عند الكلام عن مذاهب الاسلامية في عصرنا الحاضر وخصوصا عند الكلام عن السنة والشيعة يكون الفاروق بين المدرستين هو الموقف من بعض الصحابة خصوصا الخلفاء الاوائل. حيث أن جميع الخلافات الاخرى ما هي مشتركة حيث لا نجد هناك حدود فاصلة بين المدرستين وأنما حدود متدخلة. لذا فأن الفارق الوحيد بين اعتبار فلان شيعيا” والاخر سنيا” هو الموقف من الخلفاء الاربعة الاوائل والموقف من الامام علي وخلافته وهل هو احق ام من سبقوه. وهكذا نجد ان الخلاف السني الشيعي في اصله خلاف تاريخي وليس ديني وان حاول غلاة السنة والشيعة ادخال الامر في اصول الدين بحيث جعلوا رفض خلافة ابو بكر وعمر وعثمان رفض لرسول والقرأن الكريم وجعل البعض القبول بخلافة ابوبكر وعمر وعثمان على حساب الامام علي نصب لأل البيت وطعنا في ثوابت القران.
يبرز عمر ابن الخطاب كنقطة اختلاف جوهرية ومهمة بين المذهبين. ولذا من المهم ان نعرف عن أي عمر تختلف حوله المدرستين, ف عمر السنة هو الفاروق الحاكم العادل هو من رضي الله عنه وأرضاه والذي بمثله يستصغر نجما” وجبال وهو اقرب الى الخيال منه الى الحقيقة كما عبر عنه في اغنية مسلسل عمر الفاروق, هو الشخص الذي استبشر رسول السنة والشيعة سيدنا (محمد صلوات الله وسلامه عليه) بأسلامه ووافقه الرحمن كثيرا في أيات منزلات وهو من فتح الامصار وخصوصا فارس وهابته الدنيا فهو بهذا يمثل قمة النجاح الاسلامي ومثال من المفروض ان يسير على نهجه كل مسلم وخصوصا” في عصور الانحطاط الذي تعيشه أمة الاسلام في وقتنا الحاضر. اما عمر الشيعة فهو الخليفة الثاني الذي اغتصب الخلافة من الامام علي بالتعاون مع الخليفة الاول وهو الذي هجم على بيت بنت رسول الله في محاولة لأجبار من فيه على المبايعة وهو الذي ابتدع كثيرا” في الاسلام خلافا” لأوامر الرسول وتعاليم القرأن الكريم وبالتالي عمر لدى الشيعة هو احد مؤسسي الظلم على أهل البيت والمخالفين لأوامر الرحمن.
وهكذا نجد ان التاريخ الاسلامي بشقيه الشيعي والسني يتضمن شخصتين متناقضتين ل عمر ابن الخطاب, عمر السني وعمر الشيعي أو لنقل اسطورة عمر السنية وأسطورة عمر الشيعية, ومن ذا الذي لا يحب أسطورة السنة ويكره أسطورة الشيعة؟ لو رفعنا اسم عمر ابن الخطاب من المعادلة لما أختلف السنة والشيعة. فلا يوجد شيعي يكره حاكم عادل استبشر الرسول بأسلامه ووافقه التنزيل الحكيم ولا يوجد سني يحترم ويحب من أسس لظلم اهل البيت وهجم على بيت بنت رسول الله. فالمشكلة لا تكمن في القيم الاخلاقية والاسلامية لدى الفريقين ولكن في معلوماتنا عن شخصية عمر ابن الخطاب. قد يتسأل البعض ألا يمكن ان نحلل التاريخ لنأتي بشخصية عمر الحقيقة لنتفق على موقف منها. السؤال بحد ذاته مشروع ومهم ولكن في ضوء التخلف الثقافي الذي نعيشه وظاهرة تكميم الافواه ورفض الاجتهاد اصبحت هذه المهمه شبه مستحيله لا وبل مستحيله, فلا أحد يجرؤا على البحث والاجتهاد فيما ورد عن المعصوم الشيعي ( الامام) او العدل السني ( الصحابي) ولو في الامور التاريخية مثل سيرة عمر ابن الخطاب وان كانوا بشرا” وان كان ما نقل عنهم حوله الف علامة استفهام واستفهمام. نتيجة لذلك, اصبح الأعم الأغلب يجتر ما كتبه السابقون بدون تمحيص ولا تدقيق فهم مجرد مقلدون تابعون.
أن عملية الاسطرة التي جرت في المدرستين لشخصية عمر ابن الخطاب كذلك تقف حائلا” امام التحليل التاريخي لشخصيته. يتكلم تركي علي الربيعو في كتابه الأسلام وملحمة الخلق والأسطورة (1) عن كيفية رفض الانسان لمظاهر التاريخ التي ليس لها نموذج مثالي مما يؤدي بالتالي الى اسطرة الشخصيات التاريخية او كما يقول مرسيا الياد في كتاب أسطورة العود الأبدي ما معناه ان ذكرى الأشخاص الحقيقيين تتكيف في نهاية قرن أو ثلاثة حتى تدخل في قوالب لا تسطيع قبول الفرد وأنما المثالي فقط. لذا من المهم التأكيد ان عمر ابن الخطاب هو انسان مسلم فلا هو ملاك مقدس ولا هو شيطان رجيم ويصدر منه ما يصدر عن أي انسان من الايجابيات والسلبيات وحسابه على الله, فلا ينفع عمر اليوم لا مدح السنة ولا ذم الشيعة وهو بين يدي العليم الخبير اللطيف الذي يعرف عمر وقلبه حق المعرفة ولا يعتمد في حكمه على المورث التاريخي المتناقض الذي انتهي الى عمر الأسطوري.
الأسطرة نجدها واقعا” لا خلاف حوله في مدونات المسلمين الاوائل والاواخر ولا يخلوا منها كتاب, وابتدأت برسول الاسلام قبل غيره. حيث ان جميع كتب السيرة التي ما هي ألا محاكاة لسيرة ابن أسحاق عمدت الى أضافة نوع من التضخيم والأسطرة لشخصية الرسول وأصحابه وغزواته , حيث تزداد الهالة المقدسة كلما تقدمنا في الزمن(2). ومثال ذلك ما نجده في تاريخ الأبن الاثير, حيث اصبح تداول ما ما كان مشاعا” في عهود سبقته امور يكره ذكرها وامور قد تكون لخواص دون العوام, مما يدل على تقديس العوام في زمانه لشخصيات لم تكن مقدسة او مأسطرة في عهود سبقته. حيث امتنع أبن الاثير عن ذكر ما ورده عن خصومة أبي ذر ومعاوية مثلا”(3).
اذا فهمنا هذه الحقيقة, فيمكن أعتبار الخلافة بين السنة والشيعة اليوم لا يتعدى كونه موروث تاريخي لا ذنب ولا جهد حقيقي فيه وبالتالي فهو ليس خلاف بالمعنى الحقيقي القائم على فهم لجوانب الموضوع. فلا من مدح عمر مدحه لشخصه ولا من ذمه ذمه لشخصه وانما مدح وذم تبعا” لمذهب الشخص والاسطورة الملحقه بذلك المذهب. عدم ادراك هذه الحقيقة رجع بالامة العربية اليوم الى زمن الجاهلية وهاهم الأوس والخزرج يعدون العدة والعدد لقتال بعضهم بعضا” في سوريا ولبنان والعراق واليهود في حصونهم الفلسطينية يمدون الطرفين من حيث يعلمون او لا يعلمون.
الصراع السني الشيعي في الوسط العربي اليوم هو صراع طفولي حول اسطورة تتشابه كثيرا” مع اساطير الاطفال فلا يوجد في الحقيقة معسكر ديني شيعي ومعسكر ديني سني مخالف للأول, وانما في الحقيقة توجهات دينيه مختلفة تحت كل طائفه فمثلا” السنة نجد فيهم السلفي والاشعري والصوفي والانسان البسيط القليل اللأطلاع الذي ليس له من سنيته غير ابويه ومدينته التي يغلب فيها المذهب السني وكذا الشيعة فيهم الزيدي والاثني عشري والاسماعيلي والانسان البسيط. وبالمثل تحت كل مسمي فرعي نجد تفرعات اكثر, في المذهب الشيعي الأثني عشري عدة مدارس ونفس الحال مع المذهب السني السلفي وهكذا حيث ان الخلاف في الامور الفقهيه نجده حاضر ومتنوع ولا اتفاق واضح ضمن الطائفة الواحدة.
أضف تعليق