إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين المُحسِنين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه وتعالى:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفُضليات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ۩ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ۩ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين.
أيها الإخوة والأخوات:
نحن كما تعلمون في انتظار أيام كريمات وليال حافلات، كريمات بجود الله – سُبحانه وتعالى – ومزيد إقباله ورحمته وعفوه ومغفرته وعتقه من النار، وليال حافلات بالطاعات وبالقيام والتلاوات والابتهالات والدعوات الواجفات الضارعات، نحن – بإذن الله تبارك وتعالى ومنّه وتيسيره – على موعد مع رحمة عظيمة، على موعد مع كرم كبير في هذا الشهر الفضيل الكريم الجليل، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ۩، شهر ولا كل الشهور، ومَن مثل رمضان؟! وأي شهر يعدل هذا الشهر أو يُماثِله؟!
شهر – أيها الإخوة والأخوات – يؤوب فيه الشاردون، ويتوب فيه العاصون، ويجود فيه الباخلون، ويتصل فيه المُنقطِعون، ويصل فيه السائرون، وينشط فيه الكاسلون، شهر يغدو فيه عالم المُسلِمين وتغدو دنياهم مسجداً ومحراباً، ألسنتهم بذكر الله وتلاوة كلامه العزيز مشغولة، وأوقاتهم بالطاعات معمورة، ليسوا إلا في خير، من خير إلى خير، ومن بر إلى بر.
شهر بحق هو معرض للتجارات والبضائع الأُخروية الرابحة، التي لا تكسد أبداً، هذه البضاعة وهذه التجارة لا يُصيبها كساد، ولا يعرض للمُتجِرين بها وفيها خُسران، تجارة رابحة! وكيف لا تكون رابحة وقد تهيَّأت وتمهَّدت كل أسباب الربح والغُنم؟! على رأس هذه الأسباب أن مولانا الجليل – سُبحانه وتعالى – قد تكرَّم وتأذَّن بإقبال منه خاص على عباده المُوحِّدين في هذه الأوقات الفاضلة، إقبال خاص من رب العزة، لا إله إلا هو.
في هذا الشهر الكريم أيضاً من هذه الأسباب المُهمِّدة المُهيِّئة أن الشياطين تُغَل وتُقيَّد وتُصفَّد، فلا تصل إلى عباد الله الصائمين والصائمات، لا تصل! ينقطع شرهها ونهمتها في الشر، ويخفت أو يتلاشى وينعدم وسواسها – والعياذ بالله منها أجمعين -، في هذا الشهر أيضاً تُفتَّح أبواب الجنان، وتُغلَق وتُصفَق أبواب النيران، ماذا نُريد أكثر من ذلك؟!
شهر يشهد من نزول الأملاك – عليهم السلام أجمعين – ما لا يشهده غيره، ملائكة ليل نهار تتنزَّل، تُشارِك عباد الله الصائمين فرحتهم وتبتلهم وانقطاعهم وعبادتهم وولهم ولهجهم بذكر الله وإقبالهم على الله – تبارك وتعالى -.
أسباب كثيرة، هذه وغيرها، فعلاً المحروم فيه مَن حُرِم إذن، المحروم فيه مَن حُرِم! نسأل الله أن نكون جميعاً من الواصلين ومن الشاهدين، غير المحجوبين، ومن المُتصِلين، غير المُنقطِعين، ومن المقبولين، غير المردودين، اللهم آمين، بفضلك ومنّك يا رب العالمين.
أيها الإخوة:
أول ما أُحِب أن أبدأ به هو الآتي، أُريد أن أقول إن علينا جميعاً أن نغتنم هذه الأوقات الشريفة في تجديد العهد بالله – سُبحانه وتعالى -، هذا أحسن وقت وأفضل فُرصة لكل واحد منا، وكلنا ذلكم الرجل الخطّاء، كلنا ذلكم الرجل وتلكم الأمة الخطّاء والخطّاءة، ليس منا مُهذَّب، ليس منا معصوم، ليس منا كامل مُكمَّل، كلنا نقصة، وكلنا مُذنِبون، وكلنا خطّاءون، فلابد أن نغتنم هذا الوقت الشريف – أيها الإخوة والأخوات – لنُجدِّد العهد بالله – سُبحانه وتعالى -، وهذا يتيسَّر لنا في رمضان ما لا يتيسَّر في سواه، للأسباب التي ذكرتها لكم، الله يُقبِل علينا مزيد إقبال، الشياطين تنقطع عنا – بحمد الله تبارك وتعالى -، لله نفحات ليس له مثلها في غير هذا الشهر، نفحات خاصة في شهر رمضان، ثم هذا الشهر فيه من التعاون والتكاتف والتواصي والتناصح والتآزر على العبادة والطاعة ما ليس في غيره.
شهر رمضان كما تعلمون أسعد شهور السنة جميعاً بالطاعات، بصنوف الطاعات، وبألوان العبادات، أسعدها جميعاً! تُحشَر إليه، وتتعاطف عليه، ويمتلئ بها جميعاً، الخلق في هذا الشهر يُصلون ما لا يُصلون في غيره، أليس كذلك؟ يُصلون ويتطوَّعون ويتنفَّلون ما لا يُصلون في غيره، مُستحيل أن شهراً آخر غير رمضان يُصلى فيه كما يُصلى في رمضان، وحسبكم صلاة التراويح – مثلاً -.
شهر رمضان يحصل لنا فيه اتصال بكتاب الله – تبارك وتعالى – على نحو لا يتيسَّر في غير رمضان، أقوى صلة بكتاب الله إنما تكون في رمضان، شهر رمضان تجود فيه النفوس والأيدي، ويتسابق ويتسارع المُتعبِّدون المُبتهِلون بإخراج الزكوات المفروضة، والإحسان أيضاً بالرضخ صدقاتٍ مُتطوَّعاً بها ومُتنفَّلاً بها في شهر رمضان ما لا يفعلون في غيره.
إذن شهر رمضان أيضاً أسعد بالزكاة وأسعد بالصدقات من غيره من الشهور، في شهر رمضان يُعتمَر البيت الحرام ويُزار ما لا يُعتمَر ويُزار في غير رمضان، أكثر العُمر أو العُمرات إنما تكون في شهر رمضان، الله أكبر!
إذن هو ليس شهر الصوم فقط، إنه شهر الصوم وشهر الصلاة وشهر الزيارة – أي العُمرة – وشهر القرآن وشهر الزكاة والصدقات، إنه شهر العبادات، شهر ترجمان لكل هذه الأركان الركينة ولكل هذه المهام العظيمة من مهام الدين، هذا الشهر ترجمان، إنه مُلخَّص، إنه نُسخة جامعة من شتى العبادات، ومن صنوف المبرات، شهر رمضان! كيف لا يكون أسعد الشهور؟! كيف لا يكون أفضل الشهور؟! كيف لا يكون أكرم الشهور؟!
ومن هنا لهذه المزايا ولهذه الخصائص الفذة الفاردة أو المُتفرِّدة نسب الله – تبارك وتعالى – الصوم في هذا الشهر إليه – سُبحانه وتعالى -، إلا الصوم، فإنه لي، طبعاً الصوم وفي غيره، دائماً يُنسَب إلى الله، ولكن أعظم الصوم هو الصوم المفروض، أي صوم رمضان، هذا أعظم الصوم وأفضله وأشرفه عند الله – تبارك وتعالى -، الصوم في هذا الشهر نسبه إليه، نسبة تشريف طبعاً، هذه النسبة هي نسبة تشريف، لماذا؟ لكل هذه الخصائص، ولكل هذه المزايا، وطبعاً هذا فضلاً عما في الصوم نفسه من خصائص ومزايا، سنُدير على بعضها الحديث بعد قليل – إن شاء الله تبارك وتعالى -.
أيضاً هذا الشهر لهذه المزايا ولهذه الخصائص شاءت حكمة الله – تبارك وتعالى – وتقديره أن يختصه بجعله ظرفاً لليلة هي أشرف ليلة، ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر، في هذا الشهر وليس في غيره، ولرب سائل يسأل ولِمَ شاءت حكمة الله – تبارك وتعالى – أن يجعل هذه الليلة في آخر رمضان – على الأرجح الأقوى الأظهر طبعاً هي في الأواخر ؟! والجواب واضح، والله – تبارك وتعالى – أعلم، الحكمة في ذلك أن هذه الليلة من ليالي رمضان وكلها فاضلات كريمات شريفات فيها الآتي، هذه الليلة من بين هذه الليالي فيها أيضاً مزيد إقبال ومزيد جود وعطاء إلهي، ليلة عظيمة! إذا تقبَّلنا الله فيها – تبارك وتعالى – عدلت عمرنا أو ضعفيه، عدلت عمرنا كله أو ضعفيه! هذا في ليلة واحدة، فحقيق بمَن وُفِّق إليها ووُفِّقت إليه أن يكون من السعداء، أهل النجاة والسرور – إن شاء الله تبارك وتعالى -، لماذا جعلها الله في آخر الشهر؟ لما كان فيها من هذا الإقبال ومن هذه النفحات الخاصة، لابد أن يتهيَّأ لها المُؤمِن، لا يصلح أن يأتي هكذا، لا يصلح أن يأتي بذنوبه، بحجابه الغليظ الكثيف، بشهواته، برعوناته، بعهده القريب بالمعصية، بعهده القريب بالشهوة، بعهده القريب بمُبارَزة الله – تبارك وتعالى – بالذنوب، كلا! لا يُمكِن، ولذلك مهَّد الله لها – تبارك وتعالى – بهذه الأيام والليالي التي تكون في الثُلثين من شهر رمضان، وجعلها في الثُلث الآخر، لكي نتهيَّأ لها، لكي نُوفَّق لها.
إن موسى – كليم الله، عليه الصلاة وأفضل السلام وعلى نبينا وآل كله وأصحابه وسلم – لما أراد الله – تبارك وتعالى – أن يُناجيه ولما أراد أن يُكلِّمه تكليماً أمره بالصوم ثلاثين ليلةً، ثم أتمها بعشر، أي أكلمها بعشر، وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۩، وبعد ذلك كان مُهيَّأ لمُناجاة الله ولسماع الكلام والخطاب الإلهي الجليل، وكذلكم نحن على مراتبنا وأقدارنا الضئيلة الصغيرة، نتهيَّأ لهذا العطاء، نتهيَّأ لهذا الكرم، لهذه الأيام والليالي، التي تكون في عشر الرحمة وفي عشر المغفرة.
أيها الإخوة:
شهر رمضان أو الصوم عموماً والصوم في رمضان خصوصاً له خصائص ومزايا وأسرار وآثار كثيرة جداً، صنَّف فيها المُصنِّفون، وكتب فيها أولياء الله العارفون – ألحقنا الله بهم وأعاد علينا من نفحاتهم وبركاتهم -، ونُريد أن نُذكِّر وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ ۩، نُريد أن نُذكِّر ببعض هذه الأسرار والخصائص والمزايا والآثار، على رأسها أن الصوم منسوب إلى الله – تبارك وتعالى -، لا يعلم أجره بل جزيل أجره ومثوبته إلا هو، لا يعلم ذلك لا نبي مُرسَل ولا ملك مُقرَّب ولا أحد من خلق الله.
وفي صحيح مُسلِم عن أبي هُريرة – رضيَ الله عنهما وأرضاهما -، قال قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – كل عمل ابن آدم يُضاعَف، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، يقول الله – تبارك وتعالى – إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به، وقد يقول قائل فإن الله يجزي بكل العمل، ويجزي على كل العمل، فما الجديد هنا؟ وأنا أجزي به، وهو يجزي على الصلاة أيضاً، ويجزي بالحج، ويجزي بأي شيئ آخر! نعم، ولكنه قال هنا إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، إشارةً إلى عِظم وخطر هذا الجزاء، أنه جزاء كبير كبير، ليس كسائر الأجزية، ليس كباقي المثوبات، إنه جزاء خاص، وهذا هو معنى وأنا أجزي به.
يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، فرحة خاصة! كيف؟ لا ندري أيضاً، لا ندري ما هذه الفرحة، لكنها فرحة عظيمة وفرحة خاصة.
وفي الحديث الذي أخرجه الإمام الطبراني في المُعجَم الأوسط بإسناد حسن والبيهقي في شُعب الإيمان والإمام ابن حبان في صحيحه، عن عبد الله بن عمر – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، قال قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – الأعمال عند الله – تبارك وتعالى – سبعة، سبعة صنوف أو سبعة أنواع من الأعمال، عملان مُوجِبان، وعملان بأمثالهما، وعمل بعشرة أمثاله، وعمل بسبعمائة ضعف، وعمل لا يدري جزاء عامله إلا الله – تبارك وتعالى -، فهذه سبعة صنوف من الأعمال.
ثم فسَّر وفصَّل – عليه الصلاة وأفضل السلام – فقال فأما العملان المُوجِبان فمَن لقيَ الله – تبارك وتعالى – يعبده مُخلِصاً لا يُشرِك به شيئاً فقد وجبت له الجنة، هذا عمل مُوجِب، نسأل الله – تبارك وتعالى – بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلا وبذاته الكريمة – لا إله إلا هو – المُقدَّسة أن يُحيينا وأن يُميتنا وأن يبعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، اللهم آمين، آمين، آمين.
هذا عمل مُوجَب، وهو أخطر الأعمال، مَن مات على التوحيد – إن شاء الله – كان من أهل النجاة، اللهم اجعلنا من أهل النجاة أجمعين، فهذا عمل مُوجِب، يُوجِب الجنة، وهذا معنى كونه مُوجِباً، العمل المُوجِب الثاني – أيها الإخوة والأخوات – ومَن لقيَ الله – تبارك وتعالى – وقد أشرك به فقد وجبت له النار – والعياذ بالله -، إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۩ – والعياذ بالله -، نسأل الله العصمة والتسديد.
إذن هذان هما العملان المُوجِبان، وعملان بأمثالهما، ما هما؟ يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن عمل سيئةً جُزيَ مثلها، أي بمثلها، قال جُزيَ من مثلها، ومَن أراد أن يعمل حسنةً فلم يعملها – منعه مانع أو حبسه حابس – جُزيَ مثلها، الله أكبر! هذا من عظيم كرم الله، فمَن هم بحسنة كما في حديث ابن عباس في الصحيحين مرفوعاً فلم يعملها كُتِبت له حسنة، مَن هم بحسنة فلم يعملها كُتِبت له حسنة! هذا في نفس المعنى أيضاً، ومَن أراد أن يعمل حسنةً فلم يعملها جُزيَ مثلها، إذن هذا عملان بأمثالهما، أي بمثليهما، عملان بأمثالهما!
عمل بعشرة أمثاله، ويختص به مَن عمل حسنةً، هناك مَن هم بحسنة فلم يعملها، كُتِبت له حسنة، على النية! هو يُريد فقط، ومن هنا – أيها الإخوة والأخوات – ورد في الحديث أن الملائكة تأتي بكُتب وبصحائف الأعمال يوم القيامة، وصحائف الأعمال هذه فيها أشياء كثيرة طيبة، فيقول الله – تبارك وتعالى – ألقوا هذا، ألقوا هذا، ألقوا هذا، فتقول الملائكة يا رب إنها أعمال حسنة، إنها طاعات، فيقول ما أُريد بها وجهي، لم يعملها العاملون مُخلِصون لوجهي، عملوها رياءً ونفاقاً، لا أُريدها، الله يُبطِلها ويجعلها هباءً منثوراً، نسأل الله التوفيق.
ثم يقول الله – تبارك وتعالى – واكتبوا لعبدي فلان، اكتبوا له كذا وكذا وكذا من العمل، فتعجب الملائكة وتقول يا رب ولكنه لم يعمل هذه الأعمال، فيقول كان يُريد أن يعملها، لكن منعه مانع، نيته حسنة وطيبة، يُريد لكن حبسه حابس، فأنا أجزيه بنيته، لا إله إلا الله! ولذلك لا يخلو المُؤمِن الصالح من نية حسنة دائماً، دائماً لابد أن تستحضر النية الحسنة، وليس العكس، النية السيئة، نية الغش والكذب والخداع والرياء، كلا! استحضر دائماً النية الطيبة، يجزك الله بها، اللهم أعنا على ذلك، فإنه لا يُستطاع إلا بك.
مَن عمل حسنةً جُزيَ بعشر أمثالها، ولكن مَن هم بها جُزيَ بمثلها فقط، وهنا مَن عملها بعشر أمثالها، وأما العمل الذي هو بسبعمائة ضعف أو بسبعمائة مثل فيختص به مَن تصدَّق مِن ماله بصدقة، ضُعِّفت له نفقته – يقول عليه الصلاة وأفضل السلام -، الدرهم بسبعمائة درهم، والدينار بسبعمائة دينار، فهذا هو العمل السادس.
وأما العمل السابع الذي لا يدري جزاء عامله إلا الله – تبارك وتعالى – فيقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – فهو الصوم، الصوم لا يدري جزاء عامله إلا الله، كم؟! سبعمائة ضعف؟! سبعة ملايين؟! سبعة ملايير أو بلايين؟! لا يعرف، لا يعرف ذلك أحد من خلق الله، الله أكبر!
لماذا؟ أجوبة كثيرة، من أقواها وأحسنها أن الصوم كما قال الإمام العز بن عبد السلام – قدَّس الله سره الكريم – فيه معنى الصمدانية، فيه تشبه بالله – تبارك وتعالى – فيما يجوز لنا أن نتشبَّه به فيه، فيه معنى الصمدانية، كيف؟ الصائم لا يأكل ولا يشرب ولا يأتي النساء، فيه تنزه، فيه تنزه وترفع عن لوازم ومُقتضيات الطينية، الجبلية، الطبيعة، الضرورة البشرية، والآدمية، فهذا هو معنى الصمدانية.
وأيضاً الصوم أقرب العبادات إلى الإخلاص أو إلى سر الإخلاص، فهو مُركَّب من أمرين، الأمر الأول نية باطنة، كشأن العبادات الأُخرى، وهذه لا يطلع عليها إلا الله، وما يُراد بها – إن شاء الله – إلا وجهه، لا إله إلا هو! والأمر الآخر إمساك – هو عمل سلبي – عن المُفطِّرات، ويستطيع المرء أن يختال نفسه وأن يُخادِع غيره من عباد الله، فيعمد إلى هذه الشهوات، فيُصيب منها ما شاء، أليس كذلك؟ فيُصيب منها ما شاء! ولكنه لا يفعل، فهذا هو، وهو – إن شاء الله – من حقيقة الإخلاص، هذا هو الصوم، ولذلك كان أقرب العبادات إليه، ونُسِب إليه نسبة تشريف.
وقيل – وهذا يُروى عن الإمام سُفيان بن عُيينة شيخ الإمام البخاري، رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – الصوم نُسِب إلى الله – تبارك وتعالى – وهو يجزي به لأنه لا تجري فيه يوم القيامة المُقاصة، العباد إذا أرادوا أن يأخذوا من حسناتك أخذوا من حسنات كل العمل إلا حسنات الصوم، هكذا يقول سُفيان بن عُيينة، والله أعلم بحقيقة ذلك، لعله يصح، الله أعلم على كل حال.
هذا هو الأمر الأول، الأمر الثاني هو أن الصوم مكفرة أو تكفير، تكفير للخطيئات، محو للسيئات، تبييض للصحائف، وإذا بُيِّضت صحائفنا أبيضت وجوهنا – إن شاء الله – يوم القيامة، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۩، ما الذي يُسوِّدها، سواد الصحائف، كثرة السيئات – والعياذ بالله – المُوبِقات، فإذا بُيِّضت صحائفنا أبيضت وجوهنا – إن شاء الله -، بيَّض الله وجوهنا جميعاً وما أخزانا يَوْمَ يُبْعَثُونَ ۩ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ۩ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ۩.
يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – الصلوات الخمس، والجُمعة إلى الجُمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكفِّرات لما بينهن إذا اجُتنبت الكبائر، انتبهوا! لا الوضوء ولا الصلوات ولا الجُمعة ولا رمضان ولا غير ذلك يُكفِّر الكبائر، اختُلِف في الحج، والراجح أنه يُكفِّر – إن شاء الله تعالى -، لكنه لا يُكفِّر التبعات، الحج يُكفِّر الكبائر، ولكنه لا يُكفِّر التبعات والحقوق، أي تبعات العباد وحقوق العباد، لا يُكفِّرها الحج، ولكن هذه الأشياء المذكورة بنص قوله – عليه الصلاة وأفضل السلام – لا تُكفِّر الكبائر، ما الذي تُكفَّر به الكبائر إذن؟ شيئ يسير على مَن يسَّره الله عليه، وهو التوبة الصادقة النصوح، وهذه في كل وقت، في وقت صلاة وفي غير وقت الصلاة، في وقت جُمعة وفي غير وقت الجُمعة، في رمضان وفي غير رمضان، في كل لحظة! قال – تعالى – وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا ۩، كما قلت في أول الخُطبة لأننا كلنا ذلكم المُقصِّر، كلنا ذلكم الخطّاء، مُحتقِب الآثام والكبائر والصغائر، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩، التوبة تُكفِّر الكبائر – إن شاء الله تبارك وتعالى -، التوبة النصوح الصادقة، فهذه أيضاً خصيصة من أهم خصائص الصيام، تكفير الذنوب ومحو السيئات – إن شاء الله تبارك وتعالى -.
منها أيضاً أن مَن صام لله – تبارك وتعالى – ابتغاء وجه الله له الآتي، هذا طبعاً ابتغاء وجه الله لما في الصحيحين، مَن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، ومعنى الاحتساب أنه يكتفي بطلب المثوبة والرضوان من الله وحده، من الحسب، حَسْبُنَا اللهُ ۩، أليس كذلك؟ ومنه الإحساب، الله يُحسِبنا، أي يكفينا، لا إله إلا هو، هذا معنى احتساباً، أي نطلب ذلكم من الله وحده فقط، هذا معنى احتساباً، مَن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدَّم مِن ذنبه، ومَن صام رمضان – بدأ بليلة القدر، فيها إشارة – إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه، طبعاً إلا الكبائر كما في الحديث الصحيح الآخر، إلا الكبائر! فمَن صام رمضان إيماناً واحتساباً لم يعطش يوم العطش الأكبر والحر الأعظم، يوم القيامة هو يوم العطش الأكبر ويوم الحر الأعظم لما في الصحيحين من حديث سهل بن سعد – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -، قال قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إن في الجنة باباً يُقال له الريّان، من الري، الريّان من الري، عكس العطشان، يُسمى هذا الباب بالريّان، أي عكس العطشان، إشارة إلى ماذا؟ إشارة إلى ما يحصل للصائمين من العطش، فلابد أن يكون الجزاء من جنس العمل، هم أعطشوا أنفسهم لله، فحقيقٌ بالله – تبارك وتعالى – وحُقَّ لهم أن يرويهم يوم العطش الأكبر ويوم الحر الأعظم.
إن في الجنة باباً يُقال له الريّان، لا يدخل منه إلا الصائمون، فإذا دخلوا منه أُغلِق فلم يدخل منه أحد، فقط الصائمون، اللهم اجعلنا منهم، وفي الحديث الذي أخرجه الإمام أبو بكر البزّار بإسناد حسن، عن عبد الله بن عباس – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، قال ابن عباس بعث رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – أبا موسى الأشعري على سرية، سرية غزوة لكن لا يكون فيها المُصطفى – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وجمعها سرايا، قال على سرية في البحر، فلما كانوا في البحر ورفعوا شرائع السفينة في ليلة ظلماء أو مُظلِمة إذ سمعوا هاتفاً يهتف بهم: قفوا، أُخبِركم بقضاء الله – تبارك وتعالى – على نفسه، أي بما قضى الله على نفسه، بما التزم، وبما أخذ، فقال أبو موسى وكان أشجعهم – رضيَ الله عنه وأرضاه – أخبر إن كنت مُخبِراً، فقال قضى الله – تبارك وتعالى – على نفسه أنه مَن أعطش نفسه في سبيل الله في يوم صائف سقاه الله – تبارك وتعالى – يوم العطش، وقد رواه ابن أبي الدنيا ولكن بلفظ إلا كان حقاً على الله – تبارك وتعالى – أن يرويه يوم القيامة، الله أكبر! أعطشت نفسك في سبيل الله، فحق على الله – تبارك وتعالى – أن يرويك يوم القيامة، حق على الله أن يرويك يوم القيامة!
أشياء كثيرة وأسرار عظيمة في هذا الشهر، نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُحقِّقنا ببعض ذلكم، وأن يُيسِّرنا للخير ويُيسِّر الخير لنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه، وعلى آله الطيبين، وصحابته المُبارَكين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعلينا وعليكم، والمُسلِمين والمُسلِمات، معهم بفضله ومنّه ورحمته أجمعين، اللهم آمين.
أيها الإخوة والأخوات:
للصائم كما تعلمون دعوة لا تُرَد، ثلاثة لا تُرَد دعوتهم، الصائم حين يُفطِر، ولذلك علينا أن نتأدَّب بأدب رسول الله ما استطعنا وأن ندعو بما كان يدعو به مولانا رسول الله، بماذا كان يدعو؟ كان يقول الحمد لله الذي أعانني فصُمت ورزقني فأفطرت، الله أكبر! دائماً هو في مقام الشُكر، دائماً يعلم أن التوفيق من الله وأن المعونة من الله، أنا ما صُمت بحولي ولا بقدرتي ولا بشطارتي، صُمت بإعانة الله، أليس كذلك؟ الله هو الذي أحياني حتى بلَّغني رمضان، فله الشُكر، الله – سُبحانه وتعالى – هو الذي أعطاني العافية والصحة.
بعض الناس مرضى مساكين، لا يستطيعون أن يصوموا، لا يستطيعون، محظور عليهم أن يصوموا، وهذا ابتلاء، نسأل الله ألا يمتحننا، الله هو الذي أقدرنا على ذلك، وإذا صُمنا صوماً حقيقياً – الصوم الحقيقي، نحترز فيه مما ينبغي أن نحترز منه، ونفعل ما يجب أن نفعل فيه – فسيكون هذا الصوم أيضاً بإقدار الله وبمعونة الله، ليس بشطارتنا، فكان يقول الحمد لله الذي أعانني فصُمت ورزقني – الرزق أيضاً من الله – فأفطرت.
وكان أيضاً يقول ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر – أهم شيئ أن يثبت الأجر – إن شاء الله، وكان عبد الله بن عمر – رضيَ الله تعالى عنهما وأرضاهما – يقول الآتي، ودائماً كان يصوم، ابن عمر كان يصوم كثيراً جداً في حياته، كان صوّاماً، ليس في رمضان فقط، في غير رمضان، وكان إذا أفطر يُحافِظ دوماً على هذه الدعوة، ما هي هذه الدعوة؟ اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيئ أن تغفر لي، المغفرة! أهم شيئ المغفرة، نحن نُضيِّع أوقاتنا ونُضيِّع أحياناً هذه الفُرص السانحة الذهبية في الدعاء بأشياء دنيوية، لا بأس، اسألوا الله كل شيئ، ولكن ليكن حرصنا على النجاة والمغفرة أعظم من حرصنا على أي شيئ، اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيئ أن تغفر لي.
حين يُمدَّد أحدنا على فراش الموت أو حين يضطجع ضجعة الموت ماذا يتمنى في هذه اللحظة؟ ماذا يتمنى في هذه الساعة؟ أُقسِم بالله العاقل البصير – والله – لا يتمنى شيئاً من الدنيا، هذا العاقل البصير، وأما المنكوس القلب والمطموس البصيرة فيُمكِن أيضاً في ضجعة الموت أن يتمنى الدنيا وأن تُهِمه الدنيا وأن يُفكِّر في ذُريته وفي زوجته وفي أبنائه وكيف يكون حالهم وراءه، كأنه هو الذي يرزقهم، وكأنه هو الذي يُحسِبهم، وكأنه هو الذي يكيفهم، وهذا من جهله وانطماس بصيرته، أما المُؤمِن العاقل المُستبصِر في هذه الضجعة فلا يتمنى إلا رحمة الله ومغفرته، لا يتمنى إلا النجاة، فليكن حرصنا على هذه النجاة والمغفرة أشد شيئ في كل أوقاتنا – إن شاء الله تبارك وتعالى -.
هذه دعوة مُستجابة، دعوة مُستجابة لابد أن نحرص عليها كل مساء، فندعو بخير الآخرة وخير الدنيا – إن شاء الله تبارك وتعالى -، وأن نُحافِظ على بعض الآداب، هذا مُهِم جداً، وإن شاء الله أنتم تفعلون ذلك جميعاً، لكن على رأسها حفظ اللسان، وأبدأ باللسان، لأنه أخطر هذه الجوارح، أكثر ما يُهلِك مُعظَم المُسلِمين ليس ذنوب السرقة والزنا والقتل، لا يفعلون ذلك – والحمد لله -، أكثر أمة محمد لا تفعل ذلك – بفضل الله تعالى -، ولكن ما الذي يُهلِكهم؟ أكثر ما يُهلِكهم هذا اللسان القبيح السيء المُنفلِت من عقاله، الذي لا يرعوي صاحبه ولا يخشى الله، نُهلِك أنفسنا ونُبطِل أعمالنا، فنحن حمقى، كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا ۩، نُصلي ونصوم ونعتمر ونتصدَّق ثم نُفسِد عملنا بالغيبة والنميمة والكلام والكذب والمُبالَغات والكلام الفارغ، لماذا؟ ولذلك بالذات اللسان لابد أن نحترز منه.
مَن لم يدع قول الزور – كل أنواع الكذب والبُهتان، في رمضان وفي غير رمضان، والنبي يتحدَّث بالذات في الصوم – والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه، رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، مسكين هذا! يُتعِب نفسه ويُكِده ويدأبها وليس له شيئ، لماذا؟ لأنه يُبطِل العمل بالذنوب، ذنوب الجوارح، وبالذات اللسان، أكثرنا ذنبه من لسانه، الحمد لله مَن مُسلِم يصوم ويُصلي ويزني؟ إن شاء الله مُنعدِم هذا أو نادر جداً جداً، مَن مُسلِم يصوم ويُصلي ويقتل ويسرق؟ صعب جداً، لكن مَن مُسلِم يصوم ويُصلي ويحج ويعتمر ويُزكي ويغتاب وينم ويكذب؟ كثيرون كثيرون، وهل يكب الناس على وجوههم أو مناخرهم – في حديث مُعاذ – في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم يا مُعاذ؟!
أكثر ما نهلك به هذا اللسان، فنسأل الله أن يُعيننا على لجمه وعلى حبسه، ما شيئ أحوج إلى طول حبس من لسان، فأهم ما يجب أن يحترز منه آفات الجوارح وبالذات اللسان، وبعد ذلك نُقدِّم الإفطار، ونُؤخِّر السحور، فإن في السحور بركة، هذا مُجمَل الآداب الظاهرة – إن شاء الله تبارك وتعالى -.
نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُبلِّغني وإياكم وإخواننا المُسلِمين والمُسلِمات أجمعين رمضان، وأن يكتبنا فيه من المقبولين المسعودين المرحومين المغفور لهم، اللهم آمين.
اللهم اغفر لنا وارحمنا، اللهم تُب علينا، اللهم بلِّغنا مما يُرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات وبالسعادات آجالنا.
اللهم زِدنا ولا تنقصنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرِمنا ولا تُهِنا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وأعِنا ولا تُعِن علينا، وخذِّل عنا ولا تخذلنا.
اللهم كُن لنا في كل أعمالنا وفي كل أحوالنا بالخير والرشاد يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تنصر الإسلام والمُسلِمين، وأن تُعلي بفضلك وأن تُعِز كلمتي الحق والدين، اللهم انصر مَن نصر المُسلِمين، واخذل مَن خذل المُسلِمين، اللهم آمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على أفضاله يُزِدكم، وسلوه من نعمه يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.
(1/11/2002)
أضف تعليق