– أراد المُحاوِر أن يقول شيئاً فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم يُوجَد جزء من السؤال ناقص، فقال له المُحاوِر نعم ثم استأنف حديثه قائلاً أولاً طبعاً أنت تُفاجئني بالدفاع الكامل عن أصول الفقه رغم أن سبق لك أن أنتقدته كثيراً، فرد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً أنا قلت الآن أنه ليس كاملاً – Perfect – ولكن علم مُتقَن وقوي، ثم قال المُحاوِر هذا – إن شاء الله – سيكون موضوع غد، لكن الشطر الثاني من سؤالي هو أن وسائل الإعلام طبعاً تُركِّز على هذه القراءات الراديكالية للإسلام من قِبَل المُتطرِفين وكأن ليس هناك سياقات جيوستراتيجية أفرزت العنف ومنها – مثلاً -قضية الاستبداد السياسي في العالم العربي، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم هذا هو الجزء الثاني من السؤال لكن قبل أن أُجيب سأُجيب عن سؤال آخر – من بعد إذنكم جميعاً وإذنك – مُهِم جداً جداً، لأنني – إن شاء الله – على حد علمي ومن غير تبجح لم أجد مَن لفت إليه رغم أنه مُهِم وحساس بدرجة غير عادية، فما هو هذا السؤال؟ السؤال هو إذا كان فعلاً جماهير الأئمة – مالك وأبو حنيفة وأحمد والأوزاعي والثوري وابن شُبْرُمة وفقهاء الشام – باستثناء الشافعي طبعاً – قالوا لا يُقاتَل الكافر لكفره وإنما لحرابه، كيف يُمكِن إذن أن نُفسِّر ذهاب الجماهير أنفسهم إلى وجوب القتال – قتال الفتح – بعد ذلك؟ أنتم تقولون الناس لا يُقاتَلون لأجل أنهم كفار فإذن من أين لكم أنكم بررتم الفتح هذا وقسمتم الجهاد إلى جهاد طلب وجهاد دفع وقلتم بجهاد الطلب – جهاد الفتح – هذا؟ كيف هذا؟ هذا يتناقض مع ذاك، والصحيح هو أنه لا ينبغي أن نبدأ هؤلاء وهم لم يبدأونا، فمن أين لكم هذا؟ هذا تناقض كبير لكنني لم أجد مَن طرحه، أنا طرحت هذا السؤال على نفسي حين أنجزت رسالتي العلمية ووجدت أن الجواب يُعتبَر بسيطاً، لكن ما هو الجواب؟ الفقهاء فعلوا هذا لا بوحي النصوص -النصوص ألزمتهم أن يقولوا بما قالوا مثلما فعل الجماهير كما قلت – ولكن بسبب الواقع، ولو كنت مكانهم أو كنت أنت أو كنتِ أنتِ مكانهم لقلنا مثل قولهم، فهنا النُقطة تتعلق بتاريخ العالم الوسيط، في تلك الحقبة لم يكن هناك ما يُعرَف بالقانون الدولي، علماً بأن أول مَن أسس لبدايات قانون دولي حقيقي هم المسلمون بفقههم، وهذا الآن يُعترَف به في بعض الدراسات الناضجة، فهو فعلاً قانون دولي حقيقي، لكن في تلك الأحقاب الوسيطة كان القانون السائد كما يعرف كل دارسي تاريخ العلوم السياسية هو إن لم تبدأ بي بدأت بك، حيث كان يُوجَد الحس الإمبراطوي، ولم تنشأ الدول القومية بعد وإنما كانت هناك إمبراطوريات دائماً، والقوة تخلق مجالها الحيوي – Lebensraum – لها باستمرار، والقوة لا تعرف الزهد ولا تعرف التوقف، دائماً كلما امكنتها فرصة امتدت واتسعت، والكل يفعل هذا، ليس فقط بيزنطة وفارس وإنما المسلمون أيضاً فعلوا هذا، هل تعرفون لماذا؟ لأنهم لو لم يفعلوا لفُعِلَ بهم، وهذا ما كان يحدث فعلاً!
العلّامة ظافر القاسمي – ابن شيخ بلاد الشام محمد جمال الدين القاسمي – له كتاب في مُجلَدين عن الجهاد يزعم فيه – رحمة الله عليه وغفر الله له – أن في أيام رسول الله – في العهد السعيد – لم تحدث أي مُناوَشات مع المُعسكَر النصراني إلا مرة واحدة في مؤتة، وهذا غير صحيح بالمرة، المُناوَشات كانت في ثماني وقائع، المُعسكَر البيزنطي حزم أمره على أن يستأصل الإسلام في المدينة المنورة وما حولها – علماً بأن هذه القصة معروفة – وهنا تأتي واقعة العسرة – تبوك – أيضاً، ولدينا سورة التوبة وما حصل في ذلك، وهنا تأتي الإشارة أيضاً في صحيح البخاري من الفاروق عمر – رضوان الله عليه – حين قال وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا – لغزو المسلمين في المدينة المنورة – فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته – كان يتناوب معه في طلب العلم عند رسول الله – فرجع إلي ممسياً فضرب بابي ضرباً شديداً ثم قال أنائم هو؟ ففزعت فخرجت إليه فقال قد حدث أمر عظيم، قلت ما هو؟ أجاءت غسان؟
إذن الصحابة كانوا ينتظرون قدوم هؤلاء في كل لحظة، فهذه الحالة كانت موجودة، إن لم تبدأ بُدئ بك، إن لم تتغد بي تعشيت بك، هذا كان القانون، فطبعاً لم يكن بوسع الخلفاء الراشدين ومَن تلت الخلفاء الراشدين ولا بوسع الفقهاء أيضاً في عهد الراشدين من الصحابة وفي عهد الخلفاء الآخرين إلا أن ينظِّروا لهذه الوضعية ويحثوا الناس على الجهاد وعلى القتال ويضعوا الآيات في غير مواضعها ويستشهدوا بالأحاديث في غير مشاهدها إن جاز التعبير، فتم هذا و جرى أنه جهاد مطلوب، لكن كم هو مطلوب؟ قالوا لك مرة في الصيف ومرة في الشتاء، وبعضهم قال غير هذا، لكن كل هذا لا أصل له في النصوص العتيدة، والآن انتبهوا إلى هذا السؤال: هل نُجرِّمه؟ لن نُجرِّمه، لأننا – كما قلت لكم – لو كنا مكانهم لقلنا مثل قولهم، فهذا كان قانون العالم، إذن المسلمون فعلوا هذا مُبتلين به، لأن أوضاعهم فرضت عليهم أن يفعلوا هذا!
أختم فقط بمُلاحَظة هامة، الإمام أبو حنيفة عنه رواية وهى رواية عن جماعة من أئمة الزيدية تقول بأننا لا نُقاتِل إلا مَن ولينا من الكفار أخذاً بمنطوق – وبمفهوم في العكس طبعاً – قوله تبارك وتعالى قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ ۩، قالوا ومفهومه أن مَن لم يكن قريباً منا لا نُقاتِله، يقول أبو حينفة وبعض أئمة الزيدية ولذلك مَن كانت دياره من الكفار مُتاخِمة لديار المسلمين فالأصل معه الحرب – أي أن الأصل في العلاقة معه أن هذه دار حرب، ونحن ينبغي أن نُحارِبهم إلا أن تُقطَع بمُوادَعة -، وأما مَن كان من الكفار بعيداً لا يُتخاِم ديار المسلمين فالأصل في العلاقة معه السلم إلا أن يطرأ طارئ الحرب.
إذن هل هذا الفقه فقه نصوصي أم أملته ظروف الواقع؟ أنا أقول لك أملته ظروف الواقع وساعد عليها فهم النصوص حين توفرت النصوص، فهذه هى الطريقة إذن وهى طريقة عملية وكل الإمبراطوريات سلكتها بلا شك، والمسلمون سلكوها لكن أضافوا عليها – كما قلت – الخُطة الرحيمة المُتسامِحة في التعاطي مع الآخرين ولم يُكرِهوا أحداً على الدخول في الإسلام، وطبعاً لم يُقيموا حتى مجازر مليونية ومذابح للآخرين بشهادات أيضاً عشرات المُؤرِّخين طبعاً الذين قالوا أن الفاتحين المسلمين كانوا أرحم الفاتحين، فهذا ما عندي في هذه المسألة، ونأتي الآن إلى موضوع الاستبداد، وطبعاً ربما بعض الإخوة الذين سيشاهدون هذه المُحاضَرة – خاصة هناك أناس عوام وأناس أُميون أيضاً وربات منازل وأُميات – قد لا يفهمون معنى الاستبداد،فالاستبداد معناه حكم الفرد، هذا هو فقط، والفرد هذا قد يكون عادلاً لكنه مُستبِد، لأنه أصل الاستبداد الانفراد بالرأي، ومن هنا يُقال استبد برأيه حتى وإن كان عادلاً فهو يُعتبَر مُستبِداً، ولذلك بعض المُستشرِقين يتهم عمر بن الخطاب بأنه كان حاكماً فرداً – أي أنه كان أوتوقرطياً – ومُستبِداً عادلاً، وهذا غير صحيح، عمر لم يكن يستبد برأيه، فعمر كان عنده مجلس شورى، لكن على كل حال الاستبداد بطبيعته يُفرِز الظلم، لماذا؟ من غير المعقول أن حاكماً فرداً يستبد في إدارة أمة وفي شأن عام لملايين الناس ويُصيب دائماً، بالعكس سيُسارِع إليه الخطأ في أكثر قراراته، فالاستبداد في تاريخ المسلمين أتى في فصول – لن أقول في فصل وإنما سأقول في فصول – مُمتَدة إلى اليوم للأسف الشديد، وهى فصول سوداء فسودت علينا حياتنا وسودت حتى علينا فهم ديننا للأسف وأبدت حالة الذل التي يعيشها المسلمون، والآن أخي عبد الواحد يسأل هل هذا الاستبداد دعا المسلمين إلى موجات انفجارية من العنف؟ والجواب نعم، حتى في التاريخ الإسلامي حدثت ثورات كثيرة، وطبعاً يشاء المُؤرِّخون دائماً أن يُؤدلِجوها وأن يُعطوها طابعاً عقدياً دائماً، وطبعاً كثير من هذه الثورات كانت تتوسل بعقائد تُخالِف حتى مبادئ الإسلام وتُخالِف روح الإسلام، ربما – هذا بين أيضاً ظفرين أو بين مُزدوَجين – من باب النقمة على هذا الدين وعلى هذه المُؤسَسة العلمئاية الفقهائية التي تُبرِّر كل هذا الظلم والتمييز ضدنا والاستبداد، فهذا مُمكِن أن يكون ردة فعل، كما يحدث الآن مع الشباب العربي والمسلم، حيث تُوجَد ردة فعل على الانفلات العنفي المُخيف المُجرِم تتظاهر حتى بترك الإسلام وبالإلحاد والشك في هذا الدين كله والارتياب في هذا الدين، وهذا حدث في تاريخنا، ومن هذه الثورات وهذه الزلازل ثورة العباسيين – مثلاً – على بني أمية، لكن ما هو مسوغها؟ هو هذا، كانت ثورة ضد الظلم، لكن في حق مَن؟ في حق أهل البيت، لأن بني أُمية فعلوا ما فعلوا بأهل البيت ويكفي فقط قتل الحُسين – مثلاً – وأخذ بنات رسول الله سبايا من العراق إلى بلاد الشام وقد فُعِلَ بهن ما فُعِل، فطبعاً هذا حرك وجدان الناس عرباً وفرساً ثأراً لأهل البيت، وبإسم ثارات أهل البيت تم تقويض وثل عرش بني أُمية الفرع المرواني،لكن للأسف الشديد جاء بنو العباس ولم يكونوا خيراً من من بني مروان، حتى أطلقلوا ألسنة الناس بالدعاء لعهد بني مروان، فقالوا يا ليته أظل واستمر، وعهد بني العباس يا ليته ما كان، فأيضاً هذه ثورة من ثورات الظلم وهكذا، فتاريخ الدول في تاريخ المسلمين هو تاريخ ضد الاستبداد وما إلى ذلك، لكن في العصر الحديث ما الذي حصل ولنأخذ العراق نموذجاً – وإن كان لدينا الآن العراق وغير العراق – مثلاً؟ لاحظنا أن في الوقت الذي ارتفعت قبضة السُلطة المُستبِّدة والسُلطة الباطشة عن الناس وعن المسلمين بدأ هؤلاء المسلمون يأكل بعضهم بعضاً، طبعاً بدعاوى طائفية وبدعاوى مذهبية وبغيرها من الدعاوى، فأفهم هذا أن حالة السلام وحالة المُصالَحة التي كان يعيشها المسلمون في هذا البلد أو ذلك لم تكن حالة أصيلة، بالعكس كانت تزييفاً وتقنيعاً لحالة من الغضب المكبوت، وبارتفاع القبضة انفجر هذا الغضب، وللأسف الشديد لم يذهب في الاتجاه الصحيح، وإنما تم توظيفه بخبث ومكر رهيب – وهو مكر كوني – لكي يأكل بعضنا بعضاً، لم يتم توظيفه من أجل بناء واقع جديد على أسس من العدالة وعلى أسس من الديمقراطية – إن شئتم – ومن الشورى ومن الحكم التشاركي بل في هذا الاتجاه الخبيث، فالاستبداد بلا شك له علاقة كبيرة بما حدث في تاريخنا وبما يحدث حتى في يومنا هذا، وطبعاً سأكون صريحاً معكم وأقول أن المُستبِدين يلعبون هذه اللعبة بذكاء شديد جداً جداً ولكي يُؤبِدوا أنفسهم في كراسيهم يُغرون الناس بعضهم ببعض ويُطلِقون الناس بعضهم على بعض ويلعبون لعبة التوازن، فقد يأتي المُستبِد ويزعم أنه مُتعاطِف مع المُعسكَر الليبرالي – مثلاً – وهو لا مُتعاطِف لا مع ليبرالية ولا مع إسلامية وإنما هو مُتعاطِف مع كرسيه فقط، لكنه فقط يُريد أن يُسلِّط هذا على هذا أو العكس طبعاً، ففي أكثر الأحوال طبعاً يقول أنا مُتعاطِف مع الدين ومع المُعسكَر الإسلامي، ولكنه لا يسمح بأن يفنى أحد المُعسكَرين أو أن ينتهي أحدهم من المشهد، لابد من وجود الاثنين باستمرار، وعلى كل حال هم يلعبون هذه اللعبة، وعبر التاريخ كانوا يلعبونها أيضاً، فالاستبداد بلا شك موجود، ولذلك انتهز هذه الفرصة لكي أُعبِّر عن مُقترَحي وهو حلمي وأملي وأطلقها دعوة للمرة الألف ربما وأقول أن – والله العظيم – ليس لنا خلاص ولا نجاة كعالم عربي اليوم بالذات وكعالم إسلامي إلا بدولة مواطنيها، سمها دولة مدنية أو سمها دولة إسلامية أو سمها دولة حديثة فهذا لا يهم، المُسمى هو الذي يعنيني وليس الأسماء!
– قال المُحاوِر مُقاطِعاً هل تُسمى دولة ديمقراطية؟ فيُجيبه الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً سمها ما تُريد، أنا يعنيني المضمون وليس العنوان وليس الإطار، ثم يقول المُحاوِر لي جملة في هذا السياق إذا سمحت، فيسمح له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً تفضل، ومن ثم يُكمِل كلامه قائلاً: لاحظنا أن في الآونة الأخيرة كثير من المُفكِّرين المسلمين وخاصة بعد الحديث عن المُؤمَرات غيبوا أو أقصوا من مُصطلَحاتهم في خطابهم الفكري والمعرفي أو الديني أيضاً كلمة الديمقراطية، فهل هو كفر بالديمقراطية في العالم العربي؟ علماً بأن منهم مَن هم مُفكِّرون جديون.
– رد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً أعتقد إنه ليس كفراً، لكن ربما كان اشمئزازاً من تقنيع الرغبات الكولونولية الجديدة والاستعمارية بإسم الديمقراطية، فبإسم دمقرطة العالم العربي تم ذبح هذا العالم، ورأينا – ما شاء الله – كيف تم دمقرطة العراق – مثلاً- بحيث ذهب العراق وانتهى العراق ودخل في نفق مُظلِم باسم دمقرطة العراق، فالناس ربما بدأت ترتاب في هذا المُصطلَح وفي توظيفات هذا المُصطلَح، ولكن في أعماق كل الناس مسلمين وغير مسلمين وإسلاميين وغير إسلاميين – ولك أن تتخيَّل هذا – بل في أعماق كل المواطنين العرب أن من حقهم العيش معاً في حالة تسالم، وفي نهاية المطاف شئنا أم أبينا نحن المواطنون فينا المسيحي وفينا المسلم وفينا اليهودي وفينا الأزيدي وفينا مَن هو غير ذلك بل يا سيدي الآن فينا حتى اللاديني، وهو مواطن وابن لهذه البلد، فمن حق هؤلاء جميعاً أن يعيشوا في حالة من التسالم ومن السلام ومن المُصالَحة ومن العدالة ومن ارتفاع كل عوامل التمييز وظواهر التمييز، من حقهم أن يعيشوا مُواطَنة حقيقية تامة بإذن الله، علماً بأن أصول هذا في الدين، وهذا واضح جداً جداً، وليس لدينا في الدين – من ثوابت الدين وقطعياته – ما يحول دون تطبيق هذا الحلم بإذن الله تعالى، هذه أوهام فقط، لكن ليس في الثوابت ما يحول دون ذلك، وهذا هو الحل لبلادنا والحل لنا إن شاء الله تعالى، وأقول مرة ثانية أن الحلول الطائفية – مثل أن ينتصر الشيعي على السُني أو ينتصر السُني على الشيعي أو ينتصر حزب على حزب آخر – ستُدمِرنا، فهذه أحسن وصفة لتدميرنا ولتتميم مُخطَط تدميرنا، لكن للأسف يبدو أن الكل مُنساق فيها والكل مُصِر عليها، وهذا شيئ عجيب، هذا الذي يُثير عجبي فعلاً.
– قال المُحاوِر نعم يا أستاذ، الآن سواء على مُستوى أوروبا أوغير ذلك هناك مَن ينشغل بتوصيف ما هى الراديكالية، فهناك حركات عنفية سياسية بإسم الإسلام ومُتطرِفة في بعض الأحيان هنا في أوروبا مثلاً وفي كل دولة وهى مُنشغِلة بتوصيف الراديكالية، فأولاً هل يُعجِبكم هذا المُصطلَح – الراديكالية – الآن؟ هل – مثلاً – يجب الاستعاضة عنه إسلامياً بالتطرف أو الغلو وما إلى ذلك؟ وما هى مُقوِّمات هذه الراديكالية؟ لأن هنا – مثلاً – الجرائد والمجلات على مُستوى بلجيكا وصَّفت – أي عملت توصيفاً – ما هو الراديكالي وأدخلت – مثلاً – عناصر تقول أنه الذي يُصلي الصلوات الخمس أو الذي يُطلِق لحيته والتي لا أدري ماذا، فما هى عناصر هذه الراديكالية – إن وُجِدَت – بالنسبة لك – كما قلت – في المسلمين؟
– قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أنا هنا فقط سأعود إلى مُحدِدين اثنين ارتضيت بهما مُحدِدين للأصولية، وطبعاً في قلب كل أصولية هناك جذرية راديكالية، وهذا أمر واضح جداً، والمُحدِدان اللذان أوافق عليهما وأرتضيهما هما إطلاق النسبي – هذا المُحدِّد الأول – ومُحاوَلة فرضه على الآخرين بالعنف وبالقوة وبكل وسيلة – هذا المُحدِّد الثاني – لكن نحن نرفض هذا تماماً، وأعتقد أنه ينبغي على المسلم من حيث هو – هذا في جوهر التوحيد – أن يجعل دائرة المُطلَق ضيقة جداً جداً جداً، وهى دائرة تقتصر على الله – تبارك وتعالى – وعلى ما لا يقبل التأويل بوجه من كلامه ومن نصه، وهذا قليل جداً ونادر جداً جداً لكنه موجود بلا شك، فهذا هو الإطلاق وهذا هو المُطلَق، فيما سوى ذلك الأمور تخضع للنسبية، ولذا أنا أقول لكم أن مَن يفعل هذا سوف يكون عالماً مرناً، وقد يقول بعضهم هذا يُفكِّر بحس تاريخي لكن أنا لا تعنيني المُصطلَحات، فهو سوف يكون فقيهاً جيداً وفقيهاً مرناً وفقيهاً مقاصدياً، وأنا أقول لك أنه سوف يشتغل دائماً بطريقة تتناغم وتفي بشروط تحقيق الغاية الشرعية في كل زمان وفي كل مكان كما كان يفعل – مثلاً – عمر بن الخطاب الذي كان يتسم بهذه السمة بطريقة عبقرية فعلاً ونادرة، وبالنسبة الشيئ الثاني الذي يتعلَّق بمُحاوَلة فرض هذا النسبي الذي تم إطلاقه وتم للأسف إعطاؤه سمة المُطلَق على الآخرين بالقوة أدخلنا في الخطابات التي أُسميها الخطابات الداعشية وغيرها، وهذه هى المُصيبة، وهذا ينطبق على الخطابات الأصولية عموماً، والفقهاء يعتب بعضهم على بعض ونحن معهم أيضاً بسبب أن منهم مَن يُحيل الظواهر إلى نصوص، فلم نرتق حتى إلى مسألة المُطلَق وإنما نتحدَّث عن الظواهر، والظاهر باللغة الأصولية هو الذي يقبل التأويل، فدائماً الظاهر يقبل التأويل كأن يقول أن بنسبة أربعين في المائة المعنى هنا كذا وبنسبة ستين في المائة المعنى هنا كذا أو بنسبة ثلاثين في المائة المعنى هنا كذا وبنسبة سبعين في المائة المعنى هنا كذا، فهذا هو الظاهر والمُؤوَل، وبعض الناس يظن الظواهر نصوصاً لكنها ليست بنصوص وإنما هى ظواهر، بالعكس أنا أعتقد أن ذكاء المُؤوِل وذكاء القارئ وذكاء المُفسِّر في أن يحتفظ لما يُدعى أو يُمكِن أن يُدعى فيه النصوصية بسمات الظاهر، أي أنه ظاهر، فهذا يُعطي دائماً ميداناً مرناً للتحرك ويُعطي صفة الاجتهاد حيويتها، ومن ثم دائماً ما يتجدد الاجتهاد، فأنا هذا الذي أقوله، وهو أن في قلب كل أصولية تكمن الراديكالية وتتحدَّد باثنين فقط، إذا سلمنا من هذين المُحدِّدين فلا بأس بعد ذلك ولا تُوجَد أي مُشكِلة.
– قال المُحاوِر لنكن صرحاء، بالنسبة بعض التيارات السلفية التي لا تتطابق ولا تتماهى: هل يُمكِن أن نضع بعض مَن لديه – مثلاً – الحق في قراءة سلفية حرفية للنصوص ولكن بدون أن يدعوا إلى العنف – منهم حتى من يدعو إلى التأقلم مع الواقع الذي يعيشه الآن نضعه الآن – أيضاً في مصاف الراديكالية؟
– يُجيب الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً لا، لن نستطيع أن نفعل هذا، أنا قلت مُحدِدان فقط، فلا نقول هذا حتى عن هذا السلفي وهو المُرشَح رقم واحد لإطلاق النسبي، فهم يفعلون هذا دائماً وعندهم فيض – Inflation – ما شاء الله – وتضخم في إطلاق النسبيات للأسف الشديد، ولكن أنت تقول أنك تفترض – وأن كنت أتحفظ على هذا الأفتراض قليلاً – أنه يفعل هذا دون أن يتعداه إلى مُحاوَلة فرض هذا على الناس بالعنف، ومن هنا أنا أقول لك هذا يأتي كخُطوة ربما أولى تكتيكية لأنه عما قريب هو سيفعل هذا، لماذا؟ لأن الأمر لا يتعلق بفلسفة تأملية ولا يتعلق حتى بأيدولوجية، وإنماويتعلق بالدين، فهو يقول لك هذا الدين، وفي قلب قرائته التي تُطلِق النسبي تُلغَى الحريات وتُذبَح على مذبح هذا المُحدِد الأصولي الأول، وإذا ضُحِى بالحريات ما الذي تنتظره بعد ذلك؟ الخطوة الثانية هى أنه سوف يُلزِمك بقرائته – أن يُلزِمك بمُطلَقه الزائف – وبالعنف وقد يعرضك حتى على السيف، ولذلك هذا يحصل!
– قال المُحاوِر يا أستاذ هذا الاتهام أو هذه القراءة لهذا النوع من الخطاب هى نفس القراءة التي يقوم بها غير المسلمين للإسلام ككل، لأنهم يتهموننا بأننا نقول بالديمقراطية وبالتعايش وبالاندماج داخل المُجتمَعات مع بعضها حتى نصير غلبة ثم يتبدل الخطاب.
– رد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً لكن المنظور مُختلِف تماماً والقضية مُختلِفة تماماً، المسلم حين يقول لك أنا أقبل بكذا وكذا وكذا من الأفكار والمُقارَبات ومن الأحلام والأماني هو لا يُطلِق النسبي، هذا ليس مسعىً راديكالياً ولا مسعىً أصولياً، بالعكس يجوز للآخر أن يقول هذا نوع من التنازل يُضطَر إليه المسلم، فيقول لك هذا حكم على النوايا، وأنت لا تستطيع أن تحكم على نيتي إلا بعد أن تُدخلني في الاختبار، عليك أن تختبرني، وخاصة إذا كان هذا الإسلامي يفعل ما يفعله الآن إسلاميون كثيرون حيث أنهم يُنظِّرون لهذا ويقولون أن الإسلام دين الحريات ودين الحقوق ودين الديمقراطية، ويأتون بأدلة كثيرة جداً ودراسات على مُستوى الماجستير والدكتوراة وما إلى ذلك، فكيف يُتهَم هؤلاء؟ أنا أقول لك أن الذي ينبغي أن يُتهَم الآن هو الذي تحكم في نوايا الناس سواء الغربي هذا أو غير الغربي، فنقول له واضح أن لديك عرقاً ينبض وينزع بك إلى النزعة الاستعمارية، ما زلت تُريد أن تستتبعني وما زلت تُريد أن تجتاحني بدعوة أنني مُحصَّن ضد أفكارك الليبرالية أو العلمانية والديمقراطية، فواضح أنك أنت المُخطيء وأنك أنت المُذنِب، لكن هذا لا يُرهِبنا، وفي نهاية المطاف أنا أقول لك أن من المطلوب منا طبعاً أن نُحسِّن الأصل حتى تتحسن الصورة Image، لكن همنا الحقيقي ينبغي أن يكون ماذا؟ أن ننجح نحن وأن نُفلِح نحن، لا أن يرضى بنا الغرب وأن يُصفِق لنا، ليس هذا همنا، وإنما همنا نحن أن نُنقِذ أمتنا ونُنقِذ أنفسنا وأن ننجح ونُفلِح بإذن الله، فينبغي أن نعمل على هذا دون أن تُعوِّقنا مُعوِّقات كثيرة أثناء الطريق.
– علَّق المُحاوِر قائلاً إن شاء الله.
)يُتبَع الجزء الرابع)
أضف تعليق