السّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعمَلونَ﴿١٣٢﴾ وَرَبُّكَ الغَنِيُّ ذُو الرَّحمَةِ إِن يَشَأ يُذهِبكُم وَيَستَخلِف مِن بَعدِكُم ما يَشاءُ كَما أَنشَأَكُم مِن ذُرِّيَّةِ قَومٍ آخَرينَ﴿١٣٣﴾ إِنَّ ما توعَدونَ لَآتٍ وَما أَنتُم بِمُعجِزينَ ﴿١٣٤﴾ سورة الأنعام صدق الله العظيم
وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين
اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط أمين اللهم آمين صلى الحمد لله ربّ العالمين , والصلاة والسلام على أشرف خلائق الله أجمعين سيدنا محمد بن عبد الله النبي الأمين وعلى اله الطيبين الطّاهرين وصحابته الميامين المباركين وإتباع بإحسان إلى يوم الدين ربّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي إخواني وأخواتي حياكم الله جميعا وبيّاكم وجعل الجنة مستقركم ومأواكم فيما اخرج الإمامان الجليلان في صحيح مسلم والترمذي في جامعه عن أبي إدريس الخولاني رحمه الله تعالى عن صاحب رسول الله سيدي الجليل أبي ذرّ الغفاري رحمه الله تعالى أنّ رسول الله صلى الله عليه وأصحابه وسلم قال فيما يرويه عن رب العزة جل وعز انه تبارك وتعالى قال :يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلاّ من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلاّ من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلاّ من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطؤون بالليل والنهار وأنا اغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو آن أولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أوّلكم وآخركم وانسكم وجنّكم كانوا على افجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أوّلكم وأخركم وانسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألتهم ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا ادخل اليم أو قال في البحر يا عبادي إنما هي إعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إيّاها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلاّ نفسه ” صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين. هذا هو الغنى الكامل التّام المطلق من كل قيد وشرط من جميع وجوهه فسبحانه هو الغنيّ “وربك الغنيّ ذو الرّحمة ” إنّه لا أجلّ ولا أمتع ولا ألذ ولا ارقي ولا اصفي من الحديث عن رب العزة لا اله إلا هو إنه الحديث عن ملك الملوك عن ذي الجلال والجمال والجبروت لا اله الا هو عن الله وكفي إليك وإلاّ لا تشد الرّكائب ومنك وإلا فالمؤمّل خائب وفيك وإلا فالغرام مضيّع وعنك وإلا فالمحدث كاذب نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من اللّهجين بذكره آناء اللّيل ولأطراف النّهار و على كل أنحائنا وفي كل أحوالنا من الذاكرين الله كثير ا والذّاكرات. “يا عبادي لو ا ناولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم وقفوا في صعيد واحد (والصّعيد هو وجه الأرض) فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكي شىء ” ما أعجز هذا من بيده خزائن كل شىء ومن أمره في كل شيء مظفور من حرفين “الكاف والنّون” كُـــــــنْ فيكون .لأنه ينفق سبحانه وتعالى ويعطي بكن يرفع ويذل بكُن يعطي ويمنع بكن كله بكن لا يكلفه شىء ولا ينقصه شىء الا كما ينقص المخيط (الإبرة) إذا ادخل اليمّ او البحر.هل تأخذ الإبرة برأسها النحيفة الدقيقة شيئا من ماء البحر إذا أدخلناها فيه طبعا لا وان فعلت فالعين المجردة لا تلحظ هذا ويبقى البحر على حاله بحرا هذا هو لغني من كل وجه أما من عداه فهم فقراء “يا ايها الناس انتم الفقراء إلى الله” خذوا أغنى الأغنياء انه غني من وجه أو من بعض الوجوه لكنه فقير من وجوه أزيد منها ولو أوتي احد الناس أموالا طائلة فهو دون شك غني اليد لكن هل هو غني القلب ؟ هل هو سعيد؟ هل هو قانع وراض هل هو اصح الناس بدنا وأملاهم بالمعافاة هل هو أعلم الناس وأذكاهم هل هو أعبد الناس واتقاهم لله وهذا أهم شىء لان ثمرة التقوى والعبادة والصدق والإخلاص غِنَى لا نهائيّ في دار الآخرة أما ما عدى ذلك فلا بدّ أن ندمن كيف ننظر إليه بمنطقه الصحيح وهو الزّوال (ما عندكم ينفذ وما عند الله باق)(كل من عليها فان) كل شئ محكوم بمنطق الزّوال . لما فتح صلاح الدين الملك النّاصر ” صلاح الدين الأيوبي” رحمة الله تعالى عليه بلاد مصر وكانت تحت ملك الفاطميين وأدان دولته وجد في خزائنهم عرائس ودُمى مسرح خيال الظلّ فتعجب لها وأخذته الدهشة وكان معه القاضي الفاضل “البيساني” الفلسطيني فقال للقاضي الفاضل ما تقول في هذه الأشياء العجيبة فنظر إليه القاضي الفاضل وكان مترسّلا وشاعرا مجوّدا وقال :” أقول في هذه الأشياء أيها الملك الناصر: ولي في خيال الظّلّ أعظم عبرة لمن كان في بحر الحقيقة راق شخوص وإشكال تمرّ وتنقضي فتفنى جميــعا والمهيمن بــــاق خرج النبي عليه الصلاة والسلام على أصحابه ذات ليلة والحديث مخرّج في الصّحيح من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهم جميعا وأرجأ صلاة العشاء حتى إذا انتصف الليل خرج عليهم فقال لم يبق أحد ينتظرها سواكم ثمّ قال أرأيتكم ليلتكم هذه فإنّه على رأس مائة سنة منها لا يبقى احد ممن هو على وجه البسيطة . كان النبي يغلغل فكره في هذا المعنى الزّوالي والفنائي العجيب فيعود بهذا التأمّل العميق الغائر في بطون الحقيقة .فالأرض الآن وعليها ملايير من البشر يتجاوزون الستّة ملايير منهم الملوك والعلماء والجاهلون والسّوقة والفقراء وأصحاب الجمال وأصحاب الدمامة والأصحّاء والمرضى والكبار والصغار والسود والحمر والبيض والصفر والشقر …بعد مائة سنة لا يبقى أحد من هؤلاء يفنون من عند آخرهم “الم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ” كلّهم اليوم على ظهرها بعد مائة سنة لا يبقى أحد منهم قطعا ينقرضون جميعا لذلك فالغني الحقيقي هو الله امّا الذي اتاه الله جمالا وعلما وسلطة …يشعر في لحظة ما انه فعلا فقير وكلّ ما أوتي من مال لا يجديه في شفاء حبيبه وحيده او ابنته قرة عينه يجوب بها الأطباء ثم يعود حائرا عاجزا لان علتها لا شفاء منها ولا علاج لها لقد أعجزت الأطباء وأعيتهم وتقطف زهرتها بين يديه وعلى مرأى من عينيه وهو لا حيلة له ولا قوة أعيته السبل والحيل دون جدوى في هذه اللحظة بالذات يجد نفسه مضطرا لان يرفع يديه ويولّي وجهه لله الواحد الأحد مالك الملك الغني الأوحد”أي ربّ أتوسل إليك بقدرتك وانأ الضّعيف العاجز وأسألك بغناك وانأ الفقير المعدم أسالك بعزك وأنا الذليل أسألك بقوتك وأنا الذليل أسألك بقوتك وانأ الضعيف أسالك بعلمك وأنا الجهول أسالك بعلوك وانا الخسيس …. يا من أنت أنت وأنا أنا أين التراب من ربّ الأرباب ؟” عندها فقط يدرك حجم فقره والفقر لي وصف ذات لازم أبدا كما الغنى أبدا وصف له ذات والإنسيان ليس فقيرا وحسب بل هو أيضا شحيح وممسك بخيل قال عز من قائل في الإسراء ” قل لو انتم تملكون خزائن رحمة ربّ إذن لأمسكم خشية إنفاق وكان الإنسان قتورا” وخزائن رحمة الله هي كلّ صنوف النّعم والأفضال من مال وجمال وعلم وقوة وصحّة وذكاء …التي يسبغها على عباده ويوزعها على خلقه وفق حكمته و لا ينزلها إلاّ بقدر معلوم . لذلك لا تسل ابن آدم وخلّ توجّهك دائما إلى الله وعظّم الرغبة في الله وكن موقنا أن ما من شيء آتيك إلاµ بإذنه لا إله إلاّ هو لذلك اطلبوا الحوائج بعزة نفس لان ما عند الله قد فرغ منه و لن يؤخر عنك ما قد كتب لك ولن ينتزع منك فعلام الذلة والمهانة “لو أنتم تملكون خزائن رحمة رب إذن لأمسكتم” لأمسكتم خشية الإنفاق أي خشية عاقبة الإنفاق و قيل الإنفاق هنا بمعنى الافتقار والإملاق والإعدام .وهذه الآية في ظني الأبلغ في وصف شحّ الإنسان وتشريحه وقد جاءت كتفصيل لقوله تعالى “وأحضرت الأنفس الشّحّ” ففيها استعارة وتشبيه من أعجب ما يكون والشاعر كأنهم يستلهم هذه الآية” . ولو يسأل الناس التراب لأمسكوا إذا قيل هانوا إن يملّوا فيمنعوا على الأقل يمنعهم الملل بيد أنّ الله لا اله إلاّ هو يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شان .أموره يبديها ولا يبتديها يعطي هذا ويمنع هذا ويرفع هذا . “وكان الإنسان قتورا” فالله سبحانه وتعالى لم يقل وكان الإنسان شحيحا أو بخيلا بل قال قتورا وهي ابلغ لان البخيل والشحيح قد يمسك عن نفسه وعن غيره أمّا القتور فهو فهو الذي يبخل على نفسه وأهله وعياله فضلا عن بخله على الآخرين وكما قال الشاعر يقتّر عيسى على نفسه وليس بباقي ولا خالدي ولو يستطيع لتقتيره تنفّس من منخر واحد ويقال قتر وأقتر متعديا ولازما بمعنى ضاق عيشه أو ضيّق على نفسه وأهله وعياله أمّا قتّر فلا يرد إلاّ متعدّيا “قتّر الرّجل على نفسه” فهو قتور ولا يجوز أن يُقال قتّر على النّاس . استطيع أن أتفّهم حالة هذا الإنسان إذ يُمَكن من مفاتيح رحمة الله ثمّ يمسك ولا يعطي ويشحّ ويقتر على نفسه وأهله وعياله , لأنّ خزائن رحمة الله لو أعطيت لإنسان تناهت ,وهي بيد الله في اللازمان وفي اللاّبُعد في الخلود والأبد لكن حين تعطى للإنسان نزلت مباشرة إلى عالم النهاية إلى عالم الأبعاد مباشرة لا بدّ أن تتناهى وكل تصرف حتّى من اللاّمتناهي في عالم في عالم المتناهي يتناهى وليست العلة في اللاّمتناهي بل في المتناهي كما يقول الحكماء: العلّة في القابل ليست في الفاعل. لذلك ماعندنا وما عندكم من لله سبحانه وتعالى وما عندكم ينفذ وما عند الله باق وكل شئ في هذا الوجود لا بدّ أن يفنى لأنه عالم محكوم بالظّروف بما فيها الابعاد الزّمانيّة مهما تعدّدت والمكانيّة .أما في عالم البقاء فالخلود الأبديّ ـ اللهم انقلنا من عالم الفناء غلى عالم البقاء في خير ورضوان وعافية ـ الأجر فيها غير ممنون أي غير منقطع “لا مقطوعة ولا ممنوعة” لأنه عالم البقاء الذي تحّرر من ظروف الفناء قد يكون محكوما بأبعاد أخرى لكن يبدو أنّها أبعاد بقائيّة ليست متناهية كهذه الأبعاد . قد يسأل سائل :أين يجلس فلان أو أين فلانة؟ الجواب :← في هذا الأستوديو في الصف الخامس من جهة اليمين . فالجواب جاء وفق نظام (نظام صفوف مرقّمة مرسومة ومحدّدة) وقد يسأل آخر: اين يقع هذا الأستوديو؟ ← في شارع كذا رقم كذا وهو في مدينة أين تقع المدينة؟ ← في القاهرة التي تقع بين خطوط طول وعرض على الكرة الأرضية أين تقع الأرض ← بين خطوط إحداثية في الفضاء (خطوط ودرجات وثوان يحدد بها موقع كل نجم وكل كوكب ) وأهمّ سؤال : أين يقع الكون؟ وهذا السؤال على أهميته لا معنى له لان الكون هو غاية ما نعرف ,غاية الوجود المخلوق لنا ,أخر شيء . لذلك لي لهذا السؤال معنى الاّ في حالة واحدة وهي غير ثابتة :أن يكون كوننا هذا مفردة في كون أعظم بكثير ضمن مفردات أخرى يقتضي منّا أن نضع له خطوطا و إحداثيّات ثمّ نعيّن مكانه . ولمّا لم يكن الكون على هذه الحالة سقط السؤال وفقد معناه . إذا كان السؤال :”اين الكون ؟” لا معنى له فلا معنى أن تسأل :”أين الله؟ ومن العيث أن نطرح مثل هذا السّؤال لأنّ الله لا يسأل عنه بأين. والحديث المذكورـ “عن النبي يسأل الجارية أين الله” فتشير إلى السّماء ـ حديث شاذ ضعيف فيه تسع علل مرويّ بأسانيد أحسن وأقوى أن النبي سألها : هل تشهدين ان لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله؟ فقالت نعم. قال : اعتقها فإنّها مؤمنة وهذا الحديث نقبله لأنه يتفق مع المنطق والعقل وأصول التوحيد ومع القران الكريم . حاشى أن يُسأل عن الله بهذا السؤال ” أين هو؟” .لأنه لا معنى للسؤال أين الكون ؟ هناك سؤال أخر إخواني وأخواتي :متى وقعت معركة “اكسيوم” ؟ متى ولد الرسول محمد صلى الله على محمد واله وأصحابه ؟ متى مات سعد زغلول ؟ متى يعاد بثّ البرنامج؟ لكلّ هذه الأسئلة معنى لكن , متى المتى؟ سؤال لا معنى له لأنه لا نستطيع أن نسأل عن الزّمان بمتى؟ إن الزمان والمكان كما ذهب أليه بعض الفلاسفة مثل “ايمانويل كانط”وهو فيلسوف ألماني اعتبر أن الزمان والمكان مجرّد مقولات عقلية وتصنيفات مفهوميّة وهما ظرفان تظرف فيهما الأشياء إنّ الأشياء تقع حتما في المكان ولكن لا معنى للسؤال عن المكان ” أين حدث المكان؟ أو متى حدث الزّمان ؟ فلا يسأل بهذه الأسئلة الظرفيّة عن الله لأنه مزمّن الزّمان وممكّن المكان هو فوق كل هذا وفوق كل وهم وفوق كل حدس وفوق كل خاطر” ليس كمثله شيء وهو السميع البصير” وهذا مطلوب في تنزيه الله تبارك وتعالى. فالإنسان إذن قتور ممسك لأنه يعلم ان هذه الرحمات والمخزونات المكرومات المأثورات ستنفذ لأنها في دار الفناء يديرها كائن ثان وكل خلق يقع ضمن الزمان والمكان لا يعجز الله ولا يفلت من الله ومكره لا يغلب مكر الله. وقد كان مكر الشّيطان ضعيفا رغم مرفقته الطويلة للبشر وحصوله على كم هائل من خبرات ومعارف وعلوم كم اغوي من قديسين وأولياء كم ضحك على عقول كبيرة كم تسبب في مصائب وكوارث ,هذا الكائن اللّعين عجيب هو موسوعة ليس لها نضير على وجه الأرض لكنّ الله يقول “إنّ كيد الشيطان كان ضعفا ” لأنه يشتغل وينشط ويتحرّك ويكيد في الزمان ومحكوم به أما ربّ الشّيطان وربّ الزّمان فيتصرّف في ا زمان يتصرّف في الأزل والأبد لا اله إلاّ هو لذلك لا يمكن للشيطان أن يفتن امرءا قدر الله له بالسّعادة لان الشيطان يتصرف داخل الزمان أماّ الله تبارك وتعالى فهو يتصرف خارجه انه يتصرّف في الخلد في الأبد في الأزل ” ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إناّ دمّرناهم أجمعين ” من هنا يقين المؤمن انه لا يغلب حين يلتجئ إلى الله ويكون معه حين يكون الله حسيبه .قد توكل أمرك إلى أعظم محام في البلد في قضيّة أنت فيها مظلوم فتطمئنّ ولا تقلق لأنك صاحب حق ولان الذي يحامي عنك أعظم محامي في البلد فلا يمكن أن تستحمق وتستغفل وتستفز من قبل خصمك على العكس هو الذي سيقلق ويسعى إلى سبك وشتمك وتهديدك وترويعك لأنه غير واثق من أمره أما أنت فلا تتأثر به مطلقا لأنك وكلت أعظم محام فكيف إذا كان المحامي ذا العزة لا اله إلاّ هو لذلك قل : حسبي الله لا اله إلاّ هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ” ” إنّ وليّي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين ليس لأنه قويّ ولأنه يتصرف في الأبد وفي الخلود ولأنه غنيّ وكريم وعادل انه اعدل العادلين ورحيم لا اله إلاّ هو . كيف لا ارتاح كيف لا تغمرني السّكينة والحال أن الله معي وانأ مع الله . إخواني وأخواتي تعلّموا وتعلّمن أن تكونوا مع الله وقوّوا صلتكم به وعظّموا ثقتكم به ايّاكم ان تغلبكم شهوة أو طمع أو فزع وخوف على إيمانكم بالله وثقتكم به لا اله إلا هو. هو الغنيّ “وربّك الغنيّ ذو الرّحمة” إذن الإنسان قتور ومسيك لأنه يتصرّف في فاني ولو أراد ان يلبّي السائلين في طلباتهم فلن يفي بحاجاتهم لان الإنسان طمّاع ولا حدود لطمعه. ولو كان لابن ادم واد من ذهب لتمنى واديا ثانيا ولو أعطي واديا ثانيا لما قنع وما ملا جوف ابن ادم إلا التراب .فقد يطلب منك أحدهم قصرا فإذا أعطيه عاد إليك ليطلب مصرا فازا أعطيها عاد ليطلب منك إمبراطورية ثم ملك العالم غالى أن ينفذ ما لديك أماّ الله سبحانه وتعالى فخزائن رحمته بيده يتصرّف في الأبد لا ينقص شيئا مما عنده ولذلك فرّوا إلى الله واطلبوا من الله وارغبوا فيما عند الله لان ما عند الله لا ينفذ . “وربك الغني ذو الرّحمة ” ما علاقة الغنى بالرّحمة ؟ لماذا هو غنيّ لأنه رحيم لا اله الا هو :فالإنسان حين يكون فقيرا يكون قاسيا ولا اعني فقر اليد إنّما أعني فقر النّفس ,فمن كان فقير النّفس كان امرءا قاسيا ومن كان غنيّ النّفس كان امرءا رحيما نديّا رطبا شفيقا عطوفا. فالانسان في هذه الدنيا بين ثلاث مقامات إماّ ان يكون غني اليد فقير النفس أو أن يكون فقير اليد غني النفس أوقد يكون غنيّ النفس غنيّ اليد وهذه الأخيرة أحسن المقامات: يحكى أن داوود بن سليمان العلوي من العلويين وكان واليا في الأهواز بعث في أثر العلامة الكبير والزاهد المؤمن العابد الخليل بن احمد الفراهيدي صاحب العروض والنحو صاحب معجم العين وكان يعيش الخصاصة بالبصرة ,أرسل إليه يسأله أن يكون مؤدّبا لولده بمقابل من الدنانير .فجاء إليه الرسول فقدّم إليه الخليل بن احمد الفراهيدي كسرا من الخبز الجاف ومعها شىء من الماء.وقال له:” هذا كل ما في بيتي ومهما وجدته لم احتج إلى سليمان بن على ولن اذهب لأعلّم ابنه بمقابل بل أبذل العلم للناس سماحا ومجانا “فخجل الرسول وانكسر وسأله ماذا يقول لسيده الوالي فأجابه شعرا أبلغ سليمان أني عنه في ســــــــــعة وفي غنى غير أني لست ذا مال والفقر في النفس لا في المال نعرفه كذاك الغــنى في النّفس لا المال فالرزق عن قدر لا العجز ينقــصه ولا يزيدك فيه حـــــول محــتال كان حكيما .ومن يؤتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا .فغناه النّفسيّ أغناه عن التدريس بمقابل رغم فقر يده وحاجته للمال . وهذا هو حق الغنى . أمّا فقير النفس فهو حريص طمّاع ومسيكا يريد أن يحتاز كل شىء لنفسه. ومن كانت تفتقر نفسه للثّقة يشكو من عقدة الوضاعة والإحساس بالدّونيّة لا يحترم نفسه يسقط فقره على غيره من الناس فلا يعترف لهم بأي فضل وينكر على أفضل العلماء منزلة علمه بل ويحاول الاقناع بجهله ,ينتقد كل صاحب مزيّة ويحاول الاستنقاص من شأنه . الفقير في نفسه يرى نفسه وضيعا فيصطنع لنفسه وسيلة تعويضيّة تتمظهر في التكبّر والترفّع على غيره من الناس وقد اختزل ابو العلاء المعري هذا المعنى قبل علماء النفس في القرن التاسع عشر والعشرين , في بيت واحد له اذ قال : لو لم تكن في القوم أصغرهم ما بان منك عليهم كبر ولو كنت ترى نفسك مثلهم أو أعلى لأظهرت التواضع والتّطامن ,ففقير الثقة بالنفس يبخل على غيره حتى بالشكر والمدح مهما وجد عندهم من فضل وتميّز كذلك غني المال فقير النفس يمتنع عن العطاء مهما بلغ ثراؤه . أما غنيّ النفس فيجود على قلّة ما لديه .قال تعالى “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوقى شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون ” ويقول امرؤ القيس في هذا السّياق: أتهزأ بي أن سمنت وأن ترى بوجهي شحوب الحقّ والحقّ جاهد إنّي امرؤ عافي إنائي شركة وأنت امرؤ عافــــــي إنائك واحد أقسّم جسمي في جسوم كثيرة وأحسو قـــراح الماء والماء بارد الأسئلة 1/ لماذا اختصّ الله تبارك وتعالى نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين عن باقي الأنبياء؟ الجواب: محمد صلى الله عليه وسلم ختام المرسلين ورسالته عامة في الزمان و عمّت المكان فلها إذن بعد شموليّ .فالرسالة المحمدية أخر شريعة للبشر لا وجود لشريعة بعدها تعدل فيها أو تغير منها لذلك لا بد أن تكون رحيمة ويشعر معها الناس بالسّعة والطمأنينة وانتفاء العنت والحرج فضلا عن المعنى الثاني وهو ابلغ وأعمق وأجمل قيمة يستهدفها الرّكب البشري وفيها علاج لكل البشريّة ,هي قيمة الرّحمة .ولا بد لنا كمسلمين أن نبشر العالم بأعلى قيمة ينبغي ان يتواطأ عليها البشر هي الرّحمة ينبغي أن نتنادى بها ونفلسفها ففيها علاج لمعظم مشاكل البشرية . جوابا عن السّؤال الثاني : الرّحمة تجسيد للقوّة وليست علامة على الضّعف . يقول افلاطون أنّ كلّ طاغية هو في الداخل فقير هو كائن هوائي لو كان ملآنا وواثقا من نفسه لكان رحيما ورفيقا 3/ السّؤال: لماذا قرن الله بين المودة والرحمة في قوله “وجعل بينكم مودّة ورحمة ” الجواب: هذا القول هو شطر من الآية في سورة الروم ” ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا وجعل بينكم مودة ورحمة” فالمودة والرحمة يتكاملان والمودة هي المحبّة واجتماعهما هو اللّبأ والرّطاب ولكن قد يفترقان فأنت قد ترحم عدوك ولا تحبه وكذلك قد يحب الزوج ووجه ولكنه قد يرهقها ولا يرحمها يهينها ويضيق عليها . وفي الألفة والآلاّف لعلي بن حزم في طوق الحمامة تحدث عن أخيه احمد الذي كان مولعا بزوجته وكانت هي الاخرى تحبه كثيرا غير أّنّهما كانا كثيرا الخصام والخلاف والعراك ولا ادري من مات قبل صاحبه فلحق به الثاني وجدا وكمدا فالحب بينهما كائن بيد أنّه يفتقر إلى التراحم . ان المعادلة القرانية للحياة الاسرية المثلى هي التي تقوم على تلبية شرطي المودّ والرحمة وهذه الاية تكشف عن حقيقة في علم النفس من أعجب ما يكون وهي نظريّة لعالم النفس النمساوي صاحب النظرية التعويضيّة ,الفريد ادلار, يقول “ما من احد خاصة الزوجين الا وهو يعطي المحبة ويطلبها ويعطي العناية ويطلبها ,كل من الزوجين يعطي الحب والعناية أي الرحمة ويطلبهما.” أعط المحبة والرحمة واطلبهما اشكر لكم متابعتكم والسلام عليكم ورحمة الله.
أضف تعليق