– قال أحد الحضور بسم الله الرحمن الرحيم، نشكر الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم على مُداخَلته، فقد استمعنا بالأمس إلى مُداخَلة هى في صميم ما يُسمى بفلسفة الدين وخاصة فلسفة الدين من المنظور الإسلامي ومُداخَلة أخرى كانت ربما في فلسفة الجمع، وكنا نود اليوم أن تتفضلوا بأن تتحدثوا إلينا عن فلسفة السلم في الإسلام استناداً إلى نظريتكم التي طورتموها حول قضية الطول والعرض، وهذا هو السؤال الأول، أما السؤال الثاني فلا شك أن الحرية والسلم هما مقصدان من مقاصد الشريعة الإسلامية، فأيهما أولى في رأيكم إذا كان هناك تعارض بين الحرية الإشكالية الفردية والجماعية والسلم؟ وخاصةً أنني هنا أُشير بشكل غير مُباشِر إلى ما يقع في بلدنا ويُسمى بالثورات العربية وأثر ذلك على الحرية والسلم، فهناك مَن يستعمل السُلطة حفاظاً على السلم كمقصد من مقاصد الشريعة، بما في ذلك صك الحريات الفردية والجماعية.
– زاد المُتحدِّث قائلاً هناك تعقيب فقط على ما قاله أخي عبد الواحد، فقال له المُحاوِر لا تستمع لي وإنما استمع فقط إلى الأستاذ الدكتور، فقال أنا لا أظن أن هناك حرباً دينية الآن، لكن الآن تُوجَد حرب سياسية بغطاء ديني، فقال له المُحاوِر هذه عناوين.
– قالت إحداهن سوف أتفاعل بسرعة مع بعض النقاط التي أُشيرَ إليها، أعود بسرعة إلى مفهومي دار الحرب ودار الإسلام، قضية دار الحرب ودار الإسلام قضية مُتعلِّقة عند الفقهاء وعند أسئلة الجماهير بعقيدة الحاكم – بمعنى القاضي – والأحكام التي كان يحكم بها وهل هى من الشريعة الإسلامية أم من غير الشريعة الإسلامية، وهناك أيضاً أسئلة عن دار الحرب ودار الإسلام وهل هى فقط التي مُواطِنوها على الإسلام والحاكم غير مسلم، وانتهى التاريخ في الأخير إلى أن يكون الحاكم أو الأمام – ليس الحاكم بمعنى القاضي – مسلماً، وفي التراث الإسلامي ليست المسألة قطعية بين داري الحرب ودار الإسلام فقط، فابن تيمية نفسه سُئل عن مدينة – سقط عني إسمها الآن لكنها في تركيا – فرد أن هذه الدار دار مُركَّبة، أي أنها في نفس الوقت دار إسلام ودار حرب، فالمسألة إذن في التراث الإسلامي ليست قطعية ومع ابن تيمية أصبحت مُركَّبة وأظن أنها في واقعنا الحالي أكثر تركيباً.
– استأنفت المُتحدِّثة كلامها قائلة بالنسبة للسؤال الذي طرحه الدكتور عدنان إبراهيم عن كيفية مُواجَهة الفكر الداعشي وماذا يُمكِن أن نفعل مع الفكر الداعشي أظن أن ما يمكن أن نفعله هو أن نرد على الفقه الداعشي وعلى الذين يثيرون فقههم بأن نعترف أن داعش جزء من تيار الجهاد العالمي وأن فقهاء داعش الحاليين هم أنفسهم فقهاء القاعدة، فيجب أن نُفكِّك فكرهم الذي يُعتبَر فكراً استئصالياً وانتقائياً لما أتى عند الفقهاء الذين يقولون أنهم يعتمدون عليه وهو في نفس الوقت فقهٌ اجتزائي، أي أنه يجتزأ من القيم الفقهية ما يُريد، فليس هناك منظومة فقهية منطقية عند الفقهاء الذين يُنظِّرون لداعش.
– أشار المُحاوِر للمُتحدِثة بانتهاء وقت المُداخَلة، فقالت له نحن – والله – تحملنا سماعكم فلتتحملوا سماعنا دقيقة، ثم استأنفت كلامها وتحدَّثت عن مسألة النسخ، وقالت أن مسألة النسخ شغلت المُتأخِرين قبل المُتقدِمين في تراثنا الإسلامي، وذكرت من المُتأخِرين الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – وأبا القاسم حاج حمد وكتابه منهجية القرآن المعرفية.
– قالت المُتحدِّثة في سياقٍ آخر: ما يزعجني شخصياً حين نتحدَّث عن الجزية أننا دائماً نضع الجزية في نضال سياسي إسلامي مُقابِل حرية العقيدة، لكن نحن نظن أن هذا الأمر خاطئاً لأن دخل الجزية في النظام السياسي الإسلامي يعني المُواطَنة ويعني الاعتراف بالسلطة السياسية الإسلامية، فالمسلم المواطن في النظام السياسي يدفع الزكاة، وغير المسلم يدفع الجزية، فهى ضريبة للدولة ومُساهَمة منه في بنائها.
– قال المُحاوِر مُقاطِعاً وضحت الفكرة ووصلت ثم أعطى الكلمة لأخرى، فقالت إحداهن أن السؤال الخاص با هو أنا الأستاذ الدكتور تعامل مع السلفيين من خلال الحكمٍ على النوايا وهو ما رفضه على الأوروبيين الذين يُحاكِمونا على نوايانا، ثم قالت :أسأل هل تٌسقِط التقية على السلفية؟
– أكملت المُتحدِّثة كلامها قائلة عندما أشرت إلى التحيز الذكوري فيما يخص المرأة صُدِمت لأنك أردت أن تُبسِّط مُحاضَرتك بأن عللت أن هناك مَن يُتابِع على الإنترنت Internet من ربات البيوت والأميات.
– قال أحد الحضور بما أن الأستاذ عبد الواحد قد انتهى الوقت لديه سأقول بسرعة أنني من الناس المِشجِعين للطرح الإسلامي على المُستوى الاجتماعي أو السياسي، واتجهنا في تونس – مثلاً – إلى هذا، والشيخ عبد الفتاح مورو قال أنه لا مكان لعبارة “الإسلام هو الحل”، وأضاف أن هذا التصريح تناولته العديد من وسائل الإعلام، ثم قال بالعكس أنا أرى أن الإسلام هو الحل ولكن المسلمين هم المُشكِل، فهل صحيح أنه شعار”الإسلام هو الحل” قد أفلس؟ وشكراً.
– ألقت إحدى الحاضرات السلام ثم قالت بالفرنسية ما يُفيد بأنها سؤالها سوف يكون فلسفياً بعض الشيئ وسألت هل يمكننا أن نأمل اليوم الوصول أو تحقيق نوع من السلم العالمي أم سيبقى ذلك أملاً أقرب منه إلى الطوباوية من الواقعية؟ وبارك الله فيكم.
– قال أحد الحضور السلام عليكم في إطار هذا الحديث عند سؤالين في الحقيقة، السؤال الأول هو أنني في إطار حديث أُمِرت أن أُقاتِل الناس حتى يقولوا أن لا إله إلا الله تساءلت لماذا تمت فتوحات إسلامية وتطرقت فيما بعد إلى هذه النقطة وقلت أنها نقطة تتعلَّق بالتاريخ، ففي ذلك الوقت إن لم تبدأ أنت أولاً بُدِيء بك، لنأخذ – مثلاً – شمال إفريقيا وما يُسمى ببلاد تامزغا فهناك عقد بدأنا فيه لكن إذا نظرت في التاريخ المسلم في فتوحاته – إن كانت فتوحات حقة – تجد أنه لم يتقيد بالأخلاق الحربية، والملك كسيلة – مثلاً – استعبدت زوجته وأبناؤه في قصور بني أمية.
ثم استأنف حديثه قائلاً هناك نُقطة أخرى وهى أننا نتباهى كثيراً بطارق بن زياد مثلاً، وعندما تسأل عن نهايته تجد ثلاثة تأويلات لأن لا يُعرَف مصيره، هناك تأويل يقول أن حتى هو استُعِبد في قصور بني أمية، وآخرون يقولون أنه كان يتجول في الأسواق والمساجد حتى يكتسب قوت يومه في آخر حياته، وآخرون يقولون أنه أُعطِى للنمور، فهناك تأويلات ثلاثة هنا ولا نعرف مصيره في حين أننا نتباهى به كثيراً في الكتب والفضائيات.
أضاف أن السؤال الثاني يتعلَّق بآية لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، وقال أنها أصبحت آية بديهية نقولها ونقول أن في الدين لا إكراه، ثم قال أننا لم نتساءل يوماً لماذا جاءت في سياق الدين ككل وليس في سياق الدين الإسلامي فقط؟ وأشار إلى مثال الإكراه في الصلاة داخل الدين الإسلامي وفي إطار الأديان الأُخرى مُقارَنةً مع الدين المسيحي أو اليهودي كنظرة جديدة على هذا الموضوع، فقال له المُحاوِر – شكراً وصلت الفكرة، وأوضح أن السؤال القاد هو السؤال الأخير.
– تحدَّث أحد الحضور قائلاً السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، قال صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو آية، ووددت أن أبلغ كما أمر – صلى الله عليه وسلم -السلام على رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وعلى مَن تبعه إلى يوم الدين، فقال له المُحاوِر مُقاطِعاً المقام مقام سؤال وليس مقام تبليغ، فرد قائلاً هو مقام سؤال، وددت أن أقول أن الشيخ أشار إلى حديث الخلافة – قال صلى الله عليه وسلم الخلافة بعدي ثلاثون عاماً ثم تكون مُلْكا عَضُوضاً – وقد كانت ثلاثين عاماً حينما دفع بها سيدنا الحسن إلى معاوية، قاطعه المُحاوِر قائلاً ما هو السؤال؟ فقال وددت أن يُبيّن لنا الشيخ صحة الحديث، فقال له المُحاوِر شكراً لك.
– أراد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم الإجابة عن الأسئلة المطروحة فقال:
بسم الله الرحمن الرحيم، أولاً أود أن أشكر إخواني وأخواتي الذين تفضلوا بهذه الأسئلة الجميلة والذكية، وأبدأ بسؤال الأستاذ الفاضل عن العلاقة بين الحرية والسلم، فالمقصود هنا ليس السلم العالمي وإنما السلم الاجتماعي والسلم في داخل الدولة والوطن الواحد، وكما طلب مني الأستاذ عبد الواحد سأختصر لكن الموضوع طويل وضافي الذيول، فقناعتي أن في داخل البلد الواحد لا يُسوَّغ اللجوء إلى العنف وإلى القوة بأي حال من الأحوال، والنصوص الدينية واضحة هنا والتجارب مُؤلِمة، لكن أيضاً الدعوة إلى التغيير لازمة وضرورية، كالدعوة إلى حكم ديمقراطي شوري تشاركي وإلى تبادل للسلطة، فيجب أن نفعل هذا ولكن بغير اللجوء إلى العنف وأن نتحمل الضريبة التي يُمكِن أن ندفعها، وأنتم تعلمون ما هو المقصود.
في القرآن العظيم حتى الدفاع عن أس الاعتقاد وعن التوحيد في مُقابِل الشرك والكفر – والعياذ بالله – لا يجوز أن يتم بطريقة تُمزِّق أبناء الجماعة الواحدة، وهذا شيئ عجيب، في سورة طه تقول الآية الكريمة قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ۩ أَلَّا تَتَّبِعَنِ ۖ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ۩ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ۩، أي أنا سكت على الشرك وعلى عبادة العجل الذهبي من أجل وحدة الأمة ووحدة الجماعة، فلا يجوز بإسم أنني أُريد حكماً إسلامياً أن أُمزِّق الأمة وأُسلِّط بعضها على بعض فتحدث المذابح، وهناك أحاديث الفتن أيضاً، فالنبي نفسه الذي صح عنه أنه قال من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد هو الذي تقريباً اشتُهِرَت عنه أحاديث مشهورة كثيرة من غير طريق عن الفتنة الأهلية – طبعاً واضح أنها تتحدث عن فتنة أهلية – وقال ممنوع أن ترفع سيفك حتى وإن جاءك الآخر يُريد أن يقتلك واقتحم عليك حومة دارك، عليك أن تضع ثوبك على رأسك وأن تستسلم، وطبعاً دروس الحروب الأهلية في كل الدول في القديم والحديث تُؤكِّد أن الحرب الأهلية لا يُمكِن أن تنتهي إلا بتنازل طرف – طرف يضع السيف وينتهي كل شيئ بإذن الله – وإلا تتغذى الخصومة وتستمر الحرب، وقد رأينا لبنان وغير لبنان وإسبانيا وما حدث لعشرين سنة وخمس وعشرين سنة، فهذه مُصيبة ولذا لا نُريد أن نُساهِم في حروب أهلية بإسم الحكم الإسلامي وبإسم الدعوة إلى الإسلام وبإسم تحكيم شرع الله، نحن لا نُريد هذا لكننا أيضاً لا نسكت عن الباطل ولا نسكت عن الظلم، ونفعل هذا بحكمة وبإصرار واثق – بإذن الله – حتى النهاية، وطبعاً ينبغي أيضاً أن نُراهِن على الثقافة وعلى تغيير الفكر، فهذا الشيئ ضروري جداً جداً، وينبغي أن ندخل المداخل الصحيحة، فلا يكون مُدخلنا الأساسي مُثيراً لمَن هم في السلطة كأننا نقول لهم نحن نُريد الكراسي، نحن لا نُريد الكراسي وإنما نُريد الخير للأمة ونُريد الخير للدين، وسنفعل هذا – كما قلت لكم – أحياناً بالطريقة الحكيمة الطويلة والصحيحة، فنحن كما قال مولانا أبو الحسن الندوي – رحمة الله تعالى عليه – نُريد أن نأخذ الناس إلينا، ولا نُريد أن نأخذ هؤلاء من كراسيهم، وسيحدث هذا فالطريق ربما يكون طويلاً ولكنه أكيد بإذن الله تبارك وتعالى.
بالنسبة لتعليقات الأخت – بارك الله فيها – فهى تعليقات جميلة وأوافق عليها، ونحن تحدَّثنا عن فقهاء داعش وعن البديل، وقلنا نحن نُريد أن نُقدِّم بديلاً، فلا نكتفي فقط بتفكيك الخطاب الداعشي ودمغه بل لابد أن نُقدِّم البديل، ودائماً العملة الصحيحة تطرد العملة الزائفة، قال الله وَقُلْ جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِل ۩، ولم يقل حتى أزهق الباطل وإنما قال وَزَهَقَ الْبَاطِل ۩، فبمُجرَّد أن ينبلج نور الفجر ينقشع حندس الظلام تلقائياً، قدم الشيئ الصحيح وهذا سيُغري الناس إن شاء الله، ونحن طبعاً نُراهِن على نوايا المسلمين، فنوايا مُعظم المسلمين طيبة وخيرة والله، ولكنهم يُريدون البديل.
بالنسبة يا أختي للنسخ لا يقتصر الأمر فقط الشيخ الغزالي وأبي القاسم حاج رحمة الله عليه، فأول مَن قال من المُعاصِرين بإنكار النسخ الإمام محمد عبده، وقد فعلها بطريقة ذكية جداً جداً وجرى معه في هذا المجرى إلى أمد بعيد تلميذه رشيد رضا – أيضاً المدرسة العبدوية – وأكثر منه محمد الخضري بك – رحمة الله تعالى عليه – ثم سال السيل، وجاء الشيخ الغزالي وجاء المراغي وجاء كثيرون، ومن أحسنهم أيضاً عبد المتعال الجبري وهو له دراسة في أربع مُجلَدات – أي أربعة أجزاء – يُنكِر فيها النسخ، والعلّامة مصطفى زيد في رسالته العالمية العالمية في الأزهر قال بهذا وإلى آخره، فهذا موجود إن شاء الله.
بالنسبة للجزية يا أختي – ربما هذا سؤالكِ أيضاً – نقول أن الجزية ليست بديلاً وليست ثمناً للحرية الدينية على الإطلاق، الحرية الدينية أقدس من هذا وأكرم من هذا بكثير، أنا أرى أن تكييف الجزية الأكثر معقولية يمثل في أنها تعويض عن الأضرار، فنحن الآن ببلادنا كافون ومع ذلك يأتينا جيش مُعادٍ بغض النظرعن أيدولوجيته ويدهمنا ومن ثم لابد أن نستنفر الجيش وأن نُعبِأ هذا الجيش و ندفع ثمنها أكلافاً باهظة جداً من دمائنا ومن أموالنا ومن مُعداتنا، فهذه خسارة كبيرة، وأنت انكسرت ولذا عليك أن تعوضني، فأنت كجيش عوضتني لكن السؤال الخطير ما ذنب أبنائك وأبناء أبنائك وأحفاد أحفاد أحفادك كالأقباط في مصر اليوم؟ أنا أقول لكم أن الذي انتهى إليه رأيي بكل تواضع أن هؤلاء ليس عليهم جزية ولا علاقة لهم بما فرض الجزية لا من قريب ولا من بعيد، هذا خطأ مرد عليه الفقهاء المسلمون عبر التاريخ، لكن انتبهوا إلى أن مِن المُعاصِرين مَن تجرأ وقال بهذا الاجتهاد على أنكم ربما تسمعون هذا لأول مرة لأنني حين قرأته أيضاً سمعته وقرأته لأول مرة ولم أسمعه من عالم، والعلّامة الشيخ مصطفى السباعي في كتابه هذا هو الإسلام قال الجزية كما أفهمها من القرآن الكريم يدفعها الذين اعتدوا على المسلمين وخاضوا الحرب ولا يدفعها أُناسٌ آخرون بعد ذلك، فهم ليس لهم علاقة، من غير المعقول تُدفِّعوا الأقباط وغيرهم ألف ومائتين سنة وألف وثلاثمائة وألف وأربعمائة سنة الجزية وتقولون لنا هذه جزية، جزية ماذا؟ وخاصة بعد عهد الاستقلال والتحرر من المُستعمِر، فهم خاضوا الحروب معنا جنباً إلى جنب ويداً بيد، أليس كذلك؟ كيف تُدفِّعونهم جزية إذن؟ هذا كلام فارغ، والعجيب أن الإمام أبا الأعلى المودودي له اجتهاد قريب من هذا أيضاً، وهذا شيئ عجيب ومن ثم أدهشني، فهو يقول الجزية يُقتصَر بها على أمثال هؤلاء، وهذا الملحظ مُهِم فحاولوا أن تُعمِّقوا القراءات فيه، والاجتهاد لابد منه لأنه مُهِم جداً الآن.
بالنسبة لقول أختي أنني حكمت للسلفيين على نواياهم فأنا أعتقد لو أنكِ انتبهتِ يا أختي لعلمتِ أنني قلت لأخي عبد الواحد أنا لا أُحاكمهم على نواياهم ولكن أنا أستقرئ واقعهم، فهم يفعلون هذا في الواقع وخاصة أنني قلت وقيدت أن هذا الأمر يتعلَّق بالعقيدة في نظرهم وبالدين وليس بأيدولوجية وفلسفية تأملية وإنما بالدين، علماً بأن لا يُوجَد أي اجتهاد سلفي مُعاصِر يُوقِّر الحريات، وفي رأس الحريات الحرية الدينية وحرية الاعتقاد، وبالمُناسَبة حتى لا نظلم السلفيين أقول أن الاجتهاد الإسلامي عموماً إلا ما ندر – هناك إضاءات طبعاً في الفكر الإسلامي المُعاصِر – لا يُوقِّر الحرية الدينية، وبكلمة واحدة أنا أقول لكم أن كل مَن لايزال يتعاطف مع حكم قتل المُرتَد هو يذبح الحرية الدينية بضربة واحدة، لا تقل لي هناك حرية دينية وأنت تقول لي أنك تقتل المُرتَد، هذا الكلام لا يستقيم بالمرة، وطبعاً لا يُوجَد سلفي عنده استعداد بنسبة خمسة في المائة لأن يتنازل عن قتل المُرتَدين، فهو يقول لك هذا هو الدين وهذا ثابت، مع أن هذا ليس ليس من النصوص، فقط ظواهر قابلة للتأويل وبشكل معروف ومأنوس – إن شاء الله – للمُتابِعين.
بالنسبة لربات البيوت نعم أتفق معكِ وأعتذر لأخواتي، لكن الذي نعلمه أن نسبة الأمية في الدول العربية دائماً في النساء أزيد منها في الرجال، فهذا ثابت ومعروف طبعاً، والمرأة نالت حظها مُؤخَراً للأسف الشديد من التعليم لأن إلى وقت قريب وإلى ما قبل ستين سنة في بعض البلاد كانت المرأة محرومة تماماً من هذا، فكان مُحرَّماً عليها ارتياد المدارس، لأن عندك تراث يقول علِّموهن الغزل والخياطة وسورة النور وإلى آخره، وعلى كل حال هذه أحاديث فارغة، ولكن طبعاً بلا شك لدينا ربات بيوت أميات ولدينا رجال أميون كثيرون، وهذا صحيح فكان ينبغي أن أذكر هؤلاء وهؤلاء، ولذا أنا أعتذر لأخواتي، فهذه نزعة ذكورية طبعاً لأننا لا نزال رجالاً!
أشكر لأحد إخواني – رجل من إخواني ومن أحبابي – أنه نبهني قبل فترة إلى شيء، حيث قال لي يا شيخ نحن نحبك وما إلى ذلك ولكن أنت لك مقالة حزت في نفسي، فقلت له ما هى؟ قال أنت قلت شيئاً لا ينبغي حين كنت تقول أنك مُعجَب بعبد الباسط عبد الصمد، فقلت له أنا أعشقه، أنا لست مُعجَباً به فحسب بل أنا أعشقه، أنا أعشق هذا الرجل من صغري وقد حبَّبني في كتاب الله، فقال لي لكنك قلت كل مَن لا يُحِب هذا الصوت – وهذا كان – أنت تشك في ذوقه، فكأنما هزني لأن هذه حماقة مني، هذه مسألة أذواق، والأذواق لا يُمكِن أن يُراهَن عليها وأن حتى يُجادَل فيها، ليس شرطاً لأنني أستحلي هذا الصوت أن يستحليه العالمون، فلماذا فعلت هذا؟ حين فعلت هذا فعلاً كانت هذه نزعة مُتطرِّفة لدي، فجميل أنه نبهني وهزني وأخجلني أمام نفسي، لقد خجلت وتساءلت كيف قلت هذا؟ أنا أهنت كثيرين ربما لا يستحلون صوت عبد الباسط وقد يستحلون صوت المنشاوي أو صوت السديس أو غيرهم، هم أحرار وهذه مسألة أذواق والأذواق لا نقاش فيها، فجميل أن يُنبِّه الإنسان أخاه أحياناً إلى تجاوزاته.
أخي الفاضل هنا يسأل هل فعلاً فشل شعار الإسلام هو الحل؟ وأنا أقول له هذا الشعار من يومه أصلاً كان خاطئاً وهو خطير جداً، وأنا عندي خُطبة حديثة إسمها لا تُراهِنوا على الإسلام، وهذا أكبر رهان على الإسلام، فما معنى الإسلام هو الحل؟ الإسلام هو الحل تعني أنه حل للأزمات الاقتصادية وحل للأزمات السياسية والاجتماعية وحتى الأخلاقية والروحية، لكن هل الإسلام نفسه هو الذي يتقدم بالحل؟ هذا مُستحيل، يتقدم بك وبخطابك وبطرحك وبفهمك ويتقدم بي ويتقدم بها، أليس كذلك؟ وفي نهاية المطاف نحن بشر أيضاً نسبيون فتختلف أفهامنا وتتفاوت خطاباتنا وتتباين تأويلاتنا وتفسيراتنا، فإذن لو كان ينبغي أن نرفع شعاراً ما كان ينبغي بالمرة أن نُقحِم إسم الإسلام، لأننا كأننا نقول للناس جربوا الإسلام، لكن ماذا لو فشلنا يا سيدي في علاج الأزمة الاقتصادية أو السياسية أو حتى الروحية والأخلاقية في البلد الفلاني؟ ما معنى هذا؟ هذا مُباشَرةً سيُوحي للناس البسطاء أن الإسلام يفشل وهذه كارثة، لذلك انظر إلى النبي عليه السلام، النبي عجيب، يقول لعليّ بن أبي طالب – عليه السلام – وإذا حاصرت – في صحيح مسلم – إذا حاصرت أهل حصنٍ فاستنزلوك على حكم الله ، فلا تُنزِلهم على حكم الله – لا تقل لهم هذا حكم الله – لأنك لا تدري هل تُصيب فيهم حكم الله أم لا وإنما أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك، أرأيت ماذا قال النبي؟ النبي لا يُحِب أن نُغامِر بإدخال الإسلام نفسه في اختبار، فالذي يدخل في الاختبار نحن، وينبغي أن نقول للناس باستمرار هذا، وأنا أفعل هذا إن شاء الله وأنا سعيد بهذا ودائماً ما أقول أنا برئ من كل أحد يقول أنا عدناني وأنا أتبع عدنان إبراهيم، لا تتبعن، أنا -والله – برئ منك في الدنيا قبل الآخرة، هل تعرف لماذا؟ لأنني بشر طبعاً، أنا أتناسخ وأنا أتطور وأنا أتناقض وأنا بشر أتعلم وأنا طالب علم إلى أن ألقى الله تبارك وتعالى، لي أربعون سنة في العلم ليل نهار وسألقى الله وأنا أتعلم، كل يوم أتعلم، فحين أُخطيء ستكون معرة خطأي على نفسي ومغبة خطأي على نفسي، لكن لو قلت للناس اتبعوني لأنني أنا المُلهَم لن يبقى إلا أن أقول أنا نبي وانتبهوا لأن أنا عندي الصيغة الوحيدة وعندي العلاج الناجع والدواء المُجرَّب وما إلى ذلك لكن ماذا بعد؟ سوف أُخطيء طبعاً عشرات ومئات المرات، وأنا أقول لك كل أخطاء مَن يتبعوني على عمىً معقودة بجبيني ومشغولة بها ذمتي يوم القيامة وهذه كارثة، لكن الصحيح يكون حين أتبرأ منك وأقول لك أنت عليك أن تنظر في كلامي، إن اطمأنت به نفسك واطمأن به قلبك وارتحت إلى دليلي خُذ به على أنك أخذت بما اطمأننت به أنت وليس لأنك تتبع عدنان، ليس عليك من مغبة ومعرة خطأي بعد ذلك شيئ إلا ما يعلمه الله من نيتي،وهذا مُهِم جداً، فينبغي على كل مسلم أن يفعل هذا، إماماً كان أو من آحاد الطلبة، فيقول هذه يا إخواني اجتهاداتنا، هذا اجتهادي في فهم النظرية الاقتصادية في الإسلام، هذا اجتهادي في فهم الرؤية الكونية في الإسلام، هذا اجتهادي في كذا كذا كذا، وقد أُصيب وقد أُخطيء، أين كلام أئمتنا المُؤسِّسين؟ رأيي هذا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، أبو حنيفة يقول يا يعقوب بن إبراهيم – أبو يوسف – يا يعقوب بن إبراهيم لا تكتب عني كل ما أقول، فإنما أنا بشر أُخطيء وأُصيب وقد أذهب اليوم إلى رأي أو أقول وأعود عنه غداً، وأذهب إليه غداً وأعود عنه بعد غد، فلا تكتب عني كل ما أقول، علماً بأن كلهم نهوا عن تقليدهم، وهذا تواتر عنهم، واقرأوا كتاب العلّامة الفُلاّنيّ السوداني “كتاب إيقاظ همم أولي الأبصارللاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار وتحذيرهم عن الابتداع الشائع في القرى والأمصار من تقليد المذاهب مع الحمية والعصبية بين فقهاء الأعصار” وهو كتاب عجيب،ترى فيه أن تقريباً اشتُهِر إن لم يتواتر عن هؤلاء الأئمة نهيهم أتباعهم عن تقليدهم، فلا مجال للتقليد، فقط تعرف ما هو رأيي فإذا أعجبك وارتحت إلي دليلي خُذ به، ولم يُريدوا أن يُغلِقوا على آرائهم بطوق المذهبية – أي أن يُصبِح مذهباً مُغلَقاً – أبداً، فهم ما أحبوا هذا، فهذا هو يا أخي، إذن وجهة نظري – إن شاء الله – لا تُراهِنوا على الإسلام وإنما راهنوا على أنفسكم، فإذا نجحتم كان الفخر لكم ولمصدر وحيكم الذي هو الإسلام، فهو الذي ألهمكم، وإذا خبتم وفشلتم كان معرة هذا عليكم، والإسلام براء من هذا الفشل، وصححتم المسيرة بعد ذلك، فالأفضل أن نفعل هذا، والله أعلم.
اللهم صل على سيدنا محمد، الأخت الفاضلة تسأل عن السلام العالمي وهل هو يوتوبيا Utopia ومدينة فاضلة وحلم أم عكس هذا؟ إلى الآن واضح أنه حلم كبير، نحن كمسلمين ينبغي أن يكون هاجسنا ما هو المدى الذي يُمكِن أن نذهب إليه في بلورة نظرية القانون الدولي في السلم العالمي، فهذا هو فقط، راهنوا على هذا وابحثوا في هذ، ثم قدموها للعالم وحاولوا أن تُثقِّفوا وأن تربوا عليها أبناءكم وبناتكم بإذن الله تعالى، وقولوا بعد ذلك نحن لنا يد بيضاء على البشرية باقية على الدهر، تُذكَّر فتُشكَر – إن شاء الله تعالى – لأننا ساهمنا في إرساء السلم العالمي، أي Pax Islamica مثل Pax Romana، فهذا مُمكِن، وسبحان الله إسلامنا – كما قلت لكم – عنده مادة غنية ثرية في هذا الباب – والله – وهى مادة غير طبيعية – سبحان الله – رغم التأويلات التي تُخالِف هذا الشيئ.
أخي الفاضل يسأل عن الفتوحات الإسلامية في الشمال الأفريقي وهذه القصة المعروفة طبعاً والتي تتعلَّق بأن الفاتحين لم يتخلقوا في أحيان كثيرة بأخلاق الإسلام، وهذا أمر طبيعي يا أخي، الفاتحون – كما قلنا قُبيل قليل – بشر يُخطئون ويُصيبون، ألم يكن في الصحابة أنفسهم مَن أخطأ في الغزوات وفي القتال؟ خالد بن الوليد ألم يُخطيء غير مرة ويبرأ الرسول منه قائلاً اللهم أني أبرأ إليك مما فعل خالد؟ هل هذا حصل أم لم يحصل؟ حصل ثم وداهم – دفع دياتهم – بعد ذلك، خالد حين فعل بمالك بن نويرة ما فعل ألم يغضب عمر غضبة عمرية؟ غضب غضباً شديداً وقال يا أبا بكر اعزله فإن في سيفه رهقاً، فقال له لا أشِيمُ سيفاً سله الله على أعداء الله ورسوله، قهذا الحس الإسلامي الصحيح، حس يتحفز دائماً أو يتحيز إلى العدل، وتاريخنا ليس مُقدَّساً لأننا بشر ولسنا مُقدَّسين، حين يُخطيء الفاتح ويُخطيء الخليفة نفسه أو غير ذلك فإننا نُخطِّئه ونقول هنا هو لم يستوح الإسلام، استوحى هواه واستوحى غضبه واستوحى نزقه واستوح جهله، ونعترف بهذا، فهنا أيضاً الإسلام لا يحمل معرة هؤلاء، هم يحملون معرة أنفسهم، ثم أنك يا أخي الكريم تقول ماذا كان مصير طارق بن زياد؟ مصير طارق مُشتبِه، لكن مصير موسى بن نصير معروف، مصير أبناء موسى الثلاثة وهم فاتحون عظام معروف للأسف الشديد، ما مصير محمد بن القاسم الثقفى الفاتح العظيم؟ معروف أنه مصير أغبر، مصير قتيبة بن مسلم الباهلي مصير أغبر، مَن فعل هذا؟ بنو أمية – خلفاء بني أمية – طبعاً، هؤلاء كما استعبدوا الشعوب المفتوحة اساءوا إليهم، فبنو أمية حين فتحوا لا تقل لي أنهم فتحوا على نحو ما فتح عمر بن الخطاب، فتحوا على نحو مُختلِف تماماً، لأنهم أرادوا الأموال، بنو أمية دفَّعوا مَن أسلم من غير المسلمين الجزية إلى جانب الزكاة، ولك أن تتخيَّل هذا، وظلوا يفعلون هذا – الحجاج – إلى أن جاء الراشد الخامس أو السادس بالأحرى عمر بن عبد العزيز، وكتب كتابه قائلاً قبحك الله وقبح رأيك خُطتك أو ما جريت عليه، إن الله إنما بعث محمداً – صلى الله عليه وسلم – هادياً ولم يبعثه جابياً، وحدثت فضائح وشنائع في هذا السبيل فاقرأ عنها في تاريخ الطبري، فهذا فعله البشر، وأقول مرة أخرى أن معرتهم على أنفسهم أما الإسلام براء منهم، وطبعاً أنا أتفهم موقف أخي الفاضل الكريم، فهل تعرفون لماذا؟ لأن من المسلمين اليوم – سبحان الله – مَن يغضب غضباً شديداً إذا انتُقِدَ التاريخ الإسلامي كأنما يُنتقَد كلام رب العالمين، وهذا شيئ عجيب، هل لدينا نزعة تقديسية فعلاً؟ سأقول لكم شيئاً ثم أمضي إلى السؤال الآخر بعد ذلك، زارني مرة عالم فاضل وبروفيسور Professor كبير وعنده مُؤلَفات كثيرة في بيتي وكان يعتب علىّ أنه سمع لي في خُطبة أنني أنتقد بعض الدول الإسلامية التاريخية كبني عثمان والمماليك وما إلى ذلك، فقلت له ما في هذا؟ هذا أمر طبيعي وهؤلاء بشر، فقال يا شيخ لا يجوز التشكيك في دولنا وما إلى ذلك، فقلت له لا يا أخي، وبدأنا ببني أمية وقال لي أنت تكلمت عن عبد الملك، فقلت له نعم لأن عبد الملك لديهأشياء كثيرة تُؤخَذ عليه، فقال لي لا يجوز، هذا عبد الملك بن مروان، فأتيته ببعض قبائح عبد الملك، لكنه قال لا يصح، فقلت له الذهبي صحح هذا، فقال هذا غير معقول، قلت له سوف نأتي بما قاله الذهبي، فقال لي لا أُريد أن أسمع ولا أُريد كذا وكذا، فرأيت أنه يُكابِر فأخذته بطريق الحيلة واختدعته عن نفسه وقلت له يا دكتور أسألك سؤالاً، ما رأيك في بني العباس إذن؟ بنو أمية سنتركهم الآن وهم على العين والرأس ومُقدَّسون وليس عندنا مُشكِلة فماذا عن بني العباس؟ قال هل تُريد يا عدنان أن تُشكِّك في بني العباس وهم بناة الحضارة الإسلامية وعندهم الحضارة والعلم والترجمة وما إلى ذلك؟ قلت له والله هذا صحيح ومعقول، فما رأيك في المماليك؟ قال المماليك لهم فضل كبير وحدَّثني عن قطز وعين جالوت، فقلت له وماذا عن بني عثمان يا أخي؟ ثم سألت عن أمور أخرى تتعلَّق بنفس الأمر، وقلت له ما شاء الله، لكن يا دكتور هل فطنت إلى أن بني العباس هم خوارج؟ فقال لي كيف خوارج؟ قلت له هم خوارج على بني أمية، خوارج حقيقيون فعلاً، وقلت له أنهم ذبحوهم واستأصلوهم وقتلوا أطفالهم الصغار – الأطفال الصغار قُتِلوا – أيضاً، وقلت له أنهم قتلوهم في مسجد دمشق، ولك أن تتخيَّل أنهم في المسجد ذبحوهم وكانوا سياقة الموت ثم وضعوا عليهم البساط – السجاد – وكانوا يشربون فوقهم الخمر، وقلت له هذا تاريخ الطبري وتاريخ البرزالي وتاريخ ابن كثير، فغضب الرجل جداً ثم قلت له والمماليك خوارج على بني العباس، والعثمانيون فعلوا وفعلوا، وقلت له لماذا يأتي السلطان سليم ويقتل قنصوه الغورى ويُعلِّق رأسه على باب زويلة؟ قنصوه الغورى سلطان مسلم ويُحكِّم شرع الله، ما علاقتك أنت يا سليم الصاعقة بأن تأتي تفتح مصر؟ هل مصر يحكمها مُلحِد؟ يحكمها مسلم، ثم قلت له هذا منطق إمبراطوري، هذا منطق القوة ومنطق السُلطة، فما علاقة الإسلام بكل هذا العبث؟ فغضب الرجل واستأذن وذهب، لأنه لا يُريد أن يقتنع، فأرجوكم لا تُقدِّسوا التاريخ، ومن هنا قال مولانا الشيخ محمد الغزالي كلمة هامة وهو من أصدق الناس نظراً حقيقةً في واقع الأمة وتاريخها ونصها بالنور الرباني والإخلاص والصدق الذي كان عنده لإسلامه، فمحمد الغزالي المُعاصِر – رحمة الله عليه وروح الله روحه – كان يقول بكلمة واحدة تاريخنا العلمي الثقافي في جُملته مُشرِّف – أي يرفع الرأس حقيقة – لكن تاريخنا السياسي أسود مُظلِم، وهذا صحيح فعلاً، إذا أردت أن تفخر افخر بالعلماء وبالأولياء وبالمُخترِعين وبالفلاسفة لأن هذا – ما شاء الله – ينرفع الرأس والله، لكن السلاطين والخلفاء لهم وعليهم، وما عليهم أكثر بكثير مما لهم، غفر الله للجميع!
أخي الفاضل يتحدَّث عن آية لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩ وعن الدين وما المقصود به، وأنا أقول له أن هذه الآية إما أن تكون خبراً وإما أن تكون إنشاءاً وإما أن تكون إنشاءاً في معنى الخبر كما رجح بعض المُفسِّرين من السادة الكبار، وعلى كل حال الأرجح فيها أنها خبر أو إنشاء في معنى الخبر، فالآية ليس معناها لا تُكرِهوا أحداً على دينكم، هذا لازم من لوازم الخبرية فيها، لكن المعنى يمثل في أن الآية حاكية عن حالة تكوينية – هكذا قال مُحقِقو المُفسِّرين – ما وحالة فطرية، لكن ما هذه هى الحالة التكوينية؟ الحالة التكوينية هى أن الإنسان لا يُؤمِن إلا بما اطمأن به، ولا تستطيع كل قوى الأرض – لك أن تتخيَّل كل قوى الأرض – أن تفعل هذا، لا ذهب المُعِّزِ ولا سَيْفُه أن يحملوا إنساناً على أن يطمأن قلبه بشيئٍ يرتاب فيه، هذا غير مُمكِن، والله يقول هذا، فهو يقول لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، هل يُمكِن الإكراه في الدين؟ هل يُمكِن أن تجعل إنساناً يُذعِن بدين لم يُذعِن به باطنه؟ هذا مُستحيل، الإذعان يبدأ باطنياً، وإذا كانت الحالة هكذا هل يسوغ الإكراه على الدين في الظاهر؟ هل يُمكِن أن نقول لأحدهم أسلم وإلا قُتِلت فعُد إلى الإسلام تحت طائلة العقاب بقتل المُرتَد؟ هل هذا مُمكِن؟ هذا الكلام عبثي، لكن طبعاً مُعظم الناس جُبناً وخوفاً وضناً بحياتهم يقول الواحد منهم أنا عُدت إلى الإسلام وأنا تُبت وأنا عُدت عن ردتي، لكنه سيعيش ويموت مُنافِقاً وناقماً عليك، أليس كذلك؟ فالآية حاكية عن حالة تكوينية، علماً بأن بعض الترجمات الألمانية والإنجليزية تُترجِم على أنها حالة تكوينية، وهذه الترجمة دقيقة، ولذلك هل هذا الدين الإسلام؟ الإسلام والمسيحية واليهودية والإلحاد وكل العقائد الباطنة لا يُتصوَر فيها الإكراه، والقرآن حين طرح مفهوم الدين طرحه مفهوماً واسعاً وقال لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ۩، هل هم أيضاً عندهم دين؟ طبعاً، هذا دين بلا شك، لكنه دينٌ باطل ودين وثنية، والله قال لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ۩ وقال أيضاً لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، وعندما قال الله وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۩ ماذا قال المُفسِّرون الأذكياء؟ قالوا معنى وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۩ أن يكون خالصاً دين الفرد لله بحيث لا يُرهَق فيه ولا يُرغَم عليه، فمَن أحب أن يتدين بالإسلام لا ينبغي أن يُفتَن عنه، ومن ثم اتركوه، لأن المُشرِكين لم يفهموا خُطة لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩ وأرادوا فتن المسلمين بالسيف وبالقوة عن دينهم حتى يعودوا ويرتدوا إلى الوثنية، ماذا قال سيدنا شعيب؟ قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم ۩، هذا غير معقول لأننا نكره هذا، وهذا معنى لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، ماذا قال نوح؟ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ۩، قال الله أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا ۩، فالله يستنكر هذا – السؤال إنكاري – طبعاً، إذن هذا المقصود يا أخي، بالعكس هذه الآية آية عجيبة جداً، علماً بأن هذه الآية هى الآية المفتاحية – Key – في قضية الحرية الدينية على الإطلاق.
– قال المُحاوِر أن آخر سؤال موجود لديه هو سؤال عن الخلافة وحلم الخلافة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هناك أخ سألني عن مدى صحة حديث سَفِينَةُ، وذكر الأخ الفاضل الحديث الذي يقول الخلافةُ بعدي ثلاثون ثم تكون مُلكاً عاضاً أو عضوضاً، وهذا الحديث هو حديث سَفِينَةُ مولى رسول الله وقد أخرجه بعض أهل السُنن من المُعاصِرين وصححه العلّامة الألباني – رحمة الله تعالى عليه – وقال هذا الحديث صحيح، وأنا حصيت مِمَن صححه ستة عشر إماماً، لأن هذا الحديث صححه ستة عشر إماماً آخرهم الشيخ الألباني، لكن انتبه يا أخي الفاضل ولينتبه الجميع – الكلام للجميع من الإخوة والأخوات – إلى ما سأقول، فليس معنى أن لفظة الخلافة وردت في الحديث على تسليمنا لصحته وعلى أنه حديث آحاد طبعاً أن الخلافة تكون معقودة لواحد ولا يجوز تعددها، هذا إنما أُخِذ من حديث آخر يقول إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا، أي الثاني، وفي القلب من هذا الحديث شيئٌ وأشياء،
ولذلك حتى حين اختلفوا في السقيفة لو كان هذا الحديث صحيحاً ويعرفه الصحابة الكبار ما قال الْحُبَابُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، لأنه كان سيقول أن النبي قال بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا، علماً بأن عندكم علّامة في الحديث في المغرب يبذل جهوداً جبارة – ما شاء الله – في تقييم بعض الأحاديث المشهورة مثل أحاديث العقائد وخاصة أحاديث الإخوة الشيعة وأحاديث السياسة مثل حديث قريش وما إلى ذلك، وهو محمد العمراني الحنشي بارك الله فيه، هذا الرجل مكث في بعض الأحاديث سنة كاملة يدرسها ثم قال دُهِشت بعد ذلك، بعد أن تتبع كل طرقها لأن عنده طريقة مُعينة في التصحيح والتضعيف، وهذا أمر عجيب لكنها طريقة دقيقة جداً جداً، فأنصحكم أن تعودوا إلي هذا الرجل، لأنه – سبحان الله – عالم ومُجتهِد ويتعب كثيراً ومُخلِص في خدمة السُنة، وحين تدخل على موقعه تجد أن مَن يُتابِعه عشرة أو عشرون ويشترك عنده بضع مئات، وهذا شيئ مُحزِن ومُخجِل، رغم أن عنده طريقة دقيقة وهو عالم أصلاً، وعلى كل حال أعتقد أن هذا الحديث – كما قلت – في النفس منه شيئ وأشياء، فلو كان موجوداً ومعروفاً بين الصحابة ما قال أحدهم مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، ولرد عليه أحد من الصحابو، علماً بأن حديث إن هذا الأمر في قريش لو كان معروفاً لبادر الاحتجاج به مُباشَرةً أبو عبيدة ومن قبله عمر وأبو بكر، ولكنهم لم يفعلوا.
– ذكر المُحاوِر حديث ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أن نفس الشيئ ينطبق على هذا الحديث، ثم قال على كل حال نكتفي بهذا القدر، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، أشكر لكم جميعاً حُسن استماعكم وإصغائكم لأنكم كما قالت الأخت تحملتمونا هذه الفترة، وأشكر لأخي عبد الواحد على أسئلته وعلى إدارته الجيدة للنقاش، وأشكر للجمعية المُبارَكة هنا وأدعو الله – تبارك وتعالى – لهم بمزيد من التوفيق والنجاح والعمل والتنوير، وطبعاً لن أنسى المُترجِمين، فنحن لدينا ثلاثة من المُترجِمين وهم بلا شك لقوا عناءاً كبيراً بسبب سرعة حديثي واندلاعي في الحديث، وأنتم تعرفون أن القضايا الشرعية وهذه الأشياء والمسائل صعبة في الترجمة حقيقةً، فنشكر لهم ونُكرِّر لهم الشكر وندعو الله – تبارك – وتعالى أن يُبيّض صحائفهم وأن يُثقِّل موازينهم يوم القيامة كفاء ما لقوا من عناء الترجمة، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
انتهت المحاضرة
أضف تعليق