يبدأ شهر رمضان المبارك ويقتسمه اتجاهان أو تنشط فيه برامج الوعظ والارشاد ، وبرامج التسلية والترفيه ولكلا هذين الاتجاهين مشاهدوه ومتابعوه ونقاده والراضون عنه والغاضبون عليه .
وحديث هذا المقال لن يكون عن تقويم البرامج الكثيرة التي تتسابق بها الفضائيات وما أكثرها ولكنه سيكون حديثا عن برنامج صحوة و هو أكثر البرامج الرمضانية غوصا بالتراث الإسلامي وحديثا عنه وبحثا فيه برؤية شرعية إسلامية وأدبية فكرية مع عالم كبير ومثقف شد انتباه المتابعين له في رمضان العام الماضي وعاد البرنامج ومقدمه وضيفه في هذا العام وهو أكثر فاعلية وأوسع انتشارا ولا شك أنه سيكون أكثر جدلا مما سبق لأن البرنامج مع مقدمه وضيفه يتناول في أكثر مواده وموضوعاته مشترك التراث العريض لكل الأمة الإسلامية وأهم من ذلك يستعرض فيه أراء وأفكار لفرق ومذاهب مرت على تاريخ الإسلام والمسلمين واختلف الناس فيها وتعددت رؤاهم وتباينت مواقف العلماء المسلمين مرة واتفقت مرات وهذا الموروث الضخم والتراكم المعرفي لاشك أنه يحتاج من يغوص فيه بسلاح العلماء وفهم الفقهاء واستنباط الأذكياء والخروج من كل ذلك بما يصلح للحاضر ويستفيد منه الناس في المستقبل ، ولا يمكن أن يقوم بالمهمة الصعبة في هذا الحال إلا رجل يتسلح بسلاح العلم بالتراث والالمام بثقافة العصر ومتطلبات الحاضر .
ومقدم البرنامج الدكتور أحمد العرفج وضيفه الشيخ عدنان ابراهيم ممن يستطيع التمييز والحضور المعرفي والاتصال الوثيق في تراثنا والالمام بثقافة الحاضر وضروراته ولكن هذا الحال سيجعل الآراء تختلف والمواقف تتباين حول ما يقدم في بعض حلقات البرنامج وقد كان ذلك فأصبح البرنامج يشد انتباه المثقفين و العلماء ورجال الدين ولهذا السبب ثار حوله جدل بقدر ما يثير من الأسئلة العلمية والقضايا المسكوت عنها في بعض المجتمعات التي لم تبحث قط في عمق التراث الإسلامي وأبعاده الفكرية وما أفاض فيه العلماء المسلمون الأولون الذين أكثروا البحث والجدل .
ولأن معد البرنامج وضيفه أهل اطلاع واسع على التراث الماضي واختلاف العلماء المسلمين وتوجهاتهم التي اتسع لها الزمن في مسيرته الطويلة واتسعت لها صدور الأجيال ومرت بها ظروف وأحداث تاريخية كبيرة جعلت الماضي التاريخي للثقافة العربية في جميع جوانبها محل قبول من فئة ورفض من فئات أخرى وجدل في قضية واتفاق في غيرها من القضايا ، ولا شك أن استعراض هذا التراث الضخم وتفتيشه والغوص فيما اتفق فيه وما اختلف عليه سيكون موضع جدل وخلاف بين المشاهدين للبرنامج ولاسيما عند مجتمع لم يعتد على غربلة الماضي وكان في ماضيه القريب يستكين إلى الرأي الواحد ويرتاح كثيرا عندما يسمع المتفق عليه ولا يحاول غيره ولا يريد سواه.
أما حين يتصدى العلماء الشباب المتنورون مثل الشيخ عدنان ابراهيم لأمور بهذه الضخامة ويعرضها على عامة الناس وعلى اختلاف مستوياتهم الثقافية والعلمية ومستوى الفهم والانطباع العام الذي هو السائد في ثقافة أغلب المشاهدين للبرنامج فمما لاشك فيه أن لا يستوعب الناس مثل تلك المرويات وسيقف عدد منهم ضد البرنامج وتثار كثير من الأسئلة الاحتمالية والشكوك المستريبة حول بعض ما يطرح من أفكار وما يعالج من قضايا معاصرة وهذا ما حدث في حقيقة الأمر إذ بدأ بعض المشاهدين للبرنامج يثيرون الأسئلة ويفسرون ما يسمعون تفسيرا قد لا يكون خطر ببال الضيف أو يفهمون غير المقصود مما جاء في البرنامج فهما ناقصا لا يكون مرادا في أصله ولا يعتمد عليه في دلالته التي يذهب إليها بتأويل من عنده .
لقد كشف البرنامج للمشاهدين مدى ما يحمل تراثنا الديني من خصب كبير وتنوع واسع في قضايا الحياة العامة وما يتمتع به من مرونة تستجيب لمتطلبات العصور واختلاف الأحوال وعدم الجمود عند رأي واحد أو اتجاه واحد وأهمية ما يعالجه البرنامج وتعدد مرجعياته التاريخية وتنوع مصادره وما في ثقافتنا من تسامح يجب أن يوظفه المصلحون اليوم ويعتمدوا على أساسه الشرعي ويكون في إطار اختلاف العلماء المسلمين الذي يوسع دائرة المباح حتى يكون للجديد والحادث في هذا الزمن مجالا للأخذ به والاستفادة منه .أما وجهات النظر التي أظهرت بعض الاعتراض على البرنامج وعلى ما يعرضه الضيف من أفكار فذلك أمر طبيعي فوجهات النظر ستختلف حول أي موضوع يعرض للناس ولا سيما في الجانب الفكري والثقافي ، سيثير اعتراض البعض النقاش والحوار والإثراء الفكري وهذا في حد ذاته جانب إيجابي وليس سلبيا حيث إن ما طرح من اعتراض أقرب ما يكون إلى الانطباع العام والملاحظات العابرة لم تقلل من القيمة المعرفية التي يقدمها الضيف ويستفيد منها المشاهد ويسمع جديدا غير ما عهده وما يتكرر في حياته .
يبقى أن البرنامج في رأيي ، تثقيف ديني واجتماعي وفكري ناجح في تعريف المشاهد بعمق التراث وبعده الحضاري ، وعرضه بلغة معاصرة تقربه إلى أذهان الشباب وتشده إليه وتغريه بالعودة والمراجعة للمعلومات التي يستقبلها من مصادره التاريخية وهذا يكفي للثناء على البرنامج واستمراره لما له من أهمية بالغة وعرض بياني جميل .
لا شك أن ما يقدمه عدنان ابراهيم هو جرعة نقد مختلفة قليلا عن السائد، لكن أعتقد يادكتور بأن هناك الكثير ممن تجاوزوا هذه الجرعة.
المجتمع يتغير بشكل سريع جداً