إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِوَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، و أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المباركين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً ۩ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ۩ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ۩ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا ۩ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ۩ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ۩ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ۩ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ۩ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ۩ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا ۩ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ۩ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
هذا السياق الكريم – وهو في الحقيقة سياقٌ غير تام، فنحن لم نُتِم ولم نُكمِل قراءة هذا السياق بطوله مُراعاةً لهذا الوقت الشتوي القصير – من سورة الإسراء يُمكِن أن ندعوه بآيات القانون أو بآيات الحقوق، لأن من الواضح أنها تُنظِّم الحقوق، والعجيب أنها ابتدأت بالأعظم حقاً وهو ذو العزة والجلال رب العالمين لا إله إلا هو – لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً ۩ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ۩ – ثم ثنَّى بحقوق الوالدين، ثم بعد ذلك ما سمعتم وما لم تسمعوا مما تعرفون من الآيات الكريمات في هذه السورة.
مسألة الحقوق مسألة مُشكِلة، ومسألة تداولتها علومٌ وفنونٌ شتى أشهرها الفلسفة والدين والقانون طبعاً، فالقانون بالذات لابد أن يتداول مسألة الحقوق، ولذلك يُسمى علم الحقوق، فعلم الحقوق هو علم القانون، كأنه مُقتصِرٌ على تنظيم الحقوق، المُشكِلة في لغتنا العربية المُعاصِرة ولنكن واضحين، لأن اللغة لا يُعجِزها هذا لكن العجز تطرق إليها من أبنائها، فالعجز الذي تعكسه هو عجزُ أبنائها وقلة قيامهم بما ينبغى إزاء هذه اللغة، بعض مُشكِلات اللغة العربية العلمية المُعاصِرة وبعض ما تُعاني منها أنها لا تُوضِّح مقاطع التمييز والتفريق بين نُطُق أو نطاقات مُختلِفة للحق، وبالتالي بين دلالات مُتميّزة للحق بحسب تميز النُطُق أو النطاقات، فكله حق، هذا حق وهذا حق وهذا حق، فيدخل الحق بالمعنى الفلسفي في الحق بالمعنى القانوني في الحق بالمعنى العرفي والأخلاقي، ويدخل الحق بالمعنى الحقيقي والحق بالمعنى الاعتباري وإلى آخره، فكله حق، لكن اللغات الأجنبية برئت من هذه العلة،لذلك أحياناً تُلاحِظون أن الذي يقرأ هذه المسائل بلغات أجنبية ويتعاطى معها ربما في سياق دراسات أو في جامعات أو وفق مُقرَّرات غربية أو غير عربية أنه يكون أكثر وضوحاً، فحين يتحدث تفهمونه جيداً، ويكون تفكيره أكثر استقامة في بعض المسائل، وهذا لا يعني أن التفكير العربي والتفكير الإسلامي غير دقيق، ولكن هذا يعني أن هناك مُشكِلة في اللغة، وأنت مُضطَّر أن تُفكِّر عبر اللغة.
في الحقيقة تأتيني أسئلة كثيرة من رجال ونساء، من إخواني وأخواتي، لكي يسألون عن هذه المسائل، كما أن هناك على ما يلحظ المُلاحِظ بعض الإشكالات في حقل الفكر الإسلامي غير محلولة بشكل واضح بحيث تكون قادرة ومُهيأّة لتوجيه فكر الجمهور وفكر العامة، ومن ثم نرى هذا الذي يُقدِم على الاعتراض وذاك الذي يتمادى به الأمر – والعياذ بالله – حتى ربما يتورط في الاعتداء على حقوق الآخرين اعتداءً يصل أحياناً إلى حد القتل، ويظن أن لديه سناداً شرعياً وأنه يُحافِظ بل يقوم ويصدع بأمر الله – تبارك وتعالى – ويُنفِّذ أمر الله بيده المُجرَّدة أو بالقوة المُجرَّدة لأنه يُدافِع عن الحق، فيكاد يُجَن بعض الناس حين تُحدِّثه – مثلاً – أن من حق الناس أن يختاروا دينهم، يكاد يُجَن ويقول لك: كيف تكون عالماً مسلماً أو مُفكِّراً مسلماً وتقول من حق الناس أن يكفروا؟ وهل الكفر حق؟ وهل بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۩؟ وهل قابل الحق في كتاب الله إلا الظنون والأباطيل؟ قال الله إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ ۩ وقال أيضاً لِيُحِقّ الْحَقّ وَيُبْطِل الْبَاطِل ۩ فضلاً عن أنه قال وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ ۩، فهذا حق وهذا باطل، هذا حق وهذا ظنون وتظنيات وتخرصات، فكيف تقولون هذا والأمور واضحة؟ أنتم زنادقة وأنتم علمانيون وأنتم مدخُولون وأنتم مدسوسون وأنتم تُريدون أن تُخرِّبوا الدين.
مع أن هؤلاء عليهم أن يسألوا أنفسهم قبل هذا السؤال: كيف أجاز القرآن العظيم نفسه – الحديث هنا ليس عن عالمٍ أو مُفكِّر، لكن لا يُوجَد لدينا وضوح – لغير المسلمين – على الأقل هذا الحد الأدنى ووقع عليه إجماع الأمة، فلم نقرأ لفريقٍ أو عن فريق من هذه الأمة المرحومة خالف هذا، فهذا يُوشِك أن يكون نصاً في القرآن العظيم لأن رب العالمين تبارك وتعالى وجل وعز هو الذي قاله – من أهل الكتاب – وعلى الأقل مرة أخرى لليهود والنصارى – أن يعيشوا سالمين وادعين وافرين أو موفورين في ذمة المسلمين وأن يكون لهم ما لنا وعليهم ما علينا؟!
القرآن سمح لهم إذن أن يتعبدوا الله بدينهم، والنصراني يعتقد أن الله – والعياذ بالله – أقنومٌ من ثلاثة أقانيم لأنه يعتقد بالثالوث، فهو يعتقد بأن عيسى – عليه الصلاة وأفضل السلام – هو ابن الله وهو نورٌ من نور وحقٌ من حق وهو إله، ومع ذلك القرآن قال لكم “ممنوع أن تتطرقوا إليهم بشيئ، اتركوهم وما يدينون”، لكن هذه العقيدة – عقيدة الثالوث وعقيدة اليهود أيضاً في أشياء مُعينة تتعلق بالله تبارك وتعالى – بنص القرآن الكريم حق أو باطل؟ باطل، بحسب منظور القرآن من أبطل الباطل، لكن كيف أوتيَ هذا الباطل فرصة أن يعيش؟ أُوتيَ هذا بكتاب الله تبارك وتعالى، قال الله حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ۩، فإذن يجوز، لكن لماذا وكيف؟!
المسألة مُعقَّدة، لكن هم يقولون لك: هذه مسألة حق وباطل، فكيف سُمِحَ لهذا الباطل أن يعيش؟!
اسأل نفسك هذا السؤال أولاً قبل أن تنخرط في مُشاداة مع أهل الفكر وأهل العلم وقبل أن تُنكِر وتُثرِّب لأن المسألة غير واضحة.
انظروا الآن إلى اللغات الأجنبية، هنا بالألمانية مثلاً يقولون Wahre بمعنى حق أو حقيقي ويقولون Wahrheit بمعنى حقيقة Wahrheit، وبالفرنسية يقولون Vérité بمعنى حقيقة أو حق، أما بالإنجليزية فيقولون True أو Truth بمعنى حقيقي وحقيقة ويقولون أيضاً Rirht بمعنى حق، ومنها أتت Human Rights أي حقوق الإنسان، علماً بأن Rirht بالإنجليزية تُساوي Rechte بالألمانية وهذا أمر عجيب، وتُساوي Droite بالفرنسية وهى تعني القانون أيضاً, لكن كيف يُترجَم هذا بالعربية؟!
حق، فهذا حق وهذا حق وهذا حق وهكذا، ومن هنا جاء اللبس عندنا، لكن عندهم لا يُوجَد لبس، فالأمور واضحة ولذلك لا يتورطون في مثل ما يتورط فيه بعض أحبابنا أو بعض أبنائنا بسبب سوء الفهم وبسبب تقصير أيضاً علماء اللغة وعلماء الفكر والتوجية لأن الرؤية عندهم ليست واضحة.
بقى لدينا نصف ساعة فقط في خُطبة اليوم والموضوع طويل جداً ومُعقَّد فنسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُعيننا على تبسيطه، فنحن نُريد أن نُبسِّطه وأن نُوضِّحه، فلو انتهينا إلى توضيح هذه المسألة بالذات بطريقة تُصبِح بيّنة للجمهور وللعامة ولغير المُتخصِّصين فإننا سنكون قد أحرزنا – إن شاء الله – كسباً لا بأس به، والله المُستعان.
الحق والحقيقة بينهما علاقة طبعاً واضحة جداً، وهى علاقة اشتقاقية وموضوعية، وكما ذكرت لكم يتداولها أو يتداوله – أي الحق – مبحث نظرية المعرفة في الفلسفة “الإبستمولوجي Epistemology”، فهو أكثر مبحث يتحدَّث عنه، لكن الفسلفة عموماً تبحث في ماذا ؟!
تبحث في الحق والخير والجمال، فالخير يكون في مبحث الأخلاق “الأكسيولوجي Axiologie”، والجمال في مبحث الجماليات “Ethics”، والحق الذي نتحدَّث عنه وهوعلم المنطق – Logic – ويكون في نظرية المعرفة “الإبستمولوجي Epistemology”، فيتحدَّثون عن الحق وعن الحقيقة بالمعنى الذي يُقابِل – علماً بأن كلمة يُقابِل تأتي بمعنى الضد، فيُقابِل لا تعني يُرادِف أو يُعادِل – الباطل والكاذب والمُتناقِض، والموضوع طويل وفلسفي لكن باختصار هم بحثوا وذهبوا وجالوا عبر القرون – هذه الجولات عبر قرون لفلاسفة كبار عظام – وأرادوا أن يُحدِّدوا بعض المعايير لتمييز الحق من الباطل والحق من المُتناقِض والحق من الكاذب، فما هو الحق؟ ما هو الـ True أو الـ Truth؟ ما هو الـ Wahre أو الـ Wahrheit؟
قالوا هناك معايير – Norms – مُعينة، والمعيار الآن هو معيار التطابق، بمعنى “إذا تطابق ما بالأذهان مع ما بالأعيان”، فأنت تعتقد أن الأرض كروية، فإن ثبت هذا بالدليل بعد ذلك فاعتقادك حق وعكسه باطل، فالذي يُؤمِن بأنها مُسطَّحة يكون مُبطِلاً لأن هنا يُوجَد تطابق، لأن فعلاً نحن علونا في أجواء الفضاء وصوَّرنا الأرض وفعلاً كانت كروية أو أشبه بالكرة غير تامة التكور، ولن نقول غير تامة الاستدارة لأنها ليست دائرة، على كل حال هذا حق، ومعيار التطابق هو تطابق ما بالأذهان مع ما بالأعيان، لكن ليست كل المسائل يُمكِن التحقق من المُطابَقة فيها بهذا المعيار البسيط، فيا ليت كل المسائل هكذا، لكن هناك مسائل ميتافيزيقية ومسائل مُعقَّدة ومسائل اعتبارية أخلاقية من الصعب أن تعرف فيها التطابق على هذا النحو المادي، وهذا ما يسمونه بمبدأ التحقق – Verification Principle – في فلسفة المنطق الوضعي أو التجريبية العلمية.
لن ندخل في الموضوع الفلسفي لأن هذا لا يهمنا أصلاً، ولكن من المُهِم أن نعرف أن الإبستمولوجيا Epistemology تتناول هذا الموضوع بهذا المعنى النظري وبهذا المعنى الفلسفي، فالحق هو الذي يُقابِل الباطل والمُتناقِض وغير الصادق وغير الحقيقي، وهناك عدة معايير، فالمعيار الأول هو معيار التطابق، وهناك مَن قالوا “معيار التطابق ليس شرطاً لأن عندنا معايير أخرى مثل معيار الوضوح”، علماً بأن ديكارت Descartes كان يأخذ بهذا المعيار الثاني وهو معيار الوضوح الذاتي، وكان يقول “هناك أشياء واضحة بذاتها، فالشيئ إذا كان واضحاً بذاته كان حقاً“، لكن من الواضح أن هذا المعيار أعرج وضعيف جداً، فكأين من شيئٍ يبدو لأهل عصر وأهل ثقافة وأهل معرفة واضحاً بذاته ثم بعد ذلك يُثبِت في عصر آخر أنه لم يكن كما كان يُظَن وأن الذي ظنوه واضحاً هو الباطل.
بما أننا تحدَّثنا عن الأرض وعن شكل الأرض فلابد أن نقول أنه كان في عصور سابقة يُظَن بشكل واضح جداً أن الأرض ثابتة وأن الشمس هى التي تشرق وتغرب وكنا نقول أننا نرى الشمس بأعيننا هى التي تتحرك لكن اتضح فيما بعد أن هذا باطل، فهذا الواضح جداً الآن ثبت أنه باطل جداً، مع أن إلى اليوم الموقف الطبيعي – يُسمى في الفلسفة بالموقف الطبيعي – يُؤكِّد صحة اعتقاد هذا الواضح جداً، أي أن الأرض ثابتة والشمس هى اللي تتحرك، لكن الحقيقة غير ذلك.
على كل حال هم يقولون أن المعيار الثاني هومعيار الوضوح الذاتي، وهناك معيار التناسق وعدم التناقض Consistency، بمعنى أن اعتقادك وإدراكك للشيئ يكون إدراكاً حقيقياً بحيث لا يُوقِعك في تناقض، وهذا يدل على أنك أدركت الحقيقة في الموضوع ذي العلاقة، وهناك معيار النفع العملي في الفلسفة البراجماتية – هذه فلسفة كاملة – الذي يقول لك أن أي شيئ له نتيجة عملية نافعة للمُجتمَع في الجُملة بالذات وليس للفرد بخصوصه يكون حقيقياً، فهو مثل الـ Cash-Value، فلابد من أن نتأكَّد الآن وهنا، وهذه هى الفلسفة البراجماتية التي أسماها أو نعتها برتراند راسل Bertrand Russell بأنها فلسفة نذلة، حيث قال “إذا كان الشيئ لا يكون حقيقياً إلا لمنفعة عاجلة وآنية فهذه فلسلفة نذالة، فالإنسان أركز من هذا وأعلم من هذا”،وعنده الحق طبعاً.
على كل حال مَن أراد وأحب أن يتوسَّع في هذا الموضوع فليذهب إلى مبحث نظرية المعرفة، فهذه فلسفلة كبيرة ومُهِمة، ففلسفة جون لوك John Locke – مثلاً – وديفيد هيوم David Hume وإيمانويل كانط Immanuel Kant كانت تبحث فقط في نظرية المعرفة، فكل ما كتبوه وكل ما فكَّروا فيه وكل ما نظَّروا له وقضوا حياتهم كلها وهم يُنظِّرون له كان في نظرية المعرفة تقريباً، علماً بأن قبل ذلك كان الاهتمام بهذا المبحث أقل، لكن الآن زاد الاهتمام به وخاصة في الفلسفة العلمية الآن لأن مبحث نظرية المعرفة مُهِم جداً.
إذن هذا هو الحق والحقيقة في الفلسفة، نأتي إلى القانون أو إلى الـ Droit والـLaw، أي إلى علم الحقوق، فما معنى الحق هنا؟
باللغة العربية هذا إسمه الحق أيضاً، وهذه هى المُشكِلة، لكن باللغات الأجنبية لا يُسمى بالحق، فله على كل حال إسم آخر لكن أنت مَن يُترجِمه ويُسميه حق، ومن هنا يأتينا هذا اللبس،
فما هو الحق في القانون إذن؟ وما معنى نظرية الحق التي يتحدَّثون عنها؟ فهناك مُجلَّدات في القانون تشرح الحقوق، والقانون – كما قلت لكم – هو علم الحقوق أصلاً.
باختصار الحق في القانون هو “وضعٌ قانوني للشخص الحقيقي أو الاعتباري – لأن من المُمكِن أن يكون شركة أو حزب أو غير ذلك، فليس شرطاً أن يكون شخصاً حقيقياً مثلنا وإن كان الأساس هو الشخص الحقيقي، لكن قد يكون شخصاً حقيقياً أو اعتبارياً – يُخوِّل هذا الشخص – أي قانونياً، فالتخويل قانوني أيضاً لأنه يتم بإسم القانون، وهناك قاعدة في القانون تقول أن منشأ كل الحقوق هو القانون، فلا حق خارج دائرة القانون، فأي شيئ لا يعترف به القانون كحق هو ليس حقاً حتى وإن كنت تراه كعادات وتقاليد، فهذه مُشكِلتك هذه، لكن هذا يُؤدي إلى سؤال كبير يتعلَّق بعلاقة القانون بالعادات والأعراف والتقاليد، وعلاقة القانون بالأخلاق، وعلاقة القانون بالدين، وعلى كل حال هذه مسألة ثانية لا أعتقد أننا الآن مُضطَّرون أن نخوض فيها لأنها لا تلزمنا في التفرقة وإن كانت مسألة مُهِمة من حيث هى –الاختصاص بمنفعة – المنفعة هى المصلحة، وبعض القانونيين يُعبِّرون عنها بالقيمة، لكن كلمة قيمة غير واضحة بالقدر الكافي ومن ثم سنقول منفعة أو مصلحة – أو مصلحة مادية أو غير مادية”، فمثلاً حقوق أبي علىّ وحقوق زوجتي وحقوق أبنائي وحقوق المُجتمَع علىّ تدخل في الحق القانوني طبعاً، أي تدخل في الحق بالمعنى القانوني، فإذن الحق هو وضع قانوني يُخوِّل للشخص الاختصاص بمنفعة، وليس شرطاً أن تكون مادية، فمن المُمكِن أن تكون مادية ومن المُمكِن أن تكون فكرية أو معنوية.
الحقوق في علم القانون تنقسم – كما تعلمون – إلى قسمين كبيرين: حقوق سياسية، وحقوق غير سياسية.
الحقوق السياسية هى التي يختص بها الشخص ويحتازها الشخص بمُوجِب كونه – أي بمُقتضى كونه – عضواً في هيئة سياسية، والمُجتمَع كله يُعتبَر أيضاً هيئة سياسية، فحق الانتخاب وحق الترشح وحق التشريع كلها حقوق سياسية، والحقوق السياسية بكلمة واحدة تعني حق الفرد في أن يُشارِك في إدارة الشأن العام بما يُتيحه له وضعه، مع التأكيد على جملة “بما يُتيحه له وضعه”، فهناك أشخاص في المُجتمَع عندهم الحق أن يصوتوا ولكن ليس لديهم حق الترشح، بل قد يترشح أحدهم إلى منصب مُعيَّن وليس إلى كل منصب، فحق أن يكون أحدهم رئيساً له شروط خاصة، وأكثر دساتير العالم – مثلاً – لا تُعطي هذا الحق للمُتجنِّس، وإنما تُعطيه لصاحب الجنسية الأصلية، أي إلى المولود في البلد وليس لمَن أتى من الخارج ثم تجنَّس بجنسية البلد، فأكثر الدساتير لا تُعطيه هذا الحق، وهذه المسائل يُنظِّمها القانون.
إذن هذه هى الحقوق السياسية، أما الحقوق غير سياسية فهى تنقسم أيضاً إلى قسمين رئيسين: حقوق عامة وحقوق خاصة.
الحقوق العامة هى المعروفة بالحقوق التي تجب للشخص – أي يستحقها الشخص – بمُوجِب ومُقتضى كونه بشراً وإنساناً، فهذه المسألة فوق الثقافة، فهى فوق الثقافة الفرانكفونية والأنجلو ساكسونية والعربية الإسلامية والشرق أوسطية وما إلى ذلك، فلا يهمنا هنا الدين أو اللغة أو العرق وإنما يهمنا الإنسان، فأنت إنسان إذن عندك هذه الحقوق، وهذه بتستند إلى ما يُسمى بالقانون الطبيعي Natural Law، فهذا هو القانون الطبيعي الذي يُرتِّب لك أشياء بُموجِب كونك إنساناً أو بشراً، فأنت ابن آدم وبالتالي لك هذه الحقوق، مثل الحق في الحياة.
وهذا الكلام جميل، فمن الجيد أن البشر انتهوا إلى فهم هذا وتقريره، وهذا ليس فقط موجوداً في ديباجة الإعلان العالمي وإنما هو موجود في كل الدساتير تقريبا، فالدساتير لا تتخطى القانون الطبيعي أبداً، بل بالعكس إذا لم يُنَص على حق من هذه الحقوق العامة في دستور من الدساتير فإنها تظل ثابتة للإنسان أيضاً ولو بدون نص، وعموماً كل الدساتير تنص عليها وتُؤكِّدها بدون أي نقاش، لكن حتى لو لم تُسنَّن ولم تُقنَّن ولم يُنَص عليها فهى ثابتة للإنسان، وهذا هو ما يُسمى بالقانون الطبيعي، وهذه هى الحقوق العامة، مثل حق الحياة وحق الحرية وحق الاعتقاد وحرية الاعتقاد وحرية الضمير وحرية إبداء الرأي، فكل هذه الحقوق هى حقوق طبيعية، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، ومن ثم قد يقول لي أحدكم “يا مُصيبة العرب والمسلمين، فإلى اليوم أكثر هذه الحقوق غير مضمون لنا”، وهذه مُصيبة طبعاً، فنحن نعمل ضد الطبيعة وضد فطرة الإنسان وضد الثقافة الإنسانية التي تُهيمن الآن على العالم والتي هى مُؤسَّسة فعلاً على مُلاحَظة أو لحاظ أو تلمح هاته الأسس لحقوق الإنسان، ومع ذلك نعمل ضدها بل ونُحاوِل أن نقتل وأن نُقيّد ونُصادِر ونمسخ ونُشوِه مُعظم هذه الحقوق التي تُسمى بالحقوق العامة.
فهذه هى الحقوق العامة إذن، أما الحقوق الخاصة فهى تنقسم إلى قسمين: حقوق تتعلق بالأسرة، وحقوق تتعلق بالأموال.
الحقوق التي تتعلق بالأسرة هى التي تثبت للفرد بمُقتضى كونه عضواً في أسرة وبحسب منزلته فيها، فما هى منزلتك في أسرتك؟ هل أنت زوج أم زوجة أم ابن أم أب أم جد أم غير ذلك؟
والمقصود بالأسرة الأسرة بالمعنى النووي وكذلك الأسرة بالمعنى المُمتَد Extended، أي العائلة الكُبرى، مثل عائلة حسنين وعائلة محمدين وإلى آخره،فالقانون يُنظِّم هذه الأشياء أيضاً.
وعندنا حقوق تتعلَّق بالأموال وتنقسم إلى ثلاثة أقسام بدورها: أولاً الحقوق شخصية وهى تتعلَّق بالالتزامات وتُسمى بنظرية الالتزام، وهى التي كتب فيها السنهوري مُجلَّدين كبار، وبعضهم كتب أكثر من هذا، وثانياً الحقوق العينية، وثالثاً الحقوق المعنوية أو التي يسمونها بالحقوق الفكرية.
فكل هذا يتعلَّق بالأموال، وكل هذا إسمه القانون، ففعلاً يبدو أن القانون يقتصر على دراسة الحقوق وتنظيم الحقوق.
إذن علينا أن ننتبه الآن إلى معنى أن كل أحد عنده الحق أن تُعقَد له الذمة، فهذا الحق مكفول لليهودي وللنصراني وكذلك مكفول لغير اليهودي ولغير النصراني بحسب بعض الاجتهادات لدى بعض العلماء الذين – ما شاء الله – توسَّعوا جداً والحق معهم، فكل أحد عنده الحق في المُجتمَع المسلم عنده الحق أن تُعقَد له الذمة، لكن علينا أن ننتبه أيضاً إلى أن هذا كان في المُجتمَع المسلم القروسطي، والآن وضعنا اختلفنا، فنحن كمسلمين بدأنا نعيش – الحمد لله – وننعم بالعيش في دول حديثة بالمعنى الحديث للدولة، أي التي الأساس فيها وخطوط الفصل فيها ليست الدينية والعقدية أبداً، فأساس الولاء فيها وأساس الانتماء وأساس احتياز الحقوق هو الوطن، فأنت تحصل على حقوقك لأنك ابن هذا الوطن، أي لأنك مُواطِن في هذا البلد، فالمُواطنية هى الأساس في هذه المسألة، وأعلم أن هذا قد لا يروق للبعض ولكن أنا أوضِّح كيف يعرض الفكر الإسلامي للمسألة، فهو يعرضها بهذه الطريقة، والعلماء قالوا “كل أحد عنده الحق أن تُعقَد له الذمة” سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو بوذياً أو هندوسياً أو غير ذلك.
وهفجر قنبلة لن تُرضي المُتشدِّدين – ما أحلاها من قنبلة – وقعت عليها بتوفيق الله، حيث أنني وقعت على نص حوالي ثلث صفحة جميل جداً لتلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية الإمام الكبير ابن القيم الجوزية – رحمة الله عليه – يُصرِّح فيه بطريقة واضحة أن المُرتَد عن الإسلام إذا كف ضره وكف أذاه وكف يده ولسانه ورضيَ أن يعيش محكوماً بقانون المسلمين – أي في ذمة المسلمين – ويدفع الجزية فلا مُشكِلة ويعيش بكل حرية، فأهلاً وسهلاً به، ولم يقل يجب أن يُقتَل المُرتَد وأن الرسول قال ومَنْ بدَّل دينهُ فاقتلوهُ.
هذا الموضوع طويل ولكي نبرر هذا الكلام هذا سوف نحتاج – كما أقول دائماً – إلى كلام طويل بل أطول مما تتخيلون، لكن باختصار ابن القيم انتهى إلى هذا، فيبدو أنه فكر مذهبياً وبطريقة نظامية كما يُسمى فرأى نفسه مُضطَّراً – في ظننا – إلى أن ينتهي إلى هذه الحقيقة الصحيحة، والله تبارك وتعالى أعلم، فكلها مُجرَّد اجتهادات لكن في ظننا أنها حقيقة صحيحة !
حتى المُرتَد – لا يقتصر الأمر فقط على اليهودي والنصراني والبوذي والهندوي وغير ذلك – الذي كان في الإسلام وتركه من حقه أن يفعل هذا، ولكن السؤال الآن: هل هذا من حقه؟ إذا قلنا أن هذا من حقه – كما قلت لكم – سوف يُجَن بعض الناس، لكن هذا من حقه أن يعيش مثلما هو من حق اليهودي والنصراني والبوذي والهندوسي أن يعيش يا رجل، فهذا هو فقك وهذا هو القرآن العظيم نفسه وهذه هىتصرفات محمد عليه السلام، صل الله على محمد وآل محمد، فما الذي يحدث إذن؟ ما هى مُشكِلتك أنت؟ أنت تأخذ الأشياء مُقسَّمة، فتُؤمِن بشيئ وتكفر بشيئ على غير مبدأ، لكن لو فكرت أيضاً تفكيراً نظامياً سوف تُصبِح من جماعتنا ومن مُعسكَرنا وسوف تقول أن الكل – والله – عنده الحق، ولكن الحق بأي معنى؟ هل المقصود هو الحق بالمعنى الفلسفي أم الحق بالمعنى القانوني؟
أولاً نحن لم نُكمِل بقية الفكرة، فما هى علاقة الفلسفة بالدين؟ سوف نرى الآن، لكن المُهِم هو نحن نتحدَّث عن الحق ولكن بأي معنى؟ هل المقصود هو الحق بالمعنى الفلسفي أم الحق بالمعنى القانوني؟
واضح أن المقصود هو الحق بالمعنى القانوني، فليس المقصود هو الحق الذي يُقابِله الباطل أو الذي يُقابِله المُتناقِض أو الذي يُقابِله الكاذب، وإنما الحق بالمعنى القانوني، فهذا الشخص له وضعية مُعينة تُخوِّله الاختصاص بمنفعة، لكن ما هى المنفعة هنا؟ المنفعة هنا أن يُمارِس حرية الدين، فيدخل الدين أو يخرج من الدين فيُبدِّل ويُغيِّر لأن الإنسان يتطوَّر فكرياً، فما المُشكِلة؟ هذا إنسان وهذا حق له، فحرية الضمير وحرية الاعتقاد – كما قلنا – من الحقوق العامة، فالمفروض أنها حقوق ثابتة للإنسان بكونه إنساناً، ولذلك ماذا قال المُفسِّرون العظام؟!
قالوا أن آية لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩ حاكية عن وضع تكويني، وهذا ليس تعبيري وإنما تعبير المُفسِّرين الكبار الذين فهموا الدين وليسوا الذين يلعبون بالدين وهم لا يفهمون شيئاً، فهم قالوا أن آية لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩ لا تحكي وضعاً تشريعياً وإنما تحكي وضعاً تكوينياً، فهل بمُقضى الخلقة والفطرة يُمكِن لك أن تُصدِّق ما لا تُصدِّق به؟ غير مُمكِن، فأنا كإنسان قد لا أُصدِّق شيئاً ما لأن قلبي لم يطمئن به، فهل سوف تذبحني؟ كأن يأتي لك رجل نصراني – مثلاً – مثلما كان يحدث في أوروبا هنا الكاثوليكية هنا حتى مع البروتستانت فيقول لك “تعال، لابد أن تُؤمِن بالحقيقة الدينية كما نُدرِكها نحن”، لكن أنت كبروتستانتي سوف تقول له أنك غير قادر على تصديق هذا الأمر، فهل يعني هذا أنك تُذبَح؟ هذا وضع تكويني، لذلك تكوينياً لابد أن يُترَك الإنسان حراً وما ارتاح إليه وما اختاره، لا ينبغي بأي مُبرَّر أن يُقتَل أو أن يُعرَض على السيف بإسم الدين، أي دين هذا؟ هذا لا خطأ ولا ينبغي أن يحدث، هذا ضد الحقوق العامة وضد الحقوق الفطرية وضد القانون الطبيعي.
نأتي إلى الدين الآن، ما هى معاني الحق في الدين؟!
نحن قلنا أن الحق تداوله كذا وكذا، وكذلك نفس الشيئ – سبحان الله – في الدين، فلو تأملت الموارد القرآنية الجليلة في كتاب الله تبارك وتعالى سوف ترى أن كلمة الحق تتكرر في مواراد تقريباً تلتقي مع – وأحياناً تُعادِل وتُرادِف – الحق بالمعنى الفلسفي، أي الذي يُقابِله الباطل والذي يُقابِله المُتناقِض والذي يُقابِله الكاذب، وبهذا المعنى الدين كله حق والقرآن حق والله حق، قال الله في سورة الحج ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ ۩، فالله طبعاً حق والرسول حق، قال الله في آل عمران وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ ۩، فالرسول أو الرسل بشكل عام حق، والقرآن حق وأُنزِلَ بالحق، قال الله وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ ۩، وهو مُشتمِل على الحق، فكل ما فيه حق، ووعد الله – البعث والنشور يوم القيامة – حق.
في حديث عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ في الصحيحين وعند الترمذي والنسائي ماذا قال عليه الصلاة وأفضل السلام؟!
قال “مَن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن عيسى عبد الله ورسوله – إذن الجنة حق والنار حق – أدخله الله الجنة على ما كان من العمل”، علماً بأن فيها تفسيراً مشهوراً، إذن على كل حال هذا حق، فالدين بهذه المعانى حق، لكن الحق هنا بأي معنى؟!
كما قلنا بالمعنى تقريباً المبحوث عنه في الفلسفة، أي الذي يُقابِله الباطل والغلط، لكن هل الحق هنا إنشائي أم خبري؟ واضح أن الحق هنا إنشائي حاكٍ عن قضية مُعينة وليس حقاً خبرياً، فهذه قضية تحكي عن شيئ وعن وضع مُعين، فهل الله موجود أم غير موجود؟ موجود لا إله إلا هو، ومَن الذي خلق الوجود؟ الله تبارك وتعالى، إذن الله حق، فالشيئ الثابت حقيقةً لا توهماً يُقال له حق، وهنا يُعبِّرون عنه بتعبيرات كثيرة، وأحياناً يُعبَّرون عنه بالواقع Reale، بمعنى هل هو واقعي أم غير واقعي، ويُعبَّر عنه أيضاً بـ True، بمعنى حقيقي، فهذا هو الشيئ الثابت في الحقيقة لا في التوهم، ومن المُمكِن أحياناً في بعض الموارد أن تُعرَف حقيقته أو حقانيته بمعيار التطابق الذي تحدثنا عنه فلسفياً، ولكن في أحايين كثيرة قد يكون غير مُمكِن، وعلى كل حال هذا موجود.
في كتاب الله – تبارك وتعالى وجل وعز – موجود الحق في آيات كثيرة بالمعنى الحقوقي وبالمعنى القانوني، ولذلك نحن تلونا اليوم هذه الآيات من سورة الإسراء، فهذه هى آيات الحقوق، قال الله وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ۩، فما هو حق ذي القربى واليتيم والمسكين وابن السبيل؟ الزكاة، قال الله وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُوم ٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ۩، فهل هذا هو الحق بالمعنى الذي يُقابِله الباطل والزيف والكذب أم هذا هو الحق القانوني؟ هذا هو الحق القانوني، فهذا حقٌ لـ على، هذا حقٌ لي عليك بمعنى أنه حقٌ عليك وواجب عليك، وفي علم القانون يُقال ما مِن حقٍ ألا يُقابِله واجب، وهذا الكلام يحتاج أيضاً إلى شرح قانوني، لكن هذا في كتاب الله كثيرٌ جداً، فالله – مثلاً – يقول وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ ۩، فمَن هذا الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ۩؟ المدين، أي الذي أخذ الدين، فهذا حقٌ عليه للدائن، إذن هو حقٌ للدائن وواجب على المدين، فهذا هو الفرق، علماً بأن اللغة العربية تُميّز بحسب ما يتعدى به الإسم أو الفعل، فهو حقٌ له وحقٌ عليه، فإذا كان عليك الحق فهذا هو الواجب، وإذا كان الحق لك فهذا هو الـ Right أو الـ Recht،وهذا موجود في كتاب الله تبارك وتعالى.
مُتعة المرأة المُطلَّقة حق من الحقوق في باب الأحوال الشخصية، فنحن قلنا أن عندنان في الحقوق حق يتعلَّق بالأسرة ويدخل في الأحوال الشخصية والمواريث، قال الله وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ۩، ثم قال بعد ذلك ببضع آيات وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ۩فالله ذكر أكثر من مرة الحق، ولذلك علينا أن ننتبه إلى أن القرآن هنا القرآن يتحدَّث بلغة قانونية ولغة إنشائية، فهذه أشياء يُنشئها مثل العقود واللغة المُستخدَمة في العقود، فالعقود موضوع قانوني أيضاً، علماً بأن المُعتبَر صيغته الإنشاء، فهذه المُعتبَر فيها صيغة الإنشاء مثل العقود، إذن هذا موجود في كتاب الله، فهذه الحقوق كثيرة جداً في كتاب الله – تبارك وتعالى – والآيات معروفة للجميع، لكن علينا أن ننتبه إلى السؤال الآن: عندما نقول من حق الإنسان أن يعيش وفق قناعته ووفق الدين الذي ارتضاه هل نحن هنا نصطنع أو نتوسل أو نستعمل لغة فلسفية ولغة نظرية ولغة عقدية وعلمية أم لغة قانونية؟!
نحن نصطنع لغة قانونية، ومن ثم لابد أن ننتبه إلى أنه لا ينبغي أن يهولنا ويهزنا أو يُجِّننا – كما قلت بتعبيري ربما المُبالَغ فيه – أنه كافر ومن حقه أن يكفر، ونحن قلنا لك اسأل رب العالمين، فالله قال أن عنده الحق أن يكون مُثلِّثاً وأن يعيش، فليس معنى أن عنده الحق القانوني أنه على حق أبداً، وهذا أمر يجب أن ننتبه إليه، فالآن لو سألت أي قانوني وقلت له هناك إنسان عنده ماله اكتسبه بطريقة مشروعة ودفع الضرائب ومُعلَن عنها هل من حقه أن يتصرَّف فيه كيف شاء؟ سوف يقول لك من حيث الأصل نعم هذا من حقه لأن هذا ماله وهو عرق جبينه وكد يمينه الذي كسبه، فمن حقه أن يتصرَّف فيه كما يشاء، كأن يُهديه إلى أصدقائه أو يُهديه إلى البلدية أو يُهديه إلى جمعيات تعاونية أو إلى الجامعات، فبحسب القانون يستطيع أن يفعل به أشياء كثيرة لأنه حر وهذا حقه، لكن من المُمكِن أن يتصرَّف فيه بطريقة خاطئة إذا القانون ما حظر هذا الشيئ، ومن ثم علينا أن ننتبه لأن هنا يأتي التداخل والتمايز أيضاً في دوائر القانون والأخلاق والدين، فلماذا يشعر الناس أحياناً أن الدين ضاغط عليهم بشكل أكبر بعض الشيئ؟ لأنه فعلاً الأوسع دائرةً، فالآن – مثلاً – نتساءل: ما هو الفرق بين القاعدة القانونية والقاعدة الأخلاقية والقاعدة الدينية؟ علينا أن ننتبه إولاً أن ثلاثتها تتغى غاية ربما تكون واحدة أحياناً وليس دائماً وهى تنظيم المُجتمَع وتنظيم الحقوق في القانون مثلاً، فالغاية واحدة لكن هذه قاعدة قانونية وهذه قاعدة أخلاقية وهذه قاعدة دينية، وثلاثتها تلتقي على الموضوع نفسه وتُعالِج موضوعاً بعينيه، فهو واحد قانونياً وأخلاقياً ودينياً لكن مع فروقات:
أولاً القانون لا يُعنى إلا بالظاهر ولا علاقة له بالباطن، لكن أحياناً موضوع النيات والبواعث يُعنى بها القانون إذا قامت أدلة وقرائن وشواهد قانونية عليها فيعتبرها القانون، هذا أحياناً لكن من حيث الأصل والقاعدة هكذا ليس للقانون أي علاقة بالنوايا، فهو يقول لك أن هذه النوايا بينك وبين ربك وأنا لي بالظاهر.
هذا هو القانون إذن، لكن هل الأخلاق تُعنى بالبواعث؟!
طبعاً، فعنايتها الأساسية بالباعث وبالنية، ومن هنا تقول لك الأخلاق أنك إذا أعطيت صدقة فإن هذا العمل يكون مشروعاً وجيداً قانونياً ولكن أخلاقياً من المُمكِن أن يكون عملاً طيباً ومن المُمكِن أن يكون عملاً حقيراً وسخيفاً جداً، وذلك بحسب الباعث والنية، فلماذا أنت أعطيت؟ إذا كان الباعث تحقيق مصلحة غير طيبة فإن هذا العمل سيكون غير أخلاقي، مثل أن تُعطي ولداً يتيماً صدقة لأنك تُريد أن تصل إلى قلب أمه الجميلة التي أعجبتك لكي تستغويها – والعياذ بالله – فتباً لهذه الصدقة وللمُتصدِّق أو لمَن تصدق طبعاً، ففي الظاهر هذه صدقة لكن الباعث كان سيئاً، ومن هنا كن اهتمام الدين كثيراً بالنية، قال رسول الله إنما الأعمال بالنيات، فالأساس في الدين هو النية وليس الأمور الظاهرية، وهذا هو معنى الحسن الفعلي والحسن الفاعلي، فالدين والأخلاق كلاهما خلافاً للقانون يهتمان بحسن الفعل، وأهم من حسن الفعل حسن الفاعل، أي حسن نية الفاعل، لكن القانون يهتم بالحسن الفعلي فقط وليس له علاقة بالحسن الفاعلي.
إذن هذه الأخلاق والدين في جانب، والقانون في جانب آخر، علماً بأن هذه كلها معايير مدروسة، أما من ناحية الجزاء ما هى طبيعة الجزاء القانوني؟!
هو جزاء تُوقِّعه السُلطة بالقوة الجبرية، فلا يُمكِن أن تقول في القانون أن القاضي قضى علىّ بكذا ولكن هذا الحكم لا يعجبني وسوف أجلس في بيتي، فرغماً عنك سوف تُطبِّق الحكم لأنك تعيس في دولة وليس في صحراء وبالتالي لا مجال للعب، فسوف يُؤخَذ منك الحق رغماً عنك وإن تأدى الأمر إلى القبض عليك وإيداعك في السجن وأخذ هذا الشيئ منك بالقوة، فسوف تأتي القوات المُختَصة إلى بيتك وتُصادِر الأغراض الترفية والزائدة عن اللزوم رغماً عنك، فهذا هو القانون وهذه هى طبيعة الجزاء، ففي الأخلاق الوضع مُختلِف، لأن طبيعة الجزاء ضمائرية – الضمير يُؤنِبك – واستنكارية من المُجتمَع، فسوف ينظر الناس لك نظرة سيئة ويقولون لك “إخص عليك” كما نقول بالعامية، فهذا هو أقصى شيئ ولا يقدرون على أن يفعلوا لك شيئاً أكثر من هذا، هذه هى طبيعة الجزاء في الأخلاق، أما طبيعة الجزاء في الدين فإنها تتعدى هذه المسائل أيضاً وتحتملها بل وبتشتمل عليها أحياناً، لذلك الدين عنده طبيعة قانونية أيضاً، فالجزاء الحقيقي يُوجَد في الدين، وفعلاً أداة الردع القوية تُوجَد الدين، وهى الجزاء الأخروي، قال الله فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ ۩، فأكثر شيئ يردع ويُخيِف المُؤمِن هو لقاء الله وحساب الله والجزاء بين يدي الله تبارك وتعالى، هذا هو أكثر شيئ، وهذا هو الذي يُهذِّب الشخصية.
إذن في الجزاء وفي الغاية وفي الهدف – Aim أو Goal – يُوجَد اختلاف أيضاً، فالقانون هدفه أن يُنظِّم المُجتمَع وفق تصور مُحدَّد، لكن الأخلاق الغاية الأساسية منها هى تهذيب الفرد دون النظر إلى المُجتمَع وإلى هذه المسائل القانونية، فهى تهدف إلى تهذيب الفرد وترقية وجدانه ومشاعره، أما الدين فهو أعلى من هذا، والنطاق أيضاً يختلف، فالقانون يُنظِّم فقط علاقاتك مع الأطراف الأخرى ولذلك هو علم الحقوق بهذا المعنى، أما الأخلاق فهى تُنظِّم علاقاتك مع الأطراف الأخرى ومع نفسك، ولذلك – كما قلنا – هى تهتم بالبواعث وبترقية الشخصية وبتهذيب المشاعر والتصور، أما الدين فيتعدى النطاقين، فالدين يُنظِّم العلاقة مع الآخرين وأيضاً يُنظِّم العلاقة مع الذات ويزيد عليها العلاقة مع رب العالمين لا إله إلا هو، لذلك هو النطاق الأوسع.
لذلك – كما ما قلت لكم – سياق الحقوق في سورة الإسراء يبدأ بالآية الجليلة التي تقول لَا تَجْعَل مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر فَتَقْعُد مَذْمُومًا مَخْذُولًا ۩.
أدركنا الوقت فنكتفي الآن بهذا القدر، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الدعاء وإقام الصلاة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(تكملة للخطبة ألقاها فضيلة الدكتور بعد الصلاة لإتمام الـمـوضـوع)
نعود إلى موضوع الحق القانوني، قلنا أن حرية الإنسان أو الاختصاص الذي يتمتع به الإنسان في أن يتخير ديناً من الأديان ويتعبد به يدخل ضمن نطاق الحق القانوني وليس الحق الفلسفي أو الحق العقدي الذي يُقابِله الباطل حتى نقول ليس بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ ۩ ونُلزِم الناس بعد ذلك بالحق الذي نفهمه نحن، فهذا خلط مشين بين نطاقين من النُطُق أوجبه – كما قلنا – للأسف الشديد الالتباس اللغوي.
في القانون أيضاً إذا تأملنا في الحقوق كما شرحناها سواء كانت سياسية وغير سياسية يُمكِن أن نُلاحِظ أن منها طائفةً من الحقوق لازمة فتقتصر على الشخص نفسه، يعني لا يتعلق بها حقٌ لطرف آخر أو مصلحة أو منفعة لطرف آخر، فالآن – مثلاً – الحق في الحياة هو حق قاصر وحق لازم، فهو حقي أنا، وكذلك حقك أنت في أن تختار الدين الذي تُريد أو الرأي الذي تقتنع به ما لم يتعد إلى أذية الآخرين وما لم يُستخدَم في التعسف أو يُتعسَّف استخدامه في أذية الآخرين، وهذا أمر يجب أن ننتبه له، إذن هو مثل الحياة، فحياتك يُمكِن أن تجعلها نقمة على الناس ويُمكِن أن تجعلها رحمة، ولكن نحن نتحدَّث عن الحياة من حيث هى، ولذلك هذا حق قاصر، على عكس الدَين – مثلاً – الذي أخذته من بعض الناس ويتعامل فيه طرفان ويُوجَد فيه طرفان هو حقٌ لـ وحقٌ على، لكن نحن نتحدَّث الآن عن الحقوق اللازمة والحقوق القاصرة، فهى حقوق لنا فقط ولذلك هى تُسمى لازمة أو قاصرة وتُنعَت هكذا باللازمة أو القاصرة لأن لا يتعلق بها حقٌ لفرد آخر ولا يُطالِب بها فردٌ آخر، على عكس الحقوق التي يُطالِب بها فردٌ آخر، فهذه هى التي يُقال فيها إن كل حق يُقابِله واجب، فهذا حقٌ له وحقٌ عليه، مثل الحقوق بين الزوجين ومثل الحقوق بين الأبناء والوالدين أو بين الفرد ودولته أو بين الفرد وحكومته، وهناك أيضاً معنىً ثالث بمعنى استحقاقي، كأن نقول فلان أجرم في حق كذا وكذا بكذا وكذا وبالتالي استحق العقوبة، فالعقوبة تُحَق هنا، مثل ما أنه النار حق، ولذلك علينا أن ننتبه إلى أن الدين ذكر هذا الشيئ، حيث قال الرسول لنا أن الجنة حق والنار حق، فما معنى أن النار – مثلاً – حق؟!
ليس فقط أن النار موجودة، وإنما تكون النار حقاً بأن يُعذَّب بها مَن يُستحَق أن يُعذَب بها، ولذلك هى حق، كأن نقول فنلا استحق العقوبة أو استحق توقيع العقوبة عليه، فهذه العقوبة تُحَق، أي بالمعنى الاستحقاقي.
هذا الكلام ليس لكي نتعلم شيئاً قانونياً وإنما لكي ينبني عليه شيئ حساس ومُهِم جداً، فما هو هذا الشيئ؟!
قبل أن أُجيب عن السؤال علينا أن ننتبه إلى أننا إذا تحدثنا عن الحق بهذه الطريقة فنحن لا نتحدث دائماً عن التكليف أو الواجب، فالآن – مثلاً – حرية الرأي وحق الحياة وحرية الضمير وحرية الدين وحرية التنقل وما إلى ذلك هى حقوق لازمة أو حقوق قاصرة وليس فيها تكليف، لكن لماذا أنا أتكلَّم هذا الكلام؟!
لأن هناك طائفة من ألمع المُفكِّرين الإسلاميين الكبار الذين نحترمهم واستفدنا منهم يرون للأسف أنه شيئ جميل جداً أن نقول للناس أن الحقوق في الإسلام مُجرَّد حقوق بل هى واجبات أيضاً، فهو يلتفت إلى أشياء مُعينة ولا يدري أنه بهذه الطريقة يغتال جُملة كبيرة من الحقوق ويُصادِر عليها للأسف الشديد، فهو يشطب عليها بدون أن يدري لأنه ينظر إلى بعضها ويغفل البعض الآخر، وهذا يتضح من خلال مثال بسيط يجب أن ننتبه إليه، فالآن الموقف من الدين أو الموقف من العقيدة هل هو حق أم تكليف؟ أي هل هذا حق أم واجب؟ هذا سؤال مُهِم وكبير، فإذا كنت تظن أنه واجب فأنت مُخطيء، لكن هكذا للأسف يظن مُعظم المُتدينين سواء كانوا مسلمين وغير مسلمين، لكن الموقف من الدين هو حق، فالدين هو حق من حقوقي، لأن من حق الإنسان أن يتدين بالدين الذي يُريد، ومن حقه أيضاً أن يبقى بلا دين، ومن حقه أن يكون ربوبياً أو طبيعياً أو مُلحِداً نافياً أو مُتديناً، فهذا من حقه ولذلك علينا أن ننتبه إلى أن الإسلام كفل له هذا الحق، لكن هنا دخلنا في مسألة فلسفية في غاية العواصة، فما هى؟!
على أي أساس استند التشريع الإسلامي – علماً بأن المقصود هو القرآن العظيم نفسه وليس التشريع بالمعنى الفقهي فقط – حين أعطى الآخرين الحق أن يحيوا وأن يُوجَدوا وأن يعيشوا وافرين بعقائدهم أياً كانت، سواء أكانت قائد شركية أو تثليثية أو ثانوية كالمجوس أو غير ذلك؟!
الله قال وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۩، وهذه هى آية الاجتماع الديني كما أسميها أنا في سورة الحج، فأنا أُسمي هذه الآية بآية الاجتماع الديني، وطبعاً الصحابة تقريباً اتفقوا على أن المجوس يُعامَلون كاليهود والنصارى وتُعقَد لهم الذمة، ويُروى عن رسول الله أنه قال سنوا بهم سنةً أهل الكتاب غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم، علماً بأن هذا الحديث في السُنن، وهذا شيئ عجيب، فالمجوس ثانوية ومن ثم يُؤمِن الواحد منهم – أستغفر الله العظيم – بالله وبالشيطان معاً، أي أنه يُؤمِن بإله النور وبإله الظلام، فجعلوا الشيطان نداً لرب العالمين، وهذا غير معقول، هذا كلام فارغ وفلسفة فارغة، لكن هذا هو دينهم يا سيدي وهم أحرار، فهذه الفلسفة ثانوية إذن، وكذلك المانوية نفس الشيئ!
نعود الآن لنتساءل: على أي أساس أعطى القرآن هؤلاء الحق أن يكونوا وأن يعيشوا؟ علماً بأن هذا السؤال سؤال فلسفي، فهو ذو طبيعة فلسفية لأن لابد من وجود تبرير، فما هو التبرير إذن؟ لا ينبغي أن يكون الدين نفسه هو التبرير، هذا مُستحيل لأن لو كان التبرير هو الدين نفسه والنص نفسه سوف نقع في التناقض، لكن قد يقول لي أحدكم: هنا يُوجَد تسامح، فكيف تقول أنه يُوجَد تناقض؟ وأنا بدوري سوف أقول له أنك سوف تقع في التناقض إذا جوَّزت أن يكون النص الديني نفسه – كأن تقول قال الله وقال الرسول – هو مُبرِّر إعطائهم هذا الحق لأن هذا يدل على أنه يجوز عقلاً لهذا النص ديني أن يعمل العكس فلا يُعطهم هذا الحق ومن ثم دخلنا في المُشكِلة، مثل الذين يقولون نحن نُؤمِن بالديمقراطية ريثما نصل إلى الحكم، وبالديمقراطية هذه التي وصلنا بها سنُلغي الديمقراطية لأنها كفر وشرك، وهذه مُصيبة لكن هذا هو الذي يحدث الآن مع بعض المُتدينين للأسف، لأن الواحد منهم لا يفهم فلسفة التشريع في هذه المسائل.
طبعاً بعض العلماء ذهب خُطوة مُمتازة عن الأساس الذي برر به القرآن الكريم هذه الخُطوة التسامحية الهائلة العظيمة، علماً بأنني حدثنكم غير مرة بهذا الحديث، فهذا الشيئ عظيم وهائل وكريم جداً، وهز وجدانات وعقول جماعة من كبار الغربيين وغير الغربيين، فتحدَّثوا عن العظمة الموجودة في الدين الإسلامي وقالوا أن هذا الدين غير عادي، وهذا من يوم من جاء وليس فقط من الآن في القرن الواحد والعشرين، فهو جاء وقرَّر هذا الحق في الوقت الذي لم يعترف به أي أحد على وجه الأرض كحق للآخرين، فلم يكن هناك ثمة إمكانية أن تعيش في إمبراطورية وأن يكون عندك كل هذه الحرية، فكانت الحريات مُجتزأة خاصة في الإمبراطورية الرومانية لأنها كانت وثنية إلى حدٍ ما وذلك قبل أن تُصبِح مسيحية، وعندما أصبحت مسيحية حدثت المُصيبة ووقع الذبح حتى للمُخالِفين من أهل الدين نفسه، فكانت الوثنية أكثر تسامحاً كما لاحظ فولتير Voltaire، وهذه قصة كبيرة على كل حال، لكن الإسلام كيف فعلها؟!
لان هذا الدين من عند الله، فهذا الدين حق لأنه ليس من تأليف محمد أو غير محمد،هذا الدين من عند رب العالمين، وكما قلنا بعضهم ذهب خُطوة إلى الأمام وقال أن الاستناد إلى آية لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، وهذا خطأ فلا ينبغي أن يكون الاستناد للآية نفسها لأنها من الدين نفسه ومن ثم سوف نقع في التناقض، لكن في الحقيقة هذه الآية ليست هى المُستنَد ولكنها هى الكاشفة عن المُستنَد، فهى أمارة وكشّاف لأنها كشفت لنا عن المُستنَد، وبالتالي ليست بحد ذاتها هى المُستنَد، لكن كيف نفهم هذا؟!
نفهم هذا بلغة أحد المُفسِّرين الكبار الذي قال أن هذه الآية حاكية، فنعم هذا نص تقرأه ولكنه يحكي شيئاً من خارجه، فالمُستنَد إذن خارجي، ولذلك هذه الآية حاكية عن وضع تكويني، واليوم بلغة القانون هذا الوضع التكويني الذي تحكي عنه الآية في تبرير هذا المسلك التسامحي العظيم هو القانون الطبيعي Natural Law، فالقانون الطبيعي يقول لك أنك عندك الحق في الحياة بحكم كونك إنساناً، وعندك الحق في حرية الضمير وحرية الاعتقاد وحرية التعبير وإبداء الرأي فضلاً عن حقك في السكن وحقك في التنقل وغير ذلك، وهذا كله بحكم كونك إنساناً، فهذه الحقوق كلها طبيعية للإنسان إذن، ولذلك القرآن لاحظ هذا وأراد أن يقول “نعم أنا أُصادِق على هذا ولا أُكذِّبه ولا أشطبه، فهذه الحقوق ينبغي أن تكون مرعية في كل ثقافة وفي كل مِلة ودين، وأنا استند عليها في تقرير هذا التشريع العظيم التسامحي”، إذن الاستناد ليس هو آية لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، وبهذه الطريقة أيضاً سوف ينفك اللغز الثاني، وهو أنه كيف يحق لغير اليهود والنصارى أن تُعقَد له الذمة وفقاً لمذهب المالكية، حيث أن المالكية توسعوا جداً وقالوا “يجوز عقد الذمة لكل ألوان وصنوف المُشرِكين ماعدا فقط مُشركي قريش أو مكة”، وبعض المالكية قالوا “ماعدا مُشرِكي الجزيرة”، أما غير ذلك فيجوز لأي مُشرِك أو أي وثني أو أي مُلحِد أو شيوعي أو أي ماركسي أو غير ذلك أن يعيش بيننا، وعلى طريقة ابن القيم – كما رأيتم – يجوز ذلك للمُرتَد أيضاً الذي كان مُسلِماً وترك الدين، فطبعاً يستطيع العيش بيننا لأنه لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، فهذا هو القانون الطبيعي وهذه هى حرية المعتقد، فالإنسان حر في أن يكفر بالشيئ بعد أن آمن به لأنه مُقتنِع بهذا، فماذا نفعل له؟ علماً بأن كل التبريرات التي سوف نأتي بها ستكون تبريرات لا قيمة لها وفاشلة أمام قوة هذا التبرير.
إذن انحل اللغز ووضح تماماً، فلا تقل لي إذن ليس بعد الحق إلا الضلال وكيف أنا أعطيه الحق في أي أن يكفر، فهو عنده الحق في أن يفكر لكن علينا أن ننتبه إلى أن هذا الحق ليس هو الحق الفلسفي أوالحق النظري والعقدي الذي يُقابِله الضلال والباطل والظنون، وإنما الحق القانوني، فالحق القانوني يعمل في نطاق ومُستوى آخر غير الحق الفلسفي ولذلك عنده آليات مُختلِفة، فهو غير الحق الفلسفي تماماً، وهذا إذا لم نُؤمِن به ونُفعِّله في حياتنا فسوف نبقى كمسلمين قادرين وناشطين على إنتاج – والعياذ بالله – الرعب والكراهية والاستئصال والذبح والإرهاب بإسم الدين، وسوف أختم قائلاً أننا رأينا أُناساً تُذبَح بطريقة بشعة جداً لأنه ثبت أن منهم مَن لم يكن مُصلياً، فما هذا؟ حتى لو اعترض أحد قائلاً أن هذا قال به العلماء الثلاثة نحن – كما قلنا لكم – لا نُصدِّق به، فحاشا لله أن يكون هذا في دينه، وفي فلسفة العقوبات الإسلامية من حيث المبدأ ليس كل معصية جريمة، فمَن أضيق ومَن أوسع: دائرة التحريم أم دائرة التجريم؟!
دائرة التحريم، ففي الدين دائرة التحريم واسعة لأن هناك الكثير من الأشياء المُحرَّمة، فالغيبة والنميمة – مثلاً – من الأمور المُحرَّمة أم من الأمور غير المُحرَّمة؟ من الأمور المُحرَّمة، لكم هل يُوجَد عليها حد شرعي أو عقوبة؟ هل سمعتم أحداً يقول أننا سوف نُعزِّر فلاناً لأنه يغتاب الناس ما لم يصل إلى القذف؟ لا يُوجَد مثل هذا الكلام، فالقذف والطعن في العِرض جريمة لكن الغيبة كأن يُقال هذا طويل أو هذا قصير أو هذا أسمراني أو هذا أبيضاني أو هذا مُتكبِّر أو هذا منفوخ ومنفوش فلا يُوجَد فيها أي حد شرعي، فماذا نفعل لهذا الإنسان السخيف؟ هو فقط يُعاقَب أخلاقياً فيُؤنِّبه ضميره ويزدريه الناس فيقولون – مثلاً – نعوذ بالله منه لأنه يغتاب الناس على مدار الأربعة والعشرين ساعة ومن ثم ينبغي أن نبتعد عنه، فهذا هو أقصى شيئ فقط ولذلك دائرة التحريم أوسع من دائرة التجريم، فحتى الرشوة وحتى الربا لا يُوجَد عندنا أي حد شرعي يختص بهما، على الرغم من أن الربا – مثلاً – من أفظع الذنوب والعياذ بالله ومع ذلك لا يُوجَد عندنا حد شرعي للربا، وكذلك الحال مع عقوق الوالدين حيث لا يُوجَد حدود شرعية في هذا الباب، وهذا يُؤكِّد على أن دائرة التحريم واسعة جداً على عكس دائرة التجريم، لكن ما معنى الجريمة؟ الجريمة هى التي تستحق أن يُوقَّع على صاحبها عقاب، فيُوقَّع عقابٌ على فاعلها، وهذه دائرتها أضيق كثيراً، ومن هنا تستطيعون أن تُلاحِظوا أن الجريمة لا تكون جريمة في فلسلفة التشريع إلا إذا تطرقت بإيصال الأذى والضر إلى للغير، ومن ثم إذا لم يُصل – كما قلنا أحدهم – لله فماذا نفعل له إذن؟ لا ينبغي علينا أن نقتله، فأنتم ألَّفتم هذه الأمور ونسبتموها للنبي محمد عليه الصلاة وأفضل السلام، والقرآن يبرأ من هذا.
الآن سوف نختم بالسؤال الفلسفي الكبير ومن ثم يبنغي أن ننتبه جيداً، هل أصل الدين بشكل عام – كما قلنا – ينتمي إلى مقولة الواجب أم إلى مقولة الحق؟!
ينتمي إلى مقولة الحق، فالدين من حقي وليس واجباً علىّ، وبالتالي علينا أن ننتبه إلى أن داخل الدين يُوجَد حقوق لي ويُوجَد حقوق علىّ، فالفقهاء يقولون “الصلاة مفروضة وواجبة”باللغة الفقهية، لكن هناك لغة قانونية أدق وهى لغة قرآنية تقول “الصلاة حقٌ لي”، فممنوع أن يمنعني منها أي أحد، هذه علاقتي مع ربي عز وجل التي أتمتع بها، فلماذا أكلِّف مُحامياً – مثلاً – أو اذهب إلى شيخ لكي أطلب منه ما أُريد؟ أنا سوف أتوضأ وأُصلي وأطلب من رب العزة عز وجل، وبالتالي هذا حق لي، قال الله وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ۩ وقال أيضاً وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ ۩، فكل العبادات هى حقوق لنا، هذه هى حقوق الروح التي لا ينبغي أن يُنظَر إليها على أنه تكليف أو واجب كما لو كانت مثل حمل الملح الذي نُريد أن نتخلَّص منه، حاشا لله أن يكون الأمر على هذا النحو، فهذه حقوق لي وبالتالي إذافرطت في بعض المباحات لي وفي بعض حقوقي فهذه ستكون مُشكِلتي لأنني أنا الذي فقدت ومن ثم أنا الذي سوف أخسر روحياً بل وربما سوف أخسر أخروياً أيضاً وهذا لا ينبغي أن يحصل، ومع ذلك هم يفعلون عكس هذا بأحاديث آحاد وهذا أمر غير معقول، فلا يُمكِن أن ترفع بها عصمة نفسي أو أن تذبح الناس، وعلى الرغم من هذا رأينا مَن يقول أن فلاناً لا يعرف صلاة المغرب كم ركعة فاحضروه واذبحوه أو طخوه أو أحرقوه، فما هذه المُصيبة؟!
لماذا إلى الآن العقل المسلم غير قادر على أن يفهم هذه الطريقة في التعاطي مع هذه المسائل رغم أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين؟ ومع ذلك قد يقول لي أحدكم: ما هذا الكلام؟ أنت تتحدَّث عن القانون وعن الفلسفة وعن أمور مُعقَّدة، وهذا غير صحيح بل بالعكس هذه الأمور بسيطة وواضحة لكن نحن لم نستيقظ بعد ولازلنا نائمين، فحتى علماؤنا ومُفكِّرونا مازالوا نائمين في القرن السابع والثامن والعاشر ولم يستيقظوا بعد، لأن نمط التفكير وإطار التفكير في القرون الوسطى – ليس عند المسلمين وإنما في أوروبا الغربية هنا وفي العالم كله – الذي كان يُسيطِّر على أفكار البشر أفراداً ومُجتمعاتٍ هو نمط الواجب وليس نمط الحق، وهذا الأمر يجب أن ننتبه إليه، فالإنسان قديماً عندما كان يرشد ويكبر قليلاً كان يسأل ما الذي يجب علىَ فعله لأبي ولأمي ولزوجتي ولأولادي وللمُجتمَع وللدين وللمُؤسَّسات ولغير ذلك؟ ما الذي يجب أن أعمله؟ ما هو المطلوب مني؟ لأنه كان يُحدَّث عشر مرات أو تسع مرات عن الأشياء المطلوبة منه ويُحدَّث مرة واحدة على استحياء عن الحقوق التي له، لكن اليوم انعكست الآية تماماً، علماً بأن الانعكاس فيه نوع من المُبالَغة والشطط، فأصبح كل حديثنا اليوم عن الحقوق – Rights – فقط على مدار الساعة، فنجد مَن يُطالِب بحقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المُلوَّنين وحقوق المثليين وغير ذلك، فلا نتحدَّث إلا عن الحقوق على مدار الأربع والعشرين ساعة، لأن الإنسان الحديث – Modern – لا يُفكِّر بعقلية تُعطي أولوية للواجب أو للتكليف وإنما يُفكِّر بعقلية تُعطي أولوية للحق، وهذا أيضاً فيه شطط كبير لأن من المفروض أن يكون هناك نموذج تفاعلي بين الاثنين، فإذا أردنا اليوم أن نُحيي الإسلام وأن نُجدِّد الإسلام بطريقة تجعله فعلاً عالمياً لابد أن نُركِّب إطاراً جديداً بحيث يشتغل هذا الإطار ويُنتِج لنا ثماراً تشريعية وثماراً تنظيرية وتصورية وفلسفية أيضاً في فهم هذا الدين بحيث تجعله دين النموذج التفاعلي بين الحقوقِ والواجبات، ولكن لأننا الآن أمة من مُغتالي الحقوق سواء كنا أفراداً أو جماعات علينا أن نُولي الحقوق أهمية أكبر لأن الواجبات التي لدينا كثيرة جداً، وهذا الذي جعل العقل المسلم في القرن الحادي والعشرين فاشلاً في أن يلحظ أن مسألة التدين والالتزام الديني في الأصل مسألة حق وليست مسألة واجب، وهذا أيضاً الذي جعلته يتورط – كما قلت لكم – مع نفر من ألمع المُفكِّرين في ادّعاء أن ما يُظَن حقوقاً هو واجبات.
نكتفي بهذا القدر، أقول قولي هذا وأستغفر لي ولكم.
(13/12/2013)
أضف تعليق