بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط أمين اللهم آمين الحمد لله ربّ العالمين , والصلاة والسلام على أشرف خلائق الله أجمعين سيدنا محمد بن عبد الله النبي الأمين وعلى اله الطيبين الطّاهرين وصحابته الميامين المباركين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين إخواني وأخواتي حياكم الله جميعا وبيّاكم وجعل الجنة مستقركم ومأواكم أخرج الإمامان البخاري ومسلم رضي الله عنهما من حديث الفاروق رضي الله عنه قال “قْدم بسبيِ على رسول الله صلى الله عليه و آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا فإذا امرأة في السبي تسعى قد تحلّب ثديها إذ وجدت طفلا فأخذته فألصقته صدرها فألقمته ثديها فجعلت ترضعه فقال الرسول صلى الله عليه واله وأصحابه وسلّم :”أترون هذه المرأة قاذفة طفلها هذا في النار(وعند أبي داوود وهي قادرة على ألاّ تفعل) ؟ فقالوا : كلا يا رسول الله,استحالة أن تقذف ابنها وقد رأينا مبلغا من حنوها وشفقتها فقد هبت كالولهى تبحث بحثا عن ابنها .فقال صلى الله عليه وسلم :لله أرحم من هذه بولدها ” إنّ نبينا صلى الله عليه وسلم خير معلم فهو يتوسل بالمثل. لم يكن هذا الحدث مشدا تمثيليا بل هو مشهد واقعي اهتبله وأراد استغلاله لشىء عظيم ونبيل يتعلق برحمة الرحمان أما إذا لم يجد مشهدا واقعيا فقد كان النبي يستدعيه لذلك في الحديث المشهور يتذكر الصحابي الجليل رسول الله يمسح الدم عن وجهه يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه حتى أسالوا دمه ويقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .كان النبي يمثل هذه الحادثة وغيرها للتأثير فيمن حوله ولم يكن نهجه في الإرشاد إلقاء الخطب والمواعظ بل كان أحيانا يستخدم الأسلوب التصويري كأن يخطّ في الأرض. إخواني وأخواتي كنا قد سلخنا إلى الان14 حلقة في الحديث عن رحمة الرحيم وان تمادين على هذا النحو لأتينا على 30حلقة ولم نفرغ من الحديث عن رحمة واحدة من رحمات الله . لذلك استخرت الله تبارك وتعالى وشرح صدري لان أُجمل القول في سائر ما بقى من مجال رحمة الله لنفضي إلى الكلام في رحمة رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .و عنوان حلقة اليوم “محيط الرّحمات ” . لماذا من المهمّ على المسلمين والمسلمات الاطلاع على هذه التفاصيل القرآنية لماذا من المهم معرفة مجال رحمة الله ؟ من بين الفوائد الجليلة هي إجابة الدّعاء .لكي تدعو بدعاء يكون ارجي بالتربية والقبول عليك أن تعرف بأي اسم تخاطب بها الله سبحانه وتعالى “وله الأسماء الحسنى فادعوه بها ” لذلك من المهم معرفة مواضع الرحمة و مجاريها وتمظهراتها حتى نستخدم اسم الرحمان الرحيم في مواضع بأعيانها .معظم أولياء الله عز وجل يتحدثون عن تجاربهم هم وخبراته الحية التّقوائية الإيمانية وعما أكرم به ويربي تلاميذه بهذه الطريقة على خلاف علماء الورق الذين يفتقرون إلى أمثال هذه التجارب والعطايا والفيوضات فهم يكتفون بنقل ما وجدوه مكتوبا في الأوراق علمهم أشبه بالعلم الساكن الجامد يقرأه الفاسق كما يقرأه التقيّ بخلاف ولي الله الصالح التقي فهو ان حدثك إنما يحدثك عن خبرة وتجربة قد تعرض إليك ذات يوم . ومن هؤلاء الأولياء الصالحين رجل رزقه الله ببنيّات وكان كلما رزق ببنية يحمد الله ويفرح فرحا شديدا كأنما رزق ولدا ذكرا وهو مؤمن بأن كل ما كان من الله فهو خير إلى أن رزق البنية الخامسة وفرح بها جدا وبعد سنة دون أي عارض أسبلت جفونها وازرقّ لونها ثمّ اسودّ وبدأت في النّزع فأدرك أنها توشك على الهلاك وان لا وقت لانتظار الإسعاف الذي نادت به زوجته فهوى ساجدا لله ثم نهض مطمئنّا وعندها آذن باستدعاء الإسعاف وهو موقن أنّ ابنته ستنجو سواء انجدها الإسعاف أو لم ينجدها فتعجبت زوجته وسألته عن سر يقينه عندها اخبرها أنّ الله سبحانه قد ألهمه دون تقدير منه أن يخرّ ساجدا وينادي “يا أكرم الأكرمين ” لم يقل يا ارحم الراحمين ولا يا لطيف بل قال “يا أكرم الأكرمين أنت أكرمتني بهذه البنية وكانت خامسة بنياتي .لم اسخط هذه النعمة .وأنت أكرمتني بهذه البنية والكريم لا يعود في هبته فلا تنزعها مني يا أكرم الأكرمين ولا تفجعني في بنيّتي “بعد ذلك آخذها الإسعاف إلى أحسن مشفى في بلد اوروبيّ وبقيت 5أيّام وحرارتها لا تنزل عن الأربعين الى يئس الأطباء من حالها فقد اجروا لها كل الفحوص ولم يعرفوا لعلتها سببا وما استطاعوا السيطرة على حرارتها فنصحوا والدها بأن يعود بها الى البيت وقد كان هو الأخر يرغب في ذلك فقال لزوجته اليوم ان شاء الله تعود اليها عافيتها” وكان حينها صائما ثم أفطر على الماء ودعا الله سبحانه وتعالى وبعدها قرأ على الماء وقال لزوجته أدفئيه على النار ثم غسّليها به ففعلت وما انقضت 10 دقائق حتى هرعت إليه زوجته تخبره بانخفاض حرارتها إلى 36درجة فحمد الله وتنازلت حرارة البنت إلى 35د فهبوا إليها يدفّؤونها لقد تماثلت إلى الشفاء بعد 5 أيام من عجز الطّب . فمن المهمّ جدا إخواني وأخواتي أن نعرف كيف ندعو الله تبارك وتعالى في الموضع المناسب بالاسم المناسب فاسماؤه هي مفاتح خزائنه لا اله إلاّ هو . من مجاري رحمة الله سبحانه وتعالى ليس حفظ الوجود كل الوجود بالرّحمانية فحسب بل حفظ مفردات الوجود فالله يحفظ كلاّ ويدبّره حسب الحاجة . والله سبحانه وتعالى يقول :” قل من يكلأكم باللّيل والنّهار من الرحمان بل هم عن ذكر ربهم معرضون ” أي من يحميكم من الرّحمان ويصونكم من عذابه وبأسه .لا أحد إلا هو القادر على دفع بأسه وقدره لذلك يُرغَب إليه في ردّ القضاء ولا يردّ القضاء إلاّ بالدّعاء”يمحو الله ما يشاء ويثبت” لكن معنى الآية أن الكافر والمؤمن سواء يعيشان لياهما ونهارهما في رحمة الله تبارك وتعالى فلولا رحمة الهل لهلك الكفّار “وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون إلاّ رحمة منا ومتاعا إلى حين ” لماذا لا يغرق الله هؤلاء المشركين وهم في الفلك ولو شاء لفعل ؟ لكنه يمهلهم ويمده برحمة منه . وكما قال أبو عبد الله القرطبي :الصحيح ان الآية عامة المتاع للمؤمن والكافر وبعضهم قال الرحمة للمؤمن والمتاع للمؤمن والكافر والصحيح الأظهر ما ذهب إليه القرطبي أنّ الرحمة والمتاع للمؤمن والكافر. قال الله تبارك وتعالى” وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربّك أن يبلغا أشدّهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك” فحفظ الأموال لليتامى والضّعاف وحفظ الأب الصالح في أولاده من بعد ما تولّى ومات , من مظاهر رحمة الله لا اله الاّ هو ولذلك”وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّة ضعافا خافوا عليهم فليتّقوا الله وليقولوا قولا سديدا ” من أراد أن يكرمه الله في أبنائه وبناته وألاّ يضيّعهم فعليه أن يتقي الله تبارك وتعالى . فالله سيتغمده برحمته وسيرعاه في أولاده برحمة منه .وقد يقال هل تلحق الرّحمة بدار البرزخ ؟ نعم وتلحقه أيضا يوم القيامة ,والجنة كلها رحمة “اللهم أدخلنا في رحمتك واجعلنا من عبادك المرضيّين ” وفيما يحك عن عمر بن عبد العزيز الراشد الخامس رضوان الله تعالى عليه أنه لما مات ترك 14 ذكرا و 3بنيّات . أصاب كل ذكر من ميراثه وهو الذي كان خليفة وأميرا للمؤمنين 19 درهما .إي انه لم يترك عند وفاته الا بضع دريْهمات . تولى الخلافة بعده يزيد ثم هشام بن عبد الملك وحين مات هذا الأخير ترك 10 من الأبناء وحظي كل واحد منهم بمليون درهما فضّيا أو مليون دينارا ذهبيّا .يقول الراوي : فوالله لقد رأيت احد أبناء عمر بن عبد العزيز بعد حين يحمل في يوم واحد على مائة فرس للجهاد في سبيل الله” أي يجهز مائة فرس بجهازها الكامل من ماله الخاصّ للذهاب إلى الجهاد فقد أصبح ثريا وهو الذي كان ميراثه من ابيه بضع دريْهمات . إنّ الله هو الذي يغني ويقني . و يقول الراوي :”ولقد رأيت احد ابناء هشام بن عبد الملك يتكفّف ” يطلب صدقة وهو الذي ورث من أبيه مليونا .فالمسألة لا تقدر بالثروة بل تقدر بالتقوى وبرحمة الله .لما أراد إخوة يوسف عليه السلام اصطحاب بنيامين استجابة لأمر يوسف عليه السلام حتى يوفي لهم الكيل قال لهم يعقوب عليه السلام “هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم علي أخيه من قبل ” لكن لم يجد من االقبول بدّا حتى يتمكنوا من جلب المؤونة لبلاد فلسطين فأردف “فالله خير حافظا وهو أرحم الرّاحمين ” .والذي اضطرّ لمفارقة أهله وخشي على أبنائه وبناته قيل له “اتق الله وكن رحيما ترحم” والنبيّ يقول :” ارحما ترحما” فإذا شاء رحمتك حفظ لك أولادك .ذو القرنين الملك الموحّد العابد( وليس هو بأيّ حال من الأحوال اسكندر المقدوني) لما فرغ من بناء السّدّ ليحول بين يأجوج ومأجوج وبين أهل القوم البدائيين قال :” هذا رحمة من ربّي فإذا جاء وعد ربي جعله دكّاء وكان وعد ربي حقا ” مالذي يقصد باسم الإشارة هذا؟ قد يكون إشارة لما انعم الله عليه من وسائل حتى قدر على بناء السد وإنقاذ القوم أو قد يكون قصد السّدّ ذاته كونه رحمة من رحمات الله يحميهم من بطش يأجوج ومأجوج . أولم يروا إلى الطّير فوقهم صافات ما يقبضهنّ إلاّ الرّحمان إنّه بكلّ شيء بصير” فهذه الطير قد تصف أجنحتها في السماء ولا تخفق بها ولا تسقط فمن الذي يمسكها عن السقوط؟ انه الله برحمته يمسكها ألاّ تقع رئة الكون التي بها يتفّس هي رحمة الله . ومن مظاهر رحمة الله أيضا توشيج العلاقات بين البشر عبر الزواج وما ينتج عنه من علاقات تقارب ومصاهرة “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون ” وبعد ذلك يأتي الولد وقدومه من رحمة الله تبارك وتعالى :”ذكر رحمة ربك عبده زكرياء ” يعني هذا من رحمة ربك. وأنا أشبه الأولاد كأنما هي ضمّة الله لنا.فالأب إذا أراد التعبير عن حبه لابنه ضمه إليه وطبع على جبينه قبلة أما الله سبحانه وتعالى وله المثل الأعلى فإنّ تعبيره عن حبه لنا ابلغ بكثير وأعمق من تعبيرنا فهو لا اله إلاّ هو يرزقك ولدا فينمو بهذا الرّزق في قلبك معنى الرّحمة الذي يستحيل أن تجد له أثرا إلاّ بالتجربة وفي رأس هذه المعاني الأمومة فلا تعرف المرأة شعور الأمومة إلاّ إذا صارت أمّا كذلك الشعور بالأبوة لا يتحقق للرجل إلاّ إذا أضحى أبا فتنمو فيه بذور الوالديّة وهي بذور الرّحمة . و لفظة الرّحم حيث ينمو الجنين مشتقة من الرّحمة وفي الحديث الصّحيح” أنا الرّحمان الرّحيم خلقت الرّحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ” وقال تعالى :” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وبث منها رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ” فكيف نتقي الأرحام؟ أي اتقوا الله أن تضيّعوا حقوق الأرحام لكن للمبالغة صيغت على هذا النحو وتقوى الأرحام تكون من جهة الأب ومن جهة إلام وخاصة الإناث لأنهنّ الأضعف والوصية بهنّ متأكدة .وعلى قراءة حمزة وردت الأرحام في محل جرّ ومعنى ذلك : الذين تساءلون به وتساءلون بالأرحامِ :أي يسألون بالله وبالرّحم والعرب في الجاهلية كانوا يقولون “سألتك بالله وبالرّحم “لعظم حق الرّحم وخطر موقعها . فللآية معنيان وكلاهما صحيح .وقد ذكر الرحم في مواطن غير قليلة من القرآن الكريم . “وقل ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيرا” ومعنى الآية أنّي أتضرّع إليك وأبتهل إليك أن تمنّ برحمتك الواسعة على والديّ كما ربّياني بالرّحمة صغيرا وهذا هو وجه التّشبيه الغائر لأنهما ما صبرا على تربيتي خاصة الأمّ لذلك ثلّث حقّها لأنها ما صبرت على تربيتك إلاّ بالرحمة التي أودعها الله في صدرها وقلبها.وقد اكتشفت اثر ولادة أوّل بنيّاتي أن الرّجل عموما أنانيّ والأم أكثر عطاء وحنانا فهي دائما إلى جانب وليدها لا تكاد تتركه تضمه إليها اذا بكى ولا تنزعج منه مهما صرخ أماّ الأب فسرعان ما يمل بكاءه وعويله . فالمرأة لا بد ان تلقى حقها في بلاد العرب و المسلمين هي كائن نديّ وكريم ونبيل مظلومة في ثقافتنا وثقافة العالم بأسره وهي ثقافة ذكوريّة ترفع من شأن الرّجال على حساب النساء. أما إذا بدا الطّفل يمأمئ ويبأبئ ” ماما بابا ” عندها يبدأ الأب يحبه لأنه لفظ اسمه فهو لم يقبل عليه إلاّ بمقابل وهذا مظهر من مظاهر الأنانية على انك لا تحبه عشر معشار حب الأمّ له إنها المّ دون منازع . وفي الآية معنى خفيّ فرحمته لهما وبهما لا تكون إلا بك .فالسبيل الأقصر والأنجع لحمته بهما تكون بك فإذا لم يرحما بك بمن يرحمان فإذا لم يرحما بك إنك إذن من أشقى الأشقياء فلا خير فيك إذا نزعت الرّحمة من قلبك إزاء والديك ولا طمعيّة لك في رحمة الله بك إن بقيت على هذا الجحود . “حتى إذا بلغ أشّدّه وبلغ أربعين سنة قال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه ” سئل الرّسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم :” يا رسول الله هل بقي شيء عليّ من برّ واديّ بعدما تولّيا” أي بعد وفاتهما. فقال له :”نعم من برّ الرّجل بوالديه بعدما تولّيا أن يصلا أهل ودّ أبيه وأمّه ” أي أصدقائهما والرسول كان يفعل هذا في حق خديجة أم المؤمنين كان يصل صديقاتها وإذا ذبح ذبيحة يرسل إليهن نصيبا منها وإذا أقبلت عليه أختها يفرح جدا بها ويقول “اللهمّ هذه أخت خديجة” . ولو لم يودع الله الرحمة في قلب إلام لفنيت البشرية لان عناية إلام بوليدها نتيجة الرحمة التي قذفها الله في قلبها . قبل المرور الى سؤال جديد أود الالتفات إلى سؤال لم نوله حق الإجابة فيما مضى من الحصص والمتعلّق بالأطفال المشوّهين . الجواب: لا بد في هذا السياق من الإشارة إلى نظرية التعويض فالله سبحانه وتعالى إذا سلب عبدا من عباده شيئا عادة يعطيه لغيره من سائر الخلق فإنّه لا محالة يعوّضه عنه في الدنيا والآخرة .فالأعمى في كثير من الأحيان تجد لديه ذاكرة قوية وأحيانا ذكاء استثنائيّا ولذلك قال بشّار بن برد وهو ضرير عميت جنينا والذّكاء من العمى فجئت عجيب الظن للعلم موئلا وغاب ضياء العين للعلم رافدا بقلب إذا ما ضيع الناس حصّل من كان أشل اليد اليسرى تكون يمناه قوية جدا.وتمام التعويض ونهايته يكون في الدار الآخرة وبلا شك يعوض عن هذا بتخفيف حسابه برفعة درجاته فالله اعدل العادلين لا اله إلاّ هو . والمعنى الثاني وليد اجتهادي الشخصي واسأل الله أن أصيب به : فالأعمى أو الأكمه أو الأصم لو عاش في مجتمع لم يشعره بنقصه لما تحسر على نفسه ولما شعر بالنقص .فللمسألة بعد ثقافي واعتقد إن أبا العلاء المعري لو عاش في مجتمع مثل المجتمعات الغربية الحديثة الذين يعطون الأولوية المطلقة للعاجزين والضعفاء والمعوقين لما غامت نفسه ولما تشاءم مزاجه ولما قسا على الناس ولما اشتد على القدر وعلى الناس لكنه عاش في مجتمع قاس فحين عثر به الشريف الرضيّ قال :” من هذا الكلب؟” وهو العبقري من عباقرة هذه الأمة . ونحن جميعا ننتقص إلى أشياء كثيرة كان يمكن أن تكملنا .كلّنا عميقٌ فيما تحت الأحمر وفيما فوق البنفسجي وأطياف الضوء التي يمكن أن نتعاطى معها طويلة جدا فطول الطيف الكامل لو شبهنا الطيف الذي يبصر الإنسان في حدوده وقلنا انه يغطي مساحة متر ونصف المتر فباقي هذا الطيف من جهة ما تحت الأحمر و من جهة ما فوق البنفسجي طوله 150 مليون كلم فنحن إذن تقريبا عمي لا نكاد نرى شيئا والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم”فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ” نحن عمي لا نبصر إلا في حدود ضوئي لا يتجاوز المتر ونصف المتر ولا نرى موجودات تقع في حدود طيف مغيّب عنك في حدود 150 مليون كلم وبعض الحيوانات والطيور والحشرات قادرة على رؤية أشياء يعجز الإنسان عن رؤيتها . يستقبل دماغ الإنسان في كل ثانية 400 مليار معلومة عبر وسائل الحسّ ويتعاطى مع 2000 معلومة من بين هذه المليارات من المعلومات ففي كل ثانية يعالج فقط 2000 معلومة وبقية المعلومات لا تعالج . ولو حاولنا بطريقة ما تطويع الدماغ على معالجة كل هذه المعلومات فإننا سنرى العالم بطريقة مختلفة وعجيبة .بعض الصحابة سمعوا أصوات الملائكة وبعضهم رآها ومن أمهات المؤمنين من رأين الملائكة دون ان تتمثل في شكل قابل للرؤيا . سألت عائشة مرة الرسول صلى الله عليه وسلم قالت”يا رسول الله من هذا الرجل الذي كنت تحادثه ؟ قال :” أوَ رايتيه ؟ ” قالت “بلى” قال “إنّه أخي جبريل ” رأته لأنها كانت في لحظة شفافية وصفاء . لذلك علينا ان نبتعد عن مرضى القلوب والقساة فأنت قادر على رؤية أشياء كثيرة بفضل الله بمعالجة خاصة للنفس والروح حتى ترتقي إلى هذا المصاف وعمران بن حصيف كان يسمع تسليم الملائكة عليه من زوايا بيته يقول حتى اكتويت فامتنعت عن التسليم فلما انقطعت عن الاكتواء عادت إلى التسليم . والإمام جلال الدين السيوطي (له 900 كتاب) لديه رسالة عجب اسمها ” تنوير الحلك في رؤية النبي جهارا والملك “يثبت فيها إمكانية رؤية الملائكة والنبي لبعض الصالحين حين يشاء الله وقد ذهب الإمام إلى القول بان من رأى الملائكة لا يمكن أن يسمع صوتهم في نفس الوقت ومن سمع صوتهم لا يراهم دفعا لشبهة الوحي .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحرير نصي أ:نادية غرس الله / تونس
أضف تعليق