فقه الجريمة وفقه الرحمة – الجزء الأول

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ۩ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ ۩ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ۩ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ۩ وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق،القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي: قال أحد المُفكِّرين الكبار لا أحلمُ بعالم يخلو من القتل، لأن هذا لن يكون، العالم في أدنى درجات تنشوئه شهد القتل بيين أخوين قريبين من مهدِ البشرية وهما قابيل وهابيل، فأن نحلم الآن بعد أن استبحرت هذه الخليقة الإنسانية الآدمية وصارت تعد بالملايير – وباستبحار أعدادها أو باستبحارها عدداً اختلفت وتعارضت وتشاكست مصالحها وأهواؤها ولغاتها وأعراقها وأديانها ومُنتحَلاتها الفكرية إلى آخر هذه التصنيفات والتمييزات والفوارق – بخلو العالم يوماً من القتل هذا نوعٌ من الخيال الجامح، لا نحلم بعالم يخلو من القتل، ولكن نحلم بعالم يخلو من تبرير القتل، لا نحلم بعالم يخلو من الجريمة، الجريمة ستظل موجودة والفحشاء ستظل موجودة والخيانة ستظل موجودة، ولكن نحلم بعالم يخلو من تبرير الجريمة ومن تبرير الفاحشة ومن تبرير الخيانة والوضاعة والخسة، وهذه وظيفة الأنبياء والرسل ووظيفة المُصلِحين من ورثة الأنبياء والرسل، ولنتساءل في صدر هذه الخُطبة ما هو الشيئ الذي هو في جوهره أبشع من القتل والجريمة؟ تبريرها، وما هو الجزء المُرشَّح ليكون الأكثر بشاعةً في تبرير الجريمة؟ الاستسهال، أن تُبرَّر بخُطوة واحدة وليس بعشرين خُطوة، في العالم المُتقدِّم وهذا يُثير عجبنا – يُعجِينا ويُثير إعجابنا – تستطيل وتمتد المُحاكَمات أحياناً عشر سنين وبضع عشرة سنة وتنتهي في الولايات التي تحكم بالإعدام أحياناً بالإعدام وأحياناً بالتبرءة، فأن يحدث هذا في بضع عشرة سنة يُعَد شيئاً يُثير إعجابنا وتقديرنا ويُداعِب أوتار إنسانيتنا، لماذا؟ لأنهم يعلمون أن هذه العقوبة عقوبة غير قابلة للاستدراك، أنت – كما أقول دائماً – لا تستطيع أن تقطع رأس إنسان أو تحقِنه بإبرة قاتلة سامة ثم تقول له بعد ذلك مُتأسِّف – Sorry – سأُعيدك إلى الحياة، لا تستطيع هذا، انتهى كل شيئ، لن تُعيده هو إلي الحياة، ولن تُعيده هو إلى ذويه وأهليه الذين كرثتهم بكارثة أن يفقدوا عائلهم، ولكن إن سجنته وإن غرَّمته تستطيع أن تُعوِّضه وربما تعويضاً يفرح معه بمسجونيته، كأن تسجنه عشر سنين ثم تُعوِّضه بخمسة ملايين، سوف يقول لك عظيم، أكبر طبيب جرَّاح لا يستطيع أن يُوفِّر هذا في عمره المهني، هذا تعويض فعلاً، لأنه ليس تعويضاً فقط عن العمر بالأيام وإنما هو تعويض عن العذابات، أي عذاباته هو، وهذا هو العدل، هذا هو العدل الذي لا يُعجِب بعض المُتنطِّعين لأنه عدلُ الكفار، نُريد أن نرى كيف يكون عدل المُوحِّدين من هؤلاء،انتبهوا ليس عدل الدين، فليس هناك ما هو أعدل من القرآن لو فهمناه ولو أفرغنا عن منطقه وصدرنا عن حكمته ومبادئه، ولا أقول هذا لأنني مسلم ولأن هذا قرآني أبداً، وإنما لأن هذه هى الحقيقة وستثبت لكم، إذن هذا هو الجزء الأشد بشاعة في التبرير، وهو استسهال التبرير، أن يُمرَّر التبرير وأن يتم وأن يُنجَز بخُطوة واحدة.

قلت لكم في الخُطبة السابقة هناك فيلم – Movie – من أفلام الأمريكان أُخرِج وأُنتِج عام ألفين وعشرة قبل زُهاء ثلاث سنين أو أقل إسمه أسودٌ أربعة Four Lions،وواضح أن هذا الفيلم طبعاً أُنتِج وأُنجِز لكي ينال من الإسلام وسمعة المسلمين، هذا واضح جداً جداً، فالفيلم مُغرِض دون أي كلام، ولكن انتبهوا هل هذا يركب علينا؟ أنا هذا المُصطلَح قديم لي ودائماً ما أقول هل هذا يركب علينا؟ يركب، بفضل مَن؟ بفضلنا نحن للأسف وبفضل المُتنطِّعين، لذا يركب علينا، تعال ركِّب فيلماً مثل هذا على البوذيين وسوف تجد أنه لا يركب، هذا مُستحيل طبعاً، البوذيون معروفون بالسلامية البالغاة، هم مُفعَمون سلاماً ومن ثم لا يركب عليهم، حوِّلهم إرهابيين في الإعلام ولن ينفع، ولكن ينفع تُحوِّل أُناساً يضربون الأنفاق ويضربون الأبراج ولا يُفرِّقون بين كبير وبين صغير ويُبرِّرون هذا ويُهلِّلون ويصرخون بالله أكبر ولا إله إلا الله ويتوسَّلون النص المُقدَّس، فهذا ينفع ويركب، مع أن هؤلاء لا يُشكِّلون فينا ومن بيننا نسبة تُعتبَر وتُعَد بإحصائيات الاتحاد الأوروبي، نسبة محقورة جداً ومنزورة لو عُرِضَت على هذه الشعوب الأوروبية والغربية لأيقنوا أن المسلمين ليسوا إرهابيين وليسوا كارهين للحياة وليسوا مُبغِضين للإنسانية ومُستقيلين منها، ولكن هذا لا يُعرَض لأن لهم أهدافاً أيضاً في كتم هذه الحقائق، وأنا لا يهمني الطرف الآخر، الطرف الآخر طبيعي يصدر عن مصالحه وعن مُخطَّطاته واستراتيجياته المرسومة لأمدٍ بعيد، لا أُريد أن أُبرِّر حماقاتي وبلهي بأن أنحي دائماً باللائمة عليه، وهذا – كما قلت لكم مرة – ليس مسلكاً قرآنياً بالمرة، ما من معركة في القرآن الكريم سجَّل القرآن هزيمة المسلمين فيها وأنحى باللائمة فيها على العدو، واختبروا هذا في كتابكم المُقدَّس، أي في كتابنا العظيم وهو القرآن، ما من مرة حدث هذا، ولكننا نفعل هذا حتى الثمالة، شيوخنا وعلماؤنا ومُفكِّرونا وسياسيونا يفعلون هذا، فنحن نفعل هذا ولا نمل منه، لا نزال نُبديء فيه ونُعيد وننسج على منواله ونُدير قطب رحاه باستمرار، نتحدَّث باستمرار عن الغرب والمكر والدهاء والمُخطَّطات والمُؤمَرات العالمية، لكن أنت تفعل ماذا أنت؟ أنا أقول لك أنك – ما شاء الله – حريص أن تُسجِّل أهدافاً ولكن في مرماك، وبعد أن تُسجِّل هدفاً في مرماك – أي تجوِّن في نفسك كما يُقال – تقول الله أكبر ولا إله إلا الله، ذكاء مُنقطِع النظير، تُسجِّل أهدافاً لصالح العدو في مرماك وتُكبِّر وتُهلِّل، يا رجل قف مرةً واحدة وسل نفسك بطريقة موضوعية عن هذا، ودعونا من الصغار النفسي والانتصار للشخصيات وللذوات والتنفيس عن العصبيات وطاقات الغضب التي تستبد وتسطو بأشخاص بأعيانهم اختطفوا هذا الدين واختطفوا أمته على المُستوى الكوني العالمي، سل نفسك مَن المُستفيد مِن كل ما حصل؟ مَن المكروث والمُصاب والمنكوب بكل ما حصل؟ ماذا خسروا هم؟ وماذا خسرت أنت؟ أنت تضرب لهم عمارة وهم يُسقِطون لك بلداً، أنت تقتل لهم ألفاً ويقتلون لك ثلاثمائة ألف، هل تعرف لماذا؟ لسبب بسيط، لأنك أنت الأضعف والأعجز وهم الأقوياء، أنت لست قوياً، إياك أن تظن أنك بمدفع رشاش وببندقية وقنبلة أنك أصبحت قوياً، هذه قوة الأفراد العجزة وليست قوة الدول والإمبراطوريات، فمَن الذي خوَّلك أن تخوض معركة الأمة كل الأمة ثم تكرث الأمة كل الأمة والدين كل الدين؟ لماذا تفعل هذا؟ لكن أنا أقول لكم المسألة خطيرة جداً جداً، القتل له إغراؤه، وذلك بإسم الدين وبإسم أيدولوجية شمولية وبإسم القومية وبإسم العرقية وبإسم الطائفية المذهبية الدينية وغير الدينية، فالقتل له جاذبية، انتبهوا لأن الناس لا يعرفون هذا، القتل له جاذبية، بعض الناس يظنون أن الإنسان لو قتل يعود، وهنا قد يقول أحدكم هذا ليس قتلاً وإنما هو جهاد، كيف هو جهاد؟ هل قتل الأطفال هنا وهناك جهاد؟ وطبعاً سيصرخون في وجهي قائلين تباً لك إلى آخر الدهر، لماذا لا تتكلَّم عن أعداء الأمة؟ بالعكس لم نقف ولا نتوانى أن نتكلَّم ونُقرِّر ما قرَّره ديننا، من واجبنا وليس حقاً لنا وإنما من واجبنا أن ندفع وأن ندرأ عن أنفسنا العدوان كلما اعتُدىَ علينا، هذا دين، والعجيب أن ما أتى وقرَّره هذا الدين العظيم الواقعي قرَّرته الشرعة الدولية، هل تُريدون أكثر من جورج بوش George Bush الابن طبعاً – يُقال له الصغير، وهو صغير- وهو مَن هو؟ جورج بوش George Bush الصغير قال لو كنت مكان العراقيين لقاتلت الأمريكان، هو يقول هذا، ولذلك هم حتى يستخدمون أحياناً للأسف على ظلمهم وعلى عدوانهم وعنفهم الدولي المُقنَّن الإمبراطوري – هذا ليس عنف أشخاص أو جماعات أو تشكيلات وإنما هو عنف على مُستوى كوني – اصطلاحات تجعلنا نتساءل، قد يكون القتل – وكل قتل اعتدائي هو جريمة، هو أبشع جريمة يقترفها الإنسان والعياذ بالله، كل قتل غير مُبرَّر هو جريمة بل أبشع جريمة – أحياناً إذا لم يكن بإسم الدين أنبل من القتل الذي يقع بإسم الدين، يقتلوننا في العراق، وماذا كانوا يُسموننا؟ مُذكِّرات الجنود موجودة فاقرأوها، بعضهم كتب مُذكِّراته وقال Insurgents، أي المُتمرِّدون، وهذه كلمة جميل، هذا شرف باذخ يُعطيك إياه نضالك الديني والوطني ويُعطيك إياه قتل المُعتدي لك، هذا شرف لأنني مت مُتمرِّداً، مُتمرِّداً على العدوان وعلى الاحتلال وعلى الذل، لن أصغو برأسي ولن أنحني بظهري، لن أقول له – أي للاحتلال – مُر بسلام، دائماً هذا موقفنا، ونفس الشيئ في فلسطين وفي كل مكان، وهذا ليس واجب المسلمين لكي لا نُؤخَذ بنوع من الغرور ونوع من الانتشاء الذاتي كأن يُقال هذا تميز المسلمين، هذا غير صحيح، فالبشر كلهم يفعلون هذا، أوروبا هنا كلها قاومت النازية، أليس كذلك؟ وساعدتها أمريكا طبعاً، البشر كلهم يفعلون هذا، في طبيعة الإنسان أن يدرأ عن أرضه وعن بلاده، وجاء الدين وأكَّد هذا النزوع وهذه الطبيعة، هذا من حقنا، لماذا؟ ما معنى أن يأتي الدين – الإسلام بالذات المُراد في هذا المقام – ويُؤكِّد هذا النزوع؟ هل تعرفون ما معناه؟ أنا مُتأكِّد من أن هذه دلالة ربما لم تخطر على بال أحد ولا على بالي، لكن الآن خطرت لي وأنا أتكلَّم حتى أكون صادقاً معكم، هذه دلالة عجيبة جداً، وهى أن الأصل في الدين والمُتدين ألا يقترب من القتل وسفك الدماء، هذه رسالة الدين، فحين يأتي الدين ويقول لك نعم في هذه الحالة أن أذنت لك أن تدفع عن نفسك فأنا أعلم وأفهم الرسالة على وجهها وأفهمها قائمة على رجليها، لا أقلبها رأساً على عقب فيُصبِح الدين رسالته الأصلية الجوهرية القتل باستمرار والفتوحات – Conquests – بإسم الدين وبعد ذلك السلام يأتي عرضاً، أي عرضاً للقتل، فالقتل هو الأصل والذبح هو الأصل، وبعد ذلك مَن خضع لنا وانحنى وطأطأ برأسه وخشع وبخع نتركه سالماً وافراً في حدود، لكن هذا غير صحيح، هذا قلب للدين، هذا دين يمشي على رأسه ورجلاه في الهواء، أما الذين الذي هو دين الله كما نفهمه من كتاب الله لا كما تُمليه علينا أهؤانا هو الدين الذي يمشى على رجلين برأس مرفوعة كما قلت، ونُريد لهذا الدين أن يخرج مرفوع الرأس في كل هذه القضايا، فهذا الدين يقول لك الأصل السلامية والسلام – هذا هو الأصل – والمحبة والرحمانية، الاستثناء الذي لابد منه – هو الشر الذي لابد منه، وهذا هو الثانوي وليس الأساسي، هذا هو العرضي في الدين – أنك إن تعرَّضت لاجتياح أو لاحتلال أو لأُناس فقدوا إنسانيتهم وفقدوا حس العدل والإنصاف وأرادوا أن يجتاحوك وأن يجتالوك عما أنت عليه وأن يُبيدوا خضراءك وألا يُبقوا لك على باقية فإنه مأذونٌ لك أن تدفع عن نفسك بغير عدوان، وانتبهوا إلى ما سأقوله الآن، وهذا أيضاً مما فُتِحَ به علىّ وأنا في طريقي إلى المسجد بفضل الله ومنته وعونه، العلماء لهم في تفسير العدوان أقاويل كثيرة، تُوجَد أقاويل كثيرة يُمكِن لأي أحد منكم أن يطلع عليها في كتب التفسير المُوسَّعة، لا نُطوِّل بذكرها لأن هذا ليس من مقصود خُطبة اليوم، ولكن الآيات التي تلوتها على مسامعكم من سورة البقرة فيها شيئ عجيب جداً،العدوان ورد فيها مرتين، والله ورود هذين اللفظين أو هذا اللفظ في موضعين في سياقٍ قصير – سبحان الله – يقطع الجدل والمراء في المسألة، أنا أقول لكم العدوان الذي ينبذه الدين وينهى عنه ويُحذِّر منه عدوان بالمعنى المُتبادِر، أي أن تبدأ أنت غيرك – وهذه حقيقة العدوان – بحربٍ لم تُفرَض عليك ولم يتحرَّش هو بك، فلماذا تبدأه؟ قالوا هذا جهاد الطلب، طلب ماذا يا حبيبي؟ طلب ماذا؟ هذه فقهياتكم، هذه فقهيات العقول الفقهية، هذا ليس القرآن الكريم، حاشا لله أن يبعث محمداً بهذا، انتبهوا إلى مَن هو محمد؟ خاتم الأنبياء والرسل، هذه آخر رسالة، هل تعرفون ما معنى أنها آخر رسالة؟ هذه أيضاً لها دلالة عظيمة جداً جداً جداً، معنى آخر رسالة أنها لابد أن تُثبِت تفوقها ولياقتها لتتفوَّق أخلاقياً وإنسانياً حتى نهاية البشرية، لا تأتي مُنظَّمات حقوق إنسان ولا غير حقوق إنسان تقول عكس هذا، باستمرار القرآن يبدو مُتقدِّماً على كل المُنجَزات البشرية، فما رأيك؟ وهذه هى الحقيقة لو فهمنا القرآن، وهذا واضح أمامي – والله – كما أراكم، هذا – والله – واضح تماماً وجداً وأستطيع أن أُجادِل عنه بمنطقٍ قوي بإذن الله تعالى، أنا وغيري طبعاً وليس أنا وحدي وكأنني شيئاً وإنما أنا وغيري وكل مَن أحب أن يرى هذه الحقيقة، إذن هذا هو العدوان، من أين أخذته؟ قالوا ليس هذا العدوان، العدوان قتل النساء وقتل الأطفال، هذا هو العدوان وهكذا فسَّره الحسن، لكنني أقول لا، هذا غير صحيح، العدوان عدوانان في كتاب الله وفي سياقٍ واحد، قال تعالى فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ۩، فسِّر لي العدوان هنا، فَإِنِ انتَهَوْا ۩ بمعنى كفوا أيديهم وآثروا جانب السلم وجنحوا للسلم وكفوا أيديهم فبماذا يُعقِّب الله – عز وجل – الأجل الأعز؟ بقوله فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ۩، وهنا العدوان يتعيَّن أن يكون معناه بداءتهم هم من طرف المسلمين بحرب، هذه واضحة تماماً بفضل الله، ولكن يُوجَد عدوان في قوله وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ – إذن قتالهم لنا ابتداءً هو عدوان – وَلاَ تَعْتَدُواْ ۩، وهذا أحد وجوه الإعجاز البياني، فالعدوان هنا يحتمل المعنيين، قال الله وَلاَ تَعْتَدُواْ ۩ بمعنى لا تكونوا أنتم البادئين، هم بدأوكم فردوا عن أنفسكم لكن لا تكونوا بادئين، وهذا على سبيل الموعظة، ومن المُمكِن أن يكون على سبيل التشريع، وهذا المعنى الثاني أيضاً مما فُتِحَ به على الآن، اللهم إني أسألك من فتوحاتك يا رب العالمين، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا، قال الله وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ۩، فإذن الأول على سبيل الموعظة وهو أجنبي قليلاً عن المقام، مَن قاتلك قاتله، مَن بدأك رد عن نفسك ولا تكن أنت الباديء، وهذا ليس تشريعاً، لكن يختلف الأمر حين يقول لك مَن بدأك بقتال قاتله وفي القتال لا تعتد بقتل الأطفال وبقتل النساء وبتحريق المُثمِر من الأشجار وبقتل البهائم وبقتل الرهبان في الصوامع وبقتل كذا وكذا مما ورد عنه النهي عن المعصوم صاحب الرسالة – صلوات الله عليه وسلماته وآله – وواطأه عليه خلفاؤه الراشدون في وصاياهم للجنودِ إذا كانوا يبتعثونها ويُنفِذونها، أي يُنفِذون الحملات العسكرية، نفس الآيات، لا تغلوا ولا تغدروا ولا تُمثِّلوا ولا تقطعوا شجراً مُثمِراً ولا تُحرِّقوا وستمرون برهبان وإلى آخره، فأنتم تعرفون هذا، هذا معروف ومأثور لدينا، وهذا هو العدوان.

يا سلام على القرآن، يا سلام على عظمة القرآن لو فهمنا القرآن بدل أن نتجنَّى عليه ونُجهِّم وجهه الأكرم الأعز، لأنه كتابٌ كريم وهو كتابٌ عزيز، عدونان منهيٌ عنهما في سياقٍ قصير ووجيز وواحد، عدوان البداءة وعدوان تعدي حدود شرف القتال، وأوروبا لم تفهم هذا إلا قريباً جداً، عهدها بالعدوان البشع والعدوان الجريمة – لا أقول المُجرِم وإنما أقول العدوان الجريمة – قريبٌ قريبٌ قريب، هذا في الحرب العالمية الثانية، وكان لديهم هتلر Hitler النازي، وهنا قد تقول لي هذا نازي، لكن تشرشل Churchill أيضاً الأرستقراطي ينطبق عليه نفس الشيئ، هتلر Hitler النازي – تعلمون هذا جيداً وتعلمنه أخواتي – ضرب بصواريخه وقصف بصواريخه وبطائراته كل مكان في لندن، بغض النظر هذا عسكري أو مدني، لم يهمه شيئاً، غير أن حكومة تشرشل Churchill اضطُرَّت أن تُصدِر بياناً بالمذياع وفي الصحف لكل الناس في لندن قائلة سلِّموا أولادكم وسلِّموا صغاركم في محطات السكة الحديد، لماذا؟ لكي تنقلهم القطارات إلى الأرياف، ما عدنا قادرين على حماية أحد، كل شيئ يُضرَب، وهذه إسمها الحرب الشاملة، وقالوا الإسلام أرهابي، هذا يُفتِّت الأكباد يا أخي، لأنك تعلم حقيقة دينك وحقيقة نبيك وقرآنك وبالأرقام وبالآيات وبالأدلة، وبعد ذلك يُقال عكس هذا عن المُسلِمين بسبب عدد من الشباب المُتحمِّس والمُضلَّل والمُغرَّر الذين يضربون هنا وهناك، وقد يكون أكثرهم حسن النية، فنسأل الله لنا ولهم الهداية، وكما قلنا يكون الثمن فادحاً جداً جداً، وأفدح ما في الثمن أن تتجهم وتُبشَّع صورة الإسلام ويُصَد الناس عن سبيل الله والله العظيم، وكأن رسالتنا أن نقتل فقط، لا يا أخي، رسالتنا من رسالة حبيبنا، وهى رسالته لا تزيد أن نكون رحمة للعالمين، فهل كنا؟ هل نحن رحمة للعالمين أم أصبحنا نقمة على أنفسنا قبل أن نصير عذاباً ونقمة على الآخرين مسلمين وغير مسلمين؟ وطبعاً يصطلى بنار هؤلاء الإخوة الشاردين الحيارى للأسف المسلم قبل غير المسلم، وفي بلاد الإسلام قبل أن يكون في غير بلاد الإسلام، وهذا واضح لكم، ماذا كان رد الإنجليز وتشرشل Churchill؟ الأسلوب المُبتدَع المعروف – ابتدعته إنجلترا – وهو Area bombing، أي قصف المناطق، مثل Carpet bombing، فهذه سجادة ونُريد أن نقصف كل مللي فيها، في الطلعة الواحدة كانت إنجلترا تبعث تسعمائة وخمسين طائرة فتسد عين الشمس من غير مُبالَغة، لا تعود ترى الشمس، لا تُوجَد شمس في سماء المدن الألمانية، وتُفرِغ حمولتها في وقت واحد ثم تعود، وهذا تدمير لكل شيئ، أرادوا قتل ألمانيا لما أراد هتلر Hitler قتل إنجلترا وفرنسا، وهذا شيئ غريب، هذا قبل كم؟ قبل ستين سنة، دين محمد بن عبد الله – صلى الله على محمد وآل محمد – وهو دين الرحمة للعالمين قال لا تغدروا – بعدوك لا تغدر – ولا تُمثِّلوا ولا تقطعوا ولا تُحرِّقوا ولا تقتلوا صبياً أو امرأةً أو راهباً أو عسيفاً – كما لا أُحِب أن أُفسِّرها مرة أخرى – أجيراً، وهذا في الحرب وفي ساحة المعركة، هذا هو الدين، لذلك أنا أقول لك بهذه المُدخَلية وعبر هذا المُدخَل لفهم المسألة سيتعقَّد أمامك – ليس كعامٍ وليس كمُهندِس أو كطبيب مع احترامي لكل التخصصات وإنما كعالم دين مُستوفي آلات النظر والاجتهاد – ويتركَّب مُهِم أن تستل رُخصةً بالقتل والقتال، فالعملية مُعقَّدة جداً جداً جداً، والقرآن يُؤكِّد هذا المنحى الفلسفي العميق، قال الله مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ – سببان لا ثالث لهما – فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ۩، لكن يا أخي الفقهاء أتوا بخمسين سبب للقتل، هؤلاء هم الفقهاء، لكن أنا ربي ليس الفقيه، أنا ربي الله، أنا كتابي الذي أقرأه في المحراب ليس كتاب فلان وعلان، كتابي هو القرآن، وأنا أُطالِب مُحاكَمة كل شيئ إلى القرآن، وأول شيئ الأحاديث النبوية حيث ينبغي أن تُحاكَم إلى كتاب الله، لا يُمكِن لمحمد بن عبد الله الذي أُنزِلَ القرآن على قلبه أن يأتي بما يعود على كتاب ربه بالنقض بإسم سُنة وغير سُنة، هذا يستحيل فانتبهوا، والله أنا قلبي مليء – أُقسِم بالله – والأفكار كثيرة، فأسأل الله العون لي ولكم واعذروني، أبو حامد الغزالي في فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة حكى عبارة آلمتني وأحزنتني، يقول استحقر مَن لا يُحسَد ولا يُقذَف واستصغِر مَن بغير الكفر والضلال لا يُوصَف، كيف يا أبا حامد؟ جماعة من الناس – كما تعرفون – سيفركون أيديهم فرحاً ويقولون هذا دليلٌ جديد على زندقة أبي حامد الغزالي، أرأيتم؟ هذا الرجل يُشيد بالكفر والزندقة، يقول إذا أي شخص غير معروف بالضلال والزندقة والكفر ليس له قيمة، أرأيتم؟ ألم نقل لكم أن أبا حامد الغزالي كافر؟ هكذا يفهمون النصوص، وعندهم طريقة – ما شاء الله – في الفهم والاستنباط والاستدلال وفهم المجاز والحقيقة وضرب الأمثال غير مسبوقة في تاريخ الأمة، حسبنا الله ونعم الوكيل، لذلك أنا أصرخ في إخواننا العلماء ولا أقول لهم بصراحة لكي أكون صادقاً مع نفسي أدوا وظيفتكم – هذا مطلوب – وإنما أقول لهم اصدقوا الله في الدرس والتحصيل، بالله عليكم جدوا،جدوا فالدهر هازل، اقرأوا ليل نهار، ما هو إنتاجكم؟ ما هو إنتاجكم كعلماء ومُثقَّفين؟إنتاج رمزي Symbolic، أنتم لا تتعبون، ولا أنا من هؤلاء، تضع الرجل على رجل وتقرأ وتُعلِّق وتكتب وتُقارِن وتُحاكِم، وهذا من أحلى ما يكون، يُصبِح عمرك ثمانين سنة – وما شاء الله – تصعد على المنابر بصوت جهوري، لا يُوجَد تعب لا للركب ولا للأيدي، فقط يمسك الكتاب والقلم ويُقول لك هذا إجهاد، لكن هذا كذب، مَن يقول لكم القراءة إجهاد أكبر كذَّاب، أنا حياتي كلها قضيتها في القراءة ولا أجمل من هذا، أجمل شيئ القراءة، وأسهل شيئ القراءة والعلم، ترف ما بعده ترف، لكن مسئولية لمَن فهم رسالته، تُصبِح القراءة – والله العظيم – مسئولية، يُصبِح انتقاؤك لما تقرأ مسئولية، يُصبِح تحديدك للموضوعات التي تتكلَّم فيها وتُناقِشها مسؤلية، وهنا تنجو من تُهمَة الترف البطَّال هذا، وإلا فالقراءة من حيث هى ترف، هى ترف جميل جداً ومن مظاهر الحضارة، لا يستطيعها توفراً – أي يتوفَّر عليها – فلاح أو مُزارِع أو صاحب مصنع، لا يقدر على هذا، لأن هذا المسكين ليس عنده أي وقت، لكن هذا لأمثالنا المُترَفين، فنسأل الله أن يُنجِّنا من مصير المُترَفين، أقول له لمثل هذا الشخص أنت إنتاجك رمزي، أنت تُدرِّس في الجامعة لعدة ساعات في الأسبوع وتأخذ ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف يورو فلماذا عندك عشر معلومات تُكرِّرهم من خمسين سنة يا رجل؟ لماذا في كل دماغك عشر كتب ولا تحفظ غيرهم؟ ينبغي يومياً أن تقرأ كتاباً وكتابين، يا رجل اتق الله وجد، جد حتى تُقدِّم شيئاً.

هناك سؤال طرحه علىّ بعض الأذكياء قُبيل أيام، قال لي ما هو سبيل تعليل هذه الظاهرة الشيطانية؟ إنهم ينبتون في بلادنا كالفطر السام وكالنبت الشيطاني، لم يكونوا موجودين ولم نكن نراهم، في شهرين أو ثلاثة انتشروا في كل مكان، وهذا شيئ غريب، وأتوا بالتكفير وقالوا الحكومة كافرة وهذا كافر والشيخ كافر والمُفتي ملعون والأمة في ضلال، وهذا شيئ عجيب، وبعد ذلك أتوا بالسلاح، وهذا غير معقول، ويقولون فجِّر واقتل هنا لأنه جهاد والله أكبر، قلت له تعليلها لدي سهل جداً، وأنا حذَّرت من هذا من قديم وبعد أن وضعت ثورات العرب أوزارها كما يُقال، لعلي كنت أول مَن حذَّر من هذا الاتجاه على المنبر هنا، هل هدم الأضرحة من أولوياتنا؟ هل هذا من أولويات الثوار؟ هذا اتجاه عجيب وغريب أن يعقب الثورة وأن يكون نتاجاً للثورة، والآن هو يشق الأمة ويُجهِض الثورة وأحلامها ويقضي على أهدافها، فنسأل الله لهم ولنا الهداية والتسديد، وأنا أقول لكم شيئاً لأنني لا أُحِب النفاق والمُدارَة والمُداجاة، والله الذي لا إله إلا هو مَن صدقت نيته في طلب الحق واستبصاره هداه الله ودله، ولكن مَن كان نيته – كما قلت لكم – التنفيس عن أحقاده والتنفيس عن حسده وعن غيرته وعن تعصبه وعن أولوياته وعن مصالحه وعن أجندات – يُوجَد أُناس عندهم أجندات ويُوجَّهون بالريموت كونترول Remote Control – فهذا مُحالٌ مُحالٌ مُحال –   إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ ۩ – أن يرى للحق وجهاً أو يرى للحقيقة بصيص نور، هذا أعمى، يعيش أعمى ويموت أعمى،نعوذ بالله من العمى وطمس البصر والبصيرة، هل فهمتم؟ هذه موعظة بسيطة مني لكم كأخ صغير، وسامحوني على هذا الاستطراد كما قلت لكم، أعود إلى ما كنت فيه.

أبو حامد الغزالي لا يعني هذا، أبو حامد – رحمة الله عليه – يُعرِب ممروراً مكبوداً عن ردة فعل إزاء شيوع مجنون للتكفير وزندقة العلماء وهو في أولهم، هل أبو حامد زنديق؟ هل أبو حامد كافر؟ كفَّروه في عصره، وقبل سبعين سنة كُفِّرَ أيضاً، مُحاضَرة في دار كذا وكذا لخدمة السُنة، وقيل أبو حامد الغزالي الزنديق، هكذا عُنوانها وكان فيها علماء بلحى وعندهم شهادات علمية، هل أبو حامد زنديق؟ ملء الأرض من أمثالك – والله العظيم – لا يعدلون بشيئ مما أُوتيَ أبو حامد، أبو حامد بشهادة الغرب قبل الشرق شخص من الأشخاص الذين يُعدَّون على أصابع اليدين الثنتين الذين أثَّروا في مسار الفكر البشري، ما رأيكم؟ وقال أحدهم بل هو واحد من خمسة على مُستوى التاريخ الإنساني، هذا هو الغزالي، هذا الشيئ مُذهِل، وكم كان عمره؟ هل وصل عمره إلى مائة وخمسين سنة، في سن خمس وخمسين سنة تُوفيَ هذا الرجل، أي وهو شاب، مات عن خمس وخمسين سنة بعد أن ملأ الأرض فلسفةً وعلماً ونوراً وأصولاً وتأصيلاً وفقهاً، وهذا شيئ عجيب، آية من آيات الله، ومع ذلك عاش مُتهَماً بالزندقة من هؤلاء الحسدة، وهو كان يصفهم في أول الفيصل بالحسدة، وكان يعرف أن الباعث ليس علمياً وإنما كان الباعث نفسياً، فهو يعرف هذا كما نعرف نحن الآن، هذه بواعث نفسانية، حقد وأحساد وغيرة، وهذا شيئ عجيب جداً، لأن المُناظَرة لها سبلها ولها طرائقها ولها شرائطها، وحيَّهلاً بالمُناظَرة وحيَّهلاً بالدليل يقرع الدليل والحُجة تُضارِع الحُجة، هذا هو!

هل تعرف ماذا قال أبو حامد لشهاد الشيوع المجنون للتنابذ بألقاب الكفر والنفاق والزندقة؟ قال أنا أرى أنه لا يُوجَد أي شخص ذكي أو أي عالم مُتفوِّق مُبرِّز إلا يُوصَف من هؤلاء الأغمار الجهلة بالزندقة، وهذا يعني أن الزندقة أصبحت عنواناً للنبوغ والشرف والنبل، ولذلك قال استصغِر مَن ليس بالكفر والضلالِ يُعرَف، إذا وُجِدَ عالم ولم يقولوا عنه أنه ضال وكافر وزنديق فإذن هذا عالم حقير ليس له قيمة، إذا قالوا أنه حقير وزنديق وكافر فهذا يعني أنه عالم له وزنه وعالم له ثقله، والله – نعيش نفس الحقبة – أُقسِم بالله – ونفس العقلية، لأن تلك العقلية الآن يُعاد إنتاجها، المُهِم هو أنني لم أُجِب عن السؤال، كيف هذا النبت الشيطاني أو هذا الفطر – لن أذكره وأنتم تعلمونه – يبرز هنا وهناك بسرعة وفي غير منبته؟ بصراحة هل تونس منبت لهذا الفكر؟ تونس دولة مُعلمَّنة، وأنا زرت تونس مرتين أيام زين العابدين، ولا نُحِب أن نسب الناس، المُهِم أن هذا أيام زين العابدين، الله يهديه ويهدينا ويهدي كل ضال، نتمني – والله – الهداية، أنا قلت مرة كلمة وهى أن لو يُسمَح شرعاً أن نتمنى الهداية لإبليس لتمنيناها له والله العظيم، هكذا نفهم الدين لكن لا يُسمَح، الله قال انتهى الأمر، إبليس ملعون إلى يوم الدين، لكن لو يُسمَح نتمنى له، لماذا لا؟ لماذا يدخل النار ويُعذَّب؟ لا نُحِب العذاب لأي أحد، لماذا؟ هذه رحمة المُؤمِن، انظروا إلى الإمام أحمد رضوان الله عليه، هذا الإمام الجليل الذي يدّعي بعض الناس أنهم ينتمون إليه وليس من أخلاقه في شيئ، لكم أن تتخيَّلوا أن الإمام يحفظ مليون حديث فيما يُقال، أي ألف ألف حديث سنداً ومتناً، لا تشتبه عليه ولا تلتوي إزاء حافظته، آية من آيات الله وإمام رضوان الله عليه، أحد الأئمة الأربعة لأهل السُنة، هذا الرجل يُجرَّد من ملابسه كلها إلا من سراويله، ولكم أن تتخيَّلوا أن الإمام هكذا يُهان، ويُضرَب في مسألة سخيفة إسمها مسألة خلق القرآن، ولن أُعلِّق الآن وأقول لماذا هى سخيفة، بصراحة هذه من سخافات المسلمين سُنية وزيدية وجعفرية وإباضية ومُعتزِلة، هذه من سخافاتنا والله العظيم، لماذا؟ سوف نقول فيما بعد لأن هذا يحتاج إلى استطراد طويل سيُخرِجنا عن موضوع الخُطبة، الضرب يُضرَب مائة وعشرين جلدة حتى يتفرَّز لحمه، وينزل سرواله – فيما يُقال – إلا أن الله عصمه فلم تبد عورته، انحلت الدكة ولكن السروال – بفضل الله – لم ينزل كرامةً له، وهذا شيئ مُبكٍ، حين تقرأه محنته تبكي عليه، رحمة الله عليه ورضوان الله عليه وعوَّضه الله خيراً بحُسن جزائه، يذهب إلى البيت وبعد ذلك يأتيه بعض الناس ويقولون له المُعتصِم كذا وكذا، فقال غفر الله له، أنا أُشهِدكم أني قد غفرت عنه، قالوا غفرت للمُعتصِم الذي يقول بخلق القرآن وفعل بك ما فعل؟ قال ماذا أستفيد أن يُعذَب أخي في النار بسببي؟ الله أكبر، هذا أحمد، هل أنتم على أخلاق أحمد؟ لماذا أحمد؟ رضوان الله عن أحمد، لماذا أحمد؟ نحن نُريد نبي أحمد صلى الله عليه وسلم، نحن – بفضل الله – الذين نحمل هذا الفكر والفهم للدين وللقرآن لا نستطيع ولا نعرف كيف نكره البشر، نكره أفعالهم فقط، أنا أكره عدوانك وأكره جريمتك وأكره إلحادك وكفرك، لكن لا أكرهك كإنسان، لا أكرهك من أجل صلعتك وشعرك ولونك وطولك وعرضك وأنك أجمل مني وأقوى مني وما إلى هذا، هذا مُستحيل وإلا أنا إنسان مُلتاث إذن، إذا كنت أكرهك لأنك أطول مني وأجمل مني فأنا إنسان مُلتاث ومريض نفسي، إذا كرهتك لأنك أذكى مني وأفصح مني وعندك من المال أكثر مما عندي فهذه تكون لوثة، ولابد أن أعترف أنني مُلتاث وينبغي أن اذهب لأُعالِج نفسي حتى لا أهلك في الدنيا قبل الآخرة أمام الله عز وجل، مُستحيل أن أكرهك، لماذا أكره البشر أنا؟ لا أقدر على هذا، أكره أفعالهم فقط، ألعن ما يُلعَن من أفعالهم وأشجب ما ينبغي شجبه من أفعالهم، مثلما عبَّر أبو الدرداء حين قال لأخيه لست أكرهك – أنا لا بكرهك، أنت مسلم فكيف أكرهك؟ – وإنما أكره ذنبك، فإن نزعت عنه فأنت أخي، أي ترجع الإخوة والصفا، انظروا إلى هذا الفهم، علَّمهم النبي ألا يكرهوا البشر، حين نقول لهم نحن لا نستطيع أن نكره البشر يقولون لنا إذن أنتم تُحِبون الكافرين، فأقول لمثل هذا الشخص أنت تحتاج أن تُعيد قراءتك لكتاب الله تبارك وتعالى، هل تعرف لماذا؟ هذه الطريقة التبسيطية هى التي أودت بنا إلى ما نحن فيه الآن ، وقلت لكم أن أبشع ما في الجريمة هو تبرير الجريمة، وأبشع ما في التبرير أن يكون ساذجاً بسيطاً بخُطوة واحدة، بخُطوة واحدة انتهى كل شيئ، سقطت الرقاب وندرت الرؤوس عن الأبدان بخُطوة واحدة، هذه هى الكارثة، وهذه الطريقة التبسيطية هى التي أودت بنا إلى ما نحن فيه الآن، كيف هذا؟ يقول أحدهم هذا هو يا أخي، ليس بعد الحق إلا الضلال، ماذا يُقابِل المحبة؟ الكره، أنت لا تكرههم فإذن أنت تُحِبهم، أنا أقول له هذا غلط، هذا منطق أرسطو Aristotle الذي كفَّرته وقلت ما ضر الإسلام إلا أرسطو Aristotle، وهذا منطق أرسطو Aristotle، لكن المنطق الاتصالي اليوم الذي يقوم على مُراعاة المُتصِل – Continuum – مُختلِف، هذا منطق اتصالي اليوم، كل مَن يدرس المنطق – Logic – يعرف هذه الأمور، الأن هناك درجات مثل طيف الألوان Spectrum، أنا سأقول لكم ما هو الطيف القرآني، يُوجَد طيق قرآني مغفول عنه تربوياً وفكرياً وفلسفياً، وهوطيف عجيب مُحزِن ومُبكٍ،الله قال يُوجَد كره، وخصيصة مَن هذه بالذات؟ الكفار، قال الله قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ ۩، الكفار والمُنافِقون ينطوون على حقد كاره للنبي وللإسلام وللمُسلِمين طبعاً كبشر بشيئ غير مسبوق، المسلم المسكين ليس عنده هذا، النبي ليس عنده هذا، وفي المُقابِل يُوجَد الحب، والحب له دواعيه وبواعثه وأسبابه ومُبرِّراته، ليس كل أحد ينال حبي أو ينال حبكَ أو ينال حبكِ، الحب له بواعث ومُبرِّرات، هل هناك ثمة منزلة بين المنزلتين؟ طبعاً، منزلة عجيبة مُبكية، وهى إسم على مُسمَّى، إسمها منزلة الحزن، ما المُراد بالحزن؟ هنا تُوجَد استجابة Response، شخص كافر دعوته إلى الإسلام وبيَّنت له وأقمت له الحُجة وقطعت له معاذيره ومع ذلك كفر وجحد ونكد وتنكَّب واستعلى واستكبر والتوى عليه، لن أقل الله يلعن هذا الملعون أبداً، وإنما سأبكي عليه، كيف تبكي؟ قد تقول لي أنت يا عدنان مثالي قليلاً وشاعري ورومانسي، أين هذا الكلام مثلاً؟ هل رأينا داعية على هذا النحو؟ هل رأينا شيخاً يبكي على الزنادقة وعلى الملاحدة ويدعو لهم بالهداية؟ اللهم أصلحهم، اللهم اهدهم، اللهم اكشف الغمة والحجاب عن قلوبهم وأبصارئهم وبصائرهم يا رب العالمين، اللهم اهد سبلهم، اللهم اهدهم إلى أرشد سبيل، اللهم افتح عليهم فتوح العارفين حتى يعرفوك ولا يجحدوك، يا ليت نكون هكذا، يا ليت يكون العلماء والدعاة هكذا، لكن النبي المُحمَّد كان هكذا بل وأكثر من هذا بكثير، وكأين من آية تُكرِّر نهيه تسليةً له وتقول يا خيرتنا ويا حبيبنا ويا صفوتنا من خلقنا لا تحزن عليهم، تقول الآية الكريمة وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ۩، كيف تحزن؟ هل قرأتم هذه الآية؟ بعضهم يقول لأول مرة أسمعها، قال الله وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ۩، كان لا يغضب وإنما يحزن، حين كنت في مُقتبَل عمري وكنت طالباً هذه المسألة أرَّقتني طويلاً، إذا جنح أو أساء بعض معارفي إساءة دينية – وقع في خطيئة دينية – كان هذا لا يُرضيني بالمرة، ومشاعري تكون مُلتبِسة، نوع من الحزن مع نوع من الغضب مع نوع من الأسى والرثاء، ولكن أهمني جداً أن أعرف كيف أُميِّز، هذه نوع من الازدواجية -Ambivalence – في المشاعر، يأتي هذا الشعور مع هذا، فلا تعرف هل هذا غضب أم حزن، هل هذا حزن أم رثاء أو أسف، هذا إسمه Ambivalence، هذه المشاعر الإمبفيلية – إن جاز التعبير – المُلتبِسة أهمني جداً أن أُميِّز بين أطرافها وبين أطيافها وعناصر طيفها، لأن هذه قضية دين وليست لعباً، ثم أُميَّز بعد ذلك – هذا من أجل نفسي وقلبي ومصيري مع الله وعلاقتي مع ربي عز وجل – ما لله منها وما للنفس منها، أخشى أن يكون هذا الحزن والأسف والغضب ليس لله وإنما لنفسي، أليس أنا الشيخ الذي علَّمكم ودرِّس لكم؟ كيف تضلوا بعد ذلك وترتكبوا المُحرَّمات؟ هذا يعني أنكم لم تحترموني، إذن من المُمكِن أن يكون هذا الغضب من أجلي وليس من أجل لله، أنت لم تحترمني، أن تعمل هذا أمامي الآن أو يصلني الكلام عنه دون أن تعبأ فهذا يعني أنك تحتقرني كشيخ لك، هذه كارثة لأنني في هذه الحالة أُعبِّد الناس لنفسي وليس لله عز وجل، وهذا شرك طبعاً، هذا نوع من الشرك بإسم الدعوة وبإسم الدين، خشيت من هذا جداً والله الذي لا إله إلا هو، فهداني الله من فضله ومنته إلى معيار سهل هو الذي أُحدِّثكم عنه اليوم، وهو معيار قرآني لم أكن فهمته وأنا أحفظ كتاب الله وأعرف كتاب الله لكنني ما فهمته، ما هو المعيار؟ إن أخطأ أخوك – أخوك في الإنسانية أو في الدين – فغضبت وكرهت هذا وتأدى بك الغضب والكره لما فعل – انتبه إلى أنك حتى الآن لا تعرف هل تكرهه هو أم تكره فعله، فقد يترجَّح أنك تكرهه هو ووجدت فيه كما يُقال مطعناً، فقلت من الجيد أنه وقع وسنذبحه الآن، لأنك من الأول كنت تحسده وتغار منه وتحقد عليه لأنك لم تُحصِّل ما حصَّله، وتُحِبه لعدم وجود إلا دواعي المحبة، فلو عملت غير هذا سوف تُكشَف سريرتك، لكنك تُريد أن يقع ولو لمرة واحدة، وبإسم الدين والانتصار للدين وهجر العصاة والخاطئين يقع الكره الغير معروف هدفه كما قلنا، أي هل هو كره للشخص أم للفعل – إلى الشماتة فيه وإلى فضح سر خطيئته – فاعلم أنك فعلت هذا لنفسك، من المُمكِن أن تكون الشخص الوحيد الذي عرف أنه عمل هذا، ومع ذلك قلت لغيرك اسكت يا أخي هذا البعيد فعل كذا وكذا وهذا البعيد يفعل كذا وكذا وهذا البعيد لا يتورَّع عن كذا وكذا، أي أنك فضحت سره وشمت فيه، فاعلم أن هذا من المُحال أن يكون إلا لنفسك وللشيطان، والنبي قال لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم، والحديث عن شارب خمر لكن النبي قال لا ينبغي أن تلعنوه أو أن تدعوا عليه، ادعوا له وتحبَّبوا إليه وقرِّبوه ولا تجعلونه يزوَّر ويجفو الدين، وهذا معنى لا تكونوا عوناً للشيطان، لكن نحن ما شاء الله لا نفعل هذا، كم منا من هو عونٌ للشيطان – أحسن عون – على إخوانه؟ الله أعلم، لا تُوجَد إحصائيات لكن الله أعلم، والعكس صحيح إن حزنت عليه لأنه أذنب حزناَ شديداً وبكيت بالدموع ودعوت له بالأسحار الدعوات الضارعات الواجفات الصادقات، وسوف ترى كيف يُجيبك الله فيه لأنك صادق، والله الدعوة الصادقة بظهر الغيب للإخوان بالذات – لنفسك قد تكون بنسبة خمسين في المائة لكن الحديث عن الإخوان بالذات – تُستجاب، موسى عليه السلام قال يا رب علِّمني كيف أدعوك دعوةً مُستجابة، أي تستجيبها لي، قال ادعني يا كليمي بلسانٍ لم تعصني به، قال له وأين هذا اللسان؟ كل شخص أذنب ولو ذنباً من الصغائر، قال له ادعني بلسان غيرك، أي احمل أخاك على أن يدعو لك، نعم أنت عصيت الله بلسانك وأنا عصيت الله بلساني لكن هل أنت عصيت الله بلساني أنا؟ لا، فحين يدعو لساني لك يكون لسانٌ لم تعص الله به دعا لك فتُستجاب، الله أكبر، قال له ادعني بلسانٍ لم تعصني به أُجِبك، قال له يا ربي كيف؟ قال له بلسان غيرك، أي بلسان أخيك، أخوه محمد – صلى الله على جُملة أنبياء الله ورسله وآحادهم تفاريق وآل كلٍ وسلم تسليماً كثيراً – سار في المسار ذاته، قال دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب مُستجاب، وتُؤمِّن الملائكة عليه وتقول ولك بمثله، لن ألعنك يا أخي ولن أفضحك ولن أشمت بك ولن أكون عوناً للشيطان، بل سأدعو لك وأبكي وسوف أرى بركة دعائي فيك بإذن الله تعالى، هل نفعل هذا؟ نأتي إلى محمد – صلى الله على محمد وآل محمد – الآن، الآن سأعرض عليكم نمطين وأنموذجين في التعاطي مع الخُطاة أو مَن يُشتبَه أنهم خُطاة أو مَن يُنعَتون بأنهم خُطاة، الله أعلم فنحن لا نعرف، يُوجَد بهتان كثير في هذا العالم، هذا العالم يكاد يقوم على الكذب بين الناس – العالم الاجتماعي طبعاً وليس العالم الكوني القدري – للأسف الشديد، هناك نمطان بينهما فرقٌ كبيرٌ، نمط الذين يتتبعون عورات المُؤمِنين ويلتسمون للبرءاء العيب، وهذا تعبير رسول الله، يقول النبي يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته، يا سلام عليك يا مُعلِّم الناس، والله نقرأ كلامك ونشعر قلوبنا أنه كلامك، فيه جلالة النبوة وفيه جمال وفيه تعليم، سأقول لكم حقيقة على طريقتي في الصراحة وطبعاً سأُسَب بسببها، إلى وقتٍ قريبٍ – سبحان الله العمر له دوره والنضج أيضاً بكثرة القراءة والعلم وما إلى ذلك له دوره، فالمسائل ليست قراراً كأن تقول أنا قررت أن أعتقد كذا وكذا، لا تقدر أن تفعل هذا، الأمر لا يخضع لهواك – يصل ربما إلى سنيتن أو ثلاث أو أربع – لا أستطيع أن أُحدِّد حقيقةً لكن هذا إلى وقت قريب – كنت أقول هذه الجُملة وأُعبِّر بها لكن ليس لدي برهانها من تجربتي، أنا وجدت عند غير محمد بن عبد الله روائع حقيقةً، وجدت عند فلاسفة مُؤمِنين وغير مُؤمِنين وشرقيين وغربيين روائع، بعضها كان يبدو لي فاشعر أن هؤلاء الناس كانوا شيئاً غريباً، في آخر سنواتي اختلف الأمر، إن شاء الله أكون نضجت لأنني أنا جاوزت الأربعين الآن والله قال حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۩، أنا طاعن في السابعة والأربعين الآن، قربت على الخمسين وبعدت عن الأربعين كثيراً، فقد طعنت في السابعة والأربعين قبل أيام، أي دخلت فيها، والله قال وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۩، كأنها علامة النضج النفسي والعقلي والروحي إذا وُجِدَ النضج، صرت حين أقرأ أثراً أو خبراً صحيحاً وأحياناً يكون حسناً وفيه ضعف أشعر بشيئ غريب، لأن ليس معنى أنه ضعيف أن قطعاً النبي لم يقله، يُوجَد احتمال لأن يكون قاله، وأنت ترى هذا وتحس به في الجرس، تجد الرونق والجلالة فتعرف هذا، وخاصة إذا كان عندك تأنس وخبرة وتمرن وتمهر بالوقوف على كلامه بعد أن تكون قرأت عشرات ألوف الأحاديث فتستطيع أن تعرف هذا، النبي يقول يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته، وأنا أحكي لكم شيئاً مُجرَّباً تقشعر له الأبدان، أعلم حادثة أنا عايشتها بنفسي، أخٌ رمى أخاه ببهتان، هذا البهتان له أصل، ولكنه كثَّره ونمَّاه وكبَّره وبالغ فيه فجعل من الحبة قبة، ما الذي حدث؟ الذي حدث أنه ابتُلِىَ ببلية من جنس ما رمى به أخاه، ولكن مُحقَّقة وثابتة وكبيرة، فتذكَّرت قول الحسن البصري – رضوان الله عليه – حين قال يا إخواني مَن بحث عن عيوب الناس وله عيب بحث الناس عن عيبه، ومَن بحث عن عيوب الناس أو أظهر عيوب الناس وليس له عيب – ما شاء الله هو كامل Perfect – أحدث الله له عيباً وأظهره للناس، أي أنك سوف تُبتلى، لا تعتقد أن هذا طريق للتكامل حين تبحث عن عيوب الناس وتُشخصِّن، لماذا تُشخصِّن؟ أنا أعتقد أنني مُبالِغ جداً – أنا كعدنان أعترف بهذا – في نقدي للأفكار والاتجاهات ولكنني لا أُشخصِّن، لا آتي بأسماء وأقول الشيخ فلان الفلاني والدكتور فلان الفلاني، لماذا؟وقد أتجاوز على هذا الإنسان وأظلمه، قد أتجاوز حد النقد وأتهوى في مهواء، لا أفعل هذا، لكن أنا مُشكِلتي – والله – ليست معه، مُشكِلتي مع فكره ومع نمطه في التفكير.

أنتم تعرفون مُحاكَمات نورمبرج Nuremberg، مُحاكَمات نورمبرج Nuremberg كانت لقادة النازية وضباط النازية الكبار، وكان رأي ستالين Stalin ما شاء الله -طبعاً الشييء من معدنه لا يستغرب – يليق به تماماً ويركب عليه كما قلنا، حلة ووجدت غطاها كما يقولون، والقضاة – كما تعرفون – كانوا من الاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا وأمريكا – والمُدعَون طبعاً – لكي يُحاكِموا النازيين، فستالين Stalin قال أنا أقترح إعدام مائة وخمسين ألفاً من قادة النازية، لكم أن تتخيَّلوا محكمة تعدم مائة وخمسين ألف واحد، ولا يُوجَد مائة وخمسون ألف قائد، أين هؤلاء؟ قال ضباطها، فالضباط كثُر، وإن اقتضى الأمر يُعدَم الجنود، مائة وخمسون سوف يكون عدداً جيداً، وروزفلت Roosevelt رد عليه لكي يسخر منه، ما هذا التوحش؟ انظروا إلى الأمريكان، الأمريكان دُهاة ويُوجَد حس إنساني هنا، فأمريكا تعاطت إلى حدٍ ما في المحكمة بإنسانية، لكن في الحرب ترى يا حبيبي المولوخ الأمريكي، ففي المحكمة كانت أمريكا إنسانيةأكثر من بريطانيا وفرنسا، لكن ماذا قال له رزوفلت Roosevelt؟ قال له مائة وتسعة وأربعون ألف يكفي، خفَّض له ألفاً، قال له مائة وخمسون كُثر يا ستالين Stalin، لكن مائة وتسعة وأربعون ألف يكفي، أي أنه يسخر منه أمام العالم، الإنجليزي قالوا لابد من مُحاكَمة القادة وفعلاً إعدام عدد لا بأس به منهم لكي نُعلِّمهم الأدب ونقطع إمكانية مُحاوَلة ألمانيا أن تعود للحرب مرة أخرى، ماذا كان رأي الأمريكان؟ رفضوا هذا وبنوا خُطَّطتهم ونفَّذوها وهى التي نجحت على أن نُحاكِم ليس القادة النازيين وإنما الفكر النازي، قالوا يجب أن نفضح هذا الفكر بين الناس، يجب أن نفضحه بين قادة النازية، وبمُعاوَنة شبير Speer طبعاً نجحوا وأنتم تعرفون كيف، وهذه قصة طويلة، قلت هذه أمة ذكية، الأمريكان أذكياء يا أخي، والله قرأت شيئاً عجيباً يتبع فير Fair، ابحث أنت عن فير Fair لكي تعلم، المُهِم هذا شيئ لا يُصدَّق يا إخواني، هذه مُؤسَّسة غير ربحية في أمريكا تُحاوِل تبحث عن التحريفات وأساليب الخداع الإعلامية في الإعلام الأمريكي وتُوضِّحها للفرد الأمريكي، يا ليت عندنا مثلها لتعليم الناس حتى لا يُخدَعوا، يُوجَد مثال أنا قرأته لرئيس هذه المُؤسَّسة – فير Fair – وهو شيئ أدهشني، أدهشني ذكاء الناقد، ولكن أدهشني مثله ألف مرة دهاء المُجرِم، وهو عن الحكومة الأمريكية في مواقفها من الشعب الفلسطيني ودعمها للاحتلال الإسرائيلي بغير قيد وشرط ليل نهار باستمرار وكأنه التزام أبدي، وهو مثال لا يُصدَّق، ما هذا المثال؟ يقول لك دائماً يُوجَد خبر يتكرَّر – كلاشيه Cliché يتكرَّر باستمرار – في الإعلام الأمريكي، متى يتكرَّر؟ كلما حدثت مذبحة مُروِّعة للفلسطينيين، ونحن رأينا حربين – ما شاء الله – في سنوات قليلة، مذابح وذبح وقتل وقصف وبالفوسفور، لا تُوجَد رحمة للمدنيين وللناس العاديين في بلادها وللمُهجَّرين من بلادهم أيضاً، في ملاجئهم يُقصَفون بالفوسفور – ما شاء الله – وبالصواريخ وبالإف-16(F-16) وبأطنان من المُتفجِّرات، وهذا أمر عادي، والعالم كله يرى هذا على أنه شيئ طبيعي، لأن هذه الأخبار أدمنونا وعلَّمونا أن نُدمِن على استماعها، فلفرط قصرها أصبحت عادية، فهى تأتي في خمس وأربعين ثانية، مُتوسِّط الخبر – وخاصة في العالم الأمريكي – يصل إلى خمس وأربعين ثانية، فلفرط قصرها وتتابعها ولمجيء موسيقى صاخبة بعدها وأنباء عن المُمثِّلين والمُمثِّلات وما إلى ذلك تتعلَّم أن هذا الشيئ من طبيعة الحياة وأنه عادي، وبالتالي تتبلَّد فيما بعد، وهذا الذي حصل ليس فقط مع العرب بل مع كل العالم، فالمُهِم قال لك كلما وقعت مجزرة للفلسطينيين أو مذبحة أو عدوان عليهم يأتي هذا الخبر الذي يقول على أمريكا أن تتدخل، ومن ثم تسمع مَن يقول الحمد لله فهم مُنصِفون يا أخي وما شاء الله عليهم، يقول الخبر على أمريكا أن تتدخل لتُنصِف الشعب الفلسطيني، وهنا قد يقول لي ما المُشكِلة في هذا؟ لماذا تنتقده؟ ليس أنا مَن ينتقده وإنما ينتقده زعيم ورئيس هذه المُؤسَّسة الأمريكية المُمتازة غير الربحية والإنسانية، قال لك هنا رسالة خطيرة ضمنية مسكوت عنها، ولكن يُمكِن رؤيتها لو كشفنا الغطاء، هل تعرف ما هى الرسالة؟ الرسالة الظاهرية طبعاً هى أنه وقع ظلم على الفلسطينيين، وهذا صحيح طبعاً، وقع ظلم على الفلسطينيين، نحن مظلومون والله، مع العلم بأننا لا نُحِب أن نكون مظلومين، لكن أصحاب أفكار عليهم عليهم والله أكبر يقولون لك نحن لسنا مظلومين، نحن رجال تُخيف العالم، لكن أعداءك يفعلون العكس، لا نقول أدمنوا بل أخذوا نوبل Nobel في استدرار عطف الشعوب وتعاطفها معهم باحتكار، هذا امتياز لهم فقط، دور الضحية امتياز لهم، يقولون نحن فقط الضحية Victim، لا تُوجَد أي ضحية غيرنا، نحن المساكين الضحايا، يضربك ويذبحك ويقول أنا ضحية، احموني من هذا الإرهابي الذي يُهدِّدني، لقد قتلني ودمَّرني، هو قتل عشرة آلاف بالضربات وهذا قتل له عشرين أو ثلاثين، ومع ذلك يقول أرأيتم كيف هو منطقه؟ أرأيتم وجهه وكيف هى لحيته؟ هو يُخيفني فاحموني منه لأنني ضعيف جداً، وهذا أمر عجيب، هؤلاء الناس يعرفون كيف يشتغلون، فالمُهِم الرسالة الظاهرية هى وجود عدوان وقع على الشعب الفلسطيني، أما الرسالة الباطنة فهى أن أمريكا من يوم يومها كما يُقال لم تُشارِك في عدوان على الشعب الفلسطيني، طيلة عمرها وهى حيادية، لكن الآن لابد أن تُغادِر مُعسكَر الحياد وتُحاوِل أن تأتي بفعل، عليها أن تفعل وأن تتدخل، هل هذا سيحدث الآن؟ هل هى لم تتدخل؟ أليس كل ما يحصل لنا بتدخلها وبدعمها وبضوئها الأخضر؟ أرأيتم كيف يتم تضليل العقول؟ المسألة أخطر مما نتخيل، لذا هذا المثل هزني، الجماعة عندهم دهاء غير مسبوق، ونحن عندنا – ما شاء الله – سذاجة وغفلة فعلاً لا نظير لهما، ونظن أننا نُخيف أحداً ونكسب المعارك في حين أننا نخسر باستمرار.
طرحت سؤال لم أُجِب عنه، وهو لماذا يتكاثرون هؤلاء كالفطر ويظهرون فجأة ويُثيرون الاستغراب بظهورهم السريع؟ قلت لأخي الفاضل هذا الحلُ أو التعليل أو التفسير أعتقد أنه سهل وميسور، فقال كيف؟ على أي نحو؟ قلت له أن تُخرِّج عالماً متيناً ومُفكِّراً رصيناً يُفرِغ عن منطق الإسلام ويتكلم بإسم أهدافه ومبادئه السامية سوف تحتاج في الحد الأدنى إلى مسافة جيل أو عمر جيل، أي إلى خمس وعشرين سنة، وفي الحق والواقع سوف تحتاج إلى عمر فرد بأكمله، المُفكِّر والعالم الرصين يطلب العلم إلى أن يلقى الله فتزداد رصانته ويزداد علمه، فالمسألة صعبة جداً على كل حال، لكن من السهل أن تُخرِّج مَن يتنطَّع بتكفير الناس وتفجير الناس والحكم على قلوبهم والحذف والشطب فيُقال هؤلاء ليسوا مسلمين وهؤلاء ليسوا مسلمين وهؤلاء ليسوا مسلمين والزيدية ليسوا مسلمين والجعفرية الاثنا عشرية ليسوا مسلمين والإباضية ليسوا مسلمين وكذا ليسوا مسلمين، وهنا قد يقول لي أحدكم أين هذا؟ للأسف موجود، وموجود بشكل جهير لا يستخفي، قبل أيام آلمني مُتابعتي لمقطع في اليوتيوب YouTube يقول فيه الشيخ – أسأل الله له الهداية ولنفسي من قبل – أنا لا أدري بالنسبة لإخواننا الإباضية في عمان هل ظلوا مُستمسِكين ببعض عقائدهم أو بعقائدهم الكفرية، فقلت الكفرية؟ قال هذا مُباشَرةً في التلفزيون Television, أي في برنامج مُتلفَّز، وبعد ذلك حُمِّل على اليوتيوب YouTube، قلت أنا أعرف الإباضية، وفي بيتي مكتبة إباضية أيضاً، وهنا سوف يُقال عني أنني إباضي، سوف يقول أحدهم كنا نظن أنه زيدي ثم اتضح بعد ذلك أنه جعفري والآن اتضح أنه إباضي فضلاً عن أننا كنا نظن أنه مُلحِد زنديق لأننا لا نعرف مَن هو، لكن هذا الأمر له علاقة بالثقافة والفكر، يجب أن تقرأ وأن تعرف كل شيئ، لا تتكلَّم فيما لا تُحسِن، عندي تقريباً مكتبة إباضية في الأصول وفي الفقه وفي الحديث، أي مجاميع إباضية، وأنا لا أعرف عن الإباضية أن لديهم عقائد كفرية تُخرجِهم من الملة، فأصخت بسمعي لهذا الشيخ – عفا الله عني وعنه – لكي أتعلَّم منه أين الكفر عند إخواننا الإباضية في عمان، والشهادة لله هؤلاء الناس وادعون مُحترَمون طيبون ولا يُثيرون عجاجة في أي مكان، وطبعاً ليس من داعٍ لأن نتملقهم، هم في سلطنة عمان وعددهم قليل يصل إلى زُهاء اثنين ونصف مليون ولا يتدخَّلون في المسائل الإقليمية ولا يُسبِّبون أي أي مشاكل، هم في حالهم، علماؤهم أفاضل حقيقةً وعندهم علم وتحقيق وفضل، لا يُحِبون النزاعات الطائفية والمذهبية في بلادهم ويمنعونها بقرار حكومي، يُقال عندهم هذا ممنوع، وأنا أُحيِّي وأُقدِّر هذه الحكمة المشكورة، المفروض على كل الحكومات العربية والإسلامية أن تمنع وبقرارت رسمية التورط والانخراط والتتابع والتتايع في المُجادَلات والمُشاكَسات الطائفية والمذهبية، هذا يجب أن يُمنَع، يُترك هذا للعلماء في المُؤتمَرات أو في غيرها على سبيل التحقيق والنظر المتين بين علماء أكفاء ونظراء وليس لكل مَن هب ودب فتتمزَّق الأمة طائفياً، الآن يُوجَد شبه إجماع في الشرق والغرب على أن الشرق الأوسط يشهد حرباً طائفية سيشتد أوارها ويعظم شررها ونارها والعياذ بالله،وهذا معروف ولا نستطيع إنكاره، هذا هو الواقع، على كل حال قال عقائدهم الكفرية مثل القول بخلق القرآن، ولكن مبلغ علمي أن خلق القرآن ليس من مُختَصات الإباضية، يشركهم في القول به الزيدية والجعفرية والمُعتزِلة من عند آخرهم، أليس كذلك؟ كل هؤلاء يقولون بخلق القرآن الكريم، ولا يقول بلا خلقه وبعدم خلقه إلا أهل السُنة والجماعة، فهل كل هؤلاء عدا أهل السُنة كفار؟ هذه كارثة وداهية ما لها من واهية، وهذه المسألة – كما قلت لكم – من سخاف المسائل، وهى مسألة من مسائل الاجتهاد والنظر، بالله عليكم حكِّموا ضميركم، وأنا أسألكم مرة أخرى واسمحوا لي بالله عليكم هل تظنون أن مئات ملايين المسلمين يكفرون بهذه الطريقة؟ لأن هؤلاء الإخوة يعدون بمئات الملايين، اجمع الزيدي مع الجعفري مع الإباضي مع مُعتزِلة الأمس – يُمكِن أن تحذف اليوم مُعتزِلة الأمس وتكتفي فقط بالزيدي والجعفري والإباضي – وسوف تجد أن هؤلاء بمئات ملايين وليس بعشرات الملايين، مئات ملايين المسلمين، الشيعة الجعفرية وحدهم في المُتوسِّط يُقال مائتا مليون عداً وحصراً، ومحمد حسين هيكل أتى بالإحصائية وقال هنا كم وهنا كم وهنا كم، فهم مائتا مليون، كيف تُكفِّر أربعمائة أو خمسمائة مليون مسلم أو حتى مائتين أو مائتين وخمسين أو ثلاثمائة يا سيدي هكذا بضربة واحدة؟ هذا غير معقول يا أخي، هذا شيئ مُخيف جداً، هل تعتقد أن هاته المئات من ملايين المسلمين الذين آمنوا بأركان الإيمان وأسلموا لأركان الإسلام وأذعنوا لها ويُصلون إلى قبلتنا خمسنا – خمسة فروضنا – ويصومون شهرنا ويُؤدون الزكاة ويحجون بيتنا واستكملوا أيضاً أركان الإيمان الستة – يقولون بها، لا يقول لك أحد لا يُوجَد قضاء وقدر، لكن يُوجَد اختلاف نظري بعد ذلك في مسائل في القضاء والقدر، حتى الصحابة جرى بينهم لغط وكلام في هذه المسائل، وهو ما حدث بين التابعين أيضاً – يذهبون إلى الكفر برجليهم طوعاً ويُحبِطون عملهم ويمرقون من دينهم ويُلقون رقبتهم من عنقهم؟ هل المسلم يفعل هذا؟ لماذا؟ خيرٌ له أن يستعلن بالكفر وبالإلحاد من أول الطريق ويقول لك ما عدنا مُقتنِعين بهذا الدين كله، لا الجعفرية ولا الزيدية ولا الإباضية يفعلون هذا، كلهم يعتز بإسلامه ودينه ويعتز بأركان الإيمان وبأركان الإسلام، نعم هناك خلافات كثيرة بعد ذلك لكنها ليست في الأسس، وهذا الموضوع يحتاج إلى خُطبة بحيالها، لكن هم لا يُفكِّرون على هذا النحو، يُفكِّرون أنكم تُخالِفوننا في مسألة تدور ضمن مسائل الاعتقاد، لكن يا أخي مسائل الاعتقاد فيها أسس وفيها عرضيات وفروع فانتبه، وهذا – كما قلت لكم – يحتاج إلى تفصيل بحياله، تحدَّثوا عن مسألة رؤية الله في الآخرة، وقالوا هم يُنكِرون أن الله يُرى في الآخرة، وصحيح هم يُنكِرون هذا، العلَّامة الشيخ أحمد الخليلي – حفظه الله تعالى وباركه – عنده كتاب إسمه الحق الدامغ قرأته قبل سنين طويلة عن هذا، علماً بأنه مُفتي الإباضية في عمان بارك الله فيه، يُثبِت أنهم لا يُؤمِنون برؤية الله في الآخرة ويأتي بالأدلة، ويرد على أدلة أهل السُنة بطريقة العلماء المتينين – متيني العلم – طبعاً، سواء وافقناه أو خلفناه هذا شيئ ثانٍ لكن لا نُكفِّره، نختلف معه ولا نُكفِّره، قال لك هم يُنكِرون الرؤية لذا هذه من العقائد الكفرية، للمرة الثانية مبلغ علمي أن إنكار الرؤية ليس من مُختَصات الإباضية، يشركهم في القول بإنكارها كل طوائف المسلمين عدا أهل السُنة والجماعة، نحن فقط مَن نقول بالرؤية، الجعفرية يُنكرِونها والزيدية يُنكِرونها والإباضية يُنكِرونها والمُعتزِلة يُنكِرونها، فقط نحن نقول بها، هل نُكفِّر كل الأمة عدا أهل السُنة؟ إذن لا تقل لي هم من الأمة، قل لي الأمة هى أهل السُنة والجماعة فقط وكل مَن عدانا كافر، وأنا أقول لك هذه لن تكون مُصيبة الدهر بل سوف تكون مُصيبة الإسلام بتاريخه كله إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها والله العظيم، هذا غير معقول، علماء ودكاترة وأساتيذ في الجامعات يفوهون بهذا الكلام على منابر الفضائيات، لمصلحة مَن؟ ماذا نستفيد من هذا؟ هذه ورطة!

نعود إلى موضوع لماذا يتكاثرون؟ إذن أن تُخرِّج مَن يتنطَّع بتكفير الناس ثم يتبرَّع بعد ذلك بقتلهم وتفجيرهم فأنا أقول لك هذا أمرٌ لا يحتاج إلى أكثر من بضعة أشهر في المُتوسِّط، هذا أمر واقعي، واتفق لأكثر من عالم ولأكثر من فقيه ولأكثر من مُفكِّر أنه ابتُليَ بنقاش هؤلاء، ثم لم يلبث أن اكتشف أنهم كانوا من أصحاب كذا وكذا وكذا واهتدوا إلى المسجد قبل أربعة أشهر أو خمسة أشهر، علماً بأن أحدهم ناظرني في سويسرا، كنت أُناظِر كبيرهم وهو شيخ ومُلتحٍ وعنده شيئ من علم المسكين، ناظرته مُناظَرة طويلة في سويسرا ومشهود عليها، لم يُفلِح بفضل الله في مسألة واحدة، فقام أحد غلمانه وسفه علىّ، قال يا جاهل ويا كذا ويا كذا ويا كذا، فقلت له عفا الله عني وعنك يا أخي، أفرغت ما في نفسك فاجلس، النقاش ليس معك وإنما مع أستاذك، فجلس وكان عند شعر طويل إلى كتفيه، بفضل الله – كما قلت لكم – الرجل لم يُفلِح والله في مسألة واحدة ولا أُبالِغ، وهذا كان أمام الناس في سويسرا عند الشيخ يوسف إبرام – لكي أقول المكان على وجه التحديد – في مركزه، وهو عضو المجلس الأوروبي للإفتاء، فهذا كان في مركزه وعليه شهود، بعد أن انصرفنا من المسجد أتاني هذا الأخ صاحب الشعر الطويل يبكي، يعتنقني ويُقبِّلني ويقول لي اسمح لي يا شيخ، سامحني يا شيخ، فقلت له غفر الله لي ولك، لا تثريب عليك يا أخي، أنا أعرف هذا، فقال والله ما صليت وما عرفت باب المسجد إلا قبل ستة أشهر، علَّمونا هكذا، أن نسب العلماء ونسب الأمة ونسب كذا وكذا، وهذا شيئ غريب يا أخي، أنت تهتدي لبضعة أشهر ثم تنال من أبي حنيفة والشافعي والغزالي والقرضاوي وعليّ جمعة والغنوشي والشيخ الغزالي والشيخ الشعراوي ومن غيرهم، لم يتركوا أحداً، ثم فعلوا هذا مع بعضهم البعض!

كالنّار تأكل بعضها                                         إن لم تجد ما تأكله.

ثم بعد ذلك يأكل بعضهم بعضاً ويُكفِّر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً، وأنا أقول لكم أن هذه الصفة ليست صفة أمة المحمدية، الأمة المحمدية لا يلعن بعضها بعضاً، بل يترحم بعضها على بعض ويستغفر بعضها لبعض، تقول الآية الكريمة وَالَّذِينَ جَاءُوا – اللهم اجعلنا منهم بحق محمد وآل محمد – مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ – هنا يُوجَد شيئ أعم – فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا – لأي إنسان مُؤمِن – رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ۩، اللهم سل سخائم صدورنا ونقِّ صدورنا من غلها إزاء هذه الأمة المرحومة، هذا هو المُؤمِن، لكن في كتاب الله في سورة الأعراف كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ ۩، هذه ليست أمة محمد، هذه أمم الشرك والكفر والعياذ بالله، يلعن بعضهم بعضاً، حين أرى أمتي يلعن بعضهم بعضاً أخاف جداً على أمتي وأخاف جداً على ديني وأخاف جداً على مُستقبَل هذا الإسلام، اللهم أصلحنا بما أصلحت به عبادك الصالحين.

إذن لهذا هم يتكاثرون كالفطر وبسرعة، لا يحتاجون أكثر من بضعة أشهر، أنا أقول لكم أنني أُشهِد الله تبارك وتعالى صادقاً – لا أقول هذا لا تملقاً لأنني لا يهمني هذا ولا أتملق أحداً، لكن إن شاء الله أرجو أن يكون في كلامي هذا موضع على الأقل عظة أو عبرة لبعض الناس – أنني لا أكره مسلماً، لا وهابياً ولا أشعرياً ولا زيدياً ولا إباضياً، ويشعر قلبي بمحبة جميع المُوحِّدين، والله الذي لا إله إلا هو لقد كنت أستغفر لهم الله وهم يسبونني ويلعنوني في التلفزيون Television، أقول اللهم اهدهم واللهم اغفر لإخواني، وزوجتي تبكي وتقول لي إخوانك؟ فقلت لها نعم يا فلانة، والله إنهم إخواني، أليسوا مسلمين؟ قالت يسبونك ويدعون عليك بالعمى، فقلت لها تباً لي ولعلمي إذن وتباً لتديني الاستعراضي المظهري إذا لم يكن لي في محمد بن عبد الله قدوة أو شيئ من قدوة على الأقل فأقتدي به في شيئ، وهو الذي كان موقفه إزاء الكفار الذين أعنتوه وكذَّبوه ورموه بالعظائم وألجأوه حتى أخرجوه من أرضه وغرَّبوه وآلموه الحزن، كان يحزن عليهم ويكاد يبخع نفسه من أجلهم، يكاد ينقطع النخاع الشوكي – البخاع هو النخاع الشوكي – من شدة الحزن، وهذا لا يحدث مع الكفار فقط بل مع المُنافِقين.

إذن هما نمطان يا إخواني، فنعود إلى النمطين، نمط الذين يلتمسون للبرءاء العيب ويكشفون أستار الناس ويرمون البرءاء أيضاً بالبهت المُبين – بالبهتان المُبين – فيُقال فهذا زنديق وهذا كافر وهذا مُلحِد وهذا ماسوني وهذا مدسوس وهذا لا أعرف ماذا، وهذا شيئ غريب، ومع ذلك يُقال في العلماء والدعاة، وكل مَن يعرف هؤلاء العلماء والدعاة يعلم أن حقيقتهم على العكس تماماً مما يُرمَون به، ثم إذا فرغوا من رميهم بالعظائم وأفرغوا ما في قلوبهم من غل وحقد وبهتان نادوا بقتلهم وتخليص الأمة من أمثالهم وإراحة الإسلام منهم، وهذا شيئ مُخيف وفظيع، لماذا؟ لأنهم مُنافِقون، يُقال هم مُنافِقون في العقيدة وزنادقة مدسوسون، يا سيدي آمنا أنهم مُنافِقون، آمنا أن هؤلاء الناس المرميين بهاته العظائم مُنافِقون، لكن سنرى كيف تعامل رسول الله مع المُنافِقين الذين ثبت نفاقهم والذين استعلنوا بوقاحة – أكرمكم الله – بنفاقهم والذين سجَّل القرآن عليهم بالنفاق – يُقال هكذا سجَّل عليه ب – والرسول كان يعلم بعضهم ولا يعلم أكثرهم ولكنه كان يعرفهم في لحن القول ويعرفهم بسيماهم، لأن مَن كان له قلب – لا إله إلا الله – عرف الناس بسيماهم والله العظيم، وفي الحديث وإن كان فيه ضعف ولكن معناه صحيح إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم، اتقوا فراسة المُؤمِن فإنه ينظر بنور الله، هذا أمر طبيعي، هذه إحدى ثمرات الإيمان، يُصبِح القلب حياً فيعرف أن هذا صادق وهذا كاذب، يترجَّح لديه صدقه هذا وكذب هذا، فالنبي كان يعرفهم بسيماهم ويعرفه بلحن قولهم، وهؤلاء المُنافِقون ماذا لقيَ منهم رسول رب العالمين وهو نبي الرحمة؟ طعنوا في عِرضه مرتين لا مرةً واحدة، مرةً في حق الصديقة عائشة بنت الصديق – رضوان الله عليها – المُبرَّأة من فوق سبع سماوات، ومرة أخرى في حق مارية القبطية – عليها الرضوان – حيث اتهموها بابن عمها مأبور وبرَّأها الوحي في غير قرآن، فانظروا إلى كرامة عائشة لكي تفهموا،
ثبت أن مارية أيضاً أفكوها وبهتوها – والعياذ بالله – كما ثبت عن عائشة، ولكن شاءت حكمة الله لشيئ يعلمه الله أن يُبرئها القرآن، اليوم بعض مشاكلنا مع إخواننا الشيعة – هدانا الله وإياهم – ليست مع مارية – مارية ليس لها دخل – وإنما مع عائشة، لما حدث بعد ذلك واتفق منها إزاء الإمام عليّ عليه السلام، ونسأل الله المغفرة لها كما قلت هذا، ومازلت أستغفر لأمي، وإن شاء الله الله يغفر لها، ليُقرِّ بالمغفرة لها عين حبيبها رسول الله فهى حبيبته من نسائه، ما الذي يُؤذيني؟ قلنا لكم تعلَّموا الحب، نحن نُحِب أن يغفر الله لإبليس إن أمكن والله، ما المُشكِلة؟ حدَّثتكم مرة بنبأ الإمام المُجدِّد الرباني بديع الزمان النورسي قدَّس الله سره، وهذا شيئ لا يكاد يُصدَّق، شرَّفني بزيارته تقريباً آخر الأحياء من تلاميذه محمد برنجية وهو شيخ طاعن في التسعين، فقلت له يا سيدي حدِّثني عن الإمام بديع الزمان، كنت لا أكاد أُصدِّق لأن هذا من تلاميذ الإمام بديع الزمان ولقيه وتعلَّم على يد هذا الرجل الرباني، قبل وفاته بقليل أتوه بكتاب عن حياته وإذا فيه صورة له فغضب غضباَ شديداً، مزَّق الصورة ورمى بالكتاب، قال ما هذا؟ أتجعلونني صنماً؟ أتجعلونني رباً؟ هل تُريدون الناس أن يعبدوا بديع الزمان؟ قالوا يا شيخنا نُعرِّف بك، فقال لا، ليس لكم علاقة بشخصي وبشخصيتي، عرِّفوا بالفكر وبالدين، مَن أنا؟ أنا عابر، أنا زائل، أنا فانٍ، قدَّس الله سره، نحتاج أمثال هؤلاء الربانيين، والله العظيم الأمة اليوم لكي تحيا : تحتاج أمثال هؤلاء الربانيين، اللهم كثِّرهم كالفطر في أمتنا – الفطر الحميد الكريم لكي يكثروا بسرعة على عين الله – اللهم آمين، على كل حال قلت له حدِّثني بأعجب ما اتفق لك مع شيخك سواء سمعته أو رأيته أو عشته، سكت هُنَيْهَةً ثم قال لي يا بني أعجب ما رأيته من شيخي أنه كان جالساً مرة على دكة – هكذا وصفه – مُدلّياً رجليه – رحمة الله عليه وقدَّس الله روحه – وغرق في تأمل طويل، ورأيت عليه سيما تأثر، ولما سُرّيَ عنه قلت له يا مولاي ويا سيدي في ماذا كنت تُفكِّر؟ قال يا محمد يا بني كنت أُخاطِب ربي في قلبي وفي سري وأقول له يا رب لو وافقت وسمحت وأذنت أن تُدخِلني أنا النار وأن تُخلِّدني فيها مُقابِل أن يعبدك كل عبادك من البشر وأن يُحِبوك وأن يُجِلّوك وأن يُقدِّروك وأن يوحِّدوك، فلم أكد أُصدِّق، هل هناك مَن يعرف الله بهذه الطريقة؟ هل هناك مَن يُحِب الله هذا الحب؟ حب عجيب لله، حب لا يكاد يُصدَّق لله، إخواننا – عفا الله عنا وعنهم – واضح جداً من طرائق بعضهم – حتى لا أظلم ولو أقسمت على هذا لما كنت حانثاً – أنهم يُحِبون لبعض العلماء والدعاة أن يكفروا وأن يُلحِدوا وأن يتزندقوا والله، حتى يقول الواحد منهم أرأيتم؟ ألم نُحذِّركم منه؟ لقد فضحه الله، هذا زنديق، لكن كيف هذا؟ هل أنت تتمنى لعالم مُوحِّد أن يكفر حتى تشفي غيظك ثم تُريد أن تُفهِم الناس أنك تثور لله وأنك تُحِب وتُبغِض في الله؟ لا والله، وأخشى أن تكون لست من الله في شيئ، وإن شاء الله تكون منه في شيئ، فقلت لها هم إخواني، لماذا ليسوا إخواني؟ وقبل أيام أمي غضبت، بلغها بعض اللعن فىّ وبعض كذا وكذا فدعت عليهم، فقلت لها يا أمي بالله عليكِ لا تدعي بهذا الدعاء على إخواني، قالت يا بني كيف تقول هذا؟ قلت لها يا أمي هؤلاء إخواننا المسلمون، هم إخواننا في الدين، لماذا نلعنهم؟ كفانا لعناً، كلنا يلعبن بعضنا بعضاً، كفانا تكريهاً، هذا فقه الكراهية والتكريه، يا أمي – والله أبكيتها، بكت بكاءً مُراً – احذري أن تُحاسَبي على هذا، قالت لماذا؟ قلت لها لأنكِ قد تعتدين في الدعاء، قد يكون ذنبه إلىّ يستحق جزاءً بنسبة قليلة، وأنتي دعوتي وكأنه يستحق جزاءً بنسبة أكبر، وبالتالي سوف تُحاسَبين على هذا، فصارت تبكي وقالت لن أدعو بعد اليوم على أحد، قلت لها أحسنتِ، الله يُحبكِ هكذا، الله يُحِب العبد المُتسامِح الصفوح الرحيم الذي يغفر والذي يُشعِر قلبه الرحمة والرأفة والمحبة لكل الخلق، لكن لا بأس نازِلهم فكرياً واشتد عليهم وهم يُنازِلوك في الأفكار، لكن الأشخاص بعيدون دون مُشكِلة ونتمنى لهم كل خير.

نمطان إذن، المُنافِقون رموا رسول الله في كلتا زوجتيه الكريماتين، المُنافِقون كانوا يسخرون من منطقه ومن علمه الذي يُدلي به، قال الله حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا ۚ ۩، أي ماذا يدوي كما يُقال ؟ بماذا يهرج؟ ماذا يقول محمد؟ في ماذا يحكي؟ انظروا إلى المُنافِقين، نُعيذ أنفسنا وإخواننا بالله أن يتطرَّق إلينا النفاق، حين كانوا جاليسن عند رسول الله كانوا يهزون رؤوسهم، أي أنهم يتخشَّعون، يقولون ما شاء الله هذا كلام عظيم، حين يخرجون من عنده يقولون ماذا يدوي كما يُقال؟ ماذا يقول؟ بماذا يهرج؟ بماذا يتفلسف؟ لكن الله فضحهم، تقول الآية الكريمة حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا ۚ ۩، عامر بن قيس صحابي وخدَّام عند جماعة كانوا من المُنافِقين، فشهد مجلساً نالوا فيه من رسول الله، وقالوا هو أُذن، محمد أُذن فقط، يجلس لكي يسمع الناس، شخص سلبي لأنه يسمع هذا ويسمع هذا ويتأثر بكل شيئ يسمعه، لكن هل الرسول كان هكذا؟ وليُحدِّث كل مُؤمِن عن نفسه، والله المُؤمِن الصادق لا يُخدَع وليس رسول رب العالمين، أنتَ أو أنتِ إذا كنتَ أو كنتِ مُؤمِنة صادقة – والله – لا تُخدَعين إلا أن يشاء الله طبعاً، نعم أنتِ لست معصومة من الخداع لكن في مُعظم الأحوال لا تُخدَعين، يُوجَد قلب يعرف بإذن الله تعالى، وقد قلنا لكم يعرفون الناس بالتوسم، ولكن – سبحان الله – ينخدع، كيف ينخدع في الله؟ مَن خدعنا في الله انخدعنا له، كأن يُقال والله العظيم يا شيخ ووالله العظيم يا أخي ووالله العظيم يا حبيبي وأُقسِم بالله كذا كذا كذا، وأعلم أنك كاذب تماماً، قلبي يقول لي، لكن لا مُشكِلة، سأُصدِّقك حتى ترتاح، لكن أنا أعرف أنك كذَّاب وانتهى الأمر، علماً بأن عمر قال هذا، هذه كلمة رضوان الله عليه، قال مَن خدعنا في الله انخدعنا له، عيسى – عليه السلام – رأى رجلاً يزني فقال له أتزني؟ قال له والله ما فعلت، قال له صدقتك يمينك وكذبت عيناي، بإسم الله انتهى كل شيئ وليس عندنا مُشكِلة، هذا هو عيسى، رسالة المحبة أيضاً والرحمة، فينبغي أن نتعلَّم هذه الأشياء، عامر بن قيس يجلس مع هؤلاء المُنافِقين، قالوا محمد أُذن، شخص سلبي يسمع كل شيئ، وحاشاه طبعاً، هو أذكى عباد الله على أنه يأتيه الوحي، فما رأيك؟ذكاء مُنقطِع النظير ممدود بوحي، مُعان بوحي، مسنود ومرفود بوحي، ما رأيك؟ هل هذا يُتهَم؟ أنتم مساكين، ماذا فعلتم أيها المُنافِقون؟ ماذا عملتم؟ أبنيتم بيتاً وزرعتم شجرة؟ بنى أمة هذا الرجل، بنى أمة ليس بشهادتي وليس بشهادة أصحابه وإنما بشهادة أعدائه، نابليوم Napoléon لما سمع فولتير Voltaire يسب رسول الله في القاموس الفلسفي علَّق عليه باستخفاف من فولتير Voltaire، وفولتير Voltaire أديب كبير كتب ثلاثين ألف صفحة وهو فيلسوف وُفكِّر وثائر ومُنوِّر، أي أنه شيئ كبير، ونابليون Napoléon بكل احتقار لفولتير Voltaire قال ما عساه ينال من رجل التاريخ؟ هذا رجل أخرج أمة، هذا بنى حضارة، محمد ليس أي كلام، لذلك يُحزِنني الآن أن أرى بعض إخواننا وأبنائنا من العرب الذين لم يعودوا مسلمين، أعلنوا بإلحادهم وكفرهم ويسخرون من رسول الله ويطعنون فيه، أقول لهم والله العظيم لولا رسول الله لما كنتم ولما ذُكِرتم لا أنتم ولا بلادكم ولا لغتكم هذه ولا ما نطقتم العربية، كانت درست العربية من زمان، الآن كيف يتحدَّث إخواننا الجزائريون؟ كيف يتحدَّث الفلسطيني؟ كيف يتحدَّث الشامي؟ كيف يتحدَّث المصري؟ إلى آخره، لهجات كثيرة ولا يكاد بعضها يفهم بعضاً، إلا القرآن فهو عصمة هذه اللغة، وكل علوم اللغة في دوحة القرآن الكريم كما قلنا قبل أسابيع، ومع ذلك يتكلَّم الواحد منهم عن محمد وكتاب محمد، يا رجل – هدانا الله وإياك – اعرف قدرك، وعلى كل حال هم يسخرون، قالوا هُوَ أُذُنٌ ۩، فانسل عامر بن قيس وقال يا رسول الله هؤلاء الجماعة قالوا فيك كذا وكذا، فأرسل النبي في أثرهم ليسألهم عن هذا، لماذا هذا الكلام؟ هل أنا أسأت إليكم؟ لماذا تقولون عني هذا الكلام؟ والله ما قلناه، ونُقسِم بالله على هذا، قال للكذاب احلف قال جاءك الفرج، الرجل الفاجر والمُنافِق أسهل شيئ عليه اليمين، وأنا أقول لكم المُؤمِن الصادق قد يُضحي برقبته ولا يحلف يميناً مُوثَّقة كذباً، لا يقدر أن يفعل هذا تعظيماً منه لجلال الله عز وجل، يقول لك سوف أموت شهيد، وفعلاً هذا صحيح حين تموت بسبب أنك كنت تستطيع أن تدرأ الموت عن نفسك بيمين ولم تدرأ، وأنا أعطيك من الآن ضمانة كمسلم أنك سوف تدخل الجنة بإذن الله تعالى، سوف تكون مِن أحسن مَن يدخلها بإذن الله، لأن هذا تعظيم عظيم لله، لا تحلف بالله من أجل خمسين يورو وتقول والله، ومع ذلك يُقال هناك إيمان، أي إيمان هذا؟ وعلى كل حال حلفوا لأنهم مُنافِقون، فقالوا والله ما قلنا، لكن عامر بن قيس قال يا رسول الله – والله – لقد قالوا، فقالوا والله ما قلنا، وطبعاً كاثروه لأنه واحد وهم جماعة، الله أعلم بعددهم – خمسة أو ستة أو سبعة – لكنهم كاثروا هذا المسكين، فشعر بالانكسار وقال اللهم لا ينفض هذا المجلس حتى تُبيِّن الصادق من الكاذب، فنزل قول الحق من فوق سبع سماوات، ومع ذلك يُقال لك محمد ليس نبياً، هو نبي طبعاً، وبخعوا له وسكتوا، اغفر لنا يا رسول الله، قال الله وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبيَّ ويَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ ۩، الله حكى قولتهم الفاجرة بنصها وفصها فتباً لهم، هذا رسول الله.

يمر رسول الله ذات مرة ويجتاز بجماعة من جنوده بحديقة أو ببستان لأحد المُنافِقين وهو مربع بن قيظي، وكان مربع أعمى – أعمى البصر وأعمى البصيرة – وهو من مشاهير المُنافِقين في المدينة وعنده حائط – أي بستان – مر به النبي، فأخذ التراب يحثو به على الصحابة وهو يسب، ثم أخذ كفاً من التراب ويُشير بها – والعياذ بالله – وهو يقول لو أعلم أنني أُصيب به وجهك يا محمد لرميته في وجهك، الله أكبر، أبهذا وهكذا يُستقبَل رسول العالمين؟ وأراد القوم أن ينالوا منه فقال لهم النبي اتركوه، وأنتم تعلمون قصة عبد الله بن أُبي، القرآن هو الذي قال هذا، تقول الآية الكريمة لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۩، الله أكبر، هل رسول الله هكذا يُوصَف؟ تباً لك يا لعين، تباً لك يا ملعون ويا مُثلَّث اللعنات، قال الْأَذَلَّ ۩، لكن كيف واجههم رسول الله؟ هل تعرفون كيف؟ باللهج الدائم بالاستغفار لهم، اللهم اغفر لهم، اللهم اغفر لهم، الله اغفر لهم، اللهم تب عليهم، على مَن وضع في عرضك يا رسول الله؟ أهذا على مَن طعنوا في شخصك وهزئوا بك وأزروا عليك؟ على مَن اتهموا أمانتك ونظافة يدك؟ لما سُرِقَت شملة من الغنيمة – وبالحري هم الذين سرقوها – فقالوا ما سرقها إلا محمد لأنه استجادها، وهذا أمر عجيب، هؤلاء لا إيمان لهم وهذا مفهوم لكن أيضاً لا عقل لهم، لأن مَن يُفرِّق كومة ذهب وفضة – في صحيح مسلم – في غداة واحدة ولا يعود إلى أهله بشيئٍ منها لا يُمكِن إلا – أكرمكم الله ماذا أقول؟ لا اُحِب أن اُدنِّس منبر رسول الله بالألفاظ البذيئة – مِمَن لا عقل له أن يتهمه في شملة، كومة ذهب وزَّعها في لحظة، ودخل مرة على فاطمة الزهراء البتول – عليها السلام – ووجد سلسلة – سلسلة ذهب أو فضة بسيطة في رقبتها – فأخذها وقال ما هذا يا فاطمة؟ قالت يا رسول الله من الغنيمة، أتى بها أبو الحسن فتزينت بها، ليس عندي أي شيئ، هذه بنت رسول رب العالمين، وهو يُعطي أكوام الذهب ويُعطي صفوان وغير صفوان شاءً ومعزاً ملأت وادياً أو شعباً بين جبلين، أي ما يقرب من خمسة أو ستة آلاف رأس، قال له خُذها فهى لك، وتستكثر على ابنتك سلسلة؟ هل تعرفون لماذا؟ لأنه نبي، هذا تصرف نبي وهذا زهد نبي، هذا مُهِم لكي تعرفوا نبيكم، لا تستمعوا إلى الملاحدة والزنادقة، هذا هو النبي، إذا لم تره نبياً أنت أيضاً لا عقل لك، إذا لم تره نبياً أنت لا قلب لك، هذا تصرف نبي، قال يا فاطمة بنت محمد – هو يعلم نفسه ويعرف مَن هو محمد، صلى الله على محمد وآل محمد في الأولين والآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين وإلى أبد الآبدين وأنالنا الله شفاعته. اللهم آمين – إن هذا لا ينبغي لآل محمد، يا فاطمة أتحبين أن تكوني مِن مَن قال الله فيهم – أي الكفار – أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا ۩؟ فخلعتها وأعادتها، هذا رسول الله،
ومع ذلك يُتهَم – كما قلنا – في نظافة يده ونزاهتها، بماذا يستجيب؟ كيف يتعاطى؟ كيف تكون ردة فعله؟ يستغفر لهم – اللهم اغفر لهم، اللهم اغفر لهم – ليل نهار، هل الله – تبارك وتعالى – نهاه عن الاستغفار لهم؟ لماذا لم ينهه؟ اسألوا أنفسكم لماذا لم ينهه عن الاستغفار لهم؟ هل تعرفون لماذا؟ لأنه لو نهاه لكلَّفه ما لا يُطيق، وتكليف ما لا يُطاق الله مُنزَّه عنه وخلت من الشريعة، وهنا قد يقول لي أحدكم كيف؟ وأنا أقول له أن النفس الغامرة الرحمة والوافرة الشفقة والرأفة لا تستطيع إلا أن تستغفر لمَن أساء إليها، لا يقدر إلا أن يفعل هذا، لا يقدر أن يسكت، أساءوا إليه وهو يعلم أن الله سيقتص منهم وأن الله سيُدينهم وهو لا يُحِب هذا، لا يُحِب أن يهلكوا بسببه، هو يُحِب أن يكون سبباً في رحمة الناس، والله قال له إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ۩، فالإنسان يحزن طبعاً، الآن العاقل فيكم يا إخواني – وكلكم عقلاء إن شاء الله وعقلاوات إن جاز التعبير – يحزن جداً إذا اتفق له أن القدر ساقه في مُصيبة أو في داهية أو في مسألة كان سبباً فيها لبلاء غيره، يحزن كثيراً ويقول هل أنا فعلت هذا؟ هل تدخلي سبب طلاق المرأة من زوجها؟ ويحي، فيحزن ويغضب، أليس كذلك؟ هذا هو الرسول، لا يُحِب أن يتأذَّى أي أحد بسببه في الآخرة، فالله علم أنه لا يُطيق هذا، ليس أنه لا يُطيق أن يدعو عليهم وإنما لا يُطيق ألا يدعو لهم، لا يقدر على هذا، ينبعث منه الاستغفار هكذا تلقائياً، فترفَّق به الملك الجليل الرؤوف الرحيم وقال له اسْتَغْفِرْ لَهُمْ – مأذون لك فلا تُوجَد مُشكِلة – أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ۩، قال له أرِح نفسك، لكن أنا لا أنهاك لأنني أعرف أنك لا تقدر على هذا، وأنك تُحِبهم دائماً وتُحاوِل المُستحيل، اسْتَغْفِرْ لَهُمْ ۩، ليس عندي أي مُشكِلة، لكنني لن أغفر لهم لأنهم لا يستحقونها، أُغلِقَ على قلوبهم وطُبِعَ عليها بكفرهم، هؤلاء كفار، قال الله آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ۩، وذلك في سورتهم، أي سورة المٌنافِقون على الحكاية، أليس كذلك؟ قال الله سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ۩، ماذا قال النبي؟ قال لو علمتُ أني لو استغفرتُ لهم أزيد من سبعين لاستغفرت لهم، يا الله، يا رسول الله، أهذا أنت؟ أُعلِّق بكلمة وأقول هذا نبيي، فليبحث امرؤٌ عن نبيه، انتهى كل شيئ، هل تُريد قدوة؟ أنا هذا قدوتي وهذا حبيي وهذا رسولي وهذا نبيي وهذا إمامي وهو أمامي ورأس عيني وتاج هذه الأمة على مفرقها، فليبحث كلٌ عن نبيه، اذهب ابحث لك عن نبي وقل لي هذا نبيي، قل لي نبيي ضحوك قتَّال يرتكب المجازر ويفعل المصائب، لكن هذا نبيك أنت وليس نبيي، وهنا قد تقول لي كيف حدث هذا؟ وأنا أقول لك لأن هذا نبي القرآن، أنا أُصدِّق كل الأحاديث التي تحكي رحمة محمد، هل تعرفون لماذا؟ لأنها تماماً تُصدِّق القرآن وتُصادِق على ما فيه، لكن أي حديث فيه شيئ عكس هذا أنا أقول أنه كذب، لأنه عكس القرآن، وعلى ذكر القرآن والسُنة كم أعجبني شيخ الدعاة شيخنا العلَّامة محمد الغزالي رحمة الله عليه، حين علَّق على مَن؟ على كلمة الإمام المازري، الإمام المالكي العظيم شارح مسلم، الأصولي الكبير شارح البرهان للجويني ولا يشرحه إلا فحل الفحول، فالمازري – رحمة الله عليه – معروف، ماذا يقول المازري؟ يقول وقد أنكر بعض الملاحدة هذا الحديث الصحيح، أي حديث؟ حديث في البخاري يقول أنه لما جاء ملك الموت إلى موسى ليقبض روحه ردَّه وضربه، لطمه على عينه ففقأ عينه، فقال يُوجَد أُناس شكَّكوا فيه وقالوا كيف؟ لأن هذا الحديث فيه موضعان للطعن، أولاً ما من مُؤمِن صادق الإيمان إلا يُحِب لقاء الله، ومَن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، وطبعاً النبي فسَّره هذا، فكيف لا يُحِب موسى لقاء الله؟ هذه أجمل لحظة في حياته، وهذا مطعن قوي جداً جداً، وبعد ذلك قالوا المطعن الثاني لكنه مطعن سخيف في نظري وهو كيف ضربه على عينه ففقأها؟ السخف فيه أن تقول لي كيف تنفقأ عين ملك؟ هنا السخف، وإلا المطعن أصلاً ليس سخيفاً، السخف هنا حين تقول لي كيف تنفقأ عين ملك؟ وهل تنفقأ؟ نعم تنفقأ، هل تعرف لماذا؟ لأنه جاء مُتمثِّلاً في شاكلة بشرية، فهذا أمر عادي، من المُمكِن أن يقع، كل شيئ يحدث له، لكن ما هو الشيئ غير المعقول؟ أن موسى يتجرأ على ملك كريم مُرسَل من رب العالمين في مُهِمة – هذا ليس من عنده – ويضربه على عينه، هذا هو المطعن وليس ذاك فانتبهوا، إذن المطاعن ثلاثة الآن، واحد سخيف واثنان صارمان جديان،
فقال المازري – رحمة الله عليه – ملاحدة، علماً بأنه ليس الوحيد الذي قال هذا، كُثر غيره قالوا هذا الكلام، لكنه على كل حال قال ملاحدة، كيف يا أخي لأننا أنكرنا حديثاً واحداً فيه كلام صرنا ملاحدة؟ قال ملاحدة، هل تعرفون ماذا قال الغزالي؟ بعد أن أتى المازري بوجوه جوابات – أي الأجوبة – عن مطاعنهم وقال واحد واثنين وثلاثة قال الشيخ الغزالي هذا الرد كله من أوله إلى آخره ردٌ خفيف تافه لا أحفل به – ليس له أي معنى، أي أنني لم أقتنع به لأنه مُجرَّد كلام – واتهام مَن يُنكِر حديثاً صحيحاً بالإلحاد استطالة في أعراض المسلمين، يقول للمازري أنت تستطيل في أعراض الأمة، هل تعرفون لماذا؟ أُشهِد الله – تبارك وتعالى – كمسلم عادي أنني لا أعتقد أن مسلماً صادق الإسلام – مسلم صادق الإسلام وليس زنديقاً أو كافراً، مع العلم بأن الزنديق يعرف أنه زنديق والمُنافِق يعرف أنه مُنافِق، هو في الداخل يعرف أنه مُنافِق وأنه لا يُؤمِن وأنه كافر، وهذا الزنديق يُظهِر الإيمان والحب للإسلام وللرسول، لكن أنا أقول لكم أن مُعظم مسلمي الأمة على الإطلاق هم مسلمون ثبت إسلامهم، ليسوا مُنافِقين وليسوا زنادقة، واليوم هناك حرية، نحن في عهد الحريات، في مُعظم البلاد يستطيع الإنسان أن يستعلن بعقيدته ويقول لك أنه غير مُؤمِن، وهناك مَن يفعل من أبنائنا ويقولون نحن ملاحدة ونحن عقلانيون ضد الدين ويسخرون، هم أحرار فهذه مسألة ثانية، وندعو الله لهم بالهداية – ثبت إسلامه وقر إيمانه يُمكِن أن يرد على رسول الله شطر حديث واحد ثبت عنده بيقين أن النبي قاله، لا يُمكِن أن يفعل هذا، بمعنى أنه لو سمع هذا الحديث من رسول الله وجاهاً – وجاهياً – هل يرده؟ والله العظيم ما من مسلم يفعلها، لا مُعتزِلي ولا زيدي ولا إباضي ولا أي أحد، لكن لماذا يرد بعض العلماء الكبار بعض الأحاديث؟ لأنها هذه مش مُتواتِرة وإنما أحاديث آحاد حتى لو في البخاري ومسلم، هى آحاد وبعضها فيها مطاعن، وقد يُخطيء العالم في الطعن على الأحاديث لكن هذا ظنه، يظن أن فيها مطعناً، فإن ردَّها لأن فيها مطعناً يجعلها قبال القرآن الكريم فتُشاكِسه وكان من أهل النظر والاجتهاد هو مأجور، قولوا قال عدنان المجنون هذا، العالم إن فعل هذا فهو مأجور، لأنه يفعل هذا ذبَّاً عن دين الله وذبَّاً عن رسول الله وذبَّاً عن كتاب الله، ومع ذلك يُقال هذا زنديق ومُلحِد لأنه يرد أحاديث في البخاري ومسلم، يا أخي اتقوا الله في الأمة، ليس هكذا يكون الفقه وليس هكذا يكون العلم.

نعود إلى موضوعنا، إذن هذا موقف رسول الله، هذا نمط وهذا نمط، نأتي الآن إلى تبرير القتل، التبرير السريع الذي وعدتكم به في صدر الخُطبة وقد استطردنا وتركنا الموضوع، كيف يكون التبرير السريع؟ في ذاك الفيلم – Movie – المُسمى بأسود أربعة – Four Lions – يقول زعيم العصابة الإرهابية الخُطة التي سنُنفِّذها الآن أن نُفجِّر مسجداً، وهذا سوف يُفجِّره إرهابيون مسلمون، فاستنكروا وقالوا لماذا؟ قال لأننا إذا فجَّرناه فهم المسلمون أن الكفار هم الذين فجَّروه، فيغضبون ويصيرون إلى جانبنا، أي أننا سوف نُحوِّلهم إلى شاكلتنا وإلى جهتنا، سوف ينتقلون إلى ضفتنا، فانبرى له أحدهم وقال له هذا مسجد، وهذا المسجد بالذات أبي يرتاده، ماذا لو كان في يوم تفجيره أبي فيه ساعة تفجيره؟ فقال له أبوك Your Dad؟ هل اشترى أبوك يوماً برتقالاً مُصدَّراً من يافا Yafa؟ Has your dad ever bought a Jaffa orange?قال له في مرة أو مرتين Once or Twice، فقال له إذن هو يهودي، قال له كيف هو يهودي؟ قال ألم يشتر بضاعة إسرائيلية يدعم بها الأسلحة النووية الإسرائيلية والسلاح الإسرائيلي؟ إذن هو يُشارِك في قتل أطفال فلسطينيين، إذن يُقتَل وانتهى الأمر، ومن ثم سكتوا، وهنا قد يقول لي أحدكم هذا مُجرَّد فيلم – Movie – يا عدنان إبراهيم، وأنا أقول له نعم هو فيلم – Movie – لكنه مُغرِض، أنا أعرف أنه مُغرِض، ولكن من غير مُبالَغة والاعتراف بالحق فضيلة – الآن والإسلام مكروث أمةً وديناً لم يعد الاعتراف بالحق فضيلة وإنما أصبح الاعتراف بالحق ضرورة لكي نفهم – هذا يحدث، كفى خطاباً للمشاعر وللعواطف، هيا نُخاطِب العقل مرة لكي نفهم ونخرج من هذه البلوى، نمط هذا الفيلم – Movie – يتكرَّر في الفكر الذي يستسهل التفجير والقتل والتكفير بشكل مُزعِج وفي كل مكان تجده، وهو يعتمد على ماذا؟ نُريد أن نُفكِّك هذه الطريقة التبسيطية، يعتمد على التمثيلات، كيف يعتمد على التمثيلات؟ سوف نرى فيما بعد، ويعتمد على الخلط بين الحقيقة والمجاز، يقول لك لك أحدهم أنا ليس عندي أي مُشكِلة مع أي أوروبي أو أمريكي كمدني أو كامرأة أو كشيخ أو كطفل، لكن أليس سدفع الضرائب لدولته وللحكومة؟ يدفع، قال لك الضرائب جزء منها يذهب إلى المُهِمات العسكرية، إذن هو يُشارِك في قتلنا في أفغانستان والعراق وفلسطين، إذن دم كل أوروبي بيدفع الضرائب حلال، الله أكبر على هذا الفقه الجيد، ما هذا الفقه؟ ما هذا الفقه العجيب الغريب؟ أقول له بالله عليك ما هذا؟ هل هذه المسألة مُستجِّدة أم لا مسألة قديمة؟ قديمة تماماً وهى موجودة في كل المُجتمَعات، هل تعرف لماذا؟ في كل المُجتمَعات كان الناس في عموم المُجتمَع بشكل أو بآخر يُساهِمون في التموينات والإمدادات العسكرية، يدفعون الأموال ويدفعون أولادهم إلى الحرب وليس أموالهم فقط، أنا أقول لك كقاعدة أن الجندي كجندي لم ترتفع عصمته بالكامل، فما رأيك؟ هذا مُهِم لكي تعرف دينك فقط، الجندي الذي يُقاتِلك ويعتدي عليك – ولك أن تتخيَّل هذا – ،وأنت مأذون بأن تُقاتِله وترد عن نفسك وتذب لم ترتفع عصمته بالمُطلَق وفي كل أحواله دائماً، وسوف نرى لماذا هذا، نأتي الآن إلى مثال آخر عجيب غريب، وطبعاً كان النبي – عليه السلام – وهو في المدينة قادراً على أن يبعث فريقاً أو فرقة فدائية استشهادية تتسلَّل تحت جنح الظلام حيث لا بوابات ولا حراسات مُشدَّدة فتفتعل مذابح في النساء والأطفال والشيوخ والرجال وتعود إرهاباً، وكان يُمكِن أن يقول النبي هذا المُعسكَر كله يقوم على مُعاداتي وكله مُشارِك ومن ثم أنا سأذبحهم وأستطيع أن أفعل هذا كما فعل هؤلاء وهؤلاء حين قتلوا النساء والأطفال وأنتم تعرفون كيف كان الحدث والعياذ بالله، لكن النبي لم يفعل هذا مرة، بل فعل العكس تماماً، لما أجدبوا وقُحِطوا – أهل مكة – النبي بعث لهم المُؤن يُحييهم ويُغيثهم بها كما رواها محمد بن الحسن في كتاب الآثار، علماً بأنني ذكرت هذا غير مرة، وهو شيئ غريب، الآن الجندي البريطاني الذي قُتِل صدر بحقه بعض التساؤلات من بعض الشباب المسلم للأسف لأن تفكير غير نقدي، قالوا هذا الأفريقي المسلم الذي قتل الجندي وقطَّعه وحلف أنه سيُواصِل المسيرة وقال لن تأمنوا ما دمنا نحن غير آمنين قتل جندياً، وهذا الجندي بالذات ثبت أنه كان في أفغانستان، فكيف تُدافِع ضد هذا الشيئ؟ لابد أن تُوافِق على أن يُقتَل، لأن من المُمكِن أن يكون قتل مسلمين، لكن من المُمكِن ألا يكون قتل، قالوا من المُمكِن أن يكون قتل مسلمين وقد كان في الجيش فإذن يُقتَل لأنه جندي، لكن اختصاراً للوقت واختصاراً للجهد والعناء أقول يا سيدي سأفترض أن هذا الجندي الآن ليس في بريطانيا شمال بل هو الآن في ساحة المعركة في أفغانستان، ما رأيك؟ ووقع في يدك أسيراً، لكن هو جندي عادي لم يثبت عليه أنه مُجرِم حرب، ونحن نعرف ما معنى اصطلاح مُجرِم حرب، علماً بأن تشرشل Churchill لما وقع النازيين في يديه كان مبدأه أن الجندي النازي لا يُقتَل، يقول هذا الجندي مسكين، وهذا تشرشل Churchill الذي قام بتدمير المساحات وتدمير المناطق، قال لك هذه حرب مُتبادَلة لكن إن وقع أسيراً في يدي لا يُقتَل، تشرشل Churchill قال الأسير لا يُقتَل، ممنوع أن يُقتَل إلا أن يكون مُجرِم حرب وارتكب فظاعات شديدة وأطلق أوامر وأعطى أوامر فحدثت مذابح ومن ثم يُقتَل، يُقتَل حتى في الشريعة الدولية عند كثير من الدول والناس، نعود ونقول وقع هذا الجندي البريطاني أسيراً في يدك – هذا المثال مُهِم جداً فانتبهوا – في الحرب في أفغانستان، فهل الأسير بإجماع الأمة يُقتَل أم يُطعَم؟ قال تعالى وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۩، لذلك هبة الله بن سلامة – رحمة الله عليه – في كتابه المشهور الناسخ والمنسوخ اتفقت له قصة عجيبة جداً، هذا الإمام – رحمه الله – من المُبالِغين للأسف في القول بالنسخ في كتاب الله، مرةً يجلس معتلاميذه وكتابه يُقرأ عليه، وابنته جالسة مع التلاميذ تسمع، مع العلم بأن ابنته كانت عالمة، امرأة عالمة – سبحان الله – لأنها تحفظ علم أبيها وعلم غيره، فطبعاً أتى إلى قوله في سورة الإنسان – الدهر – وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۩ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً ۩ فقال منسوخة بآية السيف لأن الأسير يُقتَل، فقالت له من وراء الستر يا أبتي، قال نعم يا بُنية، قالت له لقد أخطأت خطأً فادحاً، فقال لها كيف؟ بيِّني، قالت أجمعت الأمة على أن الأسير يُطعَم ولا يُقتَل، فقال الله، فتح الله عليكِ، أصلِحوا هذا الموضع، أقول لإخواننا اليوم هذا ليس أسيراً في ساحة القتال، لقد عاد إلى بلده في شمال لندن وترك القتال هناك، ولعله لم يُطلِق رصاصة على مسلم، مَن يعرف؟ ولعله يكون قتل، أي Fifty-Fifty، يا سيدي أنا الآن لكي أُريحك لا أقول لك أنه أصبح يعيش مثل المدني بل هو في ساحة القتال ووقع في يدك أسيراً، هل تقتله أم تتركه؟ يُترَك هذا يا أخي ويُطعَم، لا إله إلا الله، يا جماعة لا تُحرِّفوا دين الله، ما هذا الفقه الاستخفافي الاستسهالي؟ ويضحكون على الناس بهذا!
في يوم من الأيام برَّر رجل والعياذ بالله – هذا غالشخص لا أُريد أن أذكر إسمه، ربما يكون مات، فإن كان مات فإلى رحمة الله، والله يغفر له ولنا – أمراً لا يُبرَّر، وهو تبرير إجرامي وتبرير إرهابي، وهنا قد يقول لي أحدكم إياك أن تقول إرهاب، لكن أنا أقول إلى اليوم للأسف أمريكا – عاملها الله بما تستحق – هى التي تقف في المُقدِّمة وتمنع العالم أن يتفق ويتواطأ على اجتراح تعريف مُحدَّد للإرهاب، هل تعرفون لماذا؟ أنا سأقول لماذا؟ لأن هذا يُشبِه تماماً ما حدث في الحرب العالمية الثانية، أحد قادة النازيين في أول يوم في المحكمة جننهم، قال طبعاً أنا أعرف أن كل أحد منهم لن يقول شيئاً وأن كل أحد سيتهمنا نحن الألمان بفظاعاته هو، وهذا ما حصل، وأخذ كل قادة النازيين في الضحك بعد أن جننهم هذا الأول في مُحاكمات نورمبرج Nuremberg، ثم رموه بنازي آخر بعد ذلك فأضعفوا أثره وكسبوا هذه المعركة الدفاعية، قال البريطان سوف يرموننا بالاستعمارية وأننا توسَّعنا في غير حدود، وبريطانيا – ما شاء الله عليها – معروفة، معروف ماذا استعمرت هذه الجزيرة المُتواضِعة، ثم قال والفرنسيون سوف يرمون ألمانيا بسرقة الآثار والمسلات والأشياء الحضارية القديمة، وهم السرَّاق طبعاً، ثم تحدَّث عن الأمريكان وإلى آخره، لا علينا من هذا، المُهِم أن هذا هو الذي حصل والذي لا يزال يحصل، إذن هذا التبرير السريع يقوم على المجاز وعلى التمثيل، الأخ هذا الذي قلنا عنه أنه ربما يكون مات – الله يرحمه – قال الذي فعلناه في نيويورك هذا جائز شرعاً، علماً بأنني لا أدري أقال جائز أم مأمور، لكن أنا سوف أقول أنه قال هذا جائز لكي أكون مُنصِفاً، لكن من المُمكِن أن يكون قد قال هذا أمر شرعي، الله أعلم فنحن لا ندري، لذا سوف نقول أنه قال هذا جائز شرعاً، قال ما فعلناه جائز ومُبرَّر شرعاً في دين الله، فقال له المذيع كيف؟ علماً بأن هذا في الجزيرة، قال له المذيع كيف هذا مُبرَّر شرعاً؟ قال الله قال في آية الربا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۩، ومبنى التجارة العالمي من أكبر أيقونات الاقتصاد الربوي في العالم فلابد أن نشن عليه الحرب لأن الله قال هذا، أرأيتم كيف يكون اللعب؟ قال الله فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ ۩ لكن هل سمعتم – بالله عليكم – مرةً أن رسول الله أعلن الحرب الحقيقية وسل السيوف ووجه الرماح المُشجَّرة إلى صدور المُرابين؟ لم يفعل هذا، وكان يُوجَد من الناس مَن يتعاطى بالربا، وكان النبي يُحرِّم هذا، لكن يوم حجة الوداع قال ألا وإن كل رباً موضوع – كان الربا لا يزال موجوداً وكان من الناس من يشتغل بالقصور الذاتي – ألا وإن أول ربا أضعه ربا العباس، أي عم النبي، إذن كان العباس عنده بعض المال من الربا، لكن أين الحرب؟ أين القتل؟ هذا غير موجود، ولم يقل أي إمام فقيه أن المُرابي عليه حد، من المُمكِن أن تقوم الناس بسن عقوبة كنوع من التعزير فأهلاً وسهلاً بهذا لكن لا تقل لي نشن الحرب، لأن المقصود بالحرب هنا الحرب مجازية، قال الله من عادى لي ولياً فقد أذنته بالحرب، ما معنى بالحرب هنا؟ إذن قل فلان هذا – والله – من أولياء الله، ونحن – ما شاء الله – كلنا أولياء، ف
شيخي ولي وشيخه وهو عدوي ولي وشيخ هذاك وهو عدو لنا ولي وكل شخص يرى شيخه ولياً، ومن ثم على طريقة هذا الرجل – على طريقة الأبراج – سوف أقول شيخي ولي وقد طُعِنَ فيه يا أخي، وقال الله في الحديث القدسي الصحيح عن أبي هريرة في صحيح البخاري – حديث الولي – وعند أحمد من عادى لي ولياً فقد أذنته بالحرب، إذنيجوز لنا أن نبعث له فرقة مُسلَّحة تقتله لأنه يتحدَّث عن شيخنا، والله قال فقد أذنته بالحرب، وهذا مثل الذي فعله إخواننا هؤلاء حين ضربوا مبنى التجارة العالمي في نيويورك وقالوا لأن الله قال فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ ۩، أرأيتم كيف يكون اللعب؟ أرأيتم هذا الفقه العجيب الغريب الساذج؟ أرأيتم كيف يتم تبرير القتل وتبرير الجريمة؟ يتم بمثل هاته الطرائق للأسف، مع أن مَن قرأ مُقرَّراً بسيطاً في المنطق يعلم – هذه قاعدة في المنطق – أن التمثيل ليس حُجة، هكذا يُقال لك أن التمثيل ليس حُجة، لذلك المناطقة أيضاً يقولون النقاشُ في المثال ليس من دأب المُحصِّلين، لماذا لا أُناقِش بعد أن مثَّل؟قالوا لأن التمثيل بحد ذاته ليس حُجة، هو للتقريب فقط، لكنه ليس حُجة برهانية، كيف هذا؟سأضرب لكم مثلاً من شيخ أُحِبه وأُجِله حقيقةً، وأحسب أن هذا من زلاته لكن انتبهوا إلى أنه لا يتحمَّل وحده عبء هذه الزلة، لماذا؟ لأن هذا الرجل أفتى بما تفتي به المذاهب التسعة، كونه لم يفتح هذا الموضوع ويُحرِّره من جديد هو أمر غير مُلزَم به، في موضوع حد الردة المذاهب التسعة قالت المُرتَد يُقتَل وانتهى الأمر، يُستتاب وإلا قُتِل وبعضهم قال ليس شرطاً أن يُستتاب، الأحناف قالوا يُستحَب لكنه ليس واجباً، من المُمكِن أن أقتله من غير استتابة في المكان، مُباشَرةً تقطع رأسه وهذا شيئ فظيع، هذا الشيخ سُئل عن قتل أحد المُرتَدين، وأنا شخصياً حتى الآن لم أقرأ بالضبط تثبيت التهمة عليه، فلا أعرف لأن هذه المسألة تحتاج إلى تحقيق، قد يكون ارتَد الرجل لكنني لا أدري، الله أعلم بالحقيقة، لأنه كان يستعلن بإسلامه دائماً ويقول أنا مسلم لكنني علماني، هل ارتَد؟ الله أعلم، قد يكون ارتَد، نفترض يا سيدي أنه ارتَد لكي نُوفِّر النقاش وقد قُتِل، قتله بعض الشباب المسلم للأسف، تطوعوا بقتله بالرصاص، فسُئل هذا الشيخ عن الموقف من قتل فلان، فقال الذي يرتَد في نفسه ويقول أنا لا أُحِب الإسلام وأنا البعيد كفرت – يبقى هذا في نفسه وفي خاصته – ليس لي علاقة به، وهذا جيد طبعاً، كأنه يقول هذه حرية فكرية وعقدية، ثم قال لكن حين يرتَد ويكفر ويأتيني أمام باب المسجد وهو يصيح بأعلى صوته قائلاً ما هذا الأذان؟ ما هذا الصراخ المجنون؟ ما هذه الصرخات المجنونة؟ فهذا أنظر له نظرة أخرى، أقول هو رجل يُريد أن يهدم الأمة والدين ويعمل لحساب إسرائيل التي قامت على إسم نبي من أنبيائهم وأحيت اللغة والتوراة واللغة العبرية، هنا أقول له لا يا حبيبي، إسرائيل من العدم تصير دولة، وأنت تُحِب تهدم دولنا وأنظمتنا وبلادنا وديننا بإسم ردتك، كيف هذا؟ سوف أنظر لك نظرة ثانية وأجري فيك حكم المُرتَد، سوف تُستتاب وإلا قُتِلت، لكن أنا هنا أختلف، هل تعرفون لماذا؟ التمثيل ليس حُجة، الرجل لم يفعل هذا، الرجل هذا لم يأت أمام المساجد وفي الشوارع لكي يقول هذا، كان كاتباً مُفكِّراً وكان يكتب مقالات ويكتب كُتيبات، وأنا موقفي ببساطة – وطبعاً أستطيع أن أُبرِّره في ساعات طويلة، هذا موضوع آخر إن شاء الله، وستقرأونه في كتاب مطبوع قريباً بإذن الله – أن الكتاب يَرَد عليه بكتاب والمقالة بمقالات والكلمة بكلمة وينتهي كل شيئ، وهكذا تُكسَب المعركة فانتبهوا، أرأيتم الأمريكان ودهاء وذكاء الأمريكان؟ قالوا ما الفائدة من أن نقتل مائة وخمسين ألف نازي ويبقى الفكر النازي مُعشِّشاً ثم ينبض عرقه للألمان ويُعيدونها جذعة؟ أحسن شيئ أن أُبقي على مُعظمهم وأُحارِب الفكر، هل تعرفون كم شخص أُعدِم؟ يُعَدون على أصابع اليدين، أُعدِم من مائة والخمسين ألف شيئ بسيط جداً جداً، عدد لا أذكره الآن ولكنه قليل جداً، أقل مما تتخيَّلون، وأحكام بالسجن وصلت إلى عشرين سنة وخمس عشرة سنة وسبع سنوات وما إلى ذلك، وهناك أُناس بُرِّأت وتُرِكَت وانتهى الأمر، وكسب الأمريكان المعركة، لماذا؟ اجتثوا الفكر النازي من جذوره، هل نحن معركتنا أن نجتث الإلحاد والزندقة أم معركتنا أن نقتل الزنادقة والمُلحِدين؟ نحن أطباء يا إخواني، هل هدفنا ومقصدنا أن نقتل المريض أم هدفنا أن نقضي على المرض؟ نحن نُحِب أن نقضي على المرض، نُحِب أن نقضي على الإلحاد والزندقة والكفر والتشكيك، واليوم أنت عندك مُفكِّرون إسلاميون كبار بالأمس لم يكونوا كذلك، لن أشينهم ولن أُسيء إليهم وإن كانوا يرضون بهذا لأن هذه ليست إساءة بل بالعكس هى هداية، هذه إسمها هداية ومع ذلك بعض الناس يقولون هذا المُفكِّر الإسلامي كان شيوعياً مثلاً، لأنهم يُحِبون أن يشمتوا، أنت عندك اليوم عيون من مُفكِّرين إسلاميين كبار مُؤثِّرين وفاعلين كانوا بالأمس البعيد وليس القريب من مشاهير مُفكِّري الماركسيين في العالم العربي، لو قُتِلَت هذه الفئة من الناس لحرمنا الإسلام من كل عطاء هؤلاء اليوم، واليوم هم يتصدَّرون الساحة الفكرية والمشهد الفكري، هم في المُقدِّمة لأنهم من كبار المُفكِّرين، لن أذكر أسماءهم وهم معروفون وخاصة في مصر، ما رأيك؟

أطلت عليكم وأطلت على نفسي، في البداية تحدَّثت عن جاذبية القتل، ما هى جاذبية القتل؟ الذي لا يعرفه ربما بعض الناس أن الإنسان – والعياذ بالله – حالما أو ما إن يتورَّط في القتل وخاصة القتل الإجرامي الغير مُبرَّر قانوناً أو شرعاً – والعياذ بالله – يقع أسيراً لجاذبية الجريمة، في الأول فقط يشعر بالندم وبالخوف، لكن أنا أقول لكم بما أنه قتل عدواني من أصله ومع سبق الإصرار والترصد فإن هذا الندم والخوف والحزن كله زائف وكذب، هو مُجرَّد إظهار للموقف بشكل غامض أو مُلتبِس من العقاب المُنتظَر، هو يتظاهر بهذا فقط لكنه لو أمن العقاب لما ندم، الذين يدخلون الحروب الآن يحدث معهم هذا، الآن الأمريكان الذين كانوا في العراق – مثلاً – حين تقرأ مُذكِّرات لهم ومقالات يقشعر بدنك، شيئ عجيب تقشعر له الأبدان، تقريباً هذه شبه ظاهرة الآن في أمريكا وقد أعطوها إسماً خاصاً بها، المُهِم أن الجندي حينما يكون في الساحة يتمنى أن الله يمن عليه ويترك هذا الجحيم المُستعِر فيعود إلى زوجته وإلى بُنيته الصغيرة وإلى الحيوان الأليف في البيت وإلى السينما Cinema والشواطيء وما إلى ذلك، قالوا حين يعودون يتمنى الواحد منهم بعد قليل أن يعود إلى العراق، يكره هذه الحياة ويتمنى العودة إلى هناك، لذا قالوا هذه ظاهرة مُحيِّرة ومُخيفة، بعض الناس الأذكياء لاحظوا من قبل أن الإنسان حين يحمل سلاحاً يتغيَّر، أحد الضباط قال كلمة هامة – ضابط الذي قال هذا وليس عالم نفس كفرويد Freud – لأنه جرَّب حياة السلاح، والجندي ينظر إلى العالم كله من فوهة بندقية، منظوره كله هو هذا فقط، كل شيئ ينظر له من فوهة البندقية، مثل دارس القانون الجنائي الذي ينظر للناس كلهم من صفحة كتابه، فيقول لك كل الناس دعَّار وسرَّاق وأولاد حرام، المُستشار اللطيف والرجل الأديب طارق البشري يقول أنا أذكر لما كنا شباب ودخلنا كلية الحقوق جاءنا أستاذ القانون الجنائي في أول يوم وقال يا أبنائي انتبهوا، أنتم على موعد مع شيئ مُثير، قالوا له ما هو؟ قال لهم انتبهوا لأن في الأيام المُقبِلة سوف ينقلب العالم رأساً على عقب أمام أعينكم، سوف تُسيئون الظن بكل عباد الله، سوف ترون هذا سارقاً وهذا داعراً وهذا كذَّباً وهذا جاسوساً وهذا عميلاً وهذا كذا وهذا كذا، انتبهوا حتى لا تقعوا في هذه الورطة لأن العالم ليس كذلك، هذا العالم فيه الصالحون وفيه الطالحون، وأكثر مَن فيه أقرب إلى الصلاح فانتبهوا، لكن هذه من الآثار العرضية – Side Effects – للتخصص، فالجندي ينظر إلى كل شيئ من فوهة بندقية، هذا الضابط ماذا يقول؟ يقول إن حملت سلاحاً سواء أخفيته أو أظهرته سوف يختلف العالم أمامك، إن إلى الأسوأ وإن إلى الأحسن ولكنه يختلف، سبحان الله، تُصبِح لديك طاقة من الثقة بالنفس أكثر، لوجود هذا السلاح، وانتبه إلى أنه ليس كالخنجر والسيف – هذا سلاح غير مضمون، هذا سلاح مُقامِر ومُغامِر وأنت لا تُحسِن الضرب به – لأن الشخص المعتوه بطلقة واحدة يقتل – والعياذ بالله – أكبر شخص، أكبر شخص في الكاراتيه بطلقة يموت في مكانه المسكين، فهذا السلاح الحديث – مثل المُسدَّس والرشاش وما إلى ذلك – يُعطي ثقة استثنائية، قال الضابط حين تحمل السلاح تختلف شخصيتك، ومن ثم قلت لأجل هذا النبي نهى عن حمل السلاح في الحرم وفي المساجد، وشدَّد جداً جداً جداً في أن يُشير الإنسان إلى أخيه بالسلاح، لا يُريد أن تتغيَّر النفس بتأثير حمل السلاح وتقلد السلاح، السلاح خطير فانتبهوا، ولذلك الآن ما يحصل في سوريا وفي العراق وما إلى ذلك بسبب هذا، شيئ خطير لما السلاح يُصبِح مُشاعاً للناس، تُصبِح فوضى رهيبة جداً، والذي لم يخطر له في حياته أنه من المُجرِمين يستحيل مُجرِماً ربما في يوم واحد أو في ساعة، هذه جاذبية القتل، ولذلك – والعياذ بالله – يبدو أن الإنسان إذا قتل قتلاً عدوانياً يسقط في هوة هذه الجريمة، ينتصر فيه الشيطان على الإنسان في داخله والعياذ بالله، تستحيل فيه القوة الفاجرة إزاء التقوائية هى المُنتصِرة المُسيدة، فيُصبِح وحشاً والعياذ بالله، ومن هنا أيضاً أنا فسَّرت – لأول مرة كنت أفهم هذا – بعض الأحاديث، حين قرأت هذه التجربة الحديثة جداً قلت من هنا النبي – عليه السلام – صح عنه في أحاديث مُستفيضة أن الخوارج يمرقون من الدين مروق السهم من الرَّمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه، هل تعرف كيف تضع السهم؟ تضعه في زاوية تختلف باستمرار طبعاً بين كل رمية ورمية، مُستحيل أن يعود بعد إذ ضربته وإلى نفس المكان، هذا مُستحيل طبعاً، كما يُقال حتى يعود اللبن في الضرع، إذا نزل لن يرجع وانتهى الأمر، فالنبي قال الخوارج يخرجون ولا يعودون، لماذا؟ مَن يقول لي لماذا؟ ببساطة لأنهم توسَّلوا السيف والقتل ولم يتوسلوا الحُجة، نقول للخوارج لو عندكم مباديء وعقائد مُعيَّنة ولا تُحِبون عليّاً وغير عليّ وتلعنون عليّاً ومعاوية فنحن ليس عندنا مُشكِلة – هذه مُشكِلتكم أنتم مع الله ومع الصالحين من عباده – لكن ردوا على الحُجة بالحُجة، لكنهم لم يفعلوا هذا وتوسَّلوا السيف، مُباشَرةً أعملوا السيف، يظلمون به بار الأمة وفاجرها على السواء، لا يُميِّزون كما في صحيح مسلم، فالنبي قال وقعوا تحت طائلة لعنة القتل – والعياذ بالله – وجاذبية القتل، لذلك هؤلاء قدرتهم على الهداية بعد ذلك ضعيفة جداً وزائفة، الواحد منهم لا يُحِب أن يهديك، يُحِب أن يدّعي أنه يهديك، ولكن ريثما أن يظهر له – وهذا يظهر له بسرعة – أنك أمتن أو أكثر حصانة من أن تهتدي يقطع رأسك، لذا هذه لعنة، هؤلاء لعنة والعياذ بالله، فانتبهوا إلى أن التكفير والذبح والتفجير واستحلال الدماء المعصومة لعنة، هذه ليست مزية وإنما لعنة، أنا أقول لكم أن الإسلام قوته ليس في هذا وإنما قوته في رحمانيته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها وأجِرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقِنا واصرف عنا شر ما قضيت، إنك تقضي سبحانك ولا يُقضى عليك.

اللهم إنا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات، وتابع بيننا وبينهم بالخيرات إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.

رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ۩، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين برحمتك يا أرحم الراحمين، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ۩.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(تنبيه هام: في متن الخُطبة ذكر الدكتور أن أحد المشائخ قال لا أدري ما إذا كان الإباضية لا يزالون على بعض عقائدهم الكفرية، وعلى الرغم من أنه لم يذكر إسمه لأن ليس من عادته ذكر الأسماء فهو يُناقِش فقط الأفكار إلا أن فضيلته اعتذر عن هذا في الخُطبة التالية والتي جاءت بعنوان (فقه الجريمة وفقه الرحمة – الجزء الثاني) وأوضح أن أحد أحبابه نبَّهه إلى أن الشيخ لم يقل عقائدهم الكفرية، مع العلم بأن الدكتور كان على يقين أن الشيخ قال هذا، لكن حين عاود البحث للاستيثاق اكتشف أن هناك مَن قام بعمل خدعة في إسم مقطع الفيديو لأنه يشنأ الشيخ، فكتب في إسم المقطع أن الشيخ قال عقائدهم الكفرية وهو لم يقل هذا بغرض تضليل دماغ المُستمِع، ومن هنا تراجع الدكتور واستغفر الله مُشيراً إلى أن هذا نفس الأسلوب الخسيس الذي يستخدمونه ضد الدكتور وضد أمثاله، لكن علاقته بالله لا تسمح له إلا أن يتراجع على المنبر نفسه وإن لم يذكر الشيخ بالإسم، فلعنة الله على الظالمين وهدى الله هؤلاء المُضِلين الضالين المشغوفين بالكراهية والمسكونين بالشر).

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (31/5/2013)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك