بسم الله الرحمن الرحيم
. طه
. مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى
. إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى
. تَنزِيلا مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى
. الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى
. لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى
. وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى
. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى
صدق الله العظيم
وبلّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشّاهدين .
اللهمّ اجعلنا من شهداء الحقّ القائمين بالقسط آمين اللّهمّ آمين.
الحمد لله ربّ العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده ,اللّهمّ صلّي وسلّم على سيّدنا محمّد النّبيّ الأميّ وعلى وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين وصحابته الميامين المباركين .
إخواني وأخواتي حيّاكم اللّه جميعا .
أخرج الإمام أحمد وتفرّد به في مسنده عن التابعيّ يزيد بن بابانوس عن أمّ المؤمنين عائشة رضي اللّه عنها وأرضاها قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ” الدّواوين عند اللّه ثلاثة” ومعنى الدّواوين الكتب التي تكتب فيها الملائكة الأعمال من خير وشرّ :” ديوان لا يبالي الله به شيئا وديوان لا يترك اللّه منه شيئا وديوان لا يغفره الله” إنّ من يشرك بالله فقد حرّم عليه الجنّة ويغفر ما سوى ذلك . والدّيوان الذي لا يترك اللّه منه شيئا هو ما يكون العباد من ظلم بعضهم لبعض ,أخذت مال هذا ,اغتبت هذا , كسرت بخاطر هذا…
يقول صلّى اللّه عليه وسلّم “القصاص لا محالة” هذا الدّيوان يعامل ما فيه وفق مبدإ القصاص واللّه لم يأذن لذاته أن يسامح في حقوق العباد إلا إذا سامح المظلوم في حقّه وهيهات أن يكون ذلك لأنّ كل إنسان يستزيد من الحسنات يوم الحساب ولا يستطيع التنازل . وأمّ ا الدّيوان الذي يتعامل الله معه بتسامح كبير هو ظلم العبد لنفسه فيما بينه وبين ربّه كالانشغال عن صلاة تركها او التفريط في صوم يوم …وهو أمر رهبن المشيئة الإلهية .
والحديث على عكس ما وقر في قلوب المؤمنين والمؤمنات إنّنا نعمل وننشط في هذه الحياة وفق عكس هذا الحديث إذ نتشدّد جدّا في حقوق الله سبحانه وتعالى فالصّلاة على وقتها وفي المسجد وفي المقابل نتساهل جدا في حقوق العباد فنظلم ونبطش وقد نقتل ,في زمننا أصبح دم المسلم رخيصا خاصّة على المسلمين يسترخصون دماء المسلمين كأنّها ماء.”وَلَزَوَالُ السّماوات والأرض أهون عند اللّه من قتل امرئ مؤمن بغير حقّ ” يقتلون ويحافظون على الصّلاة والجماعة ويحفظون القرآن والأحاديث ويأخذون من السّنة في الهيئات , هذا تديّن مغشوش عليل منكوس يمشي على رأسه فإن أردتم أن تشدّدوا فتشّددوا في حقوق العباد. وأقصر طريق إلى رحمة الله هي رحمة العباد واقصر طريق إلى سخط الله وغضبه وعقابه هي ظلم العباد. وقد قال الشّاعر الموصلي أحمد بن محمّد:
كن كيف شئت فإنّ اللّه ذو كرم و ما عليك إذا أذنبت من باس
إلاّ اثنتين فلا تقربهما أبدا الكفر بالله والإضرار بالنّاس
نسأل الله أن يخلّقنا بأخلاق المؤمنين الصّالحين وعباد الله الرّحيمين المقسطين العادلين.
إخواني وأخواتي :بداية من هذه الحلقة نبدأ في استعراض مظاهر و تجليّات رحمة الله ,الرّحمانيّة والرّحيميّة, وأعظم هذه المجالي والمظاهر على الإطلاق هي إيجاد الوجود من كتم العدم وإلباسه كسوة التشيُّء بعد أن كان عدما .ولنا أن نسأل عن حاجتنا للوقوف على تفاصيل هذه المسألة الست تعريف الرّحمة بأنها رقّة تعتري الإنسان فتبعثه على الإحسان للمرحوم وهذا التّعريف صحيح لكنّه لا يخلو من أعماق وتفاصيل .
أين رحمة الإنسان من رحمة الرّحمان لا اله إلا هو ؟ علينا إلاّ نقنع بالتعريف المعجمي وعلماء اللّغة قالوا أنّ الكلمة تتّسع دلالاتها بحسب الاستعمال وليست اللّغة مجرّد وسيلة للتّعبير عن التّفكير بل هي أداة للتّفكير وهي وسيلة في التّفكير” وهناك سؤال في فلسفة الّلغة هل يمكن أن يقوم التّفكير بغير لغة؟” والذي نعرفه أنّ العالم يمكن أن يتّسع أمامنا عبر وسيط اللّغة ويمكن أن يضيق أمام وعينا وإدراكنا عبر وسيط اللّغة
ومثال ذلك : لو ذهبت للعيش بين الاسكيمو في القطب الشّمالي لوجدت عالما بسيطا مسطّحا ذا لون واحد هو لون الثّلج والجليد هذا العالم فقير وضحل لكنّك ستفاجأ بعد حين عند التّواصل مع الاسكيمو أنّ عالمهم بالنسبة إليهم شديد الثّراء والتّنوّع فأنت لا ترى إلا بياضا واحدا أمّا هم فيرون بياضات كثيرة ولديهم أكثر من ألف لفظة يصفون بها الثّلج والجليد .لقد نجحوا عبر وسيط اللّغة في التّعبير عن ثراء عالمهم وإذا تمكّنت من إتقانها سوف يغدو لك هذا العالم ثريّا غير الذي زرته في الأسابيع الأولى. وقبائل “النّفاغو” عندهم كلمة واحدة يصفون بها الأخضر والأزرق لذلك يفشلون في التّمييز بين اللّونين فعالمهم من هذه الزّاوية أكثر تخفيضيه .والجاني هي اللّغة التي لم تميّز بين اللّونين. لا يمكن للغات كثيرة م تعرف بعض الظواهر النفسيّة والوجدانيّة والفكريّة ولم تخبرها أن تفهمها فضلا أن تعبّر عنها بكلمة .وهناك أشياء نتعاطاها ويمكن أن نفهمها لكن لم نجعلها في بؤرة الوعي والإدراك وبالتّالي لم نبتكر لها مصطلحا خاصّا. وعلماء الانتروبولوجيا يضربون مثالا يختصّ بقبائل أصليّة تعيش في الطّرف الأقصى من جنوب أمريكا اللاتينية عند مضيق ماجلان المعروفة بأرخبيل أرض النّار لهم كلمة عجيبة ” ماماهالاتيناباتاي” ويعنون بها ظاهرة حين يريد شخصان من الناس أن يفعل شئ ما ولكن كل منهما لا يريد أن يبدأ بالفعل ويريد من الآخر أن يكون البادئ .إلى هذه الدّرجة تخلق اللّغة عوالم جديدة ومن هنا قال الفيلسوف النّمساوي “……”وهو بارع في التّحليل اللّغوي:”حين نتكلّم لغة مختلفة بالحريّ يبرز أمام كلّ منّا عالم مختلف ” فإذا اختلفت اللّغة اختلف مباشرة العالم.كذلك القرآن يتحدّث لغة لم نعها ولم ندركها فهو يتحدّث حديث الرّحمة بلغة شديدة الثّراء بالغة التّركيب.
كان ينبغي لأمّة العرب أن تحسن التحليل اللّغوي بدقّة لثراء لغتها غير أنّنا ضيّعناها وأدباء القرن العشرين وكبار مؤلّفيهم مثل طه حسين والزّيّات وجبران والعقّاد والحكيم لم يستخدموا من اللّغة العربيّة غير 4 في المائة فقط حسب دراسة قام بها الدكتور الفاضل عبد الصّبور شاهين و96في المائة مهجور . نحن نجهل لغتنا والفيلسوف الفرنسي “انسترينان “لديه كتاب ضخم في دراسة اللّغات السّاميّة وفي مقدّمها اللّغة العربيّة أعرب عن دهشته عندما نقل عن أستاذه “دوهامر” أنه أحصى 5644 لفظة تصف بها اللّغة العربيّة الجَمَل وشؤونه ,لأنّه دابّة العربيّ الأولى إنّه سفينة الصّحراء وأنيس العربيّ في سفره ووحشته ,فإذا عجّل الجمل الى الماء قيل في ذلك “الميرات” ,إذا اقترب من الماء قيل “القارب “,إذا كانت النّاقة في جماعة وتوسّطتها يقال لها “الدّفون” ,فإذا كانت في رأس الجماعة قيل “السّلوف”.
والله كأنّنا لسنا خلفا لؤلئكم الأسلاف العباقرة لم يكد التاريخ أمثالهم والعلاّمة الضّرير أبو الحسن بن سيدا ( 458 ) من اكبر علماء اللغة في التاريخ العربي الإسلامي له معجم اسمه المحكم واعجن منه معجم اخر اسمه “المخصّص” وهو من أعجب ما وقعت عليه يدي من المعاجم وصاحبه أوّل من خطا خطوة حقيقية على طريق اجتراح اختراع لغة اللّمس للعميان انه عبقري كبير ,وضع مصنّفه وفق خطة .كان رغم عماه يحفظ المؤلفات والكتب ويستظهرها دون إن يسقط منها حرفا لقد كان اكبر من حاسوب يحفظ للمسمّى الواحد آلاف الأسماء
اللّغة العربية جدّ متوسّعة والقرآن الكريم قاموس العربيّ وهو صراط العربيّة انّه قانونها الأفصح وهو حين يتحدّث عن الرّحمة يتحدّث عنها بدلالات مختلفة بمعجميّة رحموتيّة خاصّة في أكثر من عشرين سياقا وفي كلّ سياق تأتي بمعنى جديد . نحن كبشر لا نكاد ندرك للرّحمة معنى إلا أنّها الرّقة بإزاء ذوات الأكباد الرّطبة, أما رحمة الله لا يفلت منها شئ كلّ المخلوقات بأصنافها وأنواعها ودرجاتها تحتاج إلى الرّحمة الإلهية وهي ليست الرّحمة التي ندركها فرحمتنا ضئيلة وبسيطة ومسطّحة على أنها أحسن ما فينا لكن أين رحمتنا نحن من رحمة الله ؟
إنّ أعظم مجلى ومظهر لرحمة الله الرّحمانيّة عزّ وجلّ أنّه أوجد الوجود ” الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام ثمّ استوي على العرش الرحمنُ فاسأل به خبيرا” والعلماء والفلاسفة يتحدّثون عن الوجود والعدم والحقيقة أنّ العدم مصطلح غير واضح ,هل كانت كلّ المخلوقات معدومة غير موجودة ؟ وحين يصف الحقّ ذاته فيقول “هو الأول والآخر والظّاهر والباطن ” هو الأوّل بلا أوّليّة والآخر بلا آخريّة بإجماع المسلمين الموحّدين .وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنهما أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسّلم كان يقول:” اللّهمّ أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظّاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنّا الدّين وأعننا من الفقر”كان صلّى اللّه عليه وسلّم يَلْهَجُ بدعوات ضارعة واجفة بليغة عظيمة للاستعاذة من الدّيْن لأنّ الدّيْن قهر وذلّ (نعوذ باللّه أن نغرم). فالوجود الذي تَشَيَّأ كان له وجود علميُّ في علم اللّه الأزلي لذلك لم نكن عدما بالمطلق إنّ مطلق العدم من كلّ قيد وشرط غير موجود ,لم يكن شيء خلقه الله عدما ذلك انه لا يمكن أن نكون عدما ونحن موجودون في علم الله أزلا و لو قلنا بوجود الكون أزليّا في الخارج نكون قد أقررنا بقدم العالم, وهذه النّظرية اعتمدها الغزالي لتكفير الفلاسفة في كتابه “تهافت الفلاسفة” ضمن مسائل أخرى اعتمدها حجّة عليهم فنحن إذن نؤمن بأنّ هذا الوجود كان له وجود في علم الله ولكن حين شاء اللّه خلق الكون, والحقيقة أنّنا نستعمل الظّرف”حين” لقصور اللّغة لأنّه لا حين في وجود اللّه “الحين ” أو “الزّمن” منعدم قبل خلق اللّه الكون ,ولا يمكن الحديث عنه قبل هذا الخلق .لذلك قال اللّه لزكرياء:.”وقد خلقتك من قبل ولم تكن شيئا” كان الكون إذن موجودا علميّا ثمّ أصبح وجودا شيئيّا. فهل تعتقدون أنّ أيّ شيء في الوجود ممّا نعلم ولا نعلم ممّا خلق الله وممّا سيخلق أنّه أفلت من شبكة علم الأزل ؟ هل تظنّون أنّه استجدّ علم لله به؟ حاشى للّه. كلّ شيء له حقيقة ثابة وله لون وجود في علم الله الأزلي(العلم الذي لم يزل,أي الذي ليس له بداية لانّه قبل الزّمان اللاّ أوّليّة ويقابله الأبد وهو اللاّ آخريّة). والسّؤال متى خلق اللّه الكون ؟ هو سؤال ساذج لأنّ الزّمان لم يكن موجودا قبل الخلق فكيف نريد تحديدا زمنيّا خارج حدود الزّمن؟
إنّ علم الإنسان تابع للمعلوم , فعلم الإنسان تابع للمعلوم أي أنّ الموجودات موجودة قبل العلم البشري وهذا الأخير تابع له عكس علم الله سبحانه وتعالى فهو سابق للمعلوم وكل شئ تابع لعلمه . وقوله تعالى :إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون” هذا التّكوين هل يتسلّط على الوجودات العلمية في علم اللّه ام على الوجودات الخارجية المتشيّئة؟ إنّه يتسلّط على الوجودات المتشيّئة وليس على الوجودات العلميّة فالله تبارك وتعالى لا يقول لشيء في علمه كن لأنّه كائن أزلا ليس له بداية لذلك لا توجد مدخلّيه لكلمة “كن” في الوجودات العلميّة وحين شيّء الله الكون أصبح قابلا لأن يتوجّه إليه اللّه بالتّكوين “إنّما قولنا لشيء” فالشّيء موجود قبل التّسلّط عليه بأمر التّكوين “:ن” ومثل هذا التّكوين يكون أمر جعل وتصيير:كن حيّا, كن ميتا, كن غنيّا …وهذه الأوامر التكوينيّة يُدار بها الوجود من عرشه إلى فرشه , لا شيء له قيام بذاته بل إنّ قيامه بأوامره التّكوينيّة لذلك فإنّ هذه الأوامر لا تحصى ولا يعلمها إلا الله ” ولو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلاما والبحر يمدّه سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله” وليس المقصود في الآية كلمات القرآن بل كلمات اللّه التّكوينيّة.
سؤال: كيف نوفّق بين رحمة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وبين قوله أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا اله إلاّ اللّه؟
الجواب: تتنزّل المسألة ضمن فقه الجهاد والقتال و هذا الحديث مخرّج في الصّحيح في رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لكن في إسناده مقال يعاني من بعض العلل تطرّق إليها الحافظ بن حجر العسقلاني في كتابه “فتح الباري” فإذا سلّمنا بصحة الحديث الذي يقول فيه عليه السّلام” أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله فان قالوها فقد عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على اللّه” فهل يعني ذلك أنّ الإسلام دين قتال يفرض نفسه على النّاس بحدّ السّيف ؟ إنّ القرآن الكريم واضح جدا انه لم يأذن لنا أن نبدأ بالعدوان على عباد الله”وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا” . أمّا بالنسبة لهذا الحديث فإنّ الأئمّة الأربع قالوا ” النّاس هنا عموم يراد به خصوص ” كقوله تعالى ” الذين قال لهم النّاس ان النّاس قد جمعوا لكم ” فالنّاس الأولى في الآتية غير النّاس الثّانية وهي ليست كلّ النّاس والمراد بالنّاس هنا “نعيْم بن مسعود” فلفظ النّاس قد يراد بها بعض النّاس وقد يراد بها شخص واحد . وإن كادوا ليستفزّونك من الأرض ليخرجوك منها وإذن لا يلبثون خلافك إلاّ قليلا” والأرض المقصودة في هذه الآية هي مكّة :ذلك ان كفّار مكّة حاولوا استفزاز الرّسول صلّى اللّه عليه ليخرجوه من مكّة. وفي الحديث المقصود بالنّاس كفار مكّة أو كفّار الجزيرة وليس كل الكفّار وقد فسّر ابن تيميّة هذا الحديث “أمرت أن أقاتل النّاس” لا يراد منه قتال كل عباد الله الذين كفروا المسالم منهم والمحارب بل أن هذا الحديث جاء لبيان الغاية التي أُمر النّبيّ أن ينهي قتاله لمن أُمر بقتالهم عندها . أي:الناس الذين يجب مقاتلهم (الذين عادوْه وبدؤوا بالعدوان ونقضوا العهود وليس كلّ النّاس) لم يؤمر بقتالهم بلا غاية إلى حدّ إفنائهم بل توجد غاية من القتال هي الإسلام فإذا أسلموا كفّ قتاله لهم . والنبيّ بعد فتح مكّة لم يخيّر الكفّار بين سفك دمائهم أو أن يسلموا بل قال :” من دخل بيته فهو آمن من دخل المسجد الحرام فهو آمن ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن” سواء اسلم أو لم يسلم “لا إكراه في الدّين” والعلاّمة المصري عبد الله المتعالي الصّعيدي رحمه اللّه من الأوائل الذين تفطّنوا إلى هذه المسألة ,فصفوان بن أمّة كان مشركا حتى بعد فتح مكّة وذهب بعد الفتح بأسبوعين مع جيش رسول الله إلى حنيْن هوازن واستعار منه النبيّ أدراعه .فقال له سفران “يا محمد أهي غصبا ؟” فأجابه الرّسول:”بل هي عارية مستردّة” وبعد أن وضعت الحرب أوازارها وغنِم المسلمون غنائم كثيرة وقف صفوان بن أميّة يتطلّع على غنم وشياه بين جبلين فلاحظ الرّسول ذلك فسأله “هل يعجبك هذا يا صفوان؟” فقال له” نعم” فأجابه الرّسول صلّى اللّه عليه وسلم “خذه كلّه فهو لك” لقد ضحّى الرّسول بهذا المغنم لأجل أن يدخل قلبا للإسلام وينقذ مهجة بشريّة من نار جهنّم .لم يكن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم متعطّشا للدّماء بل كان يطمح إلى تبليغ رسالته دون استفزازه وإزعاجه وصدّه عن ذلك وهو لا يجبر أحدا على تصديق رسالته والإيمان بها” وقد اسلم صفوان قائلا:يا اهل قريش اسلما فإنّ محمّدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر”
والسّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته
أضف تعليق