إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل شأنه:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول المولى الجليل – سبحانه وتعالى – في محكم التنزيل بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ۩:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ۩ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ۩ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ۩ وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ۩ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ۩ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ۩ ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۩، عادل – سبحانه وتعالى – بين أمرين محنتين وبين أمرين بلائين عظيمين هما قتل النفس والخروج من الأرض، أي مغادرة النفس للبدن ومغادرة المرء للوطن، فترك الأوطان لا يعدله إلا خروج النفوس من الأبدان – سبحان الله – بل أن في كتاب الله تبارك وتعالى ما هو أبلغ وأوعظ، فالخروج من الأوطان أشد من مفارقة النفوس للأبدان، قال الله وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ – أي يأسروك ويسجنوك في حبس مفرد – أَوْ يَقْتُلُوكَ – هذه أشد منها – أَوْ يُخْرِجُوكَ – هذه أشد منها – وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ۩، فمن ذا يقول بعد هذا القيل الرحماني الرباني أن حب الأوطان ليس مما تقتضيه الأديان؟ من ذا يجرأ فيزعم أن الوطن ما هو إلا حفنة من تراب؟ هذا اختزال مفضوح وبشع، تماماً كالاختزال المفضوح الشنيع الذي لا يرى في الأم إلا قدس من لحم وعظام ودم، فيُقال هذه الأم كائن كالكائنات الحيوانية، لكن ليست هذه الأم، ليست هذه أمي، يُقال هى مجرد لحم وعظم – وهى فعلاً لحم وعظم وعصب – وهى كائن حي فقط، لكن ليست هذه الأم، هذا اختزال بشع، وكذلك الوطن ليس حفنة من تراب، ليس قطعة أرض، فهذا اختزال بشع، الوطن مسقط رأسي ومألفي ومرباي ومثواي ومأوى عواطفي وذكرياتي، في عروقه – في عروق الوطن – تسري دماء الأباء والأجداد وتسري ذكريات الأمة، هذا هو الوطن، الوطن عزتي، الوطن أهلي وعشيرتي وناسي، الوطن أصدقائي وأصحابي ولداتي وأترابي – للذكور والأناث معاً – أيضاً، الوطن حماي وكرامتي، هذا هو الوطن، فلا جرم أن القرآن العظيم أكد هذه الحقيقة وعززها، فهو أكدها وكررها وجعل الإخراج من الأوطان – هذه الجريمة البشيعة الشنعاء – سبباً ومبرراً للقتال الذي تُسترخص فيه المهج وتسيل فيه النفوس على الأكف عن رضا وسماح، فهذا سبب شرعي، تقول الآية الكريمة هَلْ عَسَيْتُمْ – النبي الإسرائيلي يقول هذا – إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۩، فعجيب أمر هذه الآية الجليلة، هذه الآية تقول قتالٌ في سبيل الله، أن تقاتل من أخرجك من أرضك وأهلك وولدك، فهذا في سبيل الله، ليس كما اختزل بعض الإسلاميين وبعض الفكر الإسلامي المُعاصِر للأسف الذي صار في جزء منه محنة بل هو محنة على هذه الأمة، محنة على الأوطان أيضاً وعلى البلدان أن الجهاد لا يكون في سبيل الله إلا إذا كان في سبيل الدين محضاً، كأن الدين شيئ ينفرد ويتمحض بعيداً عن مصالح الناس وعن حياة الناس وعن مُقدَّسات الناس وعن كرامات الناس، لو كان الدين كذلك لكان غربة، وهنا يُوجَد تناقض في الفكر لا نفطن له، لكن القرآن الكريم بريء منه تماماً، القرآن دل على عكسه، وجاء هذا الإجتهاد الخاطيء في الفكر الإسلامي المُعاصِر للأسف الشديد ليزيد في تغريب الدين وليجعل الدين شيئاً غريباً، ومن هنا فعلاً نجد أنماطاً من المتدينين يغتربون عن بلادهم وعن أوطانهم، ولا أعني يغتربون يتركونها ويعيشون في أرض الغربة وإنما أعني أنهم لا يشعرون بتلك الصلة الوثيقة وبتلك المحبة الحقيقة بها الأوطان والبلدان، فهم لا يشعرون بهذا ويقولون لك هو حفنة من تراب نجس، فلا يعنيني الوطن وإنما يعنيني الدين، وكأن الدين يقطع مع الأوطان ولا يتقاطع، كأنه يقطع معها ويستنكر لها ولا يعترف بها، فإذن أين أنتم من قول الله تبارك وتعالى وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۩؟ إذن القتال بهذا السبب – قتال من أخرجني من أرضي وأهلي – هو قتال في سبيل الله، فما أروع القرآن وما أعظم ثورية القرآن، هذه ثورية وهذا منزع ثوري في كتاب الله عز وجل، فلماذا إذن؟ القرآن يقول لك سبيل الله هو سبيل الناس، وسبيل الناس هو سبيل أوطانها وبلادها وعزتها وكرامتها وحرياتها وحقوقها ونهضتها، هذه ثورة القرآن الحقيقية، لذلك الجهاد في سبيل الله هو جهاد في سبيل الناس وليس في سبيل الله كذات مُقدَّسة، فالله لا يحتاج من ينصره بهذا المعنى، ولذلك تقول الآية الكريمة إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ۩، نصر الله ونصرتك لله في نصرتك لمن؟ للمستضعفين وللمظلومين وللمهضومين وللمُضطهَدين، هذا نصر الله، فلا تحسب أنك تنصر الله نفسه لأن من يضره لا إله إلا هو؟ لو اجتمع مَن بالسموات ومَن بالأرض جميعاً وأطبقوا على رأي واحد ما بلغوا من الله شيئاً لا إله إلا هو، وفي الحديث القدسي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، فإذن ما معنى أن نجاهد في سبيل الله؟ أن ننصر الله بأن ننصر هذه القضايا العادلة، وقضية الأوطان والإخراج من قضايا الناس العادلة الكريمة، فلا تجعل هذا في جانب وهذا في جانب ولا تقل لي القتال في سبيل الوطن هو قتال في سبيل جيفة والقتال في سبيل الله هو قتال شهادة ومُقدَّس، فهذا تفكير اختزالي سطحي خطير، وهذا لا ينفع الدين إنما يقطع مع الدين ويجعلك تتخير هذه الخيرة البتراء، أي إما الدين وإما الوطن، لكن هل هما لا يجتمعان؟ ألا يتطاولان؟ يعرض لك الدين والوطن على أنهما متعارضان وهذا غير صحيح بالمرة، فهما يتطاولان لأن حبي للوطن يأتي في طول حبي للدين ومن ثم جهادي في سبيل الوطن هو جهاد في سبيل الدين، فهذا هو إذن، وهذا معنى الآية تماماً، ولذلك يقول الله أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ۩ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۩، هذه الديار التي أخرجتهم – في الحقيقة لم تخرجهم الديار نفسها ولكن أخرجهم بعض مَن بالديار مِن الذين شاقوهم وحاددوهم وخاصموهم في الدين وأرادوهم على أن يعودوا إلى الوثنية ومع – وهضمتهم وتنكرت لهم رغم هذا حبيبة إلى قلوبهم، فهم يحبونها ويحنون إليها، لكن هل كانت ديار إسلام؟ لا والله كانت ديار الشرك، وهذا أخطر ما في خطبة اليوم فقط، فعودوا بهذه المعلومة ولا تحتاجون أكثر من هذا، وهذه المعلومة لا تُقال لكم وهى غير مكتوبة، كم قرأت من كلام واستمعت من خطب عن الأوطان ولم يقلها أحد مع أنها واضحة جداً كالشمس وليس دونها حجاب، فمكة كانت ديار شرك ووثنية وكفر، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً والقيادة السياسية فيها لرؤوس وسدنة الكفر والوثنية وظلمت المسلمين الأوائل من أصحاب محمد – صلى الله على محمد وآل محمد وعلى الأرواح الطاهرة من هؤلاء الشهداء من أصحابة – الذين قتلوهم وعذبوا أنفاراً كثيرين منهم ثم أخرجوهم، فهذه ديار شرك وكفر ومع ذلك نحبها، وهذا أمر عجيب، فهى ليست ديار إسلام ولكننا نحبها لأنها ديارنا بالغريزة، لا تستطيع أن تكرهني في بلدي – كما قلت لكم – وفي مسقط رأسي وفي مثواي وفي موئلي، لا تستطيع هذا، فأنا جزء منها، لحمي ودمي وعظمي منعقد من تٌربها ومائها ومن خيرها ومن هوائها ومن ظلالها، أدوائي وأوجاعي طبها وعقاقيرها في أرضي وبلادي، النبي يقول بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى سقيمنا، وهذا ذكره جالينوس – جالن Galen – وقال أحسن العقاقير وأحسن الأدوية للأدواء هى التي تؤخذ وتستخلص من المنطقة ذاتها، وهذا هو الطب البيئي، والنبي كان يفهم هذا ويقول به، فإذا أردت أن تداوي نفسك ابحث عن دوائك في أرضك، ففي تربة أرضك وفي هوائها وفي مائها وفي تربها وفي أشجارها وفي ظلالها وفي فاكهتها وفي خضرها دواء لك ودواء لروحك، والروح لا تسكن ولا تستقر إلا في بلادها، والإبل مع غلظ أكبادها تحن إلى بلادها، ولذلك قيل الكرام يحنون إلى النجاب كما تحن الأسود إلى الغاب، فكرام الناس ليسوا الخونة، ليسوا العققه الذين يكرهون بلادهم وأهل بلادهم وناس بلادهم، هؤلاء ليسوا من الكرم ولا الكرامة فضلاً عن أن يكونوا من أهل الدين والاستقامة، قد تقولون ما هو دليلك؟ الدليل ما تعرفون، ما يعرفه الصغير قبل الكبير والأمي إلى جانب العالم اللقن، حين خاطبها – عليه الصلاة وأفضل السلام – وهو بالحزورة مُخرَجاً منها طريداً – فهم كانوا يطاردونه ويريدون دمه ورأسه ونفسه وقد دفعوا فيه مائة من الإبل لمن يأتي به – فنظر وامتلأت عيناه الشريفتان بالدموع قائلاً إنكِ لأحب بلاد الله إلي ولأحب بلاد الله إلى الله ولولا أن قومي – يقول قومي – أخرجوني منك ما خرجت، إذن هو يحبها، فلا يأتين أحد ليلقن رسول الله درساً في الولاء والبراء ويقول له لا يا رسول الله استغفر الله لقد عدلت ولم تصب شاكلة الصواب لأن هذه ديار شرك ووثتية وعليك أن تبرأ منها وأن تلعنها وأن تعلن عليها الحرب، وبعد إذ أخرجوك منها ما الذي يمنعك أن تبعث بالرجال الفدائيين الاستشهاديين – Blutzeugen – لكي يخرجوا في ظلمة الليل ويغتالوا رؤوس الشرك والكفر من هؤلاء؟ وقد أراد بعض الصحابة أن يفعل، فما رأيكم ؟ جميل هذا الدين، يقول قتادة بن دعامة السَّدوسي – رحمة الله تعالى عليه – فيما ذكره الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير مفاتيح الغيب أن بعض الصحابة قالوا يا رسول الله أخرجونا وتألبوا علينا وفعلوا وفعلوا فائذن لنا أن نأتيهم – الصحابة كانوا في المدينة الآن مهاجرين ومُهَجّرين، فقال بعضهم نحن نُريد أن نغتالهم، أي اغتيال سياسي – فنزل قول الله تبارك وتعالى إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۩، ولم يأذن لهم، فهذا ممنوع وغير مسموح بالاغتيال السياسي، غداً أو بعد غدٍ – إن شاء الله أو بعد بعد غدٍ يعودون ويخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ويدفع عن هذا الدين وعن حملة هذا الدين، وهكذا كان بفضل الله تبارك وتعالى، لكن لا للاغتيال ولا لتقسيم الأوطان و لا لتمزيق الأوطان ولا لتدمير الأوطان بإسم الدين، تقول أمنا عائشة – رضوان الله تعالى عليها فيما أخرجاه البخاري ومسلم في الصحيحين لما هاجروا إلى المدينة استوبأوها وكانت من أوبأ أرض الله، فبها الوباء وبها الحُمى، كانت أرض وبيئة – المدينة كانت أرض وبيئة سبحان الله – طبعاً، ويدخل رسول الله على بلال بن رباح وهو في بيت أبي بكر – في دار واحدة مع أبي بكر الصديق – يُحمان، أي أصابتهم الحمى، فإذا أقلعت الحمى عنهما أنشدا وقالا كلاماً، يقول أبو بكر الصديق كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، أبو بكر يظن أنه سوف يموت – رضيَ الله عنه وأرضاه – من الحمى، فقال واضح أنني قريب جداً من الموت وأنني أشفيت على الموت، ثم قالت وكان بلال يُحمى، فإذا أقلعت عنه الحمى قال أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي- والنبي يسمع ويتأثر جداً – هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ – ما هو الواد؟ مكة، تقول الآية الكريمة بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ۩، فهو يحن إلى مكة وإلى هذا الواد – وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ، وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ، والمجنة هى مياه أو ماء في مكة، أي ماء مجنة، وشامة وطفيل هما جبلان من جبال مكة، فهو يحن إلى جبال مكة وإلى أبارق مكة، كما قال جبيهاء الأشجعي مرة أحن إلى تلك الأبارق من قـنـا – حجارة مع رمال مختلطة، أي مختلطة برمال – كأن امرأ لم يجل عن داره قبلي، أي كأنني الأوحد الوحيد الذي ترك وطنه، فهو يقول أحن حتى إلى الحجارة وإلى الرمال وإلى هوائها وإلى تربتها وإلى كل شئ فيها، فهذا هو الإنسان وهذه هى فطرته، ولذلك هذه المفاهيم حين تُفجر وحين تُنسف وحين تُلغى وحين تُكَفّر انتظروا اللإنسان، انتظروا ما هو دون الإنسان، انتظروا الوحش، انتظروا الكارثة، فالإنسان الطبيعي الفطري يكون هكذا، يحب بلده ويحب أهله ويحب عشيرته ويحب أصدقاءه وأهل حومته ويحب أقرباءه وأنسباءه ودمه ولحمه، فهذا طبيعي جداً وهذا هو الإنسان الطبيعي، والدين لا يُمكِن أن يأتي أساساً وأصلاً دون هذا، بل بالعكس الدين أتى وأمرنا أن نصل ما أمر الله وأحب ورضيَ – لا إله إلا هو – أن يوصل، وهذه أشياء أمر الله المؤمنين أن يصلوها، والمُهِم هو أن النبي يسمع ويتأثر فيقول اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف، أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء، فهو يلعنهم لأنه يتذكر هذا ويقول بسببهم أصابنا كل هذا البلاء وأتينا إلى المدينة مع أنها أرض طيبة وأرض مؤمنة في جمعها – في مجموعها – وأهلها من خير عباد الله، فقد آووا ونصروا وآثاروا على أنفسهم وبهم الخصاصة ولكن تبقى البلاد هى البلاد، فيقول اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف، أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء، اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، فهو قال إلى الآن نحن لا نُحِبها كمكة، فعوِّضنا من مكة خيراً، حبِّبنا في هذه البلاد الكريمة كما نحب مكة، فالنبي يقول هذه بلادنا وأرضنا، وهذا نبي ورسول فانتبهوا، وهذا بعد الهجرة طبعاً، بمعنى أنه بعد الإسراء والمعراج، ومع ذلك يحن إلى أرضه ويحن إلى بلده وإلى ترابه لأنه إنسان، صلى الله على النبي الإنسان، فهو إنسان ومُعلِّم الإنسان، يقول اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مُدنا – أي في صاعنا في المدينة، وإلى اليوم فيها بركة والله في رزقها وفي كل شيئ فيها – وصحِّحها لنا – من الصحة لأنها أرض وبيئة، من أوبأ أرض الله – وأنقل حماها – الحمى Fever – إلى الجحفة، وبالفعل انتقلت إلى الجحفة ولم تعد هذه الحمى تهرس وتحطِم عظام أهل المدينة والنبي رآها في عالم المثال بعينيه البصيرة وأخبر أنها انتقلت من المدينة بإذن الله إلى الجحفة، فقد استجاب الله دعاءه عليه الصلاة وأفضل السلام.
القرآن غاص وملآن من حب الأوطان والديار، تقول الآية الكريمة لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ – الله قال أُخْرِجُوا ۩ ولم يقل خرجوا لأنهم لا يفضلون البتة أن يخرجوا، لماذا نخرج من أرضنا؟ نحن أُخرِجنا وأضطررنا إلى هذا، والله دائماً يذكِّر بهذا ويضيف هذه الأرض إليهم، فهى دارهم وهى أرضهم – وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ۩، إبراهيم الخليل – عليه الصلاة وأفضل السلام – ماذا يقول؟ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ ۩، لكن الله يقول له لا، البلد أو الدار أو الوطن مفهوم أوسع، وهو يتسع للمؤمن والكافر، ولذا قال الله وَمَن كَفَرَ ۩، الله أكبر، الله أكبر على القرآن الكريم ما أعظمه، إبراهيم يريد هذا البلد أن يكون بلداً مؤمنا ً متمحضاً للمُوحِّدين فقط، أي الدائنين لله بالوحدانية، أما الكفار لا مكان لهم بيننا لأننا بلد إسلامي، لكن الله يقول له لا، أنا سأؤمِّن هذا البلد ومن فيه وسأرزق من الثمرات مُؤمِن أهل هذا البلد وكافره، يا سلام، كأن فعلاً الدين لله والوطن للجميع، لكن رُبينا – وأنا من هؤلاء الناس ومن ذاك الجيل – على أن هذا تقريباً كفر وكنا نصدق هذا ونقول أعوذ بالله، هذه صرخة علمانية مُنكرة، لعنة الله على من قال وعلى مَن رسم، فلماذا؟ فعلاً الدين لله والوطن للجميع، الله يفصل بين عباده في أديانهم ومللهم وعقائدهم يوم القيامة ويبقى الوطن للمُؤمِن والكافر، فالله يقول لإبراهيم لا، هذا للمُؤمِن والكافر وأنا أرزق الجميع، لأن الله لو أراد أن يتمحض هذا البلد للمؤمنين وحدهم فعلاً لما رزق الكافرين، ومن ثم سينقرضون فيبقى المُؤمِنون وحدهم، لكن الله قال له لا، أنا أرزق هؤلاء وهؤلاء، فيعيش الكل معاً، وكلكم على ذُكر من صحيفة المدينة التي هى من أوائل الدساتير في العالم، وأنا ذكرتها أو ذكرت بها وأشرت إليها في عشرات المقامات وعشرات المرات، أهل المدينة مُؤمِنهم ويهودهم – يهود المدينة – أمة مع المؤمنين، يتناصرون وينفقون ويتآزرون، بينهم النصر والمؤازرة والنفقة، وهذا أمر عجيب، لكن الصحيفة تقول أنهم أمة مع المؤمنين، وهذا أمر عادي، لأن الوطن للجميع والمدينة المُنوَّرة كانت وطناً للمُسلِمين ولبقايا المُشرِكين الذين كانوا فيها لأنهم لم يكونوا أسلموا من عند آخرهم طبعاً، فكان فيهم مشركون وبعد ذلك برز مُنافِقون، وحتى المُنافِقين لا تُوجَد مُشكِلة معهم هم واليهود، ولو كان هناك أي نصارى أو جماعات نصرانية لدخلوا مباشرة معهم، لكن كانت هناك جماعات يهودية وزذكرهم النبي تقريباً من عند آخرهم فقال يهود بني فلان وبني فلان وبني فلان وبني فلان، ذكرهم كلهم تفصيلاً في مواد كثيرة، أكثر من عشر مواد، وقال أنهم أمة مع المُؤمِنين، ينفقون جميعاً وبينهم المؤازرة والنصر على من دهم المدينة، فهذا مفهوم واضح جداً للمواطنة، والمواطنة بهذه الطريقة ليست ضد الدين وليست ضد الإسلام، فحب الوطن وحب البلد والدفاع عنه وإعزازه وإكرامه والغضب دونه من الدين، وهو جهاد في سبيل الله، بل أشرت مرة إلى موضوع شديد الحساسية وأيضاً قل – لا أريد أن أقول عُدم وانعدم لكن ابحثوا أنتم ونقِّروا وفتِّشوا عن هذا – مَن يشير إليه إن وجد، وهذا لدينا قرآنياً أيضاً، فالقرآن يقول لك البلد أو الدار بلغة الفقهاء – يقولون لك دار الإسلام ودار أهل الإسلام مثلاً – أو الوطن له اعتبار بإزاء الاعتبار الديني، فما رأيكم؟ بمعنى أن الاعتبار الديني الإسلامي والتوحيدي الإيماني لا يطغى بالضرورة على اعتبار المواطنة ويلغيه من عند أساسه وأصله أبداً، لكن كيف هذا؟ هناك مؤمنون -أي ثمة مؤمنون – مُسلِمون دانوا لله الوحدانية ولمحمد عليه الصلاة والسلام بالرسالة ولكنهم ليسوا من أهل الدار وليسوا من أهل المدينة وظلوا في مضاربهم وظلوا في بلادهم ولم يهاجروا والله يقول قرآناً في سورة الأنفال مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ ۩، فهو قال الولاية الحقيقية التامة ليست لهؤلاء لأنهم ليسوا من أهل الدار، إن وقع عليهم ضيم وحل بهم ظلم وهضم وواستنصرونا قال ننصرهم، علينا أن ننصرهم لأنهم أهل دين وتوحيد إلا في حالة وجود ميثاق، قال الله فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ إِلا عَلَى قَوْمٍ – أي كفرة مُشرِكين – بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ۩ فلا نصر للمُؤمِن، وهذا أمر عجيب، يا الله لماذا؟ يقول لك هذه اعتبارات سياسية وهذه الاعتبارات كالمعمول بها الآن بين الدول، ولك أن تتخيَّل هذا، وهذا هو تأسيس القرآن للسياسة الدولية، وهذا شيئ عجيب، لكن هذه سياسة بين الدول، فهو تقريباً يقول إذا كان بينكم وبين قوم آخرين من الوثنيين ومن المُشرِكين عهد وميثاق وبعض هؤلاء ظلم بعض هؤلاء المسلمين من غير أهل الدار لا نستطيع أن ننقض الميثاق وندخل حرب مع حلفائنا من المُشرِكين، فهو يقول لا يُمكِن هذا، هنا يُوجَد ترجيح الآن، لكن ماذا لو كان المُؤمِن من أهل الدار وتم الاعتداء عليه؟ يُنقَض العهد، فلا يُوجَد عهد هنا وينتهي كل شيئ، إذن الاعتبار هنا رجح بسبب ماذا؟ بسبب الدار لا بسبب محض الدين، لأن الدين موجود، فهو موجود في مُؤمِن لم يهاجر ووقع عليه العدوان لكنه يقول لك لا تفعل لأنه ليس من أهل الدار، وهذا أمر عجيب وتفكر قرآني دقيق، لكن الآن لا أقول لكم بعض وإنما تقريباً كل الجماعات الإسلامية المسلحة من أربعين وخمسين سنة تُعلمِّ الناس أنه إن وقع على أي مسلم في أي بلد وفي أي ثغر وفي أي جنبة من جنابات العالم ظلم فعلينا أن ننهض مباشرة لمؤازرته ونصرته ولو فنينا من عند آخرنا، لكن لم يذكر أي أحد فيهم ماذا نفعل إذا تعارض هذا مع مواثيق وعهود دولية بيننا وبين تلك الدول، والواحد منهم لا يخطر على بالنا أن يُفكِّر بهذه الطريقة، فلماذا مرة آخرى؟ لأنه لم يقرأ سورة الأنفال، لم يقرأ القرآن ولم يدقق في القرآن، مُجرَّد كليشيهات فقهية عريضة وكلام لابن العربي وابن فلان وعلان، لكن اقرأ كتاب الله وسوف تعلم هذا، فالدول لا يمكن أن تتعاطى بمثل هذا المنطق، لكن هناك مَن يقول إذا وقع ظلم على امرأة أو وقع ظلم على رجل فإنه ينبغي مباشرةً أن نقطع العلاقات وأن نعلن الحرب، وسنبقى في حرب إلى يوم الدين، فالمسائل ليست هكذا تًساس وليست هكذا تسيَّر، وبعد ذلك تأتي المُصيبة حين يخرج لنا أبناء تنظيم أو أبناء جماعة من دولة مُسلِمة مُعيَّنة عندها عهود ومواثيق مع دول آخرى وتعيش في حالة سلم فيعلنون الحرب على تلك الدولة ويقتلون ويُفجِّرون ويُحدِثون مشاكل كبرى، فما هذا الخبط والخلط الأعمى الذي يحصل بإسم الدين؟ والشباب المسلم طبعاً غير متعمق في القرآن وغير متعمق في الفقه ولا يتدبر ولم يُرب على أن يتدبر وأن ينقض وأن يُفكِّر، تربى على أن يتلقن وأن يبلع المعلومات بلعاً وأن يُردِّد كالببغاء، فينبعث مُباشَرة في هذه الأعمال ويحرج الدول والحكومات والشعوب والإسلام نفسه والمسلمين وصورة الإسلام، لكن آن الآوان أن نُعيد النظر في هذه القضايا من جديد، والبداية – كما قلت لكم في رأس هذه الخطبة – أن نعيد النظر في مقولة – وهى مقولة اختزالية مفضوحة – أن الأوطان مجرد حفنة من تراب عفن لا تُقدِّم ولا تُؤخِّر، فإياكم وهذه الاختزالية، لأن هذه الاختزالية فقدنا بها ماذا؟ فقدنا بها إنسانيتها، الإنسان الذي لا يُحِب وطنه ولا يُحِب أهله ولا يُحِب ناسه هو إنسان فيه خلل كبير، فهو خلل كبير في الجانب العاطفي فضلاً عن الجانب المسلكي بعد ذلك، وفقدنا أيضاً فقهاً إنسانياً لديننا، فكان يمكن أن نلحظ هذه الآيات وهذه الأحاديث وهذه النصوص – وهى كثيرة جداً في كتاب الله تبارك وتعالى – التي تُؤكِّد على حب الديار وحب الأوطان وعلى أخوة أهل الدار، وقد يسألني أحدكم قائلاً كيف تقول لي أنهم أخوة؟ هل هم أخوة الدين؟ لا يا أخي ليسوا أخوة الدين، هم أخوة الدار، وأنا أخي في الدار قد يكون مسلماً وهذا له أخوة مضاعفة وهى أخوة الدار وأخوة الدين مثلما قال النبي في الجيران، فهناك جار له ثلاثة حقوق، لأنه جار مسلم وقريب – قريب الدم – وهناك جار له حقان لأنه مسلم غير قريب وهناك وجار له حق واحد، فيا سلام على رسول الله، انظروا إلى الجمال المحمدي – صلى الله على محمد وآل محمد وسلم تسليماً كثيراً – هذا، وهو قال لك الجار غير المسلم – يهودي أو مُلحِد أو مُرتِد أو أياً كان – يعيش في الدار وله حق الجوار، لكن ماذا عن الزكاوات حين توزع؟ ما الأصل في المسألة؟ في رأي طائفة عظيمة لعلها الجمهور من العلماء أن الأصل في توزيع الزكاوات أنها توزع على أهل المحلة كما في حديث معاذ في الصحيح حيث قال تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم، فبعض العلماء قال – وهذا الأرجح – تُوزَّع في فقراء المحلة، لأن من المُؤكَّد أنها تؤخذ من أغنياء المحلة، وبنفس الطريقة تُوزَّع في فقراء المحلة، فهى تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فلا تقل لي تؤخذ من أغنياء وترد في فقراء المسلمين، فهنا سيحدث نوع من التفكيك ومن ثم فقدنا التجانس، فالتجانس يحصل حين تُؤخَذ من أغنياء المحلة فترد في فقراء المحلة، وإن فضلت فضلة وزادت زيادة لم تمس إليها حاجة فقير أو معوز أو محتاج فإننا حين إذن ننقلها إلى أقرب محلة – الأَقْرَبُونَ أَوْلَى بِالْمَعْرُوفِ – وهكذا، فهذا هو الرأي الشائع وإن كان وجد من قال تؤخذ من أغنياء المحلة وترد في فقراء المسلمين، أي النظرية المركزية، فهما وجهتان على كل حال لكن الأولى يبدو أنها الأرجح، وبعد ذلك تسهل موضوع إدارة جمع الزكاة وتوزيع الزكاة، فهذا موجود إذن على كل حال.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
إخواني وأخواتي، أحبتي في الله:
أخوة الدار، أين في كتاب الله أخوة الدارغير أخوة الإيمان والإسلام؟ هذه موجودة في كتاب الله تبارك وتعالى، قال الله كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ۩، فالله يقول أَخُوهُمْ ۩، لكن هل هو أخوهم في الدين ؟ هذا مستحيل لأن الله يقول وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ۩ – تسعمائة وخمسين سنة قضاها وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ۩ -والله يقول أيضاً كَذَّبَتْ ۩، فإذن هو يصف بالأخوة المُكذِّبين، فهو يقول هؤلاء المكذبون أَخُوهُمْ ۩ نوح قال لهم كذا وكذا، فكيف هو أخوهم إذن؟ هو نبي ورسول ومُؤمِن ومُوحِّد لكن هم كفرة وعُصاة وقُساة ومُكذِّبون، فكيف هو أخوهم؟ هو أخوهم في البلاد وأخوهم في الوطن، فهو منهم وهم منه، ولذلك تقول الآية الكريمة إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ۩.
قال الله كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ۩ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ – القرآن مُصِر على لفظة أَخُوهُمْ ۩، فقد قالها أربع مرار – أَلا تَتَّقُونَ ۩، وقال الله أيضاً كَذَّبَتْ ثَمُودُ – قوم صالح – الْمُرْسَلِينَ ۩ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ ۩، وهذا أمر عجيب، فالله يقول أَخُوهُمْ ۩ رغم تكذيبهم طبعاً، ولذلك أقول أخي القبطي، أخي المسيحي، أخي أياً كان، فهو أخي في الوطن، هذه أخوة الوطن، فهل ما وسع رسول الله لا يسعنا؟ تآزروا وتعاضدوا وتناصروا، فنحن أخوة في الوطن نتآزر ونتعاضد لخير الوطن وسوف نرى القدر الأدنى الذي من ضل عنه فقد خان الوطن وأهل الوطن وبالتالي خان الدين ورسالة الدين، قال الله كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ ۩،وهذه دقة قرآنية عجيبة، فقد قال لفظة أَخُوهُمْ ۩ أربع مرار، لكن حين أتى إلى شعيب ماذا قال؟ قال كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ ۩، فهذا قرآن يُريد أن يقول لك أنا أتعمد هذا، وكلمة أَخُوهُمْ ۩ هذه ليست مُجامَلات وليست تكحيلاً للعيون وليست من أجل النظم والسجع، فالله لا تعجزه لفظة وهذا ما يجب أن ننتبه إليه، الله لا يحتاج إلى الضرائر التي يحتاج إليها الشاعر والشواعر أبداً، فهو يقول هنا كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ ۩، لماذا؟ لأن شعيباً لم يكن من أصحاب الأيكة، شعيب بُعث إلى قومين، فهو بُعِثَ إلى مدين وإلى أصحاب الأيكة، ولذلك في سورة الأعراف وفي هود وفي غيرها “أخوهم شعيب”، قال الله وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۩، أي أرسلنا إلى مدين أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۩، فالله قال هو أخٌ لمدين وليس أخاً لأصحاب الأيكة، فهؤلاء قوم آخرون، إذن تُوجَد أخوة لكنها ليست أخوة في الدين، لم يبق إلا أن تكون أخوة الوطن والديار والمنشأ والمألف – لا إله إلا الله – طبعاً، فهذا دين واقعي، ومن هنا قال الفيلسوف المسلم والرجل الصالح – إن شاء الله – والمجاهد على عزت بيجوفيتش Alija Izetbegović – رحمة الله تعالى عليه – أن مثالية الإسلام في واقعيته، فهو دين مثالي ليس لأنه طوباوي مُحلِّق مثل تحليق بعض الإسلاميين اليوم في فرضيات ويوتوبيا Utopia ولكن لأنه واقعي، فلا يمكن أن يقطع مع الفطرة الإنسانية التي لا تبديل لها، فالله فطر الناس عليها – أي على هذه الفطرة -ومن ثم لا يقطع معها، بل يتقاطع معها ويُعزِّزها ويُؤكِّدها، إذن شعيب ليس أخاً لهم لأنه لم يكن منهم وهذه لفتة قرآنية دقيقة وعجيبة.
نختم إذن بسؤال: ما هو الحد الأدنى الذي كل مَن لم يعمل على توفيره وحياطته وضمانته والزود عنه والدفاع عنه فقد خان الوطن وأهل الوطن ودينه؟ هل تعرفون ما هو؟ أمران أثنان لا يبقى للوطن بعدهما من معنى إن غابا، هما الأمن وما يحفظ قوام حياة الناس وضرورات العيش، قال الله فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ۩ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ۩، وأنتم تعلمون إجابة سؤال متى تهرب الرساميل؟ حين لا يوجد أمن واستقرار، متى تغلو البضائع والحاجيات وتنقطع وتُحتكر؟ حين تكون حروب أهلية وصراعات داخلية، فكل شيئ يتراجع وتصبح حياة الناس جحيماً لا يُطاق، فكل شيئ من المُمكِن أن ينقطع ويضمحل ويزوي بسبب الحرب التي تؤدي إلى عدم الاستقرار والخوف والقتل والذبح، فلا يُوجَد أي أمان ومن ثم البنوك تُسرق والقوافل البرية والبحرية وغيرها يُقرصَن عليها ويُعتدى عليها هى والمخازن والمُستودَعات وكل شيئ، ويُنهَب أصحاب الأموال وما إلى ذلك، وهذا شيئ عجيب، لذلك هما قرينان في كتاب الله، والعجيب أنهما قرينان الآن في الفكر النفسي المعاصر، وأنتم تعرفون هرم الحاجات المعروف بهرم ماسلو Maslow، فهذان في أدناه، أي في قاعدة الحاجات البشرية، والقرآن – سبحان الله – يُؤكِّد عليهما تماماً ويقول فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ۩ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ۩ وقال أيضاً وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً۩ – الله يقول آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً ۩ ويقول أن هذه نعمة، ومن ثم إياك أن تقول لي أنا في جهاد وأنا في رحمة إذا لم تكن آمناً، فأنت والله العظيم في جحمة وأنت في نقمة لأنك لست آمناً ولا البلاد آمنة ولا هناك أي أمن، فأنت تعيش في جحيم وتقول لي هذه نعمة، فنعمة ماذا هذه؟ هل هذه نعمة من يعيش في الجحيم؟ النعمة الحقيقة هى الأمن، أي حين يكون الأمن موجوداً – يَأْتِيهَا رِزْقُهَا – إذن رجعنا إلى ضروريات العيش، الأمن والاستقرار والطمأنينة والرزق، موجود لدينا الأكل والشرب والملابس والحمد لله – رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ – لا يُوجَد أمن ولا يُوجَد طعام – بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ۩، وقد يقول لي أحدهم الآن هل أنت تُهلوِّس يا عدنان؟ هذه قرية كافرة، وأنا أقول له يا رجل الله يقول فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ۩ ولم يقل كفرت بالله وإنما قال فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ۩، وطبعاً أنا أسألكم وأقول لكم بالله عليكم وبكتاب ربي تبارك وتعالى أجيبوني: أي نعمة أعظم بعد الإيمان؟ الأخوة، أي أخوة المؤمنين والحب بين المؤمنين ووحدة هذه الأمة، ولذا قال الله فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ۩، ولذلك المصطفي القرآني – أي النبي – يستحيل أن يصح عنه حديث وفي الواقع يكون صحيحاً ولا يكون فهماً في كتاب الله، فما رأيكم؟النبي يمتح ويصدر ويفرغ باستمرار عن منطق كتاب الله – تبارك وتعالى – وعن روح القرآن، فكل علمه من القرآن الكريم، وهنا قد يقول لي أحدكم هل هذا يكفي؟ وأنا بدوري أقول هذا لا يكفي، لأن – والله العظيم – لو دخلت كل جامعات الدنيا لا يُمكِن أن تُحصِّل ما في القرآن من أثامين وبواطن العلم، هذا يستحيل طبعاً، فهذا كتاب عظيم لكن نحن منه على الشاطيء فقط ولعلنا حتى لم ندخل خطوة واحدة، فالنبي من كتاب الله ماذا قال؟ قال في حديث الوداع – هذه وصاة النبي، فهل حفظنا وصاته فينا؟ أشهد بالله أننا ما حفظناها بل ضيعناها ومنذ أمد- بعد أن وقف في الناس – في مائة وأربعة عشر ألفاً – ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، وهو يُخاطب مَن؟ يُخاطِب المسلمين، أي أمته وأصحابه، ويقول لهم هذه أكبر كفرة كفرية، لكن هذا كفر بماذا؟ ليس بالله وإنما كفر بنعمة الله، قال الله فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ۩، لكن نحن كفرنا بنعمة الإخوة، فلعنا بعضنا بعضاً وأفكنا بعضنا البعض وبهتنا بعضنا البعض وقتلنا بعضنا البعض ، ولذا نحن كفار نعمة ولسنا كفاراً في الدين، ومن هنا الله قال فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ۩، أي كانت من كفّار النعمة، فماذا أذاقها الله؟ ما يذيقنا اليوم – لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ۩ – طبعاً، ونحن نسينا حظاً – لن أقول حظوظاً وحظوظاً وإنما سأقول يا سيدي حظاً – من كتاب الله ومن سنة المصطفى – عليه الصلاة وأفضل السلام – النبي الحليم الأواه، فماذا يكون جزاء من نسيَ حظاً من دينه؟ قال الله فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ ۩، يا الله! هذا هو الإسلام، ليس الإسلام أن تأتيني وتختزل آية من كتاب الله وتأخذ لي بحديث واحد وتعمل لي تنظيماً حزبياً وتنشر أفكاراً عجيبة غريبة وتقول لي هذا هو الإسلام، فهذا إسلام مُختزَل ومُجتزأ ومن ثم ضاعت منه حظوظ كثيرة ومع ذلك تقاتل عليه، ومن هنا أنا أقول لك ستدب البغضاء بسببك بينك وبين أمتك وستتناحر هذه الأمة، لذلك أي دعوة إلى الإسلام وأي فهم إلى الإسلام يقود المسلمين – الكلام عن المسلمين مع بعضهم البعض وليس عن مسلم وكافر حتى لا يضحكوا علينا مرة أخرى بعد خمسين سنة – أن يقتل بعضهم بعضاً وأن يلعن بعضهم بعضاً وأن يبغض بعضهم بعضاً الله بريء منه ورسوله ونحن نُعلن أننا برئاء منه، فهذا ليس الإسلام الحق، ما رأيكم؟ هذا إسلام مُزيَّف، هذا إسلام منقوص حظوظاً كثيرة، وأي دعوة بين الإسلام تُؤلِّف بين أبناء الأمة وتُحبِّب بعضهم في بعض وتُوحِّد صفوفهم وتلم شعثهم وتلم شملهم بالحري والقطع – بإذن الله – أنها قريبة جداً من روح الدين إن لم تكن من روح الدين وصلبه، فهذا هو الإسلام إذن، ولذلك يقول النبي ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، لكننا نسينا هذا الحظ وكفرنا بهذه النعمة، إذن هذا الحد الأدنى، وأنا أقول أنني أدعوا نفسي وكل إخواني المسلمين إلى هذا، علماً بأنني كففت – إن شاء الله – عن استخدام لفظة إسلاميين لأنها من الألفظ التي فرقت هذه الأمة، فما معنى إسلامي؟ كلنا مسلمون، فما عدنا نقول هذا مسلم وهذا إسلامي، ما هذه التفرقة الغبية؟ نحن مسلمون وانتهى هذا اللعب، نحن مسلمون مُوحِّدون ونصلي في مسجد واحد، فكيف يُقال هذا مسلم وهذا إسلامي؟ هذه تفرقة عجيبة غريبة، فلماذا إذن؟ هو يريدك أن تفهم الإسلام وفق منظوره هو، لكن الإسلام عمره ألف وأربعمائة سنة، فالإسلام واسع وأنا استطيع أن أعود إلى إسلامي وإلى تراثي وإلى أئمة علمائي فأفهم هذا الإسلام وآخذ من هذا الإسلام ويكون لي الفهم الذي أقتنع به ولن أرغمك عليه ولن أقاتل من أجل هذا الفهم الضيق، وكلٌ يفهم ما يسعه بإذن الله، لكن نريد فهماً في الحد الأدنى يسع الجميع ويحوط الجميع ويضمن الحياة والكرامة للجميع والأمن للجميع، فانتبهوا إلى هذا وإلا هذه سوف تكون فهوماً عبثية في الدين وسوف يكون هذا تعضية وتمزيقاً للدين، فيُمزق الدين بإسم فهم الدين ونحن لا نريد هذا، وبكلمة واحدة أقول قاعدة هامة، وهى أن أي فهم أو أي فهوم في الدين تُمزِّق وحدة الأمة هى تمزق الدين قبلاً، لأن لا يُمكِن أن تتمزَّق الأمة بالفهم إلا إن كان هذا الفهم تمزيقياً للدين ذاته وفي ذاته، لكن حين يُوجَد فهم في الحد الأدنى – في الحد الأدنى على الأقل – يُوحِّد الامة فإنه سيحفظ للدين وحدته، هذا واضح طبعاً،فكل أحوال المسلمين اليوم تنادي عليه بألف دليل وعشرة آلاف برهان، ولذلك يجب أن نعمل على هذين الأمرين، تقول الآية الكريمة وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ۩، هل هذا قرآن أم ليس قرآناً؟ هذا ليس من تأليف محمد، لا يُمكِن لأحد أن يُؤلِّف كتاباً في ثلاث وعشرين سنة ودائماً يؤكد المعنى ذاته في الاجتماع الديني والسياسي، وخاصة الاجتماع الديني لأن القضية هنا قضية ماذا؟ قالوا نحن نختلف معك يا محمد ليس بسبب الهدى، فواضح إنك رجل فعلاً هاد ومهدي وأن ما تدعو إليه هو هدى مستنير إن شاء الله وهدي مستقيم ولكن نحن نختلف معك لأن هذا سيؤثر على مصالحنا الإقتصادية وسوف تتألب علينا العرب وربما يرمونا عن قوس واحدة وبعد ذلك سوف تنقطع معائشنا وتجارتنا، فماذا قال الله؟ أجاب عن هؤلاء قائلاً وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا – يتألَّبون علينا وتنقطع معائشنا – أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً ۩، فإذن الله يتحدَّث عن الأمن والأرزاق، وهذا معنى قوله الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ۩، فالأمن والأرزاق يمُثِّلان الحد الادنى، وعلى كل حال هذا هو الفقه القرآني، إذا أردت الفقه القرآني وأردت أن تعمل أحزاباً إسلامية وبرامج إسلامية فهذا هو الحد الأدنى، الحد الأدنى هو وحدة الوطن عبر تأكيد أمن الوطن واستقرار الوطن وأرزاق الوطن حين لا تُحارَب ثم يأتي تأكيد المعاني الأخرى مثل أخوة الدين ضمن أخوة الوطن ومع أخوة الوطن وأخوة الوطن أيضاَ إلى جانب أخوة الدين لأنهما لا يتعارضان ومن ثم لا تُوجَد أي مشكلة، وقد وسَّع الرسول وحزبه وصحبه مهاجرين وأنصاراً هذا المعنى فليسعنا بإذن الله تبارك وتعالى.
نسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العُليا أن يُؤمِّن المسلمين في أوطانهم وفي ديارهم وأن يُؤمِّن العالمين وأن يقطع المحن والبلاء والفتن والوباء والزنا والخنا والفحش والإلحاد والكفر والفسوق والطغيان. اللهم آمين برحمتك يا أرحم الراحمين. حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصان واجعلنا من الراشدين، رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ۩.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وأرحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات.
اللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اجعل سريرتنا خير من علانيتنا واجعل سريرتنا خيرة برحمتك يا أرحم الراحمين.
نسألك فعل الخيرات وترك المُنكَرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين يا أرحم الراحمين، اجعلنا نخشاك حتى كأنا نراك وأسعِدنا بتقواك ولا تُشقِنا بمعصيتك وخِر لنا في قدرتك وبارك لنا في خيرتك حتى لا نحب تأخير ما عجلت ولا تعجيل ما أخرت واجعل اللهم غنانا في أنفسنا ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩، وأقم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (23/1/2015)
أضف تعليق