ في موسم الباذنجان، كان عندنا رجل في مُعسكَرنا أيام موسم الباذنجان يُصاب بالهبل، استل سيكنته وضرب امرأته، ذات مرة جاءنا إلى الجامع لكي يعرف مَن منا مجوسي فهربنا كلنا، المسكين يحدث له هذا في موسم الباذنجان، هذا يُسمونه الــ Seasonal disease، أي المرض الموسمي، وفعلاً هو هكذا، فعلاً هذا موجود وهو موسمي، وهو ليس بسبب الباذنجان، هذه مُصادَفات فقط، لكن هذا المسكين في تلك الأيام يُصاب بالهبل، وغيره يحدث له هذا في موسم ثانٍ، فهذا ليس له علاقة بذاك، لذا مُهِم أن نعرف الأمراض هذه!
وأنا أقول لك هذا عنده بصراحة أهمية لا يُستهان بها في تقدر موقف الشخص الذي أمامك وتقدير موقف الفلاسفة الكبار، أليس كذلك؟ على ذكر هذا ذات مرة قلت لرجل مُثقَّف هنا – يحضر دكتوراة وما إلى ذلك – سأقول لك شيئاً، أنا صرت أفهم الآن أن رائحة الخشب المحروق هنا يُمكِن أن تُرجِّح مذاهب على مذاهب، فقال لي كيف؟ فقلت له أنا سأقول لك كيف، طالب فلسفة في جامعة فيينا – مثلاً – أيام كان يدرس اتفق أنه درس عند فيلسوف جيد وحسن العشرة ولطيف جداً، وكان يُحِبه ويحترمه ويُحِب الطلّاب كلهم، وفي تلك الأيام حضر عنده فصلاً دراسياً – Semester – شتوياً مثلاً عن الفلسفة النقدية مثلاً، هذا كان في الشتاء وطبعاً كان تُوجَد رائحة الخشب، فهذا كله تموضع في مُخه هنا، بعد ذلك هذا سيبقى عنده وفاء ومحبة ونزوع غير طبيعي لتأييد هذا الاتجاه الفلسفي بحسب ما درسه، وأنا أقول لك السبب بصراحة، السبب يكمن في كل هذه الظروف مُجتمِعةً، ليست قوة الحُجة الفلسفية لأستاذه، وهو غير واعٍ بالشيئ هذا، والعكس سيحصل لو كان عنده عُقدة من رائحة الخشب المحروق هذا، فكلما شمها جُنَّ وتعقَّد – هناك أُناس هكذا طبعاً – لأنه وهو صغير ضُرِب بالكف على وجهه في يوم كانت فيه هذه الرائحة ظاهرة – مثلاً – أو لأنه حين شم هذه الرائحة لأول مرة في بلده جاءه خبر يقول أمك ماتت، فقال يا للخراب وما إلى ذلك، ومن ثم تعقَّد منها، معروف في علم النفس هذا، تعقَّد من الرائحة هذه، ومن سوء حظه جاء لكي يدرس الفلسفة النقدية في هذا الفصل الشتوي، ومن ثم سوف يكره الأستاذ ويكره كانط Kant ويكره هيوم Hume والفلسفة النقدية كلها، وسوف يقول لك لا يا أخي، أنا أعرف أنني لا أستجيب لها، فهذه غير صحيحة، ويبدأ ينبش تحتها! وهو لا يعرف السبب الحقيقي، لا هي الحُجج ولا الأدلة، السبب عامل نفسي، مُعقَّد الإنسان، مُعقَّد جداً! وهذا الذي يُجنني، مُعقَّد جداً الواحد منا – والله العظيم – ولا يقدر على أن يعرف بالضبط ما دوافعه لتأييد شيئ أو مُحارَبة شيئ أو حُب شيئ أو كره شيئ، لا يقدر على أن يعرف!
وأنا قلت ذات مرة حتى هذا يُوجَد في حُبك للناس وما إلى ذلك، يُقال يا أخي لله في الله حين رأيته لم أُحِبه، لكن هذا لله في لله، لابد من وجود شيئ آخر، هذا الشخص يُذكِّرك بشيئ ثانٍ أو بشخص مُعيَّن في حياتك، لو عرفت من الشخص هذا – صدِّقني – لأمكن لعُقدتك أن تخف تجاه هذا الشخص المسكين، قد تقول روحي هكذا لا تقبل روحه، وهذا يعني أن هناك شيئاً آخر في حياتك بنسبة مائة في المائة، وربما هو غائر في اللاشعور لذا أنت غير قادر على أن تستوعبه وأن تستذكره.
فهذه الأشياء تحتاج فعلاً إلى مثل هذا، وسُبحان الله في النهاية لابد أن تكون الحقيقة الدينية أو الفلسفية من المرونة – هذا الآن خُلاصة هذه المُلاحَظات – والسعة والقدرة على التكيف وإعادة التكيف بحيث إنها تتواءم مع كل الأمزجة، أنا أرى عظمة الإسلام بصراحة في وجود هذه المثالية عنده، هذا صحيح لأن الإسلام ليس فلسفة، الطاوية هذه في النهاية حين تنظر إليها – أنا أقول لك – تجد أنها فلسفة نزوعية، أنا أُسميها هكذا، هي ذات نزعة مُعيَّنة، والنزعة هذه بدائية طبعاً، واضح أنها بدائيةPrimitive، لا تُؤمِن لا بالصناعي ولا بالتصنيعي ولا بالحضاري، وتُؤمِن بالبسيط، تهرب من الزخارف ومن الرسميات ومن الشكليات، أليس كذلك؟ وكذلك من المدنيات، هي هكذا! نزعتها بدائية، كونفوشيوس Confucius على العكس من هذا، عنده نزعة مُعاكَسة تماماً، الفلسفات الغربية الآن – مثلاً – أو نمط الحياة الغربي – مثلاً – نمط مادي ربحي تسليعي تشيئي وقصير النظر، هو هكذا! هذه نزعة موجودة في الإنسان، إلى آخره!
تعال وانظر إلى الإسلام بين كل هذه المُتقابِلات، سوف تجد أن عنده موقف وسط وهو قابل للمط بالمُناسَبة وقابل للضغط، أرأيت؟ حتى الإطار التشريعي الخاص به هو هكذا وقد ذكرت هذا مرة، المسيحية كيف ترى إطارها التشريعي؟ هل هو مرن؟ ليس مرناً فقط بل هو تقريباً غير موجود، مفتوح Open، الذي تُحلِّلونه حلال ومَن تُحرِّمونه حرام، ها هي الكنيسة حللت اللواط، فصار حلالاً، حللت الليسيبية “السحاقية”، فصارت حلالاً، حللت الحرب العادلة، فصارت حلالاً، سانت أوجستين Saint Augustin قال هناك حرب عادلة، اذبحوا الناس، أجبروهم على الدخول في مملكة الله، فذبحوا الدنيا وأماتوا البشر باسم المسيح والمسيح منهم براء، لأن لا يُوجَد إطار تشريعي أصلاً، وماذا عن الإطار التشريعي اليهودي؟ حديدي، طقوسي حديدي شعائري ومُعقَّد جداً جداً جداً جداً، مَن الذي يفهمه بالمُناسَبة مِن اليهود أنفسهم؟ في كل مليون واحد ربما يفهمه العشرات، التلمود الحقيقي وشروحاته هل تعرفون كم حجمه؟ أتى في خمسين مُجلَّداً، كل الذي ترونه مُجرَّد مُقتبَسات، يُوجَد خمسون مُجلَّداً! لابد أن تقرأ وتحفظ كل هذا، شيئ مُعقَّد جداً جداً جداً، وبالمُناسَبة قل أن يفعلوا حتى هذه الطقوس لأنها تحتاج إلى وقت، فإطارهم عجيب، فعلاً هو ناموس، شريعة صعبة، لكن ماذا عن الإسلام؟ كيف هو إطاره التشريعي؟ يُوجَد إطار وهو مرسوم لكنني أقول لك إنه مرن وقابل للتوسعة فعلاً، هناك هوامش للتحرك فيه عجيبة، هناك أشياء قطعية وأشياء ترجيحية، أليس كذلك؟ والقطعي قليل جداً في شرعنا – سُبحان الله – ومحدود، والقطعي هل تعرف يُوائم ماذا؟ الثبات، ويُجامِعه! ولأنه قطعي يُوائم الثبات أنت تُلاحِظ أن موضوعه نفسه فعلاً الأصل فيه أن يكون ثابتاً، بصراحة هذا لازم، لا يُمكِن أن يخلو دين ما من عبادة ويبقى ديناً، فلابد أن يظل عندنا الإطار العبادي وأحكام العبادة كالصلاة وما إلى ذلك، لابد من هذا، هذا أمر لازم! إذا الدين فقد عبادته فلن يفي أو لن يُوفّي هنا بحاجة أصيلة في الإنسان، الإنسان عنده هذا النزوع، ونحن رأينا هذا قبل قليل حين ذكرته، فلاوتسو Lao-Tzu ليس عنده عباد ولا كلام عن الله ولا طقوس، فعبدوه وعبدوا الثعابين وبنات آوى وكذا وكذا، لم يتركوا شيئاً إلا وعبدوه، لا فائدة!
مهافيرا Mahavira في الجينية قال لهم لا يُوجَد الله، لا يُوجَد الله ولا يُوجَد كذا وكذا، هذا كله كلام فارغ، ليس عندنا هذا، فعبدوه مع ثلاثة وعشرين مهافيرا Mahavira آخر، أي عبدوا أربعة وعشرين! بوذا Buddha قال لهم أنا لا أتكلَّم عن الله وما إلى ذلك، أنا سأتحدَّث عن الكيفية التي تعيشون بها فقط، فعبدوه! أليس كذلك؟ كله مثل هذا، لا فائدة!
لابد من العبادة، فلتجعل العبادة لله، لا تجعلها في النهاية للقرود والثعابين وبنات آوى، اجعلها لله، للقوة المُطلَقة الحقيقية، هذا هو!
فهذا ثابت وسيظل ثابتاً بصراحة، عشنا هنا أو عشنا بعد ألفي سنة سنظل نركع ونسجد، إلا إذا فقدنا ركبنا وما إلى ذلك، لا أعرف! لكن ما دمنا نعيش في عالم وفي زمان ومكان سنظل نركع ونسجد وسنظل نذكر الله، ما المُشكِلة؟ وسنتواصى مع بعضنا كبشر ونصوم وما إلى ذلك، وسيظل الإنسان يُنصَح بالصيام بيني وبينكم، بالعكس يبدو أن المُستقبَل للصيام، أنا أرى المُستقبَل في النهاية في الصيام، قالوا سوف يعطوننا أزراراً وحياتنا كلها سوف تتوقَّف على الزر، تأخذ اثنين في الصباح فتشعر باللامتلاء على مدار الأربع والعشرين ساعة، والزران فيهما فيتامينات Vitamins وبروتينات Proteins وكربوهيدرات Carbohydrates وكل شيئ كما قالوا، تأخذ اثنين وينتهي الأمر، مثل حياة روّاد الفضاء، هم على الأزرار يعيشون، فالمُستقبَل للصيام، لا تخف منه، جيد!
بعد ذلك هناك حُرمة القتل، حُرمة السرقة، حُرمة الزنا، حُرمة الربا، حُرمة الرشاوى، استغلال الناس، الكذب، الغيبة، النميمة، قذف الناس، وإلى آخره، مَن يعترض على حُرمتها يا أخي؟ أليس كذلك؟ والله العظيم كان العرب البُسطاء الجاهليون – أُقسِم بالله – أكثر فلسفة وعقلاً من هؤلاء الأغبياء الذين يظهرون اليوم، يقول الواحد منهم هذا دين محمد، أنا وجدت هذا الرجل لا يقول العقل لشيئ حسن إلا حسَّنه هو، ولا يقول العقل لشيئ سيئ إلا قال هو سيئ، أنا أُريد أن أدخل في دين محمد، والله دين حلو هذا قال، مُمتاز جداً جداً، ما له؟ بصراحة ما المُشكِلة؟ لا يأت واحد لكي يُجادِلني قائلاً لماذا الإسلام حرَّم الزنا؟ هذا كلام فارغ، سوف تصير حياتنا فوضوية وسوف تصير حيوانية بالمُناسَبة، بعض الناس عنده رغبة وعنده قناعة بأن الإنسان نعم حيوان، لكن لا، عندك هذه القناعة ومن حقك أن تعيش كحيوان لكن ليس من حقك أن تُحيونني وليس من حقك أن تُنشيء فلسفة سياسية واجتماعية وتربوية وتعليمية عن هذا، وبالمُناسَبة هم يفعلون هذا هنا، ولذلك الناس تُحيون هنا، تُوجَد حيونة للبشر هنا في الغرب! لماذا تُحيوننا وتُحيونون أولادنا وبناتنا؟ لماذا؟ إذا عندكم جماعة من المُفكِّرين المجانين الذين تحيونوا وآمنوا بأنهم حيوانات محض فلماذا تفرضون هذا النمط على كل البشر؟ ثم يُتحدَّث عن الديمقراطية، لا تُوجَد ديمقراطية، كذب! أليس كذلك؟ هذا كذب، وبالمُناسَبة حتى لو عملوا انتخابات واستبيانات فلن تُوجَد أيضاً ديمقراطية، هل تعرفون لماذا؟ لأن مضن يمتلك الإعلام؟ مَن يمتلك النظريات؟ مَن يمتلك الكُتب؟ مَن يمتلك الصحافة؟ مَن يمتلك بث الفكر؟ مَن يمتلك النطق باسم الفكر والمُفكِّرين؟ هم هؤلاء المُتشيطنون الذين يغرّوننا عن أنفسنا ونحن نُصدِّقهم، نقول مضبوط، والله هذا صحيح، نحن مع وجهة النظر هذه، ما وجهة النظر هذه؟ كله كلام فارغ يضحكون به على الناس، أليس كذلك؟ أنا أرى أن الحوار الحقيقي إذا حصل لابد أن يكون حواراً كونياً، تأتي بفلاسفة من العالم الإسلامي وفلاسفة من الصين وفلاسفة من الهند وفلاسفة من اليابان وفلاسفة من التبت، أليس كذلك؟ فلاسفة من أمريكا اللاتينية وفلاسفة من أستراليا وفلاسفة من أوروبا وأمريكا الشمالية، تأتي بكل هؤلاء ويجلسون، وينبغي أن يكون هذا بصراحة على مُستو عالٍ، ليس كلاماً إعلامياً أو دعائياً، أنتم اجتمعتم من أجل لوجانو Lugano سنة، فاجتمعوا ثلاثة أشهر من أجل الحوار الكوني – Cosmic – هذا، أسموه هكذا! اجلسوا وأخرجوا ما حصل في كتابات أو حتى في فيديوهات Videos ودي في دي DVD للناس لكي يسمعوا كيف تتحاور العقول، وسوف ترون النتيجة.
قلت لكم قبل ذلك أنني قرأت الحوار الذي دار بين ديساكو إيكيدا Daisaku Ikeda الياباني وأرنولد توينبي Arnold Toynbee، شيئ غير طبيعي، وهذا رجل شرقي، تخيَّل! وكم كان عمره إيكيدا Ikeda هذا؟ حوالي إحدى وأربعين سنة، وتوينبي Toynbee كان في السبعينيات، شيئ رهيب! بصراحة بشكل عام تشعر بتفوق إيكيدا Ikeda على توينبي Toynbee، بصراحة! يُوجَد تفوق حقيقي فكري وروحي، ودائماً حتى توينبي Toynbee المسكين بكل تواضع كانت جواباته قصيرة، لا يُحاوِل أن يُطيل، أما الآخر فيُطيل في نقاشاته واعتراضاته، رهيب الرجل!
إدوارد سعيد حين زار اليابان كتب مقالة وقال أنا دُهِشت، دُهِشت بهؤلاء الناس! فكر عميق جداً جداً، قال وجدت عندهم شيئ عادي – عادي قال – أن يُجيد بروفيسور Professor ما ثماني لُغات وأن يتعمَّق فيها، تخيَّل! يتحدَّث بثمانية ألسن ويأتي بآراء وأفكار، فظيعون هؤلاء الناس! هذا مُهِم حتى لا نظل في سحر الغرب هذا، كأن هؤلاء كانوا أرباب الفكر، لا بالعكس! لذلك يقول جارودي Garaudy نحن حدث عرضي في التاريخ، متى قالها؟ بعدما درس الحضارات وكتب حوار الحضارات، شعر بهذا وقال أين نحن يا بابا؟
ورأينا اليوم راسل Russell ماذا قال، الطبل الأجوف – قال – نحن، وجدت أن الغرب طبل أجوف، كلهم صاروا يقولون هذا خاصة الذين يدرسون، أين هذا؟ الشرق عميق جداً جداً، هو أبو الحضارة وأم الحضارة، هو أم العالم يا حبيبي، أبو الفلسفات والأديان هذا الشرق كله، الأدنى والأقصى!
لابد أن يحدث حوار عالمي، وبعد ذلك – أنا أقول – يُمكِن أن يُجرى تصويت على بعض القضايا الإنسانية، مثل هل نُدرِّس الجنس المفتوح أم لا؟ هل نفعل كذا وكذا؟ ماذا عن المُختلَط والأفكار الحيوانية والتطورية والماهية الحيوانية للإنسان؟ وسوف نرى النتيجة، وأنا أقول لكم سوف تجدون مُعظَم البشر على الإطلاق يرفضون هذا، ويُؤكِّد هذا كلمة وايتهيد Whitehead العظيمة جداً حين قال يقول ألبير كامو Albert Camus – الفيلسوف الفرنسي الوجودي والروائي – الإنسان ما هو؟ هو الحيوان الذي يرفض أن يكون كذلك، وهذا القول من أجمل الأقوال في الإنسان، وطبعاً بالمُناسَبة كامو Camus على العكس من هذا، يقول لك كُن حيواناً، لكنه يقول لك مأساتك أن ترفض هذا، وهذه ليست مأساتي يا أهبل، لأن فعلاً طبيعتي في أن أرفض، إنسانيتي في أن أرفض، فبماذا علَّق ألفريد نورث وايتهيد Alfred North Whitehead في عصر التحليل؟ قال هذا ما أُسميه أنا الرفض العظيم، هذا الرفض العظيم المُقدَّس، هو هذا! ترفض أن تكون حيواناً، هذا هو طبعاً!
لكن بالمُناسَبة مأساتك – مأساتك الحقيقية – في أنك لا يُمكِن أن تكون حيواناً، يُمكِن أن تتدلى إلى أُفق الحيوان يُصبِح بالإزاء ملكاً من الملائكة، لا يُوجَد حد بالمُناسَبة لك وهذا شيئ مُخيف، هذا يُروِّعني، أُقسِّم بالله! يُروِّعني من نفسي، تخيَّل، هذا يُروِّعني من نفسي لأنني لا أرى نفسي معصوماً، أخاف من هذا وأقول كيف ستكون خاتمتي؟ ماذا يُمكِن أن يُصيبني؟ يا رب يا رب ساعدني ولا تخذلني حتى أُغادِر الحياة وأنا مُؤمِن، لكن إذا قلت أنا لا أخاف على نفسي فأنت مُخطئ ويُمكِن أن تتدلى – والعياذ بالله – إلى هذا الأُفق، الله قال بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ۩، تنزل أكثر وأكثر وأكثر، ومن ثم تصير فظيعاً، لكن يُمكِن أن تعلو – إن شاء الله – وأن تصير أحسن من الملك بإذن الله تعالى، وهذه مأساتك!
الكائن الوحيد الذي هكذا هو نحن، نحن عندنا الشيئ هذا والحمد لله، ونعيش بين هؤلاء المجانين في توتر دائم ونرفض أن نكون حيوانات، وفعلاً لا نستريح إلى الشيئ هذا، فلو حدث استفتاء بعد هذا الحوار الكوني الواعي الذكي والهادئ سوف ترون أن مُعظَم البشر – والله حتى هنا في الغرب – سيرفضون هذا، أنا في بعض المرات كنت أُفكِّر في الحملات التي يقومون بها في الغرب، يذهبون إلى بورما ويذهبون إلى الهوتو والتوتسي، ويتعرضون إلى القتل، بنات وأولاد صغار – ما شاء الله عليهم – في مُقتبَل الحياة، هذا صعب أن يفعله مُسلِم، أليس كذلك؟ هؤلاء يذهبون إلى هناك في حملات طبية وحملات للمُساعَدات والإغاثة، ويُؤسَر بعضهم ويُقتَلون وتحدث لهم مشاكل، فلماذا يفعلون هذا؟ فكَّرت في هذا كثيراً قديماً، وطبعاً قد يقول أحدكم أن الواحد منهم قد يفعل هذا على خلفية مسيحية، أي لأنه مسيحي يفعل هذا، لكن الأمر ليس كذلك، بعضهم ملاحدة، ليس عندهم أي دين، لا يعرفون الدين أصلاً، شباب تائهون! هل فكَّرتم لماذا يفعلون هذا؟ أنا من خلال ما رأيت – والله أعلم – وجدت أنهم يبحثون عن معنى، الواحد منهم يبحث عن معنى ويجد لحياته معنى بهذا الفعل، الحياة في الغرب هنا يا جماعة – وربما منكم مَن جرَّب هذا الشيئ فيكم – فيها هذا، والله أسوأ شيئ – أُقسِم بالله – يُصاب به الإنسان أن يجد كل شيئ مُتاحاً له من ناحية مادية وحسية، موجود أكل وشرب ومُتعة وتدريس وبيت وسيارة وفتاة وفتى، كل شيئ موجود! هذا – والعياذ بالله – ذبح للإنسان، أُقسِم بالله ذبح! ذبح يفقد معه الإنسان الشعور بقيمة أي شيئ، ويُمكِن أن يتهوَّر المسكين فيبدأ يُجرِّب أشياء فظعية جداً جداً، مثل القتل وسياحة القتل وذبح الناس والجنس الشاذ والتجسس على الناس في الإنترنت Internet وما إلى ذلك، أشياء فظيعة قالوا إنهم يفعلونها وهي غريبة، لم أكن أعرفها لكن أحد الأشخاص أخبرني بها، قال لي يخترقون الكمبيوترات Computers ويدخلون إلى حياة الناس ويتصلون بهم ويقولون لهم أنتم فعلتم كذا وكذا، ما هذا الهبل؟ مثل الأفلام! ما الفراغ هذا؟ لماذا يفعلون هذا؟ هل هؤلاء مجانين؟ هكذا هم هؤلاء المساكين.
(ملحوظة) سأل أحد الحضور عن معنى سياحة القتل، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم ألا تعرفها؟ حدثت في البوسنة وفي إيطاليا، ويُدفَع فيها المال، يقولون هناك سياحة – Tourism – للقتل، فرق مُعيَّنة – هي مافيا Mafia لكن مُغطاة فقط – تُوصِّلك، تقول لك تفضَّل وسوف نُوصِّلك إلى البوسنة – مثلاً نفترض – وسوف نُعطيك أسلحة أوتوماتيكية مُمتازة ورصاصاً وكل شيئ، وسوف تشتغل مع جماعات، وأنت تبدأ تقنص في الناس! تقتل وتُصفي الرجال والنسوان، ولا أحد يراك! كالأفلام التي تراها، هذه اسمها سياحة القتل في أوروبا، تخيَّل! ما هذا؟ هل الإنسان يفعل هذا؟
أنا أقدر على فهم أن الإنسان قد يقتل كجُندي أو يقتل كمُدافِع أو يقتل لأنه مأمور، لكن كيف يقتل كسائح؟ يقتل للقتل! يذهب لكي يقتل أُناساً أبرياء، يصطادهم ويقنصهم بالرصاص! ما هذا يا أخي؟ ما الذي يحدث لهم؟ هم هكذا! وطبعاً هم نهب للأمراض العقلية والنفسية طبعاً، أليس كذلك؟ جنون وفُصام وازدواجية وانشطار في الشخصية، شيئ رهيب، شيئ غير طبيعي عند هؤلاء المساكين، أليس كذلك؟ هو هذا!
لذلك ترى بعضهم يهرب من كل هذه الطحون ومن كل هذه الفوضى إلى بورما أو إلى تايلاند أو إلى أرض الهنود الحمر أو الهوتو والتوتسي أو إلى فلسطين أو إلى أفغانستان، يذهبون إلى هناك! كالمرأة التي غمرت نفسها – رحمها الله – وماتت، أكيد هي ماتت وهي شاعرة بالسعادة، أنا أعيش من أجل معنى، شعرت بأنها إنسانة، أكيد هي لم تُفكِّر لا في الله ولا في الدار الآخرة ولا في دخول الجنة، لكن هي كانت تبحث عن إنسانيتها، أنا إنسانة الآن، أنا الإنسان! عندي معنى ولذا أشعر بإنسانيتي، أما الجنس والأكل والشرب والعلم والشهادات والجاه كله كلام فارغ، لا يُعطيك شعوراً بالإنسانية، ما رأيك؟ ليس هذا هو، لا يُعطيك أي شعور بإنك إنسان مهما فعلت، ليس أُريد شعوراً بإنسانيتي عبر مبدأ وهدف نبيل في الحياة، هو هذا! فهؤلاء المساكين يفعلون هذا، وأعني بعضهم طبعاً، قلة قليلة جداً جداً منهم هي مَن تفعل هذا، الآن بدأت أشم وأشعر حقيقة – لا أعرف لماذا – بشيئ غريب، والإخوة الذين يذهبون إلى مصر وسوريا والجزائر وفلسطين وليبيا – أمس واحد كان عندي منهم – يرجعون ويقولون نفس الكلام، الآن بدأت أشعر بوجود نوع من نفاذ أو استنفاذ هذه الطاقة النبيلة الحيوية الأخلاقية عند شعوبنا العربية، أليس كذلك؟ طبعاً السياسات لها أثر كبير جداً جداً والأوضاع العامة في بلادنا بل وأوضاع الأمة كلها!
الآن يقولون – مثلاً – أن الشعوب تغيَّرت، اسألوا الإخوة المصريين – مثلاً – وسوف يقولون شعبنا تغيَّر، وسنة عن سنة يكون أسوأ وأسفل من الأول، والسوري يقول نفس الكلام والفلسطيني والجزائري والليبي والمغربي، الكل يقول نفس الكلام، الكل يقول الناس الآن لا تجد فيهم واحداً راضياً، الكل ساخط! وبعد ذلك هناك جنون اسمه المادة، جنون رهيب جداً اسمه الجمع والمنع والمال، هذا أشرف عنده من الدين ومن الدنيا ومن الآخرة!
ابن عمر في حديث في البخاري هل تعرفون ماذا قال؟ قال لقد كنا في زمانٍ لا يرى أحدنا فضل درهمٍ على أخيه – عنده الأخوة قبل كل المال، هذا ابن عمر – فصرنا في زمانٍ – هذا الحديث جنني، قلت يا حبيبي هذا ابن عمر في حياته – الدرهم أعز على الرجل من أبيه وأخيه، يا حبيبي ابن عمر يقول هذا، وهذا في البخاري، فكيف لو عاش اليوم ورأى الناس؟
الآن مِن الناس مَن يقتل أقرب المُقرَّبين إليه من أجل المال، ويبيع ذمته وضميره ودينه وأيمانه وأقسامه بالدنيا، والكل ساخط والكل يُريد المال، ويُفعل هذا حتى باسم الدين، حين جاءنا أحد الشيوخ الذين يظهرون على الفضائيات والله حكى لنا قصة – أُقسِم بالله – فظيعة، وطبعاً أنا كنت أعرف هذا وكنت أقوله على المنبر، لم يكن عندي معلومات بصراحة – لا أكذب عليكم – لكنني كنت شاعراً به، وكنت أقول مَن ليس عنده عقل أليس عنده قلب؟ يا أخي قلبي يشعر بهذا، وأنا كنت أتحدَّث بلُغة قلبي، أنا أرى دجّالين أمامي، ليس كلهم طبعاً، حاشا لله! لكنني أرى أن بعض هؤلاء المشايخ دجّالين، هذا دجّال جاهل، واضح أنه جاهل وواضح أنه يكذب علىّ ويتباكى!
نحن اليوم لكي نقول كلاماً عادياً أمام الكاميرا Camera هذه خرجت روحنا، أُقسِم بالله العظيم! شعرت بالقرف من حياتي، كيف أنت أمام الكاميرا Camera ووحدك – لا يُوجَد حتى أحد من الناس – وتبكي؟ يا أخي ما هذا؟ يا أخي ما الدجل هذا؟ ما هذا ما هذا؟ كيف تتبكبك أمام كاميرا Camera أنت؟ شيخ كبير وقور وأزهري! فحكى لنا هذا الشيخ الذي جاء إلى هنا قصة عن أحد هؤلاء الدجّالين، ما رأيكم؟ وهذا من الناس الذي أعرف أنه دجّال طبعاً، وإخواننا يعرفونه طبعاً، دجّال فظيع! وعن ماذا يتحدَّث؟ عن التصوف والعرفان وأولياء الله والكرامات، وعجيب الرجل! ولابد أن يختم بدعاء! قال قرَّفنا من حياتنا، مُقرِف جداً جداً، ومن أجهل عباد الله – قال عنه – ويظن أنه عالم من العلماء، فلماذا إذن تسمحون له بالظهور؟ قال مدفوع له، فقلنا له كيف؟ شركات وتجّار كبار – قال – يدفعون للقناة، يقولون اسمحوا له بالظهور وسوف نُعطيكم كذا وكذا، نُريد أن يظهر هذا الرجل، لكن لماذا يُريدون ظهور هذا الجاهل؟ لأنه يعمل لهم بدعايات بطريق غير مُباشِر، بطريق ذكي جداً!
(ملحوظة) تساءل أحد الحضور عن جمهور هذا الشيخ، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا يُوجَد جمهور، تجّار قال، هناك تجّار يدفعون مالاً للقناة ويقولون لابد أن يظهر هذا الشيخ، ويظهر لساعة ولساعتين لأنهم يُريدونه، يعمل لهم دعايات حتى في إطاره الشخصي!
قال الأبشع من هذا: كيف هو نفسه يخلق الجمهور الوهمي له في الشاشة؟ قلنا له كيف؟ قبل أن يدخل إلى الحلقة – قال – يُوزِّع ألف جنيه أو ألفين على مجموعة، على هذه وعلى هذا وعلى ذاك! يقول لهم اتصلوا، أنت حصلت على ألف جنيه فاتصل وتكلَّم، ومعروف ما المطلوب منك، فقال – هذا كلام الأخ بالضبط – تتصل به سيدة وتقول له السلام عليكم يا مولانا الدكتور أحمد، بارك الله فيك وكثَّر الله من أمثالك ونفع بكم وكذا وكذا، إلى آخر هذه القصة، كل هذا كلام فارغ! وماذا بعد؟ تقول لا سؤال عندي، أُريد – بارك الله فيكم – دعوة، أُريد دعوة من حضراتكم وما إلى ذلك، ابنتي مُزوَّجة من عشرين سنة ولا تُخلِّف ولا تحبل ولا كذا وكذا، فيقول لها إن شاء الله، إن شاء الله يا أختي كذا، ثم يقول اللهم إنا نسأل الله العظيم رب العرش العظيم ويبكي! قال بعد أسبوع أو أسبوعين تتصل وتقول السلام عليكم يا مولانا، أُبشِّركم! أُبشِّركم فبعد أن دعوتم – بارك الله فيكم – بأسبوع واحد تم الحمل، الله أكبر!
فقلت له أهذا يحصل يا رجل؟ قال لي بالضبط هذا الذي يحصل، أُقسِم بالله! فقلت له حسبي الله ونعم الوكيل، قلت له هذا الذي كنت أشعر بهم وحذَّرت منه، أعرف هذا وكنت ألوم على العوام نفسهم، أقول يا أخي هذا دجّال – واضح أنه دجّال – لكن أنتم أليس لكم قلب يا كذّابين؟ لكن يبدو أنكم دجّالون مثله، ولذلك أنتم تتناغمون معه، وإلا القلب يعرف يا أخي، القلب يعرف أن هذا دجّال، هذا شغل دجل اسمه، ليس هكذا الدين!
لم نر القرضاوي يوماً وهو يتبكبك، أليس كذلك؟ لم يفعل هذا القرضاوي حتى في الأيام التي تحدَّث فيها عن فلسطين، وبصراحة في نهاية المطاف هو أكثر مَن يتكلَّم عنها، لم يتكلَّم شيخ أكثر منه، أليس كذلك؟ ولم يبك يوماً في التلفزيون Television، وأنا مُتأكِّد من أن الرجل يموت من البكاء وهو جالس في بيته، البوطي هل خرج يوماً وتبكبك؟ ربما حدث له هذا في مرة رُغماً عنه، ومع ذلك كان يتماسك، لم يتبكبك يوماً يا أخي، لا يفعل هذه الأشياء أبداً، من أين خرجت لنا هؤلاء الضفادع والبط؟ الواحد منهم يتبكبك على الشاشة، شيئ مُقرِف، أُقسِم بالله مُقزِّز، أُقسِم بالله مُقزِّز يا أخي، جعلونا نتقزَّز من النمط هذا، واتضح أنهم دجّالون، شغل دجل وأموال!
قلت له هذا حديث الترمذي الذي قال فيه النبي أُناس من أُمتي يختلون الدنيا بالدنيا ويلبسون للناس مسوك الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من العسل – مثل العسل الذي عند هذا الشيخ، تنام وأنت تسمعه، كلام عجيب غريب – وقلوبهم أمر من الصبر، قلوب وسخة – النبي قال – نجسة مُرة وألسنتهم عسل، كلها عسل! طيلة الدرس يقول سيدنا رسول الله ومولانا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ويضيع الدرس في الصلاة هذه، عندهم وقت لكي يتحدَّثوا كثيراً، ما هذا الهبل؟ لأن ليس عندهم أي علم لكي يقولونه، يدّعي الواحد منهم أنه يذوب حُباً في الرسول، وهو كذّاب، غير واضح عليه هذا بصراحة، أنت تكذب!
وماذا بعد؟ إذا كنت تذوب حباً فلتنصر الرسول في اللحظة الحرجة، تكلَّم كلمة يمنعونك من الخطابة بسببها، هيا! أرني هذا، أو يقودونك إلى الزنزانة بسببها، هيا أرني هذا يا شاطر، أو يُحقِّقون معك أو يفرضون إقامة جبرية عليك كالشيخ كشك رحمة الله عليه، لا يُمكِن أن تفعل هذا ولو لمرة واحدة، أنت كذّاب وستبقى مُنافِقاً الحُكَام!
هؤلاء بالمُناسَبة عندهم هذا الشيئ، تجد الواحد منهم دائماً ما يقول نسأل الله أن ينصر قيادتنا وأن يحفظ بلادنا، نفاق واضح! هذا كلام فارغ، كُن مُستقيماً يا أخي، كله عند الله!
المُهِم ماذا يقول الله تعالى؟ يقول أبي يغترون أم علىّ يجترئون؟ فبي حلفت لأُتيحن أولئك فتنة تدع الحليم فيهم حيران، والله هذه أمتنا اليوم، أُقسِم بالله! اليوم اذهب واسأل الحليم الذي تظن أنه فاهم وعارف ما المنقذ؟ ما الملجأ؟ ما الحل؟ وسوف يقول لك لا أعرف، ملجأ ماذا؟ من أين لي أن أعرف؟ تقول له ماذا نفعل؟ ماذا نعمل؟ نحن ننحدر ونضيع ونفنى! يقول لك لا أعرف، لماذا؟ لوجود دجل كبير جداً وعلى مُستويات كثيرة، دجل رهيب يا أخي، والناس المساكين لا تفهم ولا تعرف، ماذا تفعل الناس؟ فظاعة! فظاعة والعياذ بالله تبارك وتعالى، وهذه أيضاً ضحالة، ضحالة في فهم الدين وضحالة في تعليمه، لماذا حظنا هكذا؟ قديماً كنت أحزن حين أقرأ عن بعض المسيحيين وعن غيرهم مِن الذين يتهموننا – نحن كمُسلِمين بالذات – بأننا نفتقر إلى البُعد الروحي الحقيقي وأن ديننا دين شرائعي فقط وقانوني، يقولون نحن مهرة فقط في التلويح بقطع اليد ورجم الزاني وقتل المُرتَد، وهذا نُريده فعلاً! وكنت أقول هؤلاء يفترون علينا وبعد ذلك حين بدأت في التعمق قلت هذه حقيقة فعلاً، الشاطر فيهم – وهذا صار يغيظني أيضاً ويُقرِّفني – الذي يُرهِق عقله ويُتعِب نفسه على مدار الأربع والعشرين ساعة لكي يحفظ عشرة أحاديث أخرجها البخاري ومُسلِم والطبراني وعدة آيات، وبعضهم يذكر لك هذه الآيات بالرقم، يقول الآية الثامنة عشرة بعد المائة من سورة النساء، يا سلام! كأن الرجل عالم، وطبعاً هو راجع الأرقام جيداً وأتعب نفسه وكتبها كثيراً، هذه كلها نصوص منقولة يقولها كما هي، لا يقدر على أن يذهب إلى عمق واحد شبر تحت النصوص هذه، المسكين لا يعرف، هو يظن أنه عالم وفاهم لكنه ليس كذلك، أنت كاسيت ريكوردر Cassette recorder، أنت تُسجِّل فقط فماذا أفعل بك؟ ماذا أفعل بك وبأمثالك؟ لا أفعل شيئاً، ليس عندك أي شيئ، تُردِّد فقط والكلام كله مثل الرصاص وراء بعضه، والله العظيم! ائتني بمفهوم واحد وتعمَّق فيه وحدِّثني عنه من هنا ومن هنا.
حتى الشيخ المسكين الذي علَّق على كلامي – لم نُحِب أن نُعلِّق على كلامه طبعاً لأننا لا نُريد هذا لكن بعد ذلك اضطررنا إلى أن نُعلِّق لوجود أشياء أُخرى – قال حكى لنا فلسفة وذهب وجاء وبعد ذلك رجع إلى القرآن الكريم، ونحن معنا القرآن الكريم! ما الهبل هذا؟ أنا يا حبيبي حين رجعت إلى القرآن الكريم طبعاً رجعت وأثبت لنفسي ولك أن الآية تُقرأ هكذا، فظيعة أن تُقرأ هكذا، شيئ جميل! لكن كيف أنا قدرت على أن أقرأها هكذا؟ ولماذا قرأتها هكذا؟ حين رأيت تيه الآخرين وحيرتهم ومُعاناتهم وزواياهم الفاشلة في النظر قادني هذا إلى أن أفهم الآية لأول مرة من هنا، لو لم أفعل هذا لن أفهمها طيلة حياتي، سوف أظل أُردِّد كلام ابن جرير الطبري وكلام الشيخ الشعراوي وينتهى الأمر، سوف أظل أُردِّد مثلما يُردِّد هؤلاء، مثلهم! أليس كذلك؟ الواحد منهم يجرش المجروش ويطحن المطحون، لا شيئ جديد عنده! لكن لو أنت وسَّعت دائرتك المعرفية لبدأت في الفهم من زوايا جديدة ولما قلت لي ما قلت، اذهب أنت وأرني يا شاطر ما عندك، يا بطل اقرأ لي القرآن هذا دون أن يكون قاعدة معرفية مثل هذه، لن تعرف ولن تقدر، أنت لست من أهله، أليس كذلك؟ وواضح أنك لست من أهله!
ليست هكذا المسائل، ليست بهذه البساطة! لكن هؤلاء مساكين، يظنون أن الأمة في مُجمَلها هكذا، ويعتقدون أيضاً أنه لا داعٍ لكي نتفلسف كل هذه الفلسفة، فنذكر للناس النص يا أخي، قال الله وقال الرسول وهذا يكفي، ألا يكفي يا أخي؟ ألا يُغني يا أخي؟ لا يُغني، وأنا سأقول لك لماذا، هل تعرف لماذا؟ واقعية الدين – واقعية الدين نفسه، وهذه عظمة الإسلام، كما قلنا اليوم هذه قسمة عظيمة في الإسلام – تكمن في إدراكه للمُتطلَبات الرئيسية للإنسان، لا يُوجَد إنسان – ولا النبي، ما رأيك؟ النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لا يُوجَد إنسان هكذا، لأنه إنسان – خلقه الله عقلاً مُجرَّداً مثل عقل الملائكة كما يُسميه إفلاطون Plato وأفلوطين Plotinus والفارابي، عقل مُجرَّد هكذا! فهو فقط يُريد دليلاً ويُريد رياضيات Mathematics، أتُريد الحقيقة؟ هذه هي الحقيقة، واحد زائد واحد يُساوي اثنين، لا يُمكِن هذا، هل تعرف كيف أُريد الحقيقة؟ أُريدها كإنسان، أُريد الحقيقة أولاً، وأُريدك أن تُجرِّدها لي حسابياً إذا كان هذا مُمكِناً، جيد وحلو هذا، لكنني بعد ذلك أُريد تنويعات، نوِّع لي عليها فنياً، نوِّع لي عليها برواية، نوِّع لي عليها بمسرح، نوِّع لي عليها بشعر، نوِّع لي عليها بمثل أو بقصة أو بحكاية أو بأسطورة وهكذا، تخيل! نوِّع لي عليها بفلسفة، أليس كذلك؟ وبعلم واقتصاد، على الحقيقة نفسها! ما رأيك؟ وهذا شيئ جميل جداً جداً ويطلبه الإنسان، الرسول كان يطلبه، الرسول كان يطلب أن يسمع الحكمة شعراً لا يُحسِنه، يُريد شيئاً الله منعه منه لكنه يُحِبه، ويقول للشعرء أسمعوني، يقول هيه يا خناس، أي أنه يقول للخنساء أسمعيني، حلو جداً شعرك، يسمع شعر أمية بن أبي الصلت، قال ما سمعت بشاعر أحببت أن ألتقيه إلا عنترة بن شداد، قال هذا شاعر عجيب ونبيل، فارس ونبيل وعنده حكمة عملية، يا ليتني كنت رأيت الرجل هذا، لماذا إذن وأنت عندك الحكمة كلها يا رسول الله؟ يُريد هذا، يُريد التنويع، يُريد الآن الحكمة شعراً، وإن من الشعر – النبي قال – لحكمة، وإن من البيان لسحراً، لكان هؤلاء المشايخ السلفيون المساكين لا يفهمون الحقيقة هذه، وهذه أبسط الحقائق، يفهمها أي إنسان مُثقَّف بسيط جداً جداً، أليس كذلك؟
أنا أقدر على أن أقول لك الآن الصدق جيد، الصدق فيه النجاة، الكذب فيه الهلكة، الكذب حبله قصير، كلام! هذه حقيقة، ثم يأتيك روائي مصري أو روائي عالمي ويكتب لك رواية في خمسمائة صفحة ثم تُمثَّل في التلفزيون Television في ثلاثين حلقة، وفي النهاية يقول لك أحدهم لخِّص لي إياها مواعظياً، فتقول له الكذب حبله قصير، هذا لا يُمكِن أن يقوم مقام ثلاثين حلقة أبكتنا وأضحكتنا وأنعشتنا وأبهجتنا، أليس كذلك؟ وكنا نتسمَّر أمام التلفزيون Television لأن هذا شيئ جميل، هذا عمل فني، يقول الحقيقة البسيطة هذه في ثلاثين حلقة من العمل الفني، أحتاج هذا، أنا كبشر أحتاج هذا!
يُقال المسرح عرفته كل الشعوب بطريقة أو بأُخرى طبعاً – ليس بطريقة واحدة – وكل الشعوب تُقدِّره بل تُقدِّسه، فلماذا؟ هو هذا، طبع في الإنسان، أليس كذلكم؟ منزع! النبي نفسه مارس هذه الأشياء، أليس كذلك؟ حين كان يخط خطوطاً ويقول هذا الأجل وهذا العمل وهذا الإنسان، يُحاوِل أن يقوم بعمل تمثيليات، أنا مُتأكِّد – وأحلف على هذا – لو في أيام النبي وُجِدَ الفن السينمائي والتلفزيوني لجعل المُسلِمين رقم واحد فيه، لقال لهم عليكم به، واليوم تُوجَد كُتب لتحريمه، مثل إعلام النبيل بحُرمة التمثيل! لا أُريد أن أعلم هبلك هذا، اذهب بهذا بعيداً، أنت أهبل، والله العظيم! كُتب مُؤلَّفة عن حُرمة التمثيل، لماذا؟ قال التمثيل كذب، لا ليس كذباً يا أهبل، هل تعرف ما هو الكذب؟ هذا لا يعرف حتى كيف يُفكِّر فقهياً! الكذب هو تزوير الحقائق بحيث يُخدَع المُستمِع أو القارئ، لكن التمثيل اسمه تمثيل كضرب الأمثال، أليس كذلك؟ كأن أقول لك أنت مثلك مثل الثعلب، وائتي لك بقصص من عند الفيلسوف بيدبا – فيشو شارما Vishu Sharma – مع الأرنب حين حصل كذا وكذا، هل يُمكِن أن تقول لي هذا كذب وهذا لم يحصل؟ نحن نعرف أن هذا لم يحصل، هذا تمثيل يا بابا، تمثيل اسمه هذا.
(ملحوظة) ذكر أحد الحضور ضرب الأمثال، فصدَّق الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً هذا مثل ضرب الأمثال! أليس كذلك؟ حين يضرب الله لك أمثلة – بغض النظر المثال هذا موجود في الأرض أو غير موجود هو ضرب مثل – لا تقل هذا كذب، الله حكى شيئاً – أستغفر الله العظيم – غير صحيح، أعوذ بالله يا أخي، هذا ضرب مثل! أليس كذلك؟ هذا ضرب مثل سواء وُجِدَ أو لم يُوجَد، ماذا عن الشرط نفسه – الشرط – وأسلوب الشرط؟ مما أجمع عليه النُحاة والأصوليون والمناطقة أن صدق القضية الشرطية ليس مُعلَّقاً على وقوع شرطها، هنا قد يقول لي أحدكم القضية الشرطية إذا استحال وقوع شرطها فإنها تكون كذباً لأنك تتحدَّث بكلام مُستحيل، لكنها ليست كذباً، قال الله تعالى لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۩، وهذا التخيل أو الافتراض أو الشرط مُستحيل أم غير مُستحيل؟ مُستحيل، القضية صحيحة أم كاذبة؟ صحيحة، ما رأيك؟ هكذا الذي يُفكِّر، هذه الملكة الفقهية وليس الهبل الذي عندكم، التمثيل كذب، أنت لست عمر بن عبد العزيز فكيف تُمثِّل دوره؟ فإعلام النبيل بحُرمة التمثيل! انظر إلى هذا بالله عليك، أي فقه هذا؟ وبالمُناسَبة هناك شيئ آخر نحن لا نفهمه، فجيد أن يتعلَّم هؤلاء فلسفة الطاوية قليلاً، أنا أسميتها الفهم الوجودي للدين، عقدت عنها خُطبة قبل فترة وأسميتها الفهم الوجودي للدين، هل تعرف ما معنى الفهم الوجودي للدين؟ يُوجَد منطق – كما قلنا اليوم – وطبيعة للإنسان ونزاعات، لا يُمكِن مُغالَبتها، وأنا أقول لك الخاسر مَن يعمل ضدها، لو أتيت أنت باسم الدين وأردت أن تقضي على هذه النزعات – كأن تقول لا وأنا سأُحرِّم التمثيل – لن تقدر، سأقول لك شيئاً ثانياً، هناك معركة خاسرة مائة في المائة وهي تحريم الموسيقى والغناء، ما رأيك؟ عرفته كل الحضارات وأنت تقول لا، سأُحرِّمه، نحن حرَّمناه! أنا أتحداك أن تأتيني بدورة إسلامية واحدة – كالعهد الأُموي أو العباسي الأول أو العباسي الثاني أو الطوائف أو الملوك أو العثمانيين أو الآن، ائتني بدورة واحدة – أطبقت فيها الأمة الإسلامية على حُرمة هذه الأشياء ولو في مدينة واحدة فلم تسمع موسيقى وغناء، لم يحصل هذا يوماً، ما رأيك؟ ولا تزال الأمة تسمع الموسيقى والغناء من يوم رسول الله إلى اليوم، ما رأيك؟ لم يحصل ولو لمرة واحدة أنها توقَّفت وقالت لا، هذا حرام وسوف نلتزم بأمر الله، لماذا إذن؟ ليس المنطق الشرعي هنا الحاكم وحده، أنا أقول لك دائماً سوف تجد فتوى شرعية بالإباحة وسوف تجد دافعاً، الدافع هو المنطق الفطري للإنسان، قد تقول لي كيف هو المنطق الفطري؟ وسأقول لك كيف وسأبسِّط لك إياها وهي بسيطة جداً جداً واستفت قلبك.
الآن لا يُمكِن لأي واحد فيكم حين يرتكب حراماً – يرتكب شيئاً هو فعلاً حرام – أن يشعر براحة مُطلَقة، مُستحيل! النبي قال الإثم حزّاز القلوب، حين تفعل إثماً حتى لو مُختلَف فيه – هناك فتوى حرَّمته وأُخرى أحلته، أليس كذلك؟ – تشعر أنه حسك في قلبك، ثم تبدأ تروغ وتبحث عن فتوى من أي أحد لكي يُطمئنك، كأن يقول لك لا، هذا حلال فتوكَّل على الله يا أخي، هذا يحل لك، أليس كذلك؟ لكن أنا أقول لك نحن المشايخ أيضاً هكذا، أحياناً تسمع غناءً فتبكي، وأنت لا تسمع غناء جنسياً أو فاشياً أو فاسداً، لا! ولا تُريد فيديو كليب Video clip ولا كل الكلام الفارغ هذا، أنت تسمع فقط، كأنت تسمع شيئاً قديماً – مثلاً – لعبد الوهاب، طرب! تذهب وتسمع فتبكي، تسمع الغناء فتبكي، تتذكَّر أمك أو أباك أو زوجتك أو ابنك الصغير أو بلدك أو أهلك أو المظلومين، بحسب الغناء! ملحمي أو غنائي أو عاطفي، ما هو؟ تتأثَّر! أنا أقول لك لحظة واحدة لا تشعر بحرمة هذا، بالعكس! تشعر أن هذا أعطاك مدداً جميلاً جداً جداً، نما فيك الشعور حتى الديني والروحاني، أليس كذلك؟ وبعد ذلك حين تذهب وتقول سأسمع عبد الباسط تبكي أكثر، يُوجَد شيئ انتعش فيك، هذا صحيح! لا يخطر على بالك لحظة أن هذا حرام ولا تقول لماذا فعلته وما إلى ذلك أبداً، بل – سُبحان الله – ترتاح، ودعهم يُحرِّموا كل هذا، هم يعملون ضد الوجود وضد نزاعاتنا الأصلية، الدين لا يكون كذلك، لا يُمكِن أبداً أن يكون كذلك.
فما أقصد قوله هو أن الحقيقة الدينية بل الحقيقة بشكل عام من مُتطلبات الإنسان أن يُنوِّع عليها، لا تُعطني إياها بشكل رياضي محض مُجرَّد، أنا لست جهاز كمبيوتر Computer يا حبيبي، أليس كذلك؟ أنا إنسان، أنا فنان، أليس كذلك؟ الإنسان هو فنان عاطفي رومانسي، يُريد تنويعات على هذا، وأيضاً أنا مُنظِّر وأنا مُفكِّر وأنا فيلسوف حالم، أُريد أيضاً نقاشات فلسفية لهذا الموضوع وليس دينية – قال الله وقال الرسول – فقط، بالعكس أُريد أعماقاً فلسفية لها لكي أنظر أين تعتلق مع حقائق الدين وأين تتعارض معها وأين كذا وكيف كذا، هو هكذا الإنسان يا أخي! وتجد – سُبحان الله – رجلاً يغلب عليه المنزع الفلسفي التأملي، ورجلاً يغلب عليه المنزع الفني التمثيلي، ورجلاً يغلب عليه المنزع الفني الروائي، ورجلاً يغلب عليه المنزع الفني الشعري، ورجلاً يغلب عليه المنزع الفني الأدبي، ورجلاً يغلب عليه المنزع العاطفي، التصوف الروحاني العرفاني يحتاج إلى هذه اللُغة، انظر حتى إلى المُفكِّرين الكبار – مثلاً – الذين يقولون التفسير الإشاري ليس تفسيراً حقيقياً، وهو من مُلح التفسير وليس من متين التفسير، ولكن نحن سنكتبه أيضاً ونُدوِّنه لمَن يحتاجه ويشعر أنه يُريده، وفعلاً بعض الناس يُحِب أن يسمع هذا التفسير الإشاري لأنه يُحرِّك فيه شيئاً مُعيَّناً، وهو يعرف أن هذا ليس المعنى المقصود، أي ما يُسمونه القصد الأول، بمعنى أن الله لم يُرِد هذا المعنى أولياً، لكن يُمكِن أن يُفهَم بطريق الإشارة، كيف بطريق الإشارة؟ شيئ يُذكِّر بشيئ، إِن الشجا يبْعَث الشجا، هو هكذا! كما قلنا اليوم بيت عن ليلى يُمكِن أن يُذكِّرك بالله، أليس كذلك؟ وهو بيت عن ليلى لكنه يُذكِّرك بالله.
انظروا إلى الأبيات الآتية، هذه من أجمل الأبيات التي يستخدمها العارفون بالله، وقد قالها الشاعر في ليلاه! قال ماذا؟
وَكَيْفَ تَرَي لَيْلَي بِعَيْنٍ تَرَي بِها سِواها وَما طَهَّرْتَها بِالمَدامِعِ.
وَتَلْتَذُّ مِنْها بِالحَديثِ وَقَدْ جَرَي حَديثُ سِـواها في خُروقِ المَسامِعِ.
جميل جداً جداً، نعم هو يُخاطِب ليلاه لكن أنت الآن تشعر بشيئ آخر، هذا يُسمونه ماذا؟ يُوجَد فعل تجريدي، أنت الآن لا تُلاحِظ لا قيساً ولا ليلى، ولا تُلاحِظ الأذن هذه الصيوانية الصماخية ولا تُلاحِظ العين هذه اللحمية، جرَّدت أنت شيئاً أوسع من هذا، ما هو إذن؟ العلاقة بالله، القُرب من الله تبارك وتعالى، مُؤانَسة الله إياك، أليس كذلك؟ هو هذا ما جرَّدته، هذا اسمه التجريد.
النبي قال – مثلاً – ماذا؟ دخلت النار امرأةٌ في هرة، هل تفهم هذا الحديث حرفياً أم تُجرِّده؟ تُجرِّده طبعاً، وهذا الفرق بين الفهم والفقه، كيف تُجرِّده؟ هل يُمكِن أن يقول لك أحدهم أنا لست امرأة، أنا رجل وسوف أحضر هرة وأذبحها؟ مُستحيل! النبي ما أراد المرأة لذاتها، فلماذا إذن ذكر امرأة؟ لتاريخية القصة، الذي حدث فعلاً أن امرأة فعلت هذا، سؤال يُطرَح هنا: ماذا لو فعل هذا رجل؟ سوف يدخل النار، ودعنا من الهرة يا سيدي ودعنا من الرجل والمرأة، ماذا عن الذي يقتل كلب صغير أو عصفور بيتي؟ سوف يدخل النار أيضاً، ليس المقصود الهرة لذاتها، أليس كذلك؟ قد يقول أحدهم هي دخلت في هرة لكن أنا سأحبس سجيناً وأُنهي حياته ولن أدخل النار، وإلا ائتني بحديث – مثلاً – عن السجين، ما الهبل هذا؟ هذا اسمه التفكير الفقهي، دائماً الفقه عمل تجريدي بآليات مُعيَّنة تفعلها بذكاء فطري، أليس كذلك؟ فليس المقصود لا ليلى ولا الهرة ولا الرجل ولا المرأة، المقصود معنى أوسع من هذا بكثير، فالآن التجريد عند العارفين بالله يبلغ مداه، يترك هذا العالم الداجوري كله وينطلق إلى رب العالمين، لا إله إلا هو، أليس كذلك؟ هو يتلمَّح هذا الشيئ، وهذا الشيئ جيد وجميل جداً جداً جداً، أليس كذلك؟ هو هذا! ما المعنى؟
فيا ليت هؤلاء يفهمون هذا والله العظيم! ولو فهموه – أنا أقول لك – لاكتسبت الدعوة مدداً جديداً، وبالمُناسَبة هذا الذي حصل في تاريخنا الإسلامي بفضل الله عز وجل، حصل ولو نسبياً، الآن بدأ يجف، كنت ترى العالم من جانب مُعيَّن هو أديب، أليس كذلك؟ تجد أنه عالم وأديب وشاعر، يكتب في الأدب ويكتب في الشعر وفي نفس الوقت هو فيلسوف ومُفكِّر ودارس للمنطق ودارس للفلسفة الأرسطية، هو نفسه! وفي نفس الوقت عارف أو مُتصوِّف على الأقل وعنده إلمام بالتراث الصوفي العرفاني ويأتي بالأشياء هذه في وقتها، جميل! كان هكذا، لكن اليوم اختلف الأمر، تجد مَن يجلس وحتى اللُغة العربية لا يعرفها ولا يعرف الشعر ولا يعرف شيئاً، يعرف أن يقول قال الله وقال الرسول وقال ابن تيمية وقال فلان وعلان، يُردِّد ما يحفظه فقط، فقير وضحل جداً جداً ومُؤلِم، حين تسمعه تشعر بالضحالة، يتحدَّث بعمق اثنين مللي، هذا لا يُمكِن! لابد أن يفهموا أن المطلوب هو شيئ أوسع من هذا، وصدِّقني حتى ليس المطلوب أن نحضر على الشاشة أو في المسجد رجلاً لكي يتكلَّم في مرة عن الفلسفة، الآن لو أتى رجل مُتخصِّص لكي يُحاضَر في الفلسفة فقط ماذا سوف يحدث؟ بعد ربع ساعة سوف تقولون هو أهكلنا ولن تفهموا شيئاً، سوف تقولون نحن سوف نحضر له مرة واحدة وينتهي الأمر، هناك مَن يحضر له لأن هناك فصلاً دراسياً – Semester – وهو يُريد أن يأخذ علامات، أي أن هذا غصب عنه، وإلا لا يُمكِن أن يقبل إنسان بالشيئ هذا، مُؤلِم جداً! وكذلك الحال مع من يأتي لكي يتحدَّث في أُمسية شعرية، سوف نمل بعد رُبع ساعة، هذا كله شعر، سوف نمل! الجميل هو التنويع هذا، والقرآن هكذا، وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ۩، قلنا هذا في شهر رمضان عدة مرات، انظروا حتى إلى أسلوب الله فهو أيضاً هكذا، الله قال أنا أفعل مثل هذا، أنا في مرة أذكر قصة أو حكاية، في مرة أذكر واقعة تاريخية، في مرة أتكلَّم بمنطق السُنن التاريخية والاجتماعية، في مرة أضرب الأمثال، في مرة أتحدَّث بالترغيب، في مرة أتحدَّث بالترهيب، وفي مرة كذا وكذا، هذا في القرآن نفسه يا رجل، لم يقل أنا الله وعندي الحق في إصدار الأوامر، الآن – مثلاً – أين القرآن من الطاو Tao هذا؟ أو أين الطاو Tao من القرآن بصراحة؟ أرأيتم؟ أرأيتم كيف هي لُغة الطاو Tao؟ هذه لُغته، وهي فقيرة بصراحة، نعم عميقة وجيدة لكنها فقيرة ونمطية – Typical – من أوله إلى آخره، هو هكذا! لكن القرآن ليس كذلك يا أخي، القرآن بُستان، حدائق ذات بهجة، فيه هذا وفيه هذا وفيه هذا، من أجمل ما يكون والله العظيم! عجيب عجيب عجيب الكتاب هذا، ولا يكون إلا كتاب الله فعلاً هذا وإلا كلام رب العالمين.
نسأل الله أن يُعظِّم حظنا منه وأن ينفعنا، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
أضف تعليق