إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ۩ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ۩ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ ۩ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ۩ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ۩ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
معذرةً سيدي ومولاي رسول الله، معذرةً لأن المنابر في هذا الوقت حول العالم تصدح وتصدع بالذكرى العطرة – ذكرى كرامتك وذكرى آيتك، ذكرى إسرائك ومعراجك إلى مُنقطَع الأين – وأنا آخذٌ في أمرٍ آخر، ومعذرتي إليك أن من بين الذين يُذكِّرون بك ويُثنون عليك ويُعطِّرون المجالس والمساجد بإسمك وبذكر هديك لا يتقيلون طريقتك ولا يأخذون مأخذك في رحمتك بأمتك، وأنت لهم ومنهم بمقام الوالد كما صح عنك الخبر، صلى الله تعالى عليك وآلك وسلم تسليماً كثيراً إلى أبد الآبدين، وما لا يُفهَم ولا يتسع له ذهن مُؤمِن صادق أن تتباغض هذه الأمة وأن تتلاعن هذه الأمة وأن يمكر بعضها ببعض ويأتمر بعضها ببعض وألا يصفو بعضها لبعض ثم تزعم من بعد ذلك ومن وراء ذلك أن ذلك كله بإسم الدين ولمصلحة الدين وحباً في رب العالمين ورسوله سيد الأنبياء والمُرسَلين صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً، فهذه معذرتي بين يدي ذكراك العطرة يا سيدي يا رسول الله، أن آخذ وأن أُواصِل الأخذ في موضوعاتٍ تلتقي مع غرض رسالتك ومع رحمانية نفسيتك لأنك الرؤوف الرحيم -صلى الله تعالى عليك وعلى آلك – ولأنه كان من بين وصاتك إلينا ألا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض، فجعلت فرقتنا يا سيد العالمين بمثابة الكفر، وإن تواطأ أكثر علماء أمتك على أنه ليس الكفر المُخرِج عن العقيدة ونحن معهم، لكنه كفرٌ بأعظم نعمة، نعمة هذا الدين الذي وحَّدنا من فرقة وجمعنا من شتات وأحيانا من موات وبصَّرنا من عمى وأسمعنا من صمم وأعزنا من ذل وقوَّانا من خور، إنها لأعظم نعمة، نكفرها إذ نتقاتل وإذا نتشانأ ونتباغض وإذ نتكافر ونتذابح، قال النبي لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض.
إخواني وأخواتي:
طلسمٌ مُستغلِق ولغزٌ مُحيِّر وأُحجيةٌ غامضة، دين لا يُضارِعه ولا يُساميه ولا يُدانيه دينٌ آخر بل شرعٌ آخر سماوياً كان هذا الشرع أو أرضياً في تشديده وتحريجه في الدماء وحيوات الناس، لا يُوجَد شرعٌ لا إلهي ولا أرضي شدَّد وحرَّج ما شدَّد وحرَّج هذا الدين في كرامةِ وقدسيةِ وعصمةِ دماء الناس وحيواتهم حتى في ساح الوغى وفي المعمعة الضروس الحمراء مع أعداء اللهِ والرسل والملةِ والدين، لو استغاث أحدهم وتوسَّل بكلمة التوحيد لساناً – والله أدرى بباطنه – لوجب الكف عنه مُباشَرةً، قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا – فتقتلوه ربما طمعاً في بعض المغنم وفي بعض عرض الدنيا – تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ۩، وكلنا على ذُكرٍ من حديث أسامة – الحب بن الحب رضيَ الله عنهما – وحديث المقداد – الصحابي الفارس الجليل المغوار – حيث اتفق لكلٍ منهما أنه قتل مُشرِكاً في ساح الوغى تعوَّذ بلا إله إلا الله والسيف على رأسه مُسلَط، في آخر لحظة أو في آخر هُنيهة قال أشهد أن لا إله إلا الله فقتله، قتله أسامة وقتلة المقداد، وتغيَّظ رسول الله غيظاً شديداً الذي ما بُعِث كما نقول دائماً بل كما قال ربه رب العالمين ورب الناس والخلق أجمعين – جل مجده وتبارك في عليائه – إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ۩، ليس نقمةً على المُوحِّدين فضلاً عن أن يكون لعنةً على الآخرين من بني آدم، من الأنس أجمعين، كلا، تغيَّظ رسول الله وقال أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ يا رسول الله في ساح الوغى، هذا في المعركة، هو كان حريصاً على قتلي، لما أظفرني الله به ومكَّنني منه علوته بسيفي فاستغاث بها، واضح أنه كذَّاب، قال النبي أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ النبي لا يُصيخ ولا يسمع إلى هذه الكلمات وإلى هاته المعاذير التي قطعها الله، الله قطع معاذيرنا بالشرع الذي أبينا إلا أن نُدنِّسه بأهوائنا وأغراضنا وفهومنا الإنسانية القاصرة، شوَّهنا مُحياه، وسَّعنا ما أراد الله تضييقه، فتحنا ما سد الله بابه، فتحنا الأبواب على مصاريعها، الله يذكر سببين لرفع عصمة النفس المعصومة، يذكر سببين اثنين لا ثالث لهما لاستباحة الدماء المعصومة، لأنه لزوال السموات والأرض أهون عند الله – تبارك وتعالى – من سفك دم امريءٍ مُؤمِن بغير حق، أن تُنقَض الكعبة حجراً حجراً – الحديث عن الكعبة فانتبهوا، الكعبة وليس المراقد، الكعبة المُقدَّسة عند كل المسلمين بطوائفهم على اختلافها – أهون عند الله – تبارك وتعالى – من سفك دم امريءٍ مُؤمِن بغير حق، لأن المُؤمِن كرامته عند الله أعظم من كرامة الكعبة، الكعبة حجارة، لكن هذا بنيان ربه لا إله إلا هو، نحن بنينا الكعبة، نحن قصصنا وقددنا أحجارها ووضعناها في المكان الذي هيَّأ الله تبارك وتعالى، نحن فعلنا هذا مُشرِكين ومُوحِّدين، كفّار مكة فعلوا هذا حين هُدِمَت في الطوفان، المسلمون فعلوا هذا، أبونا آدم أول مَن فعله، إبراهيم وإسماعيل رفعا قواعدها – الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ۩ – طبعاً، لكن مَن الذي خلق إنساناً؟ مَن الذي بنى إنساناً؟ مَن الذي يستطيع أن يبني إنساناً؟ رب العالمين، أنت تهدم بنية الله، الكعبة بيت الله وبنية الإنسان لأن الإنسان بناها، لكن هذا الله بناه، لذلك زوال الكعبة وزوال السماوات والأرض أهون عند الله – تبارك وتعالى – من سفك دم امريءٍ مُؤمِن بغير حق، لذلك بكل الأسف نقول من غير تردد لإخواننا في حزب الله والذين لا يُمكِن أن يُزايد أحد على موقفنا منهم أيام كانوا يُسدِّدون رميهم إلى أعداء الأمة وأعداء الأوطان وأعداء الله – موقفنا كان واضحاً بفضل الله – ليس عذراً أن تُساهِموا في قتل إخوانكم في الملة والدين بإسم المراقد والدفاع عن المراقد، أي فتوى هذه؟ من أين أتيتم بهذه الفتوى؟ هذا خطر لى الآن على التو، والله ما كنت زورت أن أقول هذا لكن الآن خطر لي حين ذكرت الكعبة، والكعبة أعظم من جميع المراقد والقبور والمقامات،زوالها أهون عند الله من قتل امريءٍ بغير حق، هل لديكم فتوى أن من تعدَّى على مرقد أحد الأموات يُقتَل؟ هل يُجيز شرع الله هذا؟ يُنكَر عليه، يُشجَب فعله ويُؤدَّب، لكن لا يُقتَل، القتل شيئٌ فظيع، أقتلته يا أسامة؟ يا رسول الله قالها تعوذاً، أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال ظل يُكرِّرها حتى وددت أني لم أُسلِم إلا يومئذ، وددت أنه لم يسبق لي إسلام، لقد شدَّد النبي جداً، كيف لا يُشدِّد رحمة العالمين وهو الذي شدَّد النكير على أحدِ أصحابه – رضوان الله عليهم – حين رآه يُشير بحديدة إلى أخيه يُخيفه بها، قال أروعته؟ أخفته؟ إن روعة المُؤمِن عند الله شيئٌ عظيم، أن تُخوِّف أخاك المُؤمِن – ليس أن تُطلِق عليه النار في المليان، ليس أن تُمزِّق أحشاءه وجسده، فقط أن تُخيفه – عند الله شيئٌ عظيم، شيئٌ عظيمٌ عظيم.
ما أظن هذه الأمة إلا فيما ندر – وقليلُ هاته الفترات المنذورات المنزورات – بلغت ما أراده لها الكتاب الأعز الكريم أن تبلغه من التجريد في التعاطي مع هذه المسألة، ما معنى هذا القيل؟ قال الله مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ ۩، يا رب، الكافر معصوم الدم، لأن الكافر لا يحل دمه بمُجرَّد الكفر، هل هو معصوم الدم أم كافر حربي؟ كافر لا يُحارِب هو معصوم الدم، يدخل في قول الله مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ ۩، لا تقل لي كافر، كافر معصوم الدم، لا يُحارِبك ولا يحمل سلاح في وجهك، ومن ثم هذا ممنوع، قال الله نَفْساً ۩، أعلى مرتبة من مراتب التجريد، يا ربي هذا أسود، أليست نفساً؟ بلى، إنها نفسٌ، يا ربي هذا أحمر، يا ربي هذا أبيض، يا ربي هذا أصفر، يا ربي هذا عربي، يا ربي هذا عجمي، يا ربي هذا قوقازي، نفس، أليست نفساً؟ بلى، إنها نفسٌ، إذن دخل في قول الله مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ ۩، يا ربي جاهل، يا ربي مُبتدِع، يا ربي ضال، يا ربي فاسق، أليست نفساً؟ هل لديك رُخصة في خصوص هذه الحالة في استحلال دمها؟ انظر إلى هذا التجريد العجيب، لم يقل مَن قتل مُؤمِناً أو مَن قتل مُسلِماً وإنما قال مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ ۩، أن يقتل أحدهم أحداً يُقتَل به، ثم قال في نفس الآية أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ ۩، قطَّاع الطريق والقراصنة والمُجرِمين الذين يُروِّعون الناس ويقطعون السبيلويعتدون ويلغون في الأعراض والدماء والأموال، هؤلاء الذين يقَّدون أمن المُجتمَعات ويُقلِقون استقرارها ويُزلزِلون أمنها هؤلاء نعم يُقتَلون طبعاً، في كل الشرائع يُعاقَبون بأشد أنواع العقوبات، غير ذلك انتهى الأمر وسُدَّ الباب، لقد سُدَّ الباب، وطبعاً سيأتيك ألف فقيه وألف مُحدِّث ويقول لك ماذا عن الرجم؟ ماذا عن رجم الزناة؟ نحن قلنا ما عندنا، وسنقول اليوم قولاً جديداً في هذه المسألة ولكن سنُخصِّص لها خُطبة بطولها لنرى كيف عبثنا بكتاب ربنا بإسم أحاديث نبينا، لنرى كيف أبينا إلا أن ننسخ الكتاب، شيئ غريب يا إخواني، وننتصر لمُراداتنا وأهوائنا وتشريعاتنا وفهومنا بغير سُلطان حقيقي مُنزَّل من عند الله، وكما يُقال هذا تحت الحساب.
يا جماعة في كتاب الله في مواضع كثيرة في دَين عشرة دراهم بين اثنين لابد أن يشهد ذوا عدل، لابد أن يشهد رجلان عدلان مأمونان ثقتان، قال الله فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ۩، في صيدٍ يقتله مُحرِم في حال إحرامه لابد أن يدفع فدية، قال الله يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ۩، وهذا في صيد، في أرنب أو في غزالة أو في ظبية وإلى آخره، قال الله يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ۩، أي اثنان، في الرجعة قال الله وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ۩ رجل يُطلِّق زوجه ويُريد أني يُراجِعها لابد أن يُشهِد ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ۩، أبو بكر لا يكتفي بحديث المغيرة بن شعبة في أن رسول الله ورَّث الجدة السدس، قال هل هناك مَن يشهد لك ومَن يشهد معك؟ فقام محمد بن مسلمة قائلاً نعم أنا حضرت الرسول وجاءته الجدة فأعطاها السدس، فقضى به، لم يكتف برواية صحابي واحد مع أنه لا يتهمه ولكن هذا دين، كيف نكتفي في العقائد وكيف نكتفي في الدماء وكيف نكتفي في هاته المسائل الخطيرة بخبر واحد عن واحد؟على الأقل لابد في هذه الأخبار أن يرويها اثنان من الصحابة، وعن كلٍ اثنان، وعن كل راوٍ من الاثنين اثنان، في كل مرحلة اثنان، أليس كذلك؟ هذه طريقة القرآن الكريم، لم يعتمدها المُحدِّثون، لا البخاري ولا غيره، والأحاديث التي تتوفَّر على الوفاء بهذا الشرط في تحقيق بعض العلماء الذين لهم جهادٌ – لا أقول جُهد بل جُهدٌ وجهاد مشكور – ليست كثيرة، من هؤلاء العلماء الدكتور المغربي محمد عمراني – بارك الله فيه – الذي له جهادٌ كبير في هذا الميدان، وأنا أدعو إلى قراءة ما كتب هذا الرجل الفاضل والاستفادة منه والتكميل والتميم والانتقاد – لا بأس – أيضاً، في تقديره لا تتوفر كتب السُنة والأحاديث الصحيحة على أكثر من اثنين إلى خمسة في المائة فقط، هذه هى الأحاديث وفت بهذا الشرط، أن يرويها اثنان وعن كلٍ اثنان وهكذا، هذا شرط القرآن، هذا – كما قلنا – في أرنب، هذا في صيد حرم، هذا في عشرة دراهم ، هذا في رجعة، على الأقل اثنان، وطبعاً بديهٌ – وهذه من عندي – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه لا يليق ولا يسوغ أن يخص أحداً من أصحابه بأسرار الشريعة، هذه الشريعة لابد أن يُبلِّغها ليس لصاحب – لا لعلي ولا لأبي بكر ولا غيرهما – وإنما لجُملة الصحابة، فالنبي كان حريصاً بالحري أن يسمع حديثه حين يُحدِّث وحين يفوه به جمعٌ من أصحابه، فإن خصَّ أحدهم بحديثٍ يكون لا علاقة له لا بالتشريع ولا بالغيبيات، هذا في معالي الأمور وفي الوصايا وفي العظات، لا بأس فحتى هذا نقبله، نقبل آحاد عن آحاد دون أن يكون عندنا مُشكِلة في هاته المسائل، لكن في العقائد وفي الدماء وفي الحقوق وفي مقاطع الحقوق على الأقل – هذا الحد الأدنى – لابد من اثنين عن اثنين في كلٍ وكلٍ، هذا هو، وهذا على الأقل، هذا أقل شيئ، وهذه طريقة قرآنية وطريقة بكرية وعمرية وعلوية، عمر كان يفعل نفس الشيئ، لا يكتفي بحديث صاحبٍ واحد حتى في آداب الأمور، أبو موسى الأشعري حين حدَّثه أنه سمع من النبي أنه قال إذا استأذن أحدكم على أخيه ثلاثاً فلم يُؤذَن له فليرجع قال له لتأتيني بشاهد، ما هذا؟ من أين أتيت بهذا الكلام؟ يا أخي هذا أبو موسى الأشعري، هذا صاحب القرآن، لكن هذا دين، من أين سمعته؟ هل محمد أسر إليك به؟ غير معقول، ليس هذا طريق النبوة، ليس هذا طريق الرسالة، هل فهمتم يا إخواني؟ يقولون العقل باستمرار، فهذا هو العقل، هذا العقل الشرعي الذي يحترم الشرع ويحتاط لشرع الله، ليس العقل الذي يستقيل فيُعبَث بشرع الله وبدين الله، قالوا عندنا أحاديث الرجم مُتواتِرة، لو مكثتم إلى يوم الدين – ومن هذا المنبر أتحدى – لن تُثبِتوا هذا، علِّموا الناس وقولوا للناس ما هو المُتواتِر بالضبط وما هو شرطه، وسأقول هذا في درس مُقبِل – إن شاء الله – أو في مُحاضَرة أو في خُطبَة مُقبِلة، قولوا للناس ما هو المُتواتِر بالضبط وما هو شرطه،وأنا أقول لكم لو استعنتم بالأنس والجن على أن تُثبِتوا أن أحاديث الرجم مُتواتِرة لن تستطيعوا، وهذا تحدٍ من هذا المنبر الكريم إن شاء الله تعالى، وإن اثبتم نحن أول مَن يخضع، ولكل مقامٍ مقال، لماذا؟ مَن أين يا أبا موسى؟ قال له لتأتيني بشاهد أو لأجعلنك نكالاً، لأُعقاِبنك ولأُنزِلن بك عقوبة تكون نكالاً لأمثالك مِمَن يتجرأون أن يُحدِّثوا عن رسول الله ويرفعوا إليه الخبر دون برهان وسُلطان، لكن هذا أبو موسى، بغض النظر عن كونه أبي موسى هذا دين، وقال له أما إني لم أفعل هذا اتهاماً لك لكن هذا دين، ثم أن الإنسان عُرضة وهدفٌ للنسيان وللوهم ولسوء الفهم ولسوء السمع، أليس كذلك؟ تقول عائشة غفر الله لفلان أخطأ سمعاً فأخطأ فهماً، هو لم يسمع جيداً ومن ثم لم يفهم جيداً، هذا يحدث طبعاً، الصحابي ليس معصوماً وليس جهاز كمبيوتر Computer، أليس كذلك؟ فقال الأنصار لأبي موسى كلنا سمعنا هذا وقد جاءهم كأنما نُزِف دم وجهه، كان وجهه مصفراً لأن سيضربه عمر، عمر ليس عنده لعب بالدين، هذا دين وشرع، قال الأنصار كلنا سمعنا هذا من رسول الله – حديث الاستئنذان – ولا يقوم معك إلا أصغرنا، قم يا أبا سعيد، أبو سعيد بن سنان الخدري رضوان الله عليه، فاكتفى عمر بهذا، قال له هذا الدين، لابد من التثبت، لماذا لم يتثبت أئمتنا على هذا النحو؟ لماذا لم يشترطوا في كل طبقة وفي كل مرحلة أن يرويه اثنان على الأقل؟ هذا على الأقل، قبلتم بالواحد وأتيتم بأدلة كثيرة لا تكفي، إنها تُخالِف روح القرآن وتُخالِف هدي الراشدين رضوان الله عليهم، ثم وسَّعتم الدين وبعجتموه وبسطتموه وجعلتم ما اكتفى به القرآن غير كافٍ وقلتم أركان الإيمان لا تكفي، نُريد أن نُدخِل معها الدجّال ونُدخِل معها المهدي ونُدخِل معها عودة عيسى بن مريم ومَن أنكر فقد كفر، يا جماعة اتقوا الله في دينكم، اتقوا الله في كتابكم، لقد أخنيتم عليه، والله العظيم أخنيتم على هذا الكتاب وافتأتم، هذا لا يجوز، ما هكذا يكون الدين.
نعود إلى موضوعنا، فروعة المُؤمِن عند الله شيئٌ عظيم، هذا ديننا، قال الله مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ۩، سيُقال لك يا سيدي القاتل هو شيخ الإسلام والمقتول بوّابه، المقتول البوّاب القيِّم على مكتب شيخ الإسلام، يُقتَل به، شيخ الإسلام إذا قتل بوّابه يُقتَل به، لماذا؟ شيخ الإسلام نفس، والذي قُتِل نفس، قال الله نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ ۩، شيخ الإسلام يُقتَل في بوّابه، أُحِب أن أقول للعالمين وأصرخ مألوماً لأجل أمتي فاخراً مُفتخِراً لأجل ديني وشرعي وقرآني أن هذاالقرآن من قبل ألف وأربعمائة سنة وأزيد، هذا كتابنا، مهد الحريات في الغرب الأوروبي – أيها الإخوة – الحديث فرنسا، في سنة ألف وتسعمائة وثمانين – قبل ثلاثين سنة تقريباً ونيف – فرنسا يقتل فيها الفيلسوف اليساري الكبير والشارح الأشهر في حقبته لكارل ماركس Karl Marx على الطريقة اليسارية لويس ألتوسير Louis Althusser زوجته، الفيلسوف لوي Louis – لويس – ألتوسير Althusser شارح كارل ماركس Karl Marx قتل زوجته البروفيسورة الأكاديمية والفيلسوفة مثله خنقاً، ويخرج الرجل يحبو على رجليه وهو مُلتاث، أصابته لوثة، فيُطالِب دعاة حقوق الإنسان وكرامة الإنسان باعتقاله ومُحاكَمته، يتصدى لهم رئيس الجمهورية فاليري جيسكار ديستان Valéry Giscard d’Estaing في وقته ويقول عارٌ -Shame – على فرنسا أن تعتقل عقلها، قلت له مسكين، أنت لم تتعلَّم أن تبلغ أعلى درجات التجريد فيما يخص الإنساني، نحن كان ينبغي أن نتعلَّم هذا، وطبعاً واضح أننا لا نستطيع ان ندل على ديستان d’Estaing ولا غير ديستان d’Estaing ونقول له نحن، كتابنا مَن قال هذا وليس نحن، نحن لم نفعل هذا إلا فيما ندر، نبينا فعل هذا، الراشدون الكبار من أصحابه فعلوا هذا، الصالحون المُقتَدون المُهتَدون من أصحابه فعلوا هذا، ولكن الأمة في مُعظم فترات تاريخها فعلت عكسه تماماً، وطبعاً لم تعوزها الحيلة والذريعة – ألفُ حيلةٍ وألفُ ذريعة – لكي تستبيح دماء بعضها البعض، كفَّرت بعضها البعض فاستباحت دماء بعضها البعض، ولم يكن لهم في محمد – صلى الله على محمد وآل محمد – أسوة في كفه عمَن نافق وكفر واستعلن بنفاقه وكفره من بين أصحابه بل وسبه، قال أتُريدون أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؟ لا أقتلهم، سبوك وطعنوا في عِرضك وكفروا بدينك وهزِأوا بك وسخروا منك ومن كتابك، قال لا أقتلهم، آتوني بمُنافِق واحد استعلن بنفاقه وأمر النبي بضرب عنقه، آتوني بحالة واحدة، لم يفعل النبي هذا ولا مرة، فلم يكن لنا فيه أسوة، ثم نأتي نتحدَّث في مثل هاته الأوقات المُشرَّفات المُكرَّمات عن إسرائه وكرامته ومعراجه، أين نحن منه؟ كما نتحدَّث دائماً عن زهر خديه وجلح جبينه وطول حاجبيه ووطف أشعار عينيه وصحل صوته وشنب أسنانه كأنه نموذج للجمال، وهو نموذج للجمال الخُلُقي قبل أن يكون أنموذجاً لجمال الخِلقة، لم نفهم هذا، لا نعرف كيف تُورَد الإبل، ضيَّعنا الجوهر وتشبَّثنا بالقشور، وأي قشور؟ قشور زائفة أُلصِقت بالدين يزفاً وبهتاناً، قال الله وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ۩.
نعود الآن إلى سؤال المقام، حلوا لي هذا اللغز وهذه الأحجية، فكوا هذه الطلاسم يا إخواني، كيف دين بهذه الطريقة وبهذا التحريج وبهذا التشديد وأمته تستهين بالدماء جداً إلى الغاية؟ أسهل شيئ استهانة مُسلِم اليوم بالدماء، وجدت الحل في كتاب الله قريباً جداً، أقرب من ظلي، أقرب من خيالي، أقرب إليّ من حبل وريدي، هل تعرفون كيف ولماذا؟ ببساطة القرآن يُحدِّثنا عن إسلام وعن إيمان، هل هذه الأمة تحقَّقت بإيمانها أم اكتفت بإسلامها؟ ببساطة أنا أقول لكم نحن أمة من المُسلِمين، كلٌ منا يقول لا إله إلا الله ويُقيم الصلاة ويُؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت، وهذا في الظاهر فانتبهوا، في بعض – لا أقول الكل فأنا لم أُحص، ليس لدي إحصاء حتى لا أفتري الكذب – المُسلِمين مَن لا يُخرِج زكاة ماله، يُخرِجها سنة ويُعطِّلها خمساً أو أكثر، وإن أخرجها يُخرِج بعضها ويُؤجِّل بعضها، أي أنه يشح عليها، يشح على ماله، وقالوا مُسلِم، هذا عادي دون أي مُشكِلة، هل تعرفون لماذا؟ أول أمس سمعت أن في بلدي مَن قتل أخاه وأولاد أخيه الاثنين من أجل الميراث، فتباً للميراث وتباً للدنيا ولعنةً للمال إن كان يحملني لا أقول على سفك دم أخي ابن أمي وأبي وإنما إن كان يحملني على قطع وصلتي به وعلى قطع علاقتي به، فليأخذ المال كله ولن أقطع وصلتي بأخي، لكن كيف أقتله؟ أين الإيمان هنا؟ أين التقوى؟ أين الخشية؟ أنا أقول لكم ببساطة هؤلاء عرفوا الله إسماً بغير حقيقة، يقولون الله، اللهم أعطنا، اللهم ارزقنا، ويتباكون أيضاً، لكنهم – والله – عرفوه إسماً بغير مضمون وبغير حقيقة، الله إن عُرِفَ تبعث معرفته على الحب، على الخشية، على التقوى، على المُراقَبة، على الرحمة، على اللطف، على الكرم، وعلى كل ما هو عظيم وجميل يُذكِّر بالله، هذا هو حال مَن عرف الله والله العظيم، والله مَن عرف الله ومَن آمن بالله حقاً وصدقاً – والله – إنه لمأمون الجانب حتى وإن اعتديت عليه، أنت تعلم أنك آمن لجهته ومن جهته لأنه مُؤمِن، أنت فجرت ولم تخش الله فيه، وتعلم لأنه قار الإيمان وراسخ اليقين أنه يخشى الله فيك ولا يبغي ولا يظلم ولا ينتصر حتى لنفسه، يعفو ويصفح ويدرأ بالحسنةِ السيئة، أين نحن من هؤلاء؟
هذا هو الإسلام وذاكم هو الإيمان، بالله هل رأيتم – أُحاوِل أن أستذكر الآن – في موضع واحد من كتاب الله الله خاطب المُسلِمين؟ هل قال الله يا أيها الذين أسلموا أو يا أيها المُسلِمون اتقوا الله وافعلوا وجاهدوا واصبروا وصابروا ورابطوا وكونوا قوَّامين بالقسط وأوفوا بالعقود؟ مبلغ علمي لم يحدث هذا ولا مرة، مَن الذي يحظى بشرف الخطاب الإلهي؟ انتبهوا إلى هذا، مَن الذي يكون ولياً لله يُخرِجه مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ ۩ ويفتح عليه؟ قال الله اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ۩ ولم يقل الذين أسلموا، قال الله قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا – بخُطوة واحدة سريعة، كما قلت لكم هذه مُعادَلات ساذجة، يظن لأنه أتى بأركان الإسلام الخمسة أنه آمن – قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۩، لأنه إذا دخل القلوب تُرجِمَ مُباشَرةً أثماراً شهية بهية طيبة زكية في عمل الإنسان في مجاريات حياته وفي مأتياته وفي أفعاله وفي سلوكاته، هذا هو الإيمان، قال الله إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ – الله يقول هذه مسألة بسيطة جداً، أنت تتناول عسلاً فيتفاعل كعسل كما قلت، تتناول سماً فيتفاعل كسم، تتحقَّق بإيمان فيتفاعل مُباشَرةً كإيمان، خشية، ذوق، محبة، لطف، صفاء، رقة، رحمة، تقوى، ومُراقَبة، هذا هو الإيمان – إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۩ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ۩، هذا الإيمان، فهل نحن مُؤمِنون أو مُسلِمون؟ في كل القرآن الكريم الإيمان يتظاهر بالصالحات، لذلك قلَّ أن ذُكِرَ الإيمان إلا وعُطِفَ عليه عمل الصالحات، قال الله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۩، لم يقل إن الذين أسلموا وعملوا الصالحات، ولذلك مُمكِن جداً أن تكون مُسلِماً ولا تعمل الصالحات بل تعمل الفاجرات الطالحات الملعونات الرديات الزريات، وأنت مُسلِم هذا طبيعي، نرى هذا كل يوم، نراه حتى في المساجد، في المساجد يغتاب بعضهم بعضاً، في المساجد يتآمر بعضهم على بعض، على المنابر يتآمر بعضهم على بعض ويلعن بعضهم بعضاً ويُكفِّر بعضهم بعضاً ويُؤلِّب بعضهم على بعض، لماذا؟ لأنهم مُجرَّد مُسلِمين، وهنا قد يقول أحدهم عدنان إبراهيم تكفيري لأنه قال كذا وكذا، لكن أنا لا أُكفِّر يا رجل، أنا فقط أمتح عن وأُفرِغ عن منطق القرآن الكريم، وإلا مُشكِلتك ليست معي وإنما مع رسول رب العالمين الذي قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مُؤمِن، النبي قال هذا مُستحيل، مُستحيل أن تقول لي أنا مُؤمِن وأزني، لأن ما هو الإيمان؟ ليس أن تقول الله موجود والله عظيم، وإنما أن تعيش هذا، الإيمان ليس قراراً – Decision – تأخذه في لحظة، كأن تقول قررت أن أصير مُؤمِناً، هذا كذب، أنت تستطيع أن تُقرِّر أن تصير مُسلِماً، لكن إذا أردت أن تصير مُؤمِناً لابد أن تعيش الإيمان، تقول الآية الكريمة اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩، إسمه الصراط، ما معنى الصراط؟ الطريق الذي يُقطَع – كما أقول دائماً مراحل مرحلة بعد مرحلة، قال الله إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ ۩، لابد أن تطوي مراحل هذه الطريق مرحلةً إثر أخرى، وفي كل مرحلة ينمو لديك يقينٌ جديد، تتحصَّل على لطفٍ جديد، رحمة جديدة، رقة جديدة، عرفان جديد بالله، قوة إيمانية جديدة، ثقة بالله حقيقية، لو افتقرت وأفلست وأُعدِمت ولم يكن عندك شيئ لا يُمكِن أن تمد يدك إلى ما لا يحل لك، لا يُمكِن أن تطمع فيما ليس لك، لماذا؟ تعلم أن هذا ابتلاء عابر، لو تقوّيت وظهرت وتسلّطت وتنفّذت لا تغترن بهذا، أنت لن تغتر بهذا لأنك مُؤمِن، وتعلم أن هذا كله وهمٌ عابر، ليس هذا مربط الفرس أنني قوي وعندي الدولة وعندي سُلطة وعندي ميلشيات، هذا كلام فارغ، لن تكون أشد من فرعون ولا من عاد ولا من ثمود، أليس كذلك؟ أين ذهبوا؟ أين ذهبوا أولئك؟ ذهبوا مع الأُلَى كفروا، فدمَدم الله عليهم ودمَّرهم تدميراً، هذا هو، هذا عابر، الإيمان يكشف هذا الوهم، الإيمان يكشف غرور القوة، غرور السُلطة، وغرور المعرفة والعلم، أي العلم الدنيوي، قال الله يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۩، الايمان يكشف كل هذا، وتعيش به – بإذن الله تعالى – في نور الحقيقة الربانية، الرب ربٌ والعبد عبدٌ، ومَن عرف قدره الأدنى مِن مقام ربه الأعلى لم يكن للشيطان عليه سبيل، لذلك قال اللعين ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ۩، لم يقل ومن فوقهم ومن تحتهم، لأن مَن عرف مقامه الأدنى مِن مقام ربه الأرفع الأعلى لم يكن للشيطان عليه سبيل، هذا هو الإيمان، ليس الإسلام وإنما الإيمان، لذلك في كتاب الله الإيمان يتظاهر دائماً بالإنساني، بالخُلقي، بالقيمي، بالرفيه، بالمُعجب، وبالمُدهِش، قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ ۩، سواء مع كافر أو مع مُؤمِن أو مع صالح أو مع طالح هذا عقد، قال الله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ ۩،المُؤمِن لا يغدر، المُؤمِن ليس غدَّاراً، المُؤمِن ليس فتَّاكاً، المُؤمِن ليس كذَّاباً، لا يكذب المُؤمِن، لأنه مُؤمِن، والإيمان هو التصديق، أليس كذلك؟ صدَّق الله وصدَّق رسول الله فيما أخبر عن الله ويُصدِّق إخوانه ويُصدِّق صالحي هذه الأمة ويصدقهم إذا تكلم وإذا أفتى، لا يكذب حتى في الفتية، هناك مَن يُفتي كما يُطلَب منه وكما يُرسَم له لكي يقبضها – أي الفتوى أو الفتية – دراهم معدودة وما كان فيها من الزاهدين، المسكين زهد في الآخرة، هذه صفقةٌ مغبونة، هذه صفقةُ المغبون، قال الله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ ۩ وقال أيضاً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ۩ فضلاً عن أنه قال يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ ۩، حتى الحدود يُطبِّقها المُؤمِن ويُخاطَب بها المُؤمِن، ليس المُسلِم الذي ينطوي على غل وحقد وكره وبإسم الحدود يذبح هذا ويقتل هذا ويقول هذا مُرتَد وهذا كذا وكذا وإنما المُؤمِن الصالح، ولذلك أنا عرفت الجواب بسهولة وأراحني هذا – والله – جداً، إذن لا تقل نحن أمة الإيمان ونحن كذا وكذا، لا تكذب، لماذا تكذب على الحقائق؟ قل نحن أمة الإسلام، قل نحن مُسلِمون، نحن ما تحقَّقنا بالإيمان، والإسلام ليس من شرطه أن يتظاهر بالصالحات، قد يُصلي رياءً كالمُنافِقين، أليس كذلك؟ قد يذكر رياءً، قد يحمل السبحة ويُطقطِق حباتها رياءً، قد يحج رياءً وشراءً للقب، هذا المسكين مغبون أيضاً وأحمق، يُكلِّفه الحج خمسة آلاف أو ستة آلاف يورو ليرجع بلقب الحاج ويغضب جداً إذا لم يُلقَّب بالحاج، رياء في رياء في رياء في رياء، وصومه رياء وزكاته رياء – هذا إن أخرجها على وجهها – وإلى آخره، أما المؤمِن فشأنه مُختلِف تماماً، انتبهوا إلى أن الإيمان يقتضي الإسلام، لا يُوجَد مُؤمِن غير مسلم، هذا مُستحيل، كل مُؤمِن صادق لابد أن يُصلي ويصوم ويُزكِّي ويحج على وجهه، على الوجه المطلوب، على وجه العبادة المطلوبة، قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ۩، طبعاً الإيمان يقتضي الإسلام، لا يُوجَد إيمان من غير صلاة، لا تقل لي أنا مُؤمِن صالح، أقول لك أنت مُؤمِن ضعيف جداً، أنت حتى لم تتحقَّق بالإسلام يا رجل، تكذب على مَن؟ هو لا يُصلي ويقول أنا مُؤمِن، كيف تكون مُؤمِناً؟ أنت حتى الإسلام لم تتحقَّق به، الصلاة هى الركن الثاني في الإسلام، أين صلاتك يا رجل؟ هل قفزت من الإسلام إلى الإيمان وأنت الإسلام مُتجاوِزٌ له؟ لا يا رجل، لا تكذبوا على انفسكم، من هنا بليتنا، أننا لم نتحقَّق بالإيمان، فقط اكتفينا بقشور الإسلام، إذن إيمان بلا إسلام مُحال، إسلام بلا إيمان مُمكِن جداً بنص كتاب الله، قال الله قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا ۩، هذا مُمكِن جداً، هذا حال كثير من الأمة، لذلك – كما قلت – يجمعون إلى الإسلام الدواهي والبلاوي والمصائب العظيمات من الزنا والفحشاء والقتل والتكفير والتفجير والكراهية والبغضاء، لكن أوقعوا المساكين المغرورين من أبنائنا وبناتنا ومن إخواننا وأخواتنا في الحيرة واللبس والاشتباه والتردد، وصار الآن يتطرَّق طريقٌ كل يوم للإلحاد والشك في الدين – والله العظيم – بشكل مُزعِج أكثر مما تتخيَّلون، مُزعِج حقيقةً، فإنا لله، صرنا فتنةً للمُسلِمين وللكافرين، صرنا فتنة، نصد عن سبيل الله تبارك وتعالى، الإيمان هو الذي تتحقَّق به الاستجابة لتكاليف الشارع الحكيم والخضوع لأمره الكريم، كما قال عز من قائل وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۩، مَن الذين يستجيبون؟ ليس الذين أسلموا وإنما الذين آمنوا، فالتكاليف كلها رهن هذا الإيمان،التحقق بها والنزول على مُقتضياتها واحترامها وتوقيرها، أعني التكاليف الشرعية، تحريم ما حرَّم الله وتوقير ما وقَّر الله، قال الله ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ۩، هذه شعائر الله، فكيف بحرمات الله؟ والأعظم في التحريم النفوس البريئة المعصومة، لا يحترم حقها في الحياة والامتداد إلا من اتقى الله، إلا من امتلأ قلبه بتقوى الله تبارك وتعالى.
إخواني وأخواتي:
اسمحوا لي الآن أن أنتقل إلى نُقطةٍ أخرى لها علاقة أيضاً بكشف هذا اللغز العجيب، لغز إيمان في الظاهر يتظاهر بكل هذه القسوة، بكل هذه الغلظة، وبكل هذه الفظاظة، وهو يبلغ إلى حد الجريمة لكنه إيمان ظاهري، كيف؟ لغز كبير، حللنا شطراً منه، نُحاوِل أن نحل الشطر الآخر على مُستوى أعمق – إن جاز التعبير – فلسفياً، ولكن هو مُستوى إيماني قرآني.
إخواني وأخواتي:
ثمة أولويتان، هناك أولويتان، أولوية لله – تبارك وتعالى – وأولوية للإنسان، أي للمُكلَّف إذا كان الحديث عن الإنسان المُسلِم، ما معنى أولوية الله؟ انتبهوا إلى أن الإضافة دائماً لأدنى مُلابَسة طبعاً، حين نقول أولوية الله فإن هذا لا يعني أولوية الله طرف فيها، لغةً يصح لكن حاشا لله، الله لا تُزاحِمه أي قوة أخرى حتى نُعطيه أولوية بإزائها، لو كان ثمة آلهة أخرى تُزاحِمه في إدارة وتدبير الكون لقلنا الأولوية لله، قال الله إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا ۩، فالإضافة لأدنى مُلابَسة، بعض الناس قال فقه الجريمة – خُطبة فقه الجريمة وفقه الرحمة الجزء الأول – لم أجدها تتحدَّث عن فقه الجريمة، هو فهم الإضافة على نحو مُعيَّن، الإضافة أنحاؤها كثيرة جداً جداً، الإضافة تأتي لبيان الفاعلية وتأتي لبيان المفعولية على وزانٍ واحد، حين نقول خَلقُ الله ما معنى خَلقُ الله؟ خالقية الله، قال الله هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ۩، أي كيف يخلق الله، إذن هنا بمعنى الفاعلية، لكن ما معنى خَلقُ الإنسان؟ عالم فاضل ألف كتاب خَلقُ الإنسان بين الطب والقرآن، ما معنى خَلقُ الإنسان؟ مخلوقية الإنسان، ليس أن الإنسان يخلق، هنا بمعنى المفعولية، وهى نفس الإضافة، نقول خَلقُ الله وخَلقُ الإنسان، لكن هنا فاعلية وهنا مفعولية، حين نقول فقه الجريمة من المُمكِن أن نعني الفقه الذي يبحث في أحكام الجريمة بحثاً شرعياً، وكل الكتب الفقهية ملآنة بهذا الشيئ، هناك كتب مُتخصِّصة في هذا، أحمد الحصري – العلَّامة المصري الكبير والفقيه – عنده كتاب السياسة الجزائية في الإسلام في ثلاثة مُجلَّدات، هذا موجود، التشريع الجنائي في الإسلام، هذا في فقه الجرائم، لكن أنا ما أردت أن أتحدَّث عن هذا ، ليس مُبتغاي، هذا موجود في كتب الفقه، إنما أردت أن أتحدَّث عن الفقه الذي يُبرِّر الجريمة، بمعنى آخر كأننا نقول الفقه المُجرِم أو الفقه الإجرامي، هو هذا، كما نقول أدب الانحلال أو أدب السقوط، ونُريد الأدب الذي يدرس تمظهرات الانحلال، أو نُريد الأدب الساقط المُنحَل، نقول هذا أدب الجنس، مُمكِن يكون أدب الجنس الذي يدرس الجنس، ومُمكِن يكون أدب الجنس الأدب الذي يُشيع الفحشاء والجنس المُنحَل بين الناس، هذه إضافة والإضافة لأدنى مُلابَسة فرجاءً ننتبه إلى هذا، على كل حال نأتي الآن إلى أولوية الله، أذكرني بهذا هذا التركيب وهذه الإضافة، فنأتي إلى أولوية الله، ما معنى أولوية الله؟ أولوية الله – تبارك وتعالى – هى خطته في إدارة كونه، في إدارة عالم الخلق، وأنتم تعلمون – حتى نُفكِّر تفكيراً دقيقاً – أن الأولويات لا تُطلَب ولا تحدَّد فضلاً عن أن تتحدَّد إلا في مورد التزاحم، إذا لم يُوجَد تزاحم لن تُوجَد أولوية، أليس كذلك؟ فأولوية الله – أي خُطة الله تبارك وتعالى في إدارة كونه – جعلت الإنسان في مورد التزاحم هو المُقدَّم، الأولوية للإنسان، لا تقل لي من المُمكِن أن تكون الملائكة مُفضَّلة على الإنسان، هذه مسألة خلافية في علم الكلام، وأنا أقول لك الملائكة ليست في مورد تزاحم مع الإنسان، الملائكة لا تُريد أن تحكم، الملائكة لا تكفر وتعصي، الملائكة لا تشتهي، الملائكة لا تأكل ولا تشرب ولا تتزاوج، ليست في مورد تزاحم معنا أبداً، لذلك الملائكة ليست بالمعنى الدقيق مُسخَّرة لنا، هى موظَّفة في مهام بطريقة ربانية، ولكن لا نستطيع أن نُسخِّرها على طريقة الخرافيين الذين يبحثون عن تسخير الجن مثلاً، أولوية الإنسان في خُطة الله – تبارك وتعالى – تجعل كل ما يُزاحِمه في أي موردٍ كان مُتأخِّراً عنه، الشمس، القمر، النجوم، الدواب، الأشجار، الأشياء وكل الطاقات المذخورة والمكنوزة والمكظومة في السماوات وفي الأرض مُتأخِّرة على الإنسان، لماذا؟ كلها مُسخَّرة للإنسان، الأولوية للإنسان، وهذا أمرٌ عجيب، خُطة الله تقوم على جعل الأولوية للإنسان، قال الله وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ۩، وهنا قد يقول لي أحدكم هذا بإزاء هاته المخلوقات لكن بإزاء أشياء أخرى ليست ترد نفس الموارد مثل الاعتقاد، مثل الدين الحق، ومثل التوحيد – لا إله إلا الله – الأولوية لمَن؟ ستُعجَبون وتُصدَمون إذا قلت لكم وبروح قرآنية للإنسان أيضاَ، الأولوية للإنسان على المُستوى القدري وعلى المُستوى الشرعي، ذلك أن أولوية الله تبارك وتعالى – أي الأولوية الإلهية الربانية التي أنشأها، التي خطها، والتي رسمها الله ودبَّر بمقتضاها خلقه وكونه – لها مُستويان تعمل فيهما وتتمظهر فيهما، المُستوى الكوني القدري، والمُستوى التشريعي التدويني، مُستوى تكويني ومُستوى تدويني، كيف؟ على المُستوى الكوني هل الكفار يعيشون أو يموتون؟ يعيشون كما يعيش المُسلِمون والمُوحِّدون، هل يُرزَقون أو يُمنَعون؟ يُرزَقون، قال الله كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ ۩، أُعطوا لياقات وقدرات وعندهم ذكاء وعبقرية وجمال وما إلى ذلك أو لم يُعطوا؟ أُعطوا، هذا أمرٌ عادي، الله أعطاهم هذا، مثلما قال عيسى – عليه الصلاة وأفضل السلام وعلى نبينا – فشمسه – شمس الرب الجليل – تُشرِق على الأبرار وعلى الفجار، أليس كذلك؟ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً – الدنيا دار متاع هذه ودار ابتلاء – ثُمَّ أَضْطَرُّهُ – أي في الآخرة – إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ ۩، الحساب هناك في الآخرة، لكن هنا لا يُوجَد حساب، هذه ليست دار حساب، إلا ما كان تحت الحساب بسرعة، هذا تحت الحساب فانتبهوا، هناك أشياء تحت الحساب للتذكير وللموعظة، لأنه هادٍ لا يُريد أن يُضِلك ومن ثم يُنبِّهك ويعرك أذنك إن جاز التعبير، لكن الحساب الحساب في يوم الحساب، هذا على المُستوى القدري، إذن الله قدراً أعطى الكفار الذين يُلحِدون في أسمائه ويُنكِرون ذاته العلية المُقدَّسة – لا إله إلا هو – فرصة أن يحيوا وأن يمتدوا وأن يرتفقوا الكون وأن يُمعِنوا في ارتفاقه، الآن مَن الي يرتفق الكون؟ غير المُوحِّدين، على الأقل غير المُسلِمين، أليس كذلك؟ هذا أمرٌ عادي، لا تُوجَد مُشكِلة، يرتفقه غير المُؤحِّدين من عبَّاد البقر وعبَّاد الشجر وإلى آخره دون أي مُشكِلة، هذا أمرٌ عادي، قال الله كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ ۩، أما على المُستوى الشرعي فهذا الذي يهمنا، هل تعرفون لماذا؟ لأن القاعدة تقول نحن مُتعبَّدون بالشرع أو مُتعبَّدون بالقدر؟ بالشرع، ليس بالقدر، القدر شأن الله، هذا شأنه هو، أنت ليس لك علاقة بالقدر، لا تستطيع ان تتدخل في القدر، أليس كذلك؟ مَن أراد الله – عز وجل – إعزازه هل تستطيع أن تُذِله أنت؟ لا تستطيع أبداً، مَن أردا الله – قدراً وليس شرعاً – رفعه هل تستطيع أن تُخفِضه؟ لا تستطيع، مَن أراد أن يُميته هل تستطيع أن تبقيه في قيد الحياة؟ لا تستطيع، القدر له لا إله إلا هو، مَن أرد أن يخلقه طويلاً هل تستطيع أن جعله قصيراً؟ هذا القدر – قدر الله عز وجل – وأنت ليس لك علاقة به، هذا شأن الله، إياك ان تتدخَّل فيه، ولا تزعم أنك مُتعبَّد به وإلا تدخل من أوسع أبواب الزندقة، كأن تقول الله أراد هذا، الله أراد للمُجرِمين أن يقتلوا الصالحين ونحن نرضى بهذا، لا، أعوذ بالله، لا نرضى بهذا، لا نرضى به أبداً، لا نعترض على قدر الله، ولكن لا نرضى بهذا الفعل، لأننا مُكلَّفون شرعاً، علماً بأن هذه مسألة أخرى،لا أُريد أن يُناقِشني فيها أي أحد لأنها مسألة طويلة ولدينا فيها الأدلة، هذا مذهب أهل السُنة والجماعة على الأقل وهو مذهب متين في هذه المسألة خلافاً للاعتزاليات، هناك أيضاً المُستوى الشرعي، هنا الأعجوبة، هنا ما يُدهِش، على المُستوى الشرعي القرآن العظيم أعطى غير المُوحِّدين – أعطى الكفار والمُشرِكين والوثنيين – حق أن يعيشوا وأن يمتدوا، ولم يُبِح دماءهم بمُجرَّد كفرهم وعدم خضوعهم للإسلام والتوحيد، وقال لك عندك حالة تستطيع أن تُقاتِلهم وتقتلهم فيها وهى إذا بدأوك بالقتال، إذا كفوا عنك فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا ۩، رجاءً عودوا إلى سورة النساء، أعتقد هذه الآية التسعون من سورة النساء، عودوا واقرأوا هذه الآية، وطبعاً اقرأوا تفسيراتها، لكن أمعِنوا فيها بالتأمل والنظر، الآيات واضحة جداً أنها في المُرتَدين، ليست حتى في الكافرين الأصليين وإنما في المُرتَدين، ونحن عندنا مبحث طويل في الردة، هذه الأمة تبحث من قرون في الردة، يا أخي القرآن تقريباً حسم الموضوع، يتحدَّث عن ناس كفروا بعد إسلامهم، هم كفروا بعد إسلامهم، قال الله إذا كفوا عنكم أيديهم وألقوا السلم فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا ۩، فليذهبوا وما اختاروا، هم وما نزعوا إليه، فليذهبوا إلى حيث ألقت كما يُقال، هم أحرار، ولكن الحساب يوم الحساب، فهذه في المُرتَدين وفي الكفار الأصليين، وفي ضمير الأمة أن كفر المُرتَد أفظع وأشنع من كفر الكافر الأصلي، لذلك لم يتساهلوا فيه كثيراً، تشدَّدوا فيه جداً، وسفك بعضهم دماء بعض بهذا العنوان، أي أنهم ارتَدوا!
خطر لي أن أقول كلمة الآن، أشعر بالرثاء، لا أقول بالإحباط، لو كنت مُحبَطاً ما كملت اليوم ولا أتيت، لهجرت هذا المنبر، لست أُحبَط إن شاء الله تعالى، وأسال الله أن يُعطيني ويُعطيكم قوةً من لدنه حتى لا يتخوَّننا يأس وملل وإحباط، لكنني أشعر بالرثاء لإخواني وأحبابي في الدين والملة الذين يُحِبون أن يستخدموا كلامي وخُطبي ومقولاتي للتشامت، ليشمت بعضهم ببعض، أقول لكم لا تتشامتوا لأنكم كلكم موضع شماتة، لا أُحِب من أخي السُني أن يشمت بأخيه الشيعي، لماذا؟ قد يقول هناك مذابح يا أخي يعملونها في أهل السُنة، وأنت أيضاً ارتكبت مذابح عبر التاريخ، السُني ارتكب مذابح، والشيعي الإمامي الاثنا عشري ارتكب ويرتكب الآن مذابح، والزيدي ارتكب المذابح، والسُني ضد السُني ارتكب المذابح، تاريخنا تاريخ مذابح طبعاً، وهنا قد يقول لي أحدهم نحن الجعفرية، أين هذا؟ ثم يغضبون، وهذا شيئ غريب جداً جداً جداً يا أخي، يا أخي الله بالله عليك انتبه، والله أنا التزامي ليس بالطائفي وليس بالمذهبي وليس بالسياسي، التزام كثير من الناس اليوم بالسياسي، أي بحسب الأولويات السياسية، لكن حاشا لله أن يراني مُلتزِماً بالسياسي، أنا مُلتزِم بالإنساني، أي بالشأن الإنساني، وحين التزم بالإنساني أعلم أنني أتطابق مع الالتزام بالإسلامي، الإسلامي في فهمي – كما أفهم ديني وقرآني ونبيي – يتطابق تماماً مع الإنساني، وكل ما خرج على الإنساني أعلم أنه ليس إسلامياً، أعلم أنه ليس من ديني وإن أُدخِل فيه بضرب من ضروب الافتراء والتغرير والتأويل، قال تعالى وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ۩، افتروا وصدَّقوا، وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ۩، وسوف أُفصِّل هذا في الفقرة المُقبِلة بإذن الله تعالى، كيف افترينا وصدَّقنا ثم اغتررنا بما افترينا، نسأل الله أن يكشف عن أبصارنا وبصائرنا الغمة والحجاب. اللهم آمين.
حدَّثتكم مرة عن المذابح التي يجوز أن تُلقَّب بالمليونية التي ارتكبها الشاه إسماعيل الصفوي لكي يُوطِّد للمذهب الاثنا عشرية، ارتكبها في حق أهل السُنة والجماعة، الرجل قتل زهاء ثمانمائة ألف، شيئ مُخيف مُرعِب، فعل هذا بإسم المذهب الشيعي وبإسم أهل البيت وحب أهل البيت، أهل بيت منك براء يا إسماعيل، يا إسماعيل يا مُجرِم أهل البيت منك براء، عليٌّ منك براء، أنا أعلم هذا، وليس هو ولا أمثاله أولى بعليّ مني ولا من أي مسلم صادق والله العظيم، قال الله إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ۩، وأنا أقول لكم كل شخصية عظيمة مُكرَّمة في تاريخنا بدءاً من رسول الله المُقدَّس عليه السلام – رسولنا هذا – مروراً بالراشدين وغيرهم الأولى بهم الأتقى والأكثر التزاماً واتساءً بنهجهم وبقدوتهم، ليس الذي ينتسب إليهم وليس الذي يحمل عنوانهم، تحمل عنوان عليّ وعليّ منك براء، عليّ – عليه السلام – سبوه في وجهه، عليّ سبوه وهو أمير المُؤمِنين في وجهه، فأراد بعضهم أن يبطش بالساب وهو ابن الكواء، فقال لا، اتركوه، إنما هو سبٌ بسب أو عفوٌ عن ذنب، وقد عفوت عنه، هذا عليّ طبعاً، أعرف أن عليّ يفعل هذا، مثل محمد نبيه وأخيه الذي يفعل هذا، هذا هو طبعاً.
المُوحِّدون أذاقوا المُرابطين الأمرين والألاقي والمرائر، يُقال ذبحوا منهم مليون، وهذا سُني وهذا سُني، والمذهب الجامع كان أصلاً المالكي، لكن شاع المذهب الظاهري كثيراً في الفترة الأخيرة في المُرابطين، ما معنى ظاهري؟ هل الظاهري زنديق؟ قُتِلوا، يُقال مليون، سُني يقتل مليون سُني، ماذا فعل الشوافع في الري بالأحناف؟ ماذا فعل الأحناف بالشوافع؟ ماذا فعلوا جميعاً بالإمامية الاثنا عشرية؟ حدَّثتكم في خُطبة دماء رخيصة عن الدماء، واليوم أُحدِّثكم عن إخواني الزيدية من حبي واحترامي لهم كشأن سائر المسلمين بفضل الله تبارك وتعالى، الزيدية أيضاً لم ينج – وإن كانت بفضل الله هذه مرات منزورات جداً وهذا يُشهد لهم به – تاريخهم من أن يتلطَّخ بالمذابح أيضاً، فالإمام عبد الله بن حمزة – رحمه الله وغفر له – ارتكب مجزرة في حق المُطرَّفية، وهم فرقة من فرق الزيدية الهادوية، بالعكس الذين أحيوا تقريباً على مُستوى الوعظ والإرشاد والتعليم مذهب الهادي – الهادي بن يحيى بن الحسين مُؤسِّس الدولة الزيدية الأولى – هم المُطرَّفية، وقعت اختلافات، شيئ منها في فروع العقيدة وفي الإحلال والاستحلال لكن هذه مسائل لن أُصدِّعكم بها، على كل حال المُطرَّفية أيضاً بحسب مبلغ علمنا ظُلِموا، ونُسِبَ إليهم من وجوه الاعتقاد ما هم منه براء، لكن كتاب البرهان الرائق هو ما بقيَ من الكتب التي تدل على مذهبهم الكلامي وتُؤكِّد أنهم راء من أكثر ما نُسِبَ إليهم بفضل الله تبارك وتعالى، هم عندهم عقيدة إسلامية في نهاية المطاف، عقيدة الإيمان والإسلام، وهذه خلافات فلسفية أو عقلية، لكنهم اختلفوا مع الإمام عبد الله بن حمزة – رحمه الله – في مسألة الإمامة وأن ليس من شرطها أن تكون في البطنين – في نسل الحسن والحسين – فمن المُمكِن أن تكون في عموم المسلمين، وشرطوا فيها شروطاً صعبة جداً في العلم والزهادة والعمل والاجتهاد والجهاد، حتى قال الإمام المنصور عبد الله بن حمزة هكذا أعدموا الإمامة، لن يكاد يُوجَد إمام بهذه الطريقة، على كل حال وقعت خلافات فكفَّرهم، في البداية ناظرهم، فلما لم تُفلِح المُناظَرات والمُجادَلات كفَّرهم، ثم استحل دماءهم وعاملهم مُعامَلة المارقين والكفار المُحارِبين، فأمر هذا الإمام الجليل – غفر الله لنا وله – الذي هو من نسل رسول الله ومن الدوحة النبوية الطاهرة بقتل المُقاتِلة وسبي النساء والذراري ولم يقبل توبتهم، قال ولا أقبل توبتهم، إلا مَن كان منهم عالماً، لأنه إن كان عالماً بالدين وبطرق الاستدلال ومجاري النظر استطعنا أن نتبين صدق توبته من كذبها، أما غير العالم فكيف نعرف؟ هذا جاهل فيُقتَل، وقتل منهم مقتَلةً عظيمة، مَن يُدافِع عنهم إلى الآن وما إلى ذلك قالوا قتل مائة ألف، وأما الذين يُدافِعون عن الإمام قالوا هذا الكلام كذب وغير صحيح، ويذكرون أرقاماً أقل من هذا بكثير، الله أعلم بالحقيقة، لكن أنه كفرَّهم مكتوب في كتبه، كفرَّهم في رسائله، كفَّر مَن لم يُكفِّرهم من الزيدية في كتبه، وهذا شيئ فظيع ومُخيف، وماذا بعد الكفر إلا القتل؟ وقتل واحد مثل قتل عشرة آلاف، لأنك كفَّرته فأبحت دمه، المسألة محلولة الآن وأصبحت واضحة، كيف؟ وهذا فصل شنيع حقيقةً وبشع في تاريخ إخواننا الزيدية، فهم لم ينجو من هذه الورطة، لم ينجو من هذه المحنة، لماذا؟ سوف نرى لماذا، ولذلك يا إخواني لا تتشامتوا، بالله عليكم لا تتشامتوا، لا أحب أن أسمع أخي السُني وهو يشمت بأخيه الشيعي، ولا أحب أن أسمع أخي الشيعي وهو يشمت بالسُني وبالوهابي وما إلى ذلك، أقول له لا، كل أحد عنده بلاويه، وطبعاً حتى إخواننا الوهاية قاموا بمائتي وخمسين غزوة، غزوات المُوحِّدين، وهى ضد مَن؟ ضد المسلمين، في بلاد العُرب والمُسلِمين غزوات، غزوات يُقتَل فيها المُسلِمون وعبَّاد القبور وما إلى ذلك، شيئ لا يُصدَّق يا إخواني، ويُسمونها الإخوة الوهابية – أتباع الشيخ محمد عبد الوهاب رحمة الله عليه وغفر الله لنا وله – غزوات، ما هذه الغزوات؟ أيحدث هذا في مُسلِمين؟ ما هذا التاريخ؟ ما هذه العقلية؟ إلى متى سنبقى هكذا؟ إلى متى؟ فلا أُحِب هذا، ولا أُحِب أيضاً من أخي الشيعي أن يأتي وينتقد أشياء عند السُني ويتهمنا بالخرافات ويتحدَّث عن البخاري وما إلى ذلك، أقول له والله لا نفعل هذا – أقسم بالله ويشهد الله – حرصاً منا على توحيد كلمة المسلمين، لا نُريد لقلوبنا أن تستوحش، لا نُريد لمُخطَّطات الأعداء أن تنفذ فينا، أقول له بالله عليك عُد أنت إلى مذهبك، والله عندك من الخرافات ومن البلاوي ما الله به عليم، وأنا أُقسِم بالله على هذا، وأنت تعرف هذا، حتى في أشياء أساسية في اعتقادك عندك بلاوي وخرافات عجيبة وغريبة من نوعها، فلا تُعيِّرنا يا أخي، لا تُعيِّرنا ولا تشمت بنا فيما أنت لست منه براء، الله يُحِب العدل، قلنا لكم مائة مرة المُصلِح الحق أو التنويري الحق هو الذي يعطف على نفسه فينقدها أولاً، انقد نفسك أولاً قبل أن تنقد الناس، لا تنظر إلى القذاة في عيني وتغفل عن الجذع في عينك كما قال عيسى عليه السلام، أليس كذلك؟ أُحِب للكل هذا، مَن أراد أن يُطالِع وجه الحقيقة فليتصف بهذه الطريقة من حب الحقيقة، ممنوع أن تأكلك العصبية والطائفية والمذهبية، أنا أقول لك هذا يُزري بعقلك.
في سنين خلت انشقت عقيرتي وأنا أصرخ لما يُصيب إخواننا الشيعة في العراق من مصائب التكفيريين واللاوي الحمراء والزرقاء، أليس كذلك؟ من سنين وأنا أصرخ هنا، اليوم أشتهي وأُريد أن أرى شخصاً مثلي في إخواننا الشيعة يصرخ لما يُصيب السُنة في العراق، لما يُصيب نساءهم ورجالهم في السجون مما تعلمون، أُريد أن أرى مَن يصرخ ويُنكِر هذا، إذا كان موجود فلله الحمد والمنة لكن أنا لم أسمعه، أنا كعدنان لم أسمعه، أُريد أن أسمع هذا، ومرة أخرى أيضاً حتى أُبرِّيء ذمتي أمام الله – عز وجل – وأمام نفسي حتى يستريح ضميري أقول ما الذي جر حزب الله الذي له تاريخ مُشرِّف من النضال ومُقارَعة عدو الأمة الأول إلى المُستنقَع السوري؟ لماذا يا حزب الله؟ هذه كلمة، كلمة إنسان ليس مُبغِضاً ولا عدواً، لكن ناصح أمين مُلتزِم بالإنساني وبالحقيقة وبالإسلامي، هل تظنون أن الجيش السوري وهو يعد بعشرات الألوف يحتاج إلى ألف أو ألفين إلى حزب الله؟ لا يحتاج، أنا أقول لكم لا يحتاج، هذا منطقي أنا، هكذا أفهم الأشياء، وأعلم أنه لا يحتاج، حزب الله ليس عنده صواريخ سكود Scud، ليس عنده الميج Mig، أليس كذلك؟ ليس عنده الدبابات، الجيش السوري قادر أن يُبيد سوريا ومَن فيها عشرات، ولكن هو يفعل هذا بالمُقطَّع وبالمُفرَّق، يفعل هذا بالتدريج لوجود المُجتمَع العالمي، أليس كذلك؟ يُوجَد مُجتمَع عالمي ودول وتوازنات وإن كانت غير مُتوازِنة، فما الذي جر رجال حزب الله إلى سوريا؟ أنا أقول لكم الطائفية، الالتزام الطائفي، وبالأحر ليست الطائفية بمقدار ما هى السياسة، لابد أن نكون واضحين، السبب هو السياسة وإملاءات السياسة، يا ليت بقيَ حزب الله مُلتزِماً بمُقارَعة العدو المُشترَك للأمة فقط وأبى أن يتورَّط هذه الورطة البشعة، أليس كذلك؟ اترك هذه البشاعات للجيش السوري، هو يقوم بها على أحسن وجه – ما شاء الله – ولا يلوي على شيئ، بالصواريخ تُضرَب مُجمَّعات سكنية، أليس كذلك؟ بالصواريخ يا أخي التي تُضرَب بها دول يُضرَب بها أُناس وادِعون في مُخيمات سكنية، يُضرَبون بها في ملاجئهم، ويدخل إخواننا في حزب الله معهم، لماذا يا حزب الله؟ هذا عتب، وعتب مر وشديد، أسأل الله أن يسمعوه وأن ينفعهم الله به إن نفع، ولكن كما قلت لكم نحن لم نتعلَّم إلى الآن أن نبلغ ما أرادنا القرآن أن نبلغه من التجريد في فهم القيم العُليا والمباديء الأُس لكل إنسانية مُمكِنة ولكل إنسانية مطلوبة، لا يهمني لا شيعي ولا سُني ولا صوفي ولا أشعري ولا وهابي، هنا يهمني كرامة الإنسان وحياة الإنسان، قال الله مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ۩، أُريد أن أُنصِف ديني، لا أُريد أن أُسعِد السياسة، أنا أقول لكم تباً لهذه السياسة، ما عادت تعنينا، هل تعرفون لماذا؟ بكلمة واحدة أقول لحزب الله ولسوريا ولأعدائهم ولأوليائهم أنها ما عادت تنفعنا، هل تعرفون لماذا؟ ما عادت تعنينا، هل تعرفون لماذا؟ لأننا – من غير حلف ومن غير يمين – آحاد وتفاريق لن نُفلِح حتى في السياسة، أنا أقول لكم هذه المنطقة – الشرق الأوسط – حين نتحرَّك فيها ونُقبِل ونُدبِر آحاد وتفاريق سنُؤكل جميعنا، لن ينفعنا هذا، ولن تنفع في النهاية قوة إيران ولا دعم إيران، نحن نتحرك آحاد فافهموا، هذه المنطقة الخير لها كل الخير أن تتحرَّك إقليماً، أن تتحرَّك منطقة مُوحَّدة، وعندنا من المُشترَكات ما يحسدنا عليه العالمون – والله العظيم – لغةً وديناً وتاريخناً وآمالاً وآلاماً، فما الذي أخذنا عن السبيل؟ إلى أين يُذهَب بنا بإسم الدين؟ يا ليت – مطلب عزيز هذا الآن – أن تُمارَس السياسة بالسياسة وأن يُخاض السياسي بالسياسي، اتركوا الدين على جهة، لا نُريد أن نُشوِّه الدين مزيد تشويه، كل شيئ تُدخِلوا فيه الدين، والدين يُثبِت للمرة الألف للأسف – ديننا طبعاً وليس دين الله ودين القرآن وإنما دين فهمنا وتأويلنا – أنه مطواع جداً بيد السياسة، قابل جداً للاستخدام، قابل جداً للتوظيف، قابل جداً لأن يُركَب، لا إله إلا الله، ما هذا الدين؟ اتركوا هذا الدين وحده، لذلك أنا بالنسبة لي – العبد الفقير عدنان – ما يهمني هو ديني ومُستقبَل ديني، هذه السياسات ما عادت تهمني، أعلم أنها ستفشل وستجر على الكل الويلات والله، أعلم هذا وكأنني أراه، ولكن أريد ديني أن يبقى دائماً مُنزَّهاً ويبقى دائماً مُقدَّساً ويبقى دائماً عفاً عن كل هذه الجرائم وهذه اللإنسانيات وهذه الوحشيات أو التوحشات والجاهليات، أُحِب هذا لأنه أعز ما يُطلَب وأعز ما بأيدينا وأعز ما شُرِّفنا وشَرُفنا به، هذا ديننا، فأنقذوا الدين من السياسة، ثم بعد ذلك أنقذوا الدين من الطائفية والمذهبية ومن هذه الأشياء التي شوَّهت مُحيا الدين وجهَّمت وجهه.
نعود إلى موضوعنا، إذن أولويتنان، أولوية لله – تبارك وتعالى – تعمل على الميدان القدري كما بيَّنا لكم وتعمل على الميدان الشرعي كما شرحنا لكم، واضح جداً أن الكافر شرعاً عنده الحق في العيش، أليس كذلك؟ عنده الحق في العيش، كحقه فيه قدراً، وهنا قد يقول لي أحدكم هذا كلام عادي، أنت لم تُضِف به شيئاً جديداً، وصحيح لم أُضِف به شيئاً جديداً، الآن انتظروا الجديد، أين يحدث الانكسار؟ أين يحدث الخلط ويبرز ويذر قرن الجريمة وقرن الجاهلية؟ حين تختلط أو تُخلَط عن عمد وتقصد أولوية الله بأولوية الإنسان، وهنا قد يقول لي أحدكم هل هناك أولوية للإنسان؟ نعم، أنا كإنسان الآن عندي أولوية، وهنا قد يقول لي أحدكم أنت أولوية الله، وهذا صحيح، أنا أولوية في مُخطَّط الله شرعاً وقدراً إزاء الحيوان والنبات والشمس والقمر والأرض والسماء وإزاء الاعتقاد ذاته، ما رأيك؟ عندي أولوية إزاء الاعتقاد وإزاء التوحيد، الشخص غير المُوحِّد يُمكِن أن يعيش شرعاً وقدراً، ممنوع أن تقتله، ينبغي أن يعيش، إذن الإنسان عنده أولوية، هذه أولوية الله، لكن أنا كإنسان – ليس كإنسان مُجرَّد الآن، ليس الإنسان وإنما إنسان كعدنان أو كسفيان أو كجون John أو كوالاس Wallace أو أي إنسان مُتعيِّن، أي الإنسان الفرد – عندي أولويات تختلف عن أولويات الله، وهذا أمر طبيعي، أنا لا أُدير الكون، أنا لست إلهاً أُدبِّر كوني، ولست مُشرِّعاً أُشرِّع للعالمين، عندي أولوية مُستمَدة من روح الشرع كفرد تختلف عن أولوية الله من جهة وتتفق من جهة، كيف إذن؟ أولويتي كإنسان فرد في رأسها الدين،الدين أهم شيئ عندي أنا، أموت من أجل ديني دون أي مُشكِلة، فالدين قبل الشهوة وقبل الأكل وقبل الشرب وقبل كل شيئ، ديني عندي أولوية يا سيدي، كإنسان مُتدين ديني أهم شيئ في حياتي، هنا يحدث الانكسار الآن فانتبهوا، هذا أهم شيئ في خُطبة اليوم، هذه نظرية مُهِمة جداً نستطيع أن نُؤسِّس بها لفلسفة في التسامح الإسلامي يا جماعة، نظرية قوية مُحكَمة وهى دينية قرآنية، يحدث الانكسار حين يظن الإنسان أن أولويته كفرد – ككائن فرد كما قلنا، كسين أو كصاد من الناس – ينبغي أن تكون أولوية الآخر أو أولوية العالمين، مثل ما ديني – وفي هذه الحالة هو الإسلام – أولويتي لابد أن يكون أولوية الدنيا كلها، هل أنت غير مُسلِم؟ ادخل في الإسلام بالقوة، ادخل فيه بالقوة وبالسيف وإن كنت كارهاً، هذا الكلام واضح أنه مُخالِف لمُخطَّط الله القدري، أليس كذلك؟ لذلك يفشل أو ينجح؟ بالحري يفشل، لابد أن يفشل دائماً، واستقروا تاريخ الدنيا كلها، استقروا تاريخ كل العقائد وكل الأديان وكل الفلسفات، أي دين وأي عقيدة وأي أيدولوجيا حاولت أن تفرض نفسها بالقوة على بشر دائماً كانت تُمنى بالفشل، دائماً تفشل، لكن دائماً أيضاً كانت تتلطخ بريحة الدم وبالجريمة، تتورَّط في قتل ألوف أو عشرات ألوف أو مئات ألوف أو ملايين البشر وفي النهاية تفشل، طبعاً لأن الذي يُغالِب الغلَّاب يُغلَب، الذي يُعاكِس خُطة الله في القدر قطعاً سيُغلَب، هل يستطيع أحد أن يجعل الشمس تُشرِق من الغرب؟ مُستحيل، هذا قدر الله عز وجل، كذلك أنت لا تستطيع أن تجعل الناس على قلب رجلٍ واحد وإن كان أتقى القلوب قلباً وهو محمد، لا تستطيع هذا، قال الله له أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ۩، وقال الله أيضاً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ – الله لم يشأ هذا – وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۩، إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ ۩، قال العلماء للاختلاف خلقهم، الله قدراً خلق البشر ليختلِفوا، هو أراد في قدره أن يختلفوا، وسمح لهم شرعاً أن يعيشوا إذا اختلفوا بين مُحِق ومُبطِل، وهذا لايعني أن الباطل أصبح حقاً، الحق حق والباطب باطل من منظور المُؤمِن، لكن لا تفرض هذا على العالمين، هذا منظورك، لك أن تنظر فيه، لكن لا تُجبِرني على أن أنظر من خلال خذا المنظور، أنا حر وسأنظر من منظور آخر، عندي الحق في الحياة، لكن هنا يحدث الانكسار، وهنا قد يقول لي أحدكم هذا لم يحصل، لكن هذا حصل، هل تعرفون لماذا؟ حصل على مذهب الذين قالوا الكافر يُقاتَل ويُقتَل لكفره، فهو حصل إذن، إذن هذا المذهب يُخالِف الله قدراً وشرعاً، يُخالِف الله قدراً وشرعاً، وهنا قد يقول لي أحدكم أن الجمهور لم يقل هذا، هذا مذهب الشافعي وهو إمامك، وفعلاً هذا مذهب إمامي وقد أخطأ أخطأ أخطأ، عفا الله عنه وأثابه وأحسن جزاءه ولكنه أخطأ أخطأ أخطأ، وهذا ضد المُحكمَات في هذه المسائل، فإذن قد يقول لي أحدكم هذا مذهب إمامك وليس مذهب الجمهور، وأنا أقول له لكن الجمهور – جمهور السُنة وجمهور الشيعة وغير الشيعة والمُعتزِلة – للأسف الشديد عملياً صدروا عن نفس المنطق، يُقال هؤلاء ابتدعوا بدعة كفَّرناهم بها، إذن هم كفروا والآن جاء حد المُرتَد، وهذا الحد ابتدعوه في الدين، القرآن فيه أزيد من مائتي آية تُقرِّر حرية الاختيار ومسئولية الضمير، كل هذا شُطِب عليه بحديث وحديثين وثلاثة آحاديث، لم يُنزِّلوها منزلتها من الفهم والتأويل، ولها تأويل قريب لكن هذه مسألة ثانية، ولو أرادوا لفعلوا، لو أحبوا أن يفهموا الحقيقة لفعلوا، أنا يا أخي عندي عمارة – عمارة قرآنية – كلها تُقرِّر حرية الاعتقاد – عمارة كاملة من مائتي طابق – لكنهم نسفوا هذه العمارة بالديناميت الحديثي، بحديث وبحديثين وثلاثة نسفوها، قالوا حديث مَن بدل دينه وحديث لا يحل دم وإلى آخره، فنسفوها بحديثين أو ثلاثة وجعلوها كومة أحجار وتراب وأخشاب، وقالوا نحن انتصرنا للفقه الصحيح، أي فقه هذا؟ وهنا مُهِّدَت الطريق التي فيها قتلت الأمة بعضها بعضاً، الزيدي يقتل أخاه الزيدي، السُني يقتل السُني، السُني يقتل الإباضي، السُني يقتل الجعفري، الجعفري يقتل السُني، شيئ غريب، لعنة عبر التاريخ، طبعاً بعض الناس يتحدَّثون ويظنون أن تاريخنا خالٍ من المذابح المليونية، للأسف هناك مذابح مليونية، هذه وصمة ما كنا نعرفها نحن، كنا نظن فقط أحمد بن حنبل جُلِد وابن تيمية مات في السجن والحلَّاج صلبوه وفلان فعلوا به كذا وكذا، فكان الأمر يتعلَّق بواحد أو اثنين أو ثلاثة أو عشرة أو عشرين، لكن اتضح أنه يتعلَّق بمئات الألوف وأحياناً ألف ألف، وعلى يد مَن؟ على يد المُوحِّدين أنفسهم، على يد المُسلِمين، هذا نتصامم عنه ونتعامى وكأنه لم يقع في تاريخنا، والآن يقع بشكل أو بآخر، ولا يزال مُرشَّحاً لمزيد من الوقوع، ما أرادنا أن نفهم المسألة، وإلا الكافر الأصلي عنده الحق والمُرتَد عنده الحق أن يعيش أيضاً، ما دام ليس مُحارِباً وكافاً يده عني هو حر، الدين لا يكون بالإكراه، قال الله لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩ وليس لا إكراه على الدين، قالوا هذا طريق ذو اتجاه واحد – Einbahn – تذهب منه ولا تعود، عندك الحق أن تدخل في الدين بالحرية، إذا لم تُرِد أن تدخل ابق على كفرك، لكن إذا دخلت وخرجت سنقطع رأسك، مثلما قال أحد المُفكِّرين الهنود – مُظفَّر – هذا يعني أنها مصيدة فئران – Rats Trap – فأنت دخلت ونحن أمسكنا بك، ومثلما قال أحد الشيوخ في مصر دخول الحمام ليس كالخروج منه، قلت يا سلام على التمثيل، مثَّلت للإسلام بالحمام، هل هو حمام نسوان أو حمام أطفال؟ غير معقول يا أخي، قال دخول الحمام الحمام ليس كالخروج منه، هل هكذا أصبح الإسلام؟ والآخر قال كأنه مصيدة فئران Rats Trap، تدخل ولا تخرج لأنه طريق ذو اتجاه واحد – Einbahn – وانتهى الأمر، ما هذا التفكير العجيب الغريب؟ الله لم يقل لا إكراه على الدين، لو قال لا إكراه على الدين لقلنا هذه مصيدة فئران، لكن الله قال لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، أي في الشأن الديني كله مُبتدأً ومُنتهى وأثناء، أي في كل شيئ، أنا أقول لك حتى القرآن الكريم قال عن الناس – وهم أفراد – الذين منعوا الزكاة أنهم يُعاقَبون بعدم أخذ الزكاة منهم، فهؤلاء لا يُقتَلون، لكن هؤلاء أفراد فانتبهوا، هناك فرق بين شخص يمنع الزكاة وبين جماعة تحيَّزوا ويمنعوا الزكاة فأصبح هناك تمرد حقيقي على الدولة وعلى سُلطة الدولة، هذا افتئات، هؤلاء يُقاتَلون مثل ما فعل سيدنا الصدّيق، وللأسف إخواننا الشيعة غير راضين عن الذي فعله الصدّيق، فقط لأن الصدّيق فعل هذا، لو عليّ – عليه السلام – كان في هذا الموقف لفعل نفس الشيئ، ممنوع أن تعيش في دولة إسلامية وتتمرَّد على القانون، هل يقدر الآن أهل الحي العشرين – مثلاً – في فيينا على أن يمتنعوا من أداء الضرائب؟ ستُحاصِرهم الشرطة والجيش بعد ذلك ثم يُقادَوا للمُحاكَمات وربما يُقتَل منهم مَن يُقتَل إذا رفع السلاح، أليس كذلك؟ هذه قوة القانون، لكن لو وُجِد شخص لا يُريد أن يُؤدي الزكاة فإنه لا يُقتَل في رأي جماهير العلماء، ورأينا هذا في سورة التوبة، الله أراد أن يُعاقِبهم، قال الله وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ ۩، قال لن نأخذ منهم الزكاة بعد ذلك، هذا عجيب، هل هذا عقاب؟ هذا عقابهم، عقابك يمثل في أننا لن نأخذها منك الزكاة، لو جئت وبكيت لن نأخذها منها، سنقول لك خُذها لك، لن نُطهِّرك أيها الفاسد الوسخ المُحِب المال، أرأيت؟ هذا هو، قال الله لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، لكن هذا يختلف عن مسألة تحيزجماعة مثل المُرتَدين، والمُرتَّدين كانوا صنفين، هناك أُناس ارتَدوا عن الإسلام كله وأرادوا استئصال شأفة الإسلام والدولة، وهناك أُناس لم يرتَدوا عن الإسلام لكن فقط امتنعوا من أداء الزكاة للدولة المركزية، وأنا أقول لك لا تُوجَد دولة تقبل بهذا، ترضى بهذا أو لا ترضى هذه هى الحقيقة، لا تُوجَد دولة تقبل بهذا، الدولة تبسط سلطانها لكن هذه مسألة ثانية وهذا ملف آخر على كل حال، لكن قال الله لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، إذن يحدث الانكسار حين يأتي الإنسان الفرد منا – مثلي ومثلك – يفرض أولويته بإزاء أولوية الله، يا أخي الله يقول لك عنده الحق يعيش، والله يقول لك ممنوع أن تُقاتِله من أجل عقيدته، ومع ذلك تقول هو مُبتدِع ضال ووقع في الشرك، هو حر ليس لك عليه أكثر من أن تقول له أنت مُشرِك، أنت أشركت يا أخي، وتثبت له هذا، تقول له هذه الأفعال أفعال شركية، قال الله وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ۩، ومُحال أن محمداً يُشرِك لكن الخطاب لنا نحن بالذات، أليس كذلك؟ قال الله يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ۩، إذن الله هنا قال إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ۩ ولم يقل إذا طلقت، فالخطاب لنا إذن، على كل حال هذا هو، نحن يُمكِن أن نُفهِمهم هذا ونقول لهم هذا شرك يُحبِط العمل ويُفسِد صالح العمل فانثنوا عنه وإلى آخره، أما أن نقتل في الناس ونقول لأنهم ارتَدوا فهذا غير صحيح، أي إنسان عنده عقيدة وعنده فكر لا يُقتَل، الفكر يُحارَب بالفكر، الأمة لم تشأ أن تفهم الأمر على هذا النحو، وفرَّقت بين كافر أصلي وكافر طاريء، واستحل بعضها دماء بعض بهذه الحيلة – بحيلة الردة وأحكام المُرتَدين – وأتوا بأشياء تُخالِف كتاب الله على طول الخط، قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِيْنِهِ – ماذا؟ – فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّوْنَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ۩، ما معنى الآية؟ معناها أنت حين ترتد يضعف جانب المُسلِمين، والمُسلِمون كانوا في حال حرب، حين ترتد فإنك بردتك عن دينك تخذل الأمة والدولة، أليس كذلك؟ الله قال لا تُوجَد مُشكِلة، سيُغني الله عنك ويُعوِّض منك، وسوف يأتي بقوم يحبنهم ويحبونه، أذلة، أعزة، يُجاهِدون، هذا هو معناها، لكنهم فهموها بمعنى آخر، قالوا يُجاهِدون بقتالك، وهذا غير صحيح، النبي لم يفعل هذا، وارتدوا في زمانه ولم يقتلهم، ما هذا الكذب على كتاب الله؟ الله لم يقل هذا أبداً، والله أعطى هؤلاء الفرصة المفتوحة ليفعلوا هذا، قال الله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا ۩، واضح أنه يُؤمِن ويكفر أكثر من مرة، ومع ذلك يعيش، لو قُتِل بعد ثاني مرة أو أول مرة ما عاش لكي يُؤمِن ويكفر ويُؤمِن ويكفر ويزداد كفراً، فالقرآن واضح جداً في هذه المسألة، لذلك قلنا مُناكَدة الله – تبارك وتعالى – ومُعارَضة الله في خُطته وفي أولويته القدرية والتشريعية دائماً تنتهي إلى الفشل، وأُحِب أن أُعيد مرةً أخرى وأقول درس التاريخ وفهم سُنن التاريخ والاجتماع بدرس التاريخ المحض أو بدرس النماذج القرآنية منه يكشف غرورنا بالعابر، أنا كسُني لو اغتررت بالعابر لاغتررت بكثرتي، ولقلت أننا الإسلام الأكثري، أنا أكثر، أنا مليار وثلاثمائة مليون، أليس كذلك؟ أخي الزيدي والشيعي أقل مني بكثير، لكن لن أغتر بهذا، أنا أُحِب أن أوالي الحقيقة وأن أُحدِّق في عيني الحقيقة، لا تهمني الكثرة والقلة، وأقول أيضاً للإخوة الآخرين لا تغتروا بالقوة، كأن تقولوا نحن الآن أقوياء ما شاء الله، نحن أقويا وعندنا دولة وعندنا سُلطة وعندنا صواريخ، أنا أقول لك هذا عابر يا رجل، درس التاريخ يكشف لك هذا العابر، اجعل التزامك بالإنساني زبالإسلامي، لا تلتزم بالعابر وبالوهمي وبالغرور، لكن أقول لكم هذا – والله – لا يستطيعه إلا مَن عشق الحقيقة وأحب القيم العُليا، هو لا يُحِب العابر والمكسب العابر، هذا لا يهمه، ولا يخاف أيضاً من الفشل العابر والخذلان العابر، أهم شيئ أن تبقى القيم، الله – تبارك وتعالى – في سورة البروج حدَّثنا عن جماعة من المُؤمِنين والمُؤمِنات أُحميَت بهم الأخاديد واشتعلت أجسامهم نيراناً – أصحاب الأخدود – ثم ختم الله السورة بقوله بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ۩، كأنه يقول لا تغتر ولا تُحبَط لأجل هذا العابر، أن يُحرَق الصادقون وأن يُقتَل المُخلِصون، بما أن المنهج محفوظ والقيم محفوظة ففي النهاية المنهج سينتصر والقيم ستنتصر، وهذا ما يحدث باستمرار، أليس كذلك؟ هذا ما يحدث باستمرار، لكن لماذا يُحدِّثنا القرآن هذا الحديث؟! هذه الكلمة مُخيفة يا إخواني، القرآن يُحدِّثنا هذا الحديث ليُدخِله في الحساب، أي في مُفردات حسابنا، كيف؟ إذا فهمت هذا ستُحاسَب يوم القيامة على هذا الفهم والإدراك، هذه ليست مسألة فلسفية ترفية، هذه مسألة لها وعي في صميم الوعي الإيماني، وأنت فهمت أنه كان ينبغي عليك أن تنحاز إلى القيم – كما قلنا – وإلى الجوهري، ولا تغتر بالعابر من سُلطة وقوة ونصر أو حتى خذلان وهزيمة، لكنك ما فعلت وآثرت أن تغتر فحسابك عند الله عسير، لأنك كإنسان لم تخدم في اتجاه الحق، إنما خدمت وعملت ونشطت في اتجاه السُلطة والقوة والنفوذ، نحن طلَّاب حق، لسنا طلَّاب نفوذ أو طلَّاب سُلطة، السُلطة شيئ آخر، وكل سُلطة تأتي بغير حق وبغير حقيقة نحن فيها زاهدون، لا نحترمها ولا نرغب فيها، والمفروض ألا نرهبها، لكن المُعظَم يرهب، لأننا خلقٌ ضعيف ومن ضعفٍ خُلِقنا.
سأختم هذه الخُطبة بمسألتين، في الخُطبة السابقة ذكرت أن أحد الشيوخ – لم أسمه على طريقتي بفضل الله تبارك وتعالى، لا أتورط في التسمية – ذكر أنه لا يعرف ما إذا كان الإخوة الإباضية لا يزالون على بعض أو على عقائدهم الكفرية، أليس كذلك؟ مثل رؤية الله في الآخرة وخلق القرآن، ذكرت هذا فاتصل بي أحد أحبابي وقال لي يا شيخ نُبِّهت على أنك أخطأت في هذا الموضوع، قلت له لماذا؟ قال الشيخ ما قال هذا، وإنما بعضهم عمل حيلة – Trick – وكتب هذا في العنوان، قلت له لا، هذا مُستحيل، ولو أقسمت فأنا غير حانث، أنا سمعت هذا بأذني رأسي، وأنا فعلاً مُتأكِّد، ولو باهلني أحدهم لباهلته والله، لكن للاستيثاق عُدت، فإذا بالشيخ لا يقول هذا، قال لا أدري ما إذا كانوا على بعض عقائدهم، لم يقل الكفرية، هذا غير معقول، جعلت أبحث في كل المقاطع ولم أجد شيئاً، هذا غير معقول، أنا سمعت هذا بنفسي يا أخي، نظرت فعلاً في أعلى المقطع فوجدت أنه كان مكتوباً الشيخ فلان الفلاني يقول لا أدري ما إذا كان الإباضية لا يزالون على بعض عقائدهم الكفرية، قلت إنا لله وحسبي الله ونعم الوكيل، أي أن هذه فعلها أحد الشانئين لهذا الشيخ، هذه حيلة ونجحت معي أنا، وهذا غريب، أنا مُتفطِّن جداً ومُهتَم أصلاً – مُهتَم حتى دراسياً وعلمياً – ببحث وفهم هذه المسائل لمعرفة كيف يُخدَع الدماغ وكيف يُضلَّل ومع ذلك ضُلِّلت ببساطة، كتب هذا في العنوان وأنا سمعت فخُيَّل إليّ تماماً دون – والله – أدنى شك أنني سمعت هذا بأذني رأسي من لفظ الشيخ يقول عقائد كفرية، الشيخ ما قال هذا، فأنا أستغفر الله وأستميحه عذراً، ولكن أقول لهذا الشيخ أيضاً ولأشياعه وأمثاله هذا نفس الأسلوب الخسيس الذي تستخدمونه وضد أمثالي أيضاً، هذا نفس الأسلوب، الزنديق عدنان إبراهيم يقول إبليس خيرٌ من الله، أستغفر الله العظيم، شيئ لا يُصدَّق، أنا أقشَّعر بدني حين رأيت هذا المقطع، ولم أستطع أن أدخل لأسمعه، لأنني أعرف أنني ما قلت هذا مرةً في عمري، ولئن قلته بعض مرة إني إذن لمن المُلحِدين الكافرين فعلاً، فلعنة الله على الظالمين، وهدى الله هؤلاء المُضِلين الضالين المشغوفين بالكراهية والمسكونين بالشر، ما هذا؟ سبحان الله، رمتني بدائها وانسلت، هذا نفس الشيئ، أنتم تستخدمون هذا الأسلوب الحقير، أن اليوم كنت أستطيع ألا أعتذر، لماذا أعتذر؟ لكن حاشا لله، قلبي لا يسمح لي، ضميري لا يسمح لي، علاقتي بالله لا تسمح لي، أخطأت في حق إنسان دون أن أُسميه لكن مُعظم الناس عرفوا مَن هو، فهنا سأعتذرمن على المنبر نفسه، الآن أنا أعود إلى بيتي مُرتاحاً، لم أظلمه، لا أُحِب الظلم، وأني لأرجو الله – تبارك وتعالى – أن ألقاه – عز وجل – سعيداً هنيأً وليس لأحد في عنقي مظلمة، لا من عِرض ولا من مال ولا من أي شيئ بإذن الله تبارك وتعالى، هذا – والله – ما أرجوه، وأرجو أن يتعلَّموا هم ألا يظلموا الناس لئلا يُظلَموا، بنفس الأسلوب الخسيس تم تضليلي أنا، فبالحري أن يُضلَّل أيضاً آخرون، وهكذا يُضلِّلون الناس عن حقيقة ما نقول وينسبون إلينا ما علم الله وملائكته والخلق المُنصِفون أجمعون أننا منه براء أولاً وآخراً، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩.
قبل أيضاً يوم أو يومين قرأت خبر مرض العلَّامة المصري الكبير – أينشتاين Einstein العرب إن جاز التعبير – أحمد زويل، لا ندري ما الذي أَلَمَّ به، فنحن هنا من هذا المنبر نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفيه بشفائه وأن يُداويه بدوائه وأن يُغنيه بفضله عمَن سواه، لماذا؟ أنا أقول لكم ملايين منا حين يمضون لا يشعر أحد بمضيهم، لا يفدحنا مضيهم، إن مضى مثل زويل فهى مُصيبةٌ فادحة، لأن كم مثله؟ كم مثل هذا العقل الذي يُمكِن لو استُغِل استغلالاً لائقاً ووُظِّف توظيفاً سليماً أن ينتشلنا من بعض تخلفنا العلمي والتقني؟ هذا الشخص مجموعة عبقريات في شخص رجل واحد، فلذلك أسألكم أيضاً أن تدعوا له بظهر الغيب أن يمد الله في عمره وأن يبسط له في عمره أيضاً وفي عقله وفي عبقريته حتى تنتفع هذه الأمة، الأمة بحاجة لأمثال هؤلاء الأفذاذ.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، فيا فوز المُستغفِرين !
الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمدٌ – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – وعبادك الصالحون، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك وصفيك – صلى الله عليه وآله وسلم – وعبادك الصالحون، ونسألك ما قضيت لنا ما أمرٍ أن تجعله عاقبته لنا رشداً برحمتك يا أرحم الراحمين، أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها وأجِرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أجِرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أجِرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، حقِّق بالزيادة آمالنا وأقرِن بالعافية غدونا وآصالنا وأختم بالسعادة آجالنا وبالباقيات الصالحات أعمالنا وتوفنا وأنت راضٍ عنا واكفنا ما أهمنا من أمر دنيانا وأمر أُخرانا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات وتابع بيننا وبينهم بالخيرات إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (7/6/2013)
أضف تعليق