هذا المقال استوحيته بُعيد سماعي لخطبة للمفكر الكبير دكتور عدنان إبراهيم، الذي ينفق عمره لإيقاظ وعي الغافلين.
وقد تتعدد أنماط غفلتنا عن أحوالنا، فمثلاً، كثر يفاجأون لدى سماع أصواتهم مسجلة، وأكثر منهم من يكرهونه ويستنكرونه ويكأن هذا الصوت ليس منهم وليسوا منه. بل هناك من يُعرب عن نفوره حال سماع صوته لشعوره بغربة عنه، فيندهش كيف يتحدث سريعًا بنحو اللاهث يوقعه في خطأ أكل الكلام وعدم إعطاء الحروف حقها، ويندهش لنبرته وكان يرسم لنفسه صورة عظيم ذي صوت رخيم، رزين، أجش. فما أن يسمعه مسجلا، فإذا به يجده قريبا من “السرسعة”، مسرفا في الضحك كمن يكافئ نفسه على طرفة لم تَجِد صدى لدى مستمعيه فيحييها بنفسه.
وقد يحدث أن تشاهد شريطا مسجلا لعرس حضرته، فإن استأت من أسلوب هندامك وحكمت على ظهورك بهذه البدلة أو رأيت إطلالتك بهذا الفستان لم تكن موفقة -فقط- لدى مطالعتك لصورتك، فلتعلم أنك لست خبيرا بنفسك حتى إنك لم تمنح ذاتك وقتا لتستبصر مظهرك.
لو لم تتوقعي موعد دورتك الشهرية فثقي أنك غريبة عن ذاتك.
لو فوجئت لدى ارتدائك قميصا للمرة الثانية، أن رائحة للعرق عالقة به، فأنت لست خبيرا بطبيعة جسدك حتى إنك لم تلحظ أنك سريع التعرق.
لو قابلت جارتك بالمرآب حال توجهك لمكتبك، ثم دعوتها دعوة مراكبية على فنجان قهوة داخل بيتك، فلبت، فأنت تجهلين في نفسك كونك تحرجين بسهولة.
لو ضاعت منك المفاتيح، الجوال والنظارة لعدة مرات أو نسيت مكانهما، فأنت تجهل عن نفسك أنك سريع النسيان.
لو تفتأ تعاني من ألم أسنانك دون علاج العصب لأشهر، فهذا ينهض دليلاً على جهل عن حالك، صفة التباهي بدور الضحية، كونك شمعة تحترق في سبيل الآخرين، حتى إن آخر شيء تفكر فيه هو آلامك، كما يشفيك التأوه من وجع أسنانك أكثر مما يداويك العلاج.
لو دخلت مقهى وسألك ضيفك ماذا تشرب؟ فأجبت: أي شيء.
فثق أنك شخصية تجهل ما تريده لمعدتها، أتتوقع أنك ستتعرف بسهولة على ما تريده الحياة منك أو ما تريده أنت من الحياة؟
لو فار منك الحليب على النار لعشر مرات، فثقي أنك تجهلين تحديد الوقت اللازم لمتابعة واجباتك المنزلية.
لو أحجمت عن رفض تحميلك أعباء كتوصيل جارتك أو إعطاء دروس لقريبة زوجك، ما ينتج عنه اضطرارك للجمع في الصلاة، فثقي أنك تجهلين في نفسك صفة الغفلة.
لو عجزت عن الاعتذار عن حضور مناسبة كون وقتها سيجعلك تتأخر عن مواعيدك ما سيجعلك تستمع لنقد على تأخرك، فاعلم أنك مجامل أكثر من اللازم.
فما بالك لو منحت هذه الذات فرصة لاستبصار دخائل نفسك، لتكون نفسك أنت لا قرينا باهتا لنفوس الآخرين.
فقد يهالك كم الاستكشافات التي ستفسر لك ولربما تفجأ أنك تجيد الكذب على حالك تمامًا كما تتقنه بإزاء الآخرين كما وستنبهر بقدراتك على الاحتيال بخلط المفاهيم، عدا مهاراتك في التلاعب بنواياك للوصول لأهدافك.
فهل تعتقد أن لديك ملكة المحاكمة العقلية لذاتك التي ذكرها المفكر د. عدنان إبراهيم؟
هل تعي إن كانت بواعثك ذاتية أم تماثلية وتقليدية؟
أتستطيع أن تقيّم أحكامك على البشر إن كانت تخضع لأهواء شخصية أم موضوعية، أم لأجندتك الخفية؟
ألاحظت إن كان فكرك انطباعيا أم استدلاليا أم هوائيا؟
أتتأمل نفسك في المرآة لإصلاح هيئتك أم لتتعالى على البشر بهندامك ولسان حالك يصرخ: “أنا صديقكم الأعلى”، “أنا قريبكم الأغنى”.
أتهفو لعروسك، أم أنه شغف بالجديد الذي يثير فيك -بفعل الشهوة- اهتماما مؤقتا لا يلبث أن يزول، فتهمل زوجتك ولا تحصنها وتُعرضها لفتن تنهشها لا أول لها ولا آخر؟
ألديك مهارة تحديد إن كنت في حالة انجذاب، إعجاب، حب، سعيد بكونك مقبولا كسائر أقرانك، أم أن الأمر لم يكن سوى محض “رغبة”؟
أترى أن من الحكمة “التجاوز عن حماية شرفك” بالسماح لتنشيط هرمونات شرّك البسيط، على أمل أن تنتج زلاتك عن خير عميم؟ كمن يتاجر بعرض بناته مقابل صفقات مادية أو معنوية ثم يستغفر لاحقًا ويكون من المحسنين، المتبرعين لمراكز الأيتام!
أتعتذر عن فظاظاتك المبطنة إن لمست في سلوكك إيذاء لمشاعر أخوك أم لا تبادر للمصالحة إلا لو لاحظت إعراضًا بإزاء معاملته تجاهك؟ ما يعني أنك تنتظر لتتأكد عما إذا كان قد بلع المهانة ومرّرها إليك، أم فاض به الكيل وقرر اختصارك من حياته بعد ان هشمت ثقته فيك تهشيما؟
أتلحظ اللوعة، المطاطية والتلون بشخصيتك؟ وهل تضبط نفسك محترفًا بتقنين ضحكاتك، فتعرف لمن تمنحها ومع من تمنعها ولو بقايا ابتسامة كنت مانحها لشخصية غنية شهيرة.. فإنك تسحبها، إذا واجهت بعدها شخصا فقيرا، لا حيثية له، على هامش الحياة!؟
هل ردود فعلك مستوية وناتجة عن تصرفات وسلوكيات لا تتحملها أم أنك تشخصن قضاياك وتزنها، فتغضب مع بعض وتسكن مع آخرين، فتغض الطرف مع النخبة، على أنك تهيج على الخدم، وتموج على المهمشين، وتعصف بزوجتك، وتضرب أبناءك، وتسب ناطورك، ثم إن هناك من ترحب بهم لكنك تغتابهم بمجرد غيابهم عن ناظريك؟
هل تلحظ لمن تفتح باباك ومع من توصده وعن ماذا تغافلت أو صمت ومتى ازدوجت معايرك؟ ومع من تجبرت من منطلق قوة ومع من استضعفت من منطلق لؤم لا من باب الاحتساب؟
هل لديك ملكة التفريق بين سلوكك المرائي وسواه المجامل؟
أتفعل ما تُريده أنت أم أنك ُمتأقلم، فتُريد ما يُراد لك كما ورد عن د. عدنان؟
أتصلي للخالق فيتحقق في نفسك معنى العبودية لله، بالخضوع والتسليم له أم سعيد بهرولتك للحاق بتكبيرة الاحرام، فتركع بركبتيك ثم تسجد بجبهتك -صوريًا- مع خالقك، على أنك -فعليًا- تجيد الاتصال وتتقن الانصياع لأصحاب المعالي، فتمارس عبوديتك الفعلية معهم؟
أتعلم أن “خطأك البسيط أفضل من صوابك المقلد” كما ذكر العلامة عدنان إبراهيم؟ “فذنوبك صنيعة مقترفات يدك ستثمر لك عن ندم حقيقي وتوبة صادقة كونهما نابعين من ألم معاناتك الذاتية وستكون أفضل لذاتك من تقليدك أنماطا صحيحة ورثتها”، كما ذكر فضيلته، لأنها كانت مرفوعة شعارًا لدى محيطك ما سيحولك لآلة تقلد أفعال الآخرين الصائبة والخاطئة، فتفعل ما يحظى بقبولهم أو تختلق أكاذيب عن معتقداتك ليقينك أنها ستجلب لك قبول مجتمعك.
أتكرر عبارات الشكر دون الشعور بالامتنان أو إبداء العرفان؟
أتستخدم جمل الترحيب الزائفة لضيوفك، فيفضحها صوت كسول متثاقل؟
أتراك تحب وتكره كما شاهدتهم “بالرائي” كيف يتحابون، أم تراك تفضل أن يكرهك أحدهم بطريقة مرتضى منصور على قسوته، عن أن يحبك أحدهم على منوال أحمد عز على خسته.
أتستخدم نفس جمل العزاء دون أن تكون صادقًا في مواساتك من تعزيه، لكنك ذهبت لرفع العتب أمام محيطك ثم إنك تسامرت في العزاء وتلاقيت مع المعارف وتضاحكتم، فضحكت بذلك على نفسك وضحك عليك المجتمع أيضًا وخدعك بإحساسك أنك قمت بواجب العزاء.
أتأتي مجلسا تخالطه، كمن يتحسس المياه قبل الولوج فيها “ليجس النبض” فإن رأى جمعًا دينيا أطلق لحيته وإن صادف علمانيا عافاها، ولو جالس فقراء يشتكون غلاء، ندب عوزًا، وإن صادف زهادا، أسفر كلامه عن روميًا يعلن أن الكفن ما له جيوب. وإن خالط الأغنياء زج بحديث عن ميراثه من العقارات والفدن.
هل تواجه قناعاتك ولو كانت ” المصلحة” هي إلهك الوحيد الذي عبدته من دون الله.
افعلها فألم كشف الجراح هو أول خطوات العلاج من أجل شفاء علل النفوس.
أضف تعليق