السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم
بسم الله الرّحمان الرّحيم
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨) صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين
صدق الله العظيم
وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين
اللّهم اجعلنا من شهداء الحقّ القائمين بالقسط آمين اللّهمّ آمين الحمد لله رب ّالعالمين , حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه يوافي نعمه ويكافئ مزيده, وأشهد ان لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبئنا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك الرسول الكريم الأمين وعلى اله الطيبين الطاهرين وصحابته الميامين وأتباع بإحسان إلى يوم الدين . إخواني وأخواتي اخرج الإمامان الجليلان البخاري ومسلم رحمة الله تعالى عنهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال ر سول الله صلى الله عليه وسلم لن يُدخل أحدا منكم عملُه الجنة ” أي لن يدخل أي واحد منكم الدجنة بمجرد عمله مهما كان هذا العمل الصالح كبيرا وكثيرا وطائلا. قالوا:” ولا أنت يا رسول الله ؟” قال :” ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة” وقد درج معظم الشّرّاح السادة العلماء من العلماء على جعل هذا الحديث من أحاديث الترهيب وهذا الحديث ظاهره الترهيب ولكن عند النظر والتحقيق باطنه ترغيب وأيّ ترغيب ولعله في رؤوس الأحاديث النبوية الشريفة التي توجب تعظيم الرغبة فيما عند الله تبارك وتعالى وتكفير التأميل في واسع رحمته وعفوه لأن عمل الواحد منّا مهما كان طائلا وكبيرا وعظيما لا يمكن أن يقادر له قدر في جانب رحمة الله تبارك وتعالى فرحمة الله أعظم دائما من عمل الإنسان فهي أوسع من الدنيا والآخرة ,وكل شيء صدر عن رحمة الله تعالى, والملائكة تقول مبتهلة الى الله تبارك وتعالى “ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ” وهو القائل سبحانه وتعالى “ورحمة وسعت كل شيء “لذلك لا بد علينا أن نلهج دائما بالقول : “اللهم رحمتك ارجي عندي من عملي وعفوك أعظم من ذنبي فلا تحرمني رحمتك واجعلني من أهل عفوك ” إن هذا الحديث إخواني وأخواتي يؤدّب كل مسلمة ومسلم بأدب بالغ له دوره وخطره فلا يغترّ بعمله ولا يفخر به ولا يشمخ على احد من البشر بعمله لان العمل مجرّدا لا يوجب رحمة الله وفضله ولا يوجب رحمة الله ولا يوجب فضله دخول الجنة لان الله تبارك وتعالى إنما يتقبل من المتقين وقد قال سبحانه وتعالى “ولا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى” من ذا الذي يشهد لنفسه بالتقوى؟لا احد من العقلاء الموحدين يفعل هذا والله تبارك وتعالى لا يتقبل إلا من المتقين فمن أين لنا انه تقبل منا عملا واحدا ؟ كان الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنهما يقول :”والله لو اعلم أن الله تبارك وتعالى تقبل مني صلاة ركعتين لقرت عيني ولقرت نفسي ومن أين والله لا يتقبل إلا من المتقين ومن أين والله لا يتقبل إلا ما كان خالصا من العمل والإخلاص عزيز”من ذا الذي يشهد لنفسه بالإخلاص؟ . رُؤِي إمامنا أبو عبد الله الشافعي رضي الله تعالى عليه في المنام بعد وفاته فقيل : يا أبا عبدا لله ماذا فعل الله بك؟ فقال : ” الحمد لله خيرا غفر لي وأنزلني منزلا حسنا” قيل له بماذا يا إمام أبعلمك ذاك؟ فقال :”هيهات وإنما بتسبيحات كنت أسرها عند الصباح وعند المساء “لذلك كان من نصائح الشافعيّ لإخوانه وأحبابه أن يكون له خبيئة عمل وهو أن تعمل عملا صالحا تخبّؤه عن خلق الله جميعا ولا تشير إليه من قريب ولا من بعيد لا بالتصريح ولا بالتلويح يبقى بينك وبين الله عز وجلّ لعل هذا العمل يكون من الإخلاص فيشفع لك و يقبل عند الله تبارك وتعالى .فيما يروى عن ولي الله العابد الزّاهد أبي منصور بن ذكيل رضي الله عنه تعالى وأرضاه وقد كان مشهورا بالعبادة والزهد ,أنه لما احتضر بكى فقيل له يا أبا منصور : ما الذي يبكيك ,أتبكي عند الموت ؟قال ولم لا أبكي طريق لم اسلكها من قبل ؟ وكان الفاروق رضي الله تعالى عنه يقول :والله لو أن لي ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتديت به من هول المطلع (والمطلع هو المرتفع الذي يقف عليه الإنسان ليبصر ما دونه .والمطلع أيضا هي اللحظة التي تخرج فيها نفس الإنسان مقبلا على الآخرة في هذه اللحظة تماما يتمكن الإنسان تقريبا من معرفة مصيره ويعرف ما إذا كان من آهل السعادة أو من أهل الشقاء .أعاننا الله على تلكم الساعة ) وأبو منصور بن ذكيل يقول :”ومالي لا ابكي طريق لم اسلكها من قبل (اي لا ادري إلى أين تفضي بي ) ثم توفي إلى رحمة الله فراه ابنه بعد أربعة أيام في المنام فقال له :يا أبتي ماذا فعل بك ؟ فقال يا بني الأمر أصعب مما تعد وردت على اله الملك هو اعدل العادلين وخصماء يناقشونني الحساب (أي يطلبون مني كل حقهم) فقال لي مولاي تبارك وتعالى :” يا أبا منصور قد عمرتك في الدنيا سبعين سنة فما معك اليوم ؟ قلت يا رب معي ثلاثون حجة حججتها لوجهك .قال ما قبلت .فقلت يا رب معي أربعون إلف درهم من عمل يدي تصدقت بها لوجهك.قال يا أبا منصور ما قبلت . قلت يا رب معي اربعون غزوة غزوتها لوجهك .قال ما قبلت .قلت يا رب ستون سنة صمت نهارها وقمت ليلها .قال ما قبلت .قلت إذن يا رب انا هالك .فقال يا أبا منصور ليس من كرمي ان أعذب مثلك ,يا ابا منصور ألا تذكر يوم كذا وكذا يوم نحيت حجرا من سابلة المسلمين خشية أن يعثر به مسلم فيصيبه شيء ؟قلت بلى يا ربي اذكر .قال قد قبلته منك وغفرت لك ادخل الجنة
يا من يرى ما في الضمير ويسمع ** أنت المعد لكل ما يتوقـــــــــــع يا من يـرجـــى للشــــــدائد كلـــها ** يا من إليه المشتكي والمفــــزع يا من خزائن رزقه في قول كـــن ** أمنن فان الخير عندك أجمـــــع مالي سوى قرعي لبابك حيلــــــة ** فلئن رددت فأي باب أقــــــرع ومن الذي أدعو واهتف باسمــــه ** إن كان فضلك عن فقير يمنـع حاشا لمجدك أن يقنط عاصـــيـا ** الفضل أجزل والمواهب الوسع للإمام :أبو القاسم السهيلي المالكي الضرير
والإمام أبو القاسم السهيلي المالكي الضرير صاحب الروض الأنف الذي شرح فيه سيرة بن هشام وصاحب نخبة الفكر في فلسفة النحو كان رجلا من الصالحين وكان تلميذا للقاضي أبي بكربن العربي المالك رحمة الله عليهم جميعا .قال فيه الإمام ابن دحيا :أنشدني هذه الأبيات وقال لي ما أنشدتها ودعوت بعد إنشادها الله في شيء إلا لبّاني وقال الإمام الرباني محي الدين النووي :إن كل من انشد هذه الأبيات وسأل الله عقبها ,أجابه الله سؤله.فنحن نتوسل إلى الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ان يجعلنا من أهل رحمته وعفوه ومغفرته وعتقائه من نار جهنم في هذا الشهر الكريم . إنّ الرّحمة إخواني وأخواتي هي من صفات الجمال وليست من صفات الجلال والقهر هي من صفات الله الجمالية وليست من صفات الله الجبروتية .وقد قال جوته “الغضب ليس جميلا ” وفي الحديث الصحيح:”ان رحمتي تغلب غ.وفي الحديث الصحيح في مسلم لأبي مسعود”الله جميل ويحب الجمال ويكره البؤس والتباؤس ” دينه جميل أوصافه واسماه جميلة .إن الله سبحانه وتعالى يريد ان يرتاد بنا أفاقا جديدة للجمال ,ليس الكوني المحسوس,بل للجمال السلوكي الأخلاقي والرحمة في رأس ذلك .فالله عز وجل يحدثنا عن الصبر الجميل .قال يعقوب عليه السلام:” فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ” وقال الله مخاطبا محمدا صلى الله عليه وسلم :”فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ” وهناك أيضا الصفح الجميل في سورة الحجر “فاصفح الصفح الجميل” صفح عن الأعداء وصبر على الخصماء وغلظتهم وشدتهم وحماقتهم وسوء إعمالهم .والأعجب من هذا ,الهجر الجميل”واهجرهم هجرا جميلا ” وإذا أراد الرجل تطليق زوجته “فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا” فالتسريح أيضا لا بد أن يكون جميلا.هذه الأنحاء الأربع من أوجه الجمال تدور حول جمال السلوك إزاء الآخر الخصم الذي يؤذيني ويرهقني ويتطاول عليّ .إنني مأمور بهجره هجرا جميلا وان اصفح عنه صفحا جميلا وان اصبر عليه صبرا جميلا .لذلك الرحمة فيه أعظم مفردة من مفردات جماله . لكن ما هي الرحمة؟ عرف العلماء الرحمة بكونها الرقة والتعطف تحمل صاحبها على الإحسان والافضال على من رقّ عليه.فهي التعطف إزاء شخص ما قد يكون محتاجا ماديا أو معنويا وقد يكون في حالة لا يمكن أن نرفع احتياجه معها لأنه مبتلا ببلية نعجز عن رفعها كان يكون كفيفا ا واصمّا أو أخرس أو مقعدا أو يعاني آلاما غليظة لا يمكننا قهرها فنكتفي بالرقة . والرقة رحمة . قال العلامة المجد الفيروز أبادي في بصائر ذوي التمييز في لطائف كتاب العزيز وقد تأتي الرحمة بمعنى الرقة مجردة عن الإحسان (لان الرحمة مركبة من الرقة والإحسان)فقد تأتي الرحمة فقط بمعنى الرقة وهذا كثير ,فقد تفصلك المسافات مكانا او زمانا عن امرئ مفجوع في ولده أو مصاب ببليّة تشعر إزاءه بالرقة فتقول لقد رحمته حتى بكيت لأجله على انك لم تقدم له أي شيء لم ترفع عنه وجعه لكنك رحمته برقة قلبك له هذه الرقة في حد ذاتها رحمة .كما تطلق الرحمة على الإحسان والإفضال المجردة عن الرّقة ,إذا وصف الله تبارك وتعالى وجل مجده وتباركت أياديه وآلاؤه بالرحمة فهي الرحمة التي تعني الإحسان والإفضال والإنعام مجردة عن الرقة فالله لا تعتريه رقّة وحاشاه ذلك .يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزّالي رضوان الله تعالى عليه :ما من مرحوم إلاّ وهو محتاج والمحتاج لا يسمى رحيما والذي يقدر أن يسد الخلة ويقضي الحاجة ولا يفعل لا يسمى رحيما وإذا كان مريدا لرفعها ولكن لا يقدر قد يسمى رحيما لأن الرقة بمجرّدها رحمة غير أنّ الرحيم العاجز عن رفع الألم وقضاء الحاجة هو ناقص الرحمة فرحمته غير تامّة.أما المولى لا اله إلاّ هو رحمته تامة وعامّة .يريد الله تبارك وتعالى يريد إرادة تفضّل منه أن يرفع حاجاتنا وما منّا إلاّ وهو محتاج فكلّنا في جميع شؤوننا ومن جميع الوجوه محتاجون مفتقرون إلى رحمته إيجادا وإعدادا وإمدادا وإرفادا “يا أيّها النّاس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنيّ الحكيم .فالله سبحانه وتعالى يريد أن يسد حجاتنا ويفعل :يسأله من في السّماوات والأرض كل يوم هو في شأن ” فرحمته إذن تامّة وتعن إرادته الخير وسدّ حاجات المحتاجين عناية بهم وتفضّلا منه وأمّ أنّ رحمته عامّة فلأنها تشمل الدنيا والآخرة وتعم المؤمن والكافر كما أنها تغطّي الضّرورات و الحاجات وما زاد عليها فالله سبحانه وتعالى لو شاء لجعلنا نكتفي بالقمح والماء ولن نهلك بذلك فالرّسول صلى الله عليه وسلم كان اغلب طعامه كان التمر والماء وأمنا عائشة رضوان الله عليها كانت دائمة الصّوم تسرد الصّيام فقد قال لها النبي “يا عائشة أديمي قرع أبواب الجنة بكثرة الصّيام “لمّا وضع لها مرة طعام الإفطار تناولت شيئا منه ثمّ بكت .قيل لها ما يبكيك؟قالت والله ما أكلت وشئت أن ابكي إلا بكيت قيل لها لماذا يا أم المؤمنين ؟فقالت : أتذكّر رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز القمح أو الشعير مرة في يوم أو مرتين لكنه زهد الاختيار وليس زهد الاضطرار لقد كانت الدّنيا كلها تحت أقدامه لكنه كما قال :”ثمّ لا تجدونني بخيلا ولا لئيما ” صلى اللّه عليه واله وأصحابه وسلم . إذن فالرحمة العامة تعمّ الدنيا والآخرة تعم المستحق وغير المستحق تعم الضرورات والحاجات والمزايا الخارجة عنها. “يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن” إن الخلق كله من عرشه إلى فرشه من أعظم المخلوقات إلى اقلها وأصغرها وأدناها يحتاج إلى رحمة الله سبحانه وتعالى لتخرجه من ظلمة العدم إلى أنوار الوجود لان كل ما عدى الله سبحانه وتعالى كما يقول علماء الكلام هو من قسم الممكن ومعنى الممكن الذي يستوي في نسبته إلى الوجود والعدم ككفتي ميزان من غير أيّ عامل خارجي.فإن رأينا كفة رجحت وشالت الأخرى نعلم أنّ التي رجحت لابد أن يكون هناك شئ أثقلها ولو هبة هواء أو ذرة غبار أو حبة خردل. كانت الأشاء كلها من عرشها إلى فرشها في رحم العدم فمن الذي أخرجها إلى نور الوجود انه الله لا اله إلا هو برحمته لذلك “الرحمن علّم القران خلق الإنسان …الشّمس والقمر بحسبان والأرض…”كل هذا خرج بالرّحمة فهذه المخلوقات محتاجة إلى الله إحداثا وإيجادا ثم هي محتاجة إليه إعدادا”يا أيها الإنسان ما غرق بربّك الكريم الذي خلقك ” أوجدك من اللاشيء أوجدك من اللّيس وهو العدم وأخرجك إلى الأيس كما يقول الفلاسفة وهو الوجود .ما لذي غرك بربك الكريم؟ قال سيدنا عمر”غره والله جهله” “الذي خلقك فسوّاك فعدلك في أيّ صورة ما شاء ركّبك” هذه التسوية والتعديل والتصوير الكريم البديع البالغ البداعة هو من قسم نعمة رحمة الإعداد.ثم تسوى كائنا سويا منتصب القامة تمشي على رجليك ومن الخلائق من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على أربع والله يخلق ما يشاء, وعزة جلال الله في قدسه وفي علاه أنت ما تخرج نفسا و لا تأخذ نفسا إلا بمدد من الله فأنت محتاج إليه في كل نفس تزفره وفي كل هواء تشهقه أنت ما تحرك إصبعا ولا تخطو خطوة إلا بمدده وقد شبه العارفون بالله حال الكون من عرشه إلى فرشه بحال قصر يراه أعرابي ينحدر من القرن الأول الهجري جاهل بالكهرباء ورأى قصرا في الصحراء يسبح في الأنوار فحسبه ملكا عظيما من أملاك الله تبارك وتعالى فلما اقترب منه رأى أنه بنيّة وانه معمار مضيء من كل جوانبه فظلّ يقترب منه مدهوشا فاغر الفم في هذه اللحظة بالذات لو شاء صاحب هذا القصر أن يجعل هذا القصر يسبح في الظّلام لكفاه الضّغط على زرّ واحد بحركة يسيرة في جزء يسير جدا من الثّانية فيعدم هذا القصر أمام بصر الأعرابي فيرى الوجود كله قد غرق في العدم فلو انقطع عنه مدد الرحمان لا اله إلا هو أقل من طرفة عين يغر ق في العدم .لذلك من أسمائه “الحيّ القيّوم لا تأخذه سنة ولا نوم” والقيّوم هو القائم بذاته لا يحتاج إلى من يقيمه ولكن به يقوم كل شيء من عرشه إلى فرشه:فهو قائم بذاته يقوم به كل شيء. وكما قال روح الله عيسى “نحن في دار البلايا والمحنة نحن مستهدفون بالأمراض والأسقام والبلايا والمفاجآت والمصائب والتباريح والعداوات والخصومات والذلّ والجهل والنسيان والشيخوخة والهرم وفقد طاقاتنا ومزايانا وكل يوم يعيشه الإنسان يهرم ويقترب من أخرته وأجله وينقص منه ,رقّاه الله ودرّجه في مراتب الحياة من العدم إلى الوجود فجعله كائنا حيّا ضعيفا ثم آتاه قوة وشبابا ثم بعد ذلك داخله الوهن والضّعف وبدأ يتهدّم ويتنكس :”ومن نعمّره ننكّسه في الخلق” ,بعد الأربعين يبدأ الإنسان في التنكس وتبدأ كل طاقاته ومزاياه في التنكس والتّراجع تدريجيا لذلك يحتاج الإنسان في كل لحظة إلى المدد من الله ولو انقطع مدد الله عن ذاكرة الإنسان لحظة واحدة يعود لا يذكر شيئا ومن الناس من ينسى كل شيء يضلّ حتى عن اسمه وأهله وداره لانقطاع المدد الإلهي ومن النّاس من يفقد بصره في لحظة ,بعضهم بات ليلته سالما وأصبح أعمى وبعضهم في لحظة غضب ذهب يستلقي مألوما ينشد الرّاحة فلما استفاق عجز عن الحركة لإصابته بالشّلل ,كثيرون يعرضون إلى هذه الحالة لانقطاع المدد الإلهيّ لذلك: يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ” علينا إذن أن نفكّر مليّا وننظر في أنفسنا وفي عجيب قدرته وقد شاء أن يخلقنا بهذه الصورة وعلى هذه الشاكلة وبهذه الإمكانيّات سبحانه لا اله إلاّ هو يمنّ على عباده فيعطي هذا موهبة الشّعر فينظم شعرا عجيبا على البديهة .وكما قال الأستاذ عباس العقاد رحمة الله عليه : والشّعر من نفس الرّحمن مقتبس والشّاعر الفذّّ بين النّاس رحمان
إذن : الله سبحانه وتعالى يرحم بالإحسان والأفضال والإنعام دونما رقّة لانّ الرّقة لا تناسب جلاله أما الإنسان فان رحمته من الرّقة وهو أن لم يرق فمن الصّعب ان يرحم لذلك فإن القساة الغلاظ ليسوا رحماء ولا يعطون شيئا إلاّ لينالوا أكثر منه .وقد يسأل سائل :ألا يعتبر من النّقص خلوّ رحمة الله من الرّقّة؟ على العكس إنّ خلو رحمته الله من الرّقة سبب كمالها ذلك أنّ كمال الرّحمة بثمرتها . فإذا سدّت حاجة المحتاج ورفعت ضرّاؤه وزاوله وجعه وهمه وحزنه برحمة الله تبارك وتعالى هل يبقى له غرض في أن يرقّ من رحمه؟ طبعا لا .أمّا العكس فصحيح ,فالإنسان لو خيّر بين أن يرق له دون أن يفضل عليه ودون أن يرفع حاجته وبين من يرفع حاجته دون أن يرقّ عليه لاختار الثّانية على الأول ولذلك الكمال في رحمة الله أن لا رقة معها فهي محض إحسان . ومن وجه آخر مثل ما أقرّ أكثر فلاسفة التنوير خاصّة منهم الانجليز فإنّ الإنسان حين يرقّ قد يغدق العطاء ويحسن رحمة بنفسه لأنه بذلك الإحسان يسكّن الم نفسه والرّقة التي أتعبت قلبه لكن الله تبارك وتعالى هو الذي يقضي القضاء وينزل البلاء ويحدث الشّفاء ويخلق الدواء ولو قد شاء لم يفعل شيئا من هذا لا إله إلاّ هو . وهو القادر إذا ابتلى وإذا حكم وإذا قدّر أن يعوّض ويخلف ويغني ويقني ويشفي أما الإنسان المسكين فهو عاجز, يرى المُبتلى ولا يستطيع أن يحدث له شيئا ولا أن يعوضه في مصابه خيرا منه .نحن الفقراء وهو الغني لا إله إلاّ هو ورحمته تحالفت مع غناه لذلك ” وربّك الغنيّ ذو الرّحمة ” فما هي حقيقة الصلة بين الغنى والرّحمة؟ وجواب هذا السّؤال يكون إن شاء الله في الحلقة القادمة.
1/ سؤال : كيف يمكن لنا نشر الرسالة المحمّديّة؟ الجواب: قبل التفكير في نشر الرسالة علينا أن نكون رساليّين ونثبت على أنّنا جديرون بهذه الرسالة لذلك فاقد الشيء لا يعطيه والمظلم لا يضيء والجاهل لا يعلّم والفقير عاجز عن العطاء والجاف لا يجود بقطرة.علينا ان نغتني أوّلا برحمة الله تبارك وتعالى وعلينا التأسي برسولنا وأن نكون محمّديّين وحين نقطع هذه الخطوة سنكون لا محالة دعاة إلى الله تبارك وتعالى دون أن ننطق نكون دعاة ونحن صامتون فمجرد سلوكنا وهدينا سيكون اكبر دعوة لله تبارك وتعالى ومسلموا ماليزيا واندونيسيا الذين يمثلون أعظم المسلمين عددا على وجه البسيطة, دخلهم الإسلام عبر التجار المسلمين وليس بالسيف والمعارك فقط لما رأوه من دماثة الخلاق وصدق ونزاهة هؤلاء التجار المسلمين .” كارلشيك” هي قرية في أندونيسيا اسمها في الأصل قرية الشيخ . وهذا الشيخ لا يعلم إلاّ الله اسمه فضلا على أن يعلم الناس أصله ونسبه ,هو أول من بثّ نور الإسلام إلى تلكم الجزر الاندونيسية وكان تاجرا اهتدى على يده أوائل مسلمي اندونيسيا وبنوا له ضريحا وسمّوا المدينة باسمه .
2/ سؤال ما السّبب في فقر النفس وغناها وكيف يكون المؤمن غني النفس؟ الجواب:باختصار ,في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنهم تعالى وأرضاهم أجمعين قال صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه وسلّم “ليس الغنى عن كثرة العرض (أشياء الدّنيا) ولكن الغنى غنى النّفس ” فإذا اغتنت النفس كانت غنيّة .فكيف يمكن للنفس أن تكون غنية ؟ إنّ النّفس لن تغتني وإن أوتيت كل ملايين الدّنيا ما لم تغتن بالله بل ستعيش وتموت فقير النّفس .فالغنى لا يكون إلاّ بالله .في حديث عبد الله بن مسعود الجليل الذي أخرجه الإمام احمد في مسنده يقول صلى الله عليه واله وأصحابه وسلّم ” ما من عبد يقول اللهمّ فاطر السّماوات والأرض ذا الجلال والإكرام عالم الغيب والشهادة إنّي أعهد إليك في هذه الدّنيا وفي هذه الحياة عهدا أنّي أشهد لا إله إلاّ أنت وأنّ محمّدا عبدك ورسولك وانّك إن تكلني إلى نفسي تقرّبني من الشّرّ وتباعدني من الخير وإنّي لا أثق إلاّ برحمتك فاجعله عهدا توفّينيه يوم القيامة ,إلاّ قال الله لعباده يوم القيامة “يا ملائكتي إنّ عبدي فلانا عهد إليّ عهدا وأنا أحقّ من وفّى بالعهد أوفوا لعبدي بعهده”.فالغنى الحقيقي أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما هو في يدك وهذا هو الغنى الحقيقي. ومن كان غنيّ النّفس يكون أسخى الناس يدا يعطي ولا يخشى الفقر .
3/ سؤال : ما علاقة التواضع وعدم الكبر بالرّحمة؟ الجواب : إن الفلسفة الإسلامية هي المؤهّلة للإجابة عن مثل هذا السّؤال:هل ثمّة علاقة بين التّواضع والرّحمة وبين الكبر وبين الرّحمة ؟ لا شكّ في ذلك ,قال الله تبارك وتعالى “فبم رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر” إنّ أكمل خلق الله عقلا ولبّا يأمره الله بأن يشاورهم في الأمر وهو عين التّواضع وهذا من أثر “فبم رحمة من الله” فلا رحيم إلاّ وهو متواضع ولا مستكبرا متعجرفا مزهوّا إلا وهو خال من الرّحمة لانّ المستكبر المتشامخ المتعالي بنفسه هو لا شكّ فقير النّفس هاجسه دائما ان يبدو الأعلى مكانة والأرفع مرتبة وهو في الحقيقة مسكين يحتاج إلى عوننا ورحمتنا لأنه فقير إلى الشعور بالذّات ليس غنيّا في ذاته يشعر أنه أصغر من النّاس لذلك يعوّض هذا الشعور بالنّقص بالتّشامخ على النّاس ماللتّراب والتّشامخ؟ يا ابن التراب ومأكول التّراب غدا أقصر فإنّك مأكول ومشـــــــروب ربّ لحد قد صار لــــحدا مــــــــــــرارا ضاحكا من تزاحم الأضداد والإمام عليّ عليه السلام أوتي مرة في الصّف بقد ماء ليشرب ,فلمّا أدناه من فيه الشّريف بكى ووضعه و قال كم فيك من طرف كحيل وخد أسيل , مات أكله الدود أضحى ترابا ثم جاء الخزاف ومنه صنع الإناء والآن نشرب فيه . الحمد لله رب العالمين على ما قدم وتعطى وأولى
والسلام عليكم ولرحمة الله وبركاته
أضف تعليق