( كلمة سريعة قبل صلاة عيد الفطر المُبارَك للأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم)
أيها الإخوة والأخوات:
صلاة العيد سُنة مُؤكَّدة عن رسول الله، صلى الله تعالى عليه وآله وأصحابه ومَن والاه، وهي ركعتان، نُكبِّر بعد تكبيرة الإحرام من الركعة الأولى سبع تكبيرات، وفي الركعة الثانية بعد تكبيرة القيام خمس تكبيرات، ويُسن عند بعض الأئمة كالشافعي وأحمد أن يُفصَل بين كل تكبيرتين بالباقيات الصالحات – سُبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر -، وعند الآخرين كأبي حنيفة ومالك لا يُسَن، إنما يُوالى التكبير من غير شيئ.
(انتهت كلمة فضيلته بحمد الله، وتلتها صلاة العيد ثم الخُطبة)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، يا رب لك الحمد حمداً كثراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدَّيت أسماؤك، ولا إله غيرك، في السماء عظمتك، وفي الأرض رحمتك، وفي الجنة كرامتك، وفي النار سطوتك، وفي كل ما أبدعت وخلقت آيتك وحكمتك، لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، ولا نظير لك ولا مثال لك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، ونجيبه من عباده، وصفيه وخليله، مَن شرح الله له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وأعلى في الدارين مقامه، وجعله مالك أزمة المُرسَلين، ومُقدَّم لواء العابدين والمُتقين، فاجعل اللهم شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة تحننك، على عبدك ونبيك، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المُبارَكين الميامين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر ما صام صائم وأفطر، الله أكبر ما صلى مُصلٍ لله وكبَّر، الله أكبر ما حج حاجٌ البيت أو اعتمر.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً.
الله أكبر ما طلع نجم ولاح، الله أكبر ما تضوع عبير وفاح، الله أكبر ما غنى حمام وناح.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً.
الله أكبر ما رجع عبد إلى الله وأناب، الله أكبر ما استغفر مُستغفِر إلى الله وتاب، الله أكبر كبيراً.
أيها الإخوة المُسلِمون، أيتها الأخوات المُسلِمات:
سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۩، فنعم الجائزة في هذا اليوم السعيد الأغر، ونعمة التقدمة، ونعمة التكرمة، من رب كريم شكور، يقبل القليل ويُجازي عليه بالكثير، سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۩، تحية تُحيون بها في النشأة الآخرة – إن شاء الله تعالى – وأنتم تستفتحون أبواب الجنان، وتُحيون بها وأنتم تنعمون في ظلال الرحمن، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ۩، وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ۩ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ۩.
أيها الإخوة والأخوات:
كما تنقضي اللذاذات تتصرم العبادات، ها قد ولى شهر رمضان الكريم، ولى بقرآنه، ولى بليله وتهجده، ولى بقيامه وتراويحه، ولى بتسابيحه واستغفاراته ودموعه وآهاته، ولى بالدعاء والنداء، ولى بالإسعاد والقبول، ولى بالفتوح والعطاء والإنعام والإكرام، فيا هنيئاً لكم، ويا هنيئاً لكن، يا هنيئاً لكل مَن وفقه الله فأتم العدة في تقوى ومُراعاة، حفظ فيها ما ينبغي لجناب المولى الجليل من الحشمة والتوقير، ومن الإجلال والتقدير، فكان مِمَن يخشون ربهم بالغيب، وكان مِن الذين أعلنوا انتصارهم على نفوسهم، على شهواتهم وأميالهم وأهوائهم، وعلى ضعفهم وهشاشتهم، إنه شهر الصبر، قد تولى بما فيه، ونسأل الله أن يجعل عُقباه خيراً مما أسدى فيه وآتاه.
تولى هذا الشهر وقد علَّمنا أن الصبر كما يكون على أقدار الله المُؤلِمات يكون على اللذائذ والشهوات وإن تكن مُباحات، لقد صبرنا عن شهواتنا، مما أباح الله لنا، من المآكل والمطاعم والمشارب واللذائذ الأُخرى التي تعرفون، دينونةً لله تبارك وتعالى، وبخوعاً لأمره، وخشوعاً لتكليفه سُبحانه وتعالى، لعله يرضى، نسأل الله ألا يُميتنا إلا وقد رضيَ عنا وأرضانا وأعطانا وأكرمنا وأجزل لنا، اللهم آمين.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر، تعلَّمنا في هذا الشهر الكريم المعطاء السخي أن نصبر أيضاً على الطاعات، الله أكبر ما جلس قارئ لكتاب الله تال، جلس وحده مُنفرِداً، في مكان دانٍ أو قصي، يتلو الصحائف المُقدَّسات الساعة والساعتين والساعات، مُنقطِعاً من دُنياه ومن أشغالها وبواطيلها، مُنادِماً الملأ الأعلى، مُحادِثاً مُنزِله الرحمن، لا إله إلا هو!
الله أكبر، يا حيهلاً، يا حيهلاً، يا ما أحسن الذكريات! يا ما أطيب الأمنيات! اقرأ ورتل كما كنت تُرتِل في الدنيا وارق، وعلى الله تمنى ما أنت مُتمن، فيا ما أحلى الأمنيات في مثل تلكم الأوقات المبرورات المسعودات! هكذا الصبر على الطاعة.
تعلَّمنا في الشهر الكريم الصبر عن المعصية، تندفع إليها النفس في رخاء أو في عسر وشدة فيزمها، يزمها الصائم الخاشي لله في عليائه – سُبحانه وتعالى – بزمام الخشية والورع والرقابة، تسلَّط بها على نفس ضعيفة، فآضت قوية، آضت مُقدَّسة مُنزَّهة عن كل ما يُلوِّث ويُكدِّر، لأن هذا من درس الصيام.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
لقد تعلَّمنا – أيها الإخوة والأخوات – أن نصبر على أذية الخلق، كما نصبر على أقدار الحق، وعلى الطاعة لله، وعن المعصية ومُتابَعة الهوى، تعلَّمنا أن نصبر على أذية الخلق، فإن سابه أحد أو شتمه فليقل إني امرؤ صائم، هكذا تعلَّمنا، ولذلك هذا الشهر بحق هو شهر الصبر، وهو مفتاح الجنة، يا عائشة – رضيَ الله عنها – أديمي قرع أبواب الجنة بكثرة الصيام، إنه مفتاح الجنة.
ولو سُئل سائل ما هو الخُلق الوحيد الفرد الفذ الذي يكون عنواناً لجُملة أخلاق المُتقين، أصحاب النعيم المُقيم، به استحقوا أن يكونوا في جوار الرحمن، لحق أن يكون الجواب الصبر، ومن هنا قالت الملائكة سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۩، لا يدخل الجنة إلا مَن تعلَّم كيف يكون الصبر، كيف يكون الصبر على القدر وعن المعصية وعلى الطاعة وعلى أذية عباد الله، وكيف يكون الصبر في مُدافَعة أميال النفس وأهوائها ومُشتهياتها.
ولكي لا أُطيل عليكم أُحِب أن أختم بجُملة أخيرة، بعض الناس يظن أنه إن وفى شيئاً من حق رمضان في يومه وليله فقد أدى ما عليه وأبرأ الذمة وصار في حل من أمره أن يعود في حافرته وأن يحتقب ما اشتهى من الذنب وأن يحتطب ما أراد من الآثام، وبئس الظن! إنه لظن الجاهلين، فربنا – تبارك وتعالى – تحق وتمس حاجتنا إليه في رمضان وفي غير رمضان، فهل نحن مربوبون له في رمضان وحده؟ هل نستشعر حاجتنا وفقرنا إليه – تبارك وتعالى – في رمضان وحده؟ ألا نحتاج العافية في غير رمضان؟ ألا نحتاج المُعافاة في ديننا وأبداننا وعافيتنا وأهلينا وولدنا أيضاً وفي كل ما خوَّلنا وسلَّطنا عليه في غير رمضان؟ ألا نحتاج أن نعيش هانئين وادعين راضين مملوئين سكينة وطمأنينة في غير رمضان أيضاً؟
إذن علينا أن نعبد الله وأن نرقبه بمقدار حاجتنا إليه، وهي حاجة لا تنفك، وحاجة لا تزول، ولذلك عبادتنا في رمضان وفي غير رمضان ينبغي أن تكون مُتقارِبة وإن لم تكن مُتعادِلة، ينبغي أن تكون مُتقارِبة.
أيها الإخوة:
يمر بأحدنا وبإحدانا ظرف ولابد – لا محالة، لا مناص – يشعر معه بحاجته الحاقة إلى رب العزة تبارك وتعالى، حين تدهمه مُصيبة ليس لها من دون الله كاشفة، فما عسى يكون الجواب؟ قد يُقال صوت معروف من عبد معروف، العبد الذي والى الطاعات وتحقَّق بسني المقامات بين يدي الله وإلى الله وفي سبيل الله، ولعله يكون – لا قدَّر الله – صوتاً مُنكَراً من عبد مُنكَر، فلا يُعبأ به، لا يُعبأ بالدعوة ولا بالداعي.
وقد اقتص الله علينا – تبارك وتعالى – أطرافاً من أنباء جُملة من عباده المُستخلَصين والمُكرَّمين من النبيين والمُرسَلين، أعز بعضاً وأكرمه في جولته دولته، ولبى بعضاً وأسعده في بلواه ومحنته، ثم عقَّب وذيَّل – لا إله إلا هو – بجُملة عجب، فقال مُعلِّلاً لما أعطى وأولى ولما لبى وأجاب بقوله إِنَّهُمْ – أي لأنهم – كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ۩، فبالله مَن أراد أن يُسعِده الله وأن يُكرِمه في دنياه وأخراه بسماع ندائه وتلبية دعواه فعليه أن يُحقِّق هذه المقامات المذكورة في هذه الآية الشريفة، المُسارَعة في الخيرات، والرغب والرهب إلى الله تبارك وتعالى، والبخوع والخشوع والتواضع والذل والانكسار بين يديه، لا إله إلا هو! مَن تعلَّم هذا كان نعم العبد لمولاه، وأعطاه ولباه وأغناه وكفاه.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحُسنى وصفاتك العُلا الجُلى أن تجعلنا من المقبولين ومن المبرورين ومن المسعودين، اللهم لا يكن قد تصرَّم هذا الشهر الكريم إلا بذنب قد غفرته، وبسعي قد شكرته، وبتجارة قد أربحتها وثمَّرتها وباركتها لنا ولإخواننا الصائمين وأخواتنا الصائمات، من المُسلِمين والمُسلِمات، والمُؤمِنين والمُؤمِنات، أجمعين وجمعاوات، اللهم آمين.
والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، وكل عام وأنتم بخير، وتقبَّل الله مني ومنكم صالح الأعمال.
(20/9/2009)
أضف تعليق