خلال الحلقة التاسعة من سلسة العلم والدين لتي كان عنوانها التأثير العلمي بين المنطق والسيكولوجيا تطرق الدكتور عدنان إبراهيم إلى افكار روبرت بويل، الذي يُعد من رواد العلم الحديث، والذي قدم رؤية فريدة ومتكاملة لكيفية تفسير الكون من منظور علمي وديني معًا. بويل لم يرَ تعارضًا بين القوانين الطبيعية والإيمان بالله، بل اعتبر أن القوانين بحد ذاتها تعكس نظامًا إلهيًا دقيقًا، وأنها تعمل كأدوات لتنفيذ مشيئة الله في العالم.
1. القوانين كأدوات إلهية وليست كيانًا مستقلاً
-
رأى بويل أن القوانين الطبيعية ليست كائنات مستقلة أو ذات قدرة ذاتية، بل هي أدوات أو “آليات” تابعة للإرادة الإلهية، حيث تقوم بتنفيذ أوامر الله وتُبقي الكون في حالة من النظام المستمر. اعتبر أن هذه القوانين، رغم دقتها وثباتها، تحتاج إلى “مشغل” دائم يجعلها فعالة، وهذا المشغل هو الله.
2. رفض مفهوم “الإله الساعاتي”
-
في ذلك الوقت، كان هناك اتجاه علمي وفلسفي يتصور الله كصانع للكون يشبه صانع الساعة، الذي يُعدِّل الآلة بعد أن يتركها تعمل لوحدها. بويل رفض هذه النظرة تمامًا، معتبراً أن الله ليس مجرد صانع أدار الكون ثم تركه ليعمل بمفرده، بل هو متواجد ومتفاعل باستمرار، حيث يحتاج الكون إلى حضور الله الدائم لضمان استمرارية القوانين الطبيعية وعملها بانتظام.
3. الكون كنظام يحوي تداخلًا مستمرًا
-
اقترح بويل أن عمل الله يتم عبر القوانين، وليس ضدها. فهو لم ينظر إلى الله كمتدخل استثنائي عند حصول اضطراب أو خلل في الكون، بل اعتبر أن وجود الله وفعاليته متجذرة في تشغيل القوانين الطبيعية ذاتها، ما يعني أن الإله ليس غائبًا، بل موجودٌ في كل تفصيل، ويعمل من خلال تلك القوانين بشكل مستمر ومنتظم.
4. تأصيل لفكرة “اللاهوت المحايث”
-
من خلال أفكاره، يمكن اعتبار بويل كأحد أوائل من أشاروا إلى ما سيُعرف لاحقًا بفكرة “اللاهوت المحايث” أو Immanence، التي تصف الله كقوة متواجدة ومحيطة بالكون، وليس كقوة متعالية خارجة عنه فقط. بويل وضع بذلك الأسس لفهم جديد للعلاقة بين الله والقوانين الطبيعية، حيث لا تكون القوانين الطبيعية إلا مظهرًا من مظاهر قدرة الله.
5. تأثير أفكار بويل في النقاشات الدينية والعلمية
-
بويل فتح الباب أمام العلماء اللاحقين ليروا أن الالتزام بقوانين علمية لا يتنافى مع الإيمان بوجود خالق، بل إن هذه القوانين هي تجسيد للنظام الإلهي. بذلك، مهد بويل الطريق لنظرة متوازنة تُقرّ بقيمة العلم ولا تنفي الوجود الإلهي، مما أتاح للعلماء المتدينين مواصلة البحث العلمي دون التضحية بعقيدتهم.
خلاصة فكرة بويل
روبرت بويل قدم رؤية تدعو إلى أن الله ليس فقط موجدًا للكون، بل هو المحرك الدائم لكل ما يحدث فيه من خلال القوانين التي وضعها. هذه النظرة جعلت من الممكن النظر إلى العلم كوسيلة لفهم النظام الإلهي، وأثرت بعمق في كيفية تفسير العلماء للعالم الطبيعي بطريقة لا تستبعد الروحانية والإيمان.
———
روبرت بويل (1627-1691) كان فيزيائيًا وكيميائيًا وفيلسوفًا إنجليزيًا، ويُعتبر أحد مؤسسي العلم الحديث. بويل هو صاحب قانون بويل الشهير في الكيمياء، الذي يصف العلاقة بين ضغط الغاز وحجمه عند ثبات درجة الحرارة. يُعد بويل أيضًا من أوائل من رسّخوا مفهوم التجربة العلمية كنمط رئيسي للوصول إلى الحقائق في العلوم.
———
روبرت بويل (1627-1691) كان فيزيائيًا وكيميائيًا وفيلسوفًا إنجليزيًا، ويُعتبر أحد مؤسسي العلم الحديث. بويل هو صاحب قانون بويل الشهير في الكيمياء، الذي يصف العلاقة بين ضغط الغاز وحجمه عند ثبات درجة الحرارة. يُعد بويل أيضًا من أوائل من رسّخوا مفهوم التجربة العلمية كنمط رئيسي للوصول إلى الحقائق في العلوم.
كان بويل مؤمنًا بأن العلم والدين يمكن أن يتكاملا، ورفض فكرة أن دراسة العلوم تتعارض مع الإيمان بالله. اعتقد أن قوانين الطبيعة هي بمثابة أدوات يستخدمها الله لإدارة الكون، وبهذا كان يرى أن الكون يعمل وفق نظام دقيق لكنه يعتمد في استمراره على إرادة إلهية دائمة.
إسهاماته في الكيمياء ساهمت في تأسيس هذا المجال كعلم مستقل عن الخيمياء التقليدية، ووضع أسسًا تجريبية مبكرة جعلته من رواد علم الكيمياء كما نعرفه اليوم.
أضف تعليق