– وجَّه المُحاوِر حديثه للأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً أن هناك أوضاعاً جديدة في العالم العربي كما يعرف الآن فلابد من الاعتراف بالواقع، وهذا ماحدث على مُستوى العراق – مثلاً – وعلى مُستوى سوريا، وذكر أن هناك اتجاهات سياسية أخرى بالعالم العربي تقول أن الحل هو العلمانية باعتبارها تتعامل مع المُخالِفين على أن لهم حقوق ولهم واجبات بغض النظر عن كونهم أقلية وبغض النظر عن الاعتبارات الدينية أو السياسية أو الأيدولوجية أو العرقية وإلى آخره، ثم قال للأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أنه مُتأكِّد منه أنه على وعي بأن العالمية لاقت ترحيباً في العالم العربي من فئات مُتعدِّدة وضعت عليها الأحلام وما إلى ذلك وأن هنا في الغرب سيقول عنها المُسلِم أنها تُعطيك الحقوق، ثم سأل عن موقع العلمانية إذن في هذه القراءة في العالم العربي؟ وعن مدى صحة ما يُقال عن أنها الحل سياسياً وليس أيدولوجياً لتحقيق السلم في العالم الإسلامي.
– رد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً شكراً على السؤال، العلمانية في السياق الغربي الأوروبي هى بنت الرهبانية وهى مُقابِلة للرهبانية، ومن هنا يُقال لك رهباني في السلك الكهنوتي وعلماني، فالعلماني هو الذي يعيش خارج حتى حدود الكاتدرائية والدير وإلى آخره، هذا هو العلماني أياً كان، ورجل الدين الراهب أو الرهباني هو الذي يعيش داخل هذا النطاق وداخل هذا السلك مادياً ومعنوياً، وهذه الحالة لم توجد في الإسلام، حتى الصوفية لم يكونوا صورة مُناظِرة تماماً لهذه الحالة، هذا أولاً وهو مُهِم جداً، ثانياً اتفق معك أخي الكريم أن العلمانية هنا في أوروبا لم يُرَد بها فقط ولم تُفلِح فقط لأنها حيدت الدين، العلمانية هنا كانت مُفيدة جداً لأنها أنجزت ضمن مُنجَزاتها المُهِمة والإيجابية فك الاشتباك وفك النزاع بين الطوائف وبين أبناء المُجتمَع الواحد، فهل نحتاج هذا نحن اليوم؟ نحتاج هذا نحن تماماً، وأنا أقول لكم اليوم أي دولة إسلامية أو دولة مسلمة في أي بلد عربي أو مسلم على طريقة بعض الإسلاميين – وأنتم تعلمون ماذا أعني – لن تنجح وستُمارِس التمييز، إلى قبل ربما عقود يسيرة صرَّح قائد ومُرشِد لجماعة إسلامية كبيرة – للأسف الشديد – جهاراً بأن غير المسلم لا ينبغي أن يخدم في الجيش، وطبعاً مُستحيل أن يصل إلى سُدة الحكم، فهذا وراد أبداً، ثم قال وغير المسلم ينبغي أن تُعقَد له الذمة ويدفع الجزية، ولك أن تتخيَّل هذا، هذا كلام خطير جداً جداً جداً وهذا الكلام أيضاً سيكون تتميماً للمُخطَط لتفجير هذا العالم – العالم العربي والإسلامي – الذي نعيش فيه، وهذا لم ينجح بأي حال من الأحوال ولم يُقبَل، وطبعاً لن أدخل الآن في النقاش الدقيق عن بعض الناس، فكلامي هذا ربما يروعه، فقد يكون عندك تحفظ على الجزية أو عندك تحفظ على الذمة وهذا موضوع آخر ودقيق ومُشكِّل جداً، وعلى كل حال نحن اليوم نحتاج العلمانية لكي نفض الاشتباك بين السُني والشيعي وليس فقط بين العلماني وبين الرهباني، بل بين السُني والشيعي وبين المسلم والقبطي المسيحي وبين المسلم والأزيدي، فنحن نحتاج العلمانية، لكن كيف؟ وبأي آلية؟ أنا أقول لك بآلية أننا نأخذ بالدولة تقريباً في حدود دُنيا، وطبعاً هذا له محاذيره أيضاً وخاصة في موضوع الرفاه والاقتصاد وتوزيع الثروات وما إلى ذلك، فهذا موضوع ثانٍ وهو معروف، لكننا نُريد الدولة التي تجعل وكدها الحقيقي هى المهام السيادية الأربعة ولا تجعل من مهامها المنذورة لها حراسة الدين، وهذا تعريف الدولة لدينا، هذا تعريف الخليفة والخلافة، وفي الحقيقة حراسة الدين أصلاً مفهوم غالط ومفهوم مدسوس على الإسلام وهو عكس القرآن تماماً، لأن القرآن نفى أن يكون النبي نفسه حارساً لدين الناس، قال الله وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ۩، ما معنى حَفِيظًا ۩؟ أن تكون حارساً لكي تحفظ دينهم، فالله قال له لا، الدين يحفظه أهله ويحفظه المُتدين بصدق تدينه وبصدق نيته، لكن الدولة تحرس الحدود الخارجية بالجيش، الدولة تحرس الأمن الداخلي بالأمن وبالشرطة، الدولة عندها مُؤسَساتها القضائية وتفصل بالنزاع بين المواطنين من غير تمييز، الدولة تُحقِّق الحد الأدنى من ضرورات العيش، هذه مهام سيادية أربعة، وهذا المفروض أن تقوم به، بعد ذلك ينبغي أن نخبر ما لم نخبره إلا في حدوده الدُنيا،
أما بالنسبة للمُجتمَع المدني فعلى المُجتمَع المدني أن يُسهِم في دعم القضية الدينية والقضية الثقافية ودعم الأخلاق ودعم الأشياء، فالمُجتمَع المدني يفعل هذا وأنا وأنت وهو وهى، أهلاً وسهلاً بهذا، فبهذه الطريقة نقبل نحن العلمانية!
أما العلمانية بتحييد الدين في الحياة والإزراء على الدين ومُحارَبة حتى الدين بالطريقة اللائكية الفرنسية فهذه واضح أنها ليست علمانية وواضح أنها نزعة إلحادية ونزعة انتقامية تحمل إرث التاريخ، فهى تحمل طبعاً إرث التاريخ وإرث محاكم التفتيش وإرهاق الناس عبر القرون السوداء المُظلِمة وتُريد الآن أن تنتقم، فأنا ما علاقتي بهذا؟ أنا ليس لدي هذا الإرث، أنا ليس لدي هذا الإرث أبداً مع ديني – بفضل الله تبارك وتعالى – على الإطلاق ولا أحتاج هذا المعنى!
بالأمس ذكرنا نحن في الثورة الروحية، فبالعكس نحن دعوتنا إلى ثورة روحية بالمعنى الذي ذكرناه أمس، بحيث تكون الروح عاملة في طول الحياة، في طول السياسية وفي طول الجيش والعسكرية وفي طول الثقافة والأخلاق والعادات والفكر والعلم والحياة الاجتماعية، وهذا عكس العلمانية تماماً، هذا طوق نجاتنا، لكن نقبل العلمانية في هذه الحدود الدُنيا بحيث نقول ليس من وظيفة الدولة تديين الناس ولا إرهاق الناس لكي يقوموا بالشعائر والطقوس كما تعلمون، والله قبل أيام تُحدِّثني سيدة مُثقَّفة وفاضلة ومسلمة فتقول لي وتُقسِم بالله أننا صرنا إلى حالة حين نسمع الأذان نشعر بشعور بئيس كريه جداً جداً جداً، نشعر كأن هذا المُؤذِّن يقول لنا قومي يا كذا وكذا لكي تُصلي، فالدين لا يكون بهذه الطريقة، علماً بأن الدين قرآنياً بالذات ليس كذلك، حتى الزكاة مع أنها في جزء منها عبادية – وظيفة عبادية – وفي جزء آخر اجتماعية مالية – وهذا قد يكون حتى الأظهر فيها- إلا أن قرآنياً الذي يكز ويقبض يده ولا يُعطي الزكاة يُعاقَب بألا تُؤخَذ منه، نقول له اذهب إلى الجحيم إذن لأننا لا نحتاجها ولن نأخذ هذه الصدقات منك، ولك أن تتخيَّل هذا، لأن – كما قلنا – في جزء منها عبادي، إذا أنت لم تفعل هذا تقرباً إلى الله أنا لا أحتاجها، وكذلك الصلاة أيضاً، فمن غير المعقول أن أُصلي وأنا السيف مُسلَط على رأسي ويُقال لي صل وإلا قتلتك أو التزم وإلا ذبحتك، هذا غير معقول، هذا ليس ديناً، هذه دولة وهذا منطق الدولة التسلطية، لكن منطق الدين يقول لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، وهذا هو الصحيح، فالعلمانية إذن بهذه الحدود نحن نقبلها وهذا يُرضينا إن شاء الله، لأن – كما قلت – هذا يُساهِم حتى في حل أزماتنا، لكن أكثر من هذا لا نحتاجه.
– سأل المُحاوِر الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم عن رأيه حول أقوال الكثير من المُنظِّرين المُنتَمين إلى الإسلام السياسي بصفة عامة مُؤخَّراً والذين لهم كتب كتابات مهمة، وأشار إلى أن أحدهم كتب مقالاً إسمه علمانيون على سُنة الله ورسوله، ثم قال أن هناك صديقاً آخراً كتب كتاباً مُهِماً أيضاً أثار نوعاً من النقاش وعنوانه الدولة الإسلامية وحتمية الحداثة، ثم سأل الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم عن رأيه حول هذا الانجراف نحو الدولة المدنية أو حتى العلمانية بصفة من الصفات وهل هذا أمرٌ محمود أو إيجابي أم لا خاصة أن التحول قد يكون تحولاً واقعياً سياسياً ولا علاقة له كثيراً بالتنظير.
– أجاب الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً أكيد لا يغريني يا أخي الكريم ولا يُغري ربما أكثر الناس هذا الاستنساخ الأصم للمُؤسَسات وللأفكار وللمذاهب وللأيدولوجيات لأنه دائماً سيفشل، فأنا أقول لك هذا الاستنساخ يفشل دائماً، أنت لا تستطيع أن تأتي بجزء من شجرة أوبثمرة وتُعلِّقها على شجرة لديك وتقول هذه ثمرتها، ستسقط ولن يُنتفَع بها، عليك أنت أن تستثمر بطريقة استنباتية، فتأخذ العناصر والمفاهيم بعد تكييفها وتبيئتها التي تلزمك والتي يُمكِن أن تركب على ظروفك وعلى شروطك إذا كان الأمر مُمكِناً وتُعمِلها في ظروفك، فيُمكِن بهذا استنبات وضع جديد، أما الاستنساخ الكامل الأصم للأشياء غير مُمكِن، مثل أن تقول لي الحداثة وحتمية الحداثة، وطبعاً معظم الناس يسمع بالحداثة – باستثناء المُتخصِصين – ولا يفهم بالضبط ما هى الحداثة، أنا حصل معي أن أحد الأكاديميين الإسلاميين – أي أنه من المُتخصِصين – قال لي من فضلك يا دكتور قل لي ما هى الحداثة، فهو يسمع كثيراً بالحداثة ولا يعرف معناها، لكن باختصار لو قلت للناس أنت – مثلاً – أن في قلب الحداثة وفي جوهر الحداثة التجريب المفتوح على كل شيئ ولا حدود – انتبه هذا جوهر الحداثة – بإسم المُحرَّم وبإسم التابوه Taboo وبإسم الممنوع فإن هذا مرفوض، قطعاً مرفوض في الإسلام، وأنا أقول لك أنه مرفوض حتى في غير الإسلام، فالناس عندهم حكمة مُعينة في هذا، من غير المعقول أن تقول لي أن أنا كإنسان ينبغي أن أكون مفتوحاً على كل شيئ، نفترض الآن – مثلاً – هل يُمكِن أن يكون الرجل أو الأنثى – مثلاً – مفتوحاً على التجارب الجنسية بكل أنواعها مثلاً؟ طبعاً واضح أن من التجارب ما لو انفتحت عليه مرة واحدة قد يُدمِّر شخصيتك وإلى الأبد، مرة وإلى الأبد ثم تنتهي، فهل هذا مقبول؟
– قال المُحاوِر كلامه يا أستاذ بخصوص ما تفضلت به حول العلمانية التي أنها أسميها الجزئية والمفهوم مُختلِف عن مفهوم عبد الوهاب المسيري أقول أن حتى هو قد يُوسَم بأن لديه نوع من الانجراف نحو الاستيراد.
– رد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً بالعكس، الدكتور المسيري فصَّل بين بين نوعين وكان له موقفه الخاص والدقيق، والذي فعلته الآن هو هذا أيضاً، وعلى كل حال نعود ونقول أن الحداثة أيضاً فيها نوع من تقديس العقل بلا قيد وبلا شرط، فالمرجعية الأولى والنهائية للحداثة العقل، لكن أين النص؟ نحن في النهاية شعوب مُؤمِنة، نحن شعوب مُسلِمة وشعوب مُوحِّدة، فهل بإسم الحداثة لن أؤخِّر النص فحسب بل أشطب عليه؟ هذا عجيب، ما هذه الحداثة؟ لا أُريدها إذن، لكن إذا كانت الحداثة تعني الجرأة – كما قال كانط Kant – في استخدام العقل سأفعل هذا كمُؤمِن وسأعي تماماً حدود عقلي الفطري وحدود عقلي الشرعي وحدود أنواع أخرى من العقل أيضاً، سأعي هذا لأنه مطلوب مني وهذا دوري، ولكن أن أُقلِّد الآخرين وأن أجعل العقل مرجعية مُطلَقة وأتخلى عن النص أو حتى أسخر منه لكي أكون حداثياً فهذا مرفوض، هذا أعتقد أنه تقليد صبياني لا يليق بمُفكِّر جاد، وأعتقد أن الغرب حين استفادوا منا لم يُقلِّدونا بهذه الطريقة الاستنساخية أبداً، بل أنا لا أرى حتى في المُفكِّرين الغربيين الكبار الذين تأثروا بالإسلام ويبدو أن أثر الإسلام كان واضحاً فيهم مَن يحيل على المرجعية الإسلامية، فهم للأسف لا يحيلون حتى على المرجعية الإسلامية وإنما يأخذون أفكارنا ومُنتجاتنا ويُبيئونها مثل توما الأكوينيThomas Aquinas مثلاً، فتأثرات توما الأكويني Thomas Aquinas في الخلاصة اللاهوتية – الكتاب العظيم الخاص به – بابن رشد واضحة جداً، وتأثراته بابن سينا – التأثير السيناوي – واضحة جداً أيضاً في توما Thomas، لكنك لا تجد تصريحاً بالتلمذة لا لابن سينا ولا لابن رشد!
جون ستيوارت ميل John Stuart Mill في كتابه العظيم نظام المنطق واضح أنه كان لا أقول يستنسخ وإنما يسرق طريقة علماء أصول الفقه في مباحث العلة ومنها السبر والتقسيم والبواقي، فهو أخذها كما هى تماماً بنصها وفصها، وحين ذهب يُمثِّل مثَّل بمثال ذكر فيه محمد – أي إسم محمد – على أنه أحد الكاذبين، أرأيتم وصلت العقدة إلى أين؟ ونحن في المُقابِل : نأتي – سبحان الله – نُمارِس دور التلمذة الصبيانية ونستنسخ كل شيئ كما هو، وحين نُحرَج في نقاش أو في مُناظَرة ندعي أن هذا جائز وأن ليس من شرطه أن يتعارض مع الإسلام وأن يُمكِن كذا وكذا، لكن هذا غير صحيح يا أخي، أنت بهذا الاستنساخ الأصم تأتي بشيئ يُلغي حتى المصدر الوحياني لمعرفتنا وسلوكنا، وهو مصدر عتيد وأصيل في حياة هذه الأمة، ومن هنا أختم بهذه الكلمة قائلاً أن كل هذه الدعوات للأسف باءت إلى الآن بالفشل وباءت بالخيبات لأنها ليست دعوات جادة، فالدعوات الجادة أن تكون مُفكِّراً جاداً، ولا تُريد فقط أن يُقال عنك أنك مُفكِّر لأنك تحفظ – تحفظه تماماً ما شاء الله – المُقرَر الغربي، بل يجب أن تُنتِج مُقرّرك، عليك أن تُنتِج مُقرَرك استفادةً من المصادر الغربية والمصادر الإسلامية، وهنا ستكون مُفكِّراً واعداً إن شاء الله.
– قال المُحاوِر أن حتى الكتاب الذي ذكره عن الدولة الإسلامية والحداثة كان همه الأكبر هو نقد مفهوم أو حلم الخلافة، ثم سأل الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم عن موقع حلم الخلافة الآن لأن لا يُوجَد الآن ما يُسمى بالخلافة الإسلامية!
– رد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً أن عبد الرزاق السنهوري – رحمة الله تعالى عليه – له رسالة كانت في باريس عن الخلافة وعن نظام الخلافة، وقد تُرجِمَت طبعاً إلى فقه الخلافة، علماً بأن الذي ترجمها نسيبه وصهره توفيق الشاوي رحمة الله على الجميع، وكان هذا العقل الضخم – أبو القانون المدني العربي كله – في الرابع والعشرين من عمره، وعلى كل حال عبد الرزاق السنهوري في تلك الحقبة البعيدة وفي تلك السن المُبكِّرة أدرك أن الخلافة شيئٌ في ذمة التاريخ ولن تعود بصيغتها التاريخية، وهذا طبعاً ما لا يُدرِكه كثير من المسلمين العاديين وحتى ربما من المُفكِّرين الإسلاميين، وبنظرة بسيطة لاستقراء التاريخ نسأل هذه الخلافة متى كانت؟ متى كانت تماماً؟ أيام العباسيين كان لدينا خلافة في الشرق ولدينا خلافة في الغرب الأندلسي، أي خلافتان، وتطاول الأمد بالخلافة الأندلسية ثمانمائة واثنين وثلاثين سنة، وبعد ذلك في الإبان نفسه لدينا الخلافة الفاطمية في المغرب ومصر ومائة وخمسين وسنة بعد ذلك في بلاد الشام، فنحن لدينا خلافات، وبعد ذلك شهدنا هذا التشظي والتشعث بإسم الدول السُلطانية، فوجدنا عشرات الدول، وعلى كل دولة سلطان من السلاطين، وفقط ليس للخليفة العباسي إلا الدعاء على المنابر وبعض الأموال التي تُدفَع إليه، فما هذه الخلافة؟ ونحن رأينا مِن العلماء مِن قديم مَن جوَّز أن يكون خلافتان للمسلمين، وقالوا لا مُشكِلة في هذا، وخاصة إذا كانتا خلافتين يفصل بينهما حدود مائية أو جبلية أو غير ذلك، فلا تُوجَد مُشكِلة، وهذا أيضاً خضوعاً لواقع التاريخ، وقالوا هذا حصل وامتد واستمر ولم تعد الخلافة، لكن بالله عليكم هل تتوقعون اليوم فعلاً أن المسلمين في العالم – وهم مُوزَّعون على أكثر من سبعين جنسية – مُستعِدون الآن أن يتخلوا عن دولهم القومية والقطرية بالكامل وأن ينضووا تحت خلافة خليفة من قريش يعيش في جزيرة العرب؟ هذا مُستحيل ولن يحدث، ولذا أن أقول لكم هذا حلم، وللأسف الأحاديث التي تُنسَب إلى النبي وتقول ثم تكون وتكون وتكون الخلافة وإلى آخره كانت تُدغدِغ عواطفنا، يا ليته يكون هذا – نحن نتمنى – لكن واضح أن هذا الشيئ من التاريخ، علماً بأن مُعظم الأحاديث السياسية المنسوبة للرسول كذب – والله – فلا تغتروا، كقوله وإن هذا الأمر في قريش وما إلى ذلك، فهذا كله كلام فارغ، والأدلة تُؤكِّد أن هذه الأحاديث لا يُمكِن أن تصح، علماً بأن الأدلة كثيرة جداً عليها، فيجب أن نُفكِّر إذن بعقلية خلدونية وعقلية علمية واقعية وليس بهذه العقلية الحالمة المعيارية في الفراغ، يا ليت نعمل كمسلمين وكإسلاميين على أن يكون عندنا في يوم من الأيام – وعسى أن يكون قريباً – شيئ أشبه بالاتحاد الأوروبي مثلاً، هذا الشيئ جميل جداً جداً جداً، فهذا مُنتهى المُراد من رب العباد، يا ليت نفعل هذا، اليوم المسلمون يقتل بعضهم بعضاً ويضرب بعضهم بعضاً وأنت تتحدَّث عن الخلافة ،وعن خليفة واحد، وأنا أقول لك انس هذا!
– علَّق المُحاوِر قائلاً: وضاع حلم الخلافة، ثم قال أن لديه آخر سؤال سيطرحه ثم سيفتح النقاش للقاعة وسيختار اختياراً راديكالياً – إن شاء الله – حتى لا نُرهِق الأستاذ، وقال أنه بخصوص قضية الإسلام في إوروبا وقضية سلام المسلمين ومُساهَمة المسلمين هنا في أوروبا، فالبعض يتحدَّث – البعض من النُخبة المسلمة ومن غير المسلمة – في بعض الأحيان عن الإسلام الأوروبي وفي بعض الأحيان عن الإسلام في أوروبا، ثم قال أن هناك فرقاً طبعاً بين الصيغتين، وتسأل عن الصيغة التي يجد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم رؤيته فيه، فهل الصحيح أن يُقال الإسلام الأوروبي أم أن يُقال الإسلام في أوروبا؟
– أجاب الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً الآن في نهاية المطاف سنقول بكل تواضع إذا جاز أن نتحدث عن إسلام آسيوي وإسلام تركي وإسلام فارسي – مثلاً – سوف يجوز أن نتحدث عن إسلام أوروبي، لكن ليس بمعنى الإسلام الذي تقده لنا أوروبا أو المُؤسَسات المعنية في أوروبا وتُريد أن تُفصِّله على قد رغبتها وإرادتها وهذا ما يجب أن ننتبه إليه، وإنما الإسلام الذي يُفرِزه أبناء أوروبا وعلماء الإسلام في أوروبا وخاصة الذين عاشوا هنا وماتوا هنا ويموتون هنا والذين وُلِدوا هنا وتعلموا الإسلام، ففي نهاية المطاف أكيد سيُفرِزون إسلاماً يتواءم مع ظروفهم ومع شروطهم، وهذا شيئ طبيعي ومقبول، فانظر – مثلاً – إلى الإسلام الآسيوي أو الشرق آسيوي، فهو إسلام أيضاً وعنده دعوات مثل دعوات العرب، لكن هناك – مثلاً – حقوق للمرأة مُعجِبة جداً جداً ولديهم نظرة للمرأة مُعجِبة، قهل تتخيل أن عربياً – مثلاً – وخاصة إذا كان من أعراب العرب أو بدو العرب أو من العرب عموماً يُرشِّح امرأة – مثلاً – ثم يخرج الرجال بالألوف يُصفِّقون لها ويهتفون بحياتها؟ هنا يعتبرون هذا نوع من التخنث ولا يكاد يُقبَل، لكن هذا حصل مع بِينَظِير بُوتُو – مثلاً – وحصل مع بنجلاديش، فهذا الأمر يُعَد عادياً لديهم، ومن ثم خرجوا بالشوارب الضخمة واللحى وهم يهتفون لها، لأن هذه ثقافة مُختلِفة، وانتبه إلى هذه الثقافة وجدت في الإسلام ما يدعمها وما يتكيف معها وهى تكيفت مع الإسلام بقراءة مُحدَّدة، لكن الإسلامي العربي لا يرى هذا بالمرة، وإلى اليوم لا يحفظ في قضية المرأة إلا ناقصات عقل ودين وأن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، فالعربي يُعجِبه هذا، لأن عنده نظرة ذكورية ونظرة أبوية إلى المرأة وما زال مُتشبِساً بأذيالها، ففي نهاية المطاف لم لا يكون هناك إسلام في أوروبا وهو إسلام أوروبي بمعنى أنه خطاب أنتجه أبناء هذه البلاد وأن هذه قراءة وتأويلات للإسلام لبت واستجابت لشروطهم؟ هذا الشيئ طبيعي ومطلوب أن يحدث، لكن هل تعرف ما هى أزمتنا وأزمة الإسلام في أوروبا الآن؟ أن إسلامنا هنا هو إسلام السعودية وإسلام القاهرة وإسلام تونس وإسلام الجزائر وإسلام الباكستان – يقول المُحاوِر مُقاطِعاً: وإسلام المغرب – وهذا خطأ كبير، لابد أن يكون إسلامنا هنا، أي إسلام في أوروبا، ومن ثم سوف تنتهي هذه لأزمة هذه – إن شاء الله – إذا بلورنا هذه الصيغة وهذا الخطاب بإذن الله، فهذا هو المطلوب الآن، لكنه – كما قلت – ليس الإسلام الذي يُقَّد لنا، وهذا ما يجب أن ننتبه، فيجب أن نلبس ثوباً نحن نقده، لكن إذا قُدَّ لنا ثوب فإنه لن يُناسِبنا، والله أعلم.
(يُتبَع الجزء الخامس)
أضف تعليق