إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ۩ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ۩ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ۩ فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ۩ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
ما يكون ولا ينبغي لأحد من عباد الله أن يدعي إلهيةً أو ربوبيةً، لا الملائكة ولا الأنبياء ولا الرسل ولا الأولياء ولا ما ومَن دونهم، مِن حجرٍ يُزعَم فيه ذلك أو بشر يزعُم ذلك في نفسه، في حق الملائكة قال الله – جل من قائل – وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً ۩، أي من الملائكة، كبعض العرب الذين ادّعوا أن الله – تبارك وتعالى – اتخذ من الملائكة إناثاً بناتٍ له والعياذ بالله، وهذا معنى وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً ۩، زُعِمَ في الملائكة هذا، بديهٌ إنه لا يزعم ملك في نفسه ولنفسه هذا المقام ولكن زُعِمَ فيهم هذا، قال الله بل عباد مكرمون ۩، الله يقول هذا خطأ وكذب وإفك وزر فليضرب عنه، قال الله بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ۩ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ۩ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ۩ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ۩، والتهديد في حق الملائكة، ما قال ملكٌ هذ، ومُحالٌ أن يقوله، لأنهم عبادٌ معصومون مُكرَّمون، لكن فرض المحال ليس بمحال، قال الله قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ ۩، مُحالٌ أن يكون له ولد، لكن فرض المُحال ليس بمُحال من باب التنزل والمجاراة في النقاش والجدال، قال الله وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ۩، إذن هذا في حق الملائكة، في حق الأنبياء معلومٌ ما قيل وما عزم في عيسى وأمه – عليهما الصلوات والتسليمات – وبرأهما الله تبارك وتعالى من ذلك وكانا عند الله من الوجهاء، في حق الأنبياء عموماً والمُرسَلين آيات المقام من سورة آل عمران، قال الله مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ ۩، وهذه الآية الجليلة تُفسِّر لنا بذاتها معنى الربانية، ما هى الربانية؟ ومتى يصير العبد ربانياً؟ الربانية التحقق التام الكامل بخصائص وسمات العبودية، التحقق التام الكامل – أي من جميع جهاته ووجوهه – بصفات وسمات العبودية بإزاءالإلهية وبإزاء الربوبية، هذا معنى الربانية، وليس كما تورَّط فيه بعض أهل الأديان وأتباع الأنبياء عن غلط وسوء فهم وربما عن سوء نية من بعضهم الذين يأكلون الدراهم والدنانير بتزييف دين الناس، قال الله إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۩، ضموها بضميمة قوله جل من قائل اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ۩، كما اتخذوا المسيح رباً من دون الله اتخذوا أيضاً أحبارهم ورهبانهم الذين يأكلون الأموال، إرادة المنفعة إلى جانب إرادة السُلطة والهيمنة على عباد الله بتحريف شرع الله وبتحريف دين الله وبالانحراف والحيد عن توحيد الله المحض وعن توحيد الله الصرف الخالي المُنزَّه المُطهَّر من كل شوب الوثنية، إذن هذا معنى الربانية، قال الله وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ۩ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ۩ مرة أخرى، إذن لا ملك ولا نبي ولا رسول ولا حبر أو راهب أو صالح أو ولي، لا يحق لأحد من هؤلاء أن يزعُم في نفسه أو يُزعَم فيه أنه فيه جزء إلهي وفيه جزء رباني أو ربوبي، هذا لا يجوز فالعبد عبدٌ والرب ربٌ، هذه المعاني قد يقول أحدكم – هذا قرآن كريم على كل حال – معاني جد واضحة، لكنها ليس كذلك، هذه المعاني ليست جد واضحة، هذه المعاني للأسف الشديد مُلتبِسة، وبسبب التباسها وعدم تحقق الناس بها متابعةً لتحقيق معناها على الوجه الذي يرضاه الرب الأجل – لا إله إلا هو – وقع الناس ولا يزالون في ورطات لا ندري ما المخرج منها إلا أن يعاودوا تحقيق توحيد الله على وجهه بالتزام كل ما يليق بالعبدية والعبودية والتنزه من كل دجل وشوب الإلهية والتربب الكاذب والعياذ بالله تبارك وتعالى.
أحبتي في الله، إخواني وأخواتي:
في عالم الخلق المُزدوج – عالم الكون والفساد وعالم الفناء وعالم الاضمحلال – نجد دائماً طيفاً مُتدرِّجاً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ليس هناك عقلٌ صرف وليس هناك جنونٌ محض من كل وجهٍ، لكن هو طيفٌ مُمتَد، في أقصى يمينه هذا العقل الذي يُطلَب صرفاً ويظن محضاً، ومَن ذا يتوفر عليه؟ وفي أقصى يساره الجنون التام من كل وجهٍ، ومَن الذي يُوصَم به؟ وبينهما درجات، فما منا أحدٌ إلا وهو مجنونٌ جزئياً ومجنونٌ نسبياً، أعظم براءة من الجنون لا تكون إلا بتحقيق العبودية التامة لله، وسأشرح هذا ربما في خُطبة أخرى، كيف يكون الإيمان التام الكامل البراءة الأعظم من شوب الجنون؟ لذلك الذين توفَّروا على عقل تام محض هم أنبياء الله ورسله، هؤلاء أعقل البشر على الإطلاق، عندهم عقل محض كعقل الملائكة إن جاز التعبير، الملائكة يُنظَر إليها في الفلسفة العقلية على أنها عقول، هى عقول مُجرَّدة ونفوس مُطهَّرة بلا شك، لكن هناك – كما قلت – تطيفٌ وتدرجٌ، كذلكم هناك – والعياذ بالله – في أقصى اليسار من يزعم في نفسه الإلهية أو الربوبية مثل فرعون الملعون الذي قال أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ۩ وقال أيضاً مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي ۩، هذا كالمجنون المحض، وهناك مَن يُعلِن عبوديته التامة حتى في أعلى وفي أجل وأكرم درجات الازدلاف والتقريب والتكريم، كالذي حدث مع خيرة عباد الله وأكرم عباد الله في ليلة إسرائه ومعراجه، وطوَّقه الله – تبارك وتعالى – وقلَّده بل توَّجه بأعظم تاج وأثناه حين قال سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا ۩، في هذا المقام وسمه بل توَّجه بتاج العبودية، في هذا المقام هو عبدٌ، وهذا المقام بحد ذاته – هذا التقريب والازلاف بحد ذاته – لم يجعله أقرب إلى الله حساً – والعياذ بالله – من يونس ذي النون وهو في بطن الحوت وفي ظلمات البحر وفي ليلة ظلماء مدلهمة، ومن هنا قوله لا تفضلوني على أخي يونس بن مته، كما أشار إليه شيخ الإسلام وإمام الحرمين أبو المعالي الجويني رضوان الله تعالى عليه، لكن بينهما تدرجات، نحن لسنا أنبياء ولسنا رسلاً، إذن هناك شوب – والعياذ بالله – من ادّعاء الإلهية ومن ادّعاء الربوبية، أنا أقول لكم كل أحد يُحِب أن يتسلَّط على عباد الله بما لم يأذن به الله فهذا فيه شوب تأله وتربب، أنت عبد وأنت ابن التراب ومأكول التراب غداً، فلم هذا التجبر ولم هذا التسيد على عباد الله وأنت من تراب وماء وطين شأنك شأنهم؟ نوع من التأله، يُريد أن يرفع نفسه فوقهم درجة بما لم يأذن به الله.
حتى لا نُطوِّل في المُقدِّمات نقول أن أخطر ما يكون التورط في هذا اللعب الدجال الزائف المُزيف لصلاحية الله ولدور الله إن جاز التعبير – اللهم غفراً – إنما يأتي على أيدي الأحبار والرهبان والمشائخ ، لسنا معصومين وليست كل سيئة عليهم وكل حسنة لنا كما قال الصحابة – غير واحد من الصحابة قال هذا – لأن للأسف أيضاً فينا، في أهل العلم منا، وحتى لا يذهب وهلكم بعيداَ فقط خلوا على ذُكر منكم بعض المشائخ والعلماء – عفا الله عنا وعنهم أجمعين – الذين تورَّطوا ولا يزالون – والعياذ بالله – في لعب هذا الدور الخطير المخيف الذي قد يجتاح إيمانهم من عند آخره والذي قد يُوبِق دنياهم وآخرتهم على أنهم مشائخ وأهل علم، القضية في العلم ليست أن تعلمه لكن أن تتحقق به وأن تتبصر وأن يخلق لك العلم بصيرة وعرفاناً، أي عبدٌ نوَّر الله قلبه، عرفت فالزم، أي أن تعرف، ينقلك العلم بفضل الله ونوره ومحضه وإفضاله من رتبة أن تعلم إلى رتبة أن تعرف، أن تُطالِع وأن تتحقَّق بحقائق موضوعات العلم، فإذا عرفت عليك أن تلزم وأن تتابع السير، اللهم عرِّفنا فإننا جهلاء مُنقطِعون، هذا هو.
قلت يتورَّط بعض هؤلاء – بفضل الله هم قلة قليلة جداً – ويُقيمون مِن أنفسهم للأسف مسخرةً على ألسنة الخلق، وهذا حقٌ ولكن مِن الخلق مَن يغتر بهم، يقول لك هم أهل الله وأهل العلم وهم أدرى بما يقولون، يتورَّطون في ماذا؟ يتورَّطون – والعياذ بالله – في الشهادة لبعض عباد الله، كأن يُقال أنهم في الجنة، يقول لك أحدهم فلان في الجنة أو أستاذكم في الجنة أو أبوكم في الجنة أو أخوكم في الجنة وهو في المقامات العليا يتمتع، لكن من أين لك هذا؟ أتخذت عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم أنك من الذين يقولون على الله ما لا يعلمون؟ والقول على الله بغير علم هو أيضاً انخراط في لعب دور الله، لذلك هو قرين الشرك، وهذا شيئ خطير جداً، يعدلهم تماماً ويُناظِرهم أولئكم النفر الذين يذهبون – وهؤلاء أكثر للأسف الشديد، وهذا يُؤكِّد لك أن هذا الفهم فهمٌ منحازٌ إلى نفوس معزولة بالكراهية، نفوس عزلتها وسجنتها ووضعتها في زنزانة الكراهية والظلامية والحقد الأعمى على الناس والكراهية والحقد والنزعة الحصرية كأن يُقال نحن ونحن فقط والعياذ بالله، هذه نفس النزعة – إلى إدخال فريق أو فرقاء من الناس في نار جهنم ويُشهِدون الله ويحلفون – يُقسِمون – أن فلاناً أو الفئة الفلانية من أهل النار، وهذا أمرٌ عجيب، من أين لكم هذا؟ مرة أخرى أيضاً ألكم عهدٌ عند الله بهذا؟ أوحىٌ بعد محمد عليه الصلاة وأفضل السلام؟ أنزلةٌ أخرى لجبريل لم يأتنا خبرها ونبأها؟ من أين لكم هذا؟ كيف تجرأون على هذا وأنتم تروون وتروّون وتشرحون الأخبار الصادحة الصادقة الصحيحة عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيرا – من قبيل ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث جُندُب أو جُندَب بن عبد الله البجلي؟ قال سمعت النبي عليه الصلاة وأفضل السلام – أي مرةً – يُحدِّث أن رجلاً قال – أي في حق رجلِ آخر – والله لا يغفر الله لفلان أو لا يُدخِله الجنة، فقال الله – تبارك وتعالى – مَن ذا الذي يتألى علىّ ألا أغفر لفلان؟ قد غفرت له وأحبطت عملك، والحديث في الصحيح، ومعنى يتألى أي يحلف، التألي هو الحلف واليمين، والألية هي اليمين، قال الله وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ۩، أي لا يحلف، هذا معنى يتألى، ليس يدّعي أو يزعم وإنما يحلف، كأن يقول والله، فهذا يتألى إذن، انتبهوا لأن هذا غير موضوع الزعم، الله يقول مَن هذا الذي يُقسِم؟ مَن هذا الذي يُقسِم بي وبجلالي؟ كيف يتجرأ على ما ليس له به علم؟ من أين لك هذا؟ مِن أين لك أنني لا أغفر لعبدي هذا؟ من أين لك هذا؟ لو كان عبداً مُسلِماً مُوحِّداً فالله – تبارك وتعالى – قوله صريح أو صريح قوله إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ – وليس بمُشرِك وإنما هو مُوحِّد – وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۩، ما أدراك أن هذا العبد المسكين الذي جمع السيئات من أطرافها واحتقب من الآثام والقذورات ما لا يحيط به نطاق أنه يدخل في عموم هذه المشيئة؟ قال الله وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ – وهو ليس بمُشرِك وإنما هو مُوحِّد – لِمَنْ يَشَاءُ ۩، ما أدراك؟ كيف تجتريء؟ يبدو أن هذه القصة سمعها أبو هريرة – رضوان الله عليه – مُفصَّلةً من رسول الله فيما أخرجه أبو داود في سننه، يقول أبو هريرة سمعت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – يقول كان في بني اسرائيل رجلان متواخيان – أي في الدين وفي الله – أحدهما مُذنِبٌ والآخر في العبادة مُجتهِدٌ، فكان المُجتهِد لا يزال يرى الآخر – يرى أخاه – على ذنب فيقول له أقصر، انزع عما أنت فيه وتُب إلى الله وعُد وأنب -، فرآه مرةً على ذنب فقال له أقصر، فقال خل عني فإنك لم تُبعَث علىّ رقيباً، المُذنِب قال للمُجتهِد في العبادة خل عني – اتركني وحالي – فإنك لم تُبعَث علىّ رقيباً، وفي الحقيقة الله لم يبعث أحداً من البشر على أحدٍ رقيباً، قال الله وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ۩، نفى أن يكون حفيظاً أو وكيلاً أو حسيباً فانتبهوا، ما معنى الوكالة؟ الوكالة إسمٌ جامع لمعنى الرقابة والحفظ للمُهِم من الأمور، هذه هى الوكالة لغةً، والمعنى الشرعي لا يخرج عنه، هى إسمٌ جامع لمعنى الرقابة والحفظ للمُهِم من الأمور، فاحفظوه هذا، وعلى كل حال كأنه يقول له لست علي بوكيل ولست علي بحفيظ ولست علي بحسيب، حسابي ليس إليك ولا عليك، أليس كذلك؟ هو على الله وإلى الله تبارك وتعالى، قال فإنك لم تُبعَث علىّ رقيباً، فقال والله لا يغفر الله لك أو لا يُدخِلك الله الجنة، فهو أقسم بالله على هذا، يقول عليه الصلاة وأفضل السلام فقبض الله أرواحهما – لما وافاهما الأجل مات هذا ومات هذا قُبِضَت أرواحهما فوقفا بين يدي الله تبارك وتعالى – فوقفا بين يدي رب العالمين كما يقول رسول الله، فقال الله تبارك وتعالى للمُجتهِد أكنت على ما في يدي قادراً؟ تُقسِم بإسمي أنني لا أدخله الجنة ولا أغفر له، لماذا؟ هل أنت قادر على ما في يدي من الرحمة والجود والعطاء والكرم والمغفرة؟ أنا رب العالمين، أنا ربه وأولى به من نفسه – ليس منك بل من نفسه – وأرحم به من نفسه بنفسه، أكنت على ما في يدي قادراً؟ يقول عليه الصلاة وأفضل السلام ثم قال الله – تبارك وتعالى – للمُقصِّر أو للمُذنِب اذهب فقد غفرت لك وأدخلتك الجنة، هذا رجل مُؤمِن هذا لكنه عاصٍ، نسأل الله أن يشملنا بواسع رحمته، ويبقى الامر دائماً – انتبهوا حتى لا يتخذها الشيطان ذريعة يغريكم بها لركوب فرس المعصية، انتبهوا فهذا كلام رباني – في خطر ماذا؟ في خطر المشيئة، قال الله لِمَن يَشَاء ۩، هل يغفر لك؟ إياك أن تقول أنا مُتأكِّد أنه يغفر لي، ربما تدخل النار، فقد روى الإمام البغوي في مُسنَد علي بن الجعد بسنده عن الحسن البصري – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – مرسلاً – هذا مُرسَلُ صحيح، إسناده صحيح – قائلاً قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – مَن قال أنا في الجنة فهو في النار، إياك أن تقول أنا مُوقِن بأنني من أهل الجنة أو أقسم على إنني من أهل الجنة، فقد تدخل النار بهذا، إياك أن تقول هذا، ليس لديك عهدٌ من لدن الله تبارك وتعالى، إياك والقول على الله بغير علم، يقول عليه الصلاة وأفضل السلام الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار كذلك، انتبه لأن من المُمكِن أن تدخل الجنة بيسر بإذن الله وبرحمة الله من حيث لا تحتسب وذلك بعمل صالح بسيط لم تُرائي به ولم تُنافِق وإنما عملته لوجه الله ونسيته لشدة ما هو يسير وهين عليك، وأنت مُوحِّد فيُمكِن أن تدخل الجنة، من المُمكِن أن هذا العمل يرجح بكفة الحسنات، لديك حسنات لكنها لا تعدل بالسيئات فيأتي هذا العمل البسيط وترجح به كفة الحسنات وتدخل الجنة، اللهم أعطنا ذلك بفضلك ومنك، يقول عليه السلام والنار كذلك، يُمكِن بسيئة واحدة ترجح كفة السيئات فيهلك الإنسان ويُوبَق والعياذ بالله، لأن قال النبي والنار كذلك، هذا حديث عجيب وبليغ وهو في الصحيح، الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار كذلك، فيعيش المُؤمِن بين الرغبة والرهبة مُجتهِداً صادقاً مُجِداً في الأمر، الأمر جد، الأمر ليس بلعب وليس بالاماني، قال الله لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ۩، انتبهوا فالأمر جد إذن، أكنت على ما في يدي قادراً؟ ثم قال للمُقصِّر اذهب فقد غفرت لك وأدخلتك الجنة، وقال للمُجتهِد اذهبوا به إلى النار، وهذا أمرٌ عجيب، لماذا؟ نفس المعنى الذي في حديث مسلم، حديث جُندُب بن عبد الله البجلي، هذا نفس المعنى، لماذا؟ هذه كلمة، لكن هذه الكلمة عظيمة، يقول أبو هريرة معقباً ومعلقاً والله كلمةً أوبقت دنياه وآخرته، أي أن هذه كلمة أهلكته، لماذا هذه الكلمة أوبقت دنياه وآخرته؟ لماذا أهلكته في الدنيا والآخرة؟ هل تعرفون لماذا؟ فيها شوب تربب، فيها شوب مُنازَعة لله – تبارك وتعالى – في سلطانه، لا يليق بعبد أن يُنازِع الله في سلطانه فيُدخِل الناس الجنة والناس النار، مَن أنت يا رجل؟ قولوا لمَن يفعل هذا يا رجل بالله عليك هل لديك عهدٌ أن تدخل أنت الجنة وتنجو من النار؟ النار التي كان يبكي من خشيتها الأنبياء والمُرسَلون قبل الأولياء والصالحين ولا أمان لهم منها، قال عز من قائل في سورة الأنبياء بعد أن ذكر جملة طائلة من النبيين والمُرسَلين إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ۩، خشوع وتواضع وتطامن ورغبة فيما عند الله ورهبة مما عند الله، الأنبياء والرسل يرهبون، أكثر العباد بكاء من خشية الله هم الأنبياء والرسل، كيف تأتي أنت بإسم أنك شيخ أو عالم وتفعل العكس؟ هذا شيئ عجيب يا أخي، نسأل الله أن يحفظنا وألا يخذلنا، ولو تُطالِعون بعض هذا الكلام تتعجبون، كلام لا يُقضى منه العجب، يُصرِّح أحدهم بضرسٍ قاطع أن فلاناً في الجنة وأنه في المقامات العليا من الجنة، ما هذا؟ نحن لسنا الكنيسة في العصور الوسطى، الإسلام ليس فيه كهنوت، هنا في العصور الوسطى كان الأسقف – Bishop – مثلاً يُريد تصفيةً لحسابات سياسية وسُلطوية وهيمنية أن يقضي أو أن يغتال أحد النبلاء مثلاً، فيأتي بأحد أتباعه أو بأحد عيونه أو بأحد خِلصانه ويقول له اذهب إليه فاقتله، فيقول له هذا دم وهذه نفس مُحرَّمة، كيف تأمرني بالقتل وبالاغتيال؟ كيف تأمرني أن أغتاله وأن أُسمِّمه؟ ما هذا؟ فيقول له اركع – أي اركع لي والعياذ بالله – فيركع أمامه، ثم يُصلِّب عليه ويقول له قد غفرت لك، يذهب الآخر ينطلق كالسهم لا يتردَّد أن هذا ذنب مغفور، الأسقف – Bishop – غفر لي وانتهى الأمر، ما هذا؟ هذا ليس في الإسلام، لكن الآن من علماء الإسلام من يتورَّط في مثل هذه الأشياء، يحكم بالجنة لفريق أو لأناس أو لبعض الأفراد ويحكم بالنار لآخرين ويُقسِم على هذا، وهذا شيئ عجيب، وطبعاً مِن العامة مَن يفعلون هذا، العامة تفعل هذا كثيراً، كل هذا مُنازَعة لله في سلطانه ومُنازَعة لله في الربوبية.
إخواني وأخواتي – هداني الله وإياكم ونوَّر قلوبنا بمعرفته وأضاء المُظلِم مِن ساح نفوسنا بأنواره وأضوائه – لا ينبغي لأحد أن يلعب هذا الدور الملعون، ليس فقط لأنه لا يتوفر على مثل علم الله – طبعاً لأن الله قال وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ۩ – لكن لأسباب أُخرى، ما أدراك أن هذا المُلحِد الكافر الآن يموت مُوحِّداً وأنك – والعياذ بالله نسأل الله السلامة – الأبعد تموت مُلحِداً مُرتَداً؟ أنت مسكين فلا تتمن السوء للناس، لا تتمن الشر للناس، لا تدع على أحد من الناس أن يُدخِله الله جهنم، لماذا؟ نحن نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُدخِل عباده كلهم الجنة ولن يدخلوها إلا بشرطها، أن يكونوا من أهل لا إله إلا الله، أليس كذلك؟ أن يُوحِّدوا الله توحيده الحق، ونحن نتمنى هذا لكل عباد الله، لقد حذَّر علماؤنا الأكارم من قديم تحذيراً شديداً في باب الجهاد في سبيل الله، إذا ذهبت تُجاهِد أنت على خطر عظيم وأنت تُقاتِل مَن؟ الكفار المُعتدين على حرمات الإسلام والمسلمين، أنت في خطر عظيم، لماذا؟ ينبغي أن تكون نيتك أنك تفعل هذا صدعاً وخضوعاً لأمر الله – تبارك وتعالى – لا كرهاً في أشخاصهم أو في واحد منهم، يُمكِن أنت أن تنطلق إلى المعركة مدفوعاً بكره واحد مُعيَّن تُريد أن تنال منه، لو فعلت هذا وكان حرصك على أن تقتله كافراً أعظم من حرصك على أن يهتدي ولا تنال منه بسيفك فأنت على خطر عظيم وقد تدخل جهنم بهذا، هذا شيئ مُخيف، لأنك تُحِب أن يكفر واحد من الناس بالله، وهذا شيئ عظيم فعلاً قد يُدخِلك جهنم، الله سيقول لك كيف؟ كيف أحببت أن أحداً من عبادي يكفر بي؟ أين إجلالك لي؟ أين محبتك لي؟ أين توقيرك لمقامي؟ هل يُحِب أحد هذا؟ قلت هذا المعنى مرة لأنه معنى مُخيف وخطير وهو ليس واضحاً لمعظم عباد الله، هل تعرفون لماذا؟ لأننا نرى غير قليل من العلماء ومن المشائخ فضلاً عن العوام – والعوام لهم طوام وطوام، غارقون في الطوام، إلا مَن هدى الله فاهدنا اللهم بهدايتك – مَن يحرص على نسبة أخيه – عالم آخر مثلاً أو داعية آخر – إلى الكفر بأمرٍ لم يُكفِّر به أكثر من تسعة وتسعين من علماء الأمة، بل منهم مَن يقص كلامه ويُقرمِطه ويُدبلِج له لكي يُنطِقه كذباً بكفرٍ ويقول انظروا وهو حريص على تكفيره، أقول لم يهلك هو لا في الدنيا ولا في الآخرة، أنت الهالك، والله وبالله وتالله إن لم تتب إلى الله من هذا وجهاراً كما فعلت جهاراً وإعلاناً كما أعلنت به إنك لعلى خطر أعظم مما تتخيَّل يا رجل، يا شيخ ويا عالم وضعك خطير وأُقسِم بالله العظيم، هذا شيئ مُخيف جداً، هل تحرص أنت على تكفير الناس؟ هل تُحِب أن تنسبهم إلى الكفر؟ المُسارَعة إلى تكفير الناس فضلاً عن ما هو أبشع منها وهو الحرص على أن يكونوا كذلك مُنازَعة لله في سلطانه، وصاحبها – والعياذ بالله – فيه شوب تربب وتأله، هو أحد الدجاجلة – دجّال – وليس أحد المُؤمِنين، المُؤمِن كائن رحيم وكائن مُحِب، يُحِب الخير للخلق جميعاً، المُؤمِن فيه شيئ من أخلاق الأنبياء والمُرسَلين، ليس من أخلاق الشياطين والعياذ بالله، شيطان في جثمان إنسان وإن كان حبراً أو راهباً أو شيخاً، انتبهوا فهذا شيئ خطير جداً والعياذ بالله، ليس إذن فقط لأنه لا يتوفَّر أحد على علم الله، قال الله وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ۩، فالله هو العليم، النبي – عليه السلام – قد يُخدع ببعض الناس، والنبي لا يُخدع إلا بالخير، قال الله وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۩، النبي يعجب بقوله فيقول قول حسن ورجل طيب فيما يبدو ويظهر، النبي يحمل الناس على أحسن محاملهم، قال الله وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ۩ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ۩، فالنبي قد يُخدَع، ولذلك النبي – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – فيما صح من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي في الصحيحين – في البخاري ومسلم – وقد سمع – عليه الصلاة وأفضل السلام – رجلاً يمدح أخاه – أخٌ له في الله، سمع صحابياً يمدح صحابياً آخر، قال هو كذا وكذا وكذا – قال ويحك، قسمت – وفي رواية قطعت -ظهر أخيك ثلاثاً – قال له ثلاث مرات، كسرت ظهره، دمَّرته أنت بهذا، كيف تقول له أنت وأنت وأنت؟ تغره عن نفسه – ثم قال – وكأنه أقبل على أصحابه فقال عليه الصلاة وأفضل السلام – إذا كان أحدكم مادحاً أخاه لا محالة – ترى أنه لابد من أن تمدح أخاك – فليقل أحسبه كذلك – أحسبه إن شاء الله صالحاً مُخبِتاً صادقاً ومجتهداً في كذا، أحسبه من الصالحين، أحسب فلاناً كذلك – والله حسيبه ولا يزكي – النبي كأنه ينهى – على الله أحد، وهذه مروية في البخاري أيضاً برواية أخرى حسب رواية البخاري تقول ولا يُزكَى على الله أحد، ولها رواية ثالثة تقول ولا أزكي – كأن النبي يُلقِّننا لكي نقول هذا – على الله أحداً والله حسيبه، الله هو الذي يعلم حقيقته، لكن أنا بحسب ما ظهر لي وبحسب ما بدا لي هو إنسان صالح طيب وكذا وكذا وكذا، لكن الله حسيبه، قال عز من قائل فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ – لماذا؟ – هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ۩، لا تزكوا أنفسكم، أخطر تزكية أن يُزكي المرء ذاته فيقول أنا، دين الرياء والكذب والدجل أيضاً، يقول أنا كذا وكذا وأنا كذا وكذا وإني لكذا وكذا، أعوذ بالله، الله يقول فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ۩، لأن التقوى ها هنا – وأشار إلى صدره – وليست في لحية ولا جلباب ولا نقاب ولا كثرة صلاة، هذه علائم، أي قد وقد، فالله أعلم، لكن التقوى الحقيقية لا يعلمها في مكمنها وفي موضعها إلا رب الأرباب لا إله إلا هو، يقول عليه الصلاة وأفضل السلام ألا إن التقوى ها هنا – وأشار إلى صدره – ثلاث مرات، قال عليه الصلاة والسلام في آخر حديث أبي بكرة إن كان يحسب منه – أي يرى منه ويظن منه – شيئاً حسناً أو كما قال – إن كنت فعلاً ليس بالكذب وليس بالدجل وليس بالنفاق وليس بالملق والدهان والازدلاف لعباد الله، أنت فعلاً ترى أنه كذلك – فقل أحسب فلاناً كذا وكذا، الله حسيبه، لكن فيما يبدو لي، قال الله وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ۩ وقال أيضاً سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ۩، الآن ما أكثر الشهادات، يقول لك أشهد بالله كذا وكذا وأشهد بالله على فلان أنه كذا وكذا، هذا نفس الشيئ، كما يُدخِل الجنة يُشهِد مَن؟ يُشهِد الله، قال تعالى سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ۩، يا ويلك، في أي مقامِ أقمت نفسك؟ بل في أي ورطة ورطت نفسك؟ في أي حفرة تدهورت يا رجل؟ لماذا؟ ومِن أجل ماذا؟
إذن لا يجوز لأحد أن يلعب هذا الدور لأنه لا يتوفَّر على ما لدى الله – لا إله إلا هو – من علم، هل نُذكِّركم بقصة الرجل المسكين البائس المُسرِف على نفسه الذي توفى إلى رحمة الله؟ وبالمُناسَبة حين نقول فلان رحمه الله أو فلان رضيَ الله عنه أو فلان غفر الله له أو سقى الله ثراه بشآبيب رحمته وكذا وكذا فإن كل هذا ليس خبراً، هذه ليست أخباراً، لو اعتقدت أنها أخبار فأنت دجال وأحد المُترببين المُتألهين، بل هى دعوات، نحن ندعو فقط، لما نقول رضيَ الله نعني اللهم ارض عنه واللهم اغفر له واللهم ارحمه، جاء بصيغة الماضي ليس خبراً كأن نخبر أن الله رضيَ، ما أدرانا؟ إلا إذا كان مِمَن أخبر الله عنهم في كتابه أو لنبيه، قال الله لقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ ۩، إذن انتهى الأمر، لأن الله أخبر أنه رضيَ عنهم، فنشهد أنه رضيَ عنهم وهكذا، فيما عدا ذلك هو مُجرَّد دعاء، أي اللهم ارض عنهم واغفر لهم وارحمهم واسق ثراهم بشآبيب رحماتك، هذا دعاء يا إخواني، فهذا الرجل المسكين المُسرِف على نفسه مات فلم ير أحد من أهل قريته أو بلدته نفسه مدعواً أن يُصلي عليه، قالوا هذا لا يُصلى عليه فانجفلوا عنه، ولذا ابنه لحقه همٌ عظيم، هذه فضيحة -نعوذ بالله من فضوح الدنيا وفضوح الآخرة – في الدنيا لأن الناس قالت هذا لا نُصلي عليه، فلم يجد ابنه أحداً يُصلي معه على أبيه، فاضطر أن يأخذه بعيداً عن القرية قليلاً على مشارف صحراء قريبة وجعل يحفر له وهو يعلوه الهم والغم والفضيحة، وإذا بأعرابي يرعى غُنيمات له، أقبل فقال عجبٌ لأمرك يا بني أو يا أخي، أما معكٌ أحد يعينك في دفن هذا المتوفى؟ مَن هو مِنك؟ قال أبي، قال أما معك أحدٌ؟ فاستحى الابن أن يُخبِر بالحقيقة لأنه سوف يفضح أباه الميت، وجعل يُردِّد لا حول ولا قوة إلا بالله، ما معي أحد، لا حول ولا قوة إلا بالله، فأقبل الأعرابي وجعل يُعينه، ثم دلياه في قبره ووقف الأعرابي يُسِر بدعوات لم يسمعها الابن، ثم مضى في سبيله – في طريقه – بعد ذلك، وفي تلكم الليلة يرى ابن المتوفى أباه كأنه في جنة أو في بستان ضاحكاً مستبشراً، هذا أمرٌ عجيب، هذا أبوه السكير الخمير والكذا كذا، هو يعرف أباه، نعم هو مُسلِم مُوحِّد لكنه يعرف ماذا كان يفعل، قال عجباً لك يا أبتي، ما الذي بلغ بك هذه المنزلة والكرامة؟ قال بركة دعوات الأعرابي يا بني، فاستفاق من نومه فلما أصبح خرج يبحث عن الأعرابي، أي يقتفي أثره، وبعد سويعات أصابه، قال له يا أخي بالله عليك بم دعوت لأبي أمس؟ قال لم؟ قال قد أُريته في المنام في أحسن حالة وهيئة، وقصَّ عليه القصة، قال يا أخي ما دعوت إلا بهذه الدعوة، قلت اللهم إني عبدٌ – يقول الأعرابي أنا عبدٌ – من عبيدك، إذا نزل بي ضيفٌ أكرمته، وهذا عبدك ضيفك الليلة وأنت أكرم الأكرمين، الله أكبر، أعرابي ذكي، يُراهِن على ماذا هذا الأعرابي؟ على سعة رحمة الله وعلى سعة كرم الله وعلى ربوبية الله، يقول أنت الرب وهذا العبد، أنا عبد وحين ينزل بي عبدٌ أكرمه، فكيف بالرب ونزل به عبده؟ أنت أولى به من أمه وأبيه ومن نفسه وأنت أكرم الأكرمين، أكرم الله هذا المُوحِّد وغفر له بدعوات هذا الأعرابي التي علَّمتنا، وهذا شيئ عجيب، لذلك علم الله واسع، قال الله وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ – ماذا؟ رَّحْمَةً – وقدَّم الرحمة على العلم، أي قدَّم رحمته على علمه – وَعِلْمًا ۩، وقال أيضاً وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۩، تكتب للمُتقين وللمُحسِنين – اللهم اجعلنا من المُتقين والمُحسِنين – طبعاً، فليس لأحد أن يتألى – يحلف – ولا ينزع بنفسه ولا يتورط هذه الورطة فيدّعي ما ليس له، اتقوا الله، أيضاً ليس العلم وحده وإنما المشيئة، مشيئة الله أوسع مشيئة على الإطلاق، لا يقع في الوجود من عرشه إلى فرشه شيئ ولا يتحرك مُتحرِّك ولا يسكن ساكن إلا بإذن الله ومشيئته، أليس كذلك؟ مَن ذا الذي يزعم أن مشيئته طابقت مشيئة الله حتى يُدخِل فلاناً الجنة وفلاناً النار؟ مَن قال لك هذا؟ مَن قال لك إنه يشاء أن يُدخِل فلاناً الجنة ويُدخِل فلاناً النار؟ مَن قال لك هذا؟ ومشيئته – لا إله إلا هو – هى التي سمحت بأن يُقتل أنبياؤه وأولياؤه، أليس كذلك؟ هل قُتلوا رغماً عنه؟ لكن بمشيئته وقع هذا، أذن الله أن يقتل جماعات من الأنبياء والأولياء، وهذا أمرٌ عجيب، مشيئته هى التي قضت وحكمت أن يُهزَم بعض الأنبياء وبعض المُرسَلين وأن يُقتل أتباعهم وأحبابهم وأن يُهجَّروا وأن يُعذَّبوا وأن يُساموا العذاب، أليس كذلك؟ هذه مشيئة الله، وهى مشيئة واسعة، مشيئته أن يهدي قوماً وأن يُضِل آخرين، وهذا طبعاً بأعمالهم وبإرادتهم، هذا موضوع آخر فلا نفتح موضوعاً الآن عقدياً، هذه مشيئته وله الملك ملك السموات والأرض، قال الله وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ ۩، هذا يحدث بمشيئته، يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ۩ وهو أعلم ومشيئته تبعاً لعلمه وحكمته، ليس لديك علم الله ولا حكمة الله فهل لديك مشيئة الله أيضاً؟ إياك أن تتنطع لما لست له، الزم مقامك كعبد حتى يُفتَح عليك الفتوح الحق، الزم مقامك دائماً كعبد، لا تنس هذا الشيئ ولا تنس هذا المعنى أبداً، حاول أن تتحقَّق به، ولذلك قال الله إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۩، يقول لهم مشيئتك لم تتطابق مع مشيئتي، أنت تُحِب وتشاء وتُريد أن تهدي فلاناً وأنا لا أشاء هذا لعلمي وحكمتي، مشيئتك لم تتطابق مع مشيئتي، أليس كذلك؟ إذن انتبه وتراجع، إياك أن تتكلَّم في مصائر الناس، إياك أن تتكلَّم في مصائر عباد الله، اترك هذا لله، هذا الأمر مُلتبِسعلى بعض الناس لكن قبل أن أشرح التباسه سوف آتي بشاهدِ عجيب، حديث قصصته عليكم ربما غير مرة وهو حديث جميل في الصحيح، من حديث خارجة بن زيد – رضيَ الله عنه وأرضاه – عن أم العلاء – امرأة من الأنصار مِمَن بايع رسول الله – حيث تقول أم العلاء – رضيَ الله عنها وأرضاها – اقتُسِمَ المُهاجِرون قرعةً – لما أتى الأصحاب الإجلاء من مكة إلى المدينة مُهاجِرين اقتسمهم الأنصار بالقرعة، ففلان يكون من نصيب آل فلان وفلان من نصيب آل فلان، هذا معنى اقتُسِمَ المُهاجرون قرعةً – فطار لنا عثمان بن مظعون – طار لنا أي أتى في قرعتنا وفي سهمنا، عثمان بن مظعون أتى عندنا وعند أهلي – فنزل علينا – هذا المُهاجِر الجليل وهذا الصحابي المُجاهِد المُؤمِن المُخبِت الزاهد والذي فقد عينه في سبيل الله وأبى أن يدخل في جوار مشرك، هذا شيئ عجيب، هذا عثمان بن مظعون أبو سائب رضوان الله تعالى عنه وأرضاه، الذي شهد فيه النبي المُحمَّد بأنه خرج من الدنيا ولم يُصِب منها ولم تُصِب منه، نزَّهه الله عن الدنيا وأغراضها وأطماعها، صحابي زاهد عظيم، وهو الذي أراد أن يختصي وأن يتبتل فلم يأذن له رسول الله، وهذا أمرٌ معروف على كل حال – في أبياتنا أو في دورنا، فلما وجع – أي مرض -وجعه الذي تُوفيَ منه – رضيَ الله عنه وأرضاه – وغسلناه وكفناه، أتى رسول الله، دخل الرسول ينظر إلى أخيه في الله، أي هذا المُهاجِر الزاهد، تقول أم العلاء فقلت شهادتي عليكي يا أبا السائب – عن عثمان بن مظعون، شهادتي عليك تعني شهادتي فيك – أن الله أكرمك، قالت فقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – وما أدراكِ أن الله أكرمه؟ والحديث في الصحيح فانتبهوا، قال لها ما أدراكِ؟ كيف تتكلَّمين عن الغيب؟ لكن هذا عثمان بن مظعون وهو من أصحاب الهجرتين وهو صحابي جليل وزاهد وسمعناك تقول فيه كذا وكذا، أنت قلت هذا ما شاء الله عليه، نحن نشهد بما علمنا والنبي شهد علم بما رأى، أما الغيب فهذا لله، انتبهوا إلى هذا، صحيح أن المُؤمِن من أهل الجنة وصحيح أن الصحابي من حيث القاعدة والأصل من أهل الجنة – عموماً – في العموم لكن لا نتكلَّم في التطبيقات، أي في فلان بخصوصه، ارجع ولا تقل هذا، إذا عندك وحيٌ من الله أهلاً وسهلاً، إذا لم يكن عندك امسك لسانك، ادع له فقط ولا تقل أشهد، مِن أين لك؟ هذا هو القول على الله بغير علم، هذا لعب لدور الله، كأننا نقول سوف نُدخِله الجنة، مَن أنت؟ قال النبي ما أدراكِ أن الله أكرمه؟ قالت فقلت يا رسول الله فمَن يُكرِم الله؟ كأنها تقول إن لم يُكرِم الله أمثال ابن مظعون فمَن يُكرِم؟ قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – أما عثمان فقد آتاه من ربه اليقين وإني لأرجو له الخير، والله وإني لرسول الله لا أعلم ما يُفعل بي، إذن هو لا يعلم ما يُفعَل بعثمان بن مظعون، قالت فقلت يا رسول الله وأنا – والله – لا أزكي أحداً بعده، إذن فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ۩، لا ذاتك ولا غيرك كأن تقول هذا من أهل الجنة فضلاً عن أن تقول في مُسلِم مُوحِّد أنه من أهل النار، امسك لسانك واتق الله والزم العبودية، مارس دور عبد حقيقي وليس دور رب كاذب مُزيَّف دجّال، إذن قالت يا رسول الله وأنا – والله – لا أزكي أحداً بعده، وفي رواية في الصحيح عند البخاري أنها قالت وحزنت – حزنت لهذا الذي سمعت، لأن ليس عندنا قطع بمصير عثمان مظعون – فنمت فرأيت عيناً تجري لعثمان بن مظعون، وسألت لمَن؟ فقالوا لعثمان مظعون، فقمت فأخبرت بها رسول الله، فقال ذلك عمله، أي أن عمله الصالح – ما شاء الله – مُستمِر بإذن الله، ربما هذه صدقات جارية أو كذا، لكي تطمئن هذه المسكينة رأت هذا في المنام، انظروا إلى هذا التعليم النبوي، هذا التعليم من أين أخذه الرسول؟ من القرآن، من عشرات الآي التي علمتها ألا نتسوَّر على حمى الربوبية والإلهية وأن نلزم مقام العبودية، في سورة الأحقاف وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ۩، فالله هو الذي علَّمه هذا، وليس كلام الرهبان والأحبار والدجّالين من العلماء والمشائخ، انتبهوا إلى أن الدجل في مكان ثانٍ، النبوة والدين الحق هذا هو، تعلَّموه من كتاب الله ومن رسول الله صلى الله على رسول الله وآله وصحبه أجمعين.
إذن لا علم ولا مشيئة، لا تتطابق مشيئتنا مع مشيئة الله، وهنا قد يقول لي أحدكم بالعكس أنا أشاء ما شاء الله، أشاء أن يكون الخمر مُحرَّماً لأن الله شاء أن يكون مُحرَّماً، نقول له هذه مشيئة شرعية يا أخي، أنت لا بد أن تتطابق مشيئتك مع مشيئة الله الشرعية، والحديث ليس في المشيئة الشرعية لكن الحديث في المشيئة القدرية والمشيئة الكونية، وإلا الله لا يشاء شرعاً أن يُقتل نبي أو يُقتل ولي أو يُظلم مظلوم ، لكن هذا يقع كوناً وقدراً ولايقع إلا بالمشيئة، فالمشيئة القدرية أوسع بمراحل من المشيئة الشرعية، هذا موضوع معروف في علم العقائد وهو من بديهيات علم العقائد عند أهل السنة والجماعة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن مُحمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد، إخواني وأخواتي:
لو جاءك وأنت من أهل العلم وأهل الصلاح فيما يبدو للناس سائلٌ وسألك سؤاله، لم يسألك السؤال، السؤال عام، السؤال نُحاوِل ونُقارِب أن نُجيب عنه بما فهمنا في كتاب الله وسنة المصطفى، لكن هو يسألك سؤاله، إياك أن تُجيبه عن سؤاله وإلا أنت أحد الدجاجلة، أنت أحد الذين يتسوَّرون على حمى الإلهية والربوبية، ما هو سؤاله؟ هو يسألك سؤاله ويقول لك قد كُرثتُ بكذا وكذا ودُهيتُ بكذا وكذا وفقدتُ الحبيب وخسرتُ المال واتفق لي ما لا يتفق في ظني لمَن تاب وأناب وأحسن، وإني لأرجو أن أكون منهم، لا أعلم من نفسي إلا أنني حريصٌ على طاعة ربي، وأنا كذا وكذا، ما السر؟ ما الحكمة؟ لماذا دهاني ما دهاني؟ لماذا كُرثت بما كُرثت؟ قل له لا أدري، الله أعلم، قل له هذا السؤال – سؤالك – ليس مِن أحدٍ يُجيب عنه، فإن أجابك أحد فهو دجّال، إذن ما الجواب؟ نحن نُجيب عن السؤال وليس عن سؤاله وعن سؤالها وعن سؤالهم وإنما عن السؤال، نُجيب عن سؤال ما الحكمة في الكوارث؟ ما الحكمة في الابتلاءات؟ ما الحكمة في العقوبات التي قد تنزل بساحة المؤمنين وحتى بساحة الانبياء والمُرسَلين؟ وأشد الناس بلاءً الأنبياء، فالأمثل ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى المرء على قدر دينه، فنحن نتكلَّم بكلام عام، تماماً كما نتكلَّم عن مصائب الخلق بكلام القواعد، نقول كل مَن مات على التوحيد ولقيَ الله مُوحِّداً فإنه بحسب ما قال الله – تبارك وتعالى – هو من الناجيبن، فإن قيل لنا قد ضمَّ إلى توحيدهم معاصي صغاراً وكباراً فإننا نقول له هو في خطر المشيئة، إن شاء الله أن يغفر له ويُدخِله الجنة فعل، وإن شاء أن يُطهِّره بعذاب في النيران لمُدةٍ محدودة معدودة ثم يُخرِجه فعل، هذا كلام القواعد فانتبهوا، نقول هذا تماماً، وكل مَن لقيَ الله كافراً مشركاً بعد أن قامت عليه الحجة الرسالية – لقيَ الله على هذا – هو من أهل النار ولا يُغفَر له والعياذ بالله، هذا كلام القواعد فيجب أن نُقرِّره وإلا أيضاً نكون كافرين بما أُنزِلَ من لدن رب العالمين، أما تطبيق القواعد على المصاديق والآحاد – مثل فلان من أهل النار وفلان من أهل الجنة – فلا يجوز، إياك أن تفعل هذا، أنت لا تدري بماذا وافوا ولا تدري خباياهم ولا تدري حقائق أعمالهم ولا تدري بواطنهم، أنت لا تدري شيئاً، ربما يعيش المرء كافراً وفي آخر لحظة يُعلِن بالتوحيد والشهادتين ويموت على هذا عن قناعة، يلوح له نور رباني فتسبق له السعادة والهداية ويموت على التوحيد، ما أدراك؟ أنت أصلاً ما دخلك؟ ما دخالتك في مصائر الأفراد؟ لماذا؟ هل عندك خصومات شخصية مع الناس؟ هل عندك تحيزات شخصية لبعض الناس؟ لماذ؟ قل الله أعلم، لا أتكلَّم في التطبيق وإنما أتكلَّم كلام القواعد وأقول قال الله وقال الرسول، أما عن فلان وعلان أُمسِك لساني، الله أعلم، نكل أمرهم إلى الله كما علَّمنا الله ورسول الله صلى الله عليه وسلَّم، انتبهوا فهذا معنى مُهِم جداً جداً جداً، هو المعنى الذي تعتدل به هذه القضية ويعتدل به ميزان هذه القضية، أي نقول ماذا ونُمسِك عن ماذا، نقول كلام القواعد ونُمسِك عن التطبيق على الأفراد والآحاد، نُمسِك لأن هذا الأمر عائد إلى الله – تبارك وتعالى – القائل – لا إله إلا هو – عبدي إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، عبدي لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تُشرِك بي شيئاً لأتيتك بقُرابها مغفرة، لأنه واسع الرحمة لا إله إلا هو، تقول الآية الكريمة وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ۩، فنعم نقول هذا، اترك هذا لواسع الرحمة ولذي الفضلوالطول والإنعام – لا إله إلا هو – ولا تتدخل.
العلاقة الشخصية بالله لاتخرج عن أحد سبيلين – أو إحدى سبيلين إن أنثنا السبيل – أو أحد طريقين، إما علاقة مُباشِرة عن طريق الوحي وهذا بابٌ مُوصَد بختام الأنبياء – هذا انتهى فلا ينبغي لأحد أن يتكلَّم – وإما علاقة التجربة الشخصية، والتجربة الشخصية الإيمانية الفردية يعتورها ما يعتور كل ما هو شخصي فردي، فلا نُعوِّل عليها، ومن هنا – وبه أختم – انظروا إلى موقف رسول الله إزاء القرآن ومن القرآن كما عرضه القرآن، ابحث عن المسألة البسيطة هذه، وهى خطيرة ومُهمِة، موقف رسول الله من القرآن، ما الموقف الذي يتخذه الرسول إزاء القرآن كما عرضه القرآن؟ أولاً الرسول يتلقى القرآن، قال الله وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ۩، فهو يتلقاه كما هو، لا يُؤلِّفه ولا ينظمه وإنما هو يتلقاه، ثانياً يُؤمَر بتبليغه، قال الله إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۩ وقال أيضاً بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۩، إذن يُبلِّغ كما هو ولا يكتم شيئاً، لا يكتم حرفاً واحداً، ثالثاً ممنوعٌ عليه أن يتزيَّد أو يتقوَّل على الله، يفعل هذا الأحبار والرهبان وبعض العلماء والمشائخ، خلهم يفعلوا والعياذ بالله، خلهم يهلكوا، هدانا الله وإياهم، النبي ممنوع من أن يُحرِّم شيئاً لم يأذن له الله بتحريمه، فما بال بعض الناس يُحرِّم كل شيئ؟ هم – كما قلت مرة – حرَّموا علينا عيشتنا، حرَّموا كل شيئ، عندهم التحريم أسهل شيئ، ويأتون له ليس بالأدلة ولا حتى – والله – يأتون بشيئ لا يرقى إلى رتبة شُبهة، أضعف من أن يكون شُبهة أحياناً، ويُحرِّمون ما أحل الله الذي خلق وجعل لنا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۩، والأصل في الأشياء الإباحة، هذا هو الأصل، مَن خالف الأصل عليه بالدليل، والدليل الذي تتأكَّد به الحُرمة وتثبت به الحُرمة وليس اللعب بالدين، لذلك قال الله وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ ۩ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ۩ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ۩ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ۩، ممنوع أن يتقوَّل أو يتزيَّد، هو مأمورٌ بأن يتلو الكتاب، قال الله اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۩ وقال أيضاً إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۩ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ۩، فهو مأمورٌ أن يتلو القرآن، ومأمورٌ بعد ذلك أن يتبع ما في القرآن وأن يستقيم على صراط القرآن، قال الله فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۩، أين أُمِر؟ في كتاب الله، وبوحي الله أيضاً عاماً، إذن قال الله اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ ۩ وقال أيضاً وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ ۩، فهو مأمورٌ بالاتباع، إذن هذا أمرٌ عجيب وأمرٌ شديد، الأمر شديد وشديد جداً، وهذا في ماذا؟ في حق نبي رسول له علاقة شخصية بالسماء عن طريق الوحي المعصوم، فكيف نحن؟ مَن أين لنا أن ننقص ونزيد ونُنازِع الله في سلطانه أو بعض سلطانه؟ ما الذي يحدث؟
اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، لا تدع لنا في هذا المقام الكريم من هذا اليوم الكريم الأزهر ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرَّجته ولا كرباً إلا نفَّسته ولا مريضاً إلا شفيته ولا ميتاً إلا رحمته ولا حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة لنا فيها صلاحٌ ولك فيها رضا إلا يسَّرتها وقضيتها وأعنت على قضائها برحمتك ومنك وفضلك يا ذا الطول والإنعام يا رب العالمين.
اللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن واسلك بنا سبيل الصالحين، اللهم أنت أصلحت لك عبادك الصالحين فأصلِحنا بما أصلحت به عبادك الصالحين، اجعلنا نخشاك حتى كأنا نراك وأسعِدنا بتقواك ولا تُشقِنا بمعصيتك وخِر لنا في قضائك وبارك لنا في قدرتك حتى لا نُحِب تعجيل ما أخَّرت ولا تأخير ما عجَّلت، واجعل اللهم غنانا في أنفسنا ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا واجعلها الوارث منا واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا إلهنا ومولانا رب العالمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (11/9/2015)
الله يجزيك عنا كل خير يا والدي الغالي ويحفظك ويحفظ اهلك وأولادك وكل أحبابك ويجمعنا معك في الفردوس الاعلى
لكم مني خالص الدعاء والتقدير والاحترام
ابنتكم ام ريان
السلام عليكم العلم لا يؤخد من الكتب وانما ذلك فضل الله يؤتيه من يشااء وعنده ام الكتاب اتمنى ان تعيد النظر فيما تطرحه واجدك تقدس الكتب اكثر مما تقدس الله العليم بكل شيء وشكرا.واتمنى ان تشاهد ما يقدمه امين صبري من العلم الخالص من كتاب الله وليس ارسطو وغيرهم وشكرا