وجه المُحاوِر حديثه إلى الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً: سأبدأ بنفسي ولن أُطيل عليك يا أستاذ، أُريد أن أقول أن قضية المقاصد هى قضية مُهِمة ومحورية في الفكر الإسلامي المُعاصِر، ونحن نعرف أنه ابتداءاً من السبعينيات أو حتى الثمانينيات بدأ الحديث عن المقاصد وبدأت الأطروحات الجامعية عن المقاصد وبدأ استكشاف الشاطبي وبدأ استكشاف معالم الفكر المقاصدي في الإسلام، والآن لدي سؤال، فهناك مُلاحَظة وهى أن الكثير من الدراسات المقاصدية بدت توصيفية أكثر منها توليدية وسأشرح لك هذا، بمعنى أن هناك دراسات تقوم بتوصيف الفقه الإسلامي المورود باعتبار هذه المقاصد وأنه كان مقاصدياً وأنه كانت مُستجيب للمقاصد العُليا والكلية للإسلام وإلى آخره، لكن حينما يتعلق الأمر بتوليد وبإنتاج اجتهادات جديدة يتوقف تطبيقها، وسأعطيك أمثلة حتى يتضح الأمر للجمهور، فهناك قضايا كثيرة لكنني سآخذ مثالاً جاء في ذهني عن فقه المرأة، فقد قرأنا كثيراً في قضية الإرث مثلاً وعرفنا أن المقاصد من أحكام الإرث كانت عادلة وإلى آخره لأن المرأة لا تشتغل ولأن الرجل هو الذي يُعيل فمِن العدل أن يُعطى الرجل أكثر من المرأة وإلى آخره هذه التفصيلات العديدة، لكن المُجتمَع تغير الآن والتعقيدات الاجتماعية أصبحت كثيرة ولازال المُوصِّفون مقاصدياً لهذا الفكر يُصِفون بنفس الكلمات، مع العلم أنه إذا أجرينا دراسات سسيولوجية سنجد أن لم يعد هناك أي عدل في تطبيق الأحكام كما هى، ولذلك سؤالي عن قضية النص والمقاصد، فالمقاصد هى مقاصد رائعة طبعاً – مثل مقاصد الرحمة وعمل الصالحات والإصلاح والتعارف والعدل وإلى آخره – لكن هل يُمكِن أن يتجاوز تطبيق المقاصد النص مثلاً؟
يجيب الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً:
أتفق معك يا أخي عبد الواحد حقيقةً، وطبعاً شكر الله لجميع علمائنا وللجهابذة المُؤسِسين مثل الشاطبي والقرافي والعز والغزالي والإمام الجويني طبعاً وأمثال هؤلاء، ومثلهم قليل طبعاً، وحتى المُعاصِرين بدءاً بإمامنا النحرير ابن عاشور- رضوان الله تعالى عليه – ومَن تلاه، وهناك عشرات إن لم يكن مئات رسائل الدكتوراة والماجستير ، لكن كلها فيها إضافات يسيرة ومحدودة، وأتفق معك أنه لم يحدث إلى الآن إعمال الفكر المقاصدي بحيث يكون آلية مضبوطة طبعاً – لها ضوابطها ولها اشتراطاتها – في استثمار الأحكام وليس في توصيف الأحكام أو التطبيق بين مقاصد تم أتحديدها سلفاً وبين الأحكام التي تُستثمَر بالآليات التقليدية المعروفة في علم أصول الفقه، فهذا لا يحدث ،وهذا خطأ ونقص كبير، وحتى أحياناً لا يتم الترجيح بين الأحكام المُستَلة بالطرق التقليدية مقاصدياً، وأحياناً – وهذا الأسوأ – يأتيك حُكم شرعي أو يُزعَم أنه حُكم شرعي ويُقال هو مُراد الله ومُراد الرسول لكنه لا يفي بل يتحيف كل المقاصد الجزئية المذكورة في الكتاب الكريم في الموضوعة ذات العلاقة وهذه كارثة، والآن أنا ضربت مثالاً اهتديت إليه أثناء رسالتي في الماجستير حين بحثت موضوع أو موضوعة زواج الصغيرة، وطبعاً – هذه يمكن أن يكون إنصافاً لنفسي – هناك مَن سرق أفكاري هذه وبَشَرَ بها في التلفزيونات وكأنها أفكاره، وهذا عيب لأن المفروض أن يُنسَب كل شيئ إلى قائله يعني، لكن طبعاً الرسالة مُسجَّلة من سنين وموجودة في الجامعة ومكتوب هذا الشيئ ولم يُسبَق إليه، فقد بحثت موضوع الزواج للصغيرة غير البالغة – بنت عشر سنين أو إحدى عشرة سنة أو تسع سنين أو ثماني سنين – والتي جوزوا العقد عليها والدخول بها، فبعضهم قال بشرط الطوق، أي أن تُطيق هذا حتى وإن لم تكن بالغة، وهذا يعني أن حتى نضجها الهرموني وما إلى ذلك غير موجود بالمرة لأنها بنت صغيرة طفلة، لكنهم قالوا يجوز لأنها تُطيق، بمعنى أنها لن تموت ولن تتضرر ضرراً بالغاً فيدخل بها، علماً بأن في الشرع اليهودي وفي شرع التلمود يُدخَل بالبنت في تسع سنوات، وهذا انتقل إلينا بنصه، أي التحديد بالتسع هذا وهو الأشهر، فبعضهم قال تقريباً تسع، وبعضهم قال لك بحسب الإطاقة، أي حتى إن كانت بنت سبع سنوات وتُطيق يُدخَل بها، وبعضهم قال إلا تسع سنوات، لكن ماذا لو كانت بنت تسع سنوات ولا تُطيق؟ هذه قصة كبيرة لا علينا منها، المُهِم هم أخذوا الطوق المادي المُسطَّح المُختزَل، لكن يُوجَد فرق بين الزواج وبين الـ Mate، فالـ Mate هذا يكون في حق الحيوانات، فيُوجَد لدينا Marriage ويُوجَد لدينا Mate، وهذا ليس Mate وإنما زواج، ولذا نأتي إلى القرآن الكريم لأنه ذكر المقاصد، فهناك مقاصد جزئية ولك أن تتخيَّل هذا مثل مقاصد المُعامَلات المالية ومقاصد الاستدانة أوالديون ومقاصد الزواج والنكاح وإلى آخره، فهذه مقاصد جزئية، والقرآن ذكر جُملة مقاصد جزئية هامة جداً وتكاد تستوعب كل مقاصد الزواج وفي رأسها تبادل المودة والرحمة، قال الله وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۩، فإذن السكن وتبادل المودة والرحمة، والآن السؤال هل يُمكِن فعلاً لرجل كبير ابن أربعين سنة أو حتى ثلاثين يا سيدي أو خمس وعشرين سنة أن يسكن إلى بنت ثماني سنوات ويشعر معها بالسكن؟ بنت ثماني سنوات لاتزال تلعب بألعابها المسكينة وتُريد أن تلعب مع لداتها ومع صديقات الحارة وما إلى ذلك، فكيف سيسكن إليها؟ إلا إذا كان هذا المسكين مُختَلاً نفسياً طبعاً، فهذا شيئ آخر، لكن الله قال مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۩، فأنت تُعطيها المودة والحب والرحمة، والرحمة بلغة ألفريد أدلر Alfred Adler كما لاحظت – هو الذي ألهمني هذه الفكرة – أن الأزواج دائماً يتبادلون الحب – Love – والعناية – Care – كما يقول، والله قال مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۩، فالرحمة دائماً تكون بضعيف يحتاجها كما قلنا، فموضع الرحمة هو الضعيف، وطبعاً الرجل فيه جوانب ضعف والمرأة تُكمِّل هذا برحمتها، وهى فيها جوانب ضعف يُكمِّلها أو يستجيب لها برحمته، وهذا جميل جداً، وطبعاً بلا شك هذه الطفلة الصغيرة تستطيع أن تتلقى الرحمة لكن صعب أن تتلقى المحبة، والحب بين الناضجين في جزء منه هو حب شهوي، لكنه طبعاً لا يُختَزل في الشهوة كما في الغرب هنا حيث يقولون مارسنا ال Love ومارسنا كذا، هذا غير صحيح، فهذا أيضاً يختزل الإنسان إلى حيوان، ولكن هذا يُوجَد في جزء منه ولا شك، ولذلك لهذا الموضوع بالذات – موضوع المُساكَنة البدنية – مُدخلية في العقد وفي فسخ العقد وله علاقة بأحكام العِنِّين والعنة والأشياء هذه، فالقضية مُهِمة جداً، وعلى كل حال هذا موضوع آخر، إذن الصغيرة تستطيع أن تتلقى بعض الحب الذي هو أقرب إلى الرحمة في الحقيقة، وتتقلى الرحمة بلا شك، فهى طبعاً تحتاج الرحمة لأنها ضعيفة، أما زوجها الكبير الهرم ماذا يتلقى من رحمتها؟ رحمة ماذا؟ كيف يُمكِن لبنت تسع سنوات أن ترحم؟ فإذن هذا المقصد لا يتحقق وهذا أولاً، ثانياً السكن لا يتحقق، وكذلك الحال المُشاكَلة والمُجانَسة المُعبَّر عنها بطريقة لا نقول الآن أنها عبقرية ولكن نقول بطريقة ربانية، قال الله هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ۩، فالمُشاكَلة والمُجانَسة تعني أن لهما نفس الموجة، فلابد أن يُوجَد تقارب واضح في المُستوى المعرفي والثقافي وحتى الوجداني والعمق الوجداني والعمق الاستبصاري وكذلك الحال مع السن أيضاً، فهذه إشارة إلى التقارب حتى في السن، غير معقول أن تكون هى بنت ثماني عشرة سنة وعشرين سنة وتحب الدنيا وتُريد أن تخرج وأن تذهب إلى هوليوود Hollywood وإلى مدريد بإسبانيا وأن تطير وتذهب لكن هو عمره خمسين سنة أو ستين سنة وأكثر حياته أنين، فهذا المسكين بدأ يأن ويقول يا ديسكي ويا ظهري ويا ركبتي ثم يقول لي أريد أن أجلس لكي نهدأ في حين أنها مُنطلِقة كالصاروخ وهو هامد في مكانه، فما هذه الحياة؟ الله قال هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ۩، فهذه مُناسَبة من جميع النواحي، وانظر إلى هذا التشبيه العجيب، فهذا أوحى إلىّ باللباس وتخيَّلت عملاقاً مثل الأخ هنا ما شاء الله – عملاق طوال ما شاء الله، زاده الله قوةً وجمالاً – يلبس لباساً غير لائق به، فهو من المُفترَض أن يلبس – مثلاً – ستة وخمسين أو ثمانية وخمسين لكنه يلبس لباس أربعين مثلاً، فكيف سيبدو؟ سيبدو كالأراجوز – حاشاه – طبعاً، أو العكس إذا وُجِدَ رجل قصير وبسيط جداً لا يتجاوز مائة وأربعين سنتيمتر – أي أنه أشبه بالقزم – لكنه يلبس لباس ثمانية وخمسين، فأيضاً سيُصبِح كالمُهرِّج، وهذا ما يحصل لما رجل كبير يتزوج طفلة صغيرة لم تبلغ المحيض، فما هذا؟ أين اللباس هنا؟ لا يُوجَد أي لباس، يُوجَد تهريج ويُوجَد مسرح عرائس هنا للأراجوزات، فهذا المقصد لا يتحقق ومن ثم انتهى، ثم أن الله – تبارك وتعالى – يقول جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ ۩، أي ذُرية، والله قال أيضاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ۩، فإذن الذُرية والبنين والحفدة، فكيف تتحدَّث عن بنين وحفدة وذُرية وهذه البنت غير حائض؟ لا تُوجَد أي إمكانية أصلاً للحمل والوضع لأنها لم تحض أصلاً، فإذن اشطب على هذا أيضاً، وهكذا إلى آخر مقاصد الزواج، فكله سيناله الشطب، فما هذا الزواج؟ لكنهم يقولون هذا هو الزواج الشرعي وأتى به الشرع والنبي دخل بعائشة وهى بنت تسع سنوات وهى لم تحض، وطبعاً شوفنا بعض العلماء الأفاضل – غفر الله لهم – مَن قال كلاماً غير صحيح، والبخاري بوَّب في صحيحه ما كان يفهمه، لأنه كان يفهم أنها لم تحض، والحافظ الشارح العظيم ابن حجر العسقلاني أكد هذا وقال أنها لم تحض، لكن هذا غير صحيح وهذا لم يحصل، فأنا أجزم – إن شاء الله – أنه لم يحصل ولا يفعله رحمة العالمين عليه الصلاة وأفضل السلام، وطبعاً والأدلة على ذلك كثيرة، وهذا كان موضوع رسالتي للماجستير على كل حال في جامعة فيينا، فهذا غير صحيح، لكنهم افتروا بعض المرويات وصدقوها – وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ۩ – ثم قالوا هذا في البخاري ومسلم والحُميدي والشافعي وصدَّقوا وقطعوا أن النبي فعل هذا، لكن هذا عكس كتاب الله، ومن هنا قد يُقال لي كيف تقول عكس كتاب الله يا رجل والقرآن قال هذا؟ لكن أين قاله؟ قال وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ ۩، يعني عدتهن ثلاثة أشهر، ومن ثم قد يُقال الله صرَّح وهذا نصٌ يا رجل – هم لا يقولون يا رجل ولكن يقولون يا زنديق ويا كذا وكذا، عليك وعليك وعلى أهلك وعلى فصلك، لكن الله يسامحهم ويغفر لهم – في كتاب الله، لكن أنا أقول له يا أخي اربَعْ على نفسك، هذا – والله – ليس بنص، هذا ظاهر قابل للتأويل بل مُؤولاً الآن، فهو – والله – ليس بنص، لماذا؟ لأن موجود في الطب حالة معروفة – يعرفها كل الأطباء ودارسوا هذه العلوم – إسمها حالة الضَهَي، فالمرأة حين تضهي يكون عمرها سبع عشرة سنة – وأكثر شيئ مُسجَل طبياً أن يصل عمرها إلى خمس وعشرين سنة – وتجدها ضخمة وطولها مائة وثمانين وما شاء الله عليها يُمكِن أن تتزوَّج دون أي مُشكِلة ولكن لم تحض، وهذه الحالة إسمها Amenorrhea، وهى معروفة في الطب، فلماذا لا يكون مُراد الآية هذا؟ أي امرأة بلغت مبلغ النساء ليس بإدراك المحيض وإنما بالجسم والعبولة والنضج طبعاً النفسي والجسمي وكل شيئ، فهى تصلح أن تكون زوجة ولكنها لم تحض، فما الحُكم فيها؟ هذه إذا طُلِقَت كيف تعتد؟ ثلاثة أشهر، لا تعتد بالأقراء لأنها ليست من ذوات الأقراء وليست من ذوات الحيضات، وإنما بثلاثة أشهر، فإذن هذا ليس نصاً لكن هذا ظاهر.
قال الله حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ۩، فالآية كالمُصرِّحة بأن للنكاح سناً تُبلَغ وهى سن البلوغ طبعاً، فإذن لا نكاح قبل هذا، والقرآن ليس فيه حشو، فكل شيئ عنده تحديد دقيق، إذن النكاح للبالغين، وهذا مذهب عثمان البتي وابن شُبْرُمة، ومن هنا قالوا يحرم الزواج بالصغيرة التي لم تبلغ المحيض لقوله تعالى حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا ۩، فهذا مذهب أيضاً وهؤلاء علماء مُجتهِدون، لكن هذا طُمِر تحت الحجارة وتحت الرمال كأنه غير موجود وأُلقِى في روعنا وجود إجماع بين المذاهب كلها والمُجتهِدين على حل زواج الصغيرة، وهذا غير صحيح، فنحن مع عثمان البتي ومع الإمام ابن شُبْرُمة، ولذا نقول هذا حرام، لماذا؟ لأن هذا الزواج لا يُحقِّق مقصداً واحداً بل يتحيف كل المقاصد الجزئية المذكورة لموضوعة النكاح في كتاب الله، وقصدي أن أقول ينبغي إعمال المقاصد لاستلال الأحكام وللترجيح أيضاً بين الأحكام المُستَلة بالطريقة التقليدية.
نأتي الآن مُباشَرةً إلى السؤال الذي استعذت بالله منه – استعذت من السؤال وليس من السائل طبعاً، فالسائل أرجو له كل خير ولكم جميعاً، وفعلاً أعوذ بالله من شر هذا السؤال – والذي يقول ما علاقة النص الآن بهذا؟ لكن انتبهوا إلى كلمة نص، لأن هذه الكلمة عند غير المُتخصِصين وعند العوام – أي عند الناس العاديين لأن العوام طبعاً غير مُتخصِصين، فقد تكون أكبر طبيب في العالم لكنك عامي في الشريعة، وقد يكون هو أكبر مُتخصِص في الشريعة لكنه عامي في الطب، والقاعدة أن المُتخصِص في فن عاميٌ في غيره، فهذا مُمكِن وهو أمر عادي ولا يضيره شيئاً، فقد يكون الواحد جراحاً كبيراً لكنه عامي في الشريعة أو قد يكون فيلسوفاً كبيراً لكنه عامي في الهندسة مثلاً، فلا مُشكِلة في هذا – لها دلالة مُختلِفة، فعوام الناس – أي غير المُتخصِصين – حين يسمعون كلمة نص ،يظنون أن المُراد بالنص دائماً في كلام علماء أصول الفقه هو القيل الإلهي، أي الـ Text، لكن المقصود بالنص في لغة الأصوليين – علماء أصول الفقه – هو القول الإلهي الذي لا يحتمل إلا معنىً واحداً على سبيل القطعي، فإذن انتهى الأمر وهذا إسمه نص، لكن إن احتمل أي معنى آخر وإن كان مرجوحاً يُصبِح ظاهر، فهذا إسمه ظاهر ومُؤوَل، ونحن طبعاً مع النصوص لدينا مُشكِلة من هذه الحيثية، لماذا؟ تُوجَد نصوص ليست نصاً بالمعنى الأصولي والخطب فيها يسير مثل نص وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ ۩، لكن قول الله وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ ۩ ليس نصاً، فهذا اتضح أنه ظاهر، أي خرج ظاهراً وقد تفاعلنا معه براحة – الحمد لله – دون أي مُشكِلة فلا يُقال أنك طعنت في صدر كتاب الله، لأننا لم نطعن أبداً بالعكس نحن أخذنا بالآية وقلنا هى ظاهر وليست نصاً والأرجح لدينا أن المُراد بها كذا وكذا، وهذا كلام جميل، وهو كلام علمي أصولي لا يستطيع أحد أن يُخطّئه مبدئياً طبعاً لكن من المُمكِن أن ينتقد عليه وهذا شيئ ثانٍ، لكن أين المُشكِلة؟ مع النصوص التي عندها معنى واضح مثل ما استعذنا بالله منه كالميراث، فالبنت – ابنتي أو ابنتكِ – بنص كتاب الله لها كم؟ نصف أخيها من الميراث، فلا تقل لي هذا ظاهر، فهذا نص هنا، وحين نرى كلمة نصف وثلث وربع وسدس وثمن فهذا يدل على أن هذه ليست ظواهر وإنما هى نصوص، فهل عندنا مندوحة حتى نتحرك مع هذه النصوص؟ هذا هو السؤال اللي استعذت بالله منه، علماً بأن عندي كلام قديم فيه وحتى الآن أنا مُقشعِر منه لأنه سيعمل لي مُشكِلة ولا أُحِب أن لا أكذب عليكم، ويعلم الله – تبارك وتعالى – كم أُعاني في داخلي وفي ضميري ولكن يعلم الله – تبارك وتعالى – أيضاً أنني كما عودت نفسي وعودتكم أقول دائماً قناعاتي، فإلى الآن لم أقنع إلا بما وصلت إليه، ووالله لو اقتنعت بعكسه في أي لحظة سوف أعود عنه مُباشَرةً، فأنا أُريد فكاك رقبتي يوم القيامة، فمن أجل ماذا أُهلِك نفسي؟ بالكعس، وأنتم رأيتم حتى الخُطة التي أسير عليها، فإذا كانت المسألة شخصية فهذه لا تخدمني، بل بالعكس هذه الخطة لعنتني، وكان يُمكِن أن أعمل العكس تماماً وأن أتكلَّم الكلام الفكري والعلمي والفلسفي بدون أن أصطدم بأي أشياء تُعتبَر قطعية عند سائر العلماء أو مُعظم العلماء ومن ثم أبقى رجلاً بعيداً عن السباب والشتائم، فلا أُسَب ولا أُلعَن، لكن أنا لا أستطيع أن أفعل هذا، قال رسول الله مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يَعْلَمُهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ، وأنتم تعرفون قضية اللجام، وقد جاء أحدهم وهو لا يفهم القضية بالمرة لعالم لكي يسأله عن مسألة كبيرة، فقال له يا بني هذه لا بتليق بك، فقال له يا شيخ من كتم علماً، فقال له الشيخ اترك اللجام واذهب، إذا جاءنا مَن يُحسِنه علَّمناه وإلا منعناه، كأنه يقول له هل أنت أتيت لكي تُعلِّمني ديني؟ ما هذا؟ هذا تنطع السفهاء، فهو أتى لكي يُخيف العالم، وهذا يحدث كثيراً من العوام، فتجد مَن يقول لك يا شيخ أنصحك وأقول لك اتق الله، أما قرأت قول فلان وعلان، فما هذا؟ رحم الله امرأً عرف قدر نفسه، العالم يتكلَّم مع العالم، فكل أحد ينبغي أن يعرف مقامه، ومن هنا قال لهذا العامي اترك اللجام واذهب، إذا جاءنا من يُحسِنه – أي يُحسِن الفهم وما إلى ذلك – علَّمناه وإلا منعناه، ويُوجَد حديث في مسلم عن الإمام عليّ مرفوعاً يقول فيه – عليه السلام – حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ لكن ما معنى هذا؟ هذا يعني أن من المُمكِن أن تقف على معرفة أو علم من الكتاب والسنة بحيث لو ألقيته إلى الناس أنكروه وربما كذَّبوا الله والرسول، لأن مثل هذا العلم لا يُقال للناس، ومن ثم قد تقول لي ابدأ بنفسك، فأنت بالذات يا عدنان إبراهيم لا تفعل هذا، وهذا صحيح وأنا أعرف هذا، لكن هل تعرفون لماذا؟ لأن لا تُوجَد فرصة إلا أن أفعل هذا، هم لا يفعلون – أي إخواننا العلماء زادهم الله من فضله وعفا الله عني وعنهم – ولا يُحِبون أن يفعلوا ويجتمعون من سبعين وثمانين سنة والأشياء هى نفسها تدور وتلف وتدور كما نعلم، فأنا أحببت أن أُلقي هذه الصخور في البُحيرة الراكدة لأُرغِمهم وأُرغِمني على أن نفعل، وياليت كان لدينا إمكانية أن نفعل هذا في جو دائماً علمائي لكي نتطور فعلاً، لكن في العالم الإسلامي – وخاصة في جامعات إسلامية عريقة – للأسف عكس هذا الذي يحدث، فقد يأتيك عالم كبير يقضي من عمره عشر سنوات يدرس موضوع النسخ ولا يُؤخَذ بكلامه، وأقصد العلّامة مصطفى زيد – سقى الله عهده وطيب الله ذكره لأنه عالم كبير ورجل مُجتهِد ما شاء الله – الذي قرأ موضوعة النسخ في عشر سنوات ولم يترك صغيرة ولا كبيرة، فلم يُغادِر صغيرة ولا كبيرة إلا أتى عليها وانتهى هذا الرجل بعد ذلك إلى أن القرآن فيه فقط خمسة مواضع مُوزَّعة على ست آيات هن المنسوخات فقط وأن كل ما عداها مُحكَم، ثم يأتي علماء أخرون ويقولون هؤلاء الخمس الآيات أو الخمسة المواضع في الست الآيات يُمكِن الجواب عنهن بإذن الله، ويعود القرآن كله لفقاً واحداً من أوله إلى آخره مُحكَماً غير منسوخ ، ويتحقق فيه قول مُنزِله – لا إله إلا هو – لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ ۩، لكن إلى اليوم في الأزهر يتحدَّث عن المنسوخ والناسخ ويُدرِّسون الناسخ والمنسوخ ويتحدَّثون عن منسوخ التلاوة ومنسوخ الحكم ومنسوخ الحكم دون التلاوة، فما هذا؟ ما هذه القصة؟ هذ انتهى وقد جاءكم هذا العلّامة وأقررتم بالرسالة بعد أن أخذ فيها أعلى درجة فاعتمدوا كلامه إذن، الآن لا تُحدِّثني عن كلام الزركشي والسيوطي وما إلى ذلك مع أن السيوطي طبعاً قال المنسوخات تسعة عشر آية، ومن المُمكِن أن ننزل بها إلى أقل من هذا، أعتقد أنه قال تسعة عشر أو إحدى عشرة آية، وهذا أمر جميل، والشاه ولي الله الدهلوي قال نفس الشيئ، وذكر زُهاء ست آيات فقط في الفوز الكبير في أصول التفسير، وإلى آخره طبعاً لكن هذه الطريقة فيها جمود رهيب، هل تعرفون كيف؟ هذا في باطنه – وهذه مُجازفاتي المأخوذة لكن لابد أن أقول هذا – في باطنه يحكي شيئاً من الوثنية، فهذا فيه تقديس للتراث وتقديس للأئمة وتقديس للكتب الحمراء والصفراء، تُعامَل فعلاً كأنها مُقدَّسة وكأنهم يقولون نعم نحن أجزنا مصطفى زيد واستطاع أن يفحمنا وأثبت لنا كذا وكذا لكن لا يُمكِن أن نتجاوز التراث، فهذا مُقدَّس ومن ثم كيف تتجاوزه يا رجل؟ ارجع درِّسه واشطب على مصطفى زيد، فما هذا العبث؟ هذه الحالة عبثية ولذا أقسم بالله أننا لن نتقدم بهذه الطريقة، فبعضهم يغضب غضباً شديداً إذا شكَّكت في أن النبي سُحِر، مع أنه المفروض يغضب غضباً شديداً مِمَن نسب للنبي أنه سُحِر وتُلاعب به، فهم يقولون تلاعب به رجل يهودي وتحدَّثوا عن ستة أشهر وعن أن النبي ساءت حالته وما إلى ذلك، في حين أن القرآن يُكذِّب هذا ويقول وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۩ والقرآن يقول أيضاً إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا ۩، فالله رد عليهم ثم قال انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ۩، فهذا شيئ عجيب وهذا ضلال هذا، ومع ذلك يُقال أنه سُحِر وساءت حالته، ويغضب الواحد منهم إذا دافعت عن النبي وقلت أنه معصوم ولم يُسحَر، وهذا غير معقول، لكن هذا كله بسبب حديث مُتفرِّد – فرد – وهناك مظنة واضحة لأن يكون موضوعاً، فهذا مكذوب على عائشة ومكذوب على حتى عروة بن الزبير، لكنهم يغضبون جداً إذا قلت هذا، فلماذا تُشكِّكون الناس في دينهم وتقولون لهم النبي مسحور؟ كأنه حديث جميل فيُقال اقبل هذا وإلا قطعنا عنقك، لكن نحن نقول النبي معصوم لأن هو الذي يقول هذا، ومع ذلك يغضبون جداً عليك، لماذا؟ لأن عندهم البخاري مُقدَّس كبير وهذه الأسانيد مُقدَّسة، وهذا أمر عجيب وكأنهم يقطعون بأنه هذا حصل، لكن كل هذه الأسانيد أتت عن طريق عن عن عن عن عن فعادي ألا تكون صحيحة وخاصة إذا أتت بهذه الفرادة.
(يُتبَع الجزء السابع)
أضف تعليق