إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:
لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ۩ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ۩ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ۩ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ۩ لَّكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
أحبتي في الله، إخواني وأخواتي:
الذين يُؤمنون بالله – سبحانه وتعالى – يُؤمِنون بأنبيائه ورسله، لا معنى للإيمان بالنبوات والرسالات من غير الإيمان بالله تبارك وتعالى، ولكن الدليل على كلا مجالي الإيمان مُختلِفٌ نوعاً، فإذا كان الإيمان بالله – تبارك وتعالى – يقتضي بوجهٍ ما من أوجه الاستدلال الإيمان بالنبوة – بالنبي والرسول – فما الذي اقتضى أصلاً الإيمان بالله تبارك وتعالى؟ إنه الدليل العقلي، لا يُمكِن أن نقول نحن نستدل بشرائع الله وبما أتى به النبي والرسول على صحةِ وحقيةِ الإيمان بالله، هذا غير مُمكِن، خطأ من ناحية استدلالية، مُصادَرة على المطلوب، ولكن الدليل على الإيمان بالله – تبارك وتعالى – هو دليل عقلي، والعقل حاكمٌ يا أحبتي في الله – إخواني وأخواتي – بضرورة وجود الله تبارك وتعالى، الله هو واجب الوجود، ضروري الوجود، عدمه مُستحيل ذاتي، مُستحيلٌ ذاتاً، لا يُمكِن تفسير الوجود والعالم وكل ما هو كائن بغير عقيدة أو مبدأ وجود الله تبارك وتعالى، هذا مُستحيل، طبعاً الملاحدة يُشكِّكون في هذه القضية، هذا موضوع طويل وهو موضوع أخر لا نخوض فيه الآن لأنه ليس موضوعنا، إذن الدليل على وجود الذات الإلهية دليلٌ عقليٌ، أما الدليل على وجود الأنبياء – فلان وفلان وفلان من أنبياء الله ورسله – فهو دليلٌ سمعيٌ وليس دليلاً عقلياً أصالةً بل هو دليلٌ سمعيٌ أي مما أتى به وورد به الخبر الصادق، ولذلك لا يترتب على إنكار مُقتضى مُفاد هذا الدليل السمعي كالذي يترتب على إنكار الدليل العقلي، إنكار مُفاد الدليل العقلي يلزم منه المُحال، تقع في التناقض، لو أنكرت وجود الله – تبارك وتعالى – مع إيمانك بوجود نفسك ووجود العالم ستقع حتماً في التناقض ولن تستطيع أن تنفصل من هذا التناقض، مهما شغب مشاغبو الملاحدة والشكّاكين واللاأدريين فهذا يلزمهم لكن هذه مسألة أخرى، أما إنكار مُفاد الدليل السمعي فلا يُوجِب مُحالاً، لا يُوجِب تناقضاً، لا نقع في التناقض، لا نقع في تناقض عقلي، وطبعاً هناك مُحال يُسمى المُحال بالواسطة والمُحال بالغير، هذا يُمكِن أن يلزم منه مُحال بالواسطة ومُحال بالغير، لماذا؟ المُحال بالغير أن تُؤمِن بالله – تبارك وتعالى – ثم بعد ذلك تُؤمِن بإخبار الله – أن الله له أخبارات وأخبرنا في أشياء مُعينة – ثم تُجوِز بعد ذلك أن يتخلف خبر الله، أي أن يكذب الله – أستغفر الله – في خبره، هذا مُحال، لكن ليس مُحالاً لذاته، إنما مُحال لغيره، فيُمكِن أن يلزم من هذا مُحال بالواسطة ومُحال بالغير، ليس مُحالاً ذاتياً.
إذن الإيمان بالأنبياء والرسل أصل الدليل فيه السمع وليس العقل، هذه مسألة لكن هناك مسألة مُهِمة أخرى، الإيمان بظاهرة النبوة – بالنبوة من حيث هى وليس بوجود محمد وعيسى وهارون وفلان وعلان ولا بأن موسى كان نبياً وأن أدريس كان نبياً وأن عيسى كان نبياً وإلى آخره، ليس هذا، هذا دليله السمع، لكن الحديث عن النبوة من حيث هى، من حيث ذاتها، من حيث أتت – هل يحكم العقل فيها أم ليس لها مُدخلية في الحكم؟ يحكم، العقل له مُدخلية، لكن العقل لا يقضي بضرورة النبوة، بمعنى أن الإنسان يُمكِن أن يؤمن بالله – تبارك وتعالى – ولا يلزم من هذا الإيمان بطريق الضرورة – أي يلزم منه ضرورةً – أن يُؤمِن بظاهرة النبوة، هنا للعقل منادح وفُسحات في النظر، يُمكِن أن يتأوَّل وأن يستعيض عن مفهوم النبوة اجتهاداً منه بأشياء كثيرة، طبعاً للأسف منكرو النبوات عندهم رأي مُختلِف وهذا شائع عند الهنادكة، الهندوس عموماً أُشيع عنهم أنهم يُنكِرون النبوات، وهذا لا يُسلَم كما هو، يبدو أن حتى الأديان الطبيعية كالفيدية الهندوسية البراهمانيه تُؤمِن بظاهرة النبوة، في الفيدا Veda وفي الأوبانيشاد Upanishad وفي كتبهم الرئيسة ما يُؤكِّد أن مفهوم النبوة معروف لديهم، هناك مُحاوَرات بين هذه القوى فوق الطبيعية – البراهمان (ब्रह्मन् brahman) –والقوى العُليا المُطلَقة وبين أشباه أنبياء، أشخاص كانوا مُتنبئين بطريقة أو بأخرى، صحيح أن الإله في هذه الأديان الطبيعية ليس شخصاً Pearson، هو أقرب أن يكون معنى أو قوة أو اتجاه – Trend – وما إلى ذلك، لكن الإله في الأديان التوحيدية -اليهودية والمسيحية والإسلام هو إله شخصي، أي ذات Pearson، ليس معنى وليس اتجاهاً، هو ذات حقيقة لكن لا كالذوات طبعاً، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ۩،هذا تعقيب سريع على كل حال، فبعض الذين اقتنعوا باستحالة النبوة للأسف الشديد وأرادوا أن يُقيموا الأدلة العقلية على ذلك تخوَّضوا وتخبَّطوا وأتوا بما لا مُحصِل حقيقي له، مثل أبي بكر محمد بن زكريا الرازي، هذا الرجل يُقال تأثر بهذه الفلسفات الطبيعية وكان هو في الحقيقة فيلسوفاً طبيعياً، طبعاً أنكر فلاسفة عصره ومن بعد أيضاً هؤلاء أنكروا أن يكون فيلسوفاً، قالوا هو رجل مُفكِر وطبيب لكنه ليس فيلسوفاً، وقد آذاه هذا، وكتب في رسائله على الفيلسوف مُؤكِّداً أنه فيلسوف كامل Perfect، أكَّد هذا في صفحات، لكن على كل حال هل الرجل ليس فيلسوفاً متيناً؟ أكيد ليس فيلسوفاً متيناً بمقدار ما هو طبيب وعالم مُجرِّب متين جداً وفائق لعصره، الرجل احتج بحُجة يذكرها بعذ ذلك الشهرستاني عن الهنادكة وعن البراهمة، وهو مؤمن بالله طبعاً، الرازي ليس مُلحِداً بمعنى أنه ينفي وجود الله، إنما ينفي النبوات، وعنده كتاب عجيب جداً إسمه مخاريق الأنبياء، أي خدع الأنبياء، الأنبياء كانوا أُناساً مُخادِعين – أستغفر الله العظيم – يخدعون الناس ويضحكون على لحى الناس، لذا كتابه إسمه مخاريق الأنبياء، والمخرقة هى الخداع والاختداع، هذا هو معناها، وكما قلت مرة في خُطبة عاش ومات دون أن يُمَس بسوء، لأنه لا يتعرض للسياسة، اذهب وتكلَّم عن النبوات أو ألحِد أو تزندق ما دام لا تتعرَّض للسياسة لا بأس عليك، ويُمكِن أن تكون من كبار أولياء وتُقطَع إرباً إرباً إذا تعرَّضت للسياسة لكن دائماً بإسم الدين لإنك مُرتَد وزنديق، هذه ألعوبة – ألعوبة حقيرة – لا تزال البشرية كلها تُعانى منها للأسف، استغلال الدين في مثل هذه التصفيات غير النزيهة، الرجل قال الله – تبارك وتعالى – إن أرسل نبياً نظرنا فيما أتى به هذا النبي – مضمون رسالته وشريعته – فإن قبلها العقل واستوعبها كان في العقل غُنية عنها – العقل يستطيع إذن أن يصل إلى هذا بنفسه – وإن ردها العقل وتناقضت معه لا مصلحة لنا فيها، لا مصلحة في شيئ يُخالِف العقل، قال هذا دليلي، دليل واضح أنه مُتهافِت جداً، كيف يقول الطبيب الكبير هذا؟ لأنه فعلاً ليس فيلسوفاً عظيماً إذن، يا أخي فرقٌ كبير جداً بين أن يحكم العقل بإمكان شيئ وأنه غير مُتناقِض وبين أن يستقل بالوصول إليه، كل نظريات الفلسفة وكل نظريات العلم وكل النظريات في كل الشؤون قبل أن يبتدعها ويبتكرها العبقري الذي أتى بها لا أحد يعرفها، ثم يأتي هذا العبقري فريد زمانه ونسيج وحده فيأتي بهذا الشيئ، الناس يُصدَمون في البداية، ما هذا؟ شيئ مُخالِف للمألوف، لم يُسبَق إليه، يتم فحصه ويتم تقصيه والتحقق منه، بعد ذلك يُقال هذه عبقرية فعلاً ووهذه نظرية صحيحة سواء كانت في الإنسانيات أو في الطبيعيات والتجريبيات، أليس كذلك؟ العقل قبلها وأدرك أنها غير مُتناقِضة وتُفسِّر أشياء كثيرة، لكن لماذا لم يصل إليها كل عقل؟ ما علاقة هذا بهذا؟ شيئ غريب، حُجة ضعيفة جداً جداً، لا ينبغي أن تَصدُر من طفل فضلاً عن أن تَصدُر من شخص في قامة أبي بكر الرازي الطبيب والمُفكِّر الكبير، هذا كلام فارغ، ليس معنى أن النبي إذا أتى بشيئ لا يحكم العقل باستحالته ولا يُوقع العقل في التناقض أن العقل قادر على أن يأتي بها، وللتبسيط الآن – مثلاً – فكرة العالم الآخر وفكرة الدينونة والحساب والعبث والنشور والجنة والنار كلها أفكار لا يقضي العقل بأنها مُستحيلة، هى مُمكِنة تماماً، أكبر مُلحِد يقول لك مُمكِنة، من حيث هى مُمكِنة، لا توجِب تناقضاً عقلياً، وهذا ليس بحسب هواه، إذا قال لك أحدهم هذا غير مُمكِن اعرف أنه لا يعرف حتى A B C فلسفة أو منطق وأنه لا يفهم شيئاً، هذا كلام فارغ، هذا لا كلام لنا مع أمثاله، لذلك كبار الفلاسفة الملاحدة الكبار مثل هيوم Hume وغير هيوم Hume يقولون هذا في حد ذاته مُمكِن طبعاً، حتى فكرة الله نفسها مُمكِنة، نحن لا نقول غير مُمكِنة، هى مُمكِنة، لا يُمكِن أن تقول فكرة أو افتراض وجود الله يوجِب مُحالاً عقلياً، لم يقل هذا أحد، لم يقل أكبر مُلحِد يفهم المنطق والفلسفة هذا، لا يُمكِن أن يحكي هذا الكلام الفارغ، هذه من حيث هى مُمكِنة لكنهم قالوا إمكانها بحد ذاته لا يُبرِّر جعلها عقيدة وموضوعاً للإيمان، هذا موضوع ثانٍ، على كل حال يجب أن نفهم هذه الأشياء بشكل دقيق، طبعاً لن أخوض معكم الآن في بيان أسس التناقض وما إلى ذلك، لكن مبدأ التناقض معروف جداً وهو أساس في الفكر البشري، إثبات الشيئ ونفيه ونقيضه، ليس ضديده وإنما نقيضه، بمعنى يكون أو لا يكون بلغة شكسبير Shakespeare، حي وغير حي، قائم وغير قائم، موجود وغير موجود، هذا تناقض، وأصل التناقض الممنوع هو التناقض العقلي، هو هذا، إسمه التناقض المنطقي، كانط Kant كتب يقول – وليس كانط Kant وحده طبعاً وإنما كل الفلاسفة العقليين، لكن كانط Kant لم يكن فيلسوفاً عقلياً بالمعنى الميتافيزيقي، لكنه على كل حال آمن بهذا، وفلسفته مزيج من هذا وهذا، لذلك آمن بالقبليات وفسَّر بها المعرفة الإنسانية مع الحسيات والتجريبيات، أي البعديات -المُحال الموجود هو المُحال العقلي، ولا مُحال تجريبياً، لا تقل يُوجَد مُحال تجريبي، هذه مُشكِلة الملاحدة ومُنكِري النبوات والرسالات وحتى مُنكِري الله، الملاحدة يقولون هذا مُستحيل، كيف يكون مُستحيلاً؟ هل هو مُستحيل طبيعياً تجريبياً إمبريقياً أم مُستحيل عقلياً؟ لا يعرفون كيف يُفرِّقون، مثل كارل ماركس Karl Marx فيلسوف كبير وكسَّر العالم لكنه لم يعرف كيف يُفرِّق بين النقيض والضد، لم يعرف لأنه لم يدرس فلسفة بشكل صحيح، لا يعرف ما هو الضد ولا يعرف هو النقيض، عنده الأضداد هى النقائض، وهذا كلام فارغ طبعاً، هذه هُجنة في الفسلفة الديالكتيكية، أنت لا تعرف ما الضد ولا كيف تُميِّزه عن النقيض وتأتي تتكلَّم في الفلسفة، هذا كلام فارغ غير مقبول، هذا لعب أطفال صغار، ولذلك هل المُحال محُال عقلي منطقي أم مُحال طبيعي تجريبي؟ كانط Kant يقول المُحال عقلي، لا مُحال تجريبياً، لا تقول لي يُوجَد شيئ تجريبي وهو مُحال، هذا كلام فارغ، لكي أُبسِّط هذا أقول الأحكام العقلية تتوزَّع على المُمكِن والمُستحيل والواجب أو الضروري، بين هذه الأحكام الثلاثة – المُمكِن والمُستحيل والواجب أو الضروري – التجربة تتدخَّل في ماذا؟ هل تتدخَّل في المُستحيل؟ مُستحيل أن تتدخَّل في المُستحيل، هل تتدخَّل في الواجب؟ لا تتدخَّل في الواجب، التجربة فقط يُمكِن أن تقضي في المُمكِن، وليس في كل أوجه المُمكِن أيضاً، لماذا؟ لأن المُمكِن ليس معناه الواقع، الواقع – كل ما وقع وكل ما حصل وكل ما هو موجود – من أقسام المُمكِن، من العرش إلى الفرش كل مُمكِن يُسمى هكذا في اللغة المنطقية، ولا تأخذوا كلامي هذا من زاوية اللغة العربية، هذه مُصطلَحات طبعاً في الفلسفة والمنطق وعلم الكلام، وعلى كل حال كل ما هو واقع من العرش إلى الفرش هو من أقسام المُمكِن، هناك أشياء غير واقعة وهى مُمكِنة، هل للتجربة مُدخلية أو دخالة في الحكم على الأشياء غير الواقعة فتحكم مثلاً بأنها يستحيل وقوعها؟ لا، لا تتدخَّل في الاستحالة، لا تتدخَّل أبداً في الاستحالة ولا في ضرورة الوقوع لا هنا ولا هناك، التجربة مُتواضِعة جداً، ولذلك علينا أن نعرف وأن نفهم طبيعة القوانين العلمية، أي القوانين الطبيعية والقوانين التجريبية، كل القوانين الطبيعية يُعبَّر عنها في شكل قضايا كُلية، مثل كل معدن يتمدَّد بالحرارة وينكمش بالبرودة، هذه قضية كلية لأننا نقول كل، مُسوَّرة بسور كل، كل هذه القضايا والقوانين الطبيعية – قوانين العلم Science أو Wissenschaft – مُجرَّد قضايا كُلية تحكي اضطراداً ليس فيه ضرورة، لا تُوجَد ضرورة، ليس بالضرورة، العقل نفسه يتصوَّر إمكانية تخلف هذه الأشياء، هذا عادي جداً، العقل لا يُوجِب تناقضاً أن تتصوَّر قطعة حديد تُحمَّى على نار حامية جداً ولا تتمدَّد، من المُمكِن جداً أن يصير هذا في العقل، لكن هل حدث هذا مرة؟ لم يحدث إلى الآن، هذا ليس شرطاً لكنه مُمكِن، التجربة ليس لها علاقة بمفهوم الامتناع والاستحالة، لأن هذه غير موجودة، والعلم التجريبي والعلم الحسي كله يتحدَّث عن ما يلمسه وعن ما يناله الحس، الحس ينال هذه الظاهرات، لكن لا ينال المعاني العقلية الكامنة الماثلة الجاثمة وراءها وفي قلبها، مثل مفهوم العلية ومفهوم الضرورة ومفهوم الاستحالة، أين هذا؟ ما علاقة التجربة بهذا؟ هذا العقل، لذلك علينا أن نحترم العقل وأن نُفكِّر تفكيراً عقلياً وألا نُلغي قوانين العقل وأسس التفكير العقلي بإسم العلم والعلم التجريبي والعلوم أثبتت والعلوم منعت، هذا كلام فارغ، هذا كلام يليق بالأطفال الصغار، لا يليق بأي فيلسوف ولا مُفكِّر ولا دارس ولا حتى عالم يحترم منهج العلم ويفقه تماماً حدود العلم، لذلك العلم ليس عنده صلاحية مُطلقاً أن يقول هذا الشيئ مُستحيل ولن يقع، لا يقدر على أن يقول هذا، إذا رأيتم عالماً يقول هذا اعلموا أنه عالم جاهل، هو لا يفهم معنى العلم نفسه، لذلك ماذا يقول السير آرثر سي كلارك Sir Arthur C. Clarke؟ السير آرثر سي كلارك Sir Arthur C. Clarkeمُخترِع القمر الصناعي – Satellite – المعروف وهو أديب كتب عشرات الروايات في الخيال العالمي – Science Fiction – والأدب العلمي وعنده برامج علمية مُحترَمة حول العالم، وهو عالم كبير مات قبل بضع سنوات، آرثر سي كلارك Arthur C. Clarke ماذا يقول؟ إذا رأيتم عالماً يقول عن شئ إنه مُمكِن – عن أي شيئ مهما كان هذا الشيئ تصوّره صعباً – فهو في الأغلب مُحِق، يكون هذا الشيئ مُمكِناً، وإذا سمعتم عالماً يقول عن شيئ إنه مُستحيل فهو في الأغلب مُخطيء، لا تقدر على أن تقول لي هذا مُستحيل، من أين لك هذا؟ ليس عندك كعالم – عالم في الفيزياء أو في الكيمياء أو في الأحياء وإلى آخره – أن تقول هذا مُستحيل، لا تقدر على أن تقول هذا مُستحيل أبداً، أنت عالم إمبريقي فقط، عندك منهج تجريبي واستقرائي فقط، هذا لا يُمكِّنك أن تحكم – كما قلت لك – في أزيد من دائرة بسيطة ضمن دائرة الإمكان، ليس لك علاقة لا بالاستحالة ولا بالضرورة، هذه المسائل ليس لها علاقة بك أبداً فلا تتعلَّق بها واعرف حدك.
جوليان هكسلي Julian Huxley عالم التطور الكبير كانوا يُسمونه كلب داروين Darwin، هو عالم وكان مُلحِداً لا يُؤمِن بالله تبارك وتعالى، لكنه على الأقل يُفكِّر على أسس تفكير عقلي وعلمي، قال نفس الشيئ، ردَّد كلام كانط Kant قائلاً الذي أعرفه من وجوه أو صور المُستحيل هو المُستحيل المنطقي، فلا يوجد مُستحيل في التجربة، وهذا كلام صحيح، هذا كلام كانط Kant وكلام كل الفلاسفة العقلانيين من أيام أرسطو Aristotle، أرسطوAristotle أسَّس لهذه الأشياء بشكل علمي وفلسفي دقيق، هو هذا، هذا كلام صحيح، ولذلك العلماء أحياناً يقعون في أشياء فعلاً تُهجِّنهم وتُهجِّن طريقة تفكيرهم، ويأتي التطور العلمي نفسه ليسخر منهم، هذه سُخرية القدر، في سنة ألف وثمانمائة وأربع وسبعين – في أواخر القرن التاسع عشر – يأتي الشاب الألماني الوديع الهاديء ماكس بلانك Max Planck إلى جامعة ميونخ بألمانيا مُتردِّداً بين دراسة الفيزياء ودراسة الرياضيات، لا يعرف هل يدرس الفيزياء أم يدرس رياضيات، فيسأل أستاذ الفيزياء فيليب فون جولي Phillip von Jolly في جامعة ميونيخ، ويبدو أن علاقةً ما كانت تجمع بينهما وهو، فماكس بلانك Max Planck يسأل البروفيسور Professor فيليب فون جولي Phillip von Jolly ويقول له أنا مُحتار في الحقيقة، هل أدرس رياضيات أم أدرس الفيزياء؟ فيقول له أستاذ الفيزياء – بروفيسورProfessor الفيزياء – نصيحتي لا تدرس الفيزياء بعد اليوم، ادرس الرياضيات، هذا أمرٌ غريب لأنه أستاذ فيزياء، صادق الرجل في النصيحة، لماذا يا أستاذ؟ لماذا يا بروفيسورProfessor؟ قال لأن الفيزياء أغلقت قوسها، علم اكتمل وانتهى الأمر، الفيزياء علم اكتمل، لم يعد قابلاً لأن نُضيف إليه أي زيادة، كل الحقائق أصبحت واضحة لدينا، كل القوانين التي تُفسِّر الوجود المادي وما له علاقة به أصبحت طوع بنانا، فلماذا تُضيِّع نفسك وأنت شاب واعد وصاعد وذكي فيما يضح؟ ماكس بلانك Max Planck كان في السادسة عشرة من عمره، هو أنهى الثانوية في السادسة عشرة، هكذا كانوا يدرسون، لكن من حسن حظ العلم ومن حسن حظ العالم أن الشاب الوادع المُتواضِع ماكس بلانك Max Planck قال للبروفيسورProfessor فيليب Phillip لست أريد أن أكتشف عالماً جديداً – أنا لا أرى نفسي كعبقري كبير يُريد أن يكتشف قوانين جديدة في العلم، أنا لست نيوتن Newton ولا لابلاس Laplace، أنا شاب بسيط مسكين، مع أنه من عائلة علمية طبعاً، ماكس بلانك Max Planck من عائلية علمية، أبوه وأجداده وما إلى ذلك كانوا علماء في القانون وفي أشياء كثيرة، عائلة مُتعلِّمة رفيعة – وإنما أريد أن أُعمِق فهمي لأسس الفيزياء، وهذا كان من حسن حظ العلم، وسنرجع مرة ثانية لماكس بلانك Max Planck وقصة ماكس بلانك Max Planck، في ألف وثمانمائة وأربع وتسعين – بعد عشرين سنة بالضبط – أول عالم أمريكي يحوز على جائزة نوبل Nobel وهو روبرت مايكلسون Robert C Michelson صاحب التجربة الشهيرة Michelson-Morley Experiment يكتب يقول كل حقائق الفيزياء انتهت وتم اكتشافها، ما ينبغي أن نطمح إليه في العقود المُقبِلة هو البحث فقط عن الموقع السادس في الكسور العشرية، أي أنه يتحدَّث عن ماذا؟ عن مزيد من التدقيق فقط في النتائج والحسابات، الموقع السادس في الكسر العشري فقط، وفيما عدا هذا القوانين كلها واضحة والمُعادَلات كلها تامة، الفيزياء انتهت، الفيزياء علم كامل Perfect، هذا روبرت مايكلسون Robert C Michelson، هل هذا كلام صحيح؟ في ألف وتسعمائة بالضبط العالم الأسكتلندي الكبير المُلقَب باللورد كلفن Lord Kelvin – كلفن Kelvin مشهور جداً – يقول نفس الشيئ، قال لم يعد هناك ثمة مجال لأن نضيف شيئاً إلى الفيزياء، الفيزياء انتهت، كما يقول العرب علمٌ شاط واحترق، العرب كان عندهم هذا التصور، ظنوا أن هناك بعض العلوم التي احترقت وانتهت، هى طُبِخَت ونضجت واحترقت أيضاً، فهذا علمٌ شاط واحترق، من سخرية القدر أن في ألف وتسع مائة بالضبط – نفس السنة التي قال فيها اللورد كلفن Lord Kelvin ما قال وهو أشهر هؤلاء طبعاً على مستوى العالم، هو أشهر حتى من مايكلسون Michelson – على يد الشاب الهاديء الوديع ماكس بلانكMax Planck الفيزياء ترسم أفقاً جديداً وترتاد عالماً جديداً أغرب من الخيال نفسه، وندخل في فيزياء مُختلِفة إلى حد بعيد، إنها فيزياء الكم، وعلى يد مَن؟ على يد الشاب المُتواضِع البسيط ماكس بلانك Max Planck الذي قدم أطروحة – نوع من خوارق التفكير والـ Fantasy – ليحل بها مُشكِلة كارثة فوق البنفسجي Ultraviolet Catastrophe، لن نشرح هذا لأنها مسائل فنية جداً ومُتخصِصة، لكن على كل حال هو تقدَّم بفكرته، هذه الفكرة البسيطة كان يراها حلاً يائساً، قال هذا حل يائس، أنا نفسي غير مُؤمِن به، لكن ماذا نفعل؟ هناك مشكلة لها سنوات وهى غير محلولة، ولذا أُحاوِل أن أساهم بهذه الطريقة التأملية، مع أنه قدَّم طبعاً نماذج رياضية ومُعادَلات، لكنه وصف حله بأنه حل يائس وبائس، العلماء أنفسهم لم يتلقَّوا هذه المُقترَحات البلانكية ولم يتقبَّلوها بقبول حسن، لكن لأنه كان عالماً مُحترَماً وأستاذاً جامعياً مُبرِّزاً في ذلك الوقت – في ألف وتسعمائة – أعادوا التقصي والتحقق، ومن ثم وجدوا أن هناك شيئاً غير طبيعي في هذا الطرح، ولذلك أبو ميكانيكا الكم وأبو فيزياء الكم مَن هو؟ ماكس بلانك Max Planck، ليس بور Bohr أو هايزنبرغ Heisenberg أو شرودنغر Schrödinger، المُتواضِع البسيط ماكس بلانك Max Planck، وفي عام ألف وتسعمائة وثمانية عشر أخذ جائزة نوبل Nobel على هذه النظرية، نظرية الكم Quantum، وكمات الطاقة قضية عجيبة، هذا هو العلم، العلم يسخر من الناس، لا تقل لي العلم اكتمل، أنا أتكلَّم بإسم الفيزياء النهائية، لا تُوجَد فيزياء نهائية، لا تُوجَد كيمياء نهائية، لا يُوجَد علم نهائي، العلوم في تطور مُستمِر، وكل ما تظن أنه قانون نهائي يُفسِّر الوجود فهو كما قال العالم والرياضياتي العظيم والفيلسوف الكبير – فيلسوف العلم – هنري بوانكاريه Jules Henri Poincaré مُجرَّد أطروحة وقتية، الفرنسي بوانكاريه Poincaré في كتابه العلم والفرضية قال كل القوانين العلمية هى مُجرَّد أطروحات وقتية، لا تزال قابلة للاستبدال دائماً، قال لو كانت قوانين الهندسة قوانين تجريبية لكانت الهندسة – Geometry- علماً تخمينياً مُوقَتاً، لكن الهندسة علم مُختلِفاً، الرياضيات عموماً علم تحصيلي تكراري، ولذلك هى علم يقيني قطعي، لا يمُكِن أن تتخلَّف، فيها قصور أحياناً وهناك نقاش في بعض المُسلَمات مثل مبدأ عدم الاكتمالية وهذه قصة أخرى لكنها ليست علماً تركيبياً حقيقياً، ليست علماً تجريبياً، العجيب أن الملاحدة يُؤمِنون بهذا فلابد أن يتواضعوا قليلاً، لا يأت أحد من العلم الذي لا يعرفه وهو ليس مُبرزاً عالمياً فيه ويقول العلم يمنع ظاهرة النبوة، النبوة مُستحيلة علمياً، عن أي علم تتحدَّث يا رجل؟ عيب هذا الكلام، أنت تُخربِط نفسك وتُخربِط الناس وتدعم مسيرة الكفر والإلحاد وأنت لا تفهم عن ماذا تتحدَّث، هذا ليس له علاقة بالقضية أبداً، العلم يُمكِن أن يتحدَّث عن الإمكان، والعلم يُعطي إمكاناً للنبوة، العلم لا يقول النبوة غير مُمكِنة علمياً، النبوة علمياً مُمكِنة طبعاً، وطبعاً عقلياً النبوة مُمكِنة قطعاً، ولذلك لو سأل أحدكم ما موضِع ظاهرة النبوة من ناحية عقلية؟ أنا أقول له في قسم المُمكِن، ليست في قسم الواجب، ليست مثل الله فانتبه، عدم الإيمان بالله – تبارك وتعالى – يُوقِع في تناقض عقلي لكن عدم الإيمان بالنبوة لا يُوقِعنا في تناقض عقلي فانتبهوا، لأن الإيمان بالنبوة يتموقع في موقع ماذا وفي مكان ماذا؟ المُمكِن، وليس الواجب الضروري، فالنبوة عقلاً مُمكِنة، وهنا قد يقول لي أحدكم أنا لا أهتم بالعقل كثيراً ولم أدرس فلسفة عقلية، أنا رجل علم، أُحِب العلم كثيراً، أنا مُغرَم بالعلم، فماذا يقول العلم؟ العلم يقول النبوة مُمكِنة، النبوة مُمكِنة علمياً، بالمنطق العلمي النبوة مُمكِنة، كيف؟ كيف يكون جواب هذا السؤال؟
هذا وصل أو صلة بخطبة الجمعة السابقة، لأن بعض الناس تساءل عن الموضوع السابق وقال أنت حدَّثتنا عن علم البسي PSI وما إلى ذلك، وطبعاً هذا لفظ يوناني، الآخرون اصطلحوا مُصطلَحاً آخراً وقالوا ساي، وليس عندنا مُشكِلة في هذا، ومن هنا يُقال علم الساي والسيولوجي Siology، لكن اللفظ الحقيقي هو بسي PSI ، فما علاقة علم البسي PSI أو علم الساي أو السيولوجي Siology بالنبوة؟ له دخل كبير، وأنا تحدَّثت عن هذا لأنني أردت أن أربط بين هذا الحقل من حقول العلوم وبين ظاهرة النبوة وإمكان النبوة، فالنبوة غير مُستحيلة علمياً، وطبعاً عقلياً غير مُستحيلة قطعاً، لكن علمياً غير مُستحيلة، هى مُمكِنة بطريقة أو بأخرى، لماذا؟ بعض الناس مِمَن يُشكِّكون في النبوات يأتي لكي يُورِد هذا التساؤل فيقول أنتم في الاديان التوحيدية – يهود ونصارى ومُسلِمون – تتحدَّثون عن إله شخصي يتواصل مع الأنبياء عبر واسطة إسمها ملاك الوحي – جبريل عليه السلام مثلاُ عند المسلمين – وهذا صحيح ونحن نُؤمِن به وينطق به الكتاب، لكنه قال هذا مُستحيل علمياً، كيف يكون مُستحيلاً علمياً؟ ما علاقته بهذا؟ لماذا هو مُستحيل علمياً؟ قال لأن الكون كما نعلم – وقد يكون الذي ندرسه هو فقط حدود السماء الدُنيا وقد يكون غير ذلك على كل حال – نصف قطره مُختلَف فيه الآن، بعضهم يقول نصف القطر يصل إلى سبعة وعشرين مليار سنة ضوئية، أي أن الضوء يقطعه في سبعة وعشرين مليار سنة، وبعضهم يقول أقل وبعضهم يقول أكثر، لكننا سنتحدَّث في حدود عشرين مليار مثلاً، سنقول هذا نصف قطر، لكن ما المُشكِلة؟ لو افترضنا أن سقف هذا الكون المحسوس هو هذا الكون الذي يدرس علم الكونيات وعلم الكون المعروف بالكوزمولوجي Cosmology فإن معنى ذلك أن لكي يأتي جبريل من خارج هذا الكون المحسوس سوف يحتاج عشرين مليار سنة، لأن جبريل لن يقدر على أن يكون أسرع من الضوء وهو ضوء وملك، والملائكة خُلِقت من نور، سرعته ستكون سرعة الضوء – هكذا هم يفترضون – إذن يحتاج إلى عشرين مليار سنة، يأتي شخص طبعاً درس قليلاً في الفيزياء وقليلاً في النسبية ويفهم أشياء ولا يفهم أُخرى ويقول هذه سهلة، أينشتاين Einstein حلها، لأن زمان هذا الجسم المُتحرِّك بسرعة الضوء أو قريب من سرعة الضوء سوف يتباطئ كثيراً جداً جداً، وإذا تحرَّك فعلاً بسرعة الضوء – وهذا مُستحيل طبعاً في النسبية – سوف يتوقَّف الزمان تماماً، لن نُبرِّر هذه النُقطة، معروف كيف هو تبريرها في النسبية العامة، معنى ذلك أن جبريل سيقطع هذا كله في لا زمن، يُجاوبِك المُلحِد قائلاً المُشكلِة ليست في جبريل، المُشكِلة في محمد وكوكب محمد، نعم جبريل سيأتي ويذهب في صفر زمن لكن سيكون مر على الأرض عشرون مليار سنة ، زمان محمد ما لا يتوقَّف، زمان جبريل يتوقَّف، وفعلاً هذه المسألة تفتن المخ معناها، هذه ليست مسألة، طبعاً الإنسان البسيط الذي لم يدرس علماً وما إلى ذلك يقول لك هذه عملية سهلة، هذا هو الكون وجبريل يصعد وينزل، لكن هو لا يفهم شيئاً، الذي يُفكِّر بطريقة علمية يقول لك لا يا حبيبي، جبريل لا يتحرَّك آنياً، وإنما يتحرَّك بسرعة الضوء، وهذا يحتاج منه إلى عشرين مليار سنة لكي يصعد وعشرين مليار سنة لما ينزل كحد أدتى، ومن ثم يكون مر على الأرض أربعون مليار سنة، أين محمد؟ وأين الوحي؟ وأين كل هذا الكلام؟ أنتم تظنون السماء والأرض بحسب التصور البسيط الطفولي النبوي والأديان التي عندكم كأن المسافة بينهما تصل إلى مائة كيلو متر أو عشرين كيلو متر ومن ثم جبريل يصعد وينزل بطريقة سهلة، لكن العملية مُستحيلة علمياً، وهنا أنت تخبط رأسك وتقول فعلاً أول مرة أنا أسمع هذا السؤال، هذه القضية تُحيِّر، لأنها طبعاً على أساس اعتراض علمي، ولذلك اقتراحي واجتهاد الشخصي -بفضل الله – أنني قلت علينا أن نعرج على على السيولوجي Siology وعلى علم البسي PSI والظواهر الخارقة، وطبعاً بعض الناس يقول لك هذا علم Sudo، هذا علم زائف، لكنه ليس زائفاً، عفواً هذا ليس زائفاً، لابد أن نكون اضحين أيضاً ونتعلَّم ولا نتكلَّم إلا فيما نُتقِن، هذا ليس علماً زائفاً، وفي فرق كبير بين علم الروحانيات أو العلم الروحي وبين علم الباراسيكولوجي Parapsychology أو علم الساي أو علم البسي PSI، هذا شيئ وهذا شيئ، هذا مُختلِف عن هذا، ولن نقول لكم لماذا وإلا سندخل في مُحاضَرة علمية لكن هذا علم وهذا علم أو هذا شيئ وهذا شيئ، علم الساي أو علم البسي PSI – علم القدرات الخارقة – علم مُحترَم، طبيعته – إلا قليلاُ – وطبيعة الاختبار فيه والنتائج الخاصة به وإمكان التحقق من طبيعة الفيزياء، من طبيعة ميكانيكا الكم، وهى طبيعة إحصائية، فإذا صدق أن علم فيزياء الكم هو علم كبير وعلم مُحترَم وراسخ وقوي فسوف يكون هذا أيضاً علماً راسخاً وقوياً ومُحترَماً لأنه من نفس الطبيعة وبنفس الطريقة.
لكي نُوضِّح لكم هذا نقول أولاً ما معنى الطبيعة الإحصائية؟ ما معنى الطبيعة الإحصائية لعلمٍ ما؟ لكي نُبسِّطها نفترض الآن أن في فيينا العاصمة – مثلاً – مُعدَل وقوع الحوادث بين السيارات – حوادث الاصطدام – أسبوعياً واحد كل عشرة آلاف مثلاً، هذا هو المُعدَل، هذه هذه لغة إحصائية، بين كل عشرة آلاف سيارة يُمكِن أن يحدث الاصطدام – Unfall أو Accident – بين سياريتين، الآن لا تستطيع أكبر قوة ليس في بلدية فيينا بل أكبر قوة في كل قوى العالم أن تعرف بعد ساعة الاصطدام الآتي سوف يقع بين أي سيارتين، لا تقدر على أن تعرف أبداً، لكن عموماً في الأسبوع تقع حوادث بهذا المُعدَل، بين كل عشرة آلاف سيارة تقع حادثة بين سيارتين، لكن أي سيارتين؟ لا نعرف، بين أي السيارات؟ لا أحد يعرف، هذه طبيعة إحصائية، هذه لغة الفيزياء الكمية تماماً، هذه ميكانيكا الكم، هى تتحدَّث باللغة الإحصائية، لكن ما علاقة علاقة هذا بالساي والظواهر الخارقة؟ هذا أحد الفوارق المُهِمة بين علم الروحانيات وبين علم الساي أو السيولوجي Siology، في علم الروحانيات يُوجَد بشر يعملون أشياء خارقة وغريبة وعجيبة جداً، بعضهم يطفو في الهواء – التعويم هذا – ويصعد ويعمل أشياء غريبة، بعضهم يُخادِع، وبعضهم يكون صادق، هذه قصة طويلة، والظواهر الروحية عموماً ظواهر عابرة وتلقائية، قد تحدث من نفسها لمرة وتفرض نفسها على الرجل، وهى عابرة، أحياناً يصعب استدعاؤها مرة ثانية، هذا لا يُمكِن، لكن الظواهر الباراسيكولوجية وظواهر الساي يُمكن لأي أحد فينا أن يُخضَع لاختباراتها والنتائج تكون مُتقارِبة، ما رأيكم؟ هذا شيئ غريب، نحن كبشر أو كإنسان عندنا هذه القدرات، وهنا قد يقول لي أحدكم هذا يعني أنها قدرات طبيعية أو قدرات مادية أو قدرات عادية غير خارقة، لكن هذا غير صحيح، لأنها خارقة، خارقة وتقطع وتتعارض وتختلف مع طريقتنا في التفكير والإدراك والتواصل، وكما قلت لكم هذه الظواهر كلها تنقسم إلى قسمين، القسم الأول يُسمونه ساي جاما Psi-Gamma، والقسم الثاني يُسمونه ساي كابا Psi-Kappa، ساي جاما Psi-Gamma ثلاثة أشياء، أولاً الاستشفاف Clairvoyance، والاستشفاف يعني الجلاء، مأخوذة من كلمة Clair بالفرنسية أو Clear بالإنجليزية، والاستشفاف نوعان، استشفاف سمعي Clairaudience، استشفاف بصري Clairvoyance، يسمع أشياء لا يسمعها غيره ويرى أشياء لا يراها غيره، استشفاف أو جلاء، ثانياً تأثير عقل في عقل وهذا إسمه التخاطر Telepathy، ثالثاً التنبؤ بالمُستقبَل ومعرفة أحداث قبل وقوعها وهذا إسمه Precognition، أي تشوف وإدراك – Cognition – أو تعقل مُسبَق، هؤلاء الثلاثة أشياء لهم علاقة بالإدراكات، كلها أشياء لها علاقة بالإدراكات وتُسمى ساي جاما Psi-Gamma، هذا داخل في علم الساي جاما Psi-Gamma، وبعد ذلك عندنا القسم الرابع وهو ساي كابا Psi-Kappa، له علاقة بالتحريك النفسي، التأثير في المواد بالقدرة النفسية، تُحرِّك شيئ أو تُفني شيئ أو تكسر شيئ أو تُزيل شيئ عن مكانه بالقدرة النفسية من غير أن تتدخَّل، من غير أي واسطة مادية، وهذا شيئ غريب، إسمه تحريك نفسي Psychokinesis، كانوا يُسمونه تحريك بُعد Telekinesis، فهذا إسمه Psychokinesis، وهذا ساي كابا Psi-Kappa، هذا هو الباراسيكولوجي Parasicology فقط، أما الخلط والخبط وإدخال التنجيم والورق والفنجان والعرافة والكهانة والروحانيات وما إلى ذلك هذه كلها أشياء لا علاقة بها به، هذا موضوع ثانٍ، الباراسيكولوجي Parasicology علم دقيق لكن يعمل إحصائياً، كيف يعمل إحصائياً؟ نأتي نختبر أي أحد فينا لكي نختبر إحدى هذه القدرات الأربعة فيه مثلاً، ولنفترض – مثلاً – قدرة التأثير في المادة، أنتم تعرفون موضوع الروليت Roulette والقمار والزهر ولاس فيغاس Las Vegas، قالوا بعض الناس عنده قدرة أن يؤثِّر في الزهر، يجعله يقع على الوجه الذي يُريده، هل هذا مُمكِن؟ قد يقول لي أحدكم هذا يحدث بالصدفة، الزهر كم وجه عنده؟ ستة وجوه، الآن أنا – مثلاً – الزهر يقع على الوجه الذي فيه رقم أربعة، إذن كم الاحتمال؟ واحد على ستة، هناك ستة وجوه، إذن الاحتمال واحد على ستة، في علم الباراسيكولوجي Parasicology تحدَّث العلماء عن قدرة بعض الناس في التحكم عن بُعد، وهم علماء كبار أصلاً لكن بعض الناس يظن أن هذه المسائل تتعلَّق بالقسس والرهبان وعلماء دين، وهذا غير صحيح، هذه المسائل اشتغل عليها علماء كبار من أرفع مستوى وطراز في القرن التاسع عشر والعشرين مثل ويليام جيمس William James، مَن يُنكِر أهمية ويليام جيمس William James؟ يُقال أكبر عالم نفس أمريكي ويليام جيمس William James، وهو مُؤسِّس علم النفس الأمريكي أصلاً، ويليام جيمس William James له صحائف ودراسات كثيرة في هذا الباب، وطبعاً علم التحليل النفسي يتناقض على طول الخط مع علم الساي، ليس له علاقة بالساي، وأكثر من علم التحليل المدارس السلوكية فهى تتعارض تماماً مع ظواهر الساي، لكن فرويد Freud نفسه الذي بدأ شامتاً مُستهزِأً مُنكِراً لكل مسائل الباراسيكولوجي Parasicology وقال هذا كله كلام فارغ كتب
في آخر حياته – في سنة ألف وتسعمائة وثلاث وثلاثين بالضبط – قائلاً لم يعد مُمكِناً بالنسبة لي تجاهل هذه المسائل، إن تجربتي الشخصية قد خفَّفت من طاقة الرفض والمُمانَعة لدي، هو خاض تجارب أصلاً مع ابنته آنا فرويد Anna Freud وثبت له أن فعلاً الإنسان فيه جوانب غير طبيعية وفيه هذه القدرات الباراسيكولوجية، هذا سيجموند فرويد Sigmund Freud فانتبه، فرويد Freud قال لم أقدر على هذا، التجربة الشخصية فرضت علىّ أشياء فتراجعت قليلاً، ولك أن تتخيَّل هذا.
تحدَّثنا عن جوزيف راين Joseph Rhine في جامعة ديوك Duke بأمريكا، جوزيف راين Joseph Rhine هذا أكبر عالم في عصره تحدَّث عن هذا الموضوع بطريقة علمية، وكان يشتغل مع عالم النفس المشهور على مستوى العالم ويليام ماكدوجال William McDougall، ماكدوجال McDougall يُقال أنه أحد المُؤسِّسين الكبار لعلم النفس الغرزي الذي يُسمونه الغرضي، فماكدوجال McDougall اشتغل معه جوزيف راين Joseph Rhine، خمس وثمانين ألف تجربة قام بها جوزيف راين Joseph Rhine مع آخرين وبعد ذلك أعطانا النتيجة الإحصائية لها، وأنا سأُوضِّح لكم هذا بطريقة بسيطة لوجود مسائل رياضيات مُعقَّدة قليلاً ربما بالنسبة لأكثرنا، ما القضية يا إخواني؟ لو افترضنا – وهم افترضوا هذا وهذا ثبت – أن الصدفة عموماً في هذه القضايا ستعمل في حدود عشرين في المائة، أي واحد على خمسة، في أي نتيجة اختبارية تقع في هذه الحدود سوف نقول صدفة، هنا بالصدفة تقع، أي نتيجة تقع خارج هذه الحدود وتتعداها وتتجاوز إيجابياً هذه يُسمونها الاحتمال المُضاد للصدفة Odds Against Chance، هذا هو الاحتمال مُضاد للصدفة odds Against Chance تماماً، مثلما قلنا الزهر يقع على أي وجه بنسبة واحد على ستة، إذا ثبت أن أحدهم يقدر على أن يُوقِعه كل مرة على الوجه الذي يُريده فهذا أمر غير معقول، كأن يقول لهم أي وجه تُريدون؟ فيُقال له أربعة، ومن ثم يقع الزهر على الوجه المكتوب عليه أربعة، هذا غير معقول، ثم يقول لهم أي وجه تُريدون؟ فيُقال له ثلاثة، ومن ثم يقع الزهر على الوجه المكتوب عليه ثلاثة، ثم يقول لهم أي وجه تُريدون؟ فيُقال له اثنان، ومن ثم يقع الزهر على الوجه المكتوب عليه اثنان، كم يكون الاحتمال؟ يكون ستة على واحد، اقلب السدس فيُصبِح ستة على واحد، طبعاً لا يُوجَد أحد عنده هذه القدرة، أي أن يُخرِج في كل مرة الوجه الذي يُريده، وإلا ستة على واحد شيئ مُستحيل هذا، لكن هذا يُسمونه الاحتمال المُضاد للصدفة، ويُسمى بمقلوب الصدفة، ولذلك انتبهوا إلى أن في تجارب الساي بالنتائج الإحصائية بدل أن يكون عندنا عشرون إصابة صحيحة من مائة مُحاوَلة كان عندنا اثنان وعشرين من مائة، هو حاول مائة مرة، لو أصاب في عشرين مرة فهذا سوف يكون صدفة بنسبة عشرين في المائة، أي الخُمس، ومن ثم ليس عندنا أي مُشكِلة هنا، لكن الذي كان يثبَت في أكثر الأشياء أن هؤلاء المُختبَرين يُصيبون بنسبة اثنين وعشرين من مائة، وهنا قد تقول لي أن نسبة الاثنين والعشرين صدفة يا رجل، لكنها ليست صدفة، الآن بحسب علم الاحتمال الذي درس هذه المسائل – هذه علوم مُعقَّدة – يُوجَد قانون إسمه قانون الأعداد الكبيرة Large Number Law، كلما زاد عدد المُحاوَلات – بدل المائة يُوجَد ألف – يُصبِح الاحتمال المُقابِل للصدفة هائلاً جداً، من المُمكِن أن تُسميه احتمال الحدوث – مثلاً – مُقابِل كذا وكذا، فيكون – مثلاً -مائة لواحد أو ألف لواحد أو مليون لواحد أو بليون لواحد أو عشرة أس خمسة عشر لواحد أو عشرة أس ثلاثين لواحد أو عشرة أس خمسة وأربعين لواحد كما في بعض التجارب، وهذا شيئ مُستحيل لكن هذا يُمكِن إحصائياً، الذي يُحِب أن يتعمَّق يذهب ويدرس هذه المسائل لكي يفهم بالضبط ما الحاصل الآن، فنسبة اثنين وعشرين من مائة ليست قليلة، هل تعرفون لماذا؟ مُحاوَلتان صائباتان بشكل زائد ماذا يُشكِّلان؟ يُشكِّلان تقدماً يُساوي عشرة في المائة طبعاً، اثنان مُقابِل العشرين، فهما يُشكِّلان تقدماً يُساوي عشرة في المائة وهذا ليس بقليل، في تجارب جوزيف راين Joseph Rhine- في خمس وثمانين ألف تجربة – ثبت أنه بدل أن تكون الإصابة بنسبة عشرين من مائة كانت بنسبة ثمانية وعشرين في المائة، وهذا شيئ مُذهِل، التقدم هنا في الاحتمال المُضاد للصدفة ليس عشرة في المائة مثل اثنين وعشرين بدل عشرين في المائة وإنما بنسبة أربعين في المائة، ويُمكِن أن تحسب هذا، عندك عشرون وعندك ثمانية وعشرون، هذا يُساوي تماماً أربعين في المائة، ولذا تعجز الصدفة هنا عن تفسير هذا، هذا هو الشغل العلمي، لذلك – كما قلت لكم – هذا العلم مُعترَف به كعلم، وطبعاً هناك علماء نعرفهم ونحترمهم وهم علماء كبار سخروا من هذا العلم، مثل جون ويلر John Weller الذي مات وهو يسخر من هذا العلم، وقال هذا مُستحيل ولن أُصدِّقه، لا أسمح لنفسي أن أُصدِّقه، الرجل جُنَ جنونه الرجل لأنه لا يُريد هذا العلم، وطبعاً هذه قابلية كثير من الناس، عند الواحد منهم استعداد لأن يُنكِر كل ما لا يتواءم ولا يدخل في القالب، هذا يُسمونه المبدأ الهيلمهولتسي، نسبة إلى هيلمهولتس Helmholtz، هيلمهولتس Helmholtz كان يقول لن أُؤمِن به حتى وإن كان صحيحاً صادقاً، هذا يُسمونه تحيّز التكذيب Disconfirmation bias، تحيز التكذيب يعني أنني مُتحيِّز لكي أُكذِّب هذا الشيئ وإن كان بالدليل، وعلى كل حال هذه عقائد، انتبوها إلى أن الناس ليس عندها عقائد في الدين فقط بل عندهم عقائد في العلم أيضاً، يُوجَد أُناس دينهم الحقيقي هو العلم، الواحد منهم معبوده هو العلم والتجربة، هذا معبوده حقيقي، أي أنه إلهه، ولا يسمح بأي شراكة معه أو شراكة فيه، ويقول أنا ضد الإيمان وهو رجل إعتقادي Dogmatic، بطريقة دوجمائية يُفكِّر، وعلى كل حال هذا العلم علم إحصائي، لكن هناك أمرٌ غريب، بعض الناس يطلب دراسة الظواهر الخارقة بل يطلب دراسة الدين نفسه ودراسة عوالم الغيب وقضايا الإيمان بنفس المنطق الذي تُدرَس به قضايا الحس الواضحة المُباشِرة، يا سلام، ما هذه الفلسفة العجيبة؟ إذن ما معنى أن هذا غيب وهذا شهادة وأن هذه قضايا إيمان وهذه قضايا حس ولمس؟ يا أخي يُوجَد فرق كبير، لذلك عالم النفس السويسري الكبير فلاورنوي Flournoy أيضاً وضع مبدأين حين درس هذه الظواهر، قال عندي مبدآن، مبدأ إسمه مبدأ هاملت Hamlet، هل تعرفون هاملت Hamlet لشكسبير Shakespeare؟ قال فلاورنوي Flournoy مبدأ هاملت Hamlet عندي ينص على أن أي شيئ مُمكِن، لا تقل لي في العلم هذا مُستحيل علمياً، هذا خطأ، كل شيئ مُمكِن حتى وإن بدا لك لأول وهلة أنه غير مُمكِن أي علمياً تجريبياً، كل شيئ مُمكِن، مثل كلمة آرثر سي كلارك Arthur C. Clarke، وهذا كان المبدأ الأول، المبدأ الثاني هو مبدأ لا بلاس Laplace، نسبة إلى لا بلاس Laplace الفرنسي، ماذا يقول مبدأ لا بلاس Laplace؟ يقول ينبغي أن يتناسب الدليل مع غرابة الظاهرة، لذلك الظواهر غير المادية – كما قولنا – بحسب طبيعتها تكون نتائجها إحصائية، ليست نتائج إفرادية تعيينية وإنما نتائج إحصائية، فنحن نأتي ونختبر هذا الشخص – مثلاً كما قلنا – في مائة مرة أو مائتين مرة أو ألف أو ألفين، وكلما زادت الاختبارات يأتي دائماً احتمال مُضاد للصدفة، لا يُمكِن أن يُفسَّر بالصدفة، انتهى الأمر، يتعاظم جداً جداً – هذا قانون العدالة الكبيرة – كلما زادت عدد المُحاوَلات، يُصبِح من المُستحيل أن تُعوِّل على الصدفة، إذن تُوجَد ظاهرة، يُوجَد شيئ ثابت هنا شئنا أم أبينا.
أحد العلماء حتى لا أنسى حكى قصة لطيفة جداً وغريبة وقد فسَّرها، هذا العالم إسمه مارك أرك Mark Ark، مارك أرك Mark Ark يقول كنت أعالج مريضاً – كان يُعالِج شاباً صغيراً دون العشرين – وفجأة بالصدفة اكتشفت أن هذا الشاب يقرأ أفكاري، صُعِق هذا العالم، مع أنه عالم نفس، لم يكن عالماً في الباراسيكولوجي Parasicology، فهذا العالم استغرب وبدأ يهتم بملف هذا الشاب وجمع عنه معلومات وعن عائلته وعن تاريخه المرضي وبعد ذلك وصل إلى أن هذا الشاب أُصيب بهذا المرض حين كان في الخامسة من عمره، وفي جلسات تحليل واستماع سأله لماذا وما السبب وما إلى ذلك فقال له أول ما أذكر أذكر خلافاً حاداً نشب بين أمي وبين أبي حول التزامنية – Coincidence – التي أتى بها كارل جوستاف يونج Carl Gustav Jung، علماً بأن عندي خطبة عندها قبل سنتين أو ثلاثة عن التزامنية Coincidence، وطبعاً كلمة Coincidence بعض الناس يُترجِمها صدفة لكنها ليست صدفة، هذه إسمها التزامنية، أعمق من كلمة صدفة، وعلى كل حال صدَّق هذا الرجل ووضع يده على المفتاح، لماذا؟ في هذه الفترة بالضبط التي كان فيها الولد عمره خمس سنوات وحدثت هذه المُشكِلة كان الدكتور مارك أرك Mark Ark نفسه مُهتَماً حتى الذقن – غارقاً حتى ذقنه – في موضوع التزامنية، يقول حتى أنني كنت أُعطيها مُعظَم وقتي، ما علاقة هذا بهذا؟ ولماذا في المرحلة الآن من عمر الشاب يقرأ أفكاري؟ هذا شيئ غريب، ومع ذلك يُقال لا يُوجَد باراسيكولوجي Parasicology، وهذا غير صحيح، هناك أشياء خارقة وأشياء لا تُفسَّر بالطريقة المادية العادية الحسية، ثم التقى بعد ذلك مارك أرك Mark Ark مع والد الطفل ليُفاجأ بأن والد الطفل يأتيه بالبينة، قال له أنه هجر الأسرة وهجر الطفل قبل أن يبلغ الطفل الخامسة من عمره، وليُفاجأ أيضاً أن الأب لم يسمع في حياته حتى باسم الدكتور يونج Jung، لا يعرف شيئاً عن التزامنية – Coincidence – ولا عن كارل چوستاف يونج Carl Gustav Jung، فما القصة إذن؟ ما الذي حصل؟ شيئ لا يكاد يُصدَّق، هذا شيئ مُذهِل، ينبغي أن نُجاوِب عن سؤالنا وعن علاقة السيولوجي Siology بالنبوة وعن قضية جبريل والزمان والمكان والوقت وكل هذه القصة، هذا كله يُوجَد عنه جوابات، تذكرون أنني ذكرت في الخُطبة السابقة أن علم الساي أو قوة أو ظاهرة الساي أو البسي PSI لا تخضع فيما يبدو لقيود الزمان والمكان، مُتحرِّرة من قيود الزمان والمكان، وبما أنها مُتحرِّرة من قيود الزمان والمكان فهى لا تخضع لمباديء الفيزياء التقليدية، وفي رأسها مبدأ المحلية Locality، وحتى مبدأ السببية – Causality – لا تخضع لها، ما رأيكم؟ ومبدأ الاتصالية – Continuity – لا تخضع لهن ومبدأ الحتمية – Determinism – لا تخضع له، ولذلك يُمكِن تفسير بهذه القوة – قوة الساي – كيف يمخر إنسان عُباب المُستقبَل ويأتينا بأخبار عن أشياء ستحدث بعد عشرين وثلاثين سنة، وتحدث كما أخبر بالضبط، هذا شيئ غير معقول، كيف هذا؟ عن أي مُستقبَل نتحدَّث؟ ما القصة هنا؟ وكذلك يُمكِن أن يعود إلى الماضي ويأتينا بأشياء من الماضي، وهذا إسمه Retrocognition، ما الذي يحدث الآن؟ كيف هذا؟ هذه الأشياء من المُفترَض أنها لم تحص فكيف رآها وأخبر عنها؟ أين مبدأ السببية؟ مبدأ السببية هنا لا يعمل، وليس هذا فحسب، حين تتواصل الأفكار – عقل مع عقل كما قلنا – فإن هنا لا يعمل قانون التربيع العكسي، بحسب قانون التربيع العكسي يجب أن يقل مفعول الموجات الكهرومغانطيسية وما في معناها كلما ازداد البُعد، أي كلما زادت المسافة، أليس كذلك؟ في ظواهر الساي هذا لا يحدث، يحدث بنفس الإلتماع والتألق والقوة دون أن يضعف، لا اعتبار للحواجز ولا للمكان ولا إلى الأبعاد، ويحدث آنياً أيضاً، من غير الزمن، ذهب مبدأ المحلية Locality، مبدأ المحلية انتُهِكَ وانتهى علمياً تجريبياً، ما الذي يحدث؟ ولذلك أنا الآن سأُعوِّل على عالم فيزيائي كبير كان يُعارِض هذه الأشياء وفي النهاية غيّرّ موقفه رغماً عنه، وهو كان يُعارِضها على أساس إشارة من صديقه الأثير وأستاذه إلى حد ما ألبرت أينشتاين Albert Einstein، هذا العالم هو ديفيد بوم David Bohm، ديفيد بوم David Bohm كان زميلاً وتلميذاَ لأينشتاين Einstein، أينشتاين Einstein قال له اثبت لي هذه المسائل غير المعقولة، وأينشتاين Einstein طبعاً مات وقد جُنَّ بسبب قضية ميكانيكا الكم والحديث عن العالم الإحصائي، قال لا يُمكِن أن يكون إحصائياً، ينبغي أن يكون أي شيئ تعييني واضح، كيف تقول أنه إحصائي؟ قال له الله لا يلعب بالنرد، كيف تقول أنه إحصائي؟ هذا غير موجود، كل شيئ لابد أن يكون مُحدَّداً، وقد تحدَّثنا عن كلام أينشتاين Einstein وعن المُتغير الخفي والتأثيرات الشبحية في الفراغ Spooky Action at a Distance، جاء ديفيد بوم David Bohm وأراد في الحقيقة أن يُعزِّز وجهة نظر أينشتاين Einstein لكنه عزَّز وجهة نظر مُخالِفة تماماً،وافترض أن هناك عالمين، واقرأوا نظرية ديفيد بوم David Bohm، هى مُعقَّدة جداً لكنها عجيبة وغريبة وجميلة، قال عندنا نظامان Two Orders، نظام ضمني Implicate، ونظام ظاهري Explicate، النظام الضمني ما هو؟ والنظام الظاهري ما هو؟ سوف نبدأ بالسهل طبعاً، قال النظام الظاهري هو النظام الذي نتعاطى معه الآن كعلماء عاديين وأُناس عاديين ونُدرِك العالم في حدود الأبعاد المعروفة وبالمنطق المعروف، منطق السببية والاتصالية والتعيين وما إلى ذلك دون أي مُشكِلة، أي العالم الخاص بنا كما نُدرِكه، هذا النظام إسمه النظام الظاهر أو النظام المُصرَّح أو الصريح، ثم تحدَّث عن النظام الضمني، فانظروا إلى هذه الفكرة العجيبة هنا، هؤلاء علماء ليسوا صوفية أو فلاسفة، هؤلاء علماء وهم من أكبر علماء العالم في تخصصاتهم، ماذا يقول بوم Bohm؟ يقول النظام الضمني Implicate يعني أن أي شيئ في الوجود يكون بموجبه ملفوفاً، كل شيئ مُلتَف على كل شئ، كأنه توحَّد، كأن الكون كله مُتوحِّد ومُلتَف على بعضه، لا يتميَّز بعضه من بعض، لا تُوجَد أبعاد زمنية ولا أبعاد مكانية، وبالتالي لا سببية، حين تفرد – الطي والنشر – لابد أن يكون السبب قبل الظاهرة أو المُسبَّب Effect، لابد أن تكون العلة قبل معلولها، لكن في النظام الضمني Implicate كله مُختلَط كالسلطة، الكل يدخل في بعضه البعض، هذا كلام بوم Bohm، وهو الآن يتقاطع ويتفق مع نظريات في تفسير الساي أو الباراسيكولوجي Parapsychology ومن ثم يتحدَّثون عن كيف يحصل هذا الشيئ وكيف يُنتهَك مبدأ المحلية ومبدأ السببية ومبدأ الاتصالية، فنرجع إلى الاتصالية وقضية التعالق Entanglement أو Verstrickung، كل هذا يُنتهَك، وعلى كل حال هذا تفسير.
أنا أعرف أن هذا الكلام يُعتبَر مُعقَّداً قليلاً، ليس مُهِماً من أجل أن نستعرض به ونُصدِّعكم – لا والله – لكنه مُهِم لأننا نُحاوِل فقط أن نُوصِل رسالة لأبنائنا الذين زلزلتهم الشكوك للأسف واغتالت إيمانهم اللاأدرية أو تشغيبات الإلحاد ونقول لهم المسألة أعمق مما يظن للأسف كثيرون منكم، المسألة عميقة جداً وتحتاج إلى تأني وتحتاج تواضع علمي، أجمل شيئ في العلم وفي العالِم أن يكون مُتواضِعاً علمياً، يبتعد عن اللغة الجزمية القطعية النهائية التي تُغلِق الأقواس وتُغلِق الأسئلة، اجعل على الأقل كل شيئ مفتوحاً، وكما قلنا اقرأ وادرس وناظر وانظر، أليس كذلك؟ أينشتاين Einstein حين حدَّثوه عن التعالق لم يقدر طبعاً على أن يستوعب الموضوع بالكامل ورفضه، وأجرى تجربه ذهنية – Mental – مع اثنين من العلماء هما بودولسكي Podolsky وروزن Rosen، وهذه يُسمونها حتى (EPR)، وهذه فيها كلام فارجعوا إليه، جاء بعد ذلك عالم أيرلندي وقال هذا جيد، أنا مُؤمِن بكلامك هذا، وأنت قدرت على أن تأتي بمُحاجة قوية تُثبِت فيها فكرتك في المُتغيِرات الخفية وأنه لا يُوجَد شيئ إسمه التعالق لأنك ضد التعالق وضد التشابك Verstrickung، علماً بأن هذا العالم الأيرلندي إسمه جون بيل John Bell، وهو عالم رياضيات كبير، مات وهو شاب تقريباً في الخمسين، لكنه كان عبقرياً رهيباً، والذين درسوا الفيزياء يعرفون مُبرهَنة بيل Bell’s Theorem، يُقال هى أعمق اكتشافات القرن العشرين على الإطلاق، طبعاً هى تابعة في النهاية للكم ولن أهشرحها الآن لأنها مُعقَّدة جداً وطويلة، تحتاج أقل شيئ إلى دقائق طويلة، لكن مُبرهَنة بيل Bell جاءت لتُثبِت عكس المُتوَقع، أنه فعلاً لابد أن يكون عندنا تأثير شبحي في الفراغ، الذي سخر منه أينشتاين أينشتاين Einstein سيُثبَت الآن، أثبته رياضياَ ثم ثبت تجريبياً، في سنة ألف وتسعمائة وأربع وستين عمل هذا وفي سنة ألف وسبعمائة واثني عشر أيضاً، وبعد ذلك ثبت عدة مرات فعلاً وجود تأثيرات شبحية في الفراغ، وهذا يعني أننا لابد أن نتأخَّر قليلاً ونُراجِع أنفسنا ونهز اليقين المُطلَق الخاص بنا في أن الإدراك العادي البدهي – Common Sense – للكون هو حاكم ومعيار صادق دائماً، هو غير صادق، الموقف الطبيعي غير صادق في أحيان كثيرة، ويبدو أنه العالم مُعقَّد وخفي وغامض ومُتلوِّن ومسحور أكثر مما نتخيَّل، ما أجمل الكلمة التي قالها الفيزيائي الكبير فيرنر هايزنبيرغ Werner Heisenberg، وهو أحد طبعاً رواد الكم أيضاً، ماذا قال فيرنر هايزنبيرغ Werner Heisenberg؟ قال ما تبدّى لنا بالدرس ليست الطبيعة بنفسها – لا تظن أن الطبيعة هى التي تُظهِر لك شيئاً – وإنما الطبيعة – أي الذي تبدّى لك – وفق ما يُطرح عليها من أسئلة، وهذه يُسمونها حتى فرضيات البحث، أليس كذلك؟ أنت افترضت هذا الشيئ وتصوَّرته ومن ثم هى ستستجيب لك في هذه الحدود، أنا سأتصوَّر شيئاً أوسع من هذا لأن أنا عندي – مثلاً – خيال خصيب – مثل هايزنبيرغ Heisenberg الذي كان عنده خيال غير طبيعي، ونظريته أوحى بها الخيال كما هو ذكر، ذكر هذا في كتابه الجزء والكل – فماذا سيحدث؟ سأجد الطبيعة بوجه آخر، سأفهم العالم بطريقة مُختلِفة تماماً، ولذلك أنا ذكرت لكم (EBR)، أينشتاين Einstein حين فعل هذا جاء نيلز بور Niels Bohr وقال مُشكِلة أينشتاين Einstein أنه صدَّق فعلاً أن هذين الجسمين اللذين بينهما تعالق فعلاً جسمين، إذن ما هما؟ هما جسمان طبعاً، وأنت تقول أنهما جسمان، قال له هما جسمان إذا نظرنا إليهما من عالمنا هذا الذي هو ذو أبعاد فضائية ثلاثة ومن ثم سنراهما جسمين، وسنرى أن بينهما فعلاً تعالق حقيقي وتآثر آني يخترق مبدأ المحلية، إذن ماذا تقترح يا بور Bohr؟ قال أنا أقترح – انظروا إلى خيال العجيب، ولا أكبر صوفي يُفكِّر بهذه الطريقة، ولا أكبر شاعر يُفكِّر هكذا – أن الجسمين هما جسم واحد – الجسم نفسه – لكن لا يُمكِن أن تفهم أنهما جسمٌ واحد إلا من خلال منظور سداسي الأبعاد، تفضَّل إذن، هل نحن فهمنا الثلاثي حتى نفهم السداسي والرباعي والخماسي؟ ما هذه القصة؟ وهذه رياضيات طبعاً، قال أنت من خلال من خلال مُقارَبة تعتمد منظوراً سداسي الأبعاد لعالم سداسي الأبعاد سوف ترى بسهولة – وقد أثبتها رياضياً – أن هذين الجسمين هما جسم واحد في النهاية، وهذا يعني أن الوعي الخاص بنا وطريقة تركيب مخنا وطريقة الفلسفة الحاكمة عندنا وطريقة فهمنا للأمور تُؤثِّر حتى في كيف يظهر لنا العالم طبعاً، ولا تظنوا أنه الذي يظهر فعلاً، وهذا ما أنكره كانط Kant تماماً، ولذلك الآن تعال لأي أحد مادي يعيش على أفكار لينين Lenin وستالين Stalin وإنجلزEngels – أي أنه مادي واثق من المادة – وقل له يا رجل قد جرى في النهر ماءٌ كثير، أين هى المادة أصلاً؟ من قديم صلينا عليها الجنازة وماتت وتعفَّنت، أين المادة أصلاً؟ المادة أصبحت أسطورة، شيئ من الماضي، الفيلسوف الإنجليزي الكبير ودارس الفيزياء والرياضياتي الكبير طبعاً برتراند راسل Bertrand Russell – هذا الرجل خطير ومعروف وهو فيلسوف عظيم – عنده كتاب إسمه تحليل المادة Analysis of Matter، هل تعرفون ماذا يقول فيه؟ يقول بالحرف وبالنص والفص كما يُقال ما الذي بقيَ من المادة؟ أنت تتحدَّث عن المادة – Matter – والكون المادي والتفسير المادي والعالم المُغلَق الميكانيكي الآلي، ما الذي بقيَ من المادة؟ قال بقيَ من المادة ضحكة السُخرية مِمَن لا يزالون يعتقدون أنها موجودة، قال هذا الذي بقيَ، مادة ماذا؟ ماذا تفهم يا راسل Russell؟ قال أنا بحسب ما درست الآن الفيزياء الحديثة أقول المادة مُجرَّد أحداث، هى أحداث وليست جواهر كما كنا نظن، هى أحداث عقلية أيضاً، مُجرَّد أحداث يرتبط بعضها ببعض بقوانين سببية يكشف عنها علم الفيزياء المُعاصِر، فقط هذا هو، أحداث مُتغيرة، بمقدار ما تختلف القوانين تختلف طبيعة هذا الشيئ المسحورة، ومن ثم هذا أصبح عالماً مِن العقل، فالعقل له دورٌ كبير، لذلك نحن لسنا مُجرَّد مُراقِبين، نحن مُشارِكون كما قال جون ويلر John Weller، قال لسنا مُراقِبين فقط، بل نحن مُشارِكون، وطبعاً أنت لا تُشارِك في إبداع الكون حقيقةً أبداً، إنما تُشارِك في إبداع صورة الكون أمامك، أمام عقلك وأمام عينيك تُشارِك فعلاً، وكل مرة تُبدِع صورة جديدة، ولذلك علينا أن نتواضع وأن نتراجع.
لابد أن نختم الآن، ما علاقة الساي بالنبوة؟ كيف يُمكِن أن نُفسِّر ظاهرة جبريل وما إلى ذلك بهذه الظواهر؟ نحن قلنا الجواب، ومن ثم هذه عملية سهلة جداً، ليس شرطاً بالمرة أن يخضع جبريل لمبدأ المحلية، هذا غير لازم، لو تعاملت معه مثل أي شيئ مادي كالذي يُسخَر منه في رأي راسل Russell سوف تقع في مُعضِلات – dilemmas – ومُفارَقات كبيرة، لو تعاملت معه من خلال بعض مباديء الكم ومن خلال علم الساي والسيولوجي Siology سوف تقول يُمكِن أن يغدو ويروح في لا زمان، ولن تقول سيحتاج إلى خمسة عشر مليار أو عشرين مليار سنة، هذا كله بحسب الساي لا يشتغل، أليس كذلك؟ هذا كله لا يشتغل، ومن هنا يكتب العالم الذي أخذ نوبل Nobel مرتين في الفسيولوجي Physiology والطب ألكسيس كاريل Alexis Carrel – طبعاً العرب يعرفونه جيداً، من ستين سنة تُرجِم كتابه الأعظم إسمه الإنسان ذلك المجهول Man, the Unknown، هذا أحسن كتاب له، فكتاب الإنسان ذلك المجهول مُترجَم من ستين سنة عند العرب، ماهر شفيق فريد ترجمه – إن اعتقاد انحصار الإنسان في الزمان والمكان ليس أكثر من مُجرَّد فرضية، قال هذه فرضية، الإنسان ليس كذلك، الإنسان فيه أشياء – لن نقول فيه مُكوِّنات أو فيه جواهر وإنما فيه أشياء – مُعيَّنة بل حتى فيه معنى مُعيَّن يتعالى على الزمان والمكان، لا يخضع لقيود الزمان والمكان، بقيت نُقطة بسيطة جداً في مفهوم النبوة وعلاقتها بهذه القضايا، لكن أُرجئها إلى الخُطبة الثانية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
تعرفون القصة المشهورة أيها الإخوان – سواء صدقت أم لم تصدق الآية موجودة مُتواتِرة بفضل الله والمعنى لائح وواضح – التي تقول أن النبي سُئل عن ثلاثة مسائل فقال لهم غداً أُخبركم، فراث عليه الوحي، واختُلِفَ في مُدة تخلف الوحي أو تأخر الوحي، وأنزل الله – تبارك وتعالى – وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ ۩، وذلك في سورة الكهف، هذه الآية وهذه الحادثة ومثل هذه الآية عشرات الآيات فضلاً عن كل الآيات التي تُؤكِّد أن النبي مُجرَّد بشر يُوحى إليه – إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ ۩ – هى آيات تُؤكِد معنىً كم هو واضح وكم هو مُهِم وعميق جداً، وهو أن النبوة ليست استحاءً بل هى وحيٌ، فرق كبير بين استيحاء ووحي، ولذلك انتبهوا الآن تماماً، النبوة ليست استيحاءً، وطبعاً الآن لا يُوجَد نبي – يهمني أن أحكي هذا الكلام لأنه مُهِم جداً – لكي نُجيب للأسف عن شبابنا أيضاً حيث يتصل بي بعضهم ويسألون عن الاستيحاء، وأنا أستغرب يا إخواني، لأن يجب أن يكون عندنا عقلية تركيبية تُفكِّر وتربط الأشياء ببعضها، يقولون أن النبوة قوة خيال مثلما قال باروخ سبينوزا Baruch Spinoza ومحمد عبده حتى للأسف الشديد والسير السيد أحمد خان Sir Syed Ahmad Khan في الهند، لكن هذا غير صحيح يا رجل، يا أخي النبوة اصطفاء إلهي، وهى وحي وليست استيحاءً، بمعنى أن جوهر النبوة هو اصطفائي وهبي وليس كسبياً في النهاية، لا يقدر أحد على أن يجعل نفسه نبياً، هذا يستحيل، إذا الغيب لم يختره لكي يكون نبياً لن يكون – والله – نبياً، عندنا برهان نحن المُسلِمين – بفضل الله – من أجمل ما يكون ومن أقوى ما يكون فأين نحن منه؟ قال الله مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۩، قال الله نحن سكَّرنا هذا الباب وانتهى الأمر، لن نبعث نبياً بعد اليوم، قل لي بالله عليك هل بعد ألف وأربعمائة وخمس وثلاثين سنة جاء نبي بعد محمد وقدر على أن يُثبِت أنه نبي؟ جاء مُتنبِّئون كذبة ومن ثم أصبحوا مسخرة، مسخرة للزمان وللناس طبعاً، هم على طراز مُسيلمة وأمثال مُسيلمة، هذا كلام فارغ، أنا أُريد نبياً مثل موسى وعيسى ومحمد فيكون رابعهم، لكن هذا غير موجود ولا يُمكِن أن يحصل، وهذا يُؤكِّد لك أن النبوة في النهاية وهبية وليست كسبية، وجوهر النبوة – كما قلت لكم – ليس استيحائياً بل وحياني، هو وحياني، أي جوهر وحياني، قال الله قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ ۩، وانتبهوا إلى أنهما ليسا مُتماثلين، فرق كبير جداً بينهما، النبي حين يستوحي قد يُوحى إليه وقد لا يُوحى إليه، أليس كذلك؟ من المُمكِن أن يدعو ويُستجاب إليه ومن المُمكِن ألا يُستجاب إليه، أليس كذلك؟ هناك أشياء النبي طلبها والله قال له لن نُعطيك إياها، ولذا قال فمنعنيها، والنبي فهم منطق النبوة من أول أيامه في مكة، قالوا له اعمل لنا كذا أو كذا أو كذا أو كذا أو كذا أو كذا، الله قال له قُلْ – نحن نُعلِّمك قوانين النبوة فتعلَّم – سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ۩، ميزتي في هذه الرسالة الوحيانية، وما هو جوهر هذه الرسالة؟ أنها وحي وليست استيحاء، لست أنت مَن يطلب فيحدث، لكن الذي نفرضه عليك ونبعثه لك أنت لا تقدر على ألا تتلقاه، ستتلاقاه رغماً عنك، فالنبي لا يستطيع ألا يتلقى وحي السماء، عندما يأتيه الوحي لابد أن يتلقاه رغماً عنه، ولذلك حين يكون على ناقة تبرك فيه الناقة، يكون جالساً فتثقل عليه المسألة جداً ويشعر الآخرون بأنه ثَقُلَ عليه وصار في حالة عجيبة غريبة، فهو لا يقدر ألا يتلقاه، لكن حين يستوحي من المُمكِن أن يُستجاب له ومن المُمكِن ألا يٌستجاب له، هذه مسألة مُهِمة جداً لكي نعرف بعض معايير اختبار صدقية النبوة، ونحن إلى الآن ما زلنا في البدايات، هذه بدايات الموضوع، ونحن نحتاج إلى أن ندرس الموضوع علمياً، أي بطريقة علمية دقيقة، لكن هذه بدايات الموضوع، التمييز بين النبوة كوحي والنبوة كاستيحاء مُهِم جداً لاختبار صدقية النبوة، وسأربط لكم الموضوع وأختم بهذا.
يُقال – العلماء الذين أرَّخوا للظواهر الخارقة قالوا هذا حسبما اعتقدوا – أن أول مُحاوَلة علمية لاختبار ولتجريب هذه القدرات الخارقة كانت على يد ملك ليديا Lydia في روما Roma الآن كروسيوس Croesus، كروسيوس Croesus هبت في رأسه فكرة أن يغزو الإمبراطورية الفارسية، قال سوف نغزو الإمبراطورية الفارسية Persian Empire، لكنه يحتاج إلى أن يعلم رأي الكُهان، بعث جماعته فأوتيَ بأعظم وأشهر سبعة كُهان في الإمبراطورية، وكان من بينهم كاهنة معبد دلفي Delphi في اليونان، معبد دلفي Delphi المكتوب عليه كما تعرفون بإسم سقراط Socrates اعرف نفسك بنفسك، فجاء هؤلاء السبعة وبعث كروسيوس Croesus ملك ليديا Lydia مع كل كاهن منهم وكاهنة ثلاثة جنود وأمرهم أن يتوجَّه كل منهم – كل مجموعة – إلى جهة مُختلِفة وأن يواصِلوا السير مائة يوم كاملة إلى أماكن بعيدة جداً جداً في آخر العالم، قال أنتم معكم وسائل تقييد وختم لتُشمِّعوا به الجواب، في اليوم المائة قفوا عند الظهر واسألوا الكاهن – كلٌ منكم يسأل الكاهن – ماذا يفعل كروسيوس Croesus الآن؟ هيا تنبَّأ لي، هذه معركة كبيرة من المُمكِن أن ينتهي فيها كل شيئ، ثم قال لهم وبعد ذلك تكتبوا الجواب وتختموه بالختم الأحمر، ثم ترجعوا لي بعد مائة يوم أُخرى لكي نرى ما سيحصل، أي أن القصة اقتربت من ثُلثي سنة، العجيب أنهم رجعوا فعلاً بعد هذه الرحلة العجيبة، أربعة منهم كانت إصابتهم جزئية، قدروا على أن يعرفوا قليلاً، اثنان منهم أخطأوا تماماً، واحدة منهم وهى كاهنة معبد دلفي Delphi عرفت بطريقة خارقة تماماً ما حصل، ما الذي حصل؟ في تلك الساعة من الظهيرة أتى الملك كروسيوس Croesus بقدر برونزية – من البرونز – ووضع فيها ماءً وأوقد عيلها ناراً حتى إذا غلى الماء وفار وضع لحم فخذ حمل – خروف أو شاه – ووضع سُلحفاة وأغلق القدر، هذا هو فقط، كاهنة معبد دلفي Delphi ذكرت هذا تماماً، قالت أنا أرى قدر برونزية فيها كذا وكذا وكذا وأشم رائحة السُلحفاة، انبسط الملك، هذا المطلوب بنسبة مائة في المائة، قال لها أنا عندي نية في غزو بلاد فارس، فما رأيك؟ تنبأي لي، تكهني لي، قالت له إمبراطورية عظيمة ستُدمَّر، قال جيد ثم ذهب لكي يغزوها، دُمِّرَ بالكامل، دُمِّرَ جيشه وأُهين بطريقة كبيرة، فرجع غضبان منها، وهى تتكلَّم بقدر في الرسائل، قال لها ماذا فعلتي بي؟ قالت كان ينبغي عليك أن تسأل أي الإمبراطوريتين ستُدمَّر؟ أنت لم تسأل، أنا قلت إمبراطورية عظيمة ستُدمَّر، وطبعاً من المُمكِن أن تكون صادقة، ومن المُمكِن أن تكون هذه حيلة ذكية منها ومن ثم أخرجت هذا الكلام لكي يكون عندها خط رجعة كما نقول، لكن حدث خطأ هنا وعلماء الباراسيكولوجي Parapsychology والسيولوجي Siology اليوم كشفوا عنه، هل تعرفوا ما هو؟ ما الذي حصل؟ هذه الكاهنة كانت نابغة في ماذا؟ ما هو موضوع الاختبار؟ ما الذي اختُبِرَ من قدراتها؟ الذي اختُبِرَ نوع من الاستشفاف، نوع من الجلاء البصري أو السمعي أو الشمي، أليس كذلك؟ هى شمت شيئاً على بُعد مائة يوم ورأت شيئاً – من المُمكِن أن ترى أمامها هذا تماماً – وسمعت صوت الماء وهى تفور، هذه كلها أمور تتعلَّق بالاستشفاف السمعي Clairaudience والاستشفاف بصري Clairvoyance وليس عندنا أي مُشكِلة معها، لكن ما علاقة هذا بالتنبؤ للمُستقبَل Precognition؟ أخطأت أنت يا كروسيوس Croesus وهى أخطأت أيضاً والكل أخطأ، لذلك اليوم من قواعد علم الساي أنك لابد أن تُفرِّق بين موضوعات هذه القدرات، هل أنت تتكلَّم عن ساي جاما Psi-Gamma أم عن ساي كابا Psi-Kappa؟ عن ساي جاما Psi-Gamma، من الساي جاما Psi-Gamma تتكلَّم عن ماذا؟ هل تتكلَّم عن هذا أم هذا أم هذا؟ في بلادنا يُوجَد أناس يستخدمون الـ Psychometry، ما المقصود بالـ Psychometry؟ في الأفلام المصرية يُقال ائتني بأثره، ومن أثره – خاصة الملابس الداخلية – تقدر على أن تعرف أشياء مُعيَّنة – سبحان الله – وتقرأ أشياء مُعيَّنة بهذا الأثر الذي قد يكون قلماً أو أي شيئ منه، هذا إسمه الـ Psychometry، هذه كلها قدرات مُختلِفة، لذلك في النبوة نحن نُميِّز بين النبوة كوحي والنبوة كاستيحاء، هذه تعمل بقوانين، وهذه لها قوانين مُختلِفة وأكثر انضباطاً، وعلى كل حال الموضوع طويل، إذا خرجنا وتحصَّل لنا من هاتين الخُطبتين المُرهِقتين الطويلتين فقط فكرة أن الموضوع جدير أن يُقارَب بطريقة جديدة وبمُقارَبة علمية بهذا المنطق أو غير هذا المنطق أو قريب من هذا المنطق وألا يُبَت فيه على نحو سريع بأن النبوات شيئ من الماضي وخرافات وكلام فارغ فهذا سوف يكون مكسباً كبيراً لنا.
اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا 21/02/2014
أضف تعليق