برنامج آفاق
حكم زواج الصغيرة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.
إخواني وأخواتي:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، صرنا في هذه الأيام نسمع أن رجلاً كبيراً، وقد يكون كبيراً جداً، أي عالي السن، فوق السبعين وحتى ربما فوق الثمانين، تزوَّج ببُنية صغيرة، في العاشرة من عمرها، أو في الحادية عشرة، وربما في التاسعة، فما حُكم زواج الصغيرة في دين الإسلام أو في شريعة الإسلام والمُسلِمين؟
أولاً مَن هي الصغيرة؟ وما هو الصغر؟ وما حد للصغر؟ كلام للفقهاء طويل مُستطيل، في الحقيقة الصغر مفهوم نسبي، ونحن لا نُريد أن نخوض في التحديدات القانونية والسوسيولوجية أيضاً لهذا المفهوم، نُريد أن نخوض فقط أو نقف على التحديد الفقهي لهذا المفهوم.
الصغر باختصار – إخواني وأخواتي – المرحلة التي تسبق البلوغ، فالإنسان يُعَد صغيراً من لدن يقع من بطن أمه – أي طفلاً، وليداً، رضيعاً، صغيراً – إلى أن يبلغ، فإذا بلغ انقطع الصغر، فإذا بلغ زايله صغره، ودخل مرحلة التكليف، باختصار وبعبارة واضحة وبسيطة هذا هو الصغر.
ويبلغ والبلوغ له علامات، وقد ذكر السادة الفقهاء علامات طبيعية للبلوغ، منها علامات أو علائم مُشترَكة بين الجنسين، ومنها علائم مُختَصة، من العلائم المُشترَكة على أنه وقع الخلاف في بعضها الاحتلام – مثلاً -، هذه مُشترَكة بين الذكر والأُنثى، إنبات أو نبات شعر العانة، أي الــ Pubic، هذا نبات شعر العانة، من العلامات المُختَصة بالأُنثى – أيها الإخوة والأخوات – الحيض، أن تأتيها الدورة الشهرية، أي الطمث، دورة الطمث أو الحيض، والحبل أو الحمل، أن تحبل، هذا من العلامات المُختَصة، والتي تُؤكِّد أنها بالغ.
وأما الآراء المُختلِفة في هذا الموضوع فهي على النحو الآتي، وقد يُبادِر بعضكم إلى التساؤل، وهل هناك اختلاف في هذا الموضوع؟ أليس قد أجمعت الأمة على أن زواج الصغيرة غير البالغ حلال شرعاً؟ لا، لم تُجمِع الأمة، هذه المسألة ليست إجماعية، ليست إجماعية! على كل حال هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال، القول الأول هو قول الجماهير، المذاهب الأربعة وأتباع المذاهب الأربعة، والزيدية، والإمامية، وحتى الإباضية، كل هؤلاء قالوا زواج الصغيرة غير البالغ جائز، حلال في شرع الله – تبارك وتعالى -.
وبالإزاء هناك قول لأئمة ثلاثة، وكانوا في وقتهم من مشاهير الأئمة ونُبلاهم، هناك الإمام ابن شُبرمة التابعي الجليل، وهو القاضي وفقيه الكوفة في وقته – رحمة الله تعالى عليه -، إذن ابن شُبرمة، وهناك عثمان البتي فقيه البصرة، وهناك أبو بكر الأصم، هذا شيخ من شيوخ المُعتزِلة، فقيه ومُفسِّر، هؤلاء الثلاثة قالوا لا يجوز زواج أو تزويج الصغيرة التي لم تبلغ، وعرَّفنا لكم البلوغ بعبارة سريعة طيّارة.
وهناك قول ثالث مُتوسِّط بين القولين، وهو للإمام أبي محمد عليّ بن حزم، الفقيه الظاهري الجليل المُتوفى سنة ست وخمسين وأربعمائة، ابن حزم يرى جواز تزويج الصغيرة أخذاً بظواهر النصوص، وخاصة بتزويج عائشة في السادسة أو السابعة ودخول رسول الله – كما سمعتم في الحلقة السابقة – بها في التاسعة، قال هذا جائز، أما زواج الصغير الذكر فلا يجوز قبل البلوغ، لأن الجمهور طبعاً لديهم الأدلة على تزويج الصغيرة، وليس لديهم إلا القياس، قاسوا الصغير الذكر على الصغيرة الأُنثى، وابن حزم لا يعتد بالقياس، فقال يبقى زواج الصغيرة هو المأذون به، وأما زواج الصغير فغير مأذون به.
حسنٌ، بماذا استدل – إخواني وأخواتي – الجمهور على مذهبهم أو الجماهير في الحقيقة كما قلنا لكم؟ استدلوا بجُملة أشياء، في رأسها قول الله – تبارك وتعالى – في سورة الطلاق وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۩، أي فعدتهن أيضاً – هن الأُخريات – ثلاثة أشهر، قالوا ولا عدة إلا من فراق، ولا فراق إلا بعد زواج، إذن يجوز أن تتزوَّج التي لم تبلغ المحيض، وبعد ذلك يُمكِن أن يقع فراق أو طلاق، وتكون العدة وهي ثلاثة أشهر بنص الآية، قالوا هذه الآية نص في محل النزاع.
واحتجوا بقول الله – تبارك وتعالى – في سورة النور وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۩… إلى آخره! لكن موضع الشهادة الْأَيَامَىٰ ۩، قالوا والأيم هي التي لا زوج لها، هي الأُنثى التي لا زوج لها، صغيرةً كانت أم كبيرةً، فنأخذ بعموم الآية، الله يقول وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ ۩، فالصغيرة أيم أيضاً، فالصغيرة أيم! فيجوز إنكاحها، يجوز تزويجها.
وأخيراً احتجوا بزواجه – عليه الصلاة وأفضل السلام – من عائشة صغيرة – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها -، لكن بماذا احتج المانعون؟ بماذا احتج ابن شُبرمة والأصم وعثمان البتي؟ احتجوا بقول الله – تبارك وتعالى – في سورة النساء وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۩… الآية! قال حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ۩، إذن النكاح أو الزواج له سن مُحدَّدة يبلغها المرء، ذكراً كان أم أُنثى، ولو لم يكن للنكاح أو للزواج سن مُحدَّدة يُنتهى إليها لما كان لهذه الغاية معنى، الغاية المدلول عليها بقوله حَتَّىٰ ۩، للغاية! هذه – أي حَتَّىٰ ۩ – للغاية، وهذا صحيح، وإلا يكون هذا الكلام حشواً، فقالوا وهذه الآية تدل على أنه لا زواج قبل البلوغ، لا في الصغار الذكور ولا في الصغار الإناث، هذا دليلهم الأول.
كما احتجوا بدليل عقلي يسير مع مقاصد الشريعة ويلتئم بها، أنه لا فائدة، لا فائدة للصغار، لا فائدة للصغيرة، والآن الكلام بالذات في الصغيرة، لا فائدة للصغيرة من هذا الزواج، ماذا ستسفيد منه؟ هي لا تطيقه، وهي غير ناضجة لا عقلية ولا جسمياً ولا ثقافياً، غير ناضجة وأيضاً غير مُؤهَّلة للحمل والميلاد، لن تستفيد! وغير مُحتاجة لهذه الأشياء، ولا تعرف الشهوة، لا فائدة.
بلُغة الفقهاء – إخواني وأخواتي – هناك ولاية الإجبار، وربما أُحدِّثكم عنها بُعيد قليل، ولاية الإجبار لا تثبت إلا للحاجة، وحيث لا حاجة فلا ولاية، قالوا ولا حاجة هنا، الصغيرة لا تحتاج للزواج قبل أن تبلغ، ليس بها من حاجة، هي في غناء عن هذا الزواج، فلا تثبت عليها ولاية الإجبار بحيث يُزوِّجها أبوها بغير إذنها وبغير رضاها، أما هي فلا تحتاج الزواج ولا تبحث عنه في هذه السن، طفلة صغيرة، تحتاج أن تلهو وتلعب.
لكن بماذا أجابوا عن أدلة الجمهور أو الجماهير؟ لابد أن ينفصلوا عن هذه الأدلة بأجوبة مُحتمَلة أو مُقدَّرة، لها معنى، بالنسبة للاستدلال بزواج رسول الله من عائشة أعتقد أن الحلقة السابقة
ربما تكون سدت مسداً في هذا الباب، لكن هؤلاء الثلاثة أيضاً أضافوا وقالوا الآتي، وهم لم طبعاً يُشكِّكوا في زواج رسول الله بعائشة كما فعلنا نحن وفعل غيرنا في هذه السن، لم يُشكِّكوا ولكن قالوا هذا من خصائصه، هذه من خصائص رسول الله! وهذا جواب ضعيف، لأن الخصائص النبوية لا تثبت إلا بالدليل، بالنص عليها، لابد من دليل نصي، نَافِلَةً لَّكَ ۩، خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۩، الله يقول هذا، الخصائص لا تثبت إلا بالنص، لا تثبت بالاحتمال، واحتمال أن هذه خصيصة ليس ظاهراً، هذا الاحتمال ليس ظاهراً.
لكن أجابوا بجواب أقوى من هذا، ما هو؟ قالوا النبي فعل هذا بمكة، أي عقد عليها بمكة، قبل أن يُشرَع الأمر بالاستئذان والاستئمار، والذي شرعه رسول الله، حين أمرنا أن نستأمر النساء الثيبات الأيامى وأن نستأذن الأبكار، ويُطلَق على كل ذلك أيضاً كما في حديث كثيرة في الصحاح وعند النسائي وعند أبي داود الاستئمار، تُستأمر النساء في أبضاعهن سواء أكن ثيبات أم أبكاراً كما سيأتي بُعيد قليل، قالوا وهذا قبل أن يُشرَع الاستئمار، بعد أن شُرِع انتهى، انتهى زواج الصغيرات، لم يعد حلالاً في شرع الله – تبارك وتعالى -.
ولذلك – أيها الإخوة والأخوات – الإمام البخاري – رحمة الله تعالى عليه – لما خرَّج مُرسَلاً – خرَّج هذا لكن مُرسَلاً – قصة زواج رسول الله بعائشة وبوَّب لها باب تزويج الصغار من الكبار أخذ منها أحد شرّاح البخاري وهو العلّامة الإمام ابن بطّال أنه يجوز للأب وللولي بعامة أن يُزوِّج الصغيرة بغير إذنها، فتعقَّبه وعلَّق عليه الحافظ ابن حجر العسقلاني بقوله وليس بواضح الدلالة، لماذا؟ بل يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود الأمر باستئذان البكر، ثم قال الحافظ وهو الظاهر لأن القصة وقعت بمكة قبل الهجرة، وشرع الاستئمار والاستئذان إنما كان بالمدينة، فهذا الصنيع من الحافظ ابن حجر فيه ما يشهد لطريقة ابن شُبرمة والأصم والبتي، والله – تبارك وتعالى – أعلم.
ولكن قبل أن نمضي خطر لي أُنبِّه – إخواني وأخواتي – على ضرورة التفرقة بين الزواج بمعنى العقد والزواج بمعنى الدخول، ومن هنا حين تسمعون وحين تقرأون لبعض الفقهاء والأئمة أنهم جوَّزوا زواج أو تزويج حتى الرضيعة لا يهولنكم هذا، هم لم يُريدوا قط زواج الرضيعة أو تزويج الرضيعة بمعنى الدخول بها، كيف؟! هذا يُهلِكها، وإنما أرادوا العقد عليها، فقط أبوها يُزوِّجها من إنسان ما وهي بنت سنة أو أشهر أو سنتين أو ثلاث، لا بأس، لكن بمعنى أن يعقد عليها، لكن متى يُدخَل بها؟ اختلف السادة الفقهاء.
فمالك وأبو حنيفة والشافعي قالوا يُدخَل عليها بغير تحديد سن، إنما المعيار بالطوق، هل تُطيق هذا؟ إن أطاقت الوطء أو إن أطاقت أن يُدخَل عليها وهي في السابعة دُخِل عليها، وإن أطاقت أن يُدخَل عليها هي في الثامنة دُخِل عليها، إن أطاقت أن يُدخَل عليها وهي في التاسعة دُخِل عليها، وإن أطاقت أن يُدخَل عليها وهي في العاشرة دُخِل عليها، لكن إن لم تُطِق وهي حتى في العاشرة أو الحادية عشرة لم يُدخَل عليها.
طريقة الإمام أحمد تُخالِف، الإمام أحمد كأنه أخذ بظاهر حديث بناء رسول الله بعائشة وهي بنت تسع سنوات، فقال تُجبَر عليه – أي على الدخول – بنت تسع سنوات، لكن بعض الأئمة من الحنابلة كالقاضي – وهذا موجود في المُغني لابن قُدامة – لم يفهم التحديد، إنما قال هذا أتى على سبيل التغليب، أتى على سبيل التغليب! أنه في أغلب الأحوال بنت تسع تُطيقه فتُجبَر عليه، لكن إن علم الأولياء أو إن علم الأب – مثلاً – أن ابنته وبلغت تسع سنوات لا تُطيق الدخول لم يُسلِّمها إلى زوجها، يمنعه منها.
على كل حال هذه طريقة الفقهاء، ونحن نختلف، نحن نستروح إلى أنه لا يجوز تزويج البنت إلا بعد أن تبلغ، كحد أدنى البلوغ، لابد أن تبلغ، أخذاً بظاهر كتاب الله، حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ۩، ونأتي الآن إلى كلمة – إخواني وأخواتي – على عجل تتعلَّق بالولاية، أنا تكلَّمت عن ولاية الإجبار، لكن سنُرتِّب عليها دليلاً، سنُرتِّب عليها دليلاً في مسألتنا هذه، ما هي الولاية؟ الولاية بكلمة – وهي طبعاً مُصطلَح فقهي – إنفاذ القول على الغير، شاء أم أبى، رضيَ أم سخط، هذه الولاية! وتنقسم إلى ولاية على النفس، وولاية على المال، فأما الولاية على النفس فبتربية المُولى عليه أو عليها، تربية المُولى عليه وتعليمه وتأديبه وإطعامه وحتى تزويجه، التزويج داخل في الولاية، أي الولاية على النفس، داخل في الولاية على النفس، وهذه تنقسم إلى قسمين، والآن سنتحدَّث عنهما، والولاية على المال، الولاية على المال تدبير المال للمُولى عليه، تدبير مال المُولى عليه، لأنه لا يستقل بتدبيره.
نأتي الآن إلى الولاية على النفس، الولاية على النفس تنقسم إلى ولاية إجبار، وولاية اختيار، أو ولاية شركة، أو ولاية استحباب، هذه ولاية الاختيار، تُسمى ولاية شركة أو ولاية اختيار أو ولاية استحباب، هذه ولاية الاختيار.
ولاية الإجبار، مع ما معنى ولاية الإجبار؟ ولاية الإجبار تعني أنه يجوز للولي إبرام العقد – عقد الزواج مثلاً – دون إذن ودون رضا المُولى عليه أو عليها، هذه اسمها ولاية إجبار، تثبت على مَن هذه؟ تثبت للأولياء على مَن؟ تثبت على القصّر، على القاصرين كما نقول، والقاصرون نوعان، فاقدو الأهلية وناقصو الأهلية، إذن فما هي الأهلية؟ هذه هي دوشة الفقه! الأهلية باختصار هي صلاحية المرء لأن تثبت له وعليه الحقوق، تثبت له الحقوق، هذه يُسمونها أهلية وجوب، وتثبت عليه الحقوق، أي تصير واجبات، هذه أهلية أداء، وعلى كل حال هذه هي الأهلية، صلاحيته بحيث تثبت له وعليه الحقوق، أي حقوق وواجبات.
إذن ولاية الإجبار – إخواني وأخواتي – تثبت على فاقدي الأهلية، كالقاصرين – كما قلنا -، وهم نوعان، فاقدو أهلية وناقصو أهلية، مَن هم فاقدو الأهلية؟ المجانين الذين لا عقل لهم، والمعاتيه والمعتوهات من الذكور والإناث، المعتوه هو ضعيف العقل، عنده عقل لكن ضعيف، أقرب إلى المجنون منه ربما إلى العاقل، اسمه معتوه، ضعيف العقل أو ناقص العقل، المجنون هذا ليس عنده شيئ من عقل، وتثبت يا إخواني على الصغار غير البالغين، حتى وإن كانوا مُميِّزين، الذين لم يبلغوا الحُلم، غير البالغين، هؤلاء ناقصو الأهلية، هذه ولاية الأجبار.
هناك مسألة أُخرى في ولاية الإجبار، ما العلة في ثبوت ولاية الإجبار على المُولى عليهم؟ اتفق الفقهاء على أن العلة – إخواني وأخواتي – في الصغير هي الصغر، واختلفوا في الصغيرة، هل هي الصغر وبه قال أبو حنيفة أم البكارة وبه قال مالك والشافعي وأحمد؟! فهذا بالنسبة لناقصي الأهلية, أما فاقدو الأهلية من المجانين والمعاتيه فاتفق الأربعة على أن العلة في ثبوت ولاية الإجبار عليهم هي العجز، العجز والضعف – أي ضعف العقل، والعجز الناتج عن انعدام العقل وضعفه -، هؤلاء لا يعرفون كيف يُدبِّرون أمورهم، فاحتاجوا إلى ولاية ولي يقوم بتدبير شؤونهم عنهم، جبراً عليهم، لأنه لا إذن لهم، ولا معنى أن يُستأذنوا أصلاً، لانعدام عقلهم أو ضعفه ضعفاً لا يتم معه مُراعاة المصالح ومعرفة مقاطع الحقوق والواجبات.
هذا مفهوم، لكن نأتي الآن إلى موضوع الصغر والبكارة، الجمهور – مالك والشافعي وأحمد – قالوا العلة في ثبوت الولاية – ولاية الإجبار – على الصغيرة هي البكارة، وليس لكونها صغيرة، كالصغير الذي اتفقوا عليه، أن العلة فيه الصغر، ولذلك قالوا إذا استمرت بكراً وأدركت – أي بلغت وحاضت وهي بكر – تثبت عليها أيضاً ولاية الإجبار، تثبت عليها ولاية الإجبار! أبو حنيفة خالفهم، وطبعاً هذا ترتَّب عليه أشياء غريبة جداً.
من الأشياء الغريبة أن هذه الصغيرة المُولى عليها ولاية إجبار والعلة هي البكارة إن زُوِّجت قبل أن تبلغ وزالت بكارتها بالدخول ثم فارقت زوجها – لسبب أو لآخر فارقت زوجها – وهي الآن غير بالغ ولا تستطيع أن تُزوِّج نفسها، والبكارة زالت، فتزول ولاية الإجبار – تبقى في نطاق بحيث لا تستطيع أن تتزوَّج حتى تبلغ، وبعد أن تبلغ تشترك مع وليها في اختيار الزوج، وينوب عنها هو لزوماً، بالضرورة! مفروض هذا في عقد الزواج، أي في الصيغة، يتولى الصيغة.
عند أبي حنيفة الوضع مُختلِف، قال العلة هي الصغر، لأنها صغيرة، كما الصغير، وأما ولاية الاستحباب أو الاختيار فشأنها مُختلِف، وهو عند أدلة، لكن لا نُطوِّل بذكرها.
لماذا نذكر هذا يا إخواني؟ لماذا نذكر هذا؟ لأنهم قالوا في ولاية الاختيار أو الشركة أو الاستحباب، قالوا يشترك الولي والمرأة أو البنت في اختيار الزوج، يتفاوضان! هل هذا يصلح أو لا يصلح؟ ثم يتولى هو الصيغة، يتولى عقد الصيغة أو إبرام الصيغة، هذا رأي الجماهير، رأي مالك أيضاً والشافعي وأحمد، أما أبو حنيفة فقال لا، البالغ العاقلة – هذه الرشيدة البالغة العاقلة – لا سُلطان لأحد عليها في شأن زواجها، وتستطيع أن تُزوِّج نفسها، ولكن يُستحَب – يُستحَب هذا، استحباب وليس فرضاً هذا – أن يُتولى هو نيابةً عنها إبرام الصيغة أو إنشاء الصيغة، فقط يُستحَب، لكن تستطيع هي – إن شاءت – أن تُزوِّج نفسها، واحتاط لوليها بجُملة أمور تُخرِجنا عما نحن فيه.
لماذا أنا ذكرت هذا الموضوع وأسهبت فيه ربما هذا الإسهاب المُتعِب؟ لأنني أُريد أن أربط بينه وبين ما صح عن رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – من وجوب استئمار النساء في أبضاعهن، وفي وجوب استئمار واستئذان النساء في أبضاعهن أحاديث صحيحة كثيرة، كالحديث الذي أخرجه البخاري ومُسلِم وأصحاب السُنن عن أبي هُريرة، قال قال – صلى الله عليه وسلم – لا تُنكَح الأيم، وفي بعض الروايات الثيب، حتى تُستأمر، ولا البكر حتى تُستأذن، فقيل يا رسول الله إنها تستحي فتسكت، قال إذنها أن تسكت، في روايات إذنها سكاتها، في رواية ثالثة صماتها، أي إذا صمتت.
ولذلك سألت عائشة – والحديث أيضاً في الصحيحين – وقالت يا رسول الله تُستأمر النساء في أبضاعهن؟ أي تُستأمر في شأن زواجهن؟ وباختصار حتى أُوضِّح لكم أقول معنى تُستأمر أي يُطلَب إذنها أو أمرها، تُستأمر أي يُطلَب أمرها، تُستأذن أي يُطلَب إذنها، هذا حديث عائشة – مثلاً -، ولم يُفرِّق بين الاستئمار والاستئذان، عبَّر عن الأمرين بلفظ الاستئمار، وهناك حديث أيضاً عند النسائي فيه تُستأمر البكر، فبعضها فرَّقت، لكن الغاية واحدة، الغاية هي ماذا؟ أن تكون راضية، معرفة رضاها، هل ترضى بهذا الزواج أو لا ترضى؟ هذا هو المقصود، هذا هو المقصود على كل حال، لماذا؟ لأنها أحق بنفسها، النبي قال تُستأمر الأيم وهي أحق بنفسها، وتُستأذن البكر.
قال السادة العلماء صرَّح النبي بأن الأيم أحق بنفسها، قالوا ونحن نقيس – هذا قياس – فنقول والبكر أحق بنفسها، لماذا يا إخواني؟ لأنهم قالوا العلة تدور مع المعلول، العلة تدور مع المعلول، كما المعلول يتبع علته، والمعلول واحد هنا، والمعلول واحد، لأن هنا طلب الاستئمار وهنا طلب الاستئذان، وهنا قال لأنها أحق بنفسها، إذن هذه أيضاً أحق بنفسها، هذا ما قاله جماعة من السادة العلماء – رحمة الله على الجميع -.
فعائشة تقول يا رسول الله تُستأمر النساء في أبضاعهن؟ قال نعم، قالت فإن البكر تستحي فتسكت، قال سكاتها إذنها، سكاتها هو إذنها! إذا سكتت علمنا أنها مُوافِقة.
لماذا نقول هذا يا أخواني؟ لماذا نقول هذا؟ نقول هذا لكي نخلص إلى هذه النتيجة، هل من معنى أو هل ثمة معنى لاستئذان الصغيرة التي لم تبلغ؟ هذه غير راشد، هذه الصغيرة غير راشد، هذه ناقصة الأهلية، ناقصة أهلية الأداء، هل معنى لاستئذانها أو استئمارها – إن شئنا أن نُعمِّم -؟ لا معنى، لأنها صغيرة، لا تدري بعد ما الزواج ولا ما الرجال ولا ما الشهوة ولا تستطيع أن تُدرِك العواقب الكبيرة على هذا العقد الخطير الذي نعته القرآن العظيم بأنه ميثاق غليظ، لا تدري هذه الصغيرة!
لذلك الإمام الجليل أبو بكر بن المُنذِر في كتابه الإشراف على مذاهب العلماء بكلمة واضحة قال لا معنى لاستئذان الصغيرة غير البالغ، لا معنى! فهذا جيد، والأحاديث واضحة تماماً أن النبي أمر باستئذان الأبكار، ولم يُحدِّد أن هذه البكر بالغ أو غير بالغ، وأنتم تقولون غير البالغ لا معنى لاستئذانها، والنبي قال لابد أن تُستأذن البكر، ففهمنا أن البكر التي لابد أن تُستأذن هي البكر البالغ.
قد يقول أحدهم لي لا، هذا لا يشهد لك بشيئ، لماذا؟ هاتان قضيتان مُنفصِلتان، البكر البالغ التي قلنا إن إذنها له معنى هي التي تُستأذن، وأما البكر غير البالغ فلا تُستأذن، ونقول لا، ظواهر الأحاديث تُؤكِّد أن الزواج الذي تم بغير استئمار وبغير استئذان النبي كان يرده ولا يُمضيه، ومن غير تفصيل، وسنذكر بعض الأحاديث بُعيد قليل، فكأنه أراد أن يقول لنا – عليه الصلاة وأفضل السلام – هكذا لا زواج إلا عن رضا، ولا رضا إلا بعد استئذان، ولا استئذان إلا لبالغ عاقل تدري معنى الإذن، إذن هذا هو الزواج الشرعي، أما أن تُزوَّج صغيرة ولا تستأذنها لأنها لا تعلم معنى الإذن وبغير إذنها وبغير رضاها فهذا الزواج بعيد جداً أن يكون حلاً أو حلالاً في شرع الله – تبارك وتعالى -، وهو ظلم لهذه المسكينة، إدخالها ربما في نفق مُظلِم، لأن الزواج – كما قلنا – عقد غليظ وميثاق غليظ بين نفسين أو بين روحين، والذي ربما يرضاه الأب لا ترضاه البنت، الذي يهواه الأب ربما لا تهواه البنت ولا ترضى عنه.
في حديث ابن ماجة عن ابن عباس – رضوان الله تعالى عنهم أجمعين – قال جاء رجل وقال يا رسول الله إن عندنا أو إن تحت يدنا أو أيدينا يتيمة، أيضاً مُولى عليها، فخطبها رجل مُوسِر، أي غني، ونحن نهواه، نُحِبه لها، وخطبها مُعدِم، رجل فقير مُترِب مُعدِم، ليس عنده شيئ، فقير! وهي تهوى هذا المُعدِم الفقير، فبماذا أجاب النبي؟ فقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – لم يُر للمُتحابين مثل الزواج، أي أمر بتزويجها بمَن تُحِب، فلا يُمكِن هنا أن يُقال إن الأب أو الجد أو الولي بعامة يُمكِن أن يختار للبنت الصغيرة ما تسعد به طيلة حياتها، وأوسع الناس في الأولياء هنا – أي في باب النكاح – الأحناف، أوسع الناس الأحناف! فالعصبات عندهم حتى أولياء، لكن لا يُمكِن أن يُقال إن هذا الولي – وخاصة إذا كان من العصبات، أبناء العم – يُمكِن أن يختار للبنت الصغيرة ما تسعد به طيلة حياتها وما يكون وفق اختيارها لو اختارت حين تكون بالغاً، هذا كلام بعيد من الواقع، وبعيد من العدل والإنصاف، لذلك لا زواج إلا عن رضا، لا رضا إلا بعد إذن، لا إذن إلا لبالغ تعلم وتُدرِك معنى الإذن.
أخرج الإمام البخاري وأصحاب السُنن من حديث خنساء بنت خدام الأنصارية – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها – أن أباها زوَّجها – وكانت ثيباً، حتى لم تكن طفلة صغيرة وما إلى ذلك، هي ثيب – فكرهت، فأتت النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – فرد نكاحه، أي رد نكاح أبيها، قال له لا، لا يجوز هذا النكاح، وهذه ثيب، نأتي إلى البكر.
في حق البكر أخرج الإمام أحمد وأبو دواد وابن ماجة عن ابن عباس أن فتاةً بكراً أتت النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – فذكرت أن أباها زوَّجها وهي كارهة، هذه بكر! زوَّجها وهي كارهة، فخيَّرها النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -، ما معنى خيَّرها؟ قال لها إن شئتِ أمضيتِ زواج أبيك وأبقيتِ عليه، وإن شئتِ ألغيناه وحصلت الفُرقة.
كونوا معنا بعد هذا الفاصل، بارك الله فيكم.
أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم إخواني وأخواتي.
أخرج أيضاً الإمام أبو عبد الله بن ماجة في سُننه عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه بُريدة بن الحصيب أن فتاةً أتت النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وقالت يا رسول الله إن أبي زوَّجني من ابن أخيه – أي من ابن عمها – ليرفع بي خسيسته، أي تعني أن ابنها عمها دونها، دونها في أشياء مُعيَّنة وفي صفات مُعيَّنة، أي لا يُساميها ولا يُناسِبها، فخيَّرها النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – أو رد نكاحه، أي نكاج أبيها، فقالت يا رسول الله قد أمضيت ما صنع أبي، أنا مُوافَقة على هذا الزواج، أي على هذه الزيجة، غريب! لماذا إذن اعترضتِ؟ قالت وإنما أردت أن يعلم الناس أن ليس للآباء من هذا الأمر أو في هذا الأمر شيئ، عجيب! امرأة ذكية هذه أو فتاة ذكية، أن ليس للآباء في هذا الأمر شيئ، قالت نحن النساء أو البنات كل منا تتزوَّج بحسب ما تهوى، بحسب ما تُريد، لا يختار لي أبي مَن يُريد حتى وإن كان ابن عمي، لا! أنا لا أهواه ولا أُحِبه فلا يُمكِن أن يتم الزواج.
فهذه روح الشريعة في هذا الباب يا إخواني، هل يُمكِن أن يُتصوَّر أن هذه الشريعة التي أتت بهذه المعاني وهي معاني مُتقدِّمة جداً بالنسبة إلى عصرها تأذن بإنكاح الصغيرة التي لم تبلغ حتى وتُزوَّج ويُلقى بها ربما – كما قلت لكم – في مُستقبَل مُظلِم، لا تدري ما الله – تبارك وتعالى – فاعل فيها ولها وبها فيه؟! فهذا بعيد جداً من روح الشريعة، ومُخالِف لكثير من مقاصدها، ولذلك نحن رتَّبنا هذا على موضوع الولاية، ولاية الإجبار وما إلى ذلكم.
هذا المقام يُمكِن أن يتنوَّر وأن يزداد اتضاحاً وجلاءً – إخواني وأخواتي – لو أننا التفتنا بعض التفات إلى بعض أحكام الطفل أو الصغير الواردة في شرع الله – تبارك وتعالى -، في نصوص كتاب الله – تبارك وتعالى -، في سورة النور حين فصَّل الله – تبارك وتعالى – أحكام إبداء النساء لزينتهن ومَن يجوز لهن أن يُبدين هذه الزينة إزاءه أو أمامه ماذا قال؟ قال أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۩، هذا لا بأس أن تُبدي المرأة الزينة المُخفَّفة – دون المُغلَّظة – أمامه، لأنه طفل، طفل صغير! وقلنا لكم طور الطفولية هذه يستمر إلى ما قبل البلوغ، طور الطفولية والصغر يستمر إلى ما قبل البلوغ، كل مَن لم يبلغ فهو طفل وهو صغير، لكن هناك المُراهِق، في اللُغة الفقهية وليس في اللُغة السيكولوجية أو السوسيولوجية اليوم هناك المُراهِق، المُراهِق هو الذي لم يبلغ، ولكن اقترب من البلوغ، وعلى كل حال هذا يحتاج إلى تفصيل طويل، لأن البلوغ في العلوم الآن غير البلوغ في اللُغة الفقهية، البلوغ في العلم – في العلوم الطبية وفي العلوم السيكولوجية والتربوية – غير البلوغ في اللُغة الفقهية، وهو أدق حقيقةً، في العلم أدق، البلوغ ليس حدثاً مُحدَّداً ينجز وينتهي بعلامة واحدة أو علامات، البلوغ علمياً مرحلة مُمتَدة قليلاً، ربما تمتد سنتين أو ثلاث سنوات أحياناً، على كل حال هذه مسألة أُخرى، لا نُطوِّل بذكرها، لكن أحببت أن أُشير إليها فقط لمَن أراد أن يستقصي ولمَن أراد أن يتعمَّق.
الله يقول أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۩، ما معنى لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۩؟ أي لم يعرفوا ما الشهوة، لم يعرفوا ما الشهوة ولذلك لا يفهمون معنى العورة ومعنى الشهورة، من ظهر على الشيئ بمعنى اطلع عليه، ولذا يُقال أظهره، وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ۩ أي وأطلعه عليه، أي بمعنى الطفل الذين لا يقدرون على النكاح، لا يعرفون ولا يقدرون عليه، غير مُهيأ للوطء هو، غير مُهيأ للجماع، من قولهم ظهر فلان على فلان، أي انتصر وقوي وقدر عليه، ومنه قول الله – تبارك وتعالى – في الحواريين – عليهم السلام – فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ۩، أي مُنتصِرين، قدروا على أعدائهم، بمعنى القدرة الآن، فالطفل لا يقدر، لا يستطيع، لا يعرف الجماع، لا يُوجَد منه خوف، ليس منه خوف، لا يتأتى منه خوف، أو لا يعرف هذا أصلاً، لم يطلع على الشيئ، لا يعرف ما هو الجماع ولا ما هي الشهوة ولا ما هي هذه الأمور، عالم بريء، الطفل يعيش في عالم بريء.
ولذلك – إخواني وأخواتي – الفقهاء تكلَّموا عن أحكام عورة الطفل، وانظروا إلى الآتي، هذه الآية تُشير إلى أحكام إبداء العورة والزينة للأطفال، لكن ما هي أحكام إظهار الطفل لعورته للكبار وللراشدين من النساء والرجال؟ اختلف السادة الفقهاء في هذه المسألة، المالكية – مثلاً – قالوا الصغيرة الأُنثى ما لم تبلغ حد الشهوة – أي حد أن تُشتهى – لا عورة لها، لا يُعتبَر لها عورة، وفي الحقيقة الآن – إلا أن يكون المرء شاذاً – المفروض أن الطفلة التي لم تبلغ أو تُراهِق البلوغ لا تُشتهى، مَن الذي يشتهي طفلة صغيرة لم تظهر عليها حتى علامات البلوغ أو مُراهَقة البلوغ؟! إلا أن يكون إنساناً شاذاً في نفسيته وفي عقليته.
وهم هكذا دون أن يُحدِّدوا قالوا الطفلة التي لم تبلغ حد أن تُشتهى هذه لا عورة لها بالنسبة للنظر، لا عورة لها بالنسبة للنظر إليها، يُمكِن أن ننظر إليها، إلى صدرها أو إلى بطنها، لكن دون العورة طبعاً المُغلَّظة، لأنها سوءة، الله سماها سوءة، أي تُسيء الناظر إليها، وتُسيء أيضاً صاحبها أن تظهر منه، ولذلك قال وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۩، وقال لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۩، هذه سوءة، تُسيء!
قالوا وأما الصغير الذكر ابن ثماني سنوات فأقل أو فأدنى من ثماني سنوات فلا عورة له بالنسبة للمرأة أيضاً، أي تستطيع المرأة أن تنظر إلى عورة ابن ثماني سنوات، قالوا نظراً ومساً وأن تغسله أيضاً، يُمكِن أن تُغسِّله إذا مات – مثلاً – أو حتى حياً لتُنظِّفه، تستطيع أن تفعل هذا، وليس شرطاً أن تكون من محارمه، لأنه طفل صغير، أما الذين يكون بين التاسعة والثانية عشرة فهذا لا عورة له بالنسبة للمرأة الأجنبية من جهة النظر، أي بالنسبة للنظر، أما الغسل فلا، لا يجوز له أن تغسله، والذي يبلغ ثلاث عشرة سنة عورته كعورة الكبير.
الشافعية لهم تفاصيل، الأحناف لهم تفاصيل، والحنابلة لهم تفاصيل، الحنابلة قالوا مَن دون السابعة من عمره لا عورة له، بغض النظر ذكراً كان أم أُنثى، فيجوز النظر إلى جميع بدنه أو بدنها ومسه أيضاً، لأنه طفل صغير هذا، لا يشتهي إلا إنسان مُلتاث وإنسان شاذ، والشافعية قالوا الصغيرة التي لا تُشتهى يجوز النظر إلى كل بدنها إلا الفرج، إلا السوءة، قالوا التي لا تُشتهى، دون أن يُحدِّدوا حداً دقيقاً.
الآن نأتي أيضاً إلى مسألة وأمر له علاقة بهذا الموضوع، وهو الحديث الذي نعرفه جميعاً، تعرفه الكافة! حديث رُفِع القلم عن ثلاث، وهو حديث صحيح، أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة وغيرهم، من حديث الإمام عليّ بن أبي طالب – عليه السلام وكرَّم الله وجهه -، قال قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً – رُفِع القلم عن ثلاث، عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل، وعن الصبي حتى يشب، أي حتى يُدرِك أو حتى يبلغ، فهو غير مُكلَّف.
فالصغير يا إخواني غير مُكلَّف، ذكراً كان أم أُنثى، هذا الذي لم يبلغ الحُلم والتي لم تحض أيضاً، كما قلنا الحُلم علامة مُشترَكة، الحُلم علامة مُشترَكة بين الذكور والإناث، كنبات شعر العانة، فهذه علامة مُشترَكة، لكن الحيض علامة مُختَصة، هذا غير مُكلَّف، فهل يُعقَل أن صبية صغيرة غير مُكلَّفة – لا تُلزَم لا بصلاة ولا بصوم ولا بأن ترتدي الخمار ولا… ولا… ولا… كذا! ولا تعرف أسرار الحياة الزوجية، ولا يُمكِن أن تُؤمَن عليها، بحيث تكون واعية مُدرِكة أن هذا يدخل في إطار العيب وأن من الحرام أن تفُشي هذه الأسرار – تكون زوجةً؟! لا، هذه طفلة صغيرة، لا تعرف، غير مُكلَّفة، ورأينا الآن بعض أحكام العورة بالنسبة للصغار والصغيرات، هل يُعقَل أن هذه الطفلة غير المُكلَّفة تكون زوجةً؟! وما الزوجية وما الزواج إلا منظومة مُتناغِمة من الحقوق والواجبات ومسئولية فيها تشارك، وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ – الله يقول – وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۩، هل يُمكِن أن تكون هذه زوجة وتُؤمَن على سر الفراش وتُؤمَن أيضاً على نفسها وعلى مال زوجها وعلى سر زوجها؟ غير معقول، هذه طفلة صغيرة، غير مُكلَّفة أصلاً، هذه طفلة صغيرة غير مُكلَّفة، لا تصلح إلا للهو واللعب والتعليم والتأديب.
لذلك مقاصدياً زواج الصغار لا يلتئم، أي بمقاصد الشريعة، لا يلتئم بمقاصد الشريعة، ثم إن هناك أحاديث كثيرة جداً، كالمرأة – مثلاً – الصالحة مَن إذا نظرت إليك سرتك، وإذا أقسمت عليها أبرتك، وإن غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها، الصغيرة لا تفهم هذه الأشياء، كيف تحفظك في مالك وفي نفسها؟ كيف تبر قسمك؟ هي صغيرة، لا تفهم هذه الأشياء، والنبي يتحدَّث عن المرأة، فهذه لا تصلح أن تكون مرأة إذن، لا تصلح أن تكون مرأة!
والنبي يقول تُنكَح المرأة لأربع – مثلاً -، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك، فهل هذه ذات دين؟! هذه غير مُكلَّفة أصلاً، وهذا حديث رواه ابن حبان، هي غير مُكلَّفة، أي لا يجب عليها أن تُصلي وأن تصوم وأن تضع الخمار وأن تحتجب أو تتحجَّب يا إخواني، والنبي يقول انتبه واظفر بذات الدين، يقول اظفر بالذات الدين وهذه المسكينة لا يُعرَف دينها، هذه طفلة صغيرة غير مُكلَّفة.
ولذلك يا إخواني لابد الآن أن نُسهِب قليلاً لكي نُوضِّح أن زواج الصغيرة أو تزويج الصغيرة تقريباً لا يُحقِّق شيئاً من مقاصد الزواج قرآنياً أو إسلامياً بعامة في القرآن والسُنة، ما معنى هذا الكلام؟
هناك قاعدة – إخواني وأخواتي – في أصول الفقه تقول المُطلَق يُراد به الكامل، فإذا – مثلاً – رأينا الله – تبارك وتعالى – يأمرنا بالصلاة فالمُراد الصلاة الكاملة، ليس أي صلاة، وليس كما تشتهي أن تُصلي، الصلاة كما أرادها الله، كما أمر بها الله، وكما جلَّاها ووضَّحها وبينها رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، والآن الزواج، إن تحدَّث الله عن الزواج أو تكلَّم عن الزواج فالمُراد الزواج المثالي، أي الكامل، ما هو الزواج المثالي أو الزواج الكامل؟
الزواج الكامل – إخواني وأخواتي – هو الزواج الذي يُحقِّق مقاصده، وهذه المقاصد مدلول عليها شرعاً في كتاب الله وسُنة رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فمثلاً الله – تبارك وتعالى – يقول نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۩، باتفاق المُفسِّرين نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ۩ أي موضع الحرث، أي موضع البَذر، بمعنى أنهن ذوات الأرحام، ذوات الأرحام اللاتي يصلحن ومُهيأت لحمل الولد، لاستقبال هذه البَذرة أو هذا الحيوان المنوي، وبعد ذلك يُصبِحن حوامل، الصغيرة لا تصلح لهذا، ليست حرثاً، لا تصلح للحمل يا إخواني، والحمل والإنجاب من أعظم مقاصد الزواج، وهو في رأسها بلا شك بعد السكينة والمودة والرحمة وقضاء الشهوة، في رأس هذه المقاصد الإنجاب، وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۩، هذا لا يتحقَّق مع الصغيرة.
تعرفون أن علمياً يا إخواني وطبياً الفتاة وسطياً – هذا وسطياً – تستقبل أول حيضة لها في الثالثة عشرة، أي في الثالثة عشرة من عمرها، لأن الحيض يأتي بين الحادية عشرة والرابعة عشرة عموماً، أي وسطياً إذن في الثالثة عشرة تقريباً، أول حيضة تُسمى الـــ Menarche، لكن أول حيضة وهي الــ Menarche هي حيضة غير تبييضية، لا يُوجَد احتمال إلا ضعيف جداً جداً للحمل، وبعد ذلك تمكث الفتاة زُهاء سنتين غير مُنتظَمة الدورة، مما يجعل فُرصتها في الحمل ضعيفة جداً.
ولذلك مَن تزوَّج فتاة في التاسعة – إخواني وأخواتي – تقريباً عليه أن ينتظر خمس أو ست سنوات ليحظى بأول مولود له، إذن هذا المقصد لا يتحقَّق بزواج الصغيرة، جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۩، كأن الله يقول هذا من أعظم مقاصد فيه، يقول يَذْرَؤُكُمْ۩، الذرية! ليكون لكم ذُرية، لكي تمتدوا عبر ذراريكم، لكي تمتدوا وتستمروا عبر ذراريكم.
ولذلك في حديث معقل بن يسار لما جاء رجل وقال يا رسول الله إني أصبت امرأة ذات جمال وإني أُريد أن أنكحها – أي أتزوَّجها – غير أنها لا تلد – يبدو أنها كانت ثيباً، أي تزوَّجت قبله، ثم فارقت زوجها – نهاه النبي، يقول معقل بن يسار فنهاه النبي، قال له لا، لا تتزوَّجها، بما أنها لا تلد فلا، ماذا تُريد منها؟ ثم أتاه الثانية – يُحِبها لأنها جميلة – فنهاه، ثم أتاه الثالثة فنهاه، وقال تزوَّجوا الولود، فإني مُكاثِر أو مُباهٍ بكم الأمم يوم القيامة، وفي الحديث المشهور تزوَّجوا الودودة الولود، التي تُحسِن التبعل والتودد لزوجها وتلد، عندها إمكانية أن تلد، فكيف هذا؟ الصغيرة لا تلد، ولا تُوجَد إمكانية مُطلَقاً لمَن لم تبلغ المحيض أن تحمل وأن تلد يا إخواني، هذا أول مقصد!
إذن نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۩، من العجيب أن أكثر المُفسِّرين قالوا الآتي عن وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۩، انظروا إلى هذا، سُبحان الله! قطَّعوا أوصال الآية، الآية تتحدَّث عن العلاقة الزوجية، علاقة الفراش الشرعي، قالوا وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۩ أي صدقات، تصدَّقوا وقدِّموا لأنفسكم، وهذا ليس صحيحاً أبداً! قال وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۩، وهنا يا إخواني هو إثارة الزوجة بالقُبلة والمُداعَبة، إلى آخره! هذه تهيئة، لكن الطفلة الصغيرة لا تُستثار، لأنها غير ناضجة هرمونياً، لا تعرف هذه الأشياء، وقد تتأذى بها يا إخواني، الله يقول هذا الزواج، الزواج يُطلَب للحرث – للإنجاب – وفيه إثارة.
والعجيب هو الآتي، هذا التعبير الرباني العجيب – أي وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۩ – الآن في علم الجنس يُقال عنه يا إخواني وأخواتي مُقدِّمات الجماع، تقديم! هذه مُقدِّمات، بالإنجليزي Foreplay، يُقال Fore، أي قبل، مثل المُقبِّلات، Foreplay، أي مُقدِّمات الجماع، والصغيرة لا تصلح لهذا، الصغيرة لا تصلح لهذا بأي وجه من الوجوه يا إخواني وأخواتي.
أيضاً من مقاصد النكاح السكن وتبادل المودة والرحمة كما في سورة الروم، وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۩، المرأة التي أتبادل معها المودة والرحمة – وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۩ – والمرأة التي تكون سكناً لي – لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ۩ – هي المرأة التي تُناسِبني، على الأقل في الحدود الدُنيا، أي حظيت وحازت الحدود الدُنيا من النُضج الجسمي، الجنسي، الهرموني، النفسي، العقلي، والاجتماعي، الحد الأدنى على الأقل! والحد الأدنى لا يُمكِن أن يُحاز قبل سن البلوغ، هذا مُستحيل بأي حال من الأحوال، ولذلك يقول – تعالى – هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ۩، نوع من المُناسَبة، نوع من الالتئام والمُناسَبة، والإنسان لا يلبس لباساً أكبر منه ولا أصغر منه، يلبس لباساً يُناسِبه، لابد من مُكافأة ومن مُناسَبة بين الزوجين، ولا يُمكِن تبادل المودة والرحمة مع طفلة صغيرة تحتاج دائماً الرحمة، المسكينة تحتاج الرحمة وتحتاج الحُب، لكن لا تستطيع أن تُعطي، لا أن تُعطي مودة ولا رحمة، لأنها طفلة صغيرة، لا تزال تلهو وتلعب.
بدأ الوقت يتضيَّق، ولابد قبل أن نمضي أن نُجيب عن الآية الأولى يا إخواني، يقولون هذه الآية نص في الموضوع، الله يقول وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۩، كيف تُخالِف القرآن الكريم؟ نقول لهم لا نُخالِف القرآن الكريم، إذا ثبت بما ذكرناه وبأشياء كثيرة لم نذكرها لأن الوقت ضاق عنها للأسف الشديد أن زواج الصغيرة لا يُحقِّق المقاصد الشرعية من الزواج وليس هو الزواج المذكور في كتاب الله – تبارك وتعالى – فما معنى يا إخواني وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۩؟ ما معنى عدة التي لم تحض؟
نقول لكم الآية ليست نصاً فيما ظنوه، أنها نص في حل تزويج الصغيرة، بحيث أنها زُوِّجت ثم فارقت زوجها بأي سبب من الأسباب اعتدت بثلاثة أشهر، ليست نصاً في هذا، هي ظاهرة في هذا المعنى، وليست نصاً، ونحن نُرجِّح المعنى المُقابِل، ما هو؟ الآية تقول وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۩، ومعنى وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۩هو الآتي، هذا اللفظ يا إخواني أو هذا التعبير يحتمل معنيين: الصغيرة التي فعلاً لم تحض، أو الكبيرة التي أصبحت بنت ربما خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة أو عشرين سنة أو بنت خمس وعشرين سنة – وطبياً هذا أكثر شيئ قرأناه في المراجع الطبية المُحكَّمة – لكنها لم تحض، وفعلاً هذه ناضجة ومُثقَّفة ومُهيَّأة تماماً، لكنها لم تحض إلى الآن، إلى الآن لم تر أول دورة شهرية لها، أي أول Menarche، ما رأيك؟ هذه حالة ثابتة طبياً، أي الــ Amenorrhea، اسمها حالة الــ Amenorrhea، والعرب كانوا يعرفونها في الجاهلية أيضاً وفي الإسلام، واسمها حالة الضهى، ضهيت المرأة فهي ضهواء وضهياء، فهي ضهياء وضهواء، أي أصبحت كبيرة بنت ثلاث عشرة أو أربع عشرة إلى عشرين أو خمس وعشرين لكن لا ترى دم الحيض، لا يأتيها الطمث، لماذا؟ هذا مرض، مرض! في الطب هناك أسباب كثيرة، كمُلازَمة Turner، أي Turner Syndrome، مشاكل خلقية مبيضية، وربما البنت تكون ضعيفة نحيفة وتبذل مجهوداً كبيراً جسمياً، فهذا يمنع إفراز الدهون التي تعمل على إفراز الهرمونات، وهذا معروف في المراجع الطبيعة المُختلِفة.
على كل حال البنت قد تكون ضهواء أو ضهياء، وأضهى الرجل إذا تزوَّج ونكح امرأة ضهياء أو ضهواء، هذه الحالة معروفة، ونقول لا بأس، لا بأس أن تُزوَّج مثل هذه، أي الفتاة الكبيرة القادرة على أعباء الزواج والقادرة على أعباء الفراش، لكنها لم تحض، والآن السؤال هو ما عدتها إذن هذه إذا طُلِّقت؟ القرآن يقول عدتها ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ ۩، نعم هكذا نُفسِّر الآية، وهذا هو التفسير المُلتئم مع مقاصد الزواج في كتاب الله – تبارك وتعالى -، ومع رحمانية هذه الشريعة الرحيمة، التي من البعيد جداً أن تأذن بتزويج الصغيرات دون سن البلوغ.
فإذن يا إخواني ما ظن الجماهير ربما عبر العصور أنه نص في المسألة وضح أنه ليس بنص، إنما هو ظاهر، أي معنى مُحتمَل، ونحن رجَّحنا المعنى الذي يقف بإزائه.
إذن يا إخواني وأخواتي نخلص إلى أن الزواج الذي يأذن به شرع الله ويأذن بالله ورسوله – عليه السلام – هو الزواج الذي يحُقِّق المقاصد الشرعية المذكورة في الكتاب والسُنة، وهو الزواج الذي يُحقِّق ما يُعرَف الآن في لُغة العلماء والدارسين بالتوافق النفسي الجنسي، أي Psychosexual adjustment، لابد أن يكون هناك نوع من التوافق النفسي أو السيكولوجي والجنسي بين الزوجين، وهيهات هيهات أن يتحقَّق هذا التوافق مع فتاة صغيرة لم تر دم الحيض ولم تنضج هرمونياً وبالتالي جنسياً وجسمياً، كما أن عقلها محدود، وتجربتها محدودة، تعيش عالم البراءة وعالم الطفولة، كيف يُلقى بها بين أحضان رجل ربما لا يرحمها وربما لا يُراعي براءتها؟ يكفيكم فقط – هذا يكفيكم – أنه يستجيز لنفسه أن يدخل بها في هذه السن الصغيرة رُغم كل ما ذكرناه، يكفيكم أن هذا يدل على القسوة وعلى الشدة.
على كل حال المسألة تحتاج إلى إعادة النظر، قد نكون أصبنا في هذا الاجتهاد، وقد نكون أخطأنا تماماً، لا بأس، المسألة ليست مسألة قطعية، وعلى الأقل لو لم تخرجوا من هذه الحلقة إلا بأنها ليست مسألة إجماعية وأن هناك ثلاثة أئمة أجلاء من أئمة المُسلِمين – أعني ابن شُبرمة وعثمان البتي وأبو بكر الأصم – ذهبوا إلى حُرمة أو تحريم تزويج الصغيرة التي لم تبلغ لكفى بها فائدة.
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة فقد أدركنا الوقت، وإلى أن ألقاكم في حلقة قادمة أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أضف تعليق