إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ۩ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ۩ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ۩ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ۩ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ۩ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ۩ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ۩ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ۩ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ۩ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ۩ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
ما الحكاية؟ أرضٌ وسماواتُ، ليلٌ ونهارُ، أزواجٌ (ذكورٌوإناثٌ)، منامٌ ويقظةٌ، ألسنةٌ وألوانٌ، دنيا وآخرة أو عمارةٌ وقيامةٌ، عمارةٌ لهذا العالم وقيامةٌ له، بدءٌ وإعادةٌ، خوفٌ وطمعٌ، إلى آخر هذا السياق الجليل، فما الحكاية؟ الحكاية أن الكلمة المفتاح لهذا السياق الكريم الجليل هى الاختلاف والتنوع كآية بل كآيات دالات على الله تبارك وتعالى، قال الله إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ… لَآياتٍ… لَآياتٍ… لَآياتٍ… وقال أيضاً وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ ۩، آيات هذا الحشد المُترامي المُتآزر من الدلائل الآيوية، والدلائل الآيوية على الله – تبارك وتعالى – تعمل في اتجاهين، في اتجاه التدليل على وجود الحق لا إله إلا هو، لكنها تعمل أيضاً في اتجاه التدليل على صفات هذا الحق لا إله إلا هو، هذه الصفات التي تُنتَزع وتُستَل ويُستدَل عليها بالتأمل وغلغلة النظر وإمعانه في موضوع الآية، قال الله مِنْ آيَاتِهِ ۩ كذا وكذا، فهذا يدل على الصفة الكذائية من أوصافه لا إله إلا هو، هذه طريقة القرآن في الاستدلال، طريقة عجيبة ومُحكَمة وقوية ومتينة وماضية لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ۩، هذه الدلائل الآيوية التي كلمتها المفتاح وعنوانها الاختلاف والتنوع والتباين والتعدد تدل على أن الله – تبارك وتعالى – تجلى ويتجلى وقضى بأن يتجلى لعباده عبر وحدته في ذاته وأسمائه وصفاته وعبر تعدد مخلوقاته، الوحدة فقط له هو، لا توحيد إلا لله فقط، ليس في باب الألوهية أو الألوهة – أن لا إله إلا الله فقط – بل في كل شيئ، هو الواحد فقط، ولذلك ليس لدينا نبيٌ واحد، فالأنبياء سلسلة، قال الله إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ ۩، إذن هذه سلسلة، لا نبي واحد، لا يُوجَد زعيم واحد، يقولون لك الزعيم الأوحد وهذه وثنية، هذه وثنية سياسية، لا يُوجَد مُفكَّر وحيد أو أوحد، هذه وثنية فكرية وفلسفية، لا يُوجَد عالم أو صالح أو قائد أو زعيم أو مُلهِم أو أي شيئ واحد، كله مُتعدِّد ومُختلِف ومُتباين وكثير جداً في تعدده واختلافه وتبايناته، الواحدية والآحادية لصاحبها ذي الجلال لا إله إلا هو، كل من أخطأ هذا المعنى تنظيراً وتطبيقاً ومُمارَسةً وقع في باب من أبواب الوثنية، فالمُتعصِّبون المُتحمِّسون وربما عن حُسن نية الذين يريدون أن يُنمِّطوا العالم فيصبغوه بصبغة واحدة ويلونوه بلون واحد ويديِّنوه بدين واحد – الإسلام مثلاً – هم وثنيون، هؤلاء ليسوا أقرب إلى الله ولا أكثر تعبداً ولا أكثر معرفةً بالله، على العكس تماماً، إنهم بُعداء من معرفة الله، أبعد ما يكونون عن أن يعرفوا الله حقاً، هؤلاء وهم يُحاوِلون أن يرغموا العالم وأن يصبوه في قالب التوحيد لله يُمارِسون الوثنية، وهذه مُفارَقة قرآنية عجيبة، إن صح هذا الفهم وهذا الاستنباط من كتاب الله فهذا عجيب ٌجداً وهو صحيحٌ بلا ريب، لأن هذا الكتاب هو الذي أخبر وقرَّر وأكد بأن الله – تبارك وتعالى – ما خلقنا إلا لنختلف، قال الله وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ۩، لأن أحد من هؤلاء التنميطيين التوحيديين الوثنيين – هذا توحيد وثنية وليس توحيد إلهية – قد يخطر على بال منه فيقول نعم هو لذلك خلقهم ولكن نحن غير مُلزَمين بأن نسير مع الإرادة التكوينية للرب لا إله إلا هو، هذه إرادة تكوينية، نحن نُريد أن نُنمِّط العالم وأن نُديِّنه بدين واحد ونعبده لله بمعتقد واحد مُتابَعةً لما نفهم من الشرع والإرادة التشريعية، رد الله عليهم وأكذبهم وخطّأهم بقوله وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۩، أنت ستفشل، الله يقول لك أنك تُحاوِل المُستحيل، أنت تُعانِدني، أنا خلقت هذا وأُريد استبقاءه، التأمل في الفطرة البشرية، والتأمل في الأحوال البشرية وفي الشأن الإنساني والتأمل فيّ كفرد وفيكَ وفيها يُعطي هذا، كل منا فليتأمل في نفسه ومن ثم سوف يُدرِك أن هذا التقرير الإلهي لهذه السنة الكونية ومُجاراة التشريعي للكوني فيه يتواءم تماماً ويتسق ويلتئم بالفطرة الإنسانية، كما قلت لكم غير مرة يا أحبابي – إخواني وأخواتي – الإنسان يختلف حتى مع نفسه، الإنسان من فترة إلى فترة ومن زمن إلى زمن يختلف، وطبعاً هذا الإنسان الحي، فأنا لا أتحدَّث عن الأموات، وأكثر الناس أموات لا يتطوَّرون ولا يتغيَّرون مثل قطع الحجارة، يتعلَّم الواحد منهم كلمات وهو صغير ويبقى عليها إلى أن يلقى الله، هذا ميت ونحن لا نتحدَّث عن الموتى، وإنما نتحدَّث عن البشر الأحياء الذين كما تنمو جسومهم وكما تستدعي هذه الجسوم أغذيةً مُتصِلة ومُتنوعة مثل الفيتامينات – Vitamins – والكربوهيدرات – Carbohydrates – والبروتينات – Proteins – وغيرهم أيضاً تنمو عقولهم ونفوسهم وأرواحهم وتستدعي أغذيةً مُختلِفة وألواناً من الثقافة والمعرفة العلمية والأدبية والفلسفية، لأنهم بشر وهذا مقتضى الروح ومقتضى البشرية، أن يُلوِّن الإنسان وأن يُعدِّد أغذيته والمواد التي يعتمدها روحاً وبدناً أو نفساً وبدناً، وعلى كل حال هؤلاء الأموات لن يفهموا للأسف هذه الحقيقة، أما الأحياء فيفهمونها تماماً من خلال تجربتهم الفردية، أتناقض مع نفسي من فترة إلى فترة ومن حقبة إلى حقبة ومن دور إلى دور بحسب نموي العقلي والفكري والثقافي، إذن خُطة التنميط والتوحيد والقولبة وصياغة البشر في قالب واحد خُطة غبية وهى مُستحيلة ولا يمكن أن تتم ولا يتأتى لها أن تتم إلا بذبح البشر، ولذلك كما حدَّثتكم غير مرة كل الهواجس المجنونة للشموليين الكُليانيين عبر التاريخ الذين أرادو أن يُوحِّدوا ويُنمِّطوا العالم انتهت بمجازر مُروِّعة، تم ذبح عشرات الملايين من البشر، لا أتحدَّث عن عشرات الألوف ولا عن مئات الألوف وإنما عن عشرات الملايين، أقرب الأمثلة ماذا فعل ماو تسي تونغ Mao Tse-tung – الثورة الثقافية كما يقولون – في الصين؟ ذهب الملايين من البشر لإرادة التوحيد والتنميط والإلجاء إلى خطة فكرية واحدة وإلى مسار فكري موحد، ماذا فعل ستالين Stalin في الاتحاد السوفيتي السابق؟ وأمثال هؤلاء ليسوا قليلين، دائماً تنتهي بالمجزرة وتنتهي بالمذبحة، الحمد لله العالم اليوم انتهى إلى قناعات تُعتبَر مُتطوِّرة وراقية جداً، وأنا أتحدَّث عن العالم الغربي بالذات، هناك قناعات راقية جداً بل من أرقى ما يكون، وهذا يُذكِّرنا بقول الله – تبارك وتعالى – رداً على الملائكة إذ استفصلوه، تقول الآية الكريمة أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ – ماذا قال؟ – قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ۩،
بحسب الدراسات المُتخصَّصة فإن ثلاثة أرباع الصراعات والنزاعات بين البشر لها أصول ثقافية وفكرية، أين السياسة والمصالح؟ موجودة لكنها ليست الأكثر، ثلاثة أرباع الصراعات والنزاعات بين البشر ذات أصول فكرية وثقافية، بسبب أنك تختلف عني لغةً وديناً وثقافةً ومعتقداً وعرقاً أحياناً أيضاً أنا أذبحك وأنت تذبحني، لا وجود ولا مكان لعرقين، عرقٌ واحد فقط، وهو الدم النقي، لا وجود لدينين، دينٌ واحد فقط، وهو الدين الحق ومَن عداه الهلكى من أهل جهنم، وهكذا ثلاثة أرباع الصراعات لهذا السبب والعياذ بالله، لكن اليوم نحن نعيش في عالم يأخذنا ويجذبنا جذبة – يُحدِث لنا جذبة صوفية وجذبة روحية – بتنوعه الخلّاق الموزاييكي الجميل والساحر، أكثر من سبعة ملايير ومائتي مليون من البشر ونحن في ألفين وأربعة عشر، أكثر من سبعة ملايير ومائتي مليون – أكثر من سبعة ملايير وخمس المليار – من البشر يتوَّزعون على زهاء مائة وثمانين دولة هى الدول الأعضاء في الأمم المُتحِدة حول العالم، وتتوزَّعهم ألوف الجماعات الدينية والعرقية الإثنية واللغوية وإلى آخره، ألوف الجماعات، وهناك جماعات أصغر بكثير، بعض علماء الأنثروبولوجيا – Anthropology – والسوسيولوجيا – Sociology – حدَّدها بزهاء ستة آلاف جماعة، إذن لدينا هنا مائة وثمانون دولة وستة آلاف جماعة صغيرة عرقية ولغوية ودينية وأقوامية أو قومية وإلى آخره، ما معنى هذا؟ معنى هذا أنه تقريباً لا تكاد توجد دولة – توجد بعض الدول وهى استثناءات بسيطة وليست استثناءات نقية مائة في المائة، لكن مُعظَم هذه الدول الأعضاء في الأمم المُتحِدة على هذا النحو – لا تتمتع بالتجانس الكلي، أي أن البشر في دولة ما – مثلاً – يقولون لغة واحدة وينتمون إلى عرق واحد ويتديّنون بدين واحد وهم على مذهب واحد وطائفة واحدة، هذا غير موجود على الإطلاق في مائة وثمانين دولة وستة آلاف جماعة صغيرة مما ذكرت لكم، ما معنى هذا؟ معنى هذا أن كل هذه الدول تغتني – المفروض أن تغتني على كل حال – بتنوعات مُذهلِة للجهات التي ذكرنا، جهة العرق واللغة والدين والأقومية وإلى آخره، ولذلك البشر في هذا الزمان استفادوا من تجربة التاريخ وتعلَّموا أن مُحاوَلات التوحيد والتنميط تبوء بالفشل دائماً وأننا شركاء على هذا الكوكب، ينبغي أن نُغني هذه الشراكة بالتعارف والتواصل والتثاقف وبالتسامح وبالتقبل وبالتفهم، ليس بالحروب وليس بالإلغاء وليس بالشطب على الآخرين،قال الله وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۩، الله يقول هذه آية تدل علىّ، أن البشر تختلف ألوانهم وبالتالي جزئياً تختلف أعراقهم، لكن هو الكتاب نفسه الذي قال أننا مخلوقون لأب وأم اثنين مُفرَدين وأننا مخلوقون من نفس واحدة خُلق منها زوجٌ لها ثم بُثثنا وأننا في نهاية المطاف بمن فينا أبونا وأمنا – آدم وحواء عليهم السلام – ننحدر من التراب، قال الله وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ۩، هناك انتشار في المعمورة، القرآن الذي قال هذا في الوقت ذاته قال هذا، ما معنى هذا؟ سنُجيب بُعيد قليل بإذن الله تبارك وتعالى.
العلماء للأسف يأسون الآن ويبكون على مصير هذا التنوع الذي يُعاني من دورة انقراض مأساوية دراماتيكية بحسب عالم اللغويات الشهير كين هيل Ken Hale، قبل نحو سبعين سنة فقط كان هذا الكوكب الأزرق الجميل معموراً بستة آلاف لغة، قال الله اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ ۩، هذه آية، هذا برهان آيوي، كان الكوكب معموراً بستة آلاف لسان، وما معنى ستة آلاف لسان؟ ستة آلاف ذاكرة، اللغة آخر شيئ يُقال عنها أنها مُجرَّد وعاء للفكر، لكن قبل ذلك هى مُلهِمة الفكر وهى طريق الفكر، أنت تُفكِّر باللغة، أنت تُفكِّر بالمُصطلَح الذي تُتيحه لك اللغة، هى تُحدِّد حتى مسار التفكير، اللغة مرآة للعقل ومرآة للروح، تجارب البشر عبر ألوف السنين وألوفها مع الطبيعة ومع الاجتماع البشري ضمن مُجتمَعاتهم الصغيرة المحصورة حفظتها لنا هذه الألسن وهذه اللغات، حتى في الثقافات الشفاهية غير المكتوبة ظل الشيوخ والعجائز – الرجال والنساء – الطاعنون في السن يُواصِلون سرد الحكايا وسرد القصص للأولاد والأحفاد باستمرار فتنتقل هذه الكنوز المعرفية، هذه الكنوز المُلخصّات للتجربة الإنسانية مع الطبيعة والإنسان تنتقل من جيل إلى جيل، فيا لها خسارة أن تزوي وأن تتلاشى وأن تضمحل ثم أن تنتقرض بعض هذه الألسن للأسف، هل تعلمون كم انقرض من هذه الستة آلاف اللسان في هذه السبعين سنة فقط؟ النصف، الآن بقيَ ثلاثة آلاف لسان، وفي الحقيقة أقل من ثلاثة آلاف، كل أسبوعين ينقرض لسان بحسب كين هيل Ken Hale، لماذا؟ لأن كل أسبوعين يُوجَد لدينا مُعمَّر، شيخ كبير هو آخر من ينطق باللسان الفلاني، حين يموت ينتهي اللسان، وهذه خسارة مأساوية للبشر، والعالم المُتقدِّم الآن والعالم المُتحضِّر يتنادى لوقف هذه المأساة، مأساة الانقراض للثقافات وللرؤى وللتبصرات وللإلهامات وللذاكرة الإنسانية وللذاكرة البشرية، كانت الراحلة الكبيرة من أشهر علماء الأناسة – الأنثروبولوجيا Anthropology – في القرن العشرين مارجريت ميد Margret Mead تُعبِّر عن مخاوفها في آخر حياتها من أن البشرية كما تحدس تتجه إلى التوحيد وهذا ما حصل، نحن في عصر العولمة، للأسف هذا غباء الساسة الذين يُريدون أن يُعولِموا العالم وفق نمط التنميط، للأسف الشديد ليس في الاقتصاد فحسب بل حتى في الثقافة والفكر، وكانت هى تحدس بهذا وتقول هذا أكبر مخاوفي، ما أحدس به أن هذا العالم يتجه إلى التوحيد، ليس توحيد الله وإنما توحيد الاجتماع وتوحيد الإنسان، وهذه وثنية، ليُصبِح بعضنا رباً لبعض وإلهاً لبعض، ويُصبِح هو الواحد والآخرون يُصبِحون لا اعتبار لهم كأنهم غير موجودين، لأن الإنسان لم يُخلَق ليكون عبداً للإنسان، خُلِقَ ليكون عبداً لله، فإذا أردت أن أكون عبداً كنت إلهاً زائفاً وأنا فقدت كيانيتي وفقدت وجودي أصلاً ولن تستفيد مني، هذا الذي يحصل، وكانت تُعبِّر عن هذه المخاوف الراحلة الكبيرة ميد Mead – مارجريت ميد Margret Mead – وتقول إن حدث هذا فما سيتلوه أو يعقبه ويترتب عليه ليس مُجرَّد أن تضيق رؤيتنا عن الخيال البشري الأوسع والأعمق لكي نراه فقط من منظار ضيق حصري بل – هذا سيحصل وأيضاً أعظم منه وأكرث منه سيحصل – أننا سنستفيق يوماً من حلم وقد فقدنا إمكان أن نرى أن هناك إمكانيات أخرى، لا تُوجَد إمكانيات أخرى وانتهى كل شيئ، نمط واحد للحياة وطريقة واحدة للحياة وطريقة واحدة للتفكير، هل تعرفون هذا يُؤذِن بماذا؟ بانقراض الإنسان، سينقرض الإنسان، لن يعيش هذا المُنمِّط الأوحد ويستفرد ويتخوَّل – يتخذ كل شيئ خولاً له – سائر العباد، كلا بل سينقرض.
قد تقول لي لماذا يا رجل تُهوِّم أنت وتتحدَّث عن الشرق والغرب والكبار ولا تتحدَّث عن نفسك؟ أنا في الحقيقة الذي دفعني أن أُرتِّب هذا الحديث وأن أُدلي به هو نفسي وليس الآخر، لماذا؟ لأن اليوم للأسف الشديد أكثر مَن يصدر عن هذا المنظور الواحدي التنميطي الحصري الغلقي والانغلاقي نحن، أي المُسلِمون، طبعاً ليس كل المُسلِمين وإنما طوائف من المُسلِمين وعقلية في المسلمين، وأنا أقول لكم كنبؤة – هذه ليست نبؤة أنبياء وإنما نبؤة فكر ونبؤة استشراف للمستقبل لأن النبوات انتهت -إذا لم يُلاحِق نموذج الخطاب المُنفتِح التواصلي والإنساني بميلاده وتناسله هذا النموذج الانغلاقي التنميطي والحصري فهذا يُؤذِن بتلاشي الإسلام نفسه، وطبعاً لست بحاجة أن أُذكِّر نفسي ولا أن أُطمئنكم بأن الإسلام لن ينقرض، هذا مستحيل طبعاً، كعقيدة دينية الإسلام لن ينقرض، وهذا ليس من باب التمجيد الواهم والتمجيد النفسي، حين تتأمل دستور الإسلام وهو القرآن الكريم تعلم أن هذا الدين لن ينقرض، وإنما سينقرض هؤلاء، صحيح قبل أن ينقرض هؤلاء قد يزوي الدين وينكمش ويضعف ويغترب لكنه لن ينقرض، بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً، غربته في بدايته القلة، حمله أفراد معدودون، نعم قد يعود أمره في الأخير إلى أن تنسلخ عنه هذه الأمة وهؤلاء الأبناء وهؤلاء البنات ويبقى لا يحمله إلا قلة منزورة مُستوحِشة تُتهم بالرجعية والتخلف والميتافيزيقية والما ورائية، اللهم اجعلنا من هذه القلة التي حفظت عليها إيمانها وتحفظ بها دوام هذا الدين، اللهم آمين، وفخرٌ لنا أن نكون من هذه القلة الرجعية المُستوحِشة، لكن ستبقى هذه القلة، لن تفنى هذه القلة، هذه ستكون النواة التي ينبعث منها الإسلام من جديد، والإسلام لا ينقرض، معذرةً إذن فنحن لا نقبل كل توصيف لمُستقبَل الإسلام النبؤي بأنه سينقرض، هذا كلام فارغ، الإسلام بالذات لن ينقرض، وحتماً هؤلاء سينقرضون، الانغلاقيون الحصريون حتماً سينغلقون ليس فكرياً وفلسلفياً بل حيوياً، قوانين العالم الذي نعيشه – القوانين الروحية الفكرية والنفسية والقوانين الحيوية والبيولوجية – تُؤكِّد أنهم سينقرضون، وهذه ستكون بقية الخُطبة وسأُثبت لكم كيف، لكن إذا كنا نأسى ونبكي أو نتباكى بعضنا من اللاأباليين على انقراض اللغات وبالتالي انقراض الذاكرات والمخزون الثري البشري فحريٌ بنا أن نتساءل ما الذي بعث وساعد وسرَّع من عملية انقراض هذه اللغات والثقافات؟ لماذا انقرضت أصلاً؟ حين تنقرض فهذه مأساة تُحزِننا وتُقبِضنا، لكن لماذا انقرضت؟ هذا هو السؤال، لماذا تنقرض؟ أسباب كثيرة لكن في رأسها واجعلوه على ذُكر منكم أنها مُنغلِقة غير تواصلية ولا تتعاطى مع الآخرين، هل آمنت أم كفرت؟ لا ندري، لكن واقعها يقول أنها لا تتعاطى مع الآخرين ولا تغتني بالتباين والتغاير والتلاقح، هى تكتفي بنفسها، ولذا حريٌ أن تنقرض، ولابد أن تنقرض.
في شمالي غرب الأمازون هناك قبيلة مشهورة دغدغت خيال علماء – الأنثروبولوجيا Anthropology – وأثارت إعجابهم جداً وهى قبيلة باراسانا Barasana، باراسانا Barasana قبيلة عجيبة تصدر في تقاليدها التزاوجية – أي في التزاوج – عن قاعدة عجيبة دعاها علماء الأناسة بقاعدة التباعد أو الأباعدية – Exogamy – اللغوية، أي Linguistic exogamy، ما معنى التباعدية اللغوية؟ سنشرح، قبيلة باراسانا Barasana تُحتِّم على كل مَن أراد أن يتزوَّج مِن أبنائها وبناتها أن يختار شريكاً آخراً لا يتكلَّم لغته وإنما يتكلَّم لغة أخرى، وهذا معنى التباعد اللغوي، ممنوع أن تتزوَّج بمَن يرطن بلغتك، هذا ممنوع عندهم، لماذا؟ كأنهم فهموا ما لا يفهمه الأغبياء والحصريون من الأمم التي تدعّي التقدم في الروحة والعلم والعقل إلى اليوم، عرفوا أن هذه الحصرية والاكتفائية والانغلاقية سبيل الانقراض، وهم أرادوا ألا ينقرضوا، وفعلاً يُقيمون هناك في شمالي غربي الأمازون من ألوف السنين ولا ينقرضوا ولن ينقرضوا، علماء الأناسة قالوا ندخل عليهم فنجد شيئاً من أجمل وأمتع ما يكون وهو غير موجود في العالم إلا في هذه القبيلة البسيطة، ولن نقول بدائية، كيف يُقال بدائية؟ هذه مُتقدِّمة جداً، هذه عندها فلسفة علمية، هذه عندها درس يتعلم منها البشر كلهم، المُسلِمون والمسيحيون النصارى واليهود والهندوس بل كل العالم ينبغي أن يتعلم من هذه القيلة المُتواضِعة، مبدأ التباعد أو الأباعدية – Exogamy – اللغوية، نحتاج أيضاً المُباعَدية الثقافية والفكرية والدينية، نُريد أن يحدث تلاقح، هذا المُراد وإلا تنقرض، ستنقرض حتماً كما تنقرض هذه اللغات، كل أسبوعين تنقرض واحدة، يقول العلماء ندخل عليهم فنجد في الكوخ أو في البيت المُتواضِع ستة أو سبعة أو ثمانية ألسن تتكلَّم والكل يفهم، تُوجَد ثماني لغات باستمرار، مبدأ لابد أن يُراعى، وهذا ذكاء طبعاً، هذا مبدأ ذكي جداً.
نأتي الآن إلى ما ندلل به على هذا المعنى بخصوص مَن يكتفي ويغتني بذاته فقط، يقولون حسبنا ديننا وحسبنا تراثنا وحسبنا كذا وكذا، اليوم – علماً بأنني قلت هذا مليون مرة – تهمةٌ أن تتكلَّم على هذا المنبر – مثلاً – وتذكر مثل هذا الذي أذكر، علماء طب وعلماء أنثروبولوجيا – Anthropology – وعلماء أديان وعلماء كذا وكذا، يقولون ما هذا الكلام الفارغ؟ ما موضع هذا الكلام على منبر رسول الله؟ حسبنا كتاب الله وسنة محمد، لا نريد شيئاً آخراً، ممتاز وستنقرض يا حبيبي، أنت مُنقرِض – أنت كائن مُنقرِض -الآن، أنت تنقرض وتعمل على أن تنقرض أمتك دون أن تدري، القرآن ليس هكذا بالمرة، القرآن يقول يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۩، ولم يقل هنا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ۩، هل تعرفون ما معنى أن القرآن يُخاطِب الناس ويتوجَّه إلى الناس؟ هو يعلم عن أكثر هؤلاء الناس غير مؤمن – وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ۩ – ولن يؤمن، والداعي مَن؟ لست أنا ولست أنت، الداعي كان محمداً عليه السلام، والله قال له أكثرهم لن يُؤمِن، لا تُمن نفسك بأن يتبعك أكثر هؤلاء لأنهم لن يفعلوا، ومع ذلك لم يُخلِهم القرآن من تثقيف ومن تربية ومن تعليم ومن التفات، إنه يلتفت إليهم، إنه يُخاطِبهم، إنه يحرص عليهم، بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ۩، هذا هو القرآن، قال الله يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۩، هذا أمرٌ عجيب، هل أنت تعلم أنهم لن يُؤمِنوا بدين واحد وبرب واحد ولن يتبعوا النبي؟ يقول طبعاً أعلم ولذلك خلقتهم، قال الله وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۩، وهذا لا يمنع أن يتعارفوا، طريقة هؤلاء أنه لا، بل أن يُذبحوا، يقول أحدهم إذا لم يتبع ديني لابد أن يُذبح، وأنا أقول له هذه طريقة وثنية كافرة بخُطة الله كوناً وشرعاً أيها الجاهل، مِن أي جحر خرجتم لنا ؟ مِن أي جحر مِن جحور الجهالة والغباء خرجتم لنا؟ القرآن لا يقول هذا، القرآن يقول يظلون مُختِلفين، والأكثر من هذا أنه يقول – بل هو قاله في الآية ذاته – هم إخوة، كلكم إخوة، الوثني والمُوحِّد واليهودي والمسيحي والبوذي والهندوسي والماركسي والمُلحِد شئتم أم أبيتم إخوة، لماذا؟ هذه الأُخوة ليست مقولة إنشائية، التشريع قال أنتم إخوة، هل يقول تعالوا نتآخي بين الناس مثلما آخى النبي بين المُهاجِرين والأنصار؟ غير صحيح، ليس هذا، هذه مقولة خبرية تُخبِر عن أُخوة حقيقية لجهة ماذا وبسبب ماذا؟ لجهة وحدة الأب والأم ووحدة الأصل، يقول النبي كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، فقطعاً نحن إخوة إذن، اختلفت أدياننا ولغاتنا و أعراقنا لكننا إخوة، الله يُذكِّرنا بهذه الإخوة دائماً، النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان لا يدع دبر كل صلاة – كما يقول في حديث عند أبي داوود وكان يقول هذا دائماً في صلاة الليل وهو يُخاطِب الله – أنا شهيدٌ أن العباد كلهم إخوة، لماذا تقول هذا يا محمد؟ صلى الله على محمد وآل محمد، لماذا تقول هذا دبر كل صلاة وفي صلاة الليل وتُشهِد الله على هذا؟ يقول له أنا وفيٌ يارب، أنا وفيٌ لرسالتك الكونية، لمنظورك الكوني أنا وفيٌ، لن أجفو هذا المنظور ولن أتعارض معه ولن أكذب عليه، وأنا أُقِر يارب أننا جميعاً إخوة، مُؤمِننا وكافرنا، قريبنا وبعيدنا، العدو والصديق، في نهاية المطاف إخوة، ألا يتعادى الإخوة؟ ألا يتكاره الإخوة؟ ومع ذلك يظلون إخوة رغماً عنهم، لأن دمهم واحد، الدم الذي يسري في شرايينهم وعروقهم واحد، وأنا أقول لكم الدم الذي يسري في شرايين البشر وعروقهم واحد، سلوا الآن علماء الوراثة الجُزيئية عن هذا، علماً بأن هذا تقريباً العلم رقم واحد في القرن الحادي والعشرين، العلوم كثيرة جداً لكن علم القرن الحادي والعشرين المُتصدِّر هو علم الأحياء الجُزيئي وما تفرَّع منه، علم الوراثيات الجُزيئية وما إلى ذلك، هذه علوم القرن الحادي والعشرين وهى رقم واحد الآن، هذا العلم العجيب والمُعجِب أثبت فعلاً – لم يُثبِت بطريقة فلسفية وبالاستنباط وبالإتيان بالنصوص، وإنما بطريقة الملموس، فهو يأخذ أصبعك ويضعه على الحقيقة وترى بعيني رأسك هذا – أن البشر كل البشر – هؤلاء السبعة ملايير فضلاً عن مائتي مليون – كلهم ينميهم أصل واحد وتجمعهم أرومة واحدة، هم ينتهون إلى أرومة واحدة وإلى جذر واحد وإلى منبت واحد، كل من ليس إفريقياً وبملامح إفريقية تامة – لماذا؟ لأن المهد كان إفريقيا، اتركوا الأفريقان الآن فالحديث عن كل مَن ليس إفريقياً وهو بملامح إفريقية تامة – سيكون من سكان أوراسيا مثلاً، سيكون من سكان آسيا أو أوروبا أو أستراليا أو الأمريكتين أو أياً كان، درس العلماء ألوف بل عشرات الألوف من هؤلاء، خذ أي إنسان من أي قارة وسوف تراه مُباشَرةً في نهاية المطاف قريباً للآخر، هما يعودان إلى أصل واحد، هذا الأصل يعود إلى ما قبل سبعين ألف سنة إلى فرع – Brunch – صغير وشريحة – Slice – ضعيف نحيف، فرع صغير خرج من الروّاد الشجعان الأوائل الطُلعة، كانوا طُلعة وخرجوا من إفريقيا ربما لغلبة الجفاف والتصحر عليها ووصلوا إلى شبه الجزيرة العربية ومنها انطلقوا إلى بقية العالم، إلى أوراسيا ثم إلى أوروبا ثم إلى سائر القارات من قبل سبعين ألف سنة، دراسة الجينات – Genes – تُثبِت هذا، التتابعات للحروف المُكوّدِنة للقواعد الأربعة كما يُقال في الـ Dna لكل واحد منا تُثبِت أننا كلنا نعود إلى هذه الجماعة اليسيرة منزورة العدد – ربما كانت بالمئات فقط – التي تحضَّرت وأتت مُهاجِرةً من إفريقيا، وفي نهاية المطاف هذه الجماعة خرجت من إفريقيا، إذن في النهاية الأبعد البشر كلهم جاءوا من إفريقيا، جاءوا من مكان واحد ومن نقطة واحدة، إذن صدق الله العظيم، قال الله مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ۩ وقال أيضاً وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ۩، هذه النظرية في هذا الانتشار – Spreading – أو النشر للبشر القرآن يعرضها بأجمل عبارة يقول وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ۩، أين خلقنا؟ واضح جينياً أنه خلقنا في إفريقيا، مهد الإنسان الأول – مهد آدم وحواء – سوف يكون في إفريقيا، وأي إنسان؟ الإنسان العاقل، نحن ننتمي إلى الإنسان العاقل، أي الهومو ساپيانس Homo sapiens، هذا وُجِدَ في إفريقيا، ما قبل ذلك هو موضوع بحث، لكن هذا هو، علم الجينات – Genes – يُؤكِّد هذا، هذا لم يعد فقط استنباطاً دينياً – كما قلت لكم – يُصنَّف تحت مقولة الخبر، أي من باب الخبر أننا إخوة وليس الإنشاء وليس القوننة والتشريع، هذا خبر وهذه حقيقة خبرية مثل أخي من أبي وأمي، نحن إخوة أيضاً من أب وأم وهما اثنين فقط، لسنا من مائتين أو من مليونين من الآباء والأمهات، نحن إخوة من اثنين فقط، والقرآن يُقرِّر هذا، والنبي دائماً كان يُكرِّره ويُبديء فيه ويُعيد، وهو أيضاً ضمن ما كرَّره وذكره وذكَّر به في حجة الوداع، أعني في خُطبة حجة الوداع، قال النبي الناس لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، أليس كذلك؟ لينتهين أقوام عن كذا وكذا، نحن نعرف هذا مُذ كنا صغاراً، هذه عظمة، ولذلك القرآن قال لِتَعَارَفُوا ۩، لأنكم إخوة ولابد أن يعود الإخوة ويلتقوا ويتعارفوا.
القرآن – ولن أُفيض في هذا لأنكم تعلمونه وسمعتم فيه الكثير وقرأتم فيه ربما الأكثر – أقام هذا التعارف وبرَّر لهذه الغاية النبيلة البعيدة ولهذا الهدف السامي الجليل بمجموعة من المُبرِّرات، وفي رأسها – كما قلت كلم – أولاً وحدة الأصل وثانياً الإخوة البشرية وثالثاً كرامة الآدمي، هل قال الله ولقد كرَّمنا المُسلِمين؟ هذا غلط يا عدنان، طبعاً هذا غلط، هل قال الله ولقد كرَّمنا من آمن؟ هذا غلط، قال الله وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ۩، ابن آدم مُكرَّم مُسلِماً كان أو غير مُسلِم ومُوحِّداً أم وثنياً أم بلا دين، ابن آدم مُكرَّم بعنوان آدميته، هو آدمي إذن هو مٌكرَّم، قطعاً هو مُكرَّم، ابن آدم عنده فضل واضح -أكرمكم الله – على القرود والثعابين والصراصير والذباب، واضح أنه مُكرَّم طبعاً، هذا ابن آدم، قال الله وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ۩، إذن التعارف يتأسَّس على ويتبرَّر بكرامة بني آدم وتكريم الآدميين، وهو تكريم إلهي، هو إلهي المصدر، وأيضاً يُحاط ويُشرَّط هذا التعارف بالأخلاقيات، وفي رأس الأخلاقيات العدل و الإنصاف، قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ۩ وقال أيضاً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ – هذا أمرٌ عجيب يا رب – إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ۩، لا تُحدِّثني بعدُ – بعد هذه الآية من سورة النساء – عن الطائفة، لتذهب الطائفة إلى الجحيم، لا تُحدِّثني عن المذهب، ليذهب المذهب إلى الجحيم، لا تُحدِّثني عن القوم، لا تُحدِّثني عن العرق، ليذهب العرق إلى الجحيم، الله يقول لي تشهد على نفسك، إذا الأمر أصبح حقاً أو باطلاً أصبح عدالة وينبغي أن تشهد على نفسك، تقول إذا وصل الأمر إلى هذا فأنا الذي أخطأت،هو لا يعلم وهو لا يستطيع أن يلحن بحجته ولا يستطيع أن يُعرِب عن حجته، خصمي أبله مُغفَّل وغلبان، لكن أنا سأعترف، أنا الذي أخطأت، أنا الذي بدأت.
إذن لا تُحدِّثني عن طائفة أو مذهب، طائفة ماذا؟ مذهب ماذا؟ أنا شهدت على نفسي يا أخي، هل أذبح العدالة من أجل مذهبي أو من أجل ديني أو من أجل طائفتي؟ هذا لا يُمكِن، الدين يتبرَّأ من هذا، قال الله أَوْ الْوَالِدَيْنِ ۩، قد يقول لي أحدكم أنا أُريد أن أعترف، لكن كيف أعترف على أبي؟ هل أقوده إلى السجن وإلى حبل المشنقة؟ إن كان قتل افعل طبعاً، قُده وأنت تبكي، قُده واستغفر له وتصدَّق على روحه حين يُقتَل قصاصاً إن لم يُعف عنه، هذا هو إذن، هكذا تكون اشتريته من الله، هكذا مهَّدت له طريقاً إلى الجنة، هو أبوك لكن الله قال أَوْ الْوَالِدَيْنِ ۩، يا أمة محمد سأقول لكم شيئاً، أُقسِم بعزة جلال الله حين أتأمل هذه الآيات وأُفكِّر فيها أشك أننا مُسلِمون، هل فعلاً نحن مُسلِمون يا أخي؟ ترى الواحد من المُسلِمين اليوم إلا ما رحم ربي وقليلٌ ما هم وأقسم بالله على هذا يُضحي بالعدالة وبالتقوى وبكل شيئ في سبيل أن ينصر حزبه أو جماعته أو طائفته، ليس نفسه فهو ينسى الله في سبيل نفسه إلا ما رحم ربي، ينسى كل شيئ في سبيل نفسه، لكنه في سبيل الحزب والجماعة والتنظيم والطائفة والمذهب والبلد وما إلى ذلك يُضحي ويكذب ويقود الآخرين إلى العار أو إلى النار أو إلى السجن والقتل والدمار، يا ويلك، أي مُسلِماً أنت؟ لأننا نخر على كتاب الله صماً وعمياناً، تقول الآية الكريمة وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ۩، نتلوه ونسمعه – والله العظيم – كأننا صمٌ وبٌكم وعميٌ، لا نفهم شيئاً ونريد من يُذكِّرنا بعظمة القرآن الأخلاقية، صار القرآن اليوم مسخرة على ألسنة الملاحدة والمهازيل فكرياً وعاطفياً،يسخرون لا لأنهم تأملوه ونقدوه بل لأنهم سخطوا حالة المُسلِمين، يرون كيف يتصرَّف المُسلِمون – كبارهم وصغارهم وقاداتهم السياسيون وقاداتهم الروحيون – فشكوا في هذا الدين من أصله، أي جُملةً أصلاً، وهذا شيئ مُخيف، هذا شيئ مُرعِب، هكذا إذن حاط الله وشرَّط هذا التعارف بالقيم الأخلاقية وفي رأسها العدل، قال الله في سورة المُمتحِنة لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ – الآية تأمر بماذا وتُرشِد إلى ماذا؟ وفي حق مَن؟ في حق الوثنيين والكفار والمُشرِكين في جزيرة العرب – أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ۩، أُقسِط معناها أعدِل مع المُشرِكين طبعاً، فهمت هذا وهو صعب جداً، أن تفهمه سهل، لكن أن تُطبِّقه أصعب من الصعب نفسه، هذا كلام فقط، نحن أمة الكلام ، أمة الخُطب فقط والمنابر، ليست أمة الفعال وأمة التطبيق وأمة تقوى الله حقاً، التقوى هى التي تبعثك على هذا إن كنت تؤمن بالله وترجو له وقاراً – لا إله إلا هو – وترجو لقاءه، إذن أنا سأُقسِط وسأعدِل مع عدوي لكن ماذا عن أن أبره؟ الله قال تبره، لا تكتفي بالإقساط إليه، تبره بالمُعامَلة الطيبة وبلبسمة الحانية وبالصدر الرؤوم الواسع وبالمال وبالمُساعَدة تتفقده، أتفقده وهو مُشرِك وثني؟ نعم، أتفقده وهو ضد ربي ونبيي؟ نعم، الله يقول بما أنه لا يُحارِبك ولا يعاديك ويكتفي بدينه فإذن لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ۩، علماً بأن سورة الممتحنة سورة مُتأخِّرة النزول، هى سورة من السور المُتأخِّرة في المدينة نزولاً، ليست سورة مُتقدِّمة تُسلِّط عليها السيف وتقطع رقبتها بسيف المنسوخ، تباً لهذا السيف من سيف، القرآن العظيم كما الرسول الكريم – عليه الصلاة وأفضل السلام – مضيا أشواطاً بعيدةً في التعاطي مع قواعد التعارف ومع ما يلزم منها ويترتب عليها، فليس من الغريب أو العجيب أن يُبيح القرآن زواج المسلمين من الكتابيات، على أن موقف القرآن الكريم من الكتابيين عقدياً معروف لكل مسلم، موقف القرآن من الكتابيين عقدياً خاصة فيما يتعلَّق بتوحيد الله – تبارك وتعالى – وتنزيهه معروف ومع ذلكم لم يجد القرآن بأساً أن يتزوَّج مُؤمِن أو مُسلِم من يهودية أو نصرانية، لماذا؟ إن جاز أن يُقطع مع الآخر بناء على عامل أو عوامل مفردة محدودة فسيكون من أجوز الجائز بل من اوجب الواجب أن يُقطع مع الكتابيين على أساس عقدي لأنهم يقولون – مثلاً – الله ثالث ثلاثة، وأعني النصارى، ومع ذلك القرآن لم يقطع بل وصل، على أي أساس؟ على أن هذا التواصل العقدي مُتعذِّر في هذا الباب الذي أشرته إليكم، إذن على أي أساس كان التواصل؟ على الأقل على أساسين، الأساس الأول مُراعَاة الأصل الأول قبل أن يطرأ عليه التحريف أو التزييف، فهم أهل كتاب وأهل إيمان وأهل توحيد، طرأ على توحيدهم ما طرأ مما قص القرآن وتلا فهذا يُعتبر، لأن الأصل موجود ويُمكِن ردهم إلى الأصل بالمُحاوَرة والاستلطاف والإذعان للبينة والبرهان، وهذا ما يحدث مع الكثيرين منهم عبر التاريخ بحمد الله تبارك وتعالى، إذن هذا له اعتباره – أي وحدة الأصل – وإن طرأ عليه ما حرفه وزيَّفه، هذه الوحدة لها اعتبارها في المنظور القرآني، والأساس الثاني هو المُشترَك الأخلاقي، وهذا الذي نبَّه عليه أئمة الإسلام في القديم والحديث، تجدون هذا حين تقرأون كتب التفسير وكتب الفقه، يحضرني منها الآن المبسوط لشمس الأئمة السرخسي وأيضاً بدائع الصنائع للعلاء الكاساني ومن المُعاصِرين أو المُحدَثين بالأحرى رشيد رضا ومحمد عبده في تفسير المنار، هؤلاء وغيرهم كثيرٌ كثيرٌ أشاروا إلى أن إباحة القرآن للتزوّج بكتابيات تستند إلى المُشترَك الأخلاقي، المُحرَّمات لدينا مُحرَّمات لديهم والواجبات لدينا واجبات لديهم وأنتم تعرفون الوصايا العشر وسورة الأنعام، قال الله قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ۩ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ۩، فهذا نفس الشيئ، إذن المُشترَك الأخلاقي شيئ مُهِم وهو مُشترَك إنساني، النبي يقول في الحديث الذي نتحفظه جميعاً الحكمة ضالة المُؤمِن أنى وجدها التقطها، وفي رواية فهو أولى الناس بها، المُؤمِن بالذات أكثر الناس حرصاً على التواصل المعرفي والثقافي، إن وجد عند الآخرين ما يفيد وما جوَّدوا فيه وما أحسنوا فهمه وإدراكه التقطته مُباشَرةً، يقول التقطتها، لم يقل هم غربيون أو هم صليبيون أو هم ليسوا مُسلمِين وكل هذا الهبل الذي نحن فيه، حالة الهبل التي فيها المسلمون المُعاصِرون، لا يُوجَد هذاالكلام، أنت الخسران هو لم يخسر وستبقى أنت في الظلمات، أليس كذلك؟ ظلمات العقل والفكر والتكنولوجيا مثلاً، أنت الذي ستخسر لكن هو لن يخسر، حالة من الغيبوبة، حالة من مُناجاة النفس ونفخها بالكبر الفارغ، وعلى كل حال الحكمة ضالة المُؤمِن، أيضاً هناك ما ذكرته وذكَّرت به أكثر من مرة أو غير مرة وهو أن القرآن كما النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – يحرصان على التذكير بالتواصلية، النبي دائماً يقول لست بدعاً، لست أول الأنبياء، أنا حلقة في سلسلة، ديني هذا هو دين الأنبياء، شرعي هذا من حيث الأصل هو شرع الأنبياء، هذا دينٌ واحد، دائماً يقول هذا، اليوم كثيرٌ من الشانئين في الشرق والغرب يزنون ويغمزون قناة الإسلام والقرآن بماذا؟ بأنه يمتح من أصول يهودية ونصرانية، هذا ليس كشفاً اكتشفتموه، هذه آيات القرآن التي أكَّد فيها هذا المعنى في مواضع كثيرة القرآن يقول هذا، القرآن يقول أنا جئت مُصدِّقاً لما بين يدي من الكتاب، أي من التوراة والإنجيل، أنا مُصدِّق بهذا، أشياء كثيرة في التوراة والإنجيل حق والقرآن يتبناها ويقول هى حق وأنا سأُصادِق عليها وأُصدِّقها، ومعنى قوله وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۩ أي مصدقاً كما شرحت لكم غير مرة، يقول القرآن إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى ۩ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ۩ ويقول أيضاً وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ۩، فهذا موجود إذن، القرآن هو الذي يقول هذا، هذا ليس كشفاً استشراقياً أو كشفاً لأعداء الإسلام كأن يُقال ضبطناك مُتلبِّساً يا محمد وأنت تأخذ من كتبهم، يقول القرآن لا، وطبعاً طبيعي أن الذي يُصدِّق هذه الفرية من اليهود والنصارى يُكذِّب دينه، هو يغمز قناة دينه قبل أن يغمز قناة الإسلام، لماذا إذن؟ لأننا كمُسلِمين نعتقد فعلاً أن موسى نبي من عند الله ورسول وأن عيسى نبي ورسول من عند الله وأن التواة والإنجيل لهما أصل إلهي، هما نصان إلهيان، نحن نؤمن بهذا، هذه عقيدتنا ومَن أنكرها كفر، فطبيعي أن يأتي القرآن مُصدِّقاً وإلا نقع لا أقول في مفُارَقة وإنما في مُكاذَبة، أن يقول القرآن من جهة التوراة والإنجيل من عند الله وموسى وعيسى نبيان رسولان ثم يقول شيئاً يختلف عما فيهما بل يُناكِده على طول الخط ويُشاكِسه فهذا يعني أن هذا يُعَد تكذيباً لهذا، فطبيعي أن يأتي القرآن مُصدِّقاً للتوراة والإنجيل وطبيعي أن يُؤكِّد ما فيهما من أصول العقائد والديانات ومن أصول الأخلاق والمحاسن والكمالات، أم هذا غير طبيعي؟ هذا طبيعي جداً، هذا هو إذن، لكن اذهب بعد ذلك وادرس البنية نفسها، أي بنية النص القرآني، هناك اتجاهات كثيرة، وسوف تعلم أهى بنية بشرية أو بنية إلهية لا يقدر عليها بشر، هذا مبحث ثانٍ، على كل حال النبي والقرآن أيضاً بهذه الطريقة على ما أزعم خلقا عقليةً مُتفتِحة جداً، عقلية تواصلية، عقلية تثاقفية، عقلية حضارية، وهذه العقلية هى التي بنت الحضارة والمدنية الإسلامية بما يُشبِه مُعجِزة، أمة كانت لا تساوي شيئاً دخلت التاريخ من أوسع الأبواب وأقامت حضارة بسرعة شديدة جداً لافتة، وهى حضارة عظيمة لها إسهامات تُذكر فتُشكر إلى يوم الناس هذا، بسبب ماذا؟ بسبب هذا الأنفتاح، مُسلِمو العصر الحديث يرون معرةً ويرون هُجنةً التواصل، يُهجِّنون مَن يتواصل مع الغرب والشرق ومَن يثقف العلوم والفلسفات والأفكار والأيدولوجيات والطروحات، ثم – كما قلت لكم – يغمزون قناته، المُسلِمون الأوائل مُباشَرةً انبعثوا في الترجمة، أليس كذلك؟ هذا معروف، الترجمة في العهد الأموي بدأت مع خالد بن يزيد ثم انبعقت وانبعجت في العهد العباسي، وكان المُترجِم يُعطى وزن ما يُترجِمه ذهباً، حرص عجيب على المعرفة فعلاً، إذن هو التقاطها التقاطاً، هو ليس كالمُسلِمين اليوم، أحدهم يمكث هنا في أوروبا ثلاثين سنة ثم لا يفقه شيئاً من العلم الأوروبي ولا الفكر الأوروبي ولا الفلسفة ولا الثقافة ولا أي شيئ، ولا هو مُتفِّقه في دينه حقاً أو في تراثه ولغته، ولا أي شيئ، يقول لك إسلاميون ورب الكعبة، مَن أنت يا رجل؟ انظر في نفسك، أنت عالة، أنت عاهة، أُقسِم بالله على أن هذه عاهات مُستديمة أُصيبَت بها هذه الأمة، هو عاهة فقط لكنه شاطر فقط حين يُفتَح باب القتل والتفجير فيذهب ينصر الله ورسوله، لكن ليس هكذا نصر الله ورسوله، نصر الله ورسوله بالعلم وبالفقه وبالمعرفة، ملياران من البشر نحن المُسلِمين، لو عندنا تقديس للعلم والمعرفة ولو عندنا تواصل حقيقي لن أقول لرُفعت لنا القبعات أبداً بل لصرنا أساتيذ الآن، وهذا أمر عادي، كما الغرب الآن أساتيذ، نُصبِح أساتيذ والعالم يتعلَّم منا، وتبدأ تسمع بنظريات في الجيولوجيا – Geology – وفي التاريخ وفلسلفة التاريخ وفي السياسات المُختلِفة والفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك والكوزمولوجيا – Cosmology – للسيد عبد الله كذا وكذا وللسيد سعيد كذا وكذا وللسيد إياز كذا وكذا الفارسي الإيراني أو الباكستاني، لكن هذا الآن غير موجود، لا تُوجَد نظريات في أي علم لشخص مُسلِم تُقدَر وتُحترَم، هذا غير موجود للأسف الشديد، أمة نائمة ومُكتفية بنفسها وتتخاطب ذاتياً، تنظر فقط في مرآة نفسها فقط ولا تنظر في الآخر، بهذه الطريقة هى تتجه – وهى تتجه الآن طبعاً – إلى الانقراض، إذن ليس ديموجرافياً بل دينياً، تترك دينها أو يتركها دينها في النهاية للأسف الشديد، انتبهوا لأن هذه مسألة مُهِمة، فالنبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كما القرآن الكريم بهذه الطريقة – كما قلت لكم – فتح طريقاً للتواصل العريض العميق مع الآخر الثقافي والحضاري والديني من أعمق ما يكون، أنا أقول لكم – والآن سأُدلِّل على هذا علمياً – هذا الطريق مُتقدِّم على الغرب الذي نعيش فيه تقريباً بألف وقليل من السنين، لن أقول لك بألف ورأربعمائة سنة -عمر الإسلام – لكن حتماً أكثر من ألف سنة بهذه الطريقة، قد تقول لي ما هذا الكلام؟ هذه دعاوى كبيرة يا عدنان، لكن هذا غير صحيح، هذه ليست دعاوى ولا أي شيئ، والآن سأُثبِت لكم هذا.
أحد فلاسفة الأخلاق الأمريكان على مستوى عالمي – هو أيضاً عالم في علم النفس مع أنه أتخذه من باب الهواية ولكنه عالم مشهور عالمياً – إسمه جيمس آر فلين James R. Flynn، جيمس آر فلين James R. Flynn عنده ظاهرة الآن معروفة في العلم تُسمى ظاهرة أو تأثير The Flynn effect، ما معنى The Flynn effect؟ اذهب ابحث في أي مرجع في فلسلفة الأخلاق وفي علم النفس حتى على النت ومن المُؤكَّد أنك سوف تجد شيئاً عن The Flynn effect، فحوى ظاهرة The Flynn effect أن القرن العشرين المُتصرِّم أظهر تنامياً مضطرداً في الـ IQ – مُعامِل الذكاء وفق الاختبارات المعروفة طبعاً – لدى الناس في الغرب هنا بكل أنواع الغرب بما فيه حتى أوراسيا كلها، مُعامِل الذكاء الـ IQ فيه تنامي مُضطرِد جيلاً فجيلاً، وهذا أمرُ عجيب ، بمعنى ماذا؟
بمعنى عبارة فلين Flynn في كتابه الذي يُمكِن أن تقرأوه وهو كتاب لطيف وجميل إسمه What Is Intelligence?: Beyond the Flynn Effect،
ما هو الذكاء؟: ما بعد تأثير فلين Flynn، هذا عن نفسه وطبعاً هذا الكتاب طوَّر فيه الظاهرة، ما هو الذكاء؟ يقول جيمس آر فلين James R. Flynn لو أجرينا الآن اختباراً من هذه الاختبارات التي يُقاس بها مُعدَّل الذكاء لشبابنا ولبناتنا الآن في آخر القرن العشرين وفي أول القرن الحادي والعشرين مما كان يُجرى للناس في بداية القرن العشرين – في ألف وتسعمائة وخمسة وألف وتسعمائة وعشرة وألف وتسعمائة وخمسة عشر وألف وتسعمائة وعشرين – لحصل أولادنا اليوم على مائة وثلاثين درجة، ما معنى هذا؟ هذا يعني أنهم عباقرة موهبون Gifted، هؤلاء هم الموهبون، هذه مائة وثلاثون، والحد الفاصل بين الذكاء العادي والذكاء العبقري الموهوب – Gifted – يعني أن كلنا نُعتبَر موهوبين – Gifted – تقريباً، وهذا أمرُ عجيب طبعاً، لماذا؟ نحن الأخلاف، نحن الذرية، ولو عكسنا وأجرينا لأي جيل – هذا افتراضياً طبعاً – مِمَن كانوا في بداية القرن العشرين اختبار ذكاء كما نُجريه اليوم لأولادنا لحصل أولئكم على سبعين، هذا يعني أنهم مُتخلِّفون عقلياً، لأن السبعين تقريباً ينالها المُتخلِّف العقلي، فهذا أمرٌ عجيب، مع أن في بداية القرن العشرين سوف نُجري هذا الاختبار لأُناس بعضهم سوف يُصبِحون أطباء ومُهندِسين وإلى آخره، هذا أمرٌ عادي، هم سيحصلون على سبعين، وهذا ثابت طبعاً، هذه ظاهرة إسمها The Flynn effect، يُوجَد ذكاء يتطوَّر، يُوجَد تنامي في الـ IQ الخاص بالبشر جيلاً فجيل، انظروا إلى هذا الكلام الجميل، هذا شيئ مُهِم، لماذا؟ هل جيناتنا تختلف؟ هل حدث تطور عضوي لنا في الجينات – – Genes وفي الـ DNA؟ لا، من المُؤكَّد أنه شيئ له علاقة بطرائق التفكير ومناهج التفكير ومناهج المُقارَبة والمنظور، كيف تنظر إلى الأشياء وكيف تُقارِبها؟ هذه نظرية فلين Flynn، والآن سأشرح لكم لكي تعرفوا أن القرآن من أول يوم فعل هذا، النبي فعل هذا بشكل واضح، الأمة الآن لا تفعل هذا ولا تفهمه ولا تُريد أن تفعله إلا ما رحم ربي، ما تفسير هذه الظاهرة؟ لماذا يُوجَد تطور في ذكاء هؤلاء الناس على الأقل في الغرب هنا؟ يُوجَد تطور حقيقي بالأرقام والاختبارات، لماذا؟ قال جيمس فلين James Flynn أنا سوف أعتمد في مُقارَبتي وفي نظريتي الجديدة هذه على عالم نفس سوفيتي كبير، هو من أكبر علماء النفس العصبي ومن مُؤسِّسي علم النفس الثقافي التاريخي، وهو مَن؟ هو ألكسندر لوريا Alexander Luria، وهو مشهور جداً، هذا أكبر عالم نفسي تقريباً روسي في الاتحاد السوفيتي، ألكسندر لوريا Alexander Luria هو الذي اكتشف ظاهرة الإحساس المُصاحِب، أعتقد أن كثيرين من الناس سمع بها أو تعاطى معها، إسمها Synesthesia، فكلمة Synesthesia تعني الإحساس المُصاحب، أنت حين تسمع شيئاً – مثلاً – أو تسمع لفظة مُعينَّة فإنك مباشرةً تستحضر الللفظة مع لون، مثل مع لون أصفر يتفتت، حين تسمع نغمة موسيقية تشم معها رائحة في نفس الوقت، هذا يحصل مع بعض الناس، وهذا إسمه الإحساس المُصاحِب أو المتصاحِب Synesthesia، علماً بأنها كلمة إغريقية، ألكسندر لوريا Alexander Luria هو الذي اكتشف هذه الظاهرة وألَّف عنها كتاب عنوانه الفرعي: A Little Book about a Vast Memory، أي كتابٌ صغير عن ذاكرة شاسعة، وهو كتاب جميل، على كل حال هذا ألكسندر لوريا Alexander Luria وهو عالم له اعتباره.
ألكسندر لوريا Alexander Luria كتابه التطورالإدراكي – Cognitive development – طُبع ألف وتسعمائة وست وسبعين مُترجَماً طبعاً إلى الإنجليزية في الولايات المُتحِدة الأمريكية، في هذا الكتاب ذكر عدة لقاءات له مع أناس تلقوا تعليماً أساسياً في بلاد الاتحاد السوفيتي السابق وخاصة في الأرياف – اسمعوا الآن جيداً – وذكر أنه سأل أحدهم مِمَن تلقى هذا التعليم الأساسي البسيط سؤالاً يقول ما العلاقة بين الغربان والأسماك؟ قال لا علاقة على الإطلاق، وهذا أمرٌ غريب، هل لا تُوجَد علاقة؟ عندك غراب وعندك سمكة فهل لا تُوجَد أي علاقة ؟ قال لك لا علاقة على الإطلاق، بعد ذلك سأل شخصاً ثانياً وقال له ألمانيا لا يوجد فيها الجمال Camels، وطبعاً لا يُوجَد في ألمانيا جمال، قال له هل تعرف ألمانيا؟ قال له أعرفها لأنني أسمع فيها، قال له ألمانيا ليس فيها جمال، فقال له حسنٌ، قال له هامبورغ بلدة ألمانية، فقال له حسنٌ، قال له هل فيها جمال؟ قال له إذا كانت واسعة كفاية ينبغي أن يكون فيها جمال أما إذا لم تكن واسعة كفاية فليس فيها جمال، خبط لوريا Luria رأسه، ما هذا الذكاء الفظيع؟ في لقاء مع رجل ثالث – سوف ترون هذا أنتم، QA أيQuestion Answer في كتاب أيه Flynn فلين وكتاب لوريا Luria، فالكتابان متاحان لمَن أراد – سأله قائلاً في القطب الشمالي الثلج مُتاح دائماً، موجود دائماً الثلج Snow، دائماً يُوجَد الثلج، وحيثما كان الثلج مُتواجِداً بشكل دائم فالدببة -Bears – هناك تكون بيضاء اللون، هل هذا حسنٌ؟ قال له حسن، فقال له جميل، السؤال – Question – الآن هو ما لون الدببة في القطب الشمالي؟ قال له هذه المسألة تحتاج إلى شهادة Testimony، إن جاء رجل حكيم وصادق من هناك وأخبرنا أن الدببة بيضاء قلنا بيضاء وإلا أنا لا أعرف إلا الدببة البنية، ما هذا؟ هكذا كان البشر يُفكِّرون، هؤلاء كان الناس الذين أجرى عليهم لوريا Luria هذه الدراسة إلى سنة ألف وتسعمائة، كل هؤلاء الأجيال وُلِدوا بالقطع قبل ألف وتسعمائة.
الآن نترك لوريا Luria الذي عنده مُقارَبته الخاصة ونأتي إلى مُقارَبة الأمريكي جيمس آر فلين James R. Flynn، فلين Flynn ماذا قال؟ قال هذا هو الفرق بين الإنسان كما نعرفه الآن وكما تطوَّر في مائة سنة وبين الإنسان قبل ألف وتسعمائة، أولاً – هناك ثلاثة أمور ينبغي أن تُحفَظ، أولاً قبل ألف وتسعمائة – هو يُسميه بما قبل العصر العلمي The Pre-scientific Era، ولا أعرف لماذا فهل العلم عمره أربعمائة سنة؟ هذه مُصطلَحات ولا مشاحة في المُصطلَح – البشر كانوا عاجزين – ليس كل البشر وإنما البشر هنا في أوروبا كلها وفي روسيا وفي وما إلى ذلك -عن إجراء التصنيف، وطبعاً نحن لا نتكلَّم عن علماء مُتخصِّصين، وإلا علم التصنيف – Taxonomy – هو علم غربي، السويدي كارولوس لينيوس Carl Linnaeus أقامه، أليس كذلك؟ مثل تصنيف الحيوانات وما إلى ذلك، وهؤلاء الناس هم طبقة أو شريحة بسيطة جداً، لكنني أتكلَّم عن الناس بشكل عام، هم لا يعرفون هذا، ليس عندهم عقلية التصنيف، وعقلية التصنيف في الجوهر ما هى؟ هى روح العلم، لا يُوجَد علم من غير تصنيف، ونحن قلنا أيضاً أن الألفاظ الكلية لها علاقة بالموضوع، لا يُوجَد علم بغير تصنيف، والتصنيف روحه ماذا؟ مُلاحَظة المُشترَك الأعظم، أليس كذلك؟ يتم البحث عن المُشترَك، اليوم اسأل ابنك الصغير الذي هو في صف أول أو ثان عن سؤال الغراب والسمكة وسوف يقول لك كلهم حيوانات Tiere، السمكة – Fischهذه – حيوان والغراب – Krähe – حيوان، أليس كذلك؟ هذه حيوانات، كائنات حية، كائنات فيها حياة، الطفل الآن يفهم هذا، وهذا ذكاء شديد، لكن قديماً لم يفهموا هذا،لماذا إذن؟ قال الإنسان في تلك الأحقاب كان لا يميل إلى مُقارَبة الوجوه تصنيفياً بل تقسيمياً تجزيئياً، بمعنى ماذا؟ بدل أن يُقسِّمه ويضعه في مجالات مجالات ورتب رتب ومجموعات مجموعات كان يُجزئه، هذا غراب يبقى غراباً ولا أراه إلا غراباً، لا أراه شيئاً ثانياً، لا أرى أنه حيوان إسمه غراب، هو غراب فقط، هذا الغراب أنا لا أُحِبه، يضرني في مزرعتي ولا أستطيع أن أكله، لا تُوجَد منه فايدة، هو غراب فقط، لكن السمكة أستطيع أن آكلها، قال فلين Flynn يتعاملون تجزيئياً، لماذا؟ لكي يستعملوا الأشياء، مُقارَبته استعمالية عملية مُباشَرةً، أستطيع أن آكل السمك ومن ثم هو يهمني، هذا سمك وانتهى كل شيئ، أما الغراب لا يصلح للأكل ولا للاستفادة منه ويبقى غراباً، لا تُوجَد عنده أشياء أوسع من هذا، وهذا يدل على أنه أناني، هذا الإنسان تقريباً يدور حول حاجاته الحصرية البسيطة، العالم بطبيعته والمُفكِّر لا يكون أنانياً، أليس كذلك؟ لذلك يبحث في أشياء ومسائل ويُضيع عمره في أشياء لن يستفيد منها بشكل شخصي، أليس كذلك؟ لكنه سوف يشبع فضولاً معرفياً عنده، هو يُريد أن يفهم العالم ويُحاوِل أن يخلع على العالم معنى مُعيَّن عبر نظرياته وعبر الموديلات – Models – النظرية التي يُحاول يفهم العالم بها من زوايا جديدة، وهذه هى وظيفة النظرية سواء علمية أو غير علمية، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، لكم هم لم يكونوا يعرفون هذا، أيضاً كما لاحظتم كانوا لا يُحسنِون استخدام المنطق – Logic – في أي تفكير تجريدي، ليس عندهم قدرة على التجريد أصلاً فضلاً عن استخدام المنطق في التجريد ومن ثم يفشلون في هذا تماماً وهذا كان ثانياً، ثالثاً وأخيراً – هذه ثلاثية جيمس فلين James Flynn – كانوا لا يتعاطون مع الفرضيات جدياً، إذا قلت له افرض كذا فإنه سوف يقول لك كيف أفرض؟ لا أستطيع، إذا قلت له افرض أن الله خلقك أسوداً فإنه سوف يقول لك كيف خلقني يا غبي؟ يقول فلين Flynn ذات مرة قال لي أبي فعلاً هذا، يقول أبي أيرلندي – Irish – ومولود في أواخر القرن التاسع عشر – تحديداً الثلث الأخير من القرن التاسع عشر – ولم يكن عنده حب للآخرين – يقصد السود – قليلاً، عنده النزعة العرقية الغربية للأسف الشديد، وهذا عار يحمله بعض الناس إلى اليوم، لكن الإسلام من أول يوم قال إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۩، هذا عار على كل حال، قال دخلت عليه في الخمس وخمسين وغيري فعل هذا، وطبعاً في تلك الأيام كان يُوجَد كلام أيام مارتن لوثر كينج داعية حقوق الإنسان الأسود وحقوق الأمريكان الإفريقان وإلى آخره، وهذه قصة طويلة، قال دخلت وقلت له يا والدي لماذا تأخذ هذا الموقف المُتنطِّع وغير المتعاطف مع السود؟ افترض نفسك وقد استيقظت ذات صباح وأنت أسود، ضحك وقال هذا أغبى شيئ سمعته منك في حياتي، لا يُمكِن أن يحصل هذا، لا يُمكِن أن أستيقظ وأجد نفسي أصبحت أسوداً، كيف هذا؟ لكن هل أنا قلت لك أنك سوف تجد نفسك هكذا؟ أنا نقول لك افترض، لكنه لا يقدر على هذا، يُوجَد غباء، هو يحكي عن أبيه الذي لا يقدر على أن يضع نفسه في موضع الآخ. أعتقد أنكم فهمتم رسالتي الآن، أنا عندي سلسلة خُطب من قديم – من سنين – أتحدَّث فيها دائماً لكن كل مرة من منظور جديد وبأمثلة جديدة عن المشروطية، أليس كذلك؟وكثيراً ما أعتمد هذه المُقارَبة دينياً وأنا أُؤسِّس للمشروطية الدينية طبعاً بالنص الدين ي من القرآن والسنة، فنأتي بآيات وأحاديث وأشياء ونُنوِّرها طبعاً ببراهين وأدلة ومُقارَبات واستبصارات من علم النفس ومن علم الاجتماع ومن أشياء كثيرة، هذا موضوع المشروطية، لذلك لو قيل لي ما هى يا عدنان أكثر مُقارَبة تعتمدها وتود أن يعتمدها غيرك من المُتعصِّبين والمُنغلِقين والعاجزين عن الانفتاح على الآخر؟ لقلت مُقارَبة افرض نفسك مكانه، أي مُقارَبة تبادل الأدوار، أنت اليوم مُتعِّصب وتقول هؤلاء كفار وما إلى ذلك، نبدأ بالإطار أالديني الإسلامي، أنت – مثلاً – شيعي كاره للوهابية والسنية وما إلى ذلك، افترض نفسك وهابي يا شيعي وإياك أن تُفهِمني أنك وُلِدت وفي جيناتك حب أهل البيت وما إلى ذلك، وهذا طبعاً شرف – أن تُحِب آل بيت محمد عليهم السلام – لكن أنت وُلِدت في بيئة شيعية، ومن يوم ما وُلِدت إلى اليوم تتغنى بحب آل البيت وتبكي عليهم وما إلى ذلك، ولو وُلِدت في بيئة غير شيعية ولنفترض أنها وهابية – بيئة وهابية – فإنك سوف تكون مُختلِفاً وسوف تنظر إلى الشيعة نظرة هى النظرة المعروفة الآن، والعكس صحيح طبعاً، لا يأتني وهابي ويقول لي الشيعة الروافض وأولاد كذا وكذا والزنادقة وأعداء الإسلام الفرس وما إلى ذلك، سوف أقول له هذا كلام فارغ، كلامك لا وزن له عندي، لماذا؟ أقول له افترض نفسك وُلِدت في بيئة شيعية، هل أنت خلقت نفسك وهابي؟ هل اخترت أن تكون وهابياً؟ أنت وجدت نفسك وهابياً يا رجل، ونحن السنة – مثلاً – فينا الحنابلة والشافعية وما إلى ذلك بحسب الجغرافيا، لأنك وُلِدت في هذا المكان وجدت نفسك سنياً على طريقة مُعيَّنة، إياك أن تتبجح وترفع رأساً وتُصوِّر نفسك بطلاً، هذا كلام فارغ ليس له أي وزن، الوزن للمُقارَبات التي ترعى المشروطية، هذه المُقارَبات الإنسانية الذكية المُنفتِحة، قل لنفسك لو أنا وُلِدت في النجف – مثلاً – أو في أي بلد شيعي كيف كنت سوف أكون؟ قطعاً سوف أكون شيعياً مثل أي شيعي نمطي – Typisch أو Typical – تماماً ولا فضل لي في هذا، إن كان يُوجَد أي فضل فالفضل للمُجتمَع والجغرافيا، الفضل للقطعة الأرض هذه والمُجتمع الذي فيها، هذه أهم مُقارَبة، وطبعاً سوف نأخذ تمثيلاً لهذه المُقاربَة بشكل أوسع بين مسلم ومسيحي أو مسلم ويهودي أو مسلم وبوذي أو مسلم وهندوسي أو مسلم وماركسي كان يعيش في الاتحاد السوفيتي السابق، سوف أقول لك نفس الشيئ، افترض نفسك وُلِدت في تلك الرقعة الفلانية – مثلاً – في تلك الدائرة الحضارية، الهندوسية مثلاً، ماذا سوف تكون؟ من المُؤكَّد أنك سوف تكون هندوسياً وسوف تعتقد بالهندوسية، بدليل – كما قلت لكم غير مرة – أن من الهندوس مَن أخذوا جائزة نوبل Nobel، هندوسي يعبد البقرة وأخد نوبل Nobel، غاندي Gandhi أليس إنساناً عظيماً؟ غاندي Gandhi أليس عقلاً ضخماً جداً جداً، غاندي Gandhi أليس شخصية هائلة؟ ويعبد البقرة، هندوسي يُقدِّس البقرة، أليس كذلك؟ موجود هذا في البوذي واليهودي والمسيحي وإلى آخره، هذه مسألة مُعقَّدة، وهنا قد يقول لي أحدكم ماذا تُريد؟ أنت مُخيف فعلاً وزنديق وكأنك تُريد منا أن نكفر، وهذا غير صحيح، لا والله أبداً، أنا لو أردت الكفر لكفرت أنا والعياذ بالله، أعوذ بالله وأسأل الله أن يحفظ إيماننا، حاشاه لله، لكنني أُريد منك أن تكون مرناً وذكياً ولا تأخذ دور الله وماتاخدش دور الله، أُريد منك ألا تلعب دور الله عز وجل، لا تلعب بشيئ ليس لك، هذا دور لله، الله يحكم بين عباده فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۩، والله قال في سورة الحج إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ ۩، ليس أنت مَن يفصل فانتبه وخذ هذه كقاعدة، حين تتحدَّث عن الله – تبارك وتعالى – تحدَّث حديث القاعدة، صدِّقني يُمكِن أن تتحدَّث عن الله ويُمكِن أن تتحدث حتى بلسان الله كأن تقول قال الله تعالى، طبعاً هذا قرآن، لكن انتبه ودائماً تحدَّث كما يتحدَّث القرآن، تحدَّث حديث القاعدة وليس حديث التفصيل وحديث التطبيق، كيف؟ لو قلت الكفار في جهنم وكل مَن كفر في جهنم فأنت صادق بنسبة مائة في المائة ولا يستطيع إنسان عاقل أن يرد عليك كلمة واحدة، لكن الآن هل هذا العبد الفلاني الذي هو مسيحي أو يهودي أو بوذي وهكذا هو الكافر الذي قال عنه الله الكافر؟ هل هذا عند الله هو الكافر الذي سوف يدخل جهنم؟ الله أعلم، كيف أعرف؟ من المُمكِن أن تكون المسألة أسهل علىّ لو هذا غير المسلم أتى وقال أقنعوني بالإسلام الذي تدّعون أنه دين الحق والدين الخاتم، فأتينا له بعالم يفهم دينه وهو ممتليء بالعلم فتكلَّم معه بلغة علمية متينة جداً وأفحمه بحيث أنه قال الشهادة أن كلامك كله مُقنِع تماماً وليس عندي عنه أي جواب، ما مِن جاب لدي، هذا كلام مُقنِع، إذن هيا ادخل في الدين، سوف يقول لن أدخل، إذا دخلت في الدين سوف أفقد مصالحي وسوف أفقد بعض الشهوات وقد تغضب علىّ زوجتي ويغضب علىّ قومي ومن ثم لا أريد، إذن هذا كفر، هذا كفر بالحق إذ جاءه، هذا كفر بالإيمان، هذا هو الكافر، هنا تم النطبيق، أنت هنا تقول الأرجح بحسب حاله أنه لو مات على هذا يكون هلك، هذا هو الأرجح لكن يبقي أمره إلى الله، لماذا؟ كيف أعرف؟ من المُمكِن أن يكون هذا الرجل عنده عقدة نفسية أو عقلية تجعله معذوراً عند الله، قد يكون مُلتاثاً في الداخل، مَن يعلم منا ما الذي يُوجَد داخل هذا الرأس؟ هذا أكبر لغز، نحن الآن نتكلَّم ونرى بعضنا ونتباصر ونسمع بعضنا البعض لكن – والله العظيم – كل أحد عنده في هذه البطيخة – أي الرأس – عالم لا يعلمه إلا الله، هذه البطيخة هذه فيها عقد وفيها ظلام وفيها نور وفيها مشاكل، الآن وأنا أتكلَّم قد لا يسمع أحدهم كل كلامي هذا وفقط يشعر بالغيظ من الكرافتة التي أرتديها، يُفكِّر في هذه الكرافتة الصفراء، ماذا تفعل له؟ هذا رجل مسكين، أنت تتكلَّم في فلسفة وعلم ودين لكنه هو ليس على باله كل هذا، وآخر قد يُقول لنفسه وهو يستمع لي هذا الرجل يظهر على قناة روتانا، وروتانا تعني الوليد بن طلال، إذن هم يعطونه أموال كثيرة لكن أنا ليس لدي أي مال، هذا المسكين مريض، على كل حال البشر هكذا، أنا أفهم هذا وأعيش هذا وأُحاوِل أن أفهمه دائماً في حياتي، ولذلك منظورك يكون أوسع وأكثر مرونة فتقول دع الخلق للخالق، كل أحد وبطيخته حر، لا أحد يعرف هذه البطيخة إلا الله، ما علاقتي بها؟ أنا لم أكشفها وأعرف كل ما فيها، الله هو الذي سوف يُخرِج كل ما فيها وقال يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ۩، سوف يُخرِج الله كل شيئ في الآخرة، لكن في الدنيا لا تُبلى السرائر، لا تُبلى ولا يعرف أحد شيئاً، أنت تراه وهو يتباكى لكن أنت لا تعرف حقيقته ولا تعرف سريرته.
يُعطيك من طرفِ اللسان حلاوة ً وَيَرُوغُ مِنْكَ كما يَروغُ الثَّعْلَبُ.
قال الله وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ۩، الله قال لك هناك أُناس يقول الواحد منهم والله العظيم أنا كذا وكذا وأنا مُحِبٌ لك وأٌقسم بالله على هذا، لكن هو كذّاب، لست أنت مَن يعرف لكن الله هو الذي يعرف، قال الله وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ۩، هذا هو الدين، ولذلك اجعل مُقارَبتك – كما قلت لك – واسعة، كيف تكون واسعة؟ اعتمد الحديث عن الله وبلسان النص قاعدياً، القاعدة تُقال كما هى لكن التطبيق ليس لي أي علاقة به، التطبيق على الله، هكذا ينبفي أن تفهم القرآن وألا سوف يكون مُتناقِضاً، إذا لم تفهمه بهذه الطريقة سوف يكون مُتناقِضاً، كيف سوف يكون مُتناقِضاً؟ هناك آيات تقول الكافر هلك في ستين داهية والكافر في جهنم والكافر كذا وكذا، وهناك آيات تتحدَّث عن اليهود والنصاري والمجوس والذين أشركوا وتقول الله الذي يفصل بينهم فانتبه، لا تتحدَّث عن الفصل وتقول الحكاية واضحة، هى ليست واضحة، مَن الذي قال أنها واضحة؟ على مُستوى القاعدة الأمور واضحة، لكن على مستوى التطبيق غير واضحة بالمرة، مُعقدَّة وتحتاج قضاء عادل لا يقدر عليه إلا رب العدل – لا إله إلا هو – فقط والله العظيم، أنا أقول لو الآن يُخيِّرني الله ويقول لي يا عبدي هل أنت ترغب أن يُحاسِبك محمد حبيبك ونبيك الذي تعشقه؟ فإنني سوف أقول له لا، أعوذ بالله، لا أرغب أن يُحاسِبني محمد، كيف يُحاسِبني محمد؟ لا أُريد هذا، وطبعاً من باب أولى لا يُحاسِبني لا أبي ولا أمي أيضاً، بل سوف أقول لا أُريد أن أُحاسِب نفسي أيضاً، أنت فقط مَن تُحاسِبني يا رب لأنك أعلم بي حتى من نفسي، من المُمكِن ألا أعذر نفسي ومن المُمكِن أن أقول لك العدل بصراحة هو أن أؤاخذ بهذا الذنب لكنك سوف تقول لي لا، أنت ترى هذا لكن أنا يا عبدي أعرف ما هو أساس عقدك التي جعلتك ضعيفاً في هذا الموقف ومن ثم تصرَّفت على هذا النحو، أنا أعرف لكن أنت لا تعرف، اذهب غفرت لك، سوف أقول له أنت وحدك مَن يُحاسبني، لذلك دعوا ما لله لله، يا ليت يتعلَّم أهل الدين هذا الشيئ والبشر وكل مُسلِم تقي وولي وعارف بالله، دعوا ما لله لله، لا تتدخَّلوا فيه وتكلَّموا على مُستوى القاعدة.
أطلنا عليكم، نعود إلى موضوعنا علماً بأننا كدنا من أن ننتهي إن شاء الله، فقط بقيت لنا قضية الانقراض الحيوي، موضوع كيف أسَّس الإسلام لهذه العقلية، هذا واضح طبعاً، الإسلام علَّم أهله وأتباعه عقلية التصنيف – التصنيف الواسع الإنساني – بشكل عظيم كما قلت، قال كل هؤلاء البشر وهم أعراق مُختلِفة وألوان مُختلِفة وألسنة – أي لغات – مُختلِفة وأديان وأفكار ومُعتقَدات ومُنتحَلات مُختلِفة هم في النهاية من أب وأم، أي أنهم إخوة، ما هذا التصنيف؟ ما هذه القدرة على الجمع؟ الرجل الذي تحدَّث عنه لوريا Luria لم يقدر على أن يفهم أن السمكة والغراب بينهما جامع مُشترَكة، قال لك قال لا علاقة على الإطلاق At all، لا يُوجَد جامع مُشترَك بالمرة Absolutely، والقرآن يقول البشر كلهم إخوة رغم اختلاف كل ما ذكرنا، ما هذه القدرة؟ ليس هذا فحسب، كما قلت أنت مُسلِم ومن أصحاب النبي ونصرت الدين وجاهدت لكن الله قال انتبه إلى أنك لم تُولَد هكذا، والله يقول هذا لمَن؟ لأبي بكر وعمر وأمثالهم من الصحابة الأجلاء، أنا أقصد الصحابة طبعاً وليس أبا بكر وعمر على وجه التحديد، أقصد الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومُعاذ وجابر وهكذا، يقول لهم انتبهوا إلى هذا، إياكم أن تغتروا بأنفسكم وأن تتبجحوا بالدين، أنا الذي هديتكم، بالأمس أنتم – إلا قليلاً طبعاً – لم تكونوا مُوحِّدين ولم تعرفواعني شيئاً ولا عن طريقي، كنتم تعبدون الأوثان، قال الله كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ۩، هذا يعني أن المُقارَبة التي أراها اليوم في القرن الحادي والعشرين وهى أعظم مُقارَبة لضرب الانغلاق ولمُحارَبة ومُناجَزة الحصرية بسيف إدراك المشروطية أسَّس لها القرآن من قبل، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ ۩، الله يقول للصحابة الذين فعلوا هذه الفعلة أنتم لم تكونوا من أول يوم لكم أولياء إلي ومُوحِّدين، بالأمس القريب كنتم مُشرِكين مثلهم، أليس كذلك؟ ها قد صرتم مُوحِّدين ولله الحمد والمنة، قال الله في الحجرات يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۩، لا يُمكِن لأحد أن يمن على الله لأنه مُسلِم مُوحِّد وأن يقول سوف أضرب العالم بالذري لأنني مُسلِم، لا تمن على الله، وأي أحد مِمَن تراهم على غير دينك بل هو من أعداء لدينك يُمكِن بفضل الله أن يُصبِح من أكثر أنصار هذا الدين صدقاً وإخلاصاً وفهماً وأن يُصبِح أحسن منك ومني، أليس كذلك؟هذا يعني أن هذه مُقاربَة ماذا لو كنت مكانه وماذا لو كان مكانك؟ افترض أنه قد يكون مكانك، هذا مُمكِن طبعاً، أليس كذلك؟ ماذا لو كنت مكانه؟ القرآن يقول قد كنت مكانه، لا تنس هذا، أنت كنت مكانه، قال الله كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ ۩.
هذا الكلام أوحى لي بشيئ عجيب جداً، وجدت ليس الآن وإنما حين كنت شاباً يافعاً وكنت أعيش في مجتمعات عربية إسلامية تقليدية طبعاً – كما تعرفون – بذور التطرف، هناك جماعات يُسمونها جماعات التكفير والهجرة وما إلى ذلك، وقد ناقشتهم – كان بيننا نقاشات وحوارات ونسمع ونرى وما إلى ذلك – فلاحظت شيئاً غريباً، فيما أذكر مُعظَم إن لم يكن كل – لكن لابد أن نكون علميين وسوف نقول مُعظَم – هؤلاء التكفيريين المُتنطِّعين المُتزمِّتين ماضيهم غير مُشرِّف بالمرة، وهم معروفون للناس، حين تنظر إلى ماضي الواحد منهم تجده سكيَراً أو زانياً أو سرّاقاً أو سرسرياً أو عاقاً لوالديه، أي أن حالته مثل الزفت وحاشاكم، بعد ذلك الله هداه والحمد لله، انتبهوا إلى هذا، وأنا لا أعتب عليهم لأن بنسبة تسعة وتسعين فاصل تسعة بالمائة بصراحة لم يقل لهم أحد هذا الكلام الذي أقوله لكم الآن، هذا أمر مُؤكَّد، لم يسمعوا هذا ولو لمرة، أنا لم أسمع هذا الكلام الذي أقوله الآن عن المشروطية – والله – من أحد، سبحان الله هذا أمرٌ غريب، نحن عندنا فقر روحي إلا من رحم ربي طبعاً للأسف، على كل حال لم يسمع مَن يقول له هذا الكلام، ومن ثم هذا المسكين نحا مباشرةً إلى نحو الشدة على العباد والشدة على الناس، لا يتساهل مع شرب سيجارة في حين أنه كان شارباً للخمر، على كل حال هو بسبب سيجارة سوف يُدخِلك جهنم، هو سوف يخرب بيتك بسبب سيجارة، لكن هو كان يزني ويسرق ويشرب الخمر ومع ذلك نسيَ هذا كله، ومن ثم أنت تستغرب، كيف هذا؟ بالذات أنت يا مَن تعرف ماضيك ونعرفه أولى الناس وأحرى الناس أن تكون رحيماً واسع المنظور وتقول مَن يُدرينا يا جماعة؟ انظروا إلىّ كيف كنت والحمد لله سرت – إن شاء الله – في طريق رضا الله وقرباه – عز وجل – فلا تُؤاخِذوا الناس ولا تشتدوا عليهم، تلطَّفوا بهم وأحسِنوا إليهم وجامِلوهم ولاينوهم ولا تُخاشِنوهم عسى الله أن يهديهم، لكن هذا غير موجود، هذا منطق مُهلِك.
على كل حال عندنا حديث الولد الذي جاء النبي وقال له يا رسول ائذن لي في الزنا، كيف عالجه النبي؟ بمُقارَبة ماذا لو كنت مكانه؟ قال له أترضاه لأمك؟ اقشعر بدنك وأنت تسمع هذا الكلام، أنا أُحِب أقوله حتى يعني يقشعر البدن، هذا شيئ مُخيف، مُجرَّد التخيل يهزك، هل تُريد أن تزني وتفرح بهذا؟ قال له أترضاه لأمك؟ أنت تُجن حين تسمع هذا الكلام، تخيَّل أمك – والعياذ بالله – يُعتدى على عرضها، أنت تُجنَّ، قال لا يا رسول الله، قال له وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم، صلى الله على معلَّم الناس الخير، هذا الحديث مُحال إلا أن يكون رسول قاله، هذا تعليم محمد، أترضاه لأختك؟ أترضاه لخالتك؟ أترضاه لعمتك؟ أترضاه لابنتك؟ وكذلك الناس، كفى يا رسول الله، ادع الله لي، قال اللهم حصِّن فرجه وثبِّت قلبه واغفر ذنبه وإلى آخره، قال والله لقد دخلت على رسول الله وما شيئٌ أحب إلىّ من الزنا وخرجت من عنده وما شيئ أبغض إلي قلبي من الزنا، كيف عالجه النبي؟ بأي مُقارَبة عالجه؟ بمُقارَبة ماذا لو كنت مكانه؟ أنت تُحِب أن تزني في بنت الناس، أي في ابنة فلان، لكن كيف لو زنى هو فيك؟ هل تُحِب أن يزني في ابنتك أو أمك أو أختك؟ أنت تُجَن من هذا، قال هذا انتهى، يا حبيبي يا رسول الله، هذا دنيه وهذا قرآنه، مُقارَبة ماذا لو كنت مكانه؟ هذا العقل الإسلامي النصوصي – عقل القرآن والسنة – ألا يبني عقلاً ذكياً؟ ألا يبني عقلاً جبّاراً شاسعاً؟ ألا يبني عقلاً كالعقل الذي لاحظه جيمس آر فلين James R. Flynn الذي دائماً يُعطي تطوراً في مُعدَّل الذكاء الخاص به؟ طبعاً قد بنى وفعل لكنه ليس عقل المُسلِمين اليوم، المُسلِم العادي يعجز أن يرى أقرب الناس إليه في الدين والملة وهم من أهل لا إله إلا الله كمسلمين، ما رأيك؟ ولا يراهم إلا كافرين يستحقون الخلود في نار جنهم ويقول لعنة الله عليهم إلى يوم الدين، ما هذا؟ هذا عقل غبي، هو مُسلم لكنه غبي مسكين.
أختم الآن بآخر شيئ وهو دليل مادي بأيديكم، مَن انطوى على نفسه واكتفى بذاته وناجى نفسه فقط انقرض، الانغلاق ليس مُسبِّباً ومُولِّداً للجريمة والعنف وإنما للانقراض وللانتهاء، كيف؟ من العالم الحيوي، من المُؤكَّد أنكم تسمعون بفهود الشيتا Cheetah، فهود الشيتا Cheetah أجمل فهود تقريباً على وجه المعمورة، وأسرع الحيوانات على الإطلاق، أسرع حيوان هو فهد الشيتا Cheetah، تبلغ سرعته مائة كيلو متر في الساعة، ويتسارع من صفر إلى سبعين في ثانيتين، ومن ثم قد تقول هل هو BMW؟ هذا شيئ رهيب، وهذا الفهد مُتكيِّف بجماله عضوياً لهذه السرعة الفائقة، ولكن ماسأة فهود الشيتا Cheetah الآن أنها تنقرض، والعلماء إلى الآن لا يعرفون كيف يعكسوا هذا الاتجاه بحيث أنها تتكاثر ولا تنقرض، فهود الشيتا Cheetah تنقرض الآن، هم يُحاوِلون ويبنون لها المحميات وما إلى ذلك ومع ذلك تنقرض، أنتم قد تفترضون أن انقراض الحيوان بسبب الصيد وأن مآوي التكاثر ومآوي الغذاء تتقلَّص، لكن هذا غير صحيح دائماً، طبعاً هذه أسباب مُهِمة لكن ليست هذه الأسباب الرئيسة الآن، انشأ لها من المآوي ما تريد واتح لها كل أسباب الأمان وقل ممنوع أن يصيد منها أي أحد فهداً واحداً ومع ذلك ستنقرض، وهى تنقرض الآن، ما رأيك؟ تنقرض دون أي فائدة، هى في المحميات وتنقرض، هل تعرفون لماذا؟ سوف نرى لماذا تنقرض فهذا موضوعنا، هذا موضوع الخُطبو اليوم بالظبط كما ينقرض هؤلاء الذين كُتب عليهم الانقراض، العلماء في الأول لم يفهموا، وهى تنقرض من قرون طبعاً، كان الملوك العثمانيين السلاطين والملوك في أوروبا يأتون بمائتي أو بثلاثمائة فهد شيتا Cheetah ومع ذلك يتناقص العدد باستمرار، المفروض أن يتزايد، أليس كذلك؟ المفروض أن يتزايد لوجود التناسل والتربية Breeding، لكن العد تناقص باستمرار، يبدأ بمائتين وبعد فترة يجد أن عنده سبعين أو ثمانين، لماذا؟ لا يزيد العدد وإنما يقل حتى ينتهي، وهذا الحيوان يعيش عند الملوك، أي يعيش عيشة الملوك ومع ذلك ينقرض، إذن هناك مُشكِلة حقيقية الآن، ما سببها؟ الله يبعث لنا درساً من خلال عالم الأحياء، جاء علماء الوراثيات الجُزيئية وجعلوا يدرسون لسنوات وعقود طويلة، وفي النهاية وضعوا إصبعهم على سر المسألة، إحدى التجارب قام بها عالم مشهور جداً إسمه براين Bryan مع جماعته وفريقه البحثي، أتوا بعينات من خمسين فهد شيتا Cheetah وكانت النتيجة صادمة، وهى أن الخمسين العينة كأنها عينة واحدة، أي كأنها مأخوذة من فهد واحد فقط، لماذا إذن؟ التباين الوراثي تقريباً غير موجود، خًذ أي حيوان تريده، نفترض القرود مثلاً، وخُذ عينات من عشرة قرود، كلما كثرت العينة تجد تبايناً وراثياً، عندما تقرأ تتابعات القواعد في الـ DNA تجد تباينات يُسمونها التغاير أو التباين الوراثي، عكسه تماماً وهو كارثة في حق النوع – هذا يعني أن النوع سوف ينتهي – التماثل الوراثي، التباين يكون نحيفاً وضئيلاً، لا يُوجَد تباين وكأن كلهم كانوا فرداً واحداً، ومن ثم هذه مُصيبة لأنهم سوف ينتهون، أي سوف ينقرضون، أعتقد أن بهذا وصلت الرسالة، المُهِم أنهم وجودوا العينات كأنها لفهد شيتا Cheetah واحد وليست لخمسين فهداً، فأدركوا أن هذا هو سبب انقراض شيتا Cheetah، لماذا؟ حين فحصوا المنويات – الـ Sperms الخاصة بذكور الفهود – وجدوا أنها بالقياس إلى منويات القطط الكبيرة – Big Cats – مثل النمور والأسود – هذه كلها يُسمونها القطط الكبيرة – أقل بنحو تسعين في المائة، ولكم أن تتخيَّلوا، عندها عشرة في المائة فقط كمية إنتاج المني مُقارَنة بالقطط الكبيرة الأخرى، عشرة في المائة فقط ولذلك هى أصبحت عقيمة تقريباً ومن ثم لا تُنتِج، وليس هذا فحسب، ضمن العشرة في المائة فقط يُوجَد سبعون في المائة حيوانات مُشوَّهة، أي أنها أيضاً بلا فائدة Useless، هذه لا تُفيد، ولذلك تتوالد وتتوالد ولا يُوجَد نسل، وبعد ذلك يُولد لها الأطفال لكنهم يموتون بالعجل، في أول أشهر يموتون باستمرار ومن ثم تنقرض، لماذا؟ هذا صدَّع العلماء لكنهم في النهاية – حتى أختصر – وجدوا أن السبب هو وجود سيناريو – Scenario – مُعيَّن، قبل تقريباً اثني عشر ألف سنة حدثت كارثة انقراضية لأنواع كثيرة بما فيها فهود الشيتا Cheetah، فهود الشيتا Cheetah لم تنقرض بالكامل وخرج منها مجموعة من عنق الزجاجة – كما يُقال – إلى العالم ، لكن هذه المجموعة القليلة للأسف لأسباب لا نعلمها – من المُمكِن أن يكون هذا لقلتها القليلة وانحصارها أو انعزالها – جعلت تتوالد مع نفسها فقط، طبعاً لأن لا يُوجَد إلا هى، لو افترضنا نجا – مثلاً – عشرين ألف فإن هذا ما حدث معهم، الآن أين تعيش الشيتا Cheetah؟ في إفريقيا وغرب أسيا فقط، كم عدد فهود الشيتا Cheetah في إفريقيا التي هى موطنها الأصلي؟ من عشرة إلى خمسة عشر ألفاً فقط، وهذا عدد قليل جداً جداً جداً، هذه من المُمكِن أن تنقرض وتنتهي في عشر سنين بالكامل وتُصبِح من التاريخ، كما انقرضت ألوف الأنواع الأخرى، فعدد قليل نجا منها – ربما بضعة مئات أو بضعة آلاف – وهو طبعاً مُضطر أن يتكاثر داخلياً، هذا يُسمونه الاستيلاد الداخلي Inbreeding- – في علم الأحياء، وعكسه الاستيلاد الخارجي Outbreeding، ما معنى الاستيلاد الداخلي Inbreeding؟ أفراد النوع تتزاوج داخلياً مع أقربائها، هذا هو المُتاح، وهنا قد تقول لي هل هذا زواج المحار ؟ بالضبط هذا هو، هذا زواج المحارم، والآن سوف تفهمون علمياً ووراثياً لماذا الأديان السماوية حرَّمت زواج المحارم، هذا إسمه الاستيلاد الداخلي، خُذها قاعدة وقد أعطيتك المفتاح الآن، علماً بأن الأسد – Lion – مُهدَّد بالانقراض الآن للأسف لنفس السبب، أنت الآن سوف تقرأ عن عشرات الأنواع مثل أنواع من الفئران وأنواع من النمور – نمر فلوريدا Florida مثلاً ينقرض – وسوف تدخل على قائمة الأنواع المُهدَّدة بالانقراض وتعلم أن الكثير جداً من هذه الأنواع مُهدَّد بالانقراض بالسبب ذاته، أي بسبب الاستيلاد الداخلي Inbreeding، فهم يتزاوجون مع أقرب أقربائهم مثل الأمهات والأخوات والعمات والخالات داخلياً وليس مع الأباعد أو الأغارب بمعنى الاستيلاد الخارجيOutbreeding، لماذا؟ تعلمون أنتم أن كل صفة من الصفات عندنا – نفترض مثلاً صفة لون الشعر وجعودة ونعومة الشعر أو صفة لون العينيين – لها أليلان Two alleles، مقطع من الكروموسوم Chromosome الذي عندك – مقطع من الـ DNA مثلاً عند الأب – يعطيك صفة ما، نفترض أنها تكون عند الأب سائدة Dominant، عند الأم نفس الشيئ، يُوجَد مقطع مُناظِر في الكروموسوم Chromosome المُناظِر تماماً لنفس الصفة قد يكون متنحياً Recessive، هذا يُسمونه الأليل Allele أيضاً، فكل صفة لها أليلان Two alleles، إذا اجتمع المُتنحي – Recessive – مع السائد – Dominant – وفقاً لمباديء الوراثة التي درسناها في الثانوية فإنه يظهر مُباشَرةً أثرالسائد Dominant ويختفي المُتنحي، السائد – مثلاً – أن تكون اللون عسلية أو سوداء، والمُتنحي أن تكون زرقاء، فحرف A كبير مع حرف a صغير يخرج لنا لو أسود أو عسلي، وهذا أمرٌ جميل، لكن انتبهوا إلى أنه لا يظهر أثر الصفة المتنحية – Recessive – إلا إذا اجتمع أليلان Two alleles من Small lartters، أي aa، إذا جاء الاثنان تأتي العيون زرقاء – مثلاً – أو الشعر يكون ناعماً، هذا مبدأ في الوراثة جميل، الآن في كل المخلوقات عندك أليلات أو آلائل – Alleles – مُتنحية، جزء من هذه الأليلات – Alleles – المُتنحية متطفرة، أي أصابتها في ماضي أو غابر الأزمان من ألوف أو عشرات ألوف أو حتى ملايين السنين طفرات – Mutations – شوَّهتها، هذه الطفرات مُعظَمها ضار، في الإنسان أكثر من سبعين في المائة تكون الطفرات ضارة وقاتلة – Fatal – مُهلِكة، لكن هذه الطفرات تكون على الآلائل – Alleles – المُتنحية، طالما يُوجَد سائد فإنه لا مُشكِلة وتظل مُختفية لكنها موجودة لأنها كامنة، إذا اجتمع مُتنحي مع مُتنحي تأتي الكارثة مثل التشوهات الخلقية والتشوهات الوراثية والشذوذات، وهذا شيئ فظيع، ما أكثر شيئ يُسبِّب اجتماع الآلائل – Alleles – المُتنحية؟ الاستيلاد الداخلي Inbreeding، أي زواج الأقارب، مثل الذي يتزوَّج من ابنته أوعمته أو أمه، وهذه مُصيبة طبعاً، هى ليست الإنسان فقط وإنما في الحيوانات أيضاً، الذين عندهم مواشي ويقومون بتربيتها وعندهم خبرة طويلة في هذا المجال يقولون هذا معروف ونحن نراه، إذا حدث في زواج داخلي تأتي دائماً حالات شاذة من أبشع ما يكون، تأتي حالات ديرامتيكية مأساوية، وهذه يُسمونها الهبوط بالاستيلاد الداخلي، يحدث عندنا هبوط وانحدار واضمحلال وتلاشي بسبب الاستيلاد الداخلي. أعتقد أن الفكرة أصبحت واضحة، هذه الفكرة درس إلهي كوني طبيعي من أجمل ما يكون، يقول لنا كذلك في عوالم الفكر والأفكار والثقافات الذي ينغلق على نفسه ولا يسمع إلا نفسه وقال الشيخ وقالت الشيخة وقال فلان ينقرض، حين يحدث هذا بين بعضنا البعض دائماً ننقرض، يُصبِح فكرنا ضعيفاً هشاً ويُراكِم مشاكل وشذوذات من أبشع ما يكون، ويوم تُعرِضه على العالم فإن العالم يُصعَق ويقول هل يُوجَد أُناس يُفكِّرون بهذه الطريقة البشعة؟ أعوذ بالله، وأنت تقول تباً لكم، عليكم اللعائن، هذا دين، هذا فكري، هذه هداية السماء، سوف يقولون لك سماء ماذا؟ هذا الذي تفهمه أنت يا أهبل وتضع رأسك فيه من قديم، ومن ثم قد تقول هذا تراثي، وهذه هى المُشكِلة، تراثك من ألف وأربعمائة سنة لم تُغيِّر فيه شيئاً، لم تُغيِّر شيئاً من كلام فلان وفلان من الأئمة والعلماء وتظنه حقاً مُطلَقاً ولم تسر مع الحياة وتطوراتها وشروطها وتغيراتها وأغلقت على نفسك الأبواب في المساجد والجامعات الإسلامية الخاصة بك والفضائيات الخاصة بك ولم تُحاوِل أن تتواصل مع العالم، فجأة سوف تجد نفسك وقد أصبحت خارج العالم، العالم يتقدَّم ويتركك خلفه وبالتالي سوف تنقرضك فكرياً وثقافياً، والعكس صحيح تماماً حين تنفتح على العالم وتقوم بعمل تبادل – Exchange – للأفكار وتُشجِّع على التثاقف وترى ما عندهم وما عندك وتُعيِّر أفكارك بالذي عندهم وتُعيِّر أفكارهم بالذي عندك باستمرار، وإياك طبعاً أن تظن أنك دائماً ستكون المُعطي وهم الآخذين أو أن يكون هم دائماً المعطين وأنت الآخذ، هذا غير صحيح بالمرة، مرة أنت تُعطي ومرة تأخذ ومرة هم يُعطون ومرة هم يأخذون، هذه طبيعة كل شيئ، مثل الاستيلاد الخارجي Outbreeding.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .
______________________________________________________________________________________
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، اهدنا واهد بنا، وأصلِحنا وأصلِح بنا، اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر برحمتمك يا أرحم الراحمين، اللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها وأجِرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، نسألك فعل الخيرات وترك المُنكَرات وحُب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين ولا خزايا ولا نادمين برحمتك يا أرحم الراحمين.ط
اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا – 26/12/2014
أضف تعليق