إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه سبحانه ومُخالَفة أمره لقوله سبحانه من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ۩ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۩ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا ۩ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ۩ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ۩ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۩ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ۩ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا ۩ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
خُطبة اليوم مُحاوَلةٌ لفهم معنى الشهادة، أعني الشهادة الثانية، أشهد ونشهد أن محمداً رسول الله، مُحاوَلة لغلغلة النظر في هذه الشهادة من أجل أن نستوفي ونحقق النصاب الأدنى أو أدنى نصاب هذه الشهادة، نحن نشهد أن محمداً رسول الله، فهل نحن واعون بالحد الأدنى على الأقل من معنى هذه الشهادة؟ ما معنى أننا نشهد بهذا؟ ما معنى أننا نشهد بهذه الحقيقة؟ ما هي براهين هذه الشهادة؟ ما هي مُسوِّغات ومُبرِّرات ومُقوِّمات هذه الشهادة؟ لأن الشهادة الشرط الرئيس والأساسي فيها يا أحبتي في الله – إخواني وأخواتي – أن تكون على حضور، عَلَى مثل الشَّمْسِ فَاشْهَدْ، لابد أن تكون عن حضور ، وليس المُراد بالحضور هنا الحضور الجسماني، وإنما حضور الوعي والإدراك والفهم، إذن نشهد أن محمداً – صلى الله على محمد وعلى آل محمد – رسول الله، قال الله مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ۩، عموماً بلا شك الشيئ – أي شيئ من الأشياء – يتعرَّف أساساً إيجابياً وليس سلبياً، أي يتعرَّف بما هو أولاً وليس بما ليس هو، يُمكِن أن تنفي عن شيئ أشياء كثيرة، أي سلوب، أن تذكر سلوباً كثيرة فتقول وليس كذا وليس كذا وليس كذا ثم لا نعرفه، ولذلك التعريف التحديد أساساً يكون بالوجودي وبالإيجابي وليس بالسلبي، لكن للأسف الابتذال وطول التأنس يُولِّد الغفلة التي تُفقد هذا الإيجابي معناه، دائماً كان لدي حدس باطن وشعور عميق بأن الذين يُسلِمون من الغربيين وغير الغربيين وبأن الذين شهدوا في رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – شهادات مُفعَمة بروح الإجلال والتوقير والتقدير – نحن طبعاً ننتفج وننتفخ ونزدهي بهذه الشهادات، لكن صدِّقوني في أغلب الأحوال والحالات على الإطلاق لا نفهمها، لا نُدرِك باعثها ولا نعرف لماذا – طبعاً ليس شيئاً يسيراً، أن تشهد أنت وأنا – مُسلِم عادي أو حتى مُسلِم استثنائي من أحباب رسول الله ومن أمة رسول الله، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – لرسول الله بالنبوة والرسالة وبما هو دون ذلك هو شيئ عادي جداً وطبيعي، لكن أن يشهد أحدٌ ليس من هذه الأمة وليس على هذا الدين لكنه من كبار الفلاسفة أو المُفكِّرين ليس عادياً، وخاصة بوضوح إذا كان من هؤلاء القوم من الغربيين بالذات، لأنهم في العادة جادون، إذا تحدَّثت عن مُفكِّر غربي أنت تتحدَّث عن مُفكِّر حقيقي وعن موسوعة تمشى على الأرض وعن عالم من الفكر والقراءات، ليس مُجرَّد ألقاب طنانة وعناوين فارغة وطبول، أنت تتحدَّث عن شيئ حقيقي، فحين يشهد أمثال هؤلاء في محمد تلكم الشهادات التي وصفتها إجمالاً نتساءل ما الذي بعثهم على هذه الشهادات؟ ما الذي رأوه في محمد بالذات؟ في ماذا تميَّز هذا الرجل العظيم؟ وبماذا تميَّز؟ كيف كان استثنائياً فعلاً بكل معنى الكلمة؟
المهاتما غاندي Mahatma Gandhi في كتابه البحث عن الحقيقة – مذكراته – يُحدِّثنا أنه تعرَّف على محمد في آخر حياته وأنه قطع شوطاً في قراءة سيرته وأنه مُندهِش تماماً من هذه الشخصية العظيمة ومن هذا الإنسان الكبير الهائل القيمة وأنه يستشعر الندم على أنه لم يسبق له أن تعرف على هذا الرجل قبل عقود، يقول تعرفت عليه مُتأخِّراً للأسف، أنا آسف جداً، تأخَّرت معرفتي بهذا الرجل، طبعاً يبدو أنه وضح الآن أن هذه الخطبة ستكون بمعنى من المعانى وصلاً أيضاً للخُطبتين السابقتين، ما زلنا ندور ونحوَّم حول حمى النبوة، الآن الحديث عن النبوة المُعيَّنة، نبوة محمد بالذات، لا نُريد أن نبدأ بداءة علمية دقيقة منهجية، وإنما نُريد أن نبدأ بداية فكرية مشوبة برومانسية، لكنها رومانسية يُبرِّرها التأمل أيضاً والتبرير الفلسفي والنفسي الذي نرجو أن يكون عميقاً في بعض وجوه وجنباته، ما الذي رآه هؤلاء في محمد؟ لذلك أنا أقول لكم نحن أيضاً ينبغي حين نُعيد مُقارَبتنا لهذه الشخصية الهائلة العظيمة أن نفعل هذا بشكل مُختلِف، وسيثبت لأصحاب العقول النظيفة والقلوب الطاهرة الكبيرة أنها فعلاً أعظم شخصيات التاريخ، ليس لأنه نبينا فقط لكن هذه المرة ليس بالمُبتذَل مثل كيف كان النبي ورحمة النبي وحلم النبي وسعة صدر النبي وبر النبي بالقريب والبعيد وبالعدو والصديق وعفوه وصفحه ورحمته بالحيوان، لا نريد هذا، هذا ابتُذِل بين المُسلِمين في أمة الإسلام، أصبح مُبتذَلاً، وللأسف كلامٌ تقريباً أثره ضعيف جداً في أمتنا طبعاً نبي الرحمة ونبي العظمة الرؤوف الرحيم الآن أمته للأسف الشديد في حال تدعو أنها استيقظت وصحت لا تُترجِم هذه الرحمة بشكل واضح ، تُترجِم عكسها.
بالأمس أحد أحبابي يُحدِّثني قائلاً عرضت على أحد شبابنا هنا – وهو شاب صغير طبعاً من أبناء العرب المُسلِمين، وهو ليس من أبناء هذا المسجد – لقطات من حادثة إرهابية عن المستشفى الذي في اليمن – تم قتل الناس بدم بارد، شيئ فظيع يهز مشاعر كل إنسان من حيث هو إنسان – فكان يتبسم واعتبره عملاً بطولياً، قلت له هذه جريمة، اعتبر أن هذه المُمرِضة أختك أو أمك، قال هؤلاء أبطال، وعلى كل حال القاعدة تبرأت من هذا، إذن هذا يكفي، ذهبت دماء هؤلاء سُدى مع الريح على البلاط، فأين يتعلَّم هؤلاء الشباب؟ هذا من نفس مدرسة طلِّق أمي، نفس المدرسة بالضبط تماماً، على نفس الشيوخ وعلى نفس المُحقِّقين يتخرَّجون ويتعلَّمون، مدرسة طلِّق أمي تماماً، يرى هذا بطولة، قتل الناس والجبن والإجرام ليس بطولة وإنما هو جبن، هذا جبن وليس بطولة، حتى البطولة تشوَّهت في أذهان هؤلاء، البطولة في المعارك ومع العدو المُصرِّح المُعتدي الصائل الواغل، هناك البطولة، أي في الميدان، ليس الاغتيال والتفجير وقتل الناس الأبرياء، كل جبان يستطيع هذا، كل مُستخفٍ خلف برقع – برقع مذهبي أو طائفي أو حزبي أو أيديولوجي أو استخباراتي أو أو أو – يستطيع أن يفعل هذا، ليست هذه البطولة، كل شيئ تشوَّه عند هؤلاء، الأمومة تشوَّهت والصداقة تشوَّهت والدين تشوَّه، إذا تشوَّه الدين وطبيعة الدين فبالحري كل شيئ بالتبع وبالتالي يتشوَّه، كل شيئ يحدث فيه هذا، طبيعي أن تتشوَّه الأمومة والصداقة والعلاقة الزوجية والفضائل والأخلاق والقيم والمعايير والإنسانية بعد أن تشوَّه الدين، لأن الدين الحق ليس كذلك، القرآن – وهو حقٌ من حق وبالحق نزل أيضاً – يتشوَّه في أذهان هؤلاء، لا يُمكِن أن يشفيهم لأنهم يُحرِّفونه، أذهانهم تحرَّفت، النظارة مُكسَّرة مُغبَّشة مُسوَّدة ولذا لا يرون شيئاً، وإلا فالقرآن من حيث هو ليس كذلك، وأنا أقول لكم سيضح هذا ربما في هذه الخُطبة من خلال أخذ رسول الله كحالة – كحالة إنموذجية – وهو الرجل في حديث يزيد بن بابنوس عن أم المؤمنين عائشة – رضوان الله تعالى عليها – فعلاً كان خلقه القرآن، ولذلك أنا أقول لكم أعظم شخصية في التاريخ وأكمل شخصية وأكثر شخصية على الإطلاق – على الأقل بالنسبة لي أنا العبد الضعيف بقراءاتي المُتواضِعة – بارِئة من كل اعتلال واختلال نفسي، الرسول يتحدانا، وهذا اسمه مبدأ التكذيب، مبدأ القابلية للتكذيب ومبدأ القابلية للإدحاض أو للدحض، فالنبي يتحداك كما تحداك قرآنه، هل يُوجَد كتاب مثل القرآن الكريم؟ أروني في العالم وفي تاريخ العالم كتاباً مثل القرآن الكريم يُعيَر نفسه وفق مبدأ القابلية للإدحاض، وهذا له علاقة بكارل بوبر Karl Popper، فأنا أتحدَّث الآن عن كارل بوبر Karl Popper ومبدأ القابلية للإدحاض، يقول لك القرآن الكريم أنا أتحداك، اثبت أنني باطل، اثبت أنني مُتناقِض، سيأتيك بعض الغلمان ويقول لك هناك عشرات الآيات أو مئات الآيات أو عشرة آلاف آية – تقول له عدد آيات القرآن في حدود الستة آلاف لكنه لا يعرف شيئاً – مُتناقِضة، أنت لا تعرف عدد آيات القرآن الكريم، التناقض في عقلك وفي قلة فهمك، لا تعرف النحو، ولا تعرف الصرف، ولا تعرف البيان، ولا تعرف أسباب النزول، أي ذائقة لغوية معدومة لديك، ثم تقول لي مُتناقِض، أنت لا تفهم شيئاً، ماذا أفعل لك؟ هذه مُصيبة، لكن أنا لا أتحدَّث هؤلاء الصغار.
الموسوعة الكاثوليكية الجديدة New Catholic Encyclopedia كتبت – وهذا صعب جداً جداً جداً، من أصعب ما يكون عليهم، معروف موقف الكاثوليكية من الإسلام بالذات – تقول لقرون ظل القرآن يُتهَم بتُهم – آفائك وأزعومات – لم يعد من المقبول تصديقها اليوم، هذا صحيح، كأن يُقال أنه من عمل الشيطان، هذا غير صحيح، قال الله وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ۩، كان يُتهَم بأنه كتاب شيطاني لأنه فظيع وواضح أن فيه الكثير من الأشياء غير العادية، هذا كتاب استثنائي، إذن فليكن من تأليف الشياطين ومن وحي الشياطين، والله منذ البداية قال وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ۩، هذا ليس من وحي الشيطان، وهو – ما شاء الله – جميل جداً، والله إذا كان الشيطان عنده القدرة أن يُوحي بالقرآن فالشيطان أنبل كائن وأعظم كائن ولكان كريماً جداً جداً واستحق العبادة، لكن انتبه إلى أن القرآن يقول لك مستحيل، الشيطان لا يأمر بالبر ولا يأمر بالإحسان ولا يأمر بالخير وبالقسط وبالعدل، أليس كذلك؟ الشيطان ليس جميلاً، ليس كائناً أخلاقياً، ثم يقول لك استعذ بالله مني، حين تقرأ هذا الكلام استعذ بالله مني لأنني لعنة وشيطان، لا يُمكِن، هذا ليس كلام الشياطين، ما هذا الشيطان المُتواضِع جداً الذي يقول لك استعذ بالله مني؟ قبل أن تفتح هذا الكتاب وتقرأ استعذ بالله مني، أي من الشيطان الرجيم، هذا كلام مجانين تُوحي به الشياطين، القول بأن القرآن من تأليف الشياطين من كلام الشياطين بالضبط، هذا تماماً وحي الشياطين لأمثال هؤلاء المعاتيه، لذا هذا عته، عته فكري واستخفاف كبير، أنت وجدت أنك أمام شيئ استثنائي وأمام تحدٍ، هذا التحدي رقم واحد، القرآن يقول لك في أول سورة كبيرة بعد الفاتحة وهي البقرة لاَ رَيْبَ فِيهِ ۩، يقول لك أنا أتحداك، ليس فيّ لدى العقل المُتماسِك والذهن المُحترَم ما يبعث على الارتياب لكن اقرأني جيداً وافهمني جيداً، قال الله وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ۩، قال لك أنا لست مُتناقِضاً ولست مُتعارِضاً أبداً، أنا مُتسانِد مُتآزِر مُتصادِق وغير مُتكاذِب، القرآن يتحداك بهذا،هل يُمكِن لأحد أن يُقدِّم امتحاناً عند أستاذ مُتشدَّد حريص على ترسيبه لكنه عادل في نهاية المطاف وإن كان مُتشدِّداً ويُجيب ثم يقول لأستاذه أتحداك أن تجد أي نقصٍ في جوابي؟ هذا ينتحر مُباشَرةً، لأن الأستاذ لن يبيت ليلته ولن يذوق جفنه طعم النوم حتى يجد له مائة خطأ وخطأ ويُرسِّبه، أليس كذلك؟ القرآن يتحدى، يقول لكم أنا أتحداكم، اثبتوا أنني مُتناقِض، وهذا من ألف وأربعمائة سنة وأكثر طبعاً، وهذا هو محمد عليه الصلاة وأفضل السلام، أنا أقول لكم محمد يتحداكم، اقرأوا حياة محمد وسيرته لكن كونوا علماء طبعاً، لا يأت أحد مثل القمص فلان والقمص علان ويتكلَّم بأحاديث كلها موضوعة وضعيفة جداً وليست تصح ثم يقول لي هذا مُحمَّدكم، لا ليس مُحمَّدنا، هذا محمد الكذَّابين أمثالك، هذا ليس محمداً عليه السلام، هذا محمد الكذَّابين، وطبعاً المصدر الموثوق ثقة مُطلَقة وذو الصدقية الكاملة في التعريف بمحمد القرآن الكريم، لذلك أنا قلت لأخي بالأمس للأسف هذا خطأ علمائنا، وهو خطأ اصطلاحي، لأن علماء الحديث منذ البداية حين وضعوا مُصطلَح الصحيح بإزاء ما عرَّفوه بكذا وكذا الذي يستكمل الشروط الخمسة أخطأوا، هذا ما كان ينبغي أن يُسمى بالحديث الصحيح، كان المفروض أن تقول الحديث الراجح أو النصوص النبوية الراجحة، بمعنى أنه يترجَّح لدينا، أي أنه رجح فقط، فلا تقل صحيح، كلمة صحيح بالذات عند العوام لها معنى غالط، عند العلماء الأمر مُختلِف، العلماء لديهم هذه الحرية وهذه القدرة، لكن طبعاً العلماء البارئون من الجمود الفكري والجمود العلمي، أما العامي حين تقول له حديث صحيح وبعد ذلك تقول له فلان يُكذِّب بهذا الحديث الصحيح ويرده فإنه يقول لأمه الهبل وله الويلات، كيف يُكذِّب بحديث صحيح؟ تماماً كأنك تقول له يرد آية قرآنية، وفرق يا حبيبي بين آية قرآنية لا يتطرَّق إليها الشك والارتياب من أي جهة وهي مُتواتِرة ملايين عن ملايين وبين الحديث، فرق بين القرآن وبين أحاديث مُعظَمها على الإطلاق آحاد بل كلها بحسب العلّامة ابن حبان البستي أبي حاتم، الأحاديث كلها آحاد، ليس فيها مُتواتِر في الحقيقة، والمُتواتِر العملي من السُنة هو مُتواتِر طبقي وليس مُتواتِراً إسنادياً، وقد قلنا هذا مائة مرة، لكن يُنظَر لك كأنك تكذب القرآن، وطبعاً تحدث مشاكل، هذه الأحاديث الصحيحة فيها اتهامات للنبي وفيها تنقص من جنابه العالي الشريف، كيف نُدافِع عنه يا أخي؟ ماذا نفعل؟ منهجياً نحن الحمد لله خُطتنا واضحة، نُعيّر ونروز كل حديث بكتاب الله، لأن القرآن كان يتحدى بهذا، أيام رسول الله – وهو على قيد الحياة – لم يكن هناك أشياء تُسمى أحاديث، أليس كذلك؟ ولم تكن هناك أسانيد، ولم يكن هناك حدَّثنا وأخبرنا والبخاري ومُسلِم وكُلَيني والإمام زيد وإلى آخره، لم يكن هذا الكلام موجوداً، كان يُوجَد مُسلِمون وكفّار ومحمد بينهم والقرآن يتنزَّل، والقرآن يقول محمد هو كذا وكذا وهذه شخصيته وهذه صفاته، هل كذَّبوه مرة واحدة؟ هل قالوا هذا كذب تماماً لأنه يُعارِض محمداً الذي نعرفه؟ لم يحدث هذا ولو لمرة، أليس كذلك؟ هذا التحدي، لم يقولوا ولو لمرة انظروا إنه يكذب، هو – أستغفر الله – أو الذي أنزله يكذب، هو ليس كذلك، بالعكس كل مرة كان يُبرهِن أنه كذلك تماماً، ولذلك هو يعتلي عرش قلوبنا، ولا يُمكِن أن تُحِب النبي حقاً إلا أن تعرفه حقاً أو على الأقل تُقارِب معرفته الحقيقية، هذا لا يُمكِن، الصحابة عرفوه وقد عاشوا معه، أحبوه أكثر من آبائهم وأمهاتهم وأنفسهم وأولادهم والناس أجمعين لأنهم عرفوه .
نعود إلى موضوعنا، للأسف المُقدِّمات تأخذنا بعيداً، في حالة محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام – من الضروري للأسف هذه المرة أن نُقارِب معرفته وأن نتعرف عليه ليس بما هو كما ابتُذِل – ما عاد يعننينا كثيراً للأسف هذا، ما عاد نفهم ما هو – لكن بالذي كانه محمد، أنا أقول لكم محمد على ما هو سيُرَد إليه الاعتبار بعد أن نعرف ما لم يكنه محمد، ماذا لم يكن محمد؟ هذا مُهِم جداً، لكن لماذا؟ لأن مُعظم الأنبياء الكذبة ومُعظم الدعاة والمُبشِّرين بخلاص الإنسانية وفلاح الإنسانية ونجاة الإنسانية حتى من أعداء الأنبياء الصادقين – أنبياء الله ورسله – حين تقرأون تواريخهم وتراجمهم بالتفصيل – ليست الخرافات التي شاعت عنهم – تعلمون أنهم كانوا مُخيفين جداً، علماً بأن أكثر ما نعرفه عن هؤلاء مما جعلهم عظماء وأمثلة عُليا مُجرَّد خرافات، حقائقهم كما كانوا مُخيفة جداً جداً، ليس معنى هذا أنهم كانوا أقزاماً وما إلى ذلك أبداً، هم كانوا استثنائيين بلا شك في جوانب فكرية وفلسفية وعلمية لكنهم كإنسان وكبشر وكأناسي كانوا فظيعين جداً وكانوا مُخيفين جداً، وحين إذن سيلوح لك الفرق تماماً بين محمد وهؤلاء وستعرف ميزة محمد، وحتى لا نطوِّل بهذه المُقدِّمات سأقول لكم الآن النتيجة الآن، سأسلفكم تحت الحساب النتيجة من الآن، وهي أن المسافة بين ما كان يقوله محمد ويُبشِّر به محمد ويدعوا إليه محمد وبين محمد الإنسان ومحمد المُتعيِّن من لحم ودم ويمشي على قدمين كانت صفراً، المسافة صفر، وهذا معنى قول أمنا عائشة – رضوان الله عليها – كان خلقه القرآن، لم يدع إلى شيئ وفعل عكسه، علماً بأن الأنبياء جميعاً كانوا كذلك وليس محمداً فقط، محمد هو الوحيد من بين الأنبياء أقرب الناس إلى عيسى، قال أنا أولى الناس بعيسي ابن مريم، ليس بين وبينه نبي، كل الحكاية تتعلَّق بخمسمائة وسبعين سنة أو خمسمائة وواحد وسبعين سنة وما إلى ذلك بحسب المشهور، أليس كذلك؟ لم يتجاوز الأمر ستمائة سنة، ومع ذلك عيسى الآن حتى عند النصارى – المحقِقين طبعاً – يُوشِك أن يكون أسطورة لعدم وجود أي صدقية تاريخية، لا تُوجَد صدقية – Credibility أو Crédibilité -ومعقولية تاريخية له، هكذا هم يظنون للأسف، مثلاُ أنا قرأت مرة – وقد ذكرت هذا في خُطبة قديمة – للمُفكِّر الأمريكي الكبير رالف وولدو إمرسون Ralph Waldo Emerson شيئاً عجيباً، وأكَّد هذا برتراند راسل Bertrand Russell ، وأكده ثالثاً قريباً وهو الفيلسوف اللغوي والروائي الإيطالي الكبير الحي العائش أومبرتو إكو Umberto Eco، ثلاثة هؤلاء أكَّدوا أن عيسى من الصعب أن يكون قدوةً لك، أن تكون إنساناً مُتنوراً وتعيش براحة لا يُمكِن أن تتخذ عيسى قدوة، لماذا؟ كيف هذا؟ إمرسون Emerson قال هذا قدوة لي لأنه لم يكن يضحك، ليس في الإنجيل في موضع واحد أن عيسى مزح يوماً أو مازح اصحابه وكان يضحك، هذا لا يكون قدوةً لي، سيُحيل حياتي جحيماً، هل أنا أقتدي بهذا الإنسان؟ وأنا يقيني طبعاً أن عيسى كان يضحك، وأكيد كان صاحب روح طيبة جداً ومرحة، ليس فقط هو جمع الحنان والرقة واللين والحساسية العالية بل كان يضحك ولم يكن مُتزمتاً، مستحيل أن يكون مُتزمِتاً، لم يكن مُتزمِتاً أبداً، هو نموذج مُعاكِس من هذه الجهة ومن هذه الجنبة مع يحيى ابن خالته عليه السلام، يحيى كان فيه شدة وفيه صلابة، ذاك الصارخ في البريّةعليه السلام، أما عيسى لم يكن كذلك أبداً، لكن ليس في الإنجيل ما يُثبِت أنه ضحك مرة واحدة، ولا آية في الإنجيل تقول أنه ضحك، لكن عندنا عشرات الأحاديث التي تقول أن النبي كان يمزح ويُمازَح ويُمازِح ويضحك ويُضحِك ويتبسم، غالب ضحكه التبسم عليه الصلاة وأفضل السلام، فهو عنده هذه الروح، هل تعرفون لماذا؟ محمد مُوثَق، محمد كما قال الراهب الكاثوليكي المُرتَد الذي ألحد – ترك الأديان كلها وألحد ليس بالكاثوليكية وإنما بالأديان – إرنست رينان Ernest Renan نعرف كل شيئ عنه، الفيلسوف والمُؤرِخ والراهب الفرنسي إرنست رينان Ernest Renan قال محمد وُجِدَ في ضوء التاريخ الكامل، محمد كأنه أمامنا ونعرف تقريباً كل شيئ عنه، اقرأ كتاب العلّامة الشامي أو العلّامة المقريزي الإمتاع وسوف تجد الشيئ غريب، هناك خمسة عشرة مُجلَداً وفيها أسماء دواب النبي دابة دابة وأسماء أمتعة النبي وما إلى ذلك، كان عنده سبعة سيوف أو تسعة سيوف وذُكِرَت كلها وبالاسم وبالوصف، وكذلك الحال مع القعب الذي كان يشرب فيه الماء، وكم قعب كان عنده، نعرف كل شيئ، وهذا طبعاً واضح، نحن نعرف عن محمد أكثر بكثير مما نعرف عن بعض القيادات الروحية والفكرية والسياسية والعسكرية التي تُقيم الآن بين ظهرانينا، وسيموت هؤلاء ولن نعرف عنهم عشر معشار ما نعرفه عن محمد، الله شاء هذا، لماذا؟ لأن النبي محمد فعلاً – كما قلت لكم – سيكون المثل الكامل، هو المثل الكامل لكل بشر يبحث عن مثل.
النتيجة يا أحبتي في الله – إخواني وأخواتي – بكلمة أن المسافة بين ما كان يقوله ويُبشِّر به ويدعو إليه وبين ما كانه هو وما كان عليه صفر، المسافة صفر، أي لا مسافة، وهنا العظمة يا إخواني، وطبعاً ما يدعو إليه محمد – كما قلت لكم – كانت طبيعته هي طبيعة قرآنه، هو صيغة وفق كتاب الله تبارك وتعالى، القرآن يقول لك اقرأني جيداً وستشفى بإذن الله، ستشفى من أمراضك، قال الله وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ۩ وقال أيضاً وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ۙ ۩ فضلاً عن أنه قال قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۩، وهذا أمرٌ غريب، كيف يكون شفاءً؟ قال لك هو شفاء للصدور وليس للأبدان كوجع الكلية والكبد والركبة وطنين الأذن وما إلى ذلك وإنما لِمَا فِي الصُّدُورِ ۩، شفاء من الأكاذيب ومن الأوهام، كلنا نعيش على أكاذيب، أنا أقول لكم لا استثناء، كلنا لدينا أكاذيبنا ولدينا أخدوعاتنا، كلنا يخدع نفسه، لكن الفرق أن بعض الناس يتكامل خداعه لنفسه، يعيش ويموت دون أن يدري – أكرمكم الله – أنه وغد، وكل الناس خاصة الذين يتعاملون معه يرونه وغداً، يعلمون أنه وغد، أي وغد Perfect، ابن حرام كما يقول العامة، يُقال يا أخي هذا ابن حرام، وهو يعيش ويموت ويعتبر نفسه ربما من الأمثلة العُليا في المجتمع، وهذه مُصيبة، ولن يعرف العلاج والشفاء طريقه لأمثال هؤلاء المعاتيه، هذا فيه جنون، صدِّقوني يُوجَد جنون نفسي وجنون عقلي، وللأسف الكثير من أنبياء البشرية الكذبة من المُفكِّرين والشعراء والفلاسفة كانوا كذلك، هذا هو قصد الخُطبة، وهذه الخُطبة كان لابد أن تكون مُحاضَرة من خمس أو ست أو سبع ساعات لكي نتحدَّث عن عشرات من هؤلاء ونوَثِّق كلامنا بالكتب النقدية المُوثَّقة، وسوف تنجلي الحقيقة لنا بشكل يصدمنا يا إخواني، لكن أقول لكم بعد انجلائها سنستعيد محمداً وهو أكمل وأرقى وأجمل من محمد المُبتذَل للأسف في نفوسنا، أنا قلت لماذا مُبتذَل؟ لأنه لا تأثير له في حياتنا، هذا كذب فانساه، أين التأثير يا أخي؟ أين التأثير في حياتنا؟ أنا أعلم هذا حين أرى مُسلِمين اثنين مِمَن يختلفون من عشرة وعشرين سنة إلى المساجد ويقولا أنهما أبناء عمل إسلامي وأبناء كذا وكذا وإذا اختلفا على شيئ تافه – تافه من التفاهات – لا يُوفِّر أحدهما لأخيه حُرمة، يركب الصعب والذلول من أجل أن يُحطِّم أخاه وسمعته، يا أخي عن أي دين تتحدَّث أنت وعن أي التزام؟ أنا كافر بهذه الطريقة في التدين، لا يُمكِن أن أصدِّق هذا، لا يُمكِن أن أصدِّق أنك تعرف الله – تبارك وتعالى – وتُراقِب الله وأن محمداً قدوتك، هذا مستحيل، هو ليس قدوةً لك، لا علاقة لك بمحمد، كذب والله العظيم، أقسم بالله هذا كذب، وهو شيئ مُؤلِم، لماذا؟ أنا أقول لكم لأننا نشهد دون أن نعي ما نشهد، نحن في حالة غيبوبة، ليس عندنا الإدراك، من المُصطلَحات الإجنبية التي تُعبِّر عن الإدراك وهو مُصطلَح دقيق – في العلوم العصبية يُستخدَم هذا المُصطلَح – Attentability من Attention، انتبه أو كن ُمنتبِهاً Be attention، يُراد الانتباه لكن بمعنى الإدراك وبمعنى الوعي هنا، طبعاً هناك مُصطلَحات كثيرة – قائمة من المُصطلَحات – لكن لماذا في سياقات مُحدَّدة وخاصة الوعي المُتطوِّر أو الذي يتطوَّر يُعبِّرون عنه بالانتباه والمُراد الإدراك والوعي؟ لأن هذا الفرق بين الإنسان والحيوان، وهذا الفرق بين الطفل وبين الراشد الواعي، مُعظَم الناس يعيش ويموت – كما قلت لكم – في حالة غيبوبة، ما الفرق بين الإنسان الواعي المُدرِك المُتنبِّه اليقظ وبين الإنسان المُصاب بالخبل Dementia كالذي وصل عمره تسعين سنة أو مائة سنة وأصبح مُخرِّفاً؟ هل تعرفون ما مُشكِلة المُخرِّف؟ كان الله في عون كل من يجلس إلى مُخرِّف، شيخ يصل عمره إلى تسعين سنة أو مائة سنة وهو رجل مسكين مُصاب بالخرف فيتحدَّث ويتكلَّم ويُعيد طبعاً الشيئ عشرات المرات في نفس المجلس، هذا المُخرِّف الفرق بينه وبين أي إنسان واعٍ فينا – وكثر الله من الواعين الأيقاظ فينا – هل تعرفون ما هو؟ المُخرِّف لا يُدرِك أنه مُخرِّف، والمُخرِّف لا يستطيع أن يلتقط مائة حركة ومائة ردة فعل – Reaction – واستجابة في وجهك، أنك مُمتعِض أو أنك ساخر أو أنك راثٍ أو أنك أسفان على حالته، لا يفهم هذه الأشياء كلها، هذا المُخرِّف عينه إلى الداخل، وهذه حالة كل إنسان مُخرِّف حتى ولو لم يكن مُخرِّفاً بالمعنى الطبي، كل إنسان فقد الوعي والانتباه عينه ليست على الخارج وإنما على الداخل فقط، هو لا يرى إلا نفسه، لا يرى إلا داخله، لا يرى خارج داخله، هذه هي المُصيبة، ولذلك هو فقد قدرة وفقد لياقة أن يرى نفسه في مرآتك، كأن ينظر لك فيعرف أنك مُمتعِض منه الآن أو أنك تسخر أو غير مُصدِق بكلامه أو أنك أظهرت ردة فعل تدل على أنك سمعت هذا منه من قبل، لا يُدرِك الأشياء هذه كلها ويبدأ يسترسل في الحديث، وأعانك الله على جمر الغضى، تجلس على جمر الغضى لأنك سمعت هذا مليون مرة وتعرفه لكن لا فائدة، هذا المسكين لا يرى هذا ولا يلتقطه لأنه غير واعٍ، هل تعرفون ما المُصيبة؟ كثير من الأنباء الكذّبة عاشوا هكذا وماتوا هكذا، ما رأيكم؟ أن يعيش إنسان عادي هذه الحياة وهذه العيشة وعلى هذا النحو هذا طبيعي ولن يكون له أي تأثير كبير، أعان مَن حوله فقط، لكن أن يعيش مُبشِّر ونبي كاذب من أنبياء الإنسانية بهذه الطريقة هذه مُصيبة، وكذلك الحال إذا حدث هذا مع فيلسوف عظيم – مثلاً – كجان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau، أليس كذلك؟ مِن أواخر مَن عظَّمه كلود ليفي ستروس Claude Lévi-Strauss، هذا الأنثربولوجي الفرنسي الكبير قال سيدنا وأخونا، جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau سيدنا وأخونا، هذا سيد البشرية، روبسبير Robespierre طبعاً لقيَ حتفه على المقصلة وهو من قادة الثورة الكبار، وطبعاً الثورة كانت بعد جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau بعشر سنين لأنه مات في عام ألف وسبعمائة وثمانية وسبعين، فكانت الثورة بعده بعشر سنين تقريباً، روبسبير Robespierre قال عن جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau الوحيد الذي نعرفه والذي بجدارة فرض لقب مُعلِّم البشرية لنفسه على الدُنيا بعظمة شخصيته ونبل روحه، الأديبة الكبيرة جورج صاند George San – هذه أديبة كبيرة واسمها جورج George – تصفه بأنه القديس روسو Rousseau، هذا قديس، أي Saint بالإنجليزية أو Sankt بالألمانية، حين تقرأ حياته وتقرأ اعترافاته وتقرأ الكتب النقدية من بعض كبار النقاد المُتعاطِفين معه تُصاب بذهول، الرجل كان كارثة بشرية تمشي على قدمين، المسافة بين أقواله ومبادئه وأفكاره وبين حياته أو بين أفكاره وبينه كإنسان فلكية، كانت مسافة فلكية، لغاية أن بعض كبار المُفكِرين كالمُؤرِخ الكبير بول جونسون Paul Johnson قال الذين امتدحوه مثل كانط Kant ومثل جورج إليوت George Eliot ومثل جورج صاند George San ومثل فيكتور هوجو Victor Hugo ومثل تولستوي Tolstoy ومثل ومثل – كل هؤلاء امتدحوه وجعلوه شيئاً كبيراً – أقاموا من أنفسهم برهاناً جديداً مع براهين كثيرة موجودة على أن المُفكِّرين والمُثقَّفين يُؤمِنون بالخرافات، هذه خرافة، هل أنتم تعتقدون أن روسو Rousseau هكذا كان؟ هذه خرافة، اقرأوا حياته، اقرأوها بالتفصيل، الرجل كان كارثة.
دوستويفسكي Dostoyevsky عرَّف الإنسان بأنه الكائن الجاحد الذي يمشي على قدمين، الجحود صفة أصيلة في الإنسان، لكن إذا أردت أكبر مثال لهذا الجاحد السائر على قدمين فإنه سيكون جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau، هكذا كان، وهذا مُهِم لكي تعرف الفرق بين أمثال روسو Rousseau وأمثال محمد عليه السلام، ولا مثل له أصلاً، لا مُضاهٍ ولا نظير له – عليه الصلاة وأفضل السلام – من جميع الجوانب، وجميع الجوانب مُجرَّد تمظهرات وتجليات لعلاقة الحياة ولعلاقة الشخص بأفكاره وبدعوته، أليس كذلك؟ هذه الحياة كلها، سوف نقيس المسافات ونرى بهذا المعيار الخاص بنا مدى التطابق، دائماً محمد يأخذ النهاية العُظمى، دائماً دائماً دائماً دائماً دائماً دائماً في كل شيئ، محمد دعا إلى الرحمة وبالمُطلَق حتى بالأعداء، وانظر في حياته كلها لتعرف هل أثبت أنه كان رحيماً بأعدائه أم لا، كان رحيماً بهم في مائة مرة، وأعظمها كما تعلمون يوم فتح مكة، فعل هذا مائة مرة، وهذا كان أولاً، ثانياً محمد دعا إلى البر، دعا إلى البر لا إلى العقوق، وأهم شيئ البر، العامة لدينا يقولون الذي ليس فيه خير لأهله ليس فيه خير للغرباء، أنا أقول لك ضروري جداً أن تختبر صدقية أي إنسان وخاصة من الدعاة، أي الذي يظن نفسه داعيةً، مثل داعية للإنسانية أو للفضيلة أو للأخلاق، فلا أعني بالدعاة المشائخ فقط، وإنما أي دعاة، حتى الملاحدة هم دعاة، عندهم أشياء يدعون إليها ورسالات وما إلى ذلك، دائماً انظر إلى علاقة هذا الداعية وهذا النبي الزائف أو الصادق بأهله، بأبويه وبإخوانه وبأخواته وبزوجته وبأولاده، وبعد ذلك بالدائرة الأوسع كالأصدقاء والمعارف وإلى آخره، انظر إلى محمد وإلى غير محمد، وسوف تجد فروقاً عجيبة غريبة من نوعها، شيئ لا يكاد يُصدَّق والله العظيم، ولا يُوجَد استثناء فأكثرهم تقريباً مُتورِّطون، يبقى محمد يقتعد ذروة القمة – عليه الصلاة وأفضل السلام، يبر أعداءه الذين أخرجوه وطردوه وتألَّبوا عليه ودهموه في المدينة لما أصابتهم السنون العجاف، ويبعث إليهم بالميرة ويبعث إليهم بكذا وكذا، وقد قلنا هذا أكثر من مرة، وأبو سفيان يضرب رأسه ويقول انظروا إلى مدى حرصنا على قتله وعلى تنكيس رايته وانظروا إلى بره بنا، ما هذا الرجل؟ تبعث لنا بالمال والقمح والشعير ولأشياء وقد فعلنا بك ما فعلنا، ما هذا؟ هذا قبل الفتح، في السنين العجاف، لكن هذا هو محمد – عليه السلام – البار، ينتصر عليهم في بدر والصحابة يُهينون القتلة من سدنة ورعاة الكفر والإلحاد والعدوان والظلم، يقولون عجائز شُمط، إن لقينا إلا عجائز شُمطاً وضربنا ما هنالك بأسيافنا، فقال النبي لا، لا تقل هذا يا ابن أخي، إنهم الملأ، لا يُوجَد هذا الغرور، انظر إلى رحمته حتى بالموتى، حتى وهو ميت يحترم كرامته، قال النبي كانوا فرساناً، هؤلاء لم يكونوا عجائز شمط، كانوا رجالاً وفرساناً، لكنهم غووا وضلوا وأعرضوا وكفروا، لهم الله في النهاية، انتهى الموضوع وأمرهم إلى الله لكن لا تُهنهم، لم يسمح بإهانتهم، ما هذه الشخصية العظيمة؟ ما هذه الشخصة الغريبة؟ كما قلت لكم لن تستطيعوا الآن – نحن المُسلِمين بالذات – أن نتعرَّف عليه بما هو، على غير المُسلِم ففرصته مُمتازة لأن يتعرف على محمد بما هو، ومباشرةً يُعجَب بمحمد إذا تعرَّف عليه بما هو ، لكن نحن لم يعد يفيدنا هذا، لابد أن نتعرَّف عليه بما ليس هو، إذن لم يكن كذا وكذا ولم يكن كذا وكذا ولم يكن كذا وكذا، وهذا بالذات لأننا – ما شاء الله -لسنا كملة، نحن مُتورِّطون حتى الأذقان بل حتى النواصي في قباحات وسخافات وقذارات، أليس كذلك؟ نستطيع أن نعرف إذن حجم هذا الرجل من خلال حتى المُقايسة بأنفسنا، مَن نحن؟ ومَن هو عليه الصلاة وأفضل السلام؟ كيف كان إذن؟ كيف كانت علاقته بأزواجه؟ شيئ غريب، لم يطلق واحدة من زوجاته باستثناء وحيدة قالت له أعوذ بالله منك في ليلة البناء – ليلة الدخلة – فقال لها الحقي بأهلك، هل تنظرين إليّ على أنني شيطان؟ مع السلامة وانتهى الأمر، لم يمسها ولم يدخل بها، حين أراد أن يدخل بها دخل عليها في غرفة قالت له أعوذ بالله منك فقال قد عذت بعظيم الحقي بأهلك، باستثناء هذه لم يُطلِّق واحدة من زوجاته، أولى زوجاته وفي المشهور كانت أسنهن خديجة – رضوان الله عليها – ظل وفياً لها حتى آخر لحظة وكان يبكي على أيام خديجة، كان يبكي بالدموع، ويوم فتح مكة ضرب ضرب قبة من أدم على قبرها هناك عند قبرها وظل يبكي، ما هذا الوفاء؟ ما هذا القلب الكبير؟ وانظر اليوم ليس فقط إلى روسو Rousseau وهوجو Hugo وسقراط Socrates وبيرسي شيلي Percy Shelley وبرتراند راسل Bertrand Russell وأينشتاين Einstein وأمثال هؤلاء وإنما انظر حتى إلى المُسلمين فينا، أين الوفاء الذي عندنا بأزواجنا؟ أين الرحمة بهن؟ فقط الواحد فينا هو رهن أو برسم فقط أن يزداد دخله قليلاً ويقدر على أن يفتح بيتين وسوف يفتح بيتين مُباشَرةً، ونحن لم نقل هذا حرام، فتعدد الزوجات ليس حراماً، يُعدِّد لكن هو الظلم المُخيِّم على الأولى المسكينة، انتهت ونُسِخَت، نُسِخَ الحب والاحترام والتوقير والكفالة والرعاية، ويُقال عنه مُسلم وقد يكون شيخاً أيضاً وبلحية، هذا عادي عندنا، لكن محمد لم يكن كذلك، كان نعم الزوج، ومن هنا عشق أزواجه له، وهنا نقول لإخواننا الشيعة ليس من مصلحتكم – لأنكم مُسلِمون مثلنا تماماً وهذه نصيحة – ولا مصلحة الإسلام ولا مصلحة صورة النبي أن تُبدئوا وتُعيدوا في خرافاتكم بأن عائشة كانت تُبغِضه وحفصه كانت تُبغِضه وتآمرتا عليه وسممتاه، هذا كلام فارغ، خرافات سخيفة، كل تاريخ السيدتين يُؤكِّد أنهما لم تكونا كذلك، وظلتا ليستا مُحبِتين وفيتين وإنما عاشقتين لرسول الله بعد وفاته، وقلت مرة أنا في خطبة أنا ظلت عائشة – رضوان الله عليها – بالنسبة لي أكبر مثال أستطيع أن أتأكَّد به – أو على الأقل من بين أكبر الأمثلة ومن بين أكبر المعايير – هل كان محمد صادقاً حقاً أم كان رجلاً ذكياً جداً واسع الحيلة خدعنا وخدع المُؤرِّخين؟ لو كان كذلك – لو كان الثاني وحاشاه – كان هذا سيظهر أول ما يظهر في أذكي زوجاته وأوسعهن دائرة في العلم والثقافة والأدب والشعر، أعني عائشة، وعائشة كانت مباشرةً بعد وفاته ستُمارِس حياتها كمُرتَدة عن الدين، تبقى في الإسلام بالاسم مثل أكثر المُسلِمين اليوم لكن تعيش كمُرتَدة، طبعاً كثير من المُسلِمين اليوم يعيشون في سُكر وزنا وعربدة وكفر وعمالة وبيع أوطان وبيع أديان وإجرام وكل شيئ ويُقال عن الواحد منهم أنه مُسلِم، ومع بعض المال فيحج مرة ويعتمر ويلتقط له صوراً، مُسلِم بالاسم لكنه يعيش ككافر زنديق، لو كان الأمر على هذا النحو كانت عائشة ستفعل هذا وحاشاها، تعيش مثل زنديقة كافرة وتظل أم المؤمنين وتأخذ مالاً، لكن انظروا كيف عاشت عائشة حياتها، كانت تصوم يومياً، عائشة كانت تسرد الصوم، وهذا معروف عنها وثابت ولا يُمكِن لأحد أن ينُكرِه، يومياً كانت تصوم عائشة، أليس كذلك؟ وتُنفِق ما يأتيها من مئات وعشرات الألوف فلا يبقى في يدها شيئ في ذات اليوم، كله تُنفِقه في اليوم الواحد لوجه الله، لماذا؟ لماذا تفعل هذا؟ قالت أنا أريد أن ألحق به، هو أوصاني، قال إذا أردتي أن تلحقي بي معي في الجنة فأكثري من الصيام يا عائشة، فكانت تصوم دائماً لأنها تُدرِك أنه صادق، لم تلمس منه شيئاً واحداً يوماً يُؤكِّد أنه خدعها أو خدعنا أو خدعهم أبداً، لذلك من المُهِم أن نُعيّر و أن نروز أي شخصية ندرسها بمَن وبماذا؟ بعلاقته بالأقربين، بزوجته وبأولاده وبأهله وبذويه، النبي معروف – سبحان الله – بره بهؤلاء، كان باراً إلى درجة غير عادية بأمثال هؤلاء، وهذا معروف فلن نأتي بالأمثلة، الأمثلة معروفة لنا، لنا انظروا إلى الآخرين كيف كانوا، قال لها مرة يا عائشة أخشيتي أن يحيف الله عليكِ ورسوله؟ هل أنتِ تظني أنني حين اترك المخدع ليلةً من الليالي وفي وهن من الليل أنني أذهب إلى إحدى زوجاتي؟ أنا لا أفعل هذا، أنا رجل عادل، ليلتك لكِ، ثم أنه رأته وعرفت الحقيقة فندمت وأدركت إلى أين انسل وتركها، ظنت في البداية أنه تركها لكي يذهب إلى إحدى زوجاته، لكن النبي لا يفعل هذا أبداً، هو نبي الصدق والوضوح، ذهب إلى المقابر، أعني إلى مقابر أحد، وظل يبكي ويدعو ويقرأ لهم، يقول لهم هنيئاً ما أمسيتم فيه مما أصبح الناس فيه، هنيئاً لكم، فعرفت الحقيقة، وهو قال لها هل تتبعينني لأنك تخافي من أن أظلمكِ؟ أنا لا أفعل هذا، أنا رجل مبدأ، رجل الصدق التام، ولذلك كان مُرتاحاً، النبي كان مُرتاحاً جداً مع نفسه، هل شعرتم – وأنتم أكيد قرأتم السيرة مرات كمُسلِمين – مرة واحدة أن النبي عاش مُثقَلاً ومُبهَظاً بمشاعر اضطهادية؟ هل كان يشعر بالاضطهاد؟ مع أن القدر في الظاهر لم يكن مُتسامِحاً أو رحيماً جداً معه، إذا أخذنا نظرة موضوعية كمُؤرِّخين حتى غير مُسلِمين سنقول هذا، بناته كلهن توفين في حياته، أليس كذلك؟ هذه صدمات قوية جداً جداً على إنسان كبير القلب وأوقيانوسي القلب، كان – عليه السلام – شديد الحساسية والرحمة والحب والحنان، أولاده الذكور كلهم حصل معهم هذا، أربعة ماتوا في حياته، لم يُخلِّف وراءه إلا فاطمة عليها السلام، وأدركته بعد ستة أشهر وهنيئاً لها، وتحمَّل هذا كله، فُجِعَ بخديجة وبأبي طالب وبحمزة وبعدد من صفوة أصحابه وأحبابه وإخوانه، أليس كذلك؟ وكان يتحمَّل هذا، ذاق طعم الهزيمة كما فرح بالنصر أيضاً، هُجِّرَ من بلده – أحب البلاد إلى الله وإليه كما قال – وتحمَّل، لكن – سبحان الله – ولا مرة شعرت وأنا أقرأ النبي وما صح من سيرته ومن حديثه أنه كان إنساناً يشعر بمشاعر اضطهادية، بمعنى أنه مظلوم وأن القدر ناء عليه قليلاً وظلمه المُجتمَع والآخرون، لم أشعر بهذا أبداً سبحان الله، ولذلك أنا أقول لكم الاضطهادي أو الشخص الـ Paranoid – الذي يشعر بالاضطهاد – من الصعب أن يكون مُتسامِحاً، لا يُمكِن أن يجتمع الليل والنهار في مساحة واحدة والصيف والشتاء على سقفٍ واحد والاضطهاد والتسامح في شخصية واحدة، هذا لا يُمكِن، هل هذا مُمكِن؟ غير مُمكِن، هذه صفات تبادلية، إذا جاء الليل هرب النهار، إذا وُجِدَ شخص يشعر بالاضطهاد فإنه سيُمارِس في أغلب الأحوال على الإطلاق اضطهاد غيره ولو أدبياً ولو معنوياً ولو عن طريق السخط على العالم وعلى القدر وعلى الآخرين، النبي لم يبرز منه شيئٌ واحد يدل على هذا، وظل مُحتفِظاً بحبه للبشرية وتسامحه حتى آخر نفس، كيف؟ من أين لك القدرة؟ من أين لك القدرة على ذلك وقد فُعِل معك وبك ما فُعِل؟ أليس كذلك؟ النبي اضطُهِدَ، بلا شك اضطُهِدَ اضطهاداً عظيماً، اضطُهِدَ واضطُهِدَ أصحابه أيضاً وأتباعه، ولكنه لم يكن شخصية اضطهادية، لم يشعر بالمُضطهَدية أبداً، عاش سليماً بارئاً عليه الصلاة وأفضل السلام.
النبي أيضاً – وهذا له وصل بالخُطبة أي السابقة – لم يُظهِر شيئاً واحداً يدل على أنه استغل دينه ودعوته ورسالته في سبيل التسلط على الناس والتحكم في الناس أو مزيد تحكم فيهم، لم يكن كذلك أبداً، نحن الآن نرى بعض الدعاة إلى الأفكار بمَن فيهم الدعاة الدينيون يغضبون غضباً لا يعرف معنى التسامح مع أولئك الذين ينتهكون حدود الشريعة وحُرمات الله، بدعوى أنهم يغضبون لله، وهذا كله كذب، هم في الحقيقة يغضبون لأنفسهم، هل تعرفون لماذا؟ قد يقول لي آحدكم لماذا تتحكم في الناس؟ كيف تعرف هذا؟ طبعاً أعرف هذا كما يعرفه كل واحد منكم أو يمكن أن يعرفه، لا يُمكِن أن تكون داعية بهذا المُستوى والحساسية على حدود الله وحُرمات الله وأنا أعلم علماً شخصياً منك كيف تُوغِل وتُمعِن في قرض أعراض الناس من إخوانك الدعاة والعلماء وما إلى ذلك بشكل فظيع، بشكل فظيع جداً تفعل هذا دون أن يطرف لك جفن، أنت تقع في الكبائر والفاحشة ثم تأتي تُظهِر حرصاً غير طبيعي ومُستفَزية عالية لأن أحد الناس خالف في سُنة أو قصر في هيئة من هيئات السُنة، ما هذا يا أخي؟ ما هذا التناقض؟ واضح أنك تفعل هذا لنفسك، لأنك تعتبر احترام الدين واحترام الطقوس الدينية في حضرتك هو احترام لشخصيتك، كأنه يقول لابد من احترامي أنا، لكن النبي لم يفعل هذا أبداً، لأنه – كما قلت في الخطبة السابقة – كان واعياً تماماً يا أحبتي – إخواني وأخواتي – بأن مُهمَته ليست أن يُغيِّر الناس أبداً، هو يفهم هذا، مُهمَته أن يدل الناس على ما يُمكِن أن يتغيَّروا به، هل تُحِب أن تتغيَّر؟ أنا أدلك وأعطيك الخُطة فقط، لكن ليست مُهمَتي أن أُغيِّرك، إذا اتغيرت سأقول الحمد لله وأفرح بهذا، إذا لم تتغيَّر سأقول هداك الله وأرثي لك وأدعو لك وأحزن عليك وأحزن من أجلك فقط، هذا هو النبي فانتبهوا، أما اليوم يظن الواحد من هؤلاء أن مُهمَته أن يُغيِّر الناس حتى لو بالإرهاب وحتى لو بالقتل ولو بالتفجير ولو بالتكفير، كأنه يقول نُريد أن نُغيِّركم بالقوة، وما الفرق أيضاً؟ انتبهوا إلى الآتي، مثل النبي – الذين يسيرون في خطة النبي، هؤلاء ورّاث النبوة الحقيقيون وورّاث محمد أو ورثة محمد – يفرحون طبعاً بكل مَن يُساعِدهم في تبيين الخطة الهدائية للناس، هم يُحِبون هذا، يُحِبون كل مَن سار في هذا الدرب وبيَّن للناس وهدى الناس ودل وعلَّم، هم يُحِبون هؤلاء، هؤلاء إخواننا وهم لنا ومعنا على الحق أعوان، وأما الآخرون – انتبهوا فهذا مُهِم جداً – الذين يرون أن مُهمَتهم أن يُغيِّروا الناس – أن يتغيَّر الناس – يغضبون جداً ويكرهون كل مَن يشتغل في الطريق على نفس الهدف – على الهدف ذاته – دون أن يكون منهم – في تنظيمهم أو في جمعيتهم أو في مسجدهم أو مُتخرِج على يد شيخهم – وهذه كارثة، أقسم بالله كارثة، هذا هو الكذب بعينه، هل فهمتم؟ هذا هو الكذب، نعرف ما الفرق إذن، لذلك خطير جداً الفرق بين أن ترى أن مُهِمتك هي الهداية بمعنى الدلالة والتبيان والنصح فقط وبين أن ترى أن مُهِمتك في أن تُغيَّر الناس وأن تُغيِّر الواقع، المُهِمة الثانية تقريباً تتصاحب وتتظاهر في معظم مراحلها – كما قلت لكم – بالمصالح الذاتية والفئوية الضيقة، ونكذب على أنفسنا ويتكامل خداعنا لأنفسنا، يُقال هذا من أجل الإسلام ومن أجل الناس ومن أجل شرع الله، لكنه ليس من أجل شيئ من هذا، وإنما من أجلنا نحن، ولذلك انظروا كيف كان النبي – عليه السلام – يتعامل فعلاً، انظروا كيف عامل الصحابي الذي كان يسكر دائماً، ولا يُوجَد في الخمر حد فكان يُضرَب مرة بطرف الثوب ومرة بالنعال ويُهان ويُقال له هذا عيب وإلى آخره، وطبعاً واضح أنه كان يسكر في الشارع، كان يسكر في الشارع ويقل أدبه على الناس كما نقول بالعامية، لكن لو كان سكراناً في بيته هو حر، ممنوع في ديننا التفتيش عن الناس، وهنا قد يقول لي أحدكم ما الفرق وقد قلت لا تُوجَد حراسة؟ طبعاً لا تُوجَد حراسة لكن تُوجَد مسئولية إزاء المُجتمَع والأعراف والتقاليد، لا يقدر أحد على أن يخرج إلى المُجتمَع عاري الجسد ويقول أنا حر، لا يا حبيبي، لابد أن يُعاقَب، هنا يُعاقَب – في أوروبا وفي أمريكا يُعاقَب مباشرةً – هذا الاستعراضي أو المجنون بالاستعراضية، لا يُمكِن أن تقول هو حر يا أخي ونحن لسنا حرّاساً على الأخلاق، هذه مسألة وهذه مسألة مُختلِفة تماماً، أنا لست حارساً على أخلاقك نعم لكن ليس من حقك أن تُهين أخلاقي وأن تجرح شعوري بأن تُبرِز لي عورتك، ليس من حقك هذا، أليس كذلك؟ هذه مسألة وهذه مسألة فلا تخلط الأوراق، بعض الناس لا يُميِّز بسبب هذه الحدود المُشتبِهة الرمادية، على كل حال هو هذا، فكان يُؤتى به إلى النبي كل يوم والثاني وهو سكران، فأحد الصحابة قال لعنه الله، ما أكثر ما يُؤتى به إلى رسول الله، فقال النبي لا تلعنه، غضب النبي من هذا، كيف تلعنه؟ قال لا تلعنه، فوالله ما علمت إلا أنه يُحِب الله ورسوله، هذا إنسان مُسلِم يُحِب الله ورسوله، وهذا المسكين مُبتلىً بالخمر المسكين فندعو الله له بأن يشفيه، انظروا إلى هذه الرحمة الكبيرة، لا تُوجَد شماتة ولا يُوجَد تشويه لسمعة الإنسان ولا يُمكِن أن نُهيل التراب على حسناته من أجل هذه السيئة المُفرَدة، تُوجَد رحمة بل بالعكس هو يرى الجانب المُضيء في شخصيته أيضاً ويقول هو يُحِب الله ورسوله، رأى الشيئ الإيجابي فيه وأراد أن يُغضي عن الشيئ السلبي.
للأسف الموضوع طويل وأنا أعرف أنه مُتداخِل جداً، لنأخذ – مثلاً – مسألة واحدة كموقف رسول الله من أزواجه – كما قلنا – أو موقف رسول الله من المرأة عموماً، المرأة أكانت زوجةً أو أماً أو بنتاً أو أختاً، أي المرأة من حيث هي، مرأة المُجتمَع ومرأة الناس، ليست امرأتي أنا أياً كانت، النبي هنا لم يكن فقط سابقاً لعصره بل فعل أشياء بشكل مُثير ولافت تماماً، النبي وُلِدَ في خمسمائة وواحد وسبعين ميلادياً بحسب المشهور، في خمسمائة واثنين وثمانين – النبي كان ابن إحدى عشرة سنة أو عشر سنوات تقريباً، فهذا حدث بعد إحدى عشرة سنة من ميلاده – الكنيسة الأم الكاثوليكية في روما تعقد اجتماعاً كبيراً تُناقِش فيه المرأة، هل لها نفس أو ليس لها نفس؟ ما حقيقة المرأة؟ ما وضعية المرأة؟ هل تدخل الملكوت أم لا تدخل الملكوت؟ ما هي؟وتنتهي بعد نقاشات لاهوتية مُعقَّدة طويلة مُرهِقة إلى أن المرأة لا روح لها، وهذا أمرٌ عجيب، غاية المطلوب منها وغاية مهامها ووظائفها المنوطة بها أن تخدم الرجل، لذلك خلقها الله في شكل إنسان مع إنه لا روح لها فقط لكي تُحسِن الخدمة، حدث هذا هنا في أوروبا، هذه كنيسة روما، قالوا خلقها الله في شكل إنسان لكي تُحسِن الخدمة، ولذلك هي محرومة من دخول الملكوت، لن تدخل ملكوت السماء يوم القيامة، هم قالو هذا في خمسمائة واثنين وثمانين، قالوا لن تدخل الملكوت، ولن تتخلص – الخلاص Salvation الخاص بهم – ويُحظّر عليها الضحك، ممنوع أن تضحك المرأة تضحك، لا يحق للمرأة أن تضحك، وهذا أمرٌ عجيب، لكنه حدث هذا في اجتماع لاهوتي كبير، وسوف نرى فقط بعد هذا الاجتماع بزهاء ثلاثين سنة ماذا يقول محمد عن المرأة، وطبعاً هذا في أمة كان فيها قبائل وأناس يئيدون البنات صغيرات، كان يحدث لهن وأد في التراب، ماذا سيقول محمد وقرآن محمد ودين محمد عن المرأة؟ وكيف سيُطبِّق محمد هذا عملياً؟ كيف سيُعامِل زوجاته؟ كيف سيُعامِل بناته؟ وكيف سيُوصي بالمرأة؟ هذا معروف لكم، وهذا هو المُبتذَل، معروف ولن نخوض فيه، سوف نرى الآخرين، وسأبدأ بشخصية عظيمة حقيقةً هي سقراط Socrates، بعض الناس يعتقد أنه كان نبياً، قالوا لعل هذا الرجل نُبّىء ونحن فقط عرفنا الجانب الفلسفي منه لأنه شخص شبه كامل – ما شاء الله – وشخص مُمتاز، لكن نحن كرجال طبعاً – هذا التفكير الرجولي الذكوري البطريركي الأبوي – دائماً كنا نعرف ونضرب المثل بالمرأة الخبيثة المُناكِدة المُنغِصة على زوجها بزوجة سقراط Socrates، وهي اسمها زانثيبي Xanthippe، نقول دائماً زانثيبي Xanthippe، لكن – سبحان الله – الآن لدينا مُؤرِّخات من النساء في الغرب طبعاً يُعيدن تاريخ قراءة الأفكار والأشياء والأحداث من منظور المرأة، رأوا ظلماً كبيراً حتى في هذه الأشياء البسيطة واكتشفوا بالتحقيق وبالأدلة أن سقراط Socrates حين تزوج زانثيبي Xanthippe كانت صغيرة، كانت بنتاً صغيرة جداً، ربما في الثالث عشر من عمرها تقريباً، وكانت جميلة وهو كان قبيحاً، سقراط Socrates عاش ومات وهو قبيح الخلقة، وجهه كان قبيحاً فعلاً، لم يكن جميلاً، معروف بقبح الوجه، لكن عنده جمال الروح والعقل واللسان، وتزوَّجت هذا الرجل الكبير والذي كان ربما في سن والدها وهامت به، استُهيمت به وأحبته حباً شديداً، لكنه إلى أن لقيَ الله كان يُهينها ويحتقر مشاعرها العاطفية الرومانسية ومُتطلَباتها حتى في الفراش ولا يُلبيها في شيئٍ من هذا، طبعاً استحالت إلى شخصية ممرورة وساخطة ومُضطهَدة وبدأت تعمل له مشاكل وإلى تلاميذه طبعاً وروّاد صالونه المُتحرِّك، فنحن أخذنا هذا الجانب وقلنا زانثيبي Xanthippe ملعونة، لكن انظروا إلى سبب الغلط، الغلط من سقراط Socrates نفسه، لم يكن رحيماً بها ولم يكن وفياً لها ولم يكن إنساناً معها، كان معنا ومع الإنسانية كلها إنساناً، لكن مع زوجته لم يكن كذلك، فشل أن يكون كذلك، إذن هنا محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام – يُسجِّل نقطة، وهي نقطة واضحة فاقعة، طبعاً مثل هذا عشرات الأشياء لكن نحن نأخذ فقط هذه الحيثية بسبب وقت الخُطبة القصير.
اليوم ذكرنا جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau، هذا الذي أراد أن يعيش كبوهيمي، وقدَّر الحياة البوهيمية والحياة الطبيعية ونعى على حياة الحضارة والمُدن ودعى باسم الدعوة أيضاً إلى الحرية والحقوق إلى الدولة الشمولية، انتبهوا إلى أن الدولة التي دعا إلها جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau ليست دولة جيدة، في نهاية المطاف هي دولة شمولية، تأخذ كل شيئ منا لكي تعطينا السلام والمساواة والحريات بطريقتها، وهذا شيئ مُخيف على كل حال، هنا يكمن شيئ مُخيف، لذلك روسو Rousseau الذي قال فيه روبسبير Robespierre ما قال لم يكن مع الثورة، كان ضد الثورة، روسو Rousseau كان ضد أي ثورة طبعاً، يُقال هو من آباء الثورة الفرنسية لكن بالعكس كان فكره ضد الفكر الثوري تماماً وإن قالوا فيه ما قالوا، هذه خرافات المُثقَّفين، كان ضد الثورة وعنده تبرير ساذج، تبرير رومانسي لا يُمكِن أن ينطلي على إنسان يعرف ألف باء الفكر، قال لأن الثورات فيها موت وفيها قتل، حياة إنسان واحد خيرٌ من ألف ثورة، دم الإنسان غالٍ، كأن من غير ثورة دماء الناس تُحترَم، كأن ظلم الملوك والأباطرة وأكلة الشعوب يحترم حيوات الناس، كأن لا تسيل دماء، وكأن الدماء السائلة ستسيل مليون مرة أكثر وأغزر من دماء المُضطهَدين يومياً وكل ساعة، وهذا كلام فارغ، لكن هو كان هكذا، وسوف نرى موقف روسو Rousseau مع المرأة، طبعاً لا يُوجَد له أي موقف مع أمه، كان يتيم الأم وهو صغير جداً، لكن ماذا عن علاقته مع زوجة أبيه؟ علاقته بأبيه كانت سيئة جداً، أبوه اضطُرَ إلى وضعه في ملجأ لإصلاح هؤلاء الأطفال المُشاكِسين وعمره ست سنوات، جنَّن أباه من صغره، كان عنده عادات كريهة جداً وكان طفلاً صعب الإرضاء وكان عصبياً وسريع الاستثارة، كان غريباً وعجيباً، ولعل أبوه أيضاً كان المُقصِّر، لكنه هرب من الملجأ وظل هارباً على كل حال، مات أبوه ولم يرث له، وطبعاً لم يحضر جنازته لكنه كان سعيداً بموته لأنه ورث تركته، زوجة أبيه وقفت معه أكثر من مرة في أوقات محنته، هو عاش شطراً من حياته فقيراً مُدقِعاً مُعدِماً، فكانت تقف معه، وقد وقفت معه أكثر من مرة، كان تُرسِل له بالنقود، كلما استغاث بها واستنجدها تعطيه نقوداً، كان وضعها جيداً وكان وضعه سيئاً حينها، بعد ذلك انعكست الآية والدهر قُلب، صار وضعه مُمتازاً ووضعها أصبح سيئاً جداً، فتوسَّلت إليه أن يغيثها بشيئ، انظروا إلى تلك المرأة التي وصفها في الاعترافات بأنها خير النساء وأفضل الأمهات وقال لها ارقدي إلى جانب الرب في سلام، أنتِ مُمتازة وأنتِ أحسن امرأة، لكن ماذا فعلت لها يا روسو Rousseau؟ يضحكون على الناس ويُظهِرون عواطف وما إلى ذلك دون عمل، ماذا عن العمل؟ نُريد التطبيق العملي، في مرة واحدة فقط كما يُبرِز تدقيق تاريخه وتقصيه أرسل لها بشيئ من النقود حين وَرِثَ تركة العائلة، وبعد ذلك أبى أن يُرسِل لها أي شيئ رغم أنها كانت تستغيثه، واضح أن ما أرسله كان منزوراً، يبدو أنه شيئ بسيط لم يكفها فبدأت تسغيثه وتُذكِّره بالأيام الخوالي وهو لا يستجيب لها، برَّر هذا في اعترافاته بماذا؟ قال أنا فعلت هذا لأنني أخشى من الأوغاد أن يسطوا على هذا المال، لعله لا يصل لها، لكن لماذا لم تذهب لها أنت وتُوصِله لها؟ لماذا لم تكتر أحد الرجال لإيصاله لها؟ اكتر أحد الرجال، اكتر محامياً يا سيدي أو أي أحد لكي ُيبلِّغها هذا المال، لكنه كان لئيماً جداً، روسو Rousseau كان جشعاً للمال، يقول في الاعترافات أحد تناقضاتي البارزة أنني أجمع الجشع الشديد للمال – هو يعرف هذا لأنه يُحِب المال جداً – مع احتقار الثروة، قال أنا أحتقر المال لكنني جشع له وهذا تناقض في شخصيتي، يقول المُؤرِّخون لم يبد لمرة واحدة احتقاره للثروة، هذا كذب، كلام غير صحيح، هولجنزا Holganza هو أحد نُقاد روسو Rousseau، خبير جداً بكل تفاصيل حياة هذا الرجل الشهير، كتب حصيلة ما خلص إليه بعد قراءة الاعترافات قائلاً لا تزال هذه الاعترافات تكشف عن طبقات – طبقة فوق طبقة فوق طبقة – من الخزي والعار، كذب وتشويه وتدليس وتاريخ مُفترَض، هذا كله كذب، لم يكن كذلك، هذا الرجل يكذب، ويُقال أنها اعترافات، هل تعرفون لماذا كتب اعترافاته؟ أنا خُدِعت بها شخصياً وقلت جيد أن الرجل يعترف لأننا لا نعترف، لكن هل تعرفون لماذا اعترف؟ ومتى كتب اعترافاته التي فيها طبقات الخزي والعار كما يقول هولجنزا Holganza، لما كتب فرنسوا فولتير Voltaire François هو قاتل وشرس وتخلى عن أولاده، هذا هو روسو Rousseau بكلمة، وهو طبعاً أحد أصدقائه الذين بُلوا به، روسو Rousseau مات وليس له أي صديق، ائتوني بصديق واحد ظل وفياً لروسو Rousseau، هل تعرفون لماذا؟ لأنه لم يُبرِز وفاءً لأيٍ من أصدقائه، كان جاحداً، دنیس دیدرو Denis Diderot – صاحب موسوعة وهو فيلسوف مُلحِد – تبناه وشجعه، كان يُحِب تشجيع المواهب الصاعدة، وهو بحد ذاته كان موسوعة، لكن في النهاية عنده قائمة طويلة بمخازي روسو Rousseau، وحش مغرور وضيع وقلبه مليء بالحقد فضلاً عن أشياء أخرى، قال هذا روسو Rousseau، هذا روسو Rousseau نبي الإنسانية، هذا هو القدّيس روسو Rousseau، قال أنا عشت معه وأعرفه وأعرف كل ما ساعدته به، ديفيد هيوم David Hume الفيلسوف الاسكتلندي الشكّاك الشهير هو الذي استقدمه إلى إنجلترا وخاصة وأنجح زيارته هناك وعمل له طنيناً وبريقاً – أي لروسو Rousseau – وفي النهاية قال عاملته كطفل طيب لا يضر – لا يُخربِش ولا يعض وهو مُمتاز جداً وحسّاس – وفي النهاية تكشَّف لي عن وحش شرس ليس للشر فيه حدود، قال هذا روسوRousseau، هذا الرجل اتضح أنه مُصيبة، هو رجل مُعتَل، هؤلاء مُعتَلون عقلياً ونفسياً، لكن هؤلاء المساكين يُقال عنهم أنبياء البشرية الذين يُعلِّمونا الفكر وما إلى ذلك، يا سلام على المُثل العليا، ولذلك نحن نضن بمثالنا، يا سلام، كم نُحِب مثالنا بعد أن نعرف هذه الأمثلة لكن لابد أن نعرف أولاً.
طبعاً فرنسوا فولتير Voltaire François قال نفس الشيئ، كتب رسالة مُوقَعة باسم راعي أبرشية من جنيف – وطبعاً كانت هذه طريقة فولتير Voltaire، حيث كان يكتب بأسماء مجهولة وأسماء مُبهَمة لكي يتخفى- قائلاً هو قاتل وشرس وتخلى عن أولاده، هذا هو روسو Rousseau بكلمة، فاضُطرَ روسو Rousseau أن يكتب الدفاع في شكل الاعترافات لكي يُخفِّف من تأثير هذا العار، ونأتي للزوجة الآن، كان عنده زوجة اسمها تريزا Teresa، عاش معها ثلاثاً وثلاثين سنة كعشيقة، يكتب في الاعترافات أنا قلت لها لن أتزوج بكِ ولن أتركك، لكنك لست زوجة، عاشت معه ثلاثاً وثلاثين سنة حتى مات وهي عشيقة، أنجبت له أو أولدها ربعة أولاد، أول ولد لا نعرف أكان ذكراً أم أنثى لأن ليس له اسم، لا نعرف هل كان ذكراً أم أنثى، أول ما أنجبته له قال لها لابد أن تستري هذا الخزي وحافظي على سمعتك وشرفك، وهذا كذب طبعاً، ليس عنده عاطفة والدية، هذا ابنك، ماذا نفعل؟ أقنعها بعد لائي بأن يُرسِل به إلى مستشفى يستقبل الأولاد اللُقطاء – هذه المرة كان كريماً – مع ورقة صغيرة قال فيها اعتنوا به واهتموا به فقط بدون اسم، وكان هذا مصير الأربعة الآخرين الذين سيتلونه، إذن روسو Rousseau بعث بخمسة أولاده إلى ملجأ اللُقطاء وأولاد الحرام، الخمسة لا نعرف عنهم أي شيئ، والمُرجَّح كما يُقال أنهم ماتوا وهم صغار، ماتوا جميعاً وهم صغار، لكن النبي كان عنده إبراهيم – وإبراهيم لم يكن أكبر أولاده – ومَرِضَ، وكان يُعَل ويُداوى في بيت رجل في ظاهر المدينة، والنبي كان يذهب في اليوم شديد الحر والقيظ يزور ابنه، وفي بيت رجل كان قيناً، والقين هو الحدّاد، وهذا القين عنده كير وينفخ في الحديد والنار والدخان وما إلى ذلك، والنبي يحمل ابنه والدخان يدخل ويتخلل في لحيته الشريفة، والولد كان محموماً، والنبي كان يبكي، والصحابة كانوا يتعجَّبون، كيف تبكي؟ أنت نبي، أنت نبي، أنت قائد، أنت كبير، أنت لست رجلاً عادياً، قال هذه رحمة يجعلها الله في قلب ما شاء مِن خلقه، لماذا لا أبكي؟ يبكي عليه ودموعه تسيل وتتحدر، ويتأثَّر الصحابة بهذا، فكان يذهب إليه لكي يزوره بين الحين والحين رغم أنه ولد صغير عمره في حدود سنة وأربعة أشهر، لكن روسو Rousseau كان عنده خمسة أولاد وألقى بهم في الملجأ ولم يسأل عنهم أصلاً أبداً، هذا الأمر الواقع، وزوجته المسكينة تريزا Teresa لم يكن ليسمح لها مرة واحدة بأن تحضر حفل العشاء حين يدعو أحياناً – كان بخيلاً – الناس إلى حفل عشاء، ممنوع أن تأتي هي، لماذا؟ هل هي عارShame؟ نعم هي عار بالنسبة له، قال هي جاهلة وخادمة – يقول عنها خادمة في الاعترافات – خشنة، أحياناً أشعر بالخجل لأنني أُعاشِرها، ما هذا؟ اتركها أيها الرجل القاسي، هذا روسو Rousseau الذي يكتب عن نفسه ليت شعري هل يُوجَد في البشرية كلها رجل عنده من سعة الصدر القلب كقلبي؟ يكتب ويقولهذا، يقول هل يوجد أحد – يقول أنا لا أعلم أحداً – عرف كيف يُحِب الناس كلهم ويحب البشرية كما عرفت أنا؟ قال أنا مُحِب ولهان، أُحِب الناس بطريقة غير طبيعية وغير عادية، لم يحدث مرةً – يكتب هكذا وهذه هي ألفاظه – أن تسلَّل الحقد أو الغيرة أو مشاعر الكره والدناءة إلى نفسي الطيبة، قال لم يحدث هذا أبداً، يقول ومع ذلك أنا شخص غير سعيد، أنا تعيس، كانت دموعه حاضرة، وعاش ومات يستجدي الناس العطف دائماً والأموال، يبتز الأموال باستمرار ويستجدي الناس العطف، يقول قدري الحزين التاعس لا يُبارِحني تماماً كما لا يُبارِح الكلب الوفي صاحبه، أي أنني مسكين وهو يُلازِمني،رغم أنه عاش الشطر الأخير من حياته في أحسن ما يكون، كان يرى أن هناك مُؤامَرة قارية على مستوى القارة الأوروبية وحتى على مستوى المملكة المُتحِدة وربما على مستوى العالم ضده وضد أفكاره، وكان يعيش تحت هذه المشاعر الاضطهادية،
يركب السفينة لكي يرتحل إلى بلاده وهناك يجري بطريقة تلفت نظر الناس ثم يدخل في كابينة ويِغلَق على نفسه ثم يعود ويتسلَّق سارية من سواري السفينة ويبدأ يخطب في الناس لكي يلفتهم إلى المُؤامَرة الكونية والمُؤامَرة القارية وخاصة من ملكة إنجلترا أو من حكومة إنجلترا ضده ويصل إلى بلده ويُعلِّق قائمة طويلة على باب بيته بالأعداء الذين يحتوشونه من النساء ومن السويسريين ومن المُفكِرين والمُثقَقين ومن الساسة، وقال أن وزير خارجية فرنسا ضده، وعاش دائماً تحت هذه المشاعر الاضطهادية لكي يستجلب حنان الناس، فهو شخصية مُعتَلة.
صوفي Sophie هي عشيقته الوحيدة التي اعترف بأنها حبه الوحيد، قال تريزا Teresa عشت معها ثلاث وثلاثين سنة لم يحدث أن هفا في قلبي مرة أو تحرَّك فيه شعور الحب نحوها، ما هذه القسوة؟ كيف تعيش مع إنسان لثلاث وثلاثين سنة دون أن تُحِبه مرة؟ قال ليس عندي هذا الكلام، ولذلك انتبهوا لأن هذه مسألة مُهِمة، لكن صوفي Sophie – وهي حبه الوحيد – تقول في النهاية بعد أن مات بفترة سأقول شهادتي في جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau، شهادتي في هذا الرجل أنه كان قبيحاً إلى درجة كافية لكي يُخيفني، ولم يُخفِّف الحب – على أساس أنه أحبها – من هذه القباحة، كان رجلاً يستحق الرثاء، كان مجنوناً مُمتِعاً، فقط هذا جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau هذا نبي البشرية، هذا القدّيس روسو Rousseau الذي أراد أن يُغيِّر العالم وأن يُلهِمنا، وقد استلهمه مئات المُفكِّرين حول العالم، هذا روسو Rousseau في حياته!
العبرة يا إخواني وأخواتي: احذروا من الدعاة – ليس المُراد المشائخ وإنما الدعاة إلى الأفكار وإلى المناهج وإلى الإيديولوجيات – إذن، هم ليسوا مُنقذي البشرية، احذورا من الأنبياء الكذبة، نحن لا نُحِب الدعاة، ينبغي ألا نهتم كثيراً بهؤلاء الدعاةِ، لكن ينبغي أن نهتم بالناس، نحن سنبحث عن الإنسان، لا نُريد أن نبحث عن الداعية، طبعاً الإنسان يُوجَد في كل مكان لكن الإنسان الذي نُعنى بالبحث عنه هو من يدّعي أنه داعية وأنه يحمل رسالة ما ويحمل رؤية ونبؤة، الإنسان النبؤي كما يرى نفسه سنبحث عن الإنساني فيه، انتبهوا إلى هذا، إن وجدناه فيا حياهلاً، إن لم نجده فاحذروا من أفكاره لأن قطعاً فيها الكثير من المطبات، من المُؤكَّد أن في دعوته وفي نبؤته الزائفة الكثير من الكوارث والمشاكل التي ستُحطِّم البشرية، طبعاً المثال الأكثر إيحائية من جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau هو كارل ماركس Karl Marx، هذا النبي الزائف الكبير الذي أراد أن يخدم العمّال والبشرية والمطحونين، وسبحان الله بأفكاره بالذات طُحِنت البشرية وطُحِن العمّال وطُحِن المساكين، دُمِّروا لوجود شيئ غير طبيعي في شخصية هذا الرجل تماماً مثل شخصية روسو Rousseau والعشرات من أمثالهم، نعود لنبينا – عليه الصلاة وأفضل السلام – لا نجد هذا الفرق البتة، بالعكس الإنسان أكثر تركباً – أنقص وأكثر – مما نعرفه فيه، أنت إنساناً أكثر منك ما نعرفك به، ماذا نعرفك؟ نعرفك طبيباً أو مُهندِساً أو شيخاً أو داعية أو مُؤلِّفاً أو فيلسوفاً أو كاتباً، فأنت إنساناً أكثر منك هذه الصفة دائماً، لذلك نحن سنبحث عن الأكثر تركباً في شخصيتك.
لا يفوتني أن أشير ونحن نقترب من محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام – إلى أن هذا الاقتراب يُعَد خطيراً أيضاً ، هذا الاقتراب له جانب خطورة، كيف؟ إذا أردت أن تقترب منه كما يفعل البعض – وقد نفعل كلنا بأقدار مُتفاوِتة فانتبهوا – لكي تتخذه معياراً للتقييم ستكون أحد شخصين أو هما معاً، ستكون إما شخصاً بغيضاً جداً وغير مُحتمَل وغير محبوب وتعمل على أن ينفر منك لك من يقترب منك، متى؟ طبعاً حين تتخذ محمداً معياراً للتقييم، تُريد أن تُقيِّمني بمحمد، كيف هذا؟ أنت تُقيِّم السهى بشمس الضحى، أنت تقيِّم التراب بالسماء العالية المسموكة، وهذا لا يُمكِن فانتبه، بعض الناس يأخذون ليس محمداً فقط وإنما أي شخصية عظيمة لكن هذا عظمة العظمات لكي يُقيِّموا البشر، الذي يفعل هذا هو شخص بغيض، أو تنتهي أن تكون شخصاً مُستاءً جداً ومُحطَّماً ومُحبَطاً وناقماً على البشرية وكارهاً لها ولا ترى فيها حتى ومضة خير، وذلك بالقياس إلى هذه العظمة المُتألِّقة، أو تكون الشخصيتين معاً، وهنا ستقول لي ما الحال إذن؟ لماذا نُقارِبه؟ أنا أقول لك قاربه لكي يكون أسوةً لك، بمعنى ماذا؟ بمعنى لكي تُقيِّم نفسك أنت بالتعيير به وعليه عليه السلام، حين إذن سترى هيكلك العظمي، سترى نفسك بلا برقع وبلا قناع وبلا مكياج وبلا رتوش، وستبدأ في تصحيح نفسك وتكميل نفسك شيئاً فشيئاً، وأقول لك ستكون إنساناً نبيلاً وجميلاً ومحبوباً ومُرشَّحاً أن تكون إنساناً عظيماً، من عظماء البشر أمثالنا من الضعاف المُتواضِعين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخُطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
إخواني وأخواتي:
يقول المُفكِّر والفيلسوف الألماني الكبير ألبرت شفايتزر Albert Schweitzer ليست القدوة أو الأسوة – لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ۩ – عنصراً من عناصر التأثير في الأخرين، بل هي العنصر الوحيد، نحن نتعقَّب على كلام شفايتزر Schweitzer بكلمة، نُعقِب بجملة واحدة ونقول في حق المُفكِّرين أمثالك، الشخصيات الضعيفة غير المُتماسِكة عناصر التأثير فيها غير نهائية، أبسطها ما يُؤثِّر في الأفكار من صحف ومجلات وتلفزيون Television وإنترنت Internet ودعايات وأزاعم وآفائك وأشياء تُؤثِّر في الناس وتُعيد تشكيلهم وتشكيل ما هم عليه، لكن المُفكِّر الذي يتطوَّر ويتناسخ باستمرار عامل التأثير الوحيد فيه هل تعرفون ما هو يا إخواني؟ هو القدوة فعلاً، لذلك محمد قدوة للكبار، قدوة لمَن يفهمونه، أنا الآن فهمت لماذا هو قدوتنا ولماذا هو نبينا ونحن كذلك، في الحقيقة قدوتنا بلاغياً كلامياً وخطابياً، ليس قدوتنا في الحقيقة، مَن كان محمد قدوته حقيقةً لابد أن يكون إنساناً ناضجاً، ليس إنساناً – كما قلت لكم – مُخرِفاً فاقداً للوعي، لابد أن يكون إنساناً قادراً أن يرى نفسه في مرآة محمد، وكما قلت لكم سيرى نفسه هيكلاً عظمياً، سيرى نفسه تماماً كما هو، وسيبدأ مشوار تصحيح النفس وتصحيح المشوار بإذن الله تبارك وتعالى، أما الذين ليس لديهم هذه القدرة الإدراكية – كما قلت لكم – ويعيشون نُوّماً ويموتون مُخرِّفين فهؤلاء ليس لديهم القدرة على التقاط معنى القدوة في شخصيته – عليه الصلاة وأفضل السلام – لأنهم مُغيَّبون، الطفل يا أحبتي إلى السنة الرابعة من عمره – هذا في علم النفس التطوري – لا يُدرِك تقريباً إلا ما يجول في خاطره هو، لا يُدرِك بالمعنى الإدراكي المُركَّب، من الصعب أن طفلاً دون الأربع سنوات يشعر تماماً بما تُريد أن تشعره به أنت من مشاعر ومن وجدانيات، الطفل عموماً يشعر بما هو في داخله فقط مثل المُخرِّف ابن تسعين سنة، لا يستطيع أن يرى الآخرين ولا أن يرى نفسه في الآخرين، من سن أربع سنوات يبدأ يُدرِك ما لدى الآخرين، وبعد ذلك تتراكب وتتعمَّق مستويات الإدراك.
أختم الخُطبة بهذا التوضيح، أنت الآن تنظر إليّ وأنا أنظر إليك، فانظر إلى هذه المُستويات، يُسمونها في علم الأعصاب مُستويات الإدراك، المستوى الأول والثاني والثالث والرابع وهكذا، مُستويات تعكس مدى نضج الإنسان ورشد الإنسان، المستوى الأول أنني أدرك نفسي، هذا هو الطفل، والشِمْبانزِي Chimpanzee يُقال يُدرِك نفسه، والحيوانات العُليا تُدرِك نفسها، الحيوانات العُليا كالغوريلا Gorilla والأورانغوتان Orangutan عندها إدرك نفسي، المستوى الثاني أن أُدرِك نفسي في مرآتك، وهناك مُستويات أعلى، أنا أدرك نفسي في مرآتك وأُدرِك كيف تنظر أنت إليّ عند نفسك وكيف تنظر إلى نظرتي أنا لنفسي، أي كيف تُقدِّرها أنت، أُحاوِل أن أدرك هذا أيضاً، وهذه أشياء مُعقَّدة جداً، وهناك طبعاً ما يتعلَّق بكيف أُحِب أن تراني وكيف أُقدِّر أنك تُدرِك أنني أُحِب أنك تراني وقصة طويلة يُمكِن أن نُخرِج منها اثني عشر مُستوى بسهولة بهذه الطريقة، وهذا هو العمق في الإدراك، كلما تعمَّق الإنسان كلما وجد الكثير في هذه الشخصية الكاملة – محمد عليه الصلاة وأفضل السلام – لكي يرى نفسه عبرها ومن خلالها ويبدأ مشوار التصحيح.
اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تُعذِّبنا فأنت علينا قادر، والطف بنا فيما جرت به المقادير، ولا تُؤاخِذنا بما فعل السفهاء منا، وجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارحمنا وارحم والدينا كما ربونا صغاراً واجزهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات، بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
أضف تعليق