الدرس الخامس عشر
تفسير سورة النساء من الآية التاسعة عشرة إلى الآية الثالثة والثلاثين
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى، لا نُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نظير له ولا مثال له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وخيرته من خلقه وصفوته من عباده وأمينه على وحيه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين المُجاهِدين المُحسِنين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم علَّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً، اللهم يا مُعلِّم إبراهيم علِّمنا ويا مُفهِّم سُليمان فهِّمنا.
۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ۞
أما بعد، أيها الإخوة الأحباب، أيتها الأخوات الكريمات:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، يقول الله – تبارك وتعالى – يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۩، هذه الآية أيها الإخوة في معناها يقول حبر الأمة عبد الله بن عباس – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – كان أهل الجاهلية إذا مات الرجل وله زوجة كانوا أحق بها من أهلها – أي أولياؤه كانوا أحق بالمرأة من أهلها الأصليين – فمَن شاء منهم أن يتزوَّجها تزوَّجها، وإن شاءوا أن يُزوِّجوها – أي رجلاً آخر – زوَّجوها، وإن شاءوا ألا يُزوِّجوها لم يُزوِّجوها، فكانوا أحق بها من أهلها، فأنزل الله – تبارك وتعالى – هذه الآية، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء ۩، كأن المرأة هي تركة وليس أن تأخذوا ميراثهن فانتبهوا، لأن الآية يُمكِن أن تُفهَم بمعنى خاطيء، فيُقال لا يحل لكم أن ترثوا النساء بمعنى لا يحل لكم أن تأخذوا تركة النساء، لا! هذا – كما وضَّحه ابن عباس – ليس المقصود، المقصود ألا تُورَث النساء أنفسهن، كأن المرأة هي تركة، فإذا مات عنها زوجها وُرِثَت من بعده، أُخِذَت كأنها متاع، قال لا، لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا ۩.
وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ۩، وهو الصداق، ما هو هذا الذي آتاه الرجل للمرأة؟ الصداق، أي المهر، الله – تبارك وتعالى – ينهى عن عُضل النساء، عن التضييق عليهن، عن إحراج النساء وعن مُضارتهن، بقصد ماذا؟ بقصد أن المرأة تضجر وتُصبِح مُحرَجةً – أي في ضيق شديد – فتتنازل عن المهر أو بعضه من أجل أن تفتدي نفسها، أي أن تُخالِع، وتكلَّمنا عن أحكام الخُلع على جهة الإيجاز في سورة البقرة، قال الله تعالى هذا لا يجوز، لكن استثنى فقال إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۩، هذه الفاحشة فيها قولان أيها الإخوة، قيل هي الزنا وهذا واضح جداً، الفاحشة المُبيِّنة هي الزنا، وقيل ليس من شرطها أن يكون الزنا، العصيان والنشوز هو أيضاً فاحشة، ففيها قولان، إما الزنا وإما العصيان والنشوز، واختار شيخ المُفسِّرين أبو جعفر بن جرير الطبري – رحمة الله تعالى عليه – أن قوله بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۩ يعم الأمرين كليهما، يعم الزنا ويعم العصيان والنشوز، هذا اختيار ابن جرير رحمة الله تعالى عليه، إذن ما معنى الآية على هذا الاستثناء أو مع هذا الاستثناء؟ معناها إذا علم الرجل – والعياذ بالله – أتت بفاحشة على كلا التفسيرين أو أحد التفسيرين فيجوز له أن يُضيِّق عليه وأن يُحرِجها وأن يُضارها وأن… وأن… وأن… بهدف ماذا؟ وبقصد ماذا؟ بهدف أن تتخلى له عن المهر أو جُزءاً من المهر وتُخالِع، أفضل! الله قال يجوز، في هذه الحالة يجوز، لأنها لا تستحق، كيف لا تستحق؟ كيف تكون ارتكبت الفاحشة أو ترتكب النشوز والتأبي والعصيان ثم بعد ذلك ربما تُخالِع من غير فدية؟ لا، الأفضل أن ترجع له مهره أو جُزءاً من مهره، الله – تبارك وتعالى – أباح ذلك، وهذا نص الآية، قال إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۩.
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩، العشرة بالمعروف معروفة، وفي الحديث الذي أخرجه ابن ماجه قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله، كان – عليه الصلاة وأفضل السلام – يُمازِحهم، كان يُداعِب نساءه، كان إذا قضى صلاة العشاء في المسجد جماعةً على عادته يأتي البيت ولا ينام قبل أن يسمر قليلاً مع أهله، أي يقوم ببعض السمر ويتكلَّم وما إلى ذلك، وكان يتناول العشاء – إذا كان ثمة عشاء – مع نسائه في بيت أو في حُجرة صاحبة النوبة، وتأتي بقية نسائه ويجلسن معه في نفس الليلة، يجلسن ويتناولن الطعام مع رسول الله وينقضي السمر ثم تذهب كل واحدة إلى حُجرتها، كل ليلة هكذا! مُعامَلة راقية جداً جداً، عليه الصلاة وأفضل السلام.
وأما مُداعَبته للنساء فالأحاديث الصحيحة فيها كثيرة جداً أيضاً، وسيره في هوى نسائه ما لم يكن إثماً أيضاً معروف كحديث الصحيحين ولعب الأحباش وإلى آخره، فمعروف هذا! ومن ذلك أيضاً مُسابَقته لعائشة فسبقته، ثم بعد ذلك تقول ألحمت، أي حملت اللحم، أصبحت بادنة، قالت فسابقني فسبقني فقال هذه بتلك، أي واحدة بواحدة، وبينهما سنون، هذا من حُسن مُعاشَرته عليه الصلاة وأفضل السلام.
فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ۩، قال حبر الأمة ابن عباس – رضيَ الله عنه وأرضاه – أي الله – تبارك وتعالى – يأمر بالعطف عليهن وحُسن المُعاشَرة، حتى إن كنت تنطوي على شيئ من كره وشيئ من غضاضة تجاه أو لقاء أو إزاء زوجتك قال ابن عباس فإن الله قد يرزقه الولد منها ويكون في هذا الولد الخير الكثير، فهذه المرأة التي تكرهها إن صبرت عليها وتعطفت عليها واحتملت آذاها وتصبَّرت – وهذا له أجر جزيل عند الله تبارك وتعالى، لك عليه الأجر الجزيل – ربما تُرزَق منها الولد الذي يكون نجيباً، وربما يكون – إن شاء الله – رجلاً من أهل الإسلام، ينفع الله به الأمة، فهذا خيرٌ كثيرٌ، هكذا فسَّره ابن عباس بالولد، الولد الذي يكون فيه خيرٌ كثيرٌ.
۞ وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ۞
وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ ۩، ما معنى استبدال زوج مكان زوج؟ أي تطليق واحدة والتزوج بواحدة أُخرى، هذا معناها! أي واحدة مكان واحدة، قال زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ ۩.
وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ ۩، أي الأولى طبعاً التي يُراد الاستبدال منها، علماً بأننا نقول الاستبدال منها وليس الاستبدال بها، وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا ۩، ما المُراد بالقنطار؟ مال كثير – كما قلنا – في سورة آل عمران، مال كثير، من ذهب أو من فضة أو من غيرهما، صَدُقة أو مهراً، أي آتيتموهن هذا المال الكثير صَدُقةً أو مهراً، قال تعالى فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا ۩، ممنوع! انتهى الأمر، قال أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ۩.
۞ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ۞
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ۩، فيها جُملة آثار وأخبار لابد أن نسوقها أيضاً مُعجَلين إن شاء الله تعالى.
تعرفون قصة سيدنا عمر في نهيه عن المُغالاة في مهور أو في صداق النساء، يقول مسروق – أبو عائشة رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه الإمام التابعي الجليل – ركب عمر بن الخطاب يوماً المنبر – منبر رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام – ثم قال أيها الناس ما إكثاركم في صَدُقات النساء؟ وقد كان رسول الله وأصحابه والصَدُقات بينهم لا تزيد على أربعمائة درهم، فلو كانت تقوى عند الله أو كرامةً في الدنيا لكان أولى بها محمدٌ عليه الصلاة وأفضل السلام، أي كان محمدٌ أولى الناس بها، علماً بأن في اسم كان وخبر كان هذا يجوز كثيراً جداً، لكن هذا يعود إلى فهم المعنى، فالأحسن أن نقول كان أولى الناس بها محمدٌ، أي كان محمدٌ أولى الناس بها، ولو قلت محمداً يجوز، لكن الأول أفصح، على كلٍ كان أولى الناس بها محمدٌ عليه الصلاة وأفضل السلام، فلا أسمع برجلٍ زاد في صداق امرأةٍ عن أربعمائة درهم، انتهى! أي أن هذا أمر حكومي، أمر خلافي، ثم نزل المنبر، يقول مسروق فعرضت له امرأةٌ من قريش – امرأة قرشية فصيحة منطيقة ولديها الشجاعة – فقالت له يا أمير المُؤمِنين لقد نهيت الناس عن أن يزيدوا في صداق نساءهم عن أربعمائة درهم، قال نعم، قالت فأين أنت مما قال الله تبارك وتعالى؟ قال وأي ذلك؟ أي أي ذلك تعنين؟ ومن هنا هي منصوبة، قال وأي ذلك؟ قالت أما سمعت الله – عز وجل – يقول وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا ۩؟ إذن يجوز أن يكون المهر قنطاراً، أليس كذلك؟ فهم واستنباط! وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا ۩الآية! قال اللهم غَفراً، بالفتح غَفراً، ليس غُفراً بالضم وإنما غَفراً بالفتح، أي اللهم اغفر لي، يسأل الله المغفرة لأنه أخطأ، قال اللهم غَفراً، كل الناس أفقه من عمر، مُتواضِع وهو أمير المُؤمِنين، عمر بن الخطاب مُباشَرةً نزل على رأي امرأة، حتى وإن كان طفلاً، حتى وإن كان عبداً! الحق واضح جداً بدليله، قال اللهم غَفراً، كل الناس أفقه من عمر، ثم عاد – يقول مسروق – فركب المنبر ثم قال أيها الناس كنت نهيتكم عن الزيادة في صَدُقات النساء عن أربعة درهم وأستغفر الله، فمَن أحب أن يزيد في صَدُقة امرأةٍ ما شاء، أي له ما شاء، إذا أحببت أن تزيد افعل، لا تُوجَد مُشكِلة، قال أبو يعلى وقد أخرجه هذا إسناد جيد قوي، أخرجه الإمام أبو يعلى الموصلي في مُسنَده رحمة الله تعالى عليه.
يُوجَد حديث آخر عند أحمد وعند غيره مُشابِه جداً لكن بفارق أنه قال وما أصدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واحدةً من نسائه أزيد من ثنتي عشرة أوقية – فضة وليس ذهباً، هذا أكثر صداق – وما أُصدِقت واحدةً من بناته أزيد من ذلك، فلو كان مكرمةً في الدنيا أو تقوى عند الله ما سبقتموه – أي الرسول – إليها، ثم إن السياق قريب جداً، إذن هذا موقف الفاروق رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه.
قال تعالى وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ ۩، أي هذا المهر أو الصداق أو بعضه، وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ۩، قال ابن عباس الجماع، أي بعد أن استمتعت ببُضع المرأة، ولذلك الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – في الحديث المُخرَّج في الصحيحين وهو حديث اللعان – حديث المُتلاعِنين، الرجل الذي لاعن زوجته ولاعنته كما في سورة النور، يُمكِن أن تعودوا إلى هذه الأحاديث في تفسير سورة النور في أي كتاب أثري كابن جرير أو الدُر المنثور أو ابن كثير، موجودة الآثار كلها – ماذا قال النبي للمُتلاعِنين بعد أن لاعن كل منهما صاحبه؟ قال لهما الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ هو لاعن وهي لاعنت، مُستحيل! لابد أن يكون أحدهما صادقاً والآخر يكون كاذباً، فالنبي قال لهما الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ ثلاث! ثلاث مرات قال هذا، توبوا لأن فيها – والعياذ بالله – لعنة وغضب، مذكور هذا في كتاب الله، شيئ فظيع جداً، لعنة وغضب عند الله، أي فيها لعنة وغضب، وهذا الشيئ ليس سهلاً، ثلاث مرات يقول لهما هذا، فقال الرجل يا رسول الله مالي، يُريد ما أصدقها، ما معنى مالي؟ أي المال، ليس المقصود ما شأني وإنما المقصود المال، يقول مالي، أي أين مالي؟ ماذا عن مالي إذن؟ لاعنتها وانتهى الأمر، هل يضيع الصداق علىّ؟ يُريد ما أصدقها، أي الصداق الذي دفعه إليها يُريده، يعني ما أصدقها، فقال ليس لك من مالك شيئٌ، إن كنت صادقت عليها – حين لاعنتها وأنت صادق – فهو – أي الصداق أو المهر أو المال – بما استحللت من فرجها، أي أنك نمت معها واستمتعت بها، قال تعالى وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ۩، كيف تأخذ المهر بعد أن نمت معها واستمتعت بها؟ لا يجوز، انتهى الأمر، هذا مُقابِل هذا، فهو عوض لهذا، هذا عوضٌ لهذا! قال إن كنت صادقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها، أي لا يحل لك على أي وجه من الوجوه، طبعاً هذا أبعد، إذا كنت صادقاً لا يجوز فكيف إذا كانت كاذباً؟ أبعد! فهو أبعد لك منها كما قال عليه الصلاة وأفضل السلام، فهذا معنى قوله وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ۩.
وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ۩، ما هو الميثاق الغليظ؟ العقد الشرعي، وفي الحديث الصحيح – في صحيح مُسلِم – اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوانٍ، جمع عانٍ، ما هو العاني؟ الأسير، أي أن المرأة المسكينة كالأسيرة، لا تتحرَّك ولا تطلع ولا تنزل إلا بأمر الزوج، مثل المسجونة! كلما تحرَّكت يكون هذا بأمر الزوج، وهنا قد يقول لي أحدكم لا والله، هناك نساء لا يتحرَّك أزواجهن إلا بأمرهن، لأن المقلوبة طبعاً، هذا ليس وضعاً شرعياً، نحن نتحدَّث عن الوضع الشرعي، لأن هناك نساء – والعياذ بالله – خرّاجات ولّاجات، لا تأخذ الواحدة منهن إذناً ولا ترقب الله – عز وجل – في زوج، وهذه ليست بالمُسلِمة، ليست بأخلاق المُسلِمة، المرأة المُسلِمة لا تتحرَّك إلا بأمر زوجها، الأمر الخاص أو الأمر العام، يُمكِن أن يُعطيها إذناً عاماً، كأن يقول لها لكِ كل يوم أن تخرجي إلى Billa أو Hofer أو Naschmarkt لكي تتبضعي، لكِ كل يوم هذا، وأن تُوصِلي الأطفال إلى المدارس – مثلاً – وأن تأتي بهم، جائز! فهذا إذن عام، لكن لا تخرج عند صديقة وعند أي أحد من غير إذن الزوج، ممنوع! ممنوع منعاً شديداً هذا في الدين، على كل حال هذا الميثاق الغليظ وهو عقد الزواج.
۞ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً ۞
الآن أيها الإخوة في هذه الآية والتي تليها يشرع الله – تبارك وتعالى – في تعداد المُحرَّمات من النساء، وأنتم تعرفون أيها الإخوة أن جماهير العلماء أن الأصل في الأبضاع الحُرمة، الأصل في الأشياء عموماً الإباحة، لكن الأصل في الأبضاع الحُرمة، أي الأصل في كل مرأة أن تكون مُحرَّمة حتى يأتي البيان الشرعي بأنها مُباحة، على الحِل، هل هذا واضح؟ هنا طريقة سهلة، الله – عز وجل – عدَّد المُحرَّمات من النساء، والنبي زاد شيئاً على ذلك، أي أن التحريم بهاتين الآيتين وبحديث، وهذا الحديث أخذته الأمة وتلقته بالقبول، أهل السُنة والمذاهب المتبوعة كلها والشيعة الإمامية والإباضية والزيدية أخذوا بهذا الحديث، ما هو؟ هو حُرمة أن ينكح الرجل المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها، وهناك أشياء كثيرة، فالأمر لا يقتصر فقط على العمة والخالة، وسوف نرى الضابطة الفقهية لها إن شاء الله، وقد ذكرناها قبل ذلك في دروس الفقه قديماً.
قال – تبارك وتعالى – وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ۩، أي هذا النكاح وهذا الفعل، وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً ۩، قال عبد الله بن عباس كانوا في الجاهلية يُحرِّمون ما حرَّم الله – أي من النساء – إلا أزواج الآباء والجمع بين الأُختين، أي أن هذه الأشياء المذكورة كانت مُحرَّمة في الجاهلية إلا شيئين: أولاً أزواج الآباء، عادي أن يموت الأب أو يُطلِّق فيأتي الابن ويتزوَّج زوجة أبيه، سواء بطلاق أو موت، الإسلام حرَّم هذا، حرَّمه أشد التحريم وسوف نرى لماذا، ما العبرة فيه؟ ما السر؟ ثانياً الجمع بين الأُختين، كانوا يُجوِّزونه، يجمعون بين الأُختين، وسيأتي تفسيره في محله إن شاء الله.
قال إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ۩، ما معنى إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ۩؟ أي إلا ما كان في الجاهلية، قد يقول أحدهم أنا فعلت هذا قبل أن يأتي الإسلام والآن جاء الإسلام فماذا أفعل؟ يجب أن تُفارِق، كالجمع بين الأُختين وكالجمع بين أكثر من أربعة يجب أن تُفارِق، كل عقد لا يُبيحه الإسلام لابد أن يُفسَخ، ينتهي! يجب أن تُفارِق، لكن مَا قَدْ سَلَفَ ۩ في الجاهلية قبل أن يتنزَّل هذا الحُكم الشرعي وهذا الشرعي فهو معفوٌ عنه بلا شك، هذا في حُكم العفو، إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ۩.
إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ۩، ذنب كبير فاحش الله يقول، وَمَقْتًا ۩، هذه الكلمة ما معناها؟ ما هو المقت؟ المقت هو أشد الكره، أليس كذلك؟ هذه الكلمة لم ترد في كتاب الله إلا في ثلاثة مواضع، في هذا الموضع وفي سورة غافر – المُؤمِن – حيث قال كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا ۩ وفي سورة الصف كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ۩، فقط ثلاث مرات، في ثلاثة مواضع، كلمة كبيرة ومُخيفة أيها الإخوة، فتأمَّلوا في مواضعها لكي تحذروا الوقوع فيها وخاصة آية الصف: كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ۩، الأمة تخوض في هذا إلى فرقها والعياذ بالله، أليس كذلك؟ إلى فرقها! يحدث هذا كثيراً، تعوَّدنا أن نتكلَّم بأشياء لكن لا نفعلها والفعل ضد القول، وهذا شيئ مُخيف جداً، يُوجِب المقت، أي الكره الشديد من الله عز وجل، وهو فرع النفاق، أليس كذلك؟ المُنافِق دائماً قوله حسن وفعله سيئ، هذا من صفات المُنافِقين، لكن صفات الصادقين ليست كذلك دائماً، بالعكس أفعالهم أحسن من أقوالهم، سُبحان الله! أقوالهم قليلة وأفعالهم حسنة جميلة كثيرة، على كل حال هذا هو.
ما هو المقت في الأصل؟ قلنا هو أشد الكره، ما معنى وَمَقْتًا ۩؟ أي مقتاً يُوجِب المقت من الله، الله يمقت على ذلك، كما كان النبي يقول فإن الله يمقت على ذلك، مثل ماذا؟ لا يخرج الرجلان إلى العراء أو قال إلى الغائط كاشفين عن عورتهما يتكلَّمان فإن الله يمقت على ذلك، الإنسان لا ينظر إلى عورة الآخر – والعياذ بالله – عند قضاء الحاجة أو في الحمام، خاصة الحمّامات العامة، النبي قال إن الله يمقت على ذلك، هناك روايات أُخرى وأحاديث أُخرى ورد فيها اللعن، الله يلعن ذلك، لعن الله الناظر والمنظور إليه، انتبهوا! النظر إلى العورات شيئ خطير جداً جداً، في الحمّامات، في الجيش، وفي الأشياء القذرة هنا في أوروبا وعند الغربيين والعياذ بالله من هذا الشيئ، على كلٍ هذا هو.
والمعنى الثاني يُوجِب المقت بين الناس، بين مَن؟ بين الأب وابنه، أليس كذلك؟ بين الأب وابنه، ومعروف أيها الإخوة كقاعدة عامة قلما تزوَّج رجل بزوجة آخر إلا ويحدث شيئٌ من من المقت، إما من الأول وإما من الجديد أو من كليهما، فكيف إذا كان هذا الرجل هو الأب؟ هذا لا يجوز، على كل حال هذا تفسير، لكن هذا التفسير عليه مأخذ، ما هو؟ أن الأب قد يموت، يكون غير موجود، ولذلك يبقى التفسير الأول أقوى، أنه يُوجِب المقت عند الله – تبارك وتعالى – سواء كان الأب حياً أو كان ميتاً، ولِمَ؟ قد يقول أحدكم لماذا وقد مات الأب؟ أولاً الأمر نفسياً حتى للزوجة خطير جداً جداً، أن تتزوَّج الأب ثم تتزوَّج ابنه نفسياً غير لطيف، ثانياً صعوبة أن يطلع الابن على أسرار أبيه، أي أن فيه أشياء كثيرة، الله – عز وجل – هو أعلم.
وَسَاء سَبِيلاً ۩، أي ساء مسلكاً لمَن يسلكه، ثم قال حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ الَّلاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ الَّلاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ۩، قال عبد الله بن عباس حرَّم علينا سبعٌ نسباً وسبعٌ صهراً، ويُمكِن أن تعدوهم، سبعٌ من النسب وسبعٌ من المُصاهَرة، عموماً النساء المُحرَّمات بأي سببٍ يحرمن؟ ما أسباب التحريم إذن؟ سنقوم بعدهم، أي سنعد الأسباب! أولاً النسب، أي المحارم، ثانياً قريب من النسب مُباشَرةً الرضاع أو الرضاعة، ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، أليس كذلك؟ ثالثاً المُصاهَرة، وسوف نرى هذا، قال ابن عباس وسبعٌ من الصهر، أي من المُصاهَرة، رابعاً زوجة الغير، فهي مُحرَّمة بالآية التي بعدها، خامساً وأخيراً ما زاد على الرابعة، فقط هذه أسباب التحريم، الفقهاء يتسامحون ويقولون ثلاثة: النسب والرضاع والمُصاهَرة، وموضوع زوجة الغير هذا لا يذكرونه لأنها زوجة غير ولا يصح العقد عليها أصلاً، فلا يذكرونه كسبب، يعتبرونه شيئاً بدهياً، وموضوع ما زاد عن أربعة أيضاً يتساهلون فيه رغم أن هذا من أسباب التحريم، الخامسة مُحرَّمة، أليس كذلك؟ مِن النساء المُحرَّمات مَن هن؟ الخامسة، الخامسة مُحرَّمة، وهكذا!
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ۩، كل هذا واضح، وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ۩، تكلَّمنا في درس عن هذا لكن ليس في دروس التفسير، في درس سبتي أعتقد، أي في يوم سبت أيها الإخوة، وسنتكلَّم الآن باختصار، لأن هذا ليس درساً فقهياً إنما هو درس تفسير، وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ۩، كم الرضاع المُحرِّم؟ كم رضعة؟ وفي أي مُدة أو في أي وقت أو في أي ظرف من عمر الرضيع؟ مسألتان: المسألة الأولى الرضاع المُحرَّم الصحيح فيه خمس رضعات مُشبِعات، والمقصود بالرضعة ليست المصة أو المصتين والإملاجة أو الإملاجات، رضعة تعني وجبة، كما تقول بالعامية طقة، طقة كاملة! يُمكِن أن يأخذ الطفل الثدي ثم يتركه ويتلهى ثم يعود ويأخذه وما إلى ذلك، المُهِم حتى يشبع ويعافه، أي ويتركه، هذه تُعتبَر رضعة، هل فهمتم؟ ليس مصة! ولذلك يُمكِن أن تكون الخمس رضعات في نصف ساعة أو في ساعة، لابد على الأقل من يوم كامل أو أزيد من يوم أحياناً، هذا مُمكِن بحسب عمر الرضيع، خمس رضعات! في صحيح مُسلِم عن أم المُؤمِنين عائشة قالت كان فيما أنزل الله – تبارك وتعالى – عشر رضعاتٍ معلوماتٍ يُحرِّمن ثم نُسِخن بخمسٍ معلوماتٍ يُحرِّمن فتُوفيَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهن فيما يُقرأ من القرآن، أخرجه مُسلِم في صحيحه، في الأول كان ماذا؟ عشر رضعات معلومات – ليس بالظن وليس بالوهم وإنما معلومات – يُحرِّمن، ثم نُسِخن بماذا؟ بخمس، خمس رضعات معلومات يُحرِّمن، ولذلك في السُنن أن الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – أمر سهلة بنت سُهيل وهي زوجة أبي حُذيفة أن تُرضِع سالماً مولى أبي حُذيفة – العبد الذي كان عنده وأعتقه فأصبح مولىً له، كلٌ منهما مولى طبعاً لصاحبه، فأبو حُذيفة هو مولى سالم وسالم مولى أبي حُذيفة، لكن هذا مولى بمعنى سيد وهذا مولى بمعنى عتيق، هل فهمتم؟ هذه كلمة مولى، فهي لها المعنيان، لأنها من الأضداد، أي من ألفاظ الأضداد – خمس رضعات ليحرم عليها، فالنبي هو الذي حدَّد، قال خمس، بعد خمس مرات ينتهي الأمر، يُصبِح مثل ابنك، لكن يُوجَد موضوع آخر الآن وهو المُدة الزمنية، في أي فترة؟ الصحيح وهو رأي الجماهير في الحولين، فما كان بعد الحولين لم يُؤثِّر، ليس له تأثير إلا عند أبي حنيفة، قال في مدة ثلاثين شهراً، أي في سنتين ونصف، قال هذا هو، ما بعد سنتين ونصف لا يُؤثِّر، والصحيح هو رأي الجماهير، وكلٌ له سبيله وله وجهته، وأتينا بأدلة في درس السبت على هذا الموضوع، إذن رضاع الكبير لا يُؤثِّر، خلافاً لمَن؟ لمذهب السيدة عائشة ومَن وافقها في ذلك، وهو رأي قليل جداً جداً، يُوشِك أن يكون شاذاً، استدلت بموضوع ماذا؟ بموضوع سالم مولى أبي حُذيفة، وقد كان كبيراً وقد كانت عائشة تأمر بذلك، واحد – مثلاً – قريب لامرأة ويدخل كثيراً، فتقول لها أرضعيه فيحرم عليكِ حتى وإن كان كبيراً، وخالفها في ذلك سائر أمهات المُؤمِنين، أم سلمة ترى أن قولها هذا غير صحيح وهذا كان من الخصائص، النبي جعله خصيصة لسالم مولى أبي حُذيفة وهذا الأشبه بالحق، لكن هذا اجتهاد من السيدة عائشة، والله – تبارك وتعالى – أعلم.
قال وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ۩، وقلنا أيها الإخوة القاعدة الفقهية وهي في الأصل حديث صحيح مُخرَّج في الصحيحين، فقد روى البخاري ومُسلِم عن أمنا عائشة أيضاً أنها قالت – عليها الرضوان والرحمة – الرضاعة تُحرِّم ما تُحرِّم الولادة، النبي – عليه السلام – قال الرضاعة تُحرِّم ما تُحرِّم الولادة، ولفظ مُسلِم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وهذه قاعدة فقهية أصبحت، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب! حتى قلنا مسألة لبن الفحل أيضاً هي مسألة صحيحة يقول بها جماهير العلماء، وخالف الظاهرية وبعض العلماء لكنهم قلة، على الأقل جمهور المذاهب الأربعة المتبوعة يقولون بمسألة لبن الفحل، حتى زوج المرأة – هو لم يُرضِع، أليس كذلك؟ – يُصبِح أباً للرضيع، أخوه يُصبِح عماً للرضيع أو الرضيعة، ابنه حتى من زوجة ثانية – هذه المسألة التي أخطأت فيها ولم أُراجِعها للأسف من فترة طويلة – لم تُرضِع أيضاً يُعتبَر أخاً للرضيع أو للرضيعة، هذا هو! مثل الأب العادي، اطرد فيه قضية يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، والدليل على ذلك أيضاً ذكرناه في الدرس وهو حديث عائشة المُخرَّج في الصحيحين وفي غيرهما حين استأذن عليها أفلح أخو أبي القعيس – أبو القعيس كان زوج المرأة التي عائشة رضعت منها، أي بنتها من الرضاعة، وهذا أفلح أخوه – فقالت له لا، كيف آذن لك؟ لا آذن حتى أستأذن رسول الله، قالت له يا رسول الله إن أفلح أخا أبي القعيس يستأذن ولم آذن له، قال ائذني له تربت يمينك، ما هو إلا عمك، أي عمك هذا قال لها، إذن هذا دليل في لبن الفحل حتى من جهة الزوج نفسه، مسألة معروفة هذه وطويلة، إذن هذا موضوع الرضاع.
وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ۩، قال وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ۩، تُوجَد قاعدة هنا نصفها مذكور في كتاب الله هنا والنصف الآخر بالمفهوم أُخِذ، ما هو؟ موضوع العقد على البنات والعقد على الأمهات، الله قال هنا مِّن نِّسَائِكُمُ الَّلاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ ۩ حتى لا تنسوا! إذن هذا يعني أن الدخول بالأمهات يُحرِّم البنات، وعكسه العقد على البنات يُحرِّم الأمهات، ويُحرِّم تحريماً أبداً، انتبهوا فهذا مُؤبَّد، أي لو إنسان لو عقد على بنت – كتب عليها العقد – وبعد ذلك لم يدخل بها وانفسخ العقد أو طلَّق أو صار أي شيئ – صار طلاق مثلاً فانتهى العقد – أمها تحرم عليها مُؤبَّداً، لا يستطيع أن ينكحها إلى يوم الدين، انتهى الأمر! مُجرَّد العقد على البنت يُحرِّم الأم أبدياً، لكن لا تحرم البنت بالعقد على الأم، بل تحرم بماذا؟ بالدخول بالأم، لابد أن يدخل، وعند الأحناف وغيرهم وهو رأي له وجاهته واعتباره الخلوة الصحيحة تُساوي الدخول، أي لو خلا بها – دخل معها في غرفة مثلاً وأرخيا الستر مثلاً أو أغلقا الباب مُدةً يُمكِن فيها الوطء، أي ليس مثلاً خمس ثوانٍ أو عشر ثوانٍ وإنما مُدة، يُمكِن أن تكون دقائق، خمس دقائق مثلاً وما إلى ذلك، أي مُدة يُمكِن فيها الوطء – تُصبِح زوجة، تُعامَل كالمدخول بها وإن لم يدخل، تُعامل كالمدخول بها تماماً! هل هذا واضح؟
(ملحوظة) قال أحد الحضور هل هذا مُؤبَّد أيضاً؟ فسأله الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم عن قصده بكلمة مُؤبَّد، فقال هل تُحرَّم على التأبيد؟ فأجاب فضيلته قائلاً نحن نقول الخلوة الصحيحة تُساوي الدخول، فلو خلا بالأم خلوة صحيحة تُساوي الدخول تحرم البنت مُؤبَّداً، طبعاً انتهى هذا وهو واضح، (ملحوظة) قال السائل حتى لو طلَّقها؟ فقال له فضيلته طبعاً، نحن قلنا هذا، وإلا لماذا ذكرته أنا؟ من أجل هذه الفائدة، أن الخلوة الصحيحة عند الحنفية وبعض العلماء أيضاً وهو رأي له وجاهته تُساوي الدخول، لكن هذا ليس رأي إجماع، هذا عند الحنفية، فهي عندهم تُساوي الدخول، وليس هذا فحسب، فالحنفية أيضاً قالوا حتى النظر إلى الفرج يُحرِّم أيضاً، لو نظر إلى فرج المرأة يُحرِّم هذا، انتهى! وعدهم تفصيلات في هذا الشيئ.
وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ الَّلاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ الَّلاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ۩، ربائب! جمع ماذا؟ ربيبة، من التربية، من ربه يربه، من ربه يربه تربية ورباً، فالرب مصدر، كلمة الرب نفسها مصدر، ثم إنها تُستخدم اسماً، فنقول الرب تبارك وتعالى، الرب مصدر والتربية مصدر أيضاً، وَرَبَائِبُكُمُ ۩ ما هي الربيبة؟ الربيبة بنت الزوجة، لأنها في أغلب الأحوال وفي عمومها تكون في حجر زوج أمها ويقوم على كفالتها وعيالتها وتربيتها، لذلك سُميت ربيبة، فهي فعيلة من مفعولة، أي مربوبة، أليس كذلك؟ فعيل بمعنى مفعول، أي مربوبة، يقوم زوجها أمها على تربيتها وكفالتها، يقوم على كفالتها وتربيتها لكن انتبهوا! هنا الله يقول حتى بنات الزوجات ينطبق عليهن هذا، كيف بنات الزوجات؟ امرأة مُطلَّقة – مثلاً – أو أرملة وعندها بنت، وأنت تزوَّجت هذه المرأة، هذه البنت تحرم عليك، لكن هنا يُوجَد قيد، قال وَرَبَائِبُكُمُ الَّلاتِي فِي حُجُورِكُم ۩، جمع حَجر، قلنا أمس حَجر وحِجر، كلاهما فصيحان، في حَجرك أو حِجرك، وهو ما دون الإبط، هذه المنطقة تُسمى حَجراً، كناية عن ماذا كما قلنا؟ عن إنك تضمها إليك وتقوم على تدبيرها وكفالتها ورعايتها وإعالتها وإلى آخره، هنا يُوجَد قيد، يقول فِي حُجُورِكُم ۩، لكن هذا القيد خرج من مخرج الغالب، حتى لو لم تكن في حِجرك فهي مُحرَّمة عليك، لكن لماذا قال فِي حُجُورِكُم ۩؟ لأن في الغالب تكون في حِجر زوج أمها، أين تذهب المسكينة؟ هذا في الغالب! فهذا قيد يُسمونه لمُراعاة الواقع ومُراعاة غالب الحالات، مثل لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ۩، هكذا في الواقع كانوا حقيقةً، كانوا يأكلونه أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ۩، لكن حتى الربا ولو بنسبة واحد في المليون هو أصلاً حرام، وهكذا! هذا نفس الشيئ، إلا الإمام عليّاً – عليه السلام وكرَّم الله وجهه – كان يقول لا، الربيبة – وهذا صح عنه، وقيل رجع عنه كما قال الحافظ، ووافقه في ذلك عبد الله بن عباس – إذا لم تكن في الحَجر فيجوز نكاحها، إلا أن تكون في الحَجر! والأصل في قواعد المذاهب الأربعة الأصولية أن المُطلَق لابد أن يُحمَل على المُقيَّد، وحقه هنا أن يُحمَل عليه، لكن لم يُحمَل عليه لاعتبارات أُخرى مذكورة أيضاً في باب الإطلاق والتقييد من علم أصول الفقه فلا نُطوِّل بذكرها على كل حال.
إذن الربيبة أيها الأخ أو الأخت إذا كانت في حَجرك أو ليست في حُجرك تحرم عليك، بنت الزوجة حرام عليك، هل هذا واضح؟ الدليل ما أخرجه البخاري ومُسلِم أيضاً عن أم حبيبة – زوجة رسول الله وبنت أبي سُفيان رضيَ الله عنهما – أنها قالت يا رسول الله انكح – تأمره وتطلب إليه – أختي بنت أبي سُفيان، ولفظ مُسلِم انكح عزة بنت أبي سُفيان، أختي عزة تزوَّجها، فقال لها أوتحبين ذلك؟ فقالت نعم، وما أنا لك بمُخلية، وخيرٌ مَن شركني في خيرٍ أختي، ما معنى ما أنا لك بمُخلية؟ المعنى صعب، لن تعرفونه لأنه صعب جداً، إلا إذا كنتم قرأتموه، صعب جداً! ما أنا لك بمُخلية من أخلى على وزن أفعل وهو من المعاني النادرة لأفعل بمعنى وجده على الصفة الكذائية، كقولهم أحمدته، أي وجدته حميداً، اختبرته فأحمدته، فأحمدته لا تعني حمدته، لا! اختبرته فأحمدته، أي وجدته حميداً، أخلته وأخلاها أي وجده خالياً، وجده أو وجدها خالياً أو خالية! فمعنى كلامها أنها تقول له أصلاً أنت غير خالٍ من النساء، أنت أصلاً مُتزوِّج، أي عندك نساء، ما الأمر إذن؟ هل سنأتي بواحدة زائدة؟ ليس كثيراً! هل فهمتم معنى الكلمة؟ قالت له وما أنا لك بمُخلية، وخيرٌ مَن شركني في خيرٍ أختي، فإذن مُخلية من أخلى وهو من المعاني النادرة لأفعل بمعنى وجده على الصفة الفلانية، فهي قالت له وما أنا لك بمُخلية وخيرٌ مَن شركني في خيرٍ أختي، أي فلنجعلها تتزوَّج، قال أما إن ذلك لا يحل لي، لماذا؟ جمع بين أُختين، قال لها كيف تقولين هذا؟ لا ينفع، كيف أجمع بين الأُختين؟ لا يجوز، قالت فإنا نُحدَّث – انظر إلى النساء يا أخي، هذه أم المُؤمِنين فلا نُريد أن نقول هناك مكر وما إلى ذلك، لكن سنقول حسن توسل النساء، انظروا إلى حُسن التوسل، فمن المُؤكَّد أنها تعرف هذا، مثل هذا لا يغيب عن حفصة، أنه لا يجوز أن يُجمَع بينها وبين أُختها في عصمة رجل واحد أو في عصمة نكاح واحدة، فهي تعرف ذلك بنسبة مائة في المائة، لكنها تتوسَّل بهذه المُقدِّمة لكي تُلقي ما عندها – يا رسول الله أنك تُريد أن تتزوَّج بنت أبي سلمة، فالنبي ماذا قال لها؟ قال لها بنت أم سلمة؟ أبو سلمة زوج أم سلمة التي هي الآن زوجتي وهذه ربيبتي؟ قالت له نعم، بنت أم سلمة، نعم هي هذه، فضحك النبي وقال أما إنها لو لم تكن ربيبتي في حَجري – أي هذا سبب كافٍ لوحده لأن يُحرِّمها، لأنها ربيبتي، وحتى لو لم تكن ربيبتي لن أقدر على أن أتزوَّجها، أي يُوجَد سببان، اجتمع سببان لتحريمها – لما حلت لي، هي بنت أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علىّ أخواتكن ولا بناتكن.
هنا قد يقول لي أحدكم هذا الحديث فيه مُشكِلة، ما هي؟ نطق بأن سبب التحريم كونها في حَجره أو في حِجره، لكن لا! في لفظ آخر للبخاري – موجود في صحيح البخاري – قال أما إني لو لم أتزوَّج أمها لما حلت لي، فجعل المناط هو ماذا؟ التزويج، ويُقال التزويج والتزوج، نفس الشيئ! أي نكاح أمها، هو هذا المناط، ما دام دخلت بأمها فهي حرام علىّ وهذا كافٍ، والنبي أيضاً أخرج القيد مخرج الغالب، فلا تُوجَد مُشكِلة، بالعكس أخرجه مخرج الواقع، لأن الواقع أنها كانت في حَجره، أي أنها ربيبة وربيبة في حَجره، هذا معناها، لكن كونها ربيبة سبب كافٍ، هل فهمنا مسألة الربائب هذه على جهة الاختصار إن شاء الله؟ وَرَبَائِبُكُمُ الَّلاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ الَّلاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ۩، لأن – كما قلنا – مُجرَّد العقد على الأمهات لا يُحرِّم البنات، لا يُحرِّم! الدخول بالأمهات يُحرِّم.
قال وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ۩، زوجات الأبناء الصُلبيين، هذا قاله – تبارك وتعالى – احترازاً من ماذا؟ من الأبناء المُدّعين، أي المُتبنين، كمولاه زيد بن حارثة، لأن ورد في بعض الآثار أن النبي لما تزوَّج زينب التي كانت زوجة زيد تكلَّم المُشرِكون في مكة، قالوا وأكثروا، كيف يتزوَّج امرأة ابنه؟ فالله قال لا، المُحرَّم مَن؟ زوجة الابن الصُلبي، هذا ليس ابني، هذا أصلاً كذب وزور لو قلت هذا ابني، هذا ليس ابني أصلاً وليس من صُلبي ولا من نُطفتي تخلَّق، فهو ليس ابني، لا تُوجَد علاقة!
يُوجَد سؤال واحد، قد يسأل بعضكم سؤالاً فيقول الابن الرضاعي – نرجع إلى مسألة لبن الفحل، إذا كان عندي ابني رضاعي، وابن رضاعي لا تعني أنني رضعته، إنما زوجتي رضعته، هذا لبن الفحل، أليس كذلك؟ – هل تحرم زوجته عليه؟ نعم تحرم للقاعدة: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، إذن حتى زوجة الابن من الرضاع تحرم على أبيه الرضاعي، على الفحل صاحب اللبن.
وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ۩، عن أحدهم – أحد الصحابة – أنه قال أسلمت وتحتي زوجتان أُختان فأمرني النبي أن أُفارِق إحداهما، يُوجَد خطأ يُخطيء فيه العوام – ليس العلماء دائماً وإنما العوام – وهو قولهم أن أُفارِق أحدهما، غلط يا إخواني! الأحد للمُذكَّر، والإحدى للمُؤنَّث، لا تقل هنا أحدهما، وفي الحقيقة نسمع هذا حتى من العلماء للأسف أحياناً، لا يجوز! كيف يُقال هنا أحدهما؟ أحدهما للذكور، إذن قال فأمرني النبي أن أُفارِق إحداهما، ممنوع أن تجمع بين الأُختين، ممنوع! إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ۩، وبملك اليمين؟ أيضاً وبملك اليمين، حتى لو كان هناك ثنتان سرايا أو مملوكات ممنوع أن تجمع بينهما، ممنوع بملك اليمين، أن تطأ هذه وهذه ممنوع شرعاً، إذن لا يجوز الجمع بين الأُختين لا بملك اليمين ولا بعقد نكاح، إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ۩.
۞ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ۞
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۩، الواو هذه عاطفة، عاطفة على ماذا؟ على كل ما ذُكِّر، حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ… ۩ كذا وكذا وكذا وَالْمُحْصَنَاتُ ۩، إذن المُحصَنات ما هي؟ نائب فاعل، أليس كذلك؟ أي حرَّم الله المُحصَنات، حُرِّمت المُحصَناتُ، نائب فاعل! وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۩، ما معنى وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۩؟ والمُزوَّجات، أي المرأة التي تكون في عصمة زوج، أي مزوَّجة، هل تستطيع أن تعقد عليها؟ ممنوع! لا يجتمع اثنان في قرن، أليس كذلك؟ لا يجتمع اثنان في قرن، هل يجتمع رجلان على زوجة؟ لا يجوز والعياذ بالله، لم نسمع مَن أفتى بذلك إلا مَن أعمى الله بصيرته للأسف، بعض الإخوة الإباضية لهم رأي هنا، تسمعون بالمذهب الإباضي، مذهب الإخوة البرابرة في تونس والجزائر وفي ليبيا قليلاً، للأسف منهم طائفة اسمهم الطوارق – قبائل الطوارق المُلثَّمين في الصحراء، في الصحراء المغربية اسمهم التوارج Touareg، هؤلاء الطوارق مُفاتيهم قالوا شيئاً وهذا ثابت عنهم وصحيح – المفاتي عندهم يُفتون بأنه يجوز أن ينكح ثلاث رجال أو أربعة امرأة واحدة، يتعاقبون عليها والعياذ بالله، شيئ فظيع! من أسوأ ما يكون، وهم مُسلِمون وجيدون، لكن للأسف لماذا؟ العصبية والنُعرة الجاهلية والعُبية التي أخذت بهم – والعياذ بالله – واستحوذت عليهم استحواذاً كاملاً هي التي أوصلتهم إلى هذا الموصل السيئ، موصل السوء! ما هو؟ لا يُحِبون أن يأخذوا من غيرهم ولا أن يُعطوا غيرهم، ورجالهم كُثر ونساؤهم قلة، فماذا يفعلون؟ لا يُريدون أن يأتوا بأحدٍ من الخارج، ممنوع! هم مُنغلِقون، فقالوا أكثر من رجل يتزوَّج امرأة واحدة، وعندهم شيوخ وعلماء في الدين، وهذا كلام فارغ وباطل عند كل الأمة بحمد الله، أول مرة أسمع الكلام الفارغ هذا والعياذ بالله.
قال تعالى إذن وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء ۩، امرأة بزوج واحد فقط، انتهى! لا يجوز، هذه سببها ما في الصحيح وفي سُنن أحمد عن أبي سعيد الخدري، قال أصبنا نساء من سبي أوطاس وكنا لهن أزواج – بلا شك طبعاً، مُزوَّجات هن، أخنان وسبايا – فلم نستحل فروجهن – لماذا؟ – لأن لهن أزواجاً، فسألن الرسول عليه الصلاة وأفضل السلام، قالوا يا رسول الله أصبنا من هؤلاء النساء، ونحن نُحِب النكاح – بملك اليمين طبعاً – ولكن هؤلاء لهن أزواج، قال فأنزل الله وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۩، هي تكون مُزوَّجة وتأخذها أنت سبية فيجوز أن تطأها بملك اليمين، لكن بعد أن تستبرئها، انتبهوا! يُوجَد إجماع هنا، أجمعت الأمة على وجوب الاستبراء حتى لو كانت سبية، لكن بِم تُستبرأ؟ الصحيح بحيضة، (ملحوظة) قال أحد الحضور بثلاث فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم الصحيح بحيضة، بعضهم قال بحيضتين، أما ثلاث فلا أعرفها، ثم استتلى قائلاً الصحيح أنها تُستبرأ بحيضة، وثابت هذا في النصوص، حيضة واحدة تكفي، تُستبرأ بحيضة، هل تعرف لماذا؟ الحيضة تُثبِت أنها خالية، مُستحيل أن تكون حاملاً وتحيض، معروف هذا! فحيضة كافية، فتُستبرأ بحيضة ثم تُوطأ بعد ذلك بملك اليمين، إذن الله قال إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۩، هل فهمنا الآية؟ (ملحوظة) ذكر أحد الحضور الطلاق فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا يُوجَد طلاق هنا، لا يُوجَد طلاق، انتبهوا! أحكام الإماء غامضة وغير مفهومة – والآن سنرى هذا – لماذا؟ لأنها غير موجودة، غير معيشة، فنراها أحياناً غير مفهومة، أحياناً نقرأ أشياء ونجدها غير مفهومة، لكن ما القضية؟ أنت سبيت هؤلاء النسوة ولهن أزواج ولا يُوجَد طلاق، بالعكس! هن لازلنا في عصمة الأزواج، لكن أصبحن سبايا، ملك يمين! يجوز وطؤهن بملك اليمين من قبل الرجال المُسلِمين بعد الاستبراء بحيضة، انتهى! لا تُوجَد علاقة، من السبيات هذه، هي أُخِذت كلها أصلاً، ليس العقد على بُضع وما إلى ذلك، كلها أصبحت ملكاً للمُسلِم، فليس لزوجها أي حق فيها، انتهى الأمر ولا يُوجَد فيه أي شيئ.
كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۩، هذا الذي كتبه الله تبارك وتعالى، كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ ۩، ما معنى ما وراء ذلكم؟ مَن عدا المذكورات، هؤلاء المذكورات مُحرَّمات، هنا قد يقول لي أحدكم هل فعلاً كل مَن عدا المذكورات مُحرَّمات؟ لا، يُوجَد استثناء واحد، وقد وعدتكم أن أقوله، ما هو؟ النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – حرَّم أن يُجمَع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها، وقال إنكم إن فعلتم ذلك قطَّعتم أرحامكم، معروف! يُسبِّب بُغضاً شديداً، وهنا قد يقول لي أحدكم هل الأمر يقتصر فقط على المرأة والعمة والمرأة والخالة؟ لا، هناك أشياء كثيرة من الصعب أن نحفظها، لكن يُمكِن أن نُسأل فيها ونعرفها، يُوجَد ضابط فقهي فاحفظوه، الضابط الفقهي: يحرم الجمع بين محرمين – ما معنى بين محرمين؟ بين أي ثنتين بينهما علاقة نسب أو قرابة، أي دم، هذه يُسمونها المحرمية – لو فُرِضت إحداهما أو كلٌ منهما – والمفروض أن كلاً منهما يجوز فرضها ذكراً – ذكراً لم يحل له نكاح الأُخرى، هل فهمتم كيف؟ دعونا نُطبِّق القاعدة، الآن عندنا المرأة وعمتها، لو فرضنا المرأة ذكراً، هل يُمكِن لذكر أن ينكح عمته؟ حرام، إذن حرام الجمع بينهما، نرى الجهة الثانية وهي العمة، العمة فرضناها ذكراً، هل تقدر على أن تنكح بنت أخيها؟ هذه ستُصبِح بنت أخيها، هل يجوز لها أن تنكحها لو فرضناها ذكراً؟ حرام، إذن حرام الجمع بينهما، الاثنتان أو من الجهتين حرام، نأتي إلى المرأة والخالة، هذه المرأة وخالتها، المرأة نفترضها ذكراً، هل يجوز للذكر أن ينكح الخالة؟ حرام، الخالة نفترضها ذكراً، هل يجوز للذكر أن ينكح بنت الأخت؟ حرام، هذا الضابط! سوف نرى ما هو أكثر، وهكذا طبِّقوا على أي امرأة تُريدون، قد يقول أحدكم مثلاً بنت عمتي، ماذا عنها؟ يجوز، المرأة وبنت عمتها هل يجوزالجمع بينهما؟ يجوز، لماذا؟ افترض المرأة ذكراً، هل الذكر ينكح ابنة عمته؟ نعم، يجوز هذا، إذن حلال، يُمكِن أن تجمع بين المرأة وبنت عمتها، ماذا عن المرأة وبنت خالتها؟ يجوز، ماذا عن المرأة وبنت عمها؟ يجوز، وهكذا! هل رأيت؟ لابد من النظر إلى الجهتين، أبو حنيفة استثنى صورتين غريبتين جداً، ما هما؟ المرأة وزوجة أبيها والمرأة وزوجة ابنها، لماذا إذن؟ لأن لا تستطيع أن تفرض أنت زوجة الاب ذكراً ومع ذلك يصح أن تُتصوَّر زوجة أب، لا ينفع أصلاً، هي زوجة أب فلا ينفع هذا، على كل حال أُعلِّق على المسألة هذه وأقول ليس ضرورياً أن نقف عندها، لماذا؟ لأن الفرض في الأصل فيه محرمية، أليس كذلك؟ نحن لا نتكلَّم عن المُصاهَرة فلا نقول زوجة أب وزوجة ابن، أليس كذلك؟ والكلام في المحرمية، وكلام الأحناف هذا حتى لا نُريده الآن، لكن هذا الذي ذُكِر عن أبي حنيفة، أنه يجوز في زوجة الاب وزوجة الابن يجوز، يجوز الجمع بين المرأة وزوجة أبيها والمرأة وزوجة ابنها، قال يجوز أبو حنيفة، لماذا؟ لأنك لا تستطيع أن تفرض الذكورية من كلا الطرفين، من طرف واحد يُمكِن لكن من الطرف الثاني غير مُمكِن، يفقد الهوية الأصلية الخاصة به، هذا مذهب أبي حنيفة ومذهب الصاحبين أبي يوسف ومحمد، لكن مذهب زفر بن الهُذيل ليس كذلك، قال لا، حرام أيضاً، لأن زفرا – ممنوع من الصرف طبعاً – كان يرى أنه يكفي فقط صحة فرض أحد الطرفين ذكراً، لكن قول الجمهور أصح، أصح وأقوى وعليه الفتوى، إذن خُذوا هذه الضابطة الفقهية: يحرم الجمع بين محرمين إذا فُرِضَ كلٌ منهما ذكراً حرم عليه نكاح الأُخرى، فيحرم! طبِّق هذا وانظر، سوف تجد أن هناك أشياء كثيرة أصبحت تعرفها.
كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ ۩، مَن عدا المذكورات، أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم ۩، كمهر وكصداق، مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۩، ما معنى هذا؟ النكاح، لا تذهب أنت – والعياذ بالله – تُخادِن بالمال، لا! تدفع المال صَدُقةً أو مهراً لكي تتزوَّج زواجاً حقيقياً، فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ۩، أي من النساء، فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۩، وفي الآية صحة تسمية المهر أجراً، فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۩، إذا أردت أن تدفع أكثر من ذلك هبةً وكرامةً فلا بأس، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ۩.
۞ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۞
ثم قال وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ۩، ما معنى طَوْلاً ۩؟ أولاً قيل معناها الإمكانية المادية، أي ليس عندك إمكانية مادية، وثانياً قيل الطول هو الحُرة، أي أن تمتلك حُرة، فأنت لا تجد حُرة تنكحها، وثالثاً قيل سعةً، ورابعاً قيل غير ذلك، لكن المفهوم منها حقيقةً ما هو؟ الطول الاقتدار المادي، أي ليس عندك القدرة المادية، وفي معناها فقد الحُرة، أي عندي أموال لكن لا تُوجَد حُرة ترضى بي.
وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً ۩، لا تستطيع أن تنكح امرأة حُرة، أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ۩، تُوجَد رُخصة شرعية هنا، ماذا قال الله؟ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۩، وهنا قد يقول لي أحدكم من أين لي أن أعرف أنها مُؤمِنة؟ قال الله وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ۩، أي بحسب ما يظهر لك، إذا كانت فتاة مُؤمِنة فالآية واضحة أنه لا يجوز الزواج بالأمة الكافرة، الله ذكر شرطاً هنا، أن تكون الأمة مُؤمِنة، وهذا خلافاً للمذهب الحنفي، الأحناف أيضاً جوَّزوا ذلك وعندهم تأويلاتهم الخاصة، مذهبهم ضعيف هنا حقيقةً بخلاف النص الواضح، الأحناف جوَّزوا حتى المُشرِكة.
قال ماذا؟ مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۩، وهذه الآية بالمُناسَبة أنا أحسب أنها صعبة جداً جداً وغير مفهومة في عصرنا، ما معنى نكاح الإماء إذن؟ (ملحوظة) أجاب أحد الحضور قائلاً الزواج من الإماء، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم كيف يكون زواج الإماء؟ فقال تحرير المرأة ثم الزواج بها، وهذا ما رفضه فضيلته قائلاً أرأيتم؟ القول بتحرير الأمة ثم الزواج بها غير صحيح! لأنك إذا حرَّرتها وتزوَّجتها أصبحت زوجة عادية، تُصبِح حُرة، فليس هذا، أرأيتم؟ (ملحوظة) استفسر أحد الحضور عن ولادة الأمة للولد، فقال فضيلته إذا تزوَّجت أمة وولدت هذا لا يكون زواجاً، هذا يكون نكاحاً بملك اليمين، انتبهوا لكي أُفهِّمكم الأحوال كلها، إذا عندك أمة – أمة أنت تملكها بمالك أو أخذتها من السبي – ووطأتها بملك اليمين وحملت وأنجبت أصبحت أم ولد، هذا اسمها الآن، فهي ليست حُرة، ولن تبقى أمة، ارتفعت عن رُتبة أمة، ولكنها ليست حُرة، ولا تُصبِح حُرة إلا بموت الأب، إذا مات زوجة تتحرَّر بعد ذلك، لا يملكها ابنه، هل هذا واضح؟ تُصبِح حُرة، ليس لها علاقة أيضاً هذه، هذه ليست حُرة، وهذا ليس نكاح أمة، هذه ملك يمين، أنت وطأتها بملك اليمين، أخونا إبراهيم قال ماذا؟ سأُحرِّرها – سواء كانت عندي أو أشتريها سأُحرِّرها – وأتزوَّجها، لا! هذه حُرة، أنت تزوَّجت حُرة، (ملحوظة) ذكر أحد الحضور نكاح أمة شخص آخر فقال فضيلته الآن أصبنا، ننكح أمة شخص آخر، كيف ننكحها إذن؟ أجب أحد الحضور قائلاً بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ۩، فقال فضيلته نعم بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ۩، مَن أهلهن؟ الولي، أي الذي يملكها، وإذا نكحتها بإذن ولي ما الذي يحدث؟ لماذا هنا الله تقريباً لا يُحبِّب هذا الشيئ؟ في الآخر قال وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ۩، الأحسن ألا تنكحوا الإماء، الأحسن! (ملحوظة) أجاب أحد الحضور قائلاً من أجل الولد، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم ماذا تقصد بمن أجل الولد؟ فذكر الرق، وهنا قال له فضيلته أحسنت، هذا هو! أرأيتم كيف وصلنا إلى الحكم خُطوة خُطوة؟ هذه هي المسألة.
نكاح الإماء يختلف عن تحريرها وتزوجها، هذا زواج حُرة ليس له علاقة بهذه النُقطة، أليس كذلك؟ النبي ألم يأسر صفية بنت حُيي بن أخطب، صفية – أم المُؤمِنين – ألم تكن أسيرة؟ حرَّرها النبي وتزوَّجها، واختلف فقط العلماء في هل أعطاها مهراً أو اكتفى وجعل عتاقه إياها مهرها؟ لكن على كل الأحوال هو أعتقها، فهو تزوَّج امرأة حُرة وهي أم المُؤمِنين، لا تكون عبدة أم المُؤمِنين، أليس كذلك؟ هل هذا مفهوم؟ هذا بالنسبة إلى هذه النُقطة، أما إذا نكحت أمة عندك – اشتريتها أو أتيت بها من السبي – فهذا لا يكون زواج أمة، هذا اسمه وطء بملك اليمين، ليس له علاقة بهذه النُقطة، هذا عادي جداً والناس يفعلونه ولا تقل لي سأترخَّص فيه، وقد روى ابن ماجه في سُننه مَن أحب أن يلقى الله طاهراً مُطهَّراً فليتزوَّج الحرائر، أرأيت؟ ليس جيداً زواج الإماء، ليس حلواً وليس جيداً، هو ناتن! وقال سيدنا عمر مَن نكح أمة فقد أرق نصفه، تُرِق نصفك، خمسون في المائة يُصبِح عبداً، ماذا يقصد بأرق نصفه؟ أرق ذُريته، لماذا؟ الآن سوف نفهم، طبعاً الحُكم ليس صعباً، لكن لماذا نظن أنه صعب؟ أنا مُتأكِّد من أننا نقرأ الآيات ولا نفهمها، أليس كذلك؟ لأن هذا الشيئ غير موجود في الأرض الآن، غير معيش، لا نُمارِسه ولا نفهمه نحن، فنُفسِّره بمعنى ماذا؟نقول تنكح الإماء بمعنى أن تأتي بإماء وتتزوَّج بهن، لكن لا، ليس كذلك، الموضوع مُختلِف تماماً، الأمة الآن تكون لسيد، هل هذا واضح؟ فإن أنت تزوَّجتها فلابد أن تتزوَّجها بإذن سيدها، الله قال بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ۩، والآية نصٌ في أن الولاية تكون للسيد، ليس لها على نفسها ولاية طبعاً، هي لا تملك رقبتها، فكيف يكون لها ولاية؟ فولايتها لسيدها وهذا أولاً، ثانياً هنا تُوجَد أُجرة، لابد أن تُدفَع أجرتها بالمعروف الله يقول، لمَن تُدفَع؟ فيه الخلاف، نص الآية هكذا تُدفَع إليها، وهذا قول الجماهير وخالف الإمام الشافعي، قال لا، حتى لو دفعتها في يدها هي من نصيب سيدها، لأنها هي وغلتها وكل شيئ يعود إلى سيدها، ويُوجَد مبحث دقيق جداً هنا، من دقائق الفقه الإسلامي! من أراد أن يعود إليه بتدقيق فليعد إلى أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي المالكي رحمة الله عليه، دقَّقه وأجاب عن شُبهة الشافعية، على كل حال ليس لنا علاقة بمسالة لمَن الأجر هنا، لكن هذه هي المذاهب بشكل مُختصَر، الآن ما الذي يحصل؟ أنت لم تمتلك هذه المرأة، أنت نكحتها نكاحاً صحيحاً ودفعت مهراً وكل شيئ جيد لكن تبقى على ملك مَن هي؟ على ملك سيدها، وهذه هي المُشكِلة، تبقى على ملك السيد! وبعد ذلك حين تُنجِب أولادها يُعتبَرون أرقاء لسيدها، ليسوا لك، هم من حق السيد وليسوا من حقك أنت وأنت أبوهم، أف! هذا يعني أن هذا الشيئ خطير، لذلك الله لم يُرغِّب فيه، قال وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ۩، لا تنكح بهذه الطريقة! وهنا قد يقول لي أحدكم ما فائدة هذه الدوشة وهذه اللفة الطويلة؟ يُمكِن أن أشتري واحدة! هل أنت تقدر على أن تشتري يا مسكين؟ أصلاً لو عندك أن تشتري لنكحت حُرة أحسن لك، أصلاً مهر الحُرة أقل من شراء أمة، هناك مَن يظنون أن الأمر قديماً كان سهلاً ويقولون عن الأمويين والعباسيين “نيالهم”، أي هنيئاً لهم، كان الواحد منهم يخوض في الإماء وما إلى ذلك، لكن هذا غير صحيح، أسهل عليك أن تنكح ثلاث حرائر من أن تشتري سُرية، لكي تشتريها لابد أن تدفع الآلاف، كأن تدفع سبعة آلاف أو عشرة آلاف وأحياناً خمسين ألفاً، إذا كانت جميلة وما إلى ذلك تدفع خمسين ألف دينار، فإذن لم يشتر الإماء الحسنوات إلا مَن؟ إلا الأمراء والخلفاء والتجّار الكبار والناس المياسير، لكن مَن عنده القدرة على أن ينكح حُرة ينكح حُرة طبعاً، الذي ليس عنده القدرة على أن ينكح حُرة – مسكين ليس عنده ألف دينار مثلاً، ماذا يفعل؟ – ينكح أمة، ليس عنده القدر على أن ينكح حُرة ولا أن يشتري أمة، ليس عنده القدرة على هذا، فماذا يفعل؟ ينكح أمة، يكون مهرها أقل طبعاً بكثير من مهر الحُرة، إذا كان يُدفَع للحُرة ألفاً – مثلاً – يدفع لهذه خمسين وينتهي الأمر، يدفع خمسين ويُعتبَر هذا نكاحاً، لكن أولادها لمَن؟ لسيدها، ومن هنا تقرأون في التفسير قولهم لم يُرغِّب الله – تبارك وتعالى – في نكاح الإماء لما فيه من استرقاق الولد، هل فهمتم كيف تكون المسألة؟ هذه هي فقط، والله – تبارك وتعالى – أعلم.
قال بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۩، إذن شرط فيهن أيضاً ألا يكن مُسافِحات ولا مُتخِذات أخدان، ما الفرق بين المُسافِحات والمُتخِذات أخدان؟ المُسافِحات أي الزواني المُعلِنات، جمع زانية! تكون – والعياذ بالله – من ذوات الرايات، عندها دكان وفاتحة ومعروفة هذه، ممنوع! هذه ممنوع حتى أن تنكحها من سيدها، ممنوع! كيف تنكح امرأة زانية؟ حتى لو كانت أمة لا يجوز، المُتخِذات أخدان العكس، أي يكون لها عشيق والعياذ بالله، هذا معروف، هي لم تفتح دكانة لكن عندها عشيق، قال ابن عباس كان منه الظاهر والباطن، فأما الظاهر فكانوا يُحرِّمونه وكانوا يتساهلون في الباطن – أي في الجاهلية – فجاء الإسلام فحرَّم الظاهر والباطن، ممنوع هذا في الأمة، لا تكون مُسافِحة ولا تكون مُخادِنة، هذا حرام وهذا حرام، إذن هذا هو أيها الإخوة.
لو قلت لك ما هو شرط جواز نكاح الإماء – ليس وطء الإماء بملك اليمين أبداً ولا تحريرها وإنما نكاحها، ما هو شرط نكاح الإماء؟ – سوف تقول لي عدم طول الحُرة، عدم طول الحُرة أول شرط، وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ۩، عدم طول الحُرة، أي عدم القدرة على نكاح امرأة حُرة، فمَن كان يستطيع أن ينكح امرأة حُرة حَرُم عليه أن ينكح الأمة وهذا خلافاً أيضاً للحنفية، حَرُم! حرام شرعاً، ممنوع! كيف ترق أولادك؟ كيف تُصبِح ذُرية محمد أرقاء؟ ممنوع! والشرط الثاني ما هو؟ إعطاؤها المهر، والشرط الثالث أن تكون مُحصَنة.
أيها الإخوة كلمة مُحصَنة تُطلَق في اللُغة الشرعية بإزاء كم معنى؟ ثلاثة معانٍ، علماً بأننا ذكرناهم قديماً في فتوى نكاح الكتابيات، ما هي هذه المعاني لكلمة مُحصَنة والإحصان؟ الإحصان يأتي بمعنى الحرية، نقول مُحصَنة وأمة، ما المعنى صار هنا؟ أي حُرة وأمة، هذا معناها! إذا جاء بإزاء العبودية يُعتبَر بمعنى الحرية، أعني الإحصان! ويأتي أيضاً الإحصان بمعنى الزواج أو التزويج، وهذا معنى وارد في كتاب الله، وهو يأتي بمُقابِل الزنا، أليس كذلك؟ إما مُزوَّجة وإما مُزانية – والعياذ بالله – ومُسافِحة، وآخر شيئ الإسلام ولم يرد في كتاب الله، ورد بالمعنى في السُنة، الإيمان قيد الفتك، هذا هو! أي بتكلّف العلماء وجدوا له شاهداً، في كتاب الله لم يرد الإحصان بمعنى الإسلام، ورد في السُنة، لماذا؟ لأن الإسلام يمنع – لأن الإحصان هو المنع، الإحصان هو المنع ومنه الحصن، لأنه يمنع مَن آوى إليه ولجأ إليه – صاحبه – أي المُسلِم – مِن ماذا؟ مِن الخسائس والسفاسف، هذا هو! فسُميَ المُسلِم مُحصَناً بالإسلام، فهناك ثلاثة معانٍ للإحصان.
وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۩، جمع خِدن، وبالمُناسَبة الخِدن يُقال للمرأة ويُقال للرجل، يُقال هي خِدنٌ له وهو خِدنٌ لها، بدليل أن الله قال ماذا؟ في سورة المائدة قال وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۩ أيضاً، إذن قال وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۩ وقال قال وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۩، هنا أخدان وهناك أخدان، هذا يعني أن الخِدن بمعنى ماذا؟ هي خِدنٌ وهو خِدنٌ، أي عشيق والعياذ بالله.
فَإِذَا أُحْصِنَّ ۩، هنا ما معنى فَإِذَا أُحْصِنَّ ۩؟ إذن؟ الزواج، تزوَّجتها ودفعت مهرها فأصبحت مُحصَنة بالزواج، إذن الإحصان بمعنى التزويج هنا، فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۩، يُنصَّف الحد على مَن؟ على الأمة المُزوَّجة، يُنصَّف! والحد الذي يُنصَّف مُستحيل أن يكون الرجم، إلا أن يكون الجلد، الرجم لا يُنصَّف، أليس كذلك؟ هذا يعني أنه لا رجم في حق الإماء حتى وإن تزوَّجت، فيبقى أن تُجلَد كم؟ خمسين جلدة، هذا الحد الذي يُنصَّف، الرجم لا يُمكِن.
ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۩، قال الْعَنَتَ ۩، ما هو أصل هذه اللفظة “العنت”؟ أصلها العظم الذي جُبِرَ ينكسر مرة أُخرى، فهذا هو العنت، انكسار العظم الذي جُبِر، إذا انكسر من بعد انجبار يُعتبَر أنه أصابه العنت، أي أُعنِت، ثم استُعير بعد ذلك لكل شدةٍ ومشقةٍ، وهنا قد يقول لي أحدكم ما هو الاعتبار في الاستعارة هنا؟ طبعاً لأن العظم إذا جُبِر ثم انكسر يُصبِح أصعب من أول مائة مرة، صعب جداً ومُؤلِم، وصعب أن يُجبَر مرة أُخرى، أليس كذلك؟ لذلك استُعير لكل شدةٍ شديدةٍ، هذا هو المعنى، الله قال ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۩، وفسَّره بعضهم بالخوف من الوقوع في الزنا، أن تخاف على نفسك – والعياذ بالله – من الفاحشة وغير قادر، ليس عندك طول الحُرة وليس عندك سُرية تتسرى بها، فماذا تفعل؟ قال الله في هذه الحالة بالشروط المذكورة انكح أمةً وسوف تسترق أولادك، لكن ماذا سوف تفعل؟ هذا هو الموجود، وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ۩، هذا أحسن، الأفضل ألا تفعل هذا، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩.
۞ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ۞
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ۩، طرائقهم الحميدة الطيبة وشرائعهم المُمتازة، وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ۩، يتوب عليكم من كل المُحرَّمات ومن كل الرذائل.
۞ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا ۞
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا ۩، واضحة أيضاً.
۞ يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ۞
يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ۩، قيل عموم الإنسان، أي على العموم الإنسان ضعيف، ضعيف في كل شيئ، وقيل ضعيف بإزاء النساء، لا يتماسك ويفقد عقله وعزمه إزاءهن، والآية عامة، تقول وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ۩، لماذا فسَّروه بالضعف أمام النساء؟ بسبب السياق، السياق في النكاح وأنت حتى يُمكِن أن تنكح أمة وتسترق أولادك لأنك ضعيف، لكن لا، الآية عامة، فيشمل كل أنواع الضعف الإنساني.
۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ۞
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۩، الاستثناء هنا مُتصِل أو مُنقطِع؟ قطعاً مُنقطِع، مُستحيل! الاستثناء لا يكون مُتصِلاً، لماذا؟ قال لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً ۩، هل التجارة من الباطل؟ مُستحيل! مُنقطِع بمعنى لكن، لكن التجارات الطيبة التي يكون بها اكتساب المال من وجوه الحِل فلا بأس فيها ولا حرج عليكم، هذا معناها، أي لكن، كما قال – تبارك وتعالى – لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا ۩، هنا قد يقول لي أحدكم كيف يقول إِلَّا سَلَامًا ۩؟ أي هل السلام من اللغو؟ لا، الاستثناء ليس مُتصِلاً، الاستثناء مُنقطِع، يُقدَّر فيه لكن، هذا يعني أنه ستصير لا يسمعون فيها – في الجنة – لكن يسمعون السلام، هل فهمت كيف؟ كلما رأيت إلا لا تظن أنها استثناء حقيقي، لا! الاستثناء أقسام، هناك مُتصِل وهناك مُنقطِع، إذن هنا الله يقول لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل لكن التجارات تستطيعون أن تكسب بها المال من وجوه الحلال فلا بأس، قال هذا جائز وعن تراض منكم.
سُئل ابن عباس في الرجل يقول أشتري هذا الثوب منك على أني إذا رضيته أمسكته وإذا سخطته رددته ومعه درهم، قال ابن عباس هذا الذي قال الله تعالى لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ۩، ما هذا؟ لا يجوز هذا، هنا قد يقول أحدكم هو اشترط أن يُرجِع له درهماً، نوع من الربا هذا، لماذا؟ على أساس أنه يُقيله البيعة، لكي يُقيله البيعة، مَن أقال مُسلِماً بيعته أقال الله عثرته، هل تعرفون ما المُراد الإقالة؟ أنني اشتريت ولزم العقد بالتفرق على الأقل، وبعد ذلك أنا بدا لي أنني أُريد أن أُرجِع السلعة، أنت الآن كبائع ليس واجباً عليك شرعاً – غير مُلزَم – أن تُعيد هذا الشيئ، يُمكِن أن تقول لا، انتهى الأمر، أنا بعت لك ولا أُريد الإرجاع، لكن لو أقلتني أقال الله عثرتك يوم القيامة، مُستحَب هذا، هل هذا واضح؟
من تمام التراضي المذكور في الآية – إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۩ – ما نصبه الشارع لنا للتوسعة علينا، من ماذا؟ من شرط الخيار، الخيارات أنواع، لكن من أحسنها خيار المجلس، ففي الصحيحين ومُوطأ مالك أيضاً قال – صلى الله عليه وسلم – البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، قال مالك – وقد أخرجه في المُوطأ – وليس عليه العمل، قال أنا أخرجته وأعرفه لكن لا نعمل به، هذا الحديث لا نأخذ به نحن، وقد شُنَّع على الإمام مالك من أجل هذا الحديث، وليس حقيقاً بالتشنيع، شنَّع عليه ابن أبي ذئب حتى كفَّره، أخرجه من المِلة، قال رد حديثاً ثابتاً وأخرجه في مُوطئه فهو خارج عن المِلة وهذا لا يجوز، هذا من المُبالَغة في الإنكار، لأن مذهب الإمام مالك – رحمة الله عليه رحمة واسعة – أنه يُقدِّم عمل أهل المدينة على حديث الآحاد الصحيح إذا خالفخ، قال ليس عليه العمل، المدينة هذه فيها أبناء الصحابة، أليس كذلك؟ وأبناء أبنائهم، والعلم الشرعي – ما شاء الله – كان فيها بشكل غير عادي، ولم يعمل ولا واحد في المدينة بهذا الحديث، هذا يعني أن هذا الحديث فيه علة أو فيه شيئ مُعيَّن، قال الإمام مالك أنا لا آخذ به، أرويه وأعرفه وفي المُوطأ ذكرته لكن لا نأخذ به، لكن غيره أخذ به، وما هو خيار المجلس؟ باختصار الآن نحن نتساوم السلعة ثم ننفصل بالكلام على عقد، أنت بعت وأنا اشتريت وقلنا بكم وأخذت السلعة ونقدتك العوض أو البدل أو الثمن، لكننا لا نزال جالسين، ما دمنا جالسين لم نتفرَّق بالأبدان يجوز لكل منا أن يرجع في البيع، كأن يقول لا أُريد، خُذ كتابك – مثلاً – وأعطني مالي، أُرجِّعه غصباً عنك، خيار! لكن إذا تفرَّقنا بالأبدان – ذهب هذا من هنا وهذا من هنا، أي تفرَّقنا وانتهى المجلس – ينتهي كل شيئ، ممنوع! أي ليس مفروضاً على أياً منا أن يعود، لا يجب عليه أن يعود، إذا أراد أن يعود وأن يُقيل سوف يُقيل الله عثرته، هل هذا واضح؟ فمن تمام التراضي الخيار.
موضوع التراضي موضوع طويل جداً جداً، الدكتور الفاضل عليّ مُحي الدين القره داغي – أصله كُردي – كتب رسالة دكتوراة من أروع ما يكون، اليوم كنت أُحدِّث أحد الناس عن علماء الشرع الذين يخرجون كل يوم علينا ويحمل كل واحد منهم لقب دكتور، يا ليت الواحد من هؤلاء العلماء حين يقوم بعمل رسالة ماجستير أو دكتوراة فعلاً يبذل جهداً حقيقياً، بحيث يُقرِّب العلوم ويُقدِّم خدمة حقيقية للفقه وللعلم الإسلامي، فهذه الرسالة حقيقةً أنا أشهد فيها – إن شاء الله – أنها من خير ما كُتِب في فقه التبايع الإسلامي، رسالة – في الأزهر ناقشها – عظيمة جداً جداً في نحو ألف وثلاثمائة صفحة، كلها عن مبدأ التراضي في العقود، ومُقارَنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الفرنسي والإنجليزي والمصري والعراقي من أحسن ما يكون، رسالة عبقرية ما شاء الله، فجزاه الله خير الجزاء، كلها عن موضوع تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۩، ألف وثلاثمائة صفحة! الشريعة الإسلامية شريعة واسعة، بحر أو مُحيط!
قال وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ۩، ما معنى وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ۩؟ قيل لا تقتلوا أنفسكم بالاندلاع وراء المكاسب وتحصيل الأموال حتى ليُغامِر أحدكم أو بعضكم بنفسه في سبيل ذلك، لا يجوز! وقيل بل هي على وجهها، وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أي لا يقتل بعضكم بعضاً، لماذا؟ لأن الأمة كلها في النهاية كالنفس الواحدة، فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ ۩، أليس كذلك؟ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ۩، نحن كالنفس الواحدة! وقيل وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أي لا يقتل الإنسان نفسه، الانتحار! هذا نهي عن الانتحار، وكل ذلك جائز، أي المعنى الأول والثاني والثالث! كله سُبحان الله، وهذا إعجاز الكتاب العزيز بتعبير مُعيَّن يحتمل معانٍ مُختلِفة، هذا وهذا وهذا، إذن وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أي لا تنتحروا، لا يقتلن أحدكم نفسه، وهذا من أكبر الذنوب، بالمُناسَبة تقريباً حتى قتل الآخر عمداً لم نجد فيه من التغليظ ما وُجِدَ في التغليظ على مَن قتل نفسه، في الصحيحين قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – من حديث أبي هُريرة مَن قتل نفسه بحديدةٍ فحديدته في يده يجأو بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالداً مُخلَّداً فيها أبداً، وهذا شيئ مُخيف، خالد ومُخلَّد وأبداً ما سمعنا هذا حتى في القتل العمد، قال – عز من قائل – في سورة النساء – الآية الثالثة والتسعون – وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً – انظر إلى كيفية التعريض – فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا ۩، لكن لم يقل أبداً، انتبهوا! قال خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ۩، لا إله إلا الله! القتل شيئ مُخيف، ولا يزال المُؤمِن في فُسحة من دينه ما لم يُصِب دماً حراماً، الدم! لكن هذا حديث في الصحيحين، لفظه يا أخي خالداً مُخلَّداً فيها أبداً، الانتحار – والعياذ بالله – شيئ مُخيف، ولذلك حتى العامة ومعهم الحق مَن مات مُنتحِراً يقولون ماذا عنه؟ مات كافراً، مثل الإخوة المصريين يقولون عاش كلباً ومات كافراً والعياذ بالله، عاش مُجرِماً وما إلى ذلك وفي النهاية نحر نفسه فمات كافراً، العامة تُسمي المُنتحِر كافراً، وهذا غير بعيد، خاصة إذا استحل ذلك، إذا استحل أنت ينتحر فهو كافر فعلاً وخالد مُخلَّد، أما – حتى لا نُبالِغ أيضاً – إذا لم يستحل أن يقتل نفسه وهو يعلم أنه بادر ربه بنفسه وبمُهجته وأقدم على كبيرة من أبشع وأشنع الكبائر فإن شاء الله هذا نُرجي له أنه يدخل الجنة، والدليل أيضاً ما في صحيح مُسلِم من قصة ذلك الصحابي الذي نحر نفسه بمشاقص وقطع عروقه، المُهِم النبي استغفر له، قال ورأيته في الجنة في النهاية ولكن بلا يدين، حتى لما دخل الجنة الله قال يدخل بلا يدين، فهذا يُخوِّف، إلا الانتحار! والحمد لله أمة محمد أقل أمة فشا فيها الانتحار بفضل الله تبارك وتعالى، أقل أمة تنتحر أمة محمد بسبب الإيمان، يُوجَد عزاء عندنا، عزاء كبير!
وأيضاً روى الجماعة والإمام أحمد – هذا حديث قوي جداً جداً، ما معنى الجماعة؟ البخاري ومُسلِم وأصحاب السُنن الأربعة، أي الستة وأحمد – عن أنس قال – صلى الله عليه وسلم – مَن قتل نفسه بشيئٍ فهو يتعذَّب به في نار جهنم، أي شيئ! لذلك في تتمة الحديث ماذا قال النبي أيضاً؟ ومَن تحسى سُماً فقتل نفسه فسُمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مُخلَّداً فيها أبداً، ومَن تردى من جبل فهو في جهنم يتردى من جبل خالداً مُخلَّداً فيها أبداً، وهكذا! حديث الجماعة لخَّص، بدل أن نقول جبل وما إلى ذلك قال أي شيئ يقتل البعيد أو الأبعد به نفسه سيفعل ذلك بنفسه خالداً مُخلَّداً أبداً في نار جهنم، أي شيئ! إذا انتحر بمُسدَّس فسوف يظل يُطلِق النار على نفسه وما إلى ذلك، شيئ مُخيف يا جماعة، فنسأل الله السلامة والله، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ۩.
۞ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ۞
وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ۩، الآية واضحة.
۞ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا ۞
إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا ۩، أي الكبائر، ما هي كبائر الذنوب؟ قلنا فيها مرات عديدة وفيها مباحث طويلة جداً جداً، سوف نتحدَّث عنها باختصار، الكبائر ما هي؟ كل ما ورد – الضوابط الآن – فيه لعن فهو كبيرة، هذا أولاً، ثانياً كل ما ورد فيه نحو هذه الألفاظ: خالداً مُخلَّداً فيها أبداً، أي الوعيد الشديد جداً، إذا كان هناك وعيد كبير جداً وغير عادي فيكون هذا من الكبائر، قل ما قيس مفسدته ومضرته مع واحدة من الكبائر فساواها أو أربى عليها كان من الكبائر وإن لم يُذكَر في النصوص، انتبهوا! لأن النبي لا يُمكِن أن يقول لنا كل الكبائر لكن بعضها أكبر من بعض، أكبر الكبائر ما هي؟ السبع المُوبِقات، وطبعاً الشرك الأكبر بإطلاق، أي رقم واحد، لكن أكبر الكبائر عموماً سبع، في الصحيحين قال – صلى الله عليه وسلم – اتقوا السبع المُوبِقات، ما معنى المُوبِقات؟ التي تُوبِق أصحابها في نار جهنم والعياذ بالله، قيل يا رسول الله وما هن؟ هكذا قيل هن؟ أي ما هي هذه السبع؟ انظروا الآتي، بالترتيب قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم – والعياذ بالله – والتولي يوم الزحف وقذف المُحصَنات الغافلات المُؤمِنات، بهذا الترتيب على نسق واحد! هذه هي أكبر الكبائر، إذن ما هي؟ الشرك بالله، السحر، قتل النفس، أكل الربا، أكل مال اليتيم، التولي يوم الزحف، قذف المُحصَنات الغافلات المُؤمِنات، القذف مثل الزانية أو الفاجرة أو التي فعلت وسوت، هذا من الكبائر، من أكبر الكبائر!
أيضاً من أكبر الكبائر أيها الإخوة والأخوات ما هو والعياذ بالله تبارك وتعالى؟ في حديث آخر عن ابن مسعود – وهو حديث صحيح – قال يا رسول الله أي الذنوب أعظم؟ فقال أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قال ثم أي؟ ابن مسعود قال هذا، وهذا في الصحيحين، في البخاري ومُسلِم، قال ثم أي؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، كانوا يأكلون أولادهم بسبب الفقر، خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ۩، يدفن الواحد منهم ولده ويقول سوف يُشارِكني في عيشي والعياذ بالله، كفر وجاهلية! قال ثم أي يا رسول الله؟ قال أن تُزاني حليلة جارك والعياذ بالله، ليس أي زما وإنما الزنا في حليلة الجار، لأن الجار له حقوق، والآن سوف نرى هذا أو غداً لأننا أوشكنا على الانتهاء من الدرس، فالجار له حقوق كثيرة، قال ثم قرأ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ۩ إلى التوبة والاستثناء، إذن كيف النبي أتى بهم؟ على نسق واحد أيضاً مثلما قال الله، لا شرك ولا قتل ولا زنا، النبي قال الشرك وقتل الأبناء بالذات أو الأولاد والزنا بحليلة الجار، وعند الإمام أحمد قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – ما تقولون في الزنا؟ قالوا حرام، حرَّمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة، قال لأن يزني الرجل بعشر نساء أيسر عليه من أن يزني بحليلة جاره، ولذلك هذا من أكبر الكبائر، سوف نسأل سؤالاً: كيف يا رسول الله بالذي يزني في حليلة أخيه؟ شقيقه من أمه وأبيه! لعنة الله على البعيد، لعنة الله عليه! كيف بالذي يزني بزوجة أبيه؟ لعائن الله عليه مُتتابِعة إلى يوم الدين إن لم يتب، شيئ فظيع والعياذ بالله، ذنوب مُخيفة! وهذا الآن بدأنا نسمع للأسف الشديد به، ويسوءنا أن نسمع أن هذه الأشياء بدأت تتواجد، فكيف يا رسول الله بالذي يزني بمحارمه؟ بدأنا نسمع بهذا أيضاً وفي كل الدول العربية، كل هذا من الدشات Dishes وقلة الأدب والسفالات والتعليم السيئ الذي بدأنا نتعلَّمه، والله العظيم بسبب التعليم، يذهبون إلى الجامعات في أمريكا وأوروبا ويخرجون بعقول ممسوخة، عقول قردة وخنازير مُقلِّدين وببغاوات والعياذ بالله، لا يُوجَد لا إل ولا ذمة ولا أخلاق ولا رجولة ولا أي شيئ، فقدنا كل شيئ، فلابد أن نعود فعلاً نتعصم بديننا وندق ناقوس الخطر، والله العظيم لابد، نُريد التربية، ينبغي أن نُربي الأجيال من جديد وإلا ما يحدث هذا مُصيبة، وحقيقةً أخطر خطر يتهدَّد هذه الأمة – والله العظيم – التلفزيون Television والإنترنت Internet، قسماً بالله هذا ألعن من خمسين ألف شيطان، أليس كذلك؟ وأنا كنت أتأوَّل حديثاً مُذ كنت صغيراً وقد سمعت هذا من شيخ حقيقةً واقتنعت بهذا إلى اليوم، في حديث رسول الله يأتي زمان على أمتي تكون فتنة لا تدع بيتاً إلا دخلته، أكبر تأويل لها التلفزيون Television، فعلاً! ولا يكاد يخلو منها بيت، ولعنة الله عليها من فتنة، يا أخي شيئ فظيع، أنا قلت مرة في خُطبة جُمعية – والعياذ بالله من كلمة أنا – الشيطان لا يستطيع أن يُصوِّر لك الفاحشة مثلما يفعل التلفزيون Television، مُستحيل! مهما الشيطان لعب بخيالك وتصوَّرت وتخيَّلت مُستحيل أن يكون كالتلفزيون Television، يأتيك بالفاحشة في أجمل صورة، أليس كذلك؟ وفي أكبر إغراء، فإذا كنت طفلاً غِريراً شهواناً ليس لك عقل البعيد ولا إرادة ولا دين ولا وازع تنتهي، تتفكَّك عُرى عزيمتك وهمتك فتنتهي بالكامل، فينقلب الإنسان دون أن يدري من رُتبة إنسان إلى رُتبة بهيمة في لحظة وهو لا يدري، وهذا الذي حصل، هذه القصص التي نسمعها وتُخوِّف! حدثت عندنا قصة مُخيفة ذات مرة والأب جُن، الأب لما رأى ما حصل جُن فقتل أولاده وبناته – ولك أن تتصوَّر هذا – بالساطور، سطَّرهم وكانوا أربعة، قطَّعهم، جُن الرجل لأنه أتى ورأى أولاده مع بناته يا أخي، وليس واحداً أو اثنين وإنما أربعة مع بعضهم، جُن الرجل وأخذ الساطور، فقلت حتى لن يشفع له عند الله هذا، هل تعرفون لماذا؟ هو الغبي، هو الغبي الذي أتى بهذا الشيئ – التلفزيون Television والستالايت Satellite – ومن هلفتته وغبائه لم يُراقِب، يا أخي راقب، لابد من الرقابة، أليس كذلك؟ ممنوع! هذا التلفزيون Television يكون في غرفتي أنا، أي غرفة الأب، أليس كذلك؟ أضع عليه الأشياء التي أُريدها، وبعد ذلك كل واحد يذهب إلى غرفته ولا يُوجَد إلا هذا، وأنا أحكي هذا لكل واحد، لكل طبيب ولكل مُهندِس ولكل عامل ولكل مُوظَّف ولكل إنسان يقول إنه رجل شاطر وكريم ويقوم بعمل وصلات ويضع في كل غُرفة تلفزيون Television، شاطر و”صح نومك” يا سيدي، شاطر جداً أنت، لماذا الكلام الفارغ هذا؟ لا يُمكِن! غرفة واحدة فقط كغرفة الجلوس وأنا أكون المُشرِف، وبعد ذلك لا يقدر أحد على أن ينظر إلى أي شيئ سيئ، أليس كذلك؟ ممنوع! والأم يكون لها الرقابة الكاملة، فأنا أقول حتى هذا بقتله أولاده يوم القيامة يُمكِن أن يُؤاخذ، هذا لن ينفعه عند الله أيضاً، الله سوف يقول له أنت السبب، أنت الذي أتيت بهذا الدمار إلى البيت، أنت أتيت بإبليس، إبليس مُتبرِّج والعياذ بالله، إبليس مُتبرِّج في أحسن زينة لأولادك وبناتك، فهذا شيئ مُخيف، فالحكاية لم تقتصر على حليلة جارك، فهناك المحارم أيضاً، النبي قال هذا من أكبر الكبائر، من أعظم الذنوب والعياذ بالله.
أيضاً من أكبر الكبائر أيها الإخوة مثلما قال الأخ محمد – فتح الله عليه – عقوق الوالدين، النبي ذكر الكبائر، يقول أيضاً أنس ذكر الكبائر وعظَّمها فذكر الشرك بالله ثم ذكر عقوق الوالدين ثم قال ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، في حديث آخر أيضاً صحيح ماذا قال النبي؟ يقول الراوي وكان مُتكئاً فجلس، قال لهم ماذا؟ الشرك بالله وعقوق الوالدين، بعد ذلك كان مُتكئاً وجلس، وقال لهم ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يُكرِّرها حتى قلنا ليته سكت، خافوا وانقطعت نياط قلوبهم، ظل يُكرِّر لأكثر من مرة، ربما لمرتين أو ثلاث مرات أو عشر مرات، لا نعرف كم، ظل يُكرِّرها تكريراً طويلاً، لأن النبي يعرف خطورة هذا، وللأسف الشديد تُلاحِظ أناساً – وهذا مُجرَّب، أكيد كل واحد فيكم له تجربة – يُصلون في المسجد ولهم لحى وعندهم مظاهر دينية، حين يحدث خلاف – خلاف مالي أو خلاف معنوي أو خلاف أدبي أو خلاف علمي أو أي شيئ – كل واحد يشهد مع الجهة التي فيها حتى ولو بالزور، أليس كذلك؟ وهو يعرف أنه مُبطِل، ويعرف أن البعيد كذّاب، يقول أنا – والله – أشهد بأن هؤلاء على صواب، هؤلاء على حق، أنا معهم، لا إله إلا الله! معهم وأنت تعرف أنك الآن تشهد شهادة زور؟ يا ويلك من الله، من أكبر الكبائر، فالنبي حذَّر منها، ممنوع! الله قال وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ ۩، قال يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ – حتى على نفسي – أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ۩، حتى لو على أبيك أو على أمك أو على نفسك قل أنا – والله – أخطأت، أنا كنت السبب، الخطأ مني وليس من الأخ هذا، هكذا تكون من أهل الحق والإيمان والتقوى إن شاء الله تبارك وتعالى، اللهم اجعلنا منهم يا رب.
فهذه الكبائر إذن أيها الإخوة، وكما قلنا آخر باب وأوسع باب ما هو؟ القياس، أُريد أن أقيس، هناك أشياء غير مذكورة ومن ثم أنت تقيس، تقول هذا الشيئ غير المذكور هل مفسدته مثل مفسدة أدنى الكبائر أو كبيرة مُتوسِّطة أو كبيرة كبيرة؟ تقول – مثلاً – نعم والله، بالعكس مفسدته حتى تربو على هذه، فيكون من الكبائر، والعز بن عبد السلام هو الذي ضبط هذا الضابط وعيَّر هذا المعيار في كتابه قواعد الأحكام، وعنده بحث جيد جداً في الكبائر – رحمة الله تعالى عليه – فلا نُطوِّل فيها.
قال ماذا؟ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا ۩، ولذلك طبعاً الصلوات الخمس – في مُسلِم هذا – كفّارات لما بينهن والجُمعة إلى الجُمعة كفّارات لما بينهن ما اجتُنِبَت الكبائر، وفي رواية أُخرى ماذا قال النبي؟ قال ما لم يقع دم، أي أن النبي استثنى القتل، فهذا إذا لم يكن هناك قتل، لكن هذا قاضٍ على هذا بلا شك، فالكبائر كلها أيضاً داخلة، لأن الله قال إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ ۩، إي إذا لم تفعل الكبائر، فماذا عن الصغائر يا رب؟ قال نُكفِّرها عنك، هذه سهلة فلا تخف منها كثيراً إن شاء الله، أي الصغائر، ألا تتوضأ؟ تُغفَر لك هذه، وأنتم تعرفون حديث أبي اليسر، أليس كذلك؟ تعرفون قصة الصغيرة التي ارتكبها لكنني لن أقولها بسبب الشباب العزاب حتى لا يستغلوها، ارتكب صغيرة مُعيَّنة لن نقولها حتى لا تُستغَل كرُخصة هنا في أوروبا الملعونة، بعد ذلك جاء النبي خائفاً وقال له يا رسول الله هلكت لأنني فعلت كذا وكذا، لكن النبي سكت، بعد ذك أُذِّن للعصر وأُقيمت الصلاة وصلوا فالنبي قال له تعال يا أبا اليسر، أصليت معنا العصر آنفاً؟ قال له نعم، قال له اسمع ما أنزل الله فيك، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ – من سورة هود – إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ۩، فكبَّر المُسلِمون، قالوا يا رسول الله أهي لأبي اليسر خاصة أم لنا عامة؟ قال للمُسلِمين عامة، أي أنك ارتكبت صغائر وبعد ذلك توضأت وصليت فذهبت والحمد لله، ذهبت هذه الصغائر بالوضوء والصلاة، ذهبت بإذن الله تبارك وتعالى، ذهبت! لكن إلا الكبائر، انتبه إلى الكبائر، لا تخوض في الكبائر، والصغائر – إن شاء الله – الله غفور رحيم، وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا ۩.
۞ وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ۞
وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ۩، هذه الآية سبب نزولها يتعلَّق بأم سلمة زوجة النبي، وبالمُناسَبة أم سلمة كانت من عيون عواقل النساء العربيات، امرأة عاقلة، لها عقل رزين وفهم سديد وشخصية قوية جداً، وكانت من النساء القلائل الكاتبات حتى في الجاهلية، قبل الإسلام كانت امرأة كاتبة، وهي أول مُهاجِرة من مكة إلى المدينة، امرأة غير عادية كانت، وأنتم تعرفون قصتها في الحُديبية مع الرسول، برأيها حُل المُشكِل بحمد الله، فامرأة – ما شاء الله – سديدة الرأي، أم سلمة هذه! هذه ماذا قالت؟ قالت يا رسول الله يغزو الرجل ولا نغزو ولنا نصف الميراث، أي من ناحية مادية نحن وضعنا غير سليم، لأنهم يغزون ونحن لا نغزو، هذا يعني ماذا؟ ماذا تُريد بقولها أنهم يغزون وما إلى ذلك؟ أنهم يأخذون الغنائم، هناك الغنائم! طبعاً هناك أجر ومع الأجر هناك غنائم، فهم يأخذون الغنائم، وبعد ذلك حتى في الميراث لنا نصف القضية، فما القضية يا رسول الله؟ هل نحن وضعنا قليل؟ فأنزل الله – تبارك وتعالى – الآية، وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ۩، هذا يعني أنها في مسألة مادية، ثم قال لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ۩، ما معنى لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۩؟ قيل لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ ۩ أي سيُحاسَبون ويُجازَون يوم القيامة وفاق أعمالهم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وكذا في النساء، وقيل لا، بل لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ ۩ أي مما كدحوا ومما حصَّلوا في الدنيا بحسب جهدهم وبحسب قدرتهم، وللنساء كذلك، وكل إنسان يأخذ ما قُدِّر له، صحيح المرأة أقل – ليس عندها في الغزو مغانم وليس عندها إلا نصف الميراث – لكن التبعات المالية عليها أقل بكثير حقيقةً، أي يُوجَد عدل هنا، المسألة عادلة، التبعات المالية عليها أقل بكثير، النفقة معصوبة بجبين مَن؟ بجبين الرجل، المهر بجبين مَن؟ بجبين الرجل، النفقات على ذوي الأرحام والأقارب بجبين الذكور أم الإناث؟ الذكور، فكل هذا بجبين الرجل، أليس كذلك؟ تزويج الأبناء والبنات وما إلى ذلك على الرجال أيضاً، ومن هنا انتبهوا، أمس هناك آية شرحناها سريعاً عن موضوع الإخوة، فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۩، أليس كذلك؟ الله قال هذا، ما قضية الأب والأم مع الإخوة؟ معروف إذا وُجِدَ لدينا والدان – أب وأم – وُوجِدَ إخوة أن الإخوة لا يرثون، هذا معروف، ولكنهم يحجبون الأم حجب نقصان لا حجب حرمان، حجب نقصان! في حجب الحرمان لا يأخذ أي شيئ المحجوب، في حجب النقصان ليس كذلك، فالأم في الأصل لها أن تأخذ كم؟ الثُلث لعدم وجود الفرع الوارث، إذا مات الميت وليس له فرع وارث وله أصل – أي أب وأم – فمعروف أن للأم الثُلث وللأب البقية تعصيباً، هل هذا واضح؟ لكن إذا وُجِد الإخوة فلا يرثون، لكنهم يحجبون الأم من الثُلث إلى السُدس، فتأخذ سُدساً ويبقى للأب خمسة أسداس يأخذها تعصيباً، قال قتادة بن دعامة لم يرثوا وأضروا بالأم، قال ما قصتهم هؤلاء؟ رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، قال لم يرثوا وأضروا بالأم، فهنا العقل البسيط الذي كما يُقال تُقلقِله وتهزه البدائه سوف يقول لماذا هذا يا أخي؟ لماذا؟ لم يأخذوا شيئاً فلماذا يأخذ الأب خمسة أسداس والمسكينة تأخذ سُدساً؟ ما الحكمة في ذلك؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور عن الأبناء إنهم سوف يرثون بعد موت الأب، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم الكلام ليس فيهم، الكلام في الأم، ثم استتلى قائلاً لماذا المسكينة تأخذ السدس فقط؟ فهم لم يأخذوا شيئاً ونقصوها من الثُلث إلى السُدس، أي أنهم أضروها، فانظر ماذا قال العلماء، العلماء عندهم رأي هنا، قالوا هذا له حكمة، لأن الذي يلي النكاح هو الأب وليست الأم، والنفقة على مَن؟ على الأب وليست على الأم، أليس كذلك؟ فبالعكس يُوجَد عدل دائم هنا، على كل حال كل واحد له ما هو مُحدَّد له.
وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۩، الله قال الفضل الحقيقي يبدو المفروض ألا يكون في هذه الأشياء، أي في الأموال، فضل الله أوسع من ذلك، في الدين، في الرزق، في العفة، في حُسن الخاتمة، وفي كذا وكذا، هذا الفضل الحقيقي، وهو كذلك حتى في المال، قال إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ۩، أحسن ما يُفسِّرها حديث الطبراني الذي ذكرته غير مرة، إن مِن عبادي مَن لا يُصلِحه إلا كذا، أليس كذلك؟ لا نُريد أن نُعيده، فالله يعرف أن هذا يُصلِحه الفقر ومن ثم يُفقِره، وانتبهوا لكي نفهم الحديث على وجهه، إن من عبادي المُؤمِنين الصالحين، هذا معناه، انتبهوا! ليس العباد بشكل عام، لأن مِن العباد مَن افتقر وكفر ومِن العباد مَن غنى وطغى، أليس كذلك؟ هذا يعني أن الغنى ليس صلاحاً لكل واحد والفقر ليس صلاحاً لكل واحد، إذن مَن العباد المقصودون هنا في قوله إن من عبادي؟ عبادي المُؤمِنين الصالحين، أوليائي، خاصتي، وأحبابي، أصلحت هذا بالفقر وأصلحت هذا بالغنى، وكلهم صالحون! وأصلحت هذا بالسقم وأصلحت هذا بالعافية، وهكذا وهكذا! قال إني أُدبِّر عبادي بعلمي وحكمتي وأنا اللطيف الخبير، صدق الله العظيم، قال إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ۩.
۞ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ۞
نختم بهذه الآية إخواني وأخواتي، وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ۩، هذه الآية من أصعب الآيات أيضاً، تحتاج أن نُركِّز حتى نفهمها، وبعد ذلك قال وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ۩، ما معنى وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ – جمع مولى – مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ۩؟ فيها تفسيران، احفظوهما فهما سهلان إن شاء الله، الله يقول لكل أحدٍ جعلنا ورثةً يرثونه، عصبةً! من ماذا؟ من المال الذي يتركه الوالدان أو الأقربون، هناك أناس من بعد سوف يرثون الشيئ هذا الله يقول، هنا قد يقول لي أحدكم هذه الآية ليس فيها من جديد، لكن لا، فيها جديد، هذه الآية جاءت ناسخة على قول لحُكم آخر، كأن هذه الآية في معنى آخر آية في سورة الأنفال، قال – عز من قائل – في آخر الأنفال – آخر آية فيها – وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ۩، أي أن الله يقول حين يموت واحد من الوالدين أو القرابات يكون الأولى بتركته الموالي، مَن الموالي؟ الورثة العصبة، أقرباؤه! قال الحافظ ابن جرير – رحمة الله عليه – والعرب تُسمي ابن العم مولى، أرأيتم كيف؟ كأن الله يقول الأقرباء بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ ۩ في التركة وليس الغُرب، هل فهمتم الآية؟ هذا أولاً، هذا أول تفسير، يُوجَد تفسير آخر يقول وَلِكُلٍّ ۩ أي لكل مالٍ وليس لكل ميتٍ موروث، لا! ولكل مالٍ يُترَك – يتركه الوالدان والأقربون – جعلنا ورثةً – أي موالي – يحوزونه ويُدبِّرونه، أي يرثونه! أرأيتم؟ إذن كلمة وَلِكُلٍّ ۩ فيها تنوين عوض، وَلِكُلٍّ ۩ تنوين عوض، وهو عوض عن مُفرَد في النحو، إما أن نقول لكل مالٍ أو لكل ميتٍ، عندك أن تُقدِّر أحد التقديرين، وكلاهما تفسيران صحيحان مُتوجِّهان إن شاء الله تعالى، والمعنى قريب من قريب، فهذا مثل هذا، نفس الشيئ! لكل ميتٍ يموت جعلنا ورثةً من أقربائه يرثونه من بعده، سواء كان هذا الميت من الوالدين أو كان من القرابات، هل فهمتم الآية؟ أو كل مال يُترَك – يتركه أحد الموتى، سواء كان هذا من الوالدين أو الأقربين، أي هذا الميت – جعلنا أيضاً عصبةً ورثةً يحتازونه ويقتسمونه، هذا واضح! سوف نرى لماذا هذه الآية نزلت، فهي نسخت شيئاً مُعيَّناً.
قال وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ۩، ما معنى عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ۩؟ اليوم تلونا في صلاة القيام قوله وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ۩، يقول الله هناك بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ۩ ويقول هنا عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ۩، ما معنى عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ۩؟ هذا يعني أن هناك أناساً مُعيَّنين أنتم أعطيتموهم عهوداً مُغلَّظة، هناك أيمان، أيمان مُعاهَدة ومُحالَفة، فالله يقول هؤلاء آتوهم نصيبهم، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ۩، شَهِيدًا ۩ على ماذا؟ على الأيمان والمواثيق، فأعطوهم بمُقتضى هذه الأيمان والمواثيق، أيضاً غير واضحة، ستضح الآن – إن شاء الله – حين نذكر شيئاً أوسع، كيف؟ صلوا على رسول الله.
أيها الإخوة:
أنتم تعلمون أن أسباب الميراث ما هي؟ كم سبب؟ (ملحوظة) أجاب أحد الحضور بإجابة خاطئة فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، كيف هذا؟ ليست الشروط وإنما الأسباب، السبب بالمعنى الأصولي، النسب أول سبب، بعد ذلك الزوجية، أليس كذلك؟ إذن النسب – أي القرابة – أو الزوجية، وهناك أيضاً سبب ثالث، (ملحوظة) قال أحد الحضور الموالي، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، وهو يُسمى ماذا؟ القرابة الحُكمية، النسب قرابة حقيقية، أليس كذلك؟ تعرفون أن في الفقه يقولون نجاسة حُكمية ونجاسة حقيقية، أليس كذلك؟ عندنا هنا قرابة حقيقة وقرابة حُكمية، فأسباب الميراث ثلاثة: القرابة الحقيقية، القرابة الحُكمية، والزواج، أي الزوجية، فالزوج يرث والزوجة ترث، أليس كذلك؟ والقرابة الحقيقية معروفة بشروطها، والقرابة الحُكمية ما هي؟ القرابة الحُكمية نوعان: ولاء العتاقة وولاء المُوالاة، هذا مُهِم لكي نفهم الآية، فهي لا تُفهَم إلا إذا فهمنا الكلام هذا، مُستحيل! إذن ولاء العتاقة وولاء المُوالاة، ما معنى ولاء العتاقة؟ شرحناها في درس السبت ذات مرة، أليس كذلك؟ ولاء العتاقة باختصار أن أمة أو عبد – مثلاً – وسيده أو غير سيده – انتبهوا فيُمكِن أن يكون سيده ويُمكِن أن يكون غير سيده – يُعتِقه، إذا كان سيده لن يضطر أن يشتريه لأنه أصلاً سيده، سوف يقول له اذهب لوجه الله، إما غير سيده فسوف يشتريه من سيده، سوف يقول له خُذ هذا المال لأنني أُريد أن أشتريه وأعتقه، مثلما فعل أبو بكر في بلال مثلاً، هل هذا واضح؟ جيد! هذا السيد الآن أصبح مولىً لهذا العبد والعبد مولاه أيضاً وله ولاؤه، ما ولاؤه؟ ودعونا نُسمى العبد بالعتيق، انتبهوا حتى نخلط بين السيد وبين العبد العتيق، سنُسميه العتيق، إذا هذا العتيق – أي المولى كما يُسمونه – ليس له أحد يرثه أصلاً فأولى الناس بورثته مَن؟ مولاه الذي أعتقه، هل فهمتم؟ وحديث عائشة في الصحيحين الذي ذكرناه واضح في هذا الشيئ، حديث الشروط! ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ إلى آخره، بهذا السبب! سبب بريرة، أي عتق بريرة من أسيادها، لكن هذا السبب سببٌ ليس طارداً عاكساً، يعمل من جهة واحدة، فالمولى هو الذي يرث عتيقه والعتيق لا يرث مولاه، انتبهوا! بخلاف الزوجية مثلاً، الزوج يرث الزوجة إذا ماتت وهي ترثه إذا مات، وفي القرابات نفس الشيئ، هذا يرث هذا وهذا يرث هذا، أي الأب والابن والأم وكذا وكذا، فهذا الولاء اسمه ماذا؟ اسمه قرابة حُكمية، يُسمونه ولاء العتاقة أو العتاق، كيف تحصَّلت على الولاء هذا؟ كيف أخذت ولاء العتيق؟ لأنك أعتقته، فأنت أولى به، هل فهمتم؟ هذا واضح.
يُوجَد ولاء آخر، قال الله وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ۩، هذا هو! يُوجَد ولاء آخر اسمه ولاء المُوالاة، ما معنى ولاء المُوالاة؟ ما كان يفعله الصحابة حين قدموا المدينة، كانوا يفعلون هذا، وفي الجاهلية كان معروفاً هذا، أعني ولاء المُوالاة، في الجاهلية كان موجوداً أصلاً، يأتي أحدهم ويقول لآخر تعال، ضع يدك في يدي لكي نتعاقد على أننا نُصبِح مثل الإخوة، إذا أنا مت ترثني، إذا أنت يا بعيد مت أرثك، إذا أنا فعلت أي شيئ فسوف تتحمَّل عني الدية معي، وإذا أنت فعلت أي شيئ فسوف أكون مثل العاقلة وأتحمَّل الدية معك، وهكذا! هيا نتعاقد، يحدث هنا ولاء، والولاء لُحمة كلُحمة النسب، النبي يقول الولاء لُحمة كلُحمة النسب، ومن هنا بالإخوة التي آخيها النبي بين أصحابه المُهاجِرين والأنصار أول مقدمهم المدينة كان المُهاجِري يرث الأنصري من دون أهله، سُبحان الله! أولى من أهله، هل الكلام هذا اتصل أم حُرِّم بعد ذلك؟ نُسِخ، نُسِخ بآية الأنفال، ليس بهذه الآية وإنما بآية الأنفال، قال وَأُولُو الْأَرْحَامِ ۩، أي القرابة الحقيقية، هذه هي! إذن بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ۩، قال لا، كيف هذا؟ قريبك الحقيقي أولى، هل هذا واضح؟
الآن المُشكِلة ما هي مع السادة الحنفية؟ السادة الحنفية إلى الآن مذهبهم ما هو؟ قالوا ولاء المُوالاة موجود ونأخذ به وليس منسوخاً، قلنا كيف هو ليس منسوخاً؟ قالوا هذه الآية – عندنا قالوا – لم تنسخها آية الأنفال، غاية ما هنالك أنه يُقدَّم حتى أولو الأرحام، ليس العصبات! أي الأقرباء الذين أدلت بهم نساء، الأقرباء الذين يُدلون بنساء، إذا أدلوا بذكور يُسمون ماذا؟ عصبات، أليس كذلك؟ والأصل في توريث العصبة الحديث الصحيح ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقيَ فلأولى رجل ذكر، وهناك ما يُسمونه الرد على أولي الأرحام، أليس كذلك؟ في فقه الميراث هذا، فالحنفية قالوا لا، لا يُعطى أي إنسان بعنوان ولاء المُوالاة – الحلف والمُعاقَدة – إلا بعد الرد على ذوي الأرحام، فإذا بقيَ شيئ يُعطى هؤلاء، وهذا خلاف مذهب الجماهير حقيقةً، خلاف مذهب الجماهير! انتهى هذا الشيئ عند الجماهير، لماذا؟ في صحيح البخاري عن حبر الأمة عبد الله بن عباس – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – قال كانوا هكذا وكان المُهاجري يرث الأنصاري من دون رحمه حتى أنزل الله – تبارك وتعالى – وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ۩ وأنزل وَأُولُو الْأَرْحَامِ ۩، قال فلم يبق إلا الوصية، انتهى! ليس لهم في الميراث نصيب، أصحاب عقد التحالف والمُوالاة من الميراث ليس لهم، ماذا يبقى لهم؟ من الوصية، إذا أردت أن تُوصي لهم فلك أن توصي، لكن في التركة لا، ليس لهم! وهذا الصحيح وهذا مذهب الجماهير.
إذن وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ۩ الأرجح أنها منسوخة أو مُحكَمة؟ منسوخة، انتهى الأمر! إلا أن تقول بالوصية، تقول لا نُريد أن نُسميها منسوخة وهنا الوصية تُفسِّر النصيب، إذا كنت ستُفسِّرها هكذا فلا بأس، من الوصية نعم يأخذ نصيباً إذا أُوصيَ له، أما من غير وصية لا يأخذ بعنوان الولاء والمُوالاة، لا يأخذ أبداً، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ۩.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أضف تعليق