بسم الله الرّحمن الرّحيم 1. وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا 2. يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا 3. وَقَدِمْنَا
إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا 4. أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا 5. وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلا 6. الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا 7. وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا 8. يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا 9. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا 10. وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا 11. وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا صدق الله العظيم وبلّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشّاهدين .اللهمّ اجعلنا من شهداء الحقّ القائمين بالقسط آمين اللهمّ آمين,الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على أشرف المرسلين سيدنا محمد بن عبدا لله النبيّ الأمين وعلى آله الطّيّبين وصحابته الميامين وأتباع بإحسان إلى يوم الدّين. إخواني وأخواتي ,اخرج الإمامان البخاري ومسلم من حديث عطاء بن يسار رحمهم الله تعالى عن الصّاحبين الجليلين أبي سعيد الخضريّ وأبي هريرة رضي الله عنهما أنّهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول :” ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتّى الهمّ يهمّه إلا كفّر الله به من سيّآته ” (الوصب هو المرض وأوجاعه,النصب هو التعب والمشقة) وهذا من رحمة الله أن يكفّر الله عنا من همومنا بهذه الأحزان والأوجاع حتى لا تتراكم علينا وتهلكنا في آخرتنا والجزاء الحسن يكون للمحسنين وهم الذين أحسنوا التّديّن أمّا الذين لم يحسنوا التديّن فأمرهم على خطر. وفي حديث الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أمّ السّائب( أو على أمّ المسيّب) وكانت محمومة فقال صلّى الله عليه وسلّم :”مالك تزفزفين” والزّفيف هو الحركة السّريعة كأنّ أنفاسها متلاحقة.فقالت :”الحمّى يا رسول الله لا بارك الله فيها” فقال “لا تدع على الحمّى فإنّ الله تبارك وتعالى يذهب بالحمّى ذنوب العبد كما تذهب الكير خبث الحديد” فالله عزّ وجلّ يجلو عبده بهذه الحمّى لكن الكافر لا يكفّر عنه شيء لأنه لا يرجو رحمة الله ولا يقصد وجه الله بشيء أمّا المؤمن فيكفّر الله بمرضه سيّئاته وهذا من رحمة الله الواسعة. مازلنا إذن مع تجلّي الله بالرّحمانيّة في يوم الحساب ونحن هنا لا نتحدّث عن يوم القيامة بل عن يوم الحساب وهما مختلفان فيوم القيامة هو يوم انتهاء الكون وحشر النّاس للحساب فيوم القيامة تمهيد ليوم الحساب . والفزع الذي يأمن منه المؤمن والمؤمنة هو فزع يوم الحساب وليس فزع القيامة.ومن رحمات الله في يوم الحساب أنّه لا يكون إلا على الله ينفرد به دون سواه” الملك يومئذ الحقّ للرحمن” ويوم الحساب بالنّسبة للمؤمنين الصّالحين لن يكون شديدا بإذن الله بل هو يوم عدتهم يوم مكافأتهم ولن يكون هذا اليوم عصيبا إلا على الكافرين والفاجرين والفحّاشين فلا يخشى المؤمنون الصّالحون المحسنون هوله.ويظنّ المسيحيّون أن الحساب على عيسى وليس على الله وهذا اعتقادهم الذي يكذّبه القران فقال ” إنّ إلينا إيابهم ثمّ إنّ علينا حسابهم” لماذا قدّم المسند إليه على المسند ؟للإشعار بالاختصاص أي لا احد يشاركه في الحساب وهذا من رحمة الله بنا. “ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء”( الأنعام). ويقول نوح عليه السّلام” حسابهم على ربّهم لو تشعرون” (الشّعراء) فالحساب دائما على الله( وكفى بالله حسيبا) (والله سريع الحساب) (وكفى بنا حاسبين) لأنّه هو الحكم ا العدل لا اله إلاّ هو وهو ليس مجرّد حكم عدل بل هو منبع العدل الذي نقدسه ونقدره ونشتهيه وتتوق إليه أنفسنا وفي الحديث القدسي الجليل حديث أبي ذرّ” إنّي حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا” فأصل العدل هو ربّ العالمين ولولا ذلك لما تاقت إليه نفس الإنسان ولما هفت إليه روحه فقد أودع الله في فطرة الإنسان حبّه العدل ومن الخطإ القول إنّ التنفيس عن الغضب يخفّف ويحقّق الهدوء وهي أسطورة غير صحيحة بل على العكس مباشرة بعد التنفيس عن الغضب تشعر بثقل شديد لأنك تحسّ انك ظلمت وتجاوزت الحدّ فتألم تحت وطأة ضغط الضّمير وترهق لذلك اللّهمّ عاملنا بفضلك ولا تحاكمنا بعدلك لأنه لو حاكمنا بعدله لأهلكنا .إن الله في غير موضع من القران الكريم دعا الله عباده إلى العفو والإحسان فهو يحثّ على اصطناع الفضل مع عباده بما فيهم خصومنا .فهل يذهب في ظنّنا إن الله سبحانه وتعالى يدعونا للتفضّل ثمّ لا يتفضّل هو علينا؟ حاشاه سبحانه وتعالى بل هو مصدر الفضل هو المفضل المتفضّل وسيعامل خلقه جميعا بفضله وليس بعدله فقط .مع انه هناك من سيهلك رغم ذلك .لكن كيف نفهم ان العدل من الرّحمة؟ أن من أعظم الرّحمات أن تنتصر لشخص ضعيف مظلوم فيشعر ذلك العبد برحمة عظيمة لأنه أنصف بالعدل.لذلك فانّ العدل رحمة ,خاصة رحمة الله لان العدل المطلق غير موجود في الدّنيا ولا حتّى عند الرّسول صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعلم الغيب لا يعلم كل الظروف والشّروط وقد أخبرنا فيما صحّ عن حديث أمّ سلة رضي الله عنها أنّه قد يخدع بكلام بعضهم فقال :ولعلّ بعضكم يكون ألحن بحجّته من أخيه فأقضي له بشيء هو لأخيه فإنّما هو قطعة من نار فإن شاء فليأخذ وإن شاء فليدع ” فالرسول صلّى الله عليه وسلّم يقضي على النّحو الذي يظهر له أمّا الله سبحانه وتعالى لا يأخذ بظاهر البشر في حسابهم انه لا يحاسب بطريقة ميكانيكية آلية.لا آلية في حساب الله انه يأخذ في اعتبار حسابه الشّروط الظّاهرة والباطنة .يأخذ السّياقات التي وضع فيها العبد وتأثير العوامل الظّاهرة و الباطنة في ثقافة العبد وفي نواياه وفي مفهوماته…والله يدخل كل هذه العوامل في حساباته.لذلك يمكن أن يهلك عالما كبيرا فيدخله النّار.في حديث أسامة بن زيد عن العالم الذي يراه بعض أتباعه في جهنّم وقد اندلقت اقتابه وصار يدور بها كما يدور الحمار في الرّحى” لأنه كان يأمر بالمعروف ولا يأتيه وبنهى عن المنكر ويأتيه ” أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون” ولذلك قيل هو عالم بعلمه لم يعملن معذّب من قبل عبّاد الوثن .لذلك إّيّاك أن تقول اللهمّ احشرني مع الشيخ الفلاني أو غيره بل اطلب أن يحشرك مع المرضيين لأنّك لست تعلم حقائق الناس وبواطنهم .قال تعالى”ونضع الموازين القسط ليوم القيامة” مبالغة في الدّلالة على مطلقيّة العدل وتمامه ومن ورائه الفضل بل الفضل مستكنّ مستخف في بطون العدل “فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبّة من خردل وكفى بنا حاسبين” والقسط مصدر وظّف بغرض الوصف للدّلالة على تمكّن الصّفة من الموصوف فالمصدر لغاية المبالغة فكأنّ هذه الموازين هي ذات العدل.والقسط كلمة مختصرة من قسطاس لاتينيّة وهذا ليس غريبا في القران بل لقد أحصى السيوطي ان القران فيه زهاء سبعين لغة الرومية والبربرية والحبشية… لكن حين تدخل الكلمة العربية تصبح منها تعرّب وتخضع لقواعد اللغة العربية كلمة ميزان في صيغة المفرد كثيرا ما تكرّرت في القران للدلالة على ميزان الدّنيا أمّا اذا وردت في صيغة الجمع فإنّها تدلّ على ميزان الآخرة. وفي القرآن أربع آيات إذا ذكرت موازين الآخرة لم تذكرها إلا في صيغة الجمع,في سورة الأعراف “والوزن يومئذ الحقّ فمن ثقلت موازي فأولئك نه هم المفلحون ومن ثقلت موازينه ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون” وفي سورة “المؤمنون” “فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينهم فأولئك هم الذين خسروا أنفسهم في جهنّم خالدونّ وفي آية الأنبياء ” ونضع الموازين القسط يوم لقيامة ) وفي سورة القارعة ” فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ومن خفّت موازينه فأمّه هاوية ” والسّؤال : لماذا استعمال موازين في صيغة الجمع وليس في صيغة المفرد؟ هل يوجد في الآخرة جِرم اسمه الميزان وله كفّتان كما نتصوّره ؟ هل الميزان جرم حقيقي ؟ قال نبيّ الله داوود عليه السّلام : يا ربّ أرني الميزان فكشف له عن كفة الحسنات فإذا بها أعرض من السمّات والأرض فقال يأربّ ومًن مِن عبادك عنده عمل يملأ بها هذه الكفّة لترجح ؟فقال يا داوود إنّي أنا الله وإذا رضيت عن عبد من عبادي تقبّلت عمله فملأت به هذه الكفّة وإن كانت تمرة” ولسئل أن يسأل :كيف ذلك ؟ السرّ في ذلك التّقوى …الإخلاص لله وأن يراد بعملك وجه الله دون سواه, ولك أن تؤمّل في عمل لم يعمل به إلاّ الله لا يعلم به غيره لا بالتصريح ولا بالتلميح ولا بالإشارة هذا هو العمل الذي قد يقبل منك وليس فيه ريبة فاحرصوا على أن يكون لكم خبيئة عمل. اختلف السّلف الصّالح الصّحابة والتابعون والعلماء في ماهية الميزان ,هل هو ميزان حقيقي أم سمّي على المجاز عن القضاء العادل والسّوي وابن عباس قال إن الميزان هو القضاء العادل وليس ميزانا بكفّين أمّا الجماهير قد ذهبوا إلى كونه ميزان حقيقي لا يعلم ماهيّته الا الله وهو ذو كفّتين كما ورد في الأخبار وهو قول بعض المعتزلة و جمهور الأشاعرة: الأحناف والمالكية والشافعية أما الحنابلة يختلفون في ذلك أمّا القول بالمجاز فقد ذهب إليه جمهور المعتزلة والمتأخّرون من الأشاعرة .وسواء أكان المعنى حقيقيّا أو مجازيّا فإن التعبير بصيغة الجمع دليل على أن لكل واحد منّا موازين وليس ميزان واحدا وما يعنينا في المسألة هو تحقيق العدل أماّ الوسيلة غير ذات أهمية ونرجو من الله أن يعاملنا بالفضل وليس بالعدل وإلاّ هلكنا.لماذا هي موازين وليست ميزانا واحدا ؟ ظروف النّاس تختلف فليس العالم كالجاهل وليس النّبيّ كالإنسان العاديّ .والله يقول ” ولولا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا” فالكيدودة منفيّة لوجود التّثبيت من الله “إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثمّ لا تجد إليك علينا نصيرا” فحساب الأنبياء غير حساب عامة الناس وحساب المرضى نفسانيين غير حساب الأسوياء أختم بمثل انجليزي يتحدّث عن ألاعيب السّياسة :مكتوب على شاهد قبر سياسي مات:”هنا يرقد السّياسي والرّجل الصّادق النّبيل فلان الفلاني “فمرّ أحدهم فقال :يا عجبا لأول مرة أرى رجلين يرقدان في تابوت واحد” فالسياسة لا تجتمع مع الصّدق والنبل واستعمال لفظ “الحق” في صيغة المصدر للدّلالة على التّناهي في الحقّ والنّصفة سؤال : هل يرى الإنسان الجنّ وفي الآية:( إنّه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) الأعراف. وقد أخذ الشّافعي بظاهر هذه الآية وقال من ادّعى رؤية الجنّ أسقطنا شهادته وهذا الكلام مناقض لكتاب الله والأحاديث الصّحيحة لأنّ النبيّ رأى الجنّ والشّياطين وهذا موثّق في الأحاديث الصّحيحة وحتّى الصّحابة رأوهم والشّافعي على سعة علمه هو إنسان في النّهاية يصيب ويخطئ كغيره من العلماء . عبد الله بن مسعود رأى جنّ نصيبين والحديث في الصّحيح .وحديث أبي هريرة الثابت في البخاري وقصته مع الشّيطان وتمر الصّدقة …وأخبر الرّسول صلى الله عليه وسلّم بما رأى …ابن تيمية شيخ الإنسان يتحدّث عن رؤية الإنسان للشياطين يضلّونه وقد ذكر وقائع في رؤية الناس للجنّ. قال الدّكتور في غضون حديثه مستطردا(لا تؤخذ العقيدة من حديث أحاد حتّى وان كانت صحيحة بل تؤخذ من القرآن والأحاديث المتواترة )
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحرير نصي أ : نادية غرس الله /تونس
أضف تعليق