إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ۩ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ۩ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
في مجلسٍ ضمني مع عددٍ من أحبابي في الله جرى سؤالٌ وحوارٌ عن الخُطبة الماضية، خطبة أبطال سفّاحون وقدّيسون ملعونون، ما الموضوع الرئيس للخُطبة؟ ما رسالة الخُطبة؟ ما موضوعها العتيد الرئيس؟ فوضح لي أن الأمر لم يكن واضحاً لكثيرٍ مِمَن استمع إلى هذه الخُطبة، طبعاً ليس يضر أن يُفيد المرء معلومة من هنا ومفهومة من هناك لكن ما هو أكثر أهمية وأكثر مقصودية أن نفهم رسالة الخُطبة، ستكون هذه الخُطبة وصلاً لها إذن، إن جاز التعبير وأعوذ بالله من زلات اللسان لا يجوز خصخصة مفهوم الله، لا أستطيع أن أقول الله، أستغفر الله العظيم، لا يجوز خصخصة الإيمان بالله، إذا كان الله وهو كذلك مُطلَقاً رباً للعالمين فلا يجوز بأي حالٍ من الأحوال أن يُفهَم وأن يُقارَب الإيمان به وطبعاً بلا شك صورة الله ومفهوم الله – تبارك وتعالى – والاعتقاد في الله على أنه شيئٌ يختص بأمةٍ ما أو بقبيلٍ من الناس حتى وإن كانت الأمة الإسلامية وهى ربع العالم، هذا غير صحيح، لأنه ليس رب المُسلِمين وحدهم بل هو رب العالمين، لماذا ذكرنا هذا في سياق الأبطال السفّاحين والقدّيسين الملعونين؟ لأن هؤلاء القدّيسين وأولئكم الأبطال كما هى العادة بلا شك يجري دائماً خصخصتهم وقومنتهم وقبلنتهم وشعبنتهم إن جاز التعبير، بطلٌ كبير وقدّيس عظيم لشعب ما أو لطائفة ما أو لمذهب ما أو لأمة ما، الله بالذات لا يجوز أن يكون كذلك إطلاقاً لأنه رب العالمين، طبعاً وضح لدينا أن قومنة وشعبنة وخصخصة هؤلاء الرموز الكبار دائماً إنما تأتي في سياق الصراع، أي في سياق صراعي، مُعظَم هؤلاء الأبطال إذا تعلَّق الأمر بالسياسة وبالعسكرة إنما هم أبطال صراعيون انتصروا على أقوامٍ آخرين، حطَّموا أقواماً آخرين وإن بالظلم، وفي مُعظَم الحالات على الإطلاق بالظلم وليس بالعدل والاستحقاق، لكنهم – كما قلنا – أبطالٌ ورموزٌ مُبجَّلون باذخون مُمجَّدون بين أقوامهم وشعوبهم، حين نُخصخِص أو نحصر أو نُضيِّق مفهوم الإيمان بالله رب العالمين – وهذا تناقض واضحة من أول القضية ومن أول المشوار، كيف رب العالمين وكيف بعد ذلك نُخصخِصة أو نٌقومِنه أو نُضيِّقه أو نحصره؟ لا يجوز أصلاً – لا نزيد على أن نُساهِم بإضافة عامل جديد في الصراع، أي في اتعاس البشرية وهذا ما حدث ولا يزال يحدث وهو الشيئ العجيب، كيف يكون دين من عند رب العالمين – لا إله إلا هو – والمفروض ابتداءً أن يكون لإحلال السلام والمحبة والوئام بين البشر ويكون فيه خصخصة لمفهوم الله؟ لماذا؟ هو رب العالمين، رب الأسرة – أي أسرة من الأسر ولله المثل الأعلى – إنما يقصد إلى ويعمل على دائماً وعلى الدوام على المواءمة والتأليف بين أفراد أسرته وإحلال المحبة والتفاهم بينهم، أليس كذلك؟ وهو رب أسرة، فكيف برب العالمين؟ إذن حقيقٌ أن يعمل وأن يقصد إلى تعريف الناس بعضهم ببعض، إحلال المُصالَحة والمُسالَمة والمحبة والتفاهم والحوار والأخذ والعطاء والتبادل بينهم، هذا منطق الآيات التي تلوناها للتو، أي فرغنا من تلاوتها للتو، يبدأ طبعاً بالإصلاح بين الإخوة في دائرة الأمة الواحدة، قال الله إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۩، وهنا قد يقول لي أحدكم طبعاً هذه نزعة حصرية والكل يفعل هذا، لكن هذا غير صحيح، هو لم يكتف بهذا، أرأيتم السياق العظيم جداً وهو سياق عالٍ باذخ؟ في آخر هذا السياق يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ۩ هل قال لتصارعوا؟ هل قال لتفانوا؟ هل قال لتذابحوا؟ هل قال لتقاتلوا؟ لا، قال لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ۩، نوَّهنا في الخُطبة السابقة على أن قوله أَتْقَاكُمْ ۩ بمعنى ألزمكم للحدود، الحدود التي لا يحصل معها طغيان ولا بغي ولا عدوان على الآخرين، هذه هى التقوى قرآنياً وليس تحكمياً، هذه هى التقوى.
أيها الإخوة:
مثل هذا المنظور واضح أنه مُؤسَّس على ومُتفرِّع من رؤية كونية قرآنية إلهية مُتكامِلة، من اللطيف أنني بعد الصلاة جرى حوار بيني وبين إخواني هنا في هذا المسجد المُبارَك – أسأل الله أن يُبارِكه وأن يُبارِك كل مَن يختلف فيه وأن يُبارِك عباده جميعاً – عن سبب إسلام روجيه Roger أو رجاء Raaga جارودي Garaudy – رحمة الله تعالى عليه – وتطرَّق السؤال إلى ما الذي وجده جاروديGaraudy في الإسلام بالذات؟ ذلك السبب أو الباعث لكن ماذا وجد في الإسلام؟ باختصار نحن ننقل عن الرجل الكبير المُتوفى إلى رحمة الله، قال ما وجدته في الإسلام ولم أجده في غيره صيغة مُتزِنة مُعتدِلة من الرؤية الوجودية، الرؤية للذات الفردية والمجموعية، الرؤية للطبيعة والعالم والكون، الرؤية للغيب والشهادة، الرؤية للدنيا والآخرة، الرؤية للفرد والجماعة، الرؤية للبدن والروح، هذا شيئ عجيب، توازن غير عادي، وهذا صحيح بلا شك طبعاً، في نهاية المطاف كما الجماعات الأفراد أيضاً ينطلقون من فلسفة خاصة، كل جماعة لها فلسفتها وكل فرد أيضاً له فلسفة وفي المُعظَم طبعاً هى تتطابق وتتواءم مع فلسفة الجماعة ومع روح الجماعة، هذه الفلسفة بمعنى الرؤية للعالم، الرؤية الوجودية هى أعلى تجليات الفلسفة كما قال أحد المُفكِّرين، قال هناك الرؤية الوجودية أو ما يُعرَف بالإنجليزية بـ World View وبالإلمانية بـ Weltanschauung، الـ Weltanschauung مُصطلَح من قبل دلتالي Dilthey، معروف من أيام الفيلسوف النقدي الكبير كانط Kant، الـ Weltanschauung أو الرؤية للعالم نحن نُسميها الرؤية الكونية أو الرؤية الوجودية، طبعاً ستُصدَمون أنها في النهاية تُساوي العقيدة، هى العقيدة، العقيدة تُعطيك هذه الرؤية الكونية وتتصدى للجواب عن أسئلة ستة، المفروض أن كل رؤية كونية تامة مُتكامِلة صحيحة كانت أم خاطئة – هذا موضوع حكم قيم لا نتطرَّق إليه الآن وإلا سيجر إلى مشاكل – تفعل هذا، لكن كل رؤية كونية من حيث هى تتصدى للجواب عن أسئلة ستة أو ست أسئلة، الأسئلة المعروفة بالوجودية، ماذا؟ نموذج الواقع، أي الأنطولوجيا Anthology، ماذا؟ ما الموجود؟ ما الوجود؟ الوجود من حيث هو، هذا يُعرَف بسؤال الوجود الأنطولوجيا Anthology، إذن ماذا؟ هو نموذج للواقع، نموذج لما هو كائن، من أين؟ سؤال النشأة، نموذج للماضي، حين يتطرَّق الدين لهذه الأسئلة يُجيب على نحو، حين يتطرَّق العلم وهو يتطرَّق لهذه الأسئلة بالذات يُجيب على نحو آخر، العلم معني – مثلاً – بنموذج الماضي أن يقول لك البيج بانج Big Bang، من أين؟ البيج بانج Big Bang، الدين لا يقف عند هذا الحد، يُمكِن أن يستوعب هذه الرؤية العلمية، لكن لا يقتنع بها، ما معنى البيج بانج Big Bang؟ البيج بانج Big Bang لا يُفسِّر كل شيئ وإن أصر ستيفن هوكينج Stephen Hawking بطريقته العجيبة الغريبة، لا يُفسِّر كل شيئ، الدين يتجاوز هذا، يستوعبه ثم يتجاوزه، الروح الإنسانية تطمح إلى ما يتجاوز أيضاً العطاء العلمي هنا وهو غير كافٍ، فلسلفياً غير كافٍ، على كل حال إذن نموذج الماضي، وإلى أين؟ سؤال المصير، نموذج المُستقبَل، إذن ثلاثة نماذج، العلم بالذات يتعاطى مع هذه الأسئلة، نمذجة للواقع وللماضي وللمُستقبَل، وكما قلنا له مُقارَبته الخاصة التي تختلف في قليل أو كثير عن المُقارَبات الدينية والفلسفية بعامة، تبقى الثلاثة الأسئلة الأُخرى وهى تُعتبَر من اختصاص الدين بشكل رئيس، تدخل الفلسفة على الخط، العلم تقريباً لا يصلح لمُقارَبة هذه المسائل الثلاثة، هو لا يتعاطى معها، في حين يتعاطى الدين مع الأسئلة ستتها، أي مع ستة الأسئلة، السؤال الأول من الثلاثة الأُخرى وهو الرابع ما الخير وما الشر؟ الأكسيولوجيا Axiology، سؤال الأكسيولوجيا Axiology، سؤال القيم، ما الخير وما الشر؟ هنا يُبدِع الدين، العلم يقف عاجزاً، أبكم أخرص لا يحيل جواباً، لا يستطيع أن يُدلي بشيئ، ثم السؤال الذي ينبني على سؤال القيم، على الأكسيولوجيا Axiology يُوجَد سؤال البركسيولوجيا Praxeology، سؤال التصرّف، كيف نتصرَّف؟ كيف نسلك؟ كيف ننشط؟ كيف نفعل؟ وعلى أي أساس؟ هذا ينبني على سؤال القيم، وأخيراً سؤال الإبستمولوجيا Epistemology أو سؤال المعرفة، ما الصح وما الغلط؟ وهذا بخصوص المعرفة بالذات، معرفة الذات ومعرفة الواقع والعالم، هل يُمكِن أن نعرف؟ وإذا أمكن ما هى وسائل المعرفة؟ وإذا عرفنا بهذه الوسائل ما هو القدر الصحيح وما القدر المُرشَّح أن يكون غالطاً من هذه المعارف المُراكَمة؟ هى أسئلة الإبستمولوجيا Epistemology الثلاثة، لدينا ستة أسئلة، الإسلام حين تعاطى مع هذه الأسئلة الستة ليبني رؤيته الوجودية لا أقول أبدع – ما معنى أبدع؟ هذه منظومة إلهية – وإنما أتى بشيئ فوق الإبداع، شيئ عجيب، هذا الشيئ الذي ظل يبحث عنه روجيه Roger أو رجاء Raaga – بعد إسلامه رحمة الله عليه – جارودي Garaudy عبر عقود، عقود في عمر ليس إنساناً عادياً كسولاً، جارودي Garaudy كان يقرأ في اليوم عشرة كتب، مُعدَّل قراءته يومياً عشرة كتب، بعض مَن يُدعى مُفكِّراً لا يقرأ العشرة ربما في ستة أشهر، هذا يقرأها في يوم، قال لم أجد هذه الرؤية المُعتدِلة المُتوازِنة إلا في الإسلام، ولذلك طبيعي جداً أن يبدأ المرء بإصلاح بيته الداخلي ليُساهِم بعد ذلك في إصلاح القرية أو المدينة؟ أليس كذلك؟ هذا طبيعي، لا يُمكِن أن يأتي مَن بيته مُتهدِّم – كما قال المسيح بيته مُخرَّب – ويدّعي إصلاح العالم، أصلِح بيتك يا أخي، هذا كلام فارغ، أصلِح نفسك أولاً قبل أن تُصلِح العالمين إذا تعلَّق الأمر بالإصلاح، أنت خرب مُتهدِّم مُتداعٍ وتدَعي أنك تستطيع أن تُصلِحني، تماماً للأسف بكل المرارة وبكامل الأسف نقول هذا كحال المُسلِمين اليوم، اليوم المُسلِمون في حالة غير تصالحية بالمرة مع أنفسهم، المُسلِم في مُواجَهة المُسلِم، علماً بأن هذا ليس من اليوم، من أيام حرب الخليج الأولى، المُسلِم في مُواجَهة المُسلِم، المُوحِّد في مُواجَهة المُوحِّد، الدم النازف هو دم مُسلِمين، بأيدي مُسلِمين وبأسلحة مُسلِمين للأسف الشديد وأفعال مُسلِمين، ولذلك المُسلِمون حريٌ بهم وقد فعلوا أن يصمتوا إذا تعلَّق الأمر بالمُساهَمة العالمية، في القيم والتصالح والسلام آخر صوت يُسمَع أو آخر صوت مُرشَّح أن يُسمَع صوت المُسلِمين، الكل يقول كما نقول في عبه أو في جوفه أو في باطنه وإن لم يُصرِّح يا أخي اذهب فأصلِح بيتك، أنت تدّعي أنك مُؤهَّل ولائق أن تُقدِّم لي صيغة للتصالح العالمي أو صيغة للسلام، وطبعاً يتحدَّث الآن مجموعة من المُفكِّرين وخاصة الآسيويين وبعض الغربيين عن أن حضارة عالمية قيد التكوّن، قيد التنشّؤ الآن، واضح أن الحضارة الغربية إلى الآن فشلت أن تُبرهِن أنها عالمية بحق وخاصة في عصر العولمة، لم تستطع أن تُثبِت أنها عالمية، ما زلت مُعتقَلة في فخ مركزيتها وفي فخ أيضاً بعض القيم الحداثية القائمة على أُسس الهيمنة والسيطرة والاستنزاف، للأسف هذه خطيئتها، أعتقد مرةً الأديب الفرنسي العظيم والأديب العالمي أندريه جيد André Gide قال يا ليتني كنت قرأت رينيه جينو René Guénon – وهو المُفكِّر الفرنسي العالمي اللامع الذي أسلم بفضل الله تبارك وتعالى وعاش مُعظَم حياته ومات عارفاً من العارفين العظام بالله تبارك وتعالى تحت إسم عبد الواحد يحيى قدَّس الله سره الكريم، وكان أستاذاً بمعنى ما لشيخ الأزهر العلّامة الإمام عبد الحليم محمود، هو كان أستاذاً له – مُنذ البداية، إذن لتغيَّرت حياتي تماماً، رينيه جينو René Guénon يضع إصبعنا على أخطائنا القاتلة كحضارة، ثم يستتلى أندريه جيد André Gide قائلاً لكن لم يعد باليد حيلة، يبدو أننا مُضطَرون أن نُواصِل، ماذا تُواصِل؟ قال مشوار الفناء، يقول جيد Gide سننتهي إلى الفناء، انتبهوا إلى هذا، فرق كبير جداً جداً بين المداخل الصحافية والإعلامية والتلفزيونية وبين طريقة المُفكِّرين في النظر، أنا اليوم أزعم أن الأمة العربية بالذات أكثر من الإسلامية تحتاج إلى مُفكِّر حقيقي، الأمة الإسلامية لديها بفضل الله بعض النجوم في ماليزيا والبعض في تركيا وربما في إيران، لكن العرب بالذات لا يكادون – والله أعلم – يتوفَّرون على مُفكِّر حقيقي، رغم كل مآسي وحطام وهُشاش وجُزازات العرب ورغم كل هذه المرائر والكوارث التي حاقت بهم لا تكاد تسمع مَن يستحق لقب مُفكِّر يُعطيك نظرة بانورامية عامة أو نظرة طائرة على المشهد، يقول لك أين وإلى أين بشكل واضح، لا يُوجَد مَن هو كذلك، ولذلك لا أحد أيضاً معني بشكل جدي ومسؤول بأن يُعرِب عن إمكانية واستعداد الإسلام في هذه اللحظة الحرجة من حياته وحياة أمته للإسهام في هذه الحضار العالمية قيد التنشّؤ والتكوّن، أنا لا أعني أنه لا يُوجَد في واقع الأمر مُفكِّرون طبعاً يُلقون مثل هذه النظرات، هذا مُستحيل، هذه مُبالَغة مرفوضة تماماً، لكن الذي أعنيه حتى أكون واضحاً لا يُوجَد مُفكِّرون يُلهِمون القواعد الشعبية، أُريد مُفكِّرين منابريين، أي لهم منابر واسعة جداً بحيث يُشكِّلون المخيال الشعبوي ويُشارِكون في بناء رؤية جماعية أو مجموعية، هذا هو المقصود، وإلا يُوجَد مُفكِّرون مُتجرِّدون للفكر ويكتبون ويدرسون، بلا شك هم موجودون، وينبغي تحريك هؤلاء وتشجيع هؤلاء لكي يُدلوا بدلوهم ولكي يُحاوِلوا فعلاً أن يُلهِموا هذه الجماهير الغفيرة الغافية في الوقت نفسه، تعرفون يا إخواني وتعيشون هذا، العلم الإسلامي وبالذات العربي منه وهو ربما ربع العالم الإسلامي أو أقل أو أكثر تعثَّر ولا يزال في استجابته للحضارة الغربية، كل ما ترون من تداعيات وتوالي التعثر في الاستجابة للتحدي الغربي – تحدي الحضارة الغربية – وذلك من أيام رفاعة الطهطاوي وحتى ربما قبل ذلك إلى اليوم، وهذا السؤال لا يزال يُطرَح ولكن مللنا من طرحه وابتُذِل تماماً ولم يعد أحد معنياً بأن يسمع السؤال أو الجواب، ما الموقف من الحضارة الغربية؟ الموقف مُلتبِس مُتعثِّر تماماً، نحن إذن فشلنا، فهل ترون أننا سننجح غداً في التعاطي مع حضارة ربما تأتي على حُطام البشرية – لا قدَّر الله ولا سمح – وربما تأتي على حُطام العرب والمُسلِمين بالذات وهم يتحطَّمون الآن؟ على كل حال حين تنشأ حين هذه الحضارة وتتكوَّن – لعلها تتكوَّن في مائة سنة و في مائتي سنة – هل ترون أن المُسلِمين لو ظلوا على هذه الحالة الزرية سيكونون مُؤهِّلين ولائقين ومُستعِدين أن يتعاطوا مع هذه الحضارة الكونية ضمن منظومتها القيمية والمعيارية التي تتحرَّك بها؟ هذا سؤال فكر يتعاطى معه المُفكِّرون، لا تكاد تُطرَح مثل هذه الأسئلة، لا تكاد تُطرَح مثل هذه المُقارَبات أصلاً، لأننا مُتعثِّرون بأذيالنا كما قلت، نحن لا نعرف أصلاً كيف نلتقط الشوك الذي أصابنا في أرجلنا وذلك في الساحة العربية البسيطة الصغيرة جداً على مُستوى البلد الواحد، يتداعى ويتهشَّش ويطير شعاعاً البلد الواحد البسيط، فكيف تتحدَّث عن أمة عربية ثم تتحدَّث عن أمة إسلامية؟ ألقاب ومفاهيم فخمة جداً وضخمة وهى أكبر منا بكثير، أكبر منا بمراحل.
الله – تبارك وتعالى – بلا شِك من حيثية الذات – من حيثية ذاته – الأكبر مُطلَقاً، هذا غير داخل أيضاً في النقاش، ولكن الله – تبارك وتعالى – كما نبَّهت غير مرة من حيث مُقارَبتنا له ومن حيث فهمنا له للأسف الشديد ليس دائماً الأكبر، كلمة جريئة جداً أقولها لكن الواقع يُؤكِّدها بألف برهان وبرهان، وقلت حتى في الخُطبة السابقة هذا، وطبعاً بعض الناس يقول لك هذه عبارة إلحادية، وهذا غير صحيح، القرآن قال هذا، القرآن قال بعض الناس أو فريق من الناس هواه هو إلهه، إذن هواه أكبر من الله الحقيقي للأسف الشديد، هذا هو الإلحاد الحقيقي، أن يعيش المرء بمثل هذا الفهم وبمثل هذا الاعتقاد الوثني، هذا اعتقاد وثني، أن يعبد الإنسان هواه ويجعله إلهاً له أو يكون إلهه هواه والعياذ بالله تبارك وتعالى، وطبعاً هذا الهوى قد يتشكَّل في شكل قبيلة، قد يتمثَّل في شكل قبيلة أو شعب أو طائفة أو مذهب أو أمة، وأيضاً كل هذا لا شيئ بالقياس إلى الله تبارك وتعالى، إذن التحدي حين نُقارِب الله، حين نُحاوِل أن نفهم الله تبارك وتعالى، هذا التحدي مفتوح وسيبقى مفتوحاً إلى الأبد، لابد باستمرار أن نذهب تجاه الأوسع والأكثر اندياحاً وليس تجاه الأقصر والأكثر انحصاراً وانغلاقاً، هذا يستحيل لأن الله أكبر، بمعنى نحن نُسلِّم أن الله ذاتاً أكبر من كل ذات، ينبغي أن نُسلِّم وبوعي، ينبغي أن نفعل هذا بوعي، نفعله ونحن واعين به، ينبغي أن نُسلِّم أن الله أكبر من كل فهمٍ له، يأتينا مُفكِّر أو داعية أو شيخ أو عارف بالله أو فيلسوف ويُحاوِل أن يُقارِب الله – تبارك وتعالى – من منظور مُعيَّن وهذا جميل ونقبله خُطوة على الطريق – إذا كان مقبولاً مبدئياً ومُلتئماً بثوابت القرآن ومقاصدة وغاياته الإنسانية المُنفتِحة تماماً طبعاً – وأن الله ينبغي أن يكون أكبر، لكن الله أكبر من هذا أيضاً، وهذا أمر عجيب، قد يقول لكن أنا قدَّمت تسامحاً وكذا كذا، لكن الله أكبر من كل هذا، والنبي كان يقول هذا، مهما طمعت في الله ومهما حُدِّثت عن كرم الله وتسامح الله وعطاء الله ورحمة الله يبقى الله أكبر من كل هذا، أكبر من كل وهم لا إله إلا هو، هذا بعض معنى أن الله أكبر لا إله إلا هو، إذن من حيثية أن الله أكبر مفهومياً ينبغي أن نُعيد النظر في مُقارَبتنا للآخر على أساس ديني، هذا الدين ليس لنا كما قلت، وهم التملك شيئٌ خطير، أنت حين تتعاطى مع بشر مثلك محدود – محدود في الزمان والمكان وفي القدرات واللياقات – ونسبي وضعيف بمنطق التملك – مع زوجتك أو مع زميلك أو مع أستاذك أو مع ابنك أو مع صديقك – فإن هذا يُسمِّم العلاقة ويُدمِّرها تماماً، يُفرِغها من محتواها الإنساني الحقيقي، للأسف نحن نقع أيضاً في وهم التملك حين نتعاطى مع الله تبارك وتعالى، ونحسب أنه ربنا نحن وأنه لنا، وهذا غير صحيح، كل إضافة في هذا الباب – حين تقول ربي وربنا – ينبغي أن تُفسَّر على أنها إضافة تُحيل إلى التسليم، أن تُسلِم وجهك لله، هو ربك بمعنى الذي أسلمت وجهك له، يعني أسلمت كيانك كله له، ربك بهذا المعنى، لا ربك بمعنى حصري كأنه ربك وحدك، وهم التملك بعض الناس يقع فيه ويتعاطى مع الله على أنه ربه هو بمعنى ما فيُصبِح إيمانه لله تكئةً وذريعةً وباباً لتسويغ رغائبه وجرائمه، حتى جرائمه يُبرِّرها بأن الله يرضى له هذا ويرضى منه هذا ولأن الله ربه، القرآن الكريم أشار إلى هذا المعنى الخطير جداً، وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ ۩، هو لنا، هو أبونا، هذا وهم التملك، القرآن في هذه الآية العجيبة يُشير إلى وهم التملك وهو وهم خطير جداً جداً جداً، لا يُمكِن لأحد أن يقول هذا، وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ ۩، ولذلك مُباشَرةً لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ۩، الباب مفتوح لاجتياح الآخرين ولانتهاك الآخرين ولظلم الآخرين ولمُصادَرة حقوق الآخرين، لأننا أبناء الله، هذا غير صحيح، الصيغة العقدية الوحيدة المُتاحة في هذا الباب هى صيغة الإسلام، ليس الإسلام المُحمَّدي وإنما الإسلام الرباني من آدم إلى محمد، علماً بأن هنا أيضاً خطر لي الآن معنىً لطيف وهو أن الإسلام رسالة مُعادة مكرورة، وهنا قد يقول لي أحدكم هل لا يُوجَد إبداع؟ القضية لا تتعلَّق بالإبداع، لا تأخذ القضية من زاوية الإبداع وإنما خُذها من زاوية أُخرى وهى الإمكان، هل لا يُوجَد إمكان لشيئ آخر أفضل وأحسن؟ لا يُوجَد، ليس من زاوية الإبداع، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ ۩، الله لا يُعجِزه أن يبعث لك كل حين بل كل ساعة نبياً بدين جديد، لكن هذا لن يُصلِح الإنسان ولن يُصلِح العالم، العالم والإنسان لا يُصلِحهما إلا صيغة واحدة، ومن هنا التكرار، ظلت هذه الصيغة تتكرَّر، آدم بُعِث بالإسلام، نوح بُعِثَ الإسلام، إدريس وشيت وإبراهيم – أبو التوحيد وأبو الأنبياء وشيخ الأنبياء – بُعِثوا بالإسلام، موسى وعيسى ومحمد بُعِثوا بالإسلام، كل الأنبياء بالإسلام، الإسلام يأتي دائماً، رسالة مكرورة من بديع السماوات والأرض وهو القادر على الإبداع اللانهائي، ما معنى هذا؟ معنى هذا أنه لفتٌ، قال الله وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ۩، وذلك على نطاق المكان وعلى نطاق الزمان، يعني عمودياً وأفقياً، عمودياً في الزمان وأفقياً في المكان، باستمرار الإسلام هو الرسالة الوحيدة التي تتكرَّر، دلالة هذا التكرار خطيرة جداً جداً جداً من ناحية الإمكان – كما قلت – وليس من ناحية الإبداع، من ناحية الإمكان لا يُوجَد إمكان، الله يقول الطرق مسدودة والإمكانات معدومة، هناك إمكانية واحدة فقط لإصلاحك وإصلاح العالم وهى أن تُسلِم وجهك لله فرداً كنت أم قبيلة أم جماعة أم أمة أم حضارة أم ثقافة، لابد من إسلام الوجه لله، إسلام الوجه لله بهذا المعنى العميق للإسلام وهو دين الأنبياء – كما قلنا – المُعاد المكرور، وطبعاً التكرار يعني ماذا؟ الأبدية، بما أنه ظل يتكرَّر إذن هو دين مُؤبَّد، لا يُوجَد غيره، والطرق – كما قلنا – مسدودة، الطرق كلها مسدودة، إسلام الوجه بهذا المعنى هو براءةٌ للفرد والجماعة من إرادة التسلط والهيمنة والظلم والبغي والعلو في الأرض، قال الله تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ۩، هذا كان شعار عمر بن عبد العزيز، شعار ونقش خاتم الإمام العادل – الإمام عظيم العدل الذي غيَّر العالم في سنتين فقط رضوان الله عليه – تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ۩، الوقّافين عند حدود الله بلا بغي وبلا علو وبلا إفساد، وهنا قد يقول لي أحدكم هذا الكلام مُبتذَل، لكن هذا غير صحيح، الذي جعل هذا الكلام بلا معنى ابتذال أمته له، ابتذال المُسلِمين لهذا الكلام، وإلا هذا الكلام أكثر من خطير وأكثر من مُهِم وأكثر من شريف ونفيس، صيغة وحيدة لم تتكرَّر صيغة غيرها ولا يُمكِن استبدال غيرها بها، لا يُمكِن إلا إذا أردنا أن نستبدل الكارثة بالسلام والتصالح والحضارة الحقيقية، فالابتذال للأسف فرَّغه من معناه، لماذا؟ هل تعرفون لماذا؟ إذا ذكرنا هذا – مثلاً – فإنه قد يُذكِّرنا مُباشَرةً بصراع الحضارات، قد تقول لي هذه صيغة عاطفية شاعرية، صيغة يفوه بها شاعر، لكن عالم في السياسة أو عالم في الصراع مثل صمويل هنتنجتون Samuel Huntington صاحب صدام الحضارات يتكلَّم بمنطق آخر طبعاً، عليك أن تعرف أنت المنطق الذي يُفرِغ عنه هنتنجتون Huntington وأمثال هنتنجتون Huntington، الرجل من المدرسة السياسية الواقعية – هو كان Realist – التي أسَّسها هانز مورجانثو Hans Morgenthau، هانز مورجانثو Hans Morgenthau هو أبو الواقعية في السياسة الأمريكية وهو الذي أسَّس هذه المدرسة، مُلخَّص هذه المدرسة بجُملة واحدة أن وحدة التعاطي والدراسة والعمل في السياسة الدولية هى الدول وليست الجماعات وليست الثقافات وليست الحضارات حتى مثلما ذهب خُطوة إلى الأمام ولذلك هنتنجتون Huntington من المدرسة الواقعية الجديدة، لكن هذا هو الإساس، مورجانثو Morgenthau قال الدول، قال والدول تتعاطى فيما بين بعضه البعض – أي السياسة الخارجية – بمنطق الغلب، القوة الـ Power أو الـ Might، بمنطق الـ Might، لا جديد تحت الشمس، نفس المنطق الاستعماري، نفس المنطق الأوروبي الاستعماري Might Is Right، القوة هى الحق، مورجانثو Hans Morgenthau قال نعم القوة هى الحق، وما الذي يدفع سياسة دولة عُظمى مثلاً كأمريكا – هذه إمبراطورية في الحقيقة طبعاً، عندها قواعد في اثنين وخمسين أو اثنين وستين دولة، فهى إمبراطورية وليست دولة – إلى النشاط والاشتغال؟ قال المصلحة القومية National Interest، المصلحة القومية تُبرِّر عبر القوة واستخدام القوة ظلم الآخرين وانتهاك الآخرين ومُصادَرة الأخرين، من أجل مصلحتنا نحن، رجعنا إلى موضوع أبطال سفّاحين، بالظبط هو هذا، هذا منطق وفلسفة سياسية تُنتِج لنا أبطالاً سفّاحين وقادة ملاعين، كل قدّيس ضمن هذا المنطق هو قدّيس ملعون من كل الآخرين، علماً بأن الغرب إلى الآن غير مُتحرِّج من هذه الصيغة إلى حدٍ ما بل إلى حد بعيد حتى وبالذات هنتنجتون Huntington وهذه المدرسة الواقعية، يُقال The West against the rest، الغرب ضد الآخرين، مع أن هذا الغرب نفسه غير مُتميِّز تماماً لكنهم يضحكون علينا، يقولون الغرب والشرق أو الغرب والإسلام، وهذه لتصنيفات حتى غير منطقية، هناك مسيحية وإسلام أو هندوسية وإسلام لكن كيف غرب وإسلام؟ قل لي غرب وشرق أو إسلام ومسيحية، لكن قيل الغرب والإسلام، هذا الإسلام الشرقي أو الجنوبي، وهذا الغرب المسيحي، لكن ماذا عن المسيحية؟ هل المسيحية بنت الشرق أو الغرب؟ منشأً ومنبتاً وانبثاقاً بنت الشرق، إذن كل هذه تصنيفات تحكيمة وغير علمية وغير دقيقة بالمرة، هذا كله كلام فارغ فقط لتسويغ انتهاك الآخرين، في المنظور وفي الرؤية الكونية القرآنية الإسلامية هذا مرفوض تماماً، قال الله يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۩، وهنا قد تقول لي لكن تبقى الرؤية وردية وتبقى شاعرية، هناك مجال للقوة، هناك مجال للصراع، وهذا موجود طبعاً لكن القرآن أبى حتى هذا المفهوم، أبى هذا المُصطلَح، أعني الصراع، لم يقل صراع، قال مُدافَعة، وهذا شيئ جميل جداً جداً، ويُوجَد فرق كبير بين صراع وبين مُدافَعة، المُدافَعة تُوحي مُباشَرة اشتقاقياً إيتمولوجياً بشيئ آخر، حين نقول مُدافَعة فإن هذا أن شخصاً يدفع شخصاً لكن لا يُنهيه، لا يُجهِز عليه، لا يصرعه، فقط يدفعه، يقول له هذه النوبة الآن ليست لك وإنما لي، على أي أساس قرآنياً؟ في الرؤية القرآنية الكونية أيضاً ليس على أساس القوة أبداً وإنما على أساس الصواب، أنني أهدى منك وأقوم قيلا، رؤيتي أهدى من رؤيتك، ولذلك انتبهوا جيداً، في القرآن الكريم يتكرَّر في غير موضع لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۩، وبالتالي يوم الدين أو يوم الدينونة لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا ۩، أي عما عملنا، انظروا حتى إلى التواضع، أنا أعتقد هذه صيغة تتخطى أكثر ما يشرطه الآن الحواريون العظام على مُستوى العالم، مثل دايساكو إيكيدا Daisaku Ikeda مثلاً، أعظم المُحاوِرين في العالم هذا المُفكِّر الياباني العظيم الذي أجرى إلى الآن ألف وخمسمائة حوار مع قادة سياسيين وعسكريين وفنانين ورجال دين وفلاسفة ومُؤرِّخين، شيئ غير طبيعي، يا ليت كان في المُسلِمين مَن أجرى خمسين حواراً عالمياً، لكن دايساكو Daisaku أجرى ألف وخمسمائة حوار، وخمسمائة وعشرين شهادة دكتوراة فخرية من العالم أخذها، هذا شيئ مُشرِّف، هذه هى الأمة الحية، هذه هى اليابان، هذا الرجل ياباني، أمة ناشئة لديها فكر وعنفوان الحياة والحضارة والتقدّم، أُناس تعرف كيف تعيش على الأقل، فدايساكو إيكيدا Daisaku Ikeda هو أستاذ الحوار في القرن العشرين وإلى الآن تقريباً لم نره مثله وقد وضع شروطاً كثيرة يُمكِن أن تعودوا إليها في كتاباته الكثيرة، لكن لم يصل حتى إلى هذه النُقطة، أن تُعبِّر عن اختياراتك الرؤيوية والعملية بالقول أَجْرَمْنَا ۩، لا بأس، أنت تراني مُجرِماً ولا تُوجَد مُشكِلة في هذا، أنا فقط سأنظر إلى عملك، وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ۩، ونحن أجرمنا ولا بأس، ومن أول الطريق وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ۩، يُمكِن أن أكون أنا ضالاً، النبي يقول هذا، النبي الذي يُوحى إليه والمأمور بالتبليغ، هل هناك ثمة تمهيد للحوار واستليان واستجذاب للآخر أكثر من هذا؟ لا والله، شيئ غير طبيعي بالمرة.
طبعاً كما يحدث في كل خُطبة يندس لك مَن يُعلِّق على الخُطبة على اليوتيوب YouTube قائلاً ما هذا الكلام؟ وطبعاً هذا يهزهم، يقول الواحد منهم ما هذا الكلام؟ قرآنكم فيه وفيه، وهو لا يفهم القرآن أصلاً ولا يُريد أن يفهم، لذلك لا تشتغلوا بهؤلاء، وهؤلاء خطيرون، من جهة ماذا؟ ليس من جهة أنهم يهزون ثقتنا في ديننا، إذا تعلَّق الأمر بذلك نحن الذين نتكلَّم ولست أنت يا عدو الإسلام، أنت شانئ تُحرِّكك فقط البغضاء وإرادة الانتصار وإرادة التشويه، واضح أن مَن تُحرِّكه البغضاء وإرادة الانتصار والتشويه فقط هو إنسان يبحث عن مصلحة Interest، هناك مصلحة مُعيَّنة، لو كان إنساناً بمعنى الإنسان الحق لن يهمه إلا مُستقبَل النوع الإنساني، كل إنسان بما هو مُسلِماً كان أم غير مُسلِم – يهودياً أو مسيحياً أو بوذياً أو ماركسياً أو لا دينياً أو أياً كان – سيهمه جداً مُستقبَل النوع الإنساني، مُستقبَل البشرية، كيف تتعايش؟ كيف تتفاهم؟ كيف تتواصل؟ ولذلك سيُشجِّع ويُبارِك ويُثمِّن ويرفع القبعة لكل كلمة ولكل إنجاز على هذا الطريق يأتي من مُسلِم أو من يهودي أو من مسيحي أو من هندوسي أو من أيٍ كان، وهكذا ينبغي أن نُفكِّر، نعم ليس كل وربما ليس مُعظَم المُسلِمين يُفكِّرون على هذا النحو لكن هل تعرفون لماذا؟ مرة أُخرى لأنهم أيتام بلا مُفكِّرين، هم لم يتعلَّموا أن يسمعوا من مُفكِّرين حقيقيين، تعلَّموا أن يسمعوا من شيوخ منابر تُحرِّك كثيراً منهم – ولأكن قاسياً – إرادة الهيمنة والسيطرة على الآخرين – على جماهيرهم – وإرادة التشفي، ما معنى أن يأتي يُعلِّق شيخ – مثلاً – على فنان بأنه كذا وكذا ويسب عِرضه طبعاً ويطعن في عِرضه ويحكم على آخرته؟ ما هذا؟ هل تُصلِحه أنت بهذه الطريقة؟ هل تستميله؟ هل تقول له قولاً حسناً؟ قال الله وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ۩، هل هذا يُؤكِّد أنك حريص عليه وحريص على آخرته وعلى سلامته الروحية؟ لا والله بالمرة، فقط أنت تُريد أن تُصفّي حساباً، تُريد أن تُنفِّس عن شيئ في نفسك، هذه حالة مرضية في الباثولوجيا Pathology، هذه حالة مرضية يجب أن تُعالَج من هذه الزاوية كحالة مرضية وليس كحالة فكرية، فما الشأن إذن؟ ما الذي يُتوقَع من جماهير تربت وتغذت على أمثال هؤلاء لعشرات السنين؟ طبعاً هم ضحايا.
بعد الخُطبة السابقة اتصل بي أخ حبيب وهو شيخ من أهل العلم وأنا رأيي فيه حسنٌ جداً بفضل الله وهو من بلاد داغستان، أي أنه داغستاني وكان مُتأثِّراً جداً بالخُطبة حين تحدَّثت عن قتل بعض العلماء رحمة الله عليهم، قال لي أنا أيضاً شيخي يا شيخ في ألفين وثلاثة عشر، قلت له شيخك أنت في داغستان؟ كيف؟ ولماذا؟ قال لي من نفس هذه الجماعات، الجماعات التي تدّعي أنها تنتسب إلى السلف الصالحين وهى مملوءة بالتطرّف والغلو والحقد والكره وإلغاء الآخر والجهل، الجهل قبل كل شيئ فانتبهوا، الجهل ليس جاهلاً فقط، الجهل ظالم أيضاً، الجهل لا يقف عند حدود ذاته وعند حدوده جهلاً بل يتعدّى هذا، وطبيعي وحقيقٌ بالجهل أن يستحيل ظلماً، أليس كذلك؟ يُقال هنا قبل أن تحكم على الأشياء عليك أن تعرف الحقائق، يُوجَد درس لم يتعلَّمه البشر إلا ما ندر ومَن ندر من القضاء، درس رهيب جداً يحدث كل يوم أمامنا، لكن يبدو أنه لم يُوح إلينا بشيئ، وكان جديراً أن يُوحي إلينا بشيئ عظيم جداً، وهو درس القضاء، حين يختلف اثنان في قضية بسيطة تتعلَّق ببضع مئات أو ألوف من الدولارات أو الجنيهات أو بقذف – شخص تكلَّم في عِرض على شخص، شخص ألَّب على شخص، شخص حرَّض على شخص – ما الذي يحدث؟ يُقتادان إلى المحكمة، علماً بأن طريقة التحاكم طريقة في التواصل لا نرجوها ولا نُحِبها لكن تُمليها ضرورات الحياة، التواصل له أنماط كثير، أعتقد أفضلها على الإطلاق الحوار، أرقى طريقة إنسانية أن نتحاور، لكن الحوار له شروط وهذا موضوع آخر يحتاج أكيد إلى خُطبة، ليس الحوار بإرادة الهيمنة والتأثير والإقناع والتفنيد، الحوار شيئ مُختلِف تماماً، أعتقد أن الحوار مبدئياً بالطريقة الهابرماسية – يورغن هابرماس Jürgen Habermas – الحوار التواصلي أو ما يُسميه هو بالعقلانية التواصلية Communicative rationality، قال إذا شيبَت مُحاوَلات التواصل هذه بأي إرادة في أدنى الحدود للتأثير فسد التواصل، لماذا إذن؟ للتفاهم، أُحاوِل أن أفهمك، أنا هنا لا أرى يورغن هابرماس Jürgen Habermas – الفيلسوف الألماني الكبير وعالم الاجتماع أيضاً الذي لا يزال حياً إلى الآن، أي أنه مُعمَّر – أتى بشيئ يتجاوز قوله تعالى في كلمة واحدة لِتَعَارَفُوا۩، ليس ليهدي بعضكم بعضاً، ليس ليُؤثِّر بعضكم في بعض، وإنما قال لِتَعَارَفُوا۩، أُحِب أن أعرفك فقط قبل أن أحكم عليك، القضاء يُعلِّمنا هذا الدرس القاسي العميق الحرج الحسّاس لكن لم نتعلَّم، قلَّ مَن تعلَّم، لكي يُحكَم في قضية ثلاثمائة يورو أو ثلاثة آلاف أو قضية كلمة قيلت هنا أو هناك المسألة قد تقتضي خمس جلسات أو عشر جلسات وتمتد عبر سنة أو سنة ونصف أو سنتين أحياناً، وثائق كبيرة وأدلة ومُقارَنات وقرائن وشهود وبيّنات، هذا حكم طبعاً، نُريد أن نحكم، هل أخطأ هذا أم لم يُخطيء؟ مَن الظالم؟ مَن المظلوم؟ لكن ما بالنا نحكم على ثقافات وعلى حضارات وعلى أمم وعلى أديان بكلمة ومن مُنطلَق الجهل القُح والجهل المحض، يُقال – مثلاً – المُسلِمون أشرار إلا بعضهم، كيف؟ كيف أطلقت هذا الحكم؟ يُقال كل الإرهابيين في العالم مُسلِمون وإن لم يكن كل المُسلِمين إرهابيين، يا سلام؟ كل الإرهابيين في العالم مُسلِمون؟ هكذا عادل بين الإسلام والإرهاب بكلمة واحدة، يُقال اليابانيون وثنيون، اليابانيون شعوب وثنية لا يُفكِّرون في الله بالمرة، هل هكذا حكمت على الشعب الياباني والتاريخ الياباني والثقافية اليابانية وقلت أنهم وثنيون؟ للأسف هذا الجاهل القُح الذي يتمتع باستبقاء واستدامة حالة جهلة، هناك أُناس يُحِبون هذا، بعض الناس عنده حالة من العِداء للمعرفة – والله – لكن هل تعرف لماذا؟ لأن عنده كبر داخلي، عنده كبر كأنه يقول مَن الذي سيُعلِّمني؟ أنا أفهم كل شيئ، أنا أبو العُرّيف كما يُقال، لماذا أسمع؟ لماذا أقرأ؟ أنا أبو العُرّيف، تجد مثل هذا الجاهل القُح المُتمتِع باستدامة حالة جهله – الجهل البسيط الساذج الطفولي الفاسق والمُجرِم طبعاً والظالم – مُعتقَلاً في نمط كوَّنته كلمة قرأها في صحيفة أو سمعها في تلفاز أو سمعها من جاره حين كان طفلاً صغيراً تقول اليابان كذا أو المصريون كذا أو التوانسة كذا أو الأمريكان اللاتين كذا أو المسيحيون كذا أو اليهود كذا أو الأشعرية كذا أو السلفية كذا أو الشيعة كذا أو السُنة كذا وما إلى ذلك، أنت جاهل وظالم وستُبعَث يوم القيامة ظالماً، قال الله وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ ۩، وستُسأل عن كل كلمة أطلقتها في حق القبائل والشعوب والأمم والأديان والطوائف والمذاهب والحضارت، لماذا؟ لماذا هذا الظلم؟ وأنت لم تُساهِم ببناء جسور التواصل، بالعكس أنت قطَّعت كل جسور التواصل، أنت كنت شيطاناً دون أن تدري، لعبت دور شيطان، الشيطان يُفرِّق ويبث البغضاء بين الناس والغمز والهمز واللمز بين الناس، أليس كذلك؟ لا يجوز، الإنسان العاقل ليس كذلك، والإنسان طبعاً المُنفتِح الإنسانية والمُنفتِح القلب والعقل لا يكون كذلك، وهنا تقول لماذا أحكم على الآخرين؟ الحكم خطيئة كما قال سانت أوغستين Saint Augustine، الحكم على الآخرين خطيئة، إذا أردت أن أحكم فهذا سيُكلِّفني الكثير، سيُكلِّفني أن أنزع عني جلباب الجهالة وأن أتعلَّم لكي أحكم على الآخرين، وبمقدار ما أتعلَّم – والتعلّم يقتضي وقتاً طويلا ً في كل المجالات – يتسع منظوري ويتسع الانضباط لدي في الحكم قليلاً، لن أُعطي حكماً نهائياً إلا بمقدار ما أدرس وأتعلَّم وأتعب، أليس كذلك؟ لكن قبيح وعيب جداً جداً أن يأتي – كما قلت أكثر مِن مرة – مَن يقول لك أنت مُسلِم؟ نعم مُسلِم، إذن أنتم تضطهدون النساء، المرأة عندكم مُضطهَدة، كيف عرفت؟ ما الذي تعرف من وضع المرأة في الإسلام في التاريخ والحضارة وفي الفكر والثقافة وفي واقع المُسلِمين وفي النص؟ عموماً حين نُريد أن نتعاطى مع أي مسألة لدينا مجموعة – تصنيفات – من الأدلة، هناك الأدلة الوثائقية، ماذا قال الله وماذا قال الرسول، وبعد ذلك ماذا قال الفقهاء في الموضوع، لكن أهم شيئ الأدلة المُؤسِّسة التي تتعلَّق بماذا قال الله وماذا قال الرسول، هل تعرفها؟ هذه الأدلة الوثائقية، وبعد ذلك هناك الأدلة العقلية المبنية على مفهوم الاتساق Consistency، تستنتج استنتاجات مُتسِقة دقيقة والعقل يحكم أن استنتاجك كان دقيقاً لكن لابد أن يكون مبنياً على الادلة الوثائقية، ثالث تصنيف في الأدلة الأدلة الواقعية، مدى التئام الواقع بالنظرية، هل واقع المُسلِمين يعكس تماماً ما لديهم من أدلة وثائقية في هذا الموضوع؟ هل طبَّقوا إسلامهم كما هو ثم رأينا المرأة مظلومة ومُضطهَدة؟ القضية مُعقَّدة، قضية فكر، لا ليس هكذا.
قُبيل قليل ذكرت الفيلسوف الألماني وعالم الاجتماع الألماني العظيم يورغن هابرماس Jürgen Habermas، هذا الرجل حين تحدَّث عن العقلانية تحدَّث عن أنواع من العقلانية، انتبهوا إلى هذا، ولذلك حين يتحدَّث أحدهم ويقول فلان غير عقلاني أو غير علمي أو عقلاني بشكل زائد قليلاً أو عقلاني ضد الوحي يكون هذا غير مقبول، يا أخي بالله عليك لا تتحدَّث عن العقل إلا بعد أن تفهم ما هو العقل وما هى العقلانية، يجب أن تُفلسِف هذا الشيئ وتكون فيلسوفاً أولاً، لكنك تأتي تتحدَّث وأنت لا تعرف حتى تعريف العقل، تأتي تتحدَّث وتقول هذا عقلاني وهذا غير عقلاني ثم تُعطي أحكاماً على الناس وتُدخِل وتُخرِج مَن تشاء في رحمة الله أو جحيم الله، هذا لا يجوز، هذه جهالة، الجهلاء – كما قلت مرة – والشعوب البدائية والبدائيون دائماً ينزعون إلى إطلاق أحكام قيمة، يقولون جيد أو غير جيد ونُحِبه أو نكرهه ومعنا أو ضدنا، لكن المُتحضِر ليس كذلك، كلما تحضَّر الإنسان وصار مُتعلِّماً ومُثقَّفاً يُقِل من إصدار أحكام القيمة ويأخذ في مُحاوَلة الفهم، يُحاوِل أن يفهم، والفهم يتأتى عنه الوصف، يصف الأشياء بدقة، والحكم على الشيئ فرع تصوره، بعد ذلك يُمكِن أن يُصدِر حكماً ليس حكم قيمة وإنما يُصدِر حكماً وضعياً فيصف الشيئ كما هو، لماذا لا يُصدِر أحكام قيمة؟ بسبب موضوع العقلانيات التي تحدَّث عنها هابرماس Habermas، قال هناك طبقات من العقلانية، هناك العقلانية العملية Practical rationality، العقلانية العملية ما هى عند هابرماس Habermas؟ عند هابرماس Habermas العقلانية العملية ما يُسمى بالـ Common sense، أي الحس المُشترَك، كل شعب أو كل أمة أو كل قبيل من الناس عندهم بعض المعايير وبعض المفاهيم والتقاليد الثقافية والفكرية التي يرون أنها تُلائمهم وتُناسِبهم، هذا أمر عادي ويحصل دائماً، هذا ليس عيباً ولا تُوجَد فيه مُشكِلة، أين العيب؟ حين يتجاوزون بها نطاقهم المحدود النسبي ويظنون أنها قوانين عالمية مثلما قال جورج برنارد شو George Bernard Shaw، برنارد شو Bernard Shaw ماذا قال؟ قال عيبه أنه يحسب عادات قبيلته قانون العالم، كأن هذه العادات قوانين كونية، لماذا تضع رجلاً على رجل؟ هذا عادي، عند الأوربيين عادي، عند العرب عيب، هذه ليست مسألة فطرية ولا عقلية أن الذي يضع رجلاً على رجل يعني أنه يحتقرك، الأجانب كلهم يضعون رجلاً على رجل، يجلس أمام رئيسة ويضع رجله بهذه الطريقة، هذا أمر عادي، وضعها أردوغان Erdoğan أمام أوباما Obama فقال البعض أردوغان Erdoğan انتقم منه، لا ليس هكذا، هذه طريقة العرب والأتراك في التفكير، هذه طريقة الجهل، من المُمكِن أن التركي فهمها على هذا النحو بناءً على عقلنيته العملية وكذلك العربي طبعاً لكن لا يفهمها أوباما Obama بهذا المعنى، أوباما Obama لم يتحسَّس منها ولم يفهمها، لأن أوباما Obama حين وضع رجله لم يكن قصده أن يُحرِج أردوغان Erdoğan أو يقول له أنا أعلى منك، هذا أمر عادي، افهم العقلانية العملية عند هابرماس Habermas، هناك العقلانية الأداتية Instrumental Rationality، العقلانية الأداتية الأدواتية ما هى؟ هذه تتعلَّق بالأمور العملية والتقنية والفنية بشكل كبير وأيضاً تتعلَّق بشؤون الحياة اليومية، إنجاز أي شيئ بطريقة فعّالة – Effective – وقصيرة وغير مُكلِفة يُسمونه العقلانية الأداتية، الحضارة الأوروبية هى حضارة هذه العقلانية بالذات، عندها هذه المسألة بشكل كبير، النازيون حين أبادوا الغجر واليهود والسلاف في مُعسكَراتهم وخاصة في أوشفيتز Auschwitz إلى جانب كراكوف Kraków في بولندا – وهذه أصبحت أيقونه طبعاً – كانوا يستخدمون العقلانية الأداتية، من الناحية الأخلاقية هى صفر بل دون الصفر، هذا إجرام أن تُحرق الناس ويُقتل البشر أياً كانوا، لا يُوجَد شيئ يُبرِّر ما فعلوه على الإطلاق لا باليهود ولا بالنور ولا بالسلاف ولا بغيرهم، لكنهم كانوا يعملون هذا بعقلانية أدواتية مُمتازة، كيفية الشحن وكيفية الضبط وكيفية التسيير وكيفية إنزالهم وكيفية تجريدهم وكيفية وضعهم في طوابير وكيفية بعد ذلك أخذهم إلى الأفران وحرقهم وكيفية التصرف بالبقايا تم بطريقة فعّالة غير مُكلِفة وسريعة، ألف ألف كما يُقال، ما هذه العقلانية البارئة من كل أخلاق؟ هذه عقلانية أدواتية أو أداتية، أمعن هايدجر Heidegger في الكلام عنها كثيراً، هناك العقلانية النقدية Critical rationality، يقول هابرماس Habermas كل الأديان والعقائد والأيدولوجيات طبعاً تحظى بمُفكِّرين نقدة يقومون بالمُساءلة، مُساءلة منظوماتهم ورؤاهم العقدية والكونية والأيدولوجية، قال هذه مسألة مطلوبة، ثم تحدَّث عن ما يُريد هو، قال هناك العقلانية التواصلية كما قلت لكم، كيف يتواصل البشر مع بعضهم البعض في المُجتمَع الواحد بالذات وبين المُجتمَعات؟ على أساس التفاهم – كما قلنا – المُملى من الاحترام وتقدير الآخر والكفاءة، أنت كفءٌ لي، لا أرى نفسي فوقك أبداً، ولا أرى نفسي مُؤهَّلاً لكي أحكم عليك أبداً، أنا أُريد أن أفهمك، الله قال لِتَعَارَفُوا ۩، هذه كلمة عجيبة، نتكلَّم فيها عشر ساعات ولا نفرغ والله، قال الله وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا۩؟ ما معنى قوله وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ۩؟ لغات وأعراق وأجناس وبالتالي ثقافات ومفاهيم وأديان وتوجهات ومصالح وانتماءات وتحيّزات، قال كل هذا لا يمنع من أن نتعارف، يا الله، هذا معنى قول الله وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ۩، كل ما ذكرت، وفي المُقابِل لا يمنع أن تتعارفوا، لكن مثلما قالت راشيل كارسون Rachel Carson مرة – العالمة والفيلسوف البيئية الشهيرة – ينقصنا في هذا الزمان وفي كل زمان شيئٌ هى أسمته حس الدهشة، A Sense of oh أو A Sense of Wonder، ليس عندنا هذه الـ Oh، لماذا؟ انظروا إلى العربي هنا – مثلاً – أو المُسلِم في أوروبا، يعيش ثلاثين سنة ولا يعرف شيئاً عن تاريخ أوروبا، حين تُحدِّثه عن الإصلاح الديني يقول لك ما معنى الإصلاح الديني؟ لعله سمع في يوم من الأيام بكالفن Calvin، لعله سمع بمارتن لوثر Martin Luther، حين تقول له مارتن لوثر Martin Luther يقول لك مارتن لوثر Martin Luther الذي طخوه، أليس كذلك؟ يقصد مارتن لوثر كينج Martin Luther King، يقول مارتن لوثر Martin Luther الذي طخوه، أليس كذلك؟ يا ابني هذا في القرن العشرين وذاك في القرن السادس عشر، الله يفتح عليك، هل أنت في التاريخ وفي علم التاريخ تُمثِّل صفراً؟ هو غير معني بهذا، ماذا تفعل في أووربا هنا؟ من ثلاثين سنة يعيش فيها ولا يعرف شيئاً عن تاريخ أوروبا ولا تاريخ حروبها ولا أفكارها ولا علومها ولا شيئ، ليس عنده A Sense of oh، جاء إلى هنا ورأى أوروبا العظيمة فقط، بالأمس استمع إلى مقطع لرجل أسأل الله ألا يكون انتحر، قال هذا المسكين قبل أن ينتحر وصيته، وهو عربي في السويد ومن البداية يقول لك هؤلاء الناس أنانيون وشرسون جداً، يعني السويد، لكن هم شعوب مُحترَمة جداً جداً جداً، الأوروبيون هنا في الغرب الأوربي يرون أنفسهم حتى شبه مُتخلِّفين بالقياس إلى إسكندناف بسبب المُستوى الراقي جداً في التعامل مع البشر ومع الناس فعلاً، لكن هذا يُعطيك انطباعاً مُختلِفاً، واضح أن هذا المسكين كان مُتحيِّزاً، قال أرادوا منا من أول يوم أن نتعلَّم لغتهم، أرأيتم؟ قال هؤلاء أنانيون، كل شيئ يفعلونه لفائدتهم هم، لماذا يا حبيبي؟ هل أنت أينشتاين Einstein؟ هل أنت أرسطو Aristotle؟ هل لو تعلَّمت لغتهم سوف ترفع رأسهم؟ هو يفهم المسألة على هذا النحو، وهذا أعطاني مُقارَبة لفهم الجنون، وهذا شيئ ثانٍ، الجنون هو النظر من ثقب إبرة، قال كل شيئ يفعلون لمصلحتهم، نحن نتعلَّم لغتهم، لكن أنت تتعلَّم لغتهم من أجل أنت، لكي تعيش في مُجتمَع لابد أن تعرف لغة هذا المُجتمَع، لكي تفهم هذا المُجتمَع لابد أن تفهم ثقافته، وهذا لا يُمكِن إلا باللغة كعنصر أولي في البداية فضلاً عن الثقافة وغيرها، هذه عقلية غريبة جداً جداً جداً.
على كل حال نعود ونقول ليس عندنا الـ A Sense of oh ، خطير جداً الذي يتسرَّع في أن يحكم عليك دون أن يُحرِّكه حس الدهشة وحس الفضول لكي يعرفك أولاً، قل لي لماذا هو خطير بل هو خطير جداً؟ لأن مَن لم يُحرِّكه ولم يبعثه حس الفضول وحس الدهشة ليتعرَّف عليك ويقف على ما لديك أنا مُتأكِّد من أنه حين يتحرَّك ليحكم عليك سوف يُريد أن يُنهيك، لماذا تحكم؟ أين ذهب الحكم؟ لكي تُنهيني، قال أرأيتم هذا؟ ماذا به؟ هذا زنديق، هذا يا رجل ضد الأمة وكذا وكذا، لكن ماذا تعرف عنه؟ لا شيئ، ماذا قرأت له؟ ماذا شاهدت له؟ لا شيئ، ومع ذلك يحكم، أنت جلّاد، أنت مُجرِم، ببساطة أنت شخصٌ مُجرِم، أنت جاهل ومُجرِم، أنت تُمارِس الجريمة، نعود إلى أخينا الداغستاني وسامحوني على هذه الاستطرادات الطويلة وإن شاء يكون فيها فائدة، أخونا الداغستاني قال لي قتلوا شيخي يا شيخ في ألفين وثلاثة عشر، قلت له لماذا؟ وكيف؟ قال لي سأُحدِّثك عن هذا الشيخ رحمة الله تعالى عليه، إسمه الشيخ محمد أكرم فترحَّموا عليه، قال قتلوه وهو في التاسع والثلاثين لا يزال، لم يزل المسكين صغيراً، لم يُنصِّف العمر، قال هذا قضى من خمس إلى ست سنوات في الباكستان يقرأ القرآن بالقراءات وأحكام التلاوة بدقة، جوَّده تجويداً رائعاً، ست سنوات يتعلَّم كتاب الله، قال ثم عاد – رحمة الله على روحه الطاهرة – وعلَّم المئات، قال مئات حفظوا كتاب الله وأنا أحدهم، ومُحدِّثي هذا عالم من علماء داغستان ولديه لغة عربية فصيحة وجميلة ويحفظ كتاب الله، يحفظ ما بين الدفتين، الذي حفَّظه وكان له الفضل بعد الله الشيخ محمد أكرم، قال لي أنا واحد من مئين كان للشيخ بعد الله الفضل في تحفيظهم واستظاهرهم كتاب الله تبارك وتعالى، رضيَ الله عنه، قال لي والله يا أخي في الساعة التي قُتِلَ فيها كنت معه وراجعت معه شيئاً من كتاب الله ثم تكلَّمنا بسرعة ثم ذهب، فاتبعه ثلاثة من هؤلاء المُجرِمين بأسلحتهم، مُسلِمون ودُعاة على نهج السلف الصالح والإسلام الصحيح قالوا اقتلوا الزنديق، حافظ كتاب الله، ست سنوات يتعب مع كتاب الله وحفَّظ المئات كتاب الله ومع ذلك هو زنديق وعدو للإسلام، وسوف نرى لماذا، ماذا فعل هذا؟ تعامل مع مَن؟ قتل مَن؟ كيف حرق بلده؟ كيف مزَّع بلده؟ كيف تعامل مع أعداء؟ هؤلاء مَن يفعلون هذا، أليس كذلك؟ قال أمه في الستين من عمرها، ثلاثة اتبعوه ثم دفعوه ودخلوا وأغلقوا الباب، رمت أمه بنفسها عليه، عرفت أنهم يُريدون قتله لأن كان معهم أسلحة، قالت لهم اقتلوني ولا تقتلوه، قالوا لا، قالت اقتلوني إذن أولاً ثم اقتلوه، قالوا لا، ونحَّوها عنه بعنف وبقوة ثم أفرغوا فيه أمشاطهم أمام أمه، جبر الله كسرها، قلت له يا أخي أُحِب أن أفهم لماذا قتلوه، قال لأنه صوفي، قلت هل هذه تُهمة؟ قال نعم، صوفي، الآن لو أنت سألت أحد كبار علماء الإسلام – ليس علماء الجهالة وليس علماء الجريمة وإنما أحد علماء الإسلام، عالم عالم – سوف يقول لك ما هى الصوفية، أنا هنا في فيينا قبل زُهاء عشرين سنة وشهد على هذا عشرات من إخواني استمعت إلى مُحاضَرة زُهاء ثلاث ساعات عن الصوفية وكان فيها تكفير وزندقة وتحكم في مصائر الصوفية وأن وأن وأن من رجل في المُحاضَرة زعم أنه مُتخصِّص في الصوفية مُذ كان ابن عشر سنوات وأن رسالته للدكتوراة في الصوفية، لو تعرفون حجم الأغلاط والأخطاء والأوهام والأكاذيب التي سمعتها في مُحاضَرة واحدة لن تُصدِّقوا، لم أتركه ولكن لي عادة وهى أنني لا أُحِب أن أُصفِّر وجوه العلماء بين الناس، لا أُحِب هذا، ولا أُحِب أن أراد عليهم أمام الناس وما إلى ذلك، لا أُحِب هذا بفضل الله تبارك وتعالى، استأذنت منه وجلست معه، ويشهد على هذا الآن أكثر من أخ مِمَن هنا في المسجد وبعضهم الآن يُطرِق برأسه لأنهم كانوا معي هناك، أخذته وقلت له يا شيخ أُريد أن أجلس معك، فجلسنا وكان المرحوم الشيخ الأباصيري معنا أيضاً ومعي ورقة كتبت فيها رؤوس الأقلام، المُحاضَرة كلها أغلاط وأكاذيب وأخطاء في الأسماء وفي الكتب وفي العزو وفي المذاهب، كان لا يعرف شيئاً وهو معه دكتوراة ومن سن العشر سنوت في التصوف، أي أنه قضى زُهاء أربعين سنة في التصوف ومعه دكتوراة لكنه – والله – ما أفلح في الرد على واحدة منها، كلها أشياء واضحة، أشياء واضحة تماماً، حين يقول – مثلاً – الفضيل بن عياض ألَّف كتاب الشفا أقول له لا، صح النوم كما يُقال، لا تُوجَد علاقة بين أبي عليّ الفضيل بن عياض في القرن الثاني الهجري وبين القاضي عياض الذي أتى بعده بزُهاء ثلاثة قرون وهو صاحب الشفا، القاضي المالكي المُرابِط – رحمة الله تعالى عليه – الذي قتله المُوحِّدون، ما علاقة هذا بذاك؟ أنت لا تعرف لا عياض هذا ولا عياض ذاك ولم تقرأ الشفا وصح النوم، مثلاً كانت الأخطاء على هذا النحو، أشياء رهيبة، ومن ثم قد تقول لي هذه كارثة – والله – يا عدنان، هذه – والله – كارثة الكوارث، إذا مثل هذا غير جدير بالمرة أن يحكم على الصوفية – ليس هو مَن يحكم على الصوفية إطلاقاً – فكيف بأصحاب الكلاشنكوفات Kalashnikovs من الشباب الذي يعرف من الإسلام فقط لحية يُرسِلها ودشداشة قصيرة وانحياز تام للجنون؟ تحالف مع الجنون والجريمة، مُتحالِف – أنشأ حلفاً حقيقياً – مع الجنون والجريمة أو الجهل والجريمة، كيف سيعرف؟ هذا فقط قيل له صوفي زنديق فذهب وذبحه، هذا هو فقط، وصدق مولانا رسول الله صلى الله على رسول الله وآله وسلم تسليماً كثيراً – عندما قال ويكثر الهرج، فقيل ما الهرج يا رسول الله؟ قال القتل، حتى لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قُتِل، هل ينطبق هذا على زماننا؟ إي والله، إي ونعمة ربي، ينطبق على زماننا تماماً، مُستحيل أن الشيخ محمد أكرم الداغستاني – رحمة الله على روحه الطاهرة – عرف لما قُتِل، المسكين يعرف نفسه – إن شاء الله – كأحد أهل الله وأحد أولياء الله وأولياء كتابه، أليس كذلك؟ قضى وأفنى عمره بين كلمات الله تبارك وتعالى، والله أعلم بما كان يُخبيء من عمله، وهم لا يدرون لم قتلوه، قيل لهم يُقتَل فقتلوه، تماماً كما قُتِل الشيخ نادر الليبي، قالوا جاء كتاب بجماعة ينبغي تصفيتهم لأنهم مُخالِفون، هذا نفس الشيئ، إذن اقتل فيقتل، هل تظنون أن لا أقول مُسلِماً وإنما أقول عاقلاً يفعل هذا بنفسه؟ كيف يُهدِر دم معصوم مُسلِماً كان أم غير مُسلِم لأن أحدهم قال له اقتل؟ هذا مُستحيل وهو شيئ رهيب.
نعود على كل حال إلى موضوعنا، إذن حين لا تمتلك ولا تتوفَّر على حس الدهشة وحس الفضول أن تعرف ما لديهم إياك أن تتنطع للحكم عليهم، أليس كذلك؟ أنت لم تعرف ما لديهم، ليس عندك هذا الحس، إذن ابتعد، لكن ماذا لو فعلت؟ واضح أنك مُجرِم، أنت تسير في طريق الجريمة، أليس كذلك؟ تُريد إقصاء الآخرين والإجهاز على الآخرين، لذا يا إخواني نصيحتي لنفسي ولكم تخفَّفوا من الحكم على الآخرين كل الآخرين، ما علاقتك أنت بالحكم على الناس؟ لست لها، قل لست لها، ما علاقتي؟ ما الذي يُدريني؟ هل أنا مُتخصِّص في هذا؟ لا أعرف ومن ثم لن أتكلَّم، ليس من شأني، ولكن فلان حكم؟ قل هو حكم لكن أنا لا أحكم، وأنا لست ببغاء لفلان لكي أُردِّد ما حكم به فلان، ولست قاضياً، هو يتقلَّد هذا في رقبته أمام الله، أنا ليس لي علاقة، أنا أُحِب أن أُحسِن العمل، أُحِب أن أُصلي جيداً، أتصدَّق جيداً، أرحم العباد، أمسح دموعهم، آسو جراحهم، هذا الذي أُحِبه لنفسي، فأنا أقول لك رضيَ الله عنك وأرضاك بإذن الله تعالى، لكن لا تلعب هذه الأدوار الفارغة، هذه أحد الأخطاء القاتلة للجنس البشري عموماً، فينبغي أن نكون مُتنبِّهين ومُتلفِّتين جيداً، ينبغي أن تُوسِّع إنسانيتك، وهنا قد تقول لي هل هناك إمكانية؟ نعم، لكن أنت لا تعرف نفسك إلى الآن، لا أنت ولا أنا، قبل أسبوعين قلت لإخواني يُوجَد سؤال وهو يحتاج إلى خُطبة، هذا السؤال نُسميه السؤال الحسرة، ليس سؤال الحسرة وإنما السؤال الحسرة، هو بحد ذاته حسرة، هل تعرفون ما هو السؤال المُرشَّح من ضمن أسئلة قليلة أن يكون سؤال حسرة والسؤال الحسرة؟ هل بلغت ما كان يُمكِن أن تبلغه؟ هل حقَّقت من نفسك وفي نفسك وبنفسك ما كان يُمكِن أن تُحقِّقه؟ سوف تقول لي هذا السؤال الحسرة، وهو ليس فقط على المُستوى المعرفي مثل أنني كنت قبل ثلاثين سنة بدأت أتعلَّم العلم الفلاني ولم أُكمِله، تعلَّمت ست شهور وحصَّلت الكثير منه ثم قطعت وتركته وإلا كنت الآن أستاذاً من أساتيذه، قبل ثلاثين سنة بدأت مشروع ادخار صدقة يومية، كل يوم عُشر دولار يا سيدي، عشرة سنت فقط، في الشهر ثلاثة دولارات، أربعون دولاراً في السنة لأنك فقير مسكين، أنت فقير جداً جداً وتعيش على مُساعَدات الدولة، أربعون دولاراً في السنة، لكن هذا كثير، أليس كذلك؟ قبل عشرين سنة بدأت هذا وتوقَّفت، عشرة سنت؟ أربعون دولاراً في السنة، لو استمريت على هذا من قبل عشرين سنة كان يُمكِن لي أن أكون تصدَّقت بمئات إذا لم يكن آلاف الدولارات في ميزاني، أليس كذلك؟ فكيف لو كان أكثر ووضعت كل يوم دولاراً؟ قبل ثلاثين بدأت في حفظ كتاب الله، حفظت البقرة في أقل من شهر – لا إله إلا الله – وبعد ذلك توقَّفت، والآن كبرت وطبعاً تراجعت ذاكرتي وضعفت مُنتي وقوتي وكثرت أشغالي وما يُلهيني، لم أعد أستطيع حتى أن أُراجِع البقرة، لو كنت واصلت لحفظت كتاب الله ولحفظت ربما عشرة من تفاسيره أيضاً سواء الكبيرة أو الصغيرة، هذا كله ضاع علىّ، قبل ثلاثين سنة بدأت مشوار قيام الليل ومكثت قريب من سنة أقوم الليل كل ليلة ولو بثماني ركعات ثم انقطعت، ومن ثلاثين سنة لم أقم الليل، ذهب كل شيئ علىّ، حسرات كبيرة، أليس كذلك؟ وهكذا قبل ثلاثين سنة بدأت قرأت في قراءة الفيزياء أو الكيمياء وإلى آخره ولم أُكمِل، هذا السؤال الحسرة، أنا أقول لكم – وهذا أكثر شيئ يستفيد من الشباب الصغار – ينبغي أن تستدركوا ما بقيَ من الوقت، نعوذ بالله من العجز والكسل، العجز والكسل مُتواخيان، لا يعجز إلا كسول، أما المُتفائل النشط لا يعجز بإذن الله تبارك وتعالى، يستعين بالله ويظل يُحاوِل ويُحاوِل ويُحاوِل ويُكرِّر المُحاوَلة وسينجح في النهاية.
أخْلِقْ بذي الصَّبرِ أن يحظى بحاجتِه ومُدمِن القَرْعِ للأبوابِ أن يَلِجا.
سوف تلج وسوف يُفتَح لك بإذن الله تعالى كما قال المسيح عليه السلام، إذن أقول لك أنت لا تزال لا تعرف نفسك ولا تعرف إمكاناتك، أنت عندك إمكانات أكثر من هائلة، إمكانات كونية في هذه الذات الإنسانية، هذه الإمكانات هل تعرف ما سبيلها وما طريقها؟ الاقتراب من الله، معرفة الله، الله أكبر، كما قلنا الله أكبر من كل مُقارَبة ومن كل فهم نجز له إلى الآن، وهنا قد تقول لي ما هذا الكلام الفلسفي الذي تقوله؟ نحن عندنا قرآن يا رجل، القرآن دلنا على الله، باب هذا السؤال سُدَّ، لكن أنت مسكين، هل تظن أنك قادر على أن تفهم القرآن وتفهمه بالطريقة التي يُريدك الله أن تفهمه بها؟ هذا مُستحيل طبعاً، هل تظن أنك تفهم حديث الله عن الله في القرآن كما فهمه أبو بكر الصدّيق وعليّ وابن الرومي والغزالي فضلاً عن محمد رسول الله؟ أنت مسكين، لا ليست هذه القضية، لا تضحك على نفسك بهذه الأفكار الطفولية غير الناضجة، ولذلك أنت أمام مشروع مفتوح لا نهائي – لا ينتهي إلى أبد الآبدين – لمُقارَبة الأكبر لا إله إلا هو والأوسع لا إله إلا هو، ما الذي يحدث؟ مع كل خُطوة على طريق هذه المُقارَبة والاقتراب ما الذي يحدث؟ تنداح إنسانيتك، تُزخَر بزُخرٍ جديد، تتخصَّب وتثري وتغتني الإنسانية باستمرار، من المُمكِن أن ينتهي بك الأمر بعد عشر أو عشرين أو ثلاثين سنة إلى أن تصير شيئاً مُختلِفاً، في يوم من الأيام قال سهل بن عبد التستري – الصوفي العظيم من تستر – مُعجِزة المعاجز أن يُفلِح الإنسان في تصيير شيئ سيء شيئاً حسناً، الله أفعاله كلها معاجز كما قال أينشتاين Einstein، فكل أفعال الله معاجز لكن بالنسبة للإنسان هل من المُمكِن أن تقوم بمُعجِزة كبيرة؟ طبعاً، ما المُعجِزة الأكبر التي يُمكِن أن يجترجها الإنسان؟ قال مُعجِزة المعاجز أن يُفلِح الإنسان في تصيير شيئ سيء شيئاً حسناً، يا سلام، شخص مُجرِم تجعله بكّاء لطفاً ورقةً وشفافيةً بمُعجِزة، أليس كذلك؟ شخص أهبل جاهل مُغلَق إقصائي حصري تجعله إنسانياً مُنفتِحاً مُتقبِّلاً مُتفاهِماً مُحترِماً للآخرين، هذه مُعجِزة، أنت – وهذه أهم مُعجِزة، هذه مُعجِزة المعاجز فعلاً – أن تُصبِح غيرك، أن تُصبِح شيئاً آخر، كما قال المسيح أن تلد ولادة جديدة، لكن كيف؟ ستلد عملاقاً أكثر عملقنة من الجبال الشواهق وأرفع تعليقاً من السيمرغ أو الفينيق أو العنقاء أكثر بإذن الله، ستصير لك أجنحة تُحلِّق بها حول العرش الرحموتي بالمُقارَبة من الله تبارك وتعالى، بالاقتراب الدائم من الله تبارك وتعالى، هذه السبيل، هناك سبيل مُعارِضة تماماً كما قلنا، فإما أن تتسع إنسانيتك وإما أن تدور حول ذاتك وتجعل من الله ومن كلمات الله وشرع الله تكئةً وسبيلاً لتبرير رغائبك وأهوائك وجرائمك، تقول الله يسمح لي، الله رضيَ لي بهذا، الله بطريقة ما أعطانا الضوء الأخضر، قلبي قال لي، رأيت في المنام، شعرت أو أشعرني قلبي أو هكذا فهمت، إلى آخر هذ الهبل الذي له علاقة بهؤلاء المُجرِمين، هل تعرف هذه سبيل ماذا؟ هى فعلاً سبيل كل جريمة، لأن كل مَن يدور على نفسه شاء أم أبى هو شخصٌ مُنمِّط، سوف يُنمِّط العالم بحسب سُلطته، وسوف يُصبِح مجنوناً، افهموا هذا جيداً، هذا عميق ومُهِم جداً، لعله يكون أهم شيئ في خُطبة اليوم، نحن رأينا مَن يدور مع الله، ماذا يُصبِح؟ يُصبِح أوسع من الكون، ليس أوسع من نفسه بل أوسع من الكون، هو واسع جداً جداً جداً، أحياناً تقرأ رؤى لبعض الصوفية العارفين وتقول الحمد لله أن هؤلاء لا يعيشون اليوم وإلا كانوا سيُذبَحون في خمسين ألف مرة، شخص مثل مولانا جلال الدين الرومي ليس من خلفية جهلاء، أبوه كان سلطان العلماء في بلخ، في أفغانستان اليوم، علماً بأن بلدة بلخ كان تُسمى بكتيريا، وعلى كل حال أبوه كان سلطان العلماء، أي أنه ابن أسرة لها اعتبار وكان سيداً وفقيهاً عظيماً، لو بقيَ جلال الدين الرومي ابن سلطان العلماء كما هو لما سمع به أحد، تماماً مثل ملايين العلماء الذين لا نسمع بهم، علماء أفتوا الناس وعاشوا وماتوا وانتهى الأمر، علماء عاديون حفظوا الكتب وقالوها، لكن مَن هو الرومي الذي وقف له العالم كل العالم؟ اذهب – أتحداك لأنني أعرف وأقرأ – إلى الهند وسوف تجد أنهم يعرفون الرومي، في الصين يعرفون الرومي، في اليابان يعرفونه جيداً، الإنجليز والألمان والأمريكان واليهود وكل العالم يقولون لك الرومي، مَن هو الرومي؟ مَن هذا الأستاذ؟ هذا أستاذ البشرية، لماذا؟ كيف؟ هو مُسلِم أفغاني، أليس كذلك؟ وبعد ذلك صار يتكلَّم الفارسية ويكتب الفارسية وإلى آخره وقد مات في قونية، فقبره اليوم في قونية، أي أنه في تركيا، ما قصته؟ هو كان يفهم الاتجاه الذي يسير فيه، وكتب مرة يقول – وهذا من أجمل ما كتب – تجد يا صاحبي هندياً وتركياً يتفاهمان ويتناغمان، وفي الوقت نفسه أو عينه تجد تركيين لا يتفاهمان، لغة القلب يا حبيبي أوسع لغة، هو كان يفهم هذه الطريق، يقشعر البدن من شعره العجيب، رجل عميق جداً، الآن العالم كله يفهم الرومي ويحترم الرومي، يتكلَّم بلغة كونية يفهمها البشر كلهم على اختلاف الألسنة، هذه اللغة هى لغة القلب كما قال، هذه لغة الروح، لماذا؟ هذه لغة الهُدى الإلهي، لغة الضياء الإلهي، لغة رب العالمين، أليس كذلك؟ هل تظن أن رب العالمين حين أنزل وحيه مرة بالآرامية ومرة بالعربية ومرة بالسريانية كفَّ عن أن يكون مُتحدِّثاً للعالمين؟ لا بالعكس، لماذا؟ نعم القالب والصياغة سرياني أو آرامي أو عبري أو عربي أو أياً كان – لا بأس – لكن المعنى كوني، أليس كذلك؟ الآن علماء اللسانيات يقولون لك هناك ثلاثة مُستويات لكل كلمة، أولاً مُستوى الصياغة وهو المُستوى الأدنى، ثانياً مُستوى المعنى، ثالثاً مُستوى النية والقصد، أي القصدية، ماذا تُريد من وراء هذه الكلمة؟ ولك أن تتخيَّل هذا، فمُهِم جداً أن تتعدى المُستوى الأول، مُهِم جداً ألا تقف عند الثاني، تذهب إلى الثالث ليكون قصدك بسعة الإنسانية دائماً قصداً نبيلاً أخلاقياً عالياً وروحانياً عميقاً، فماذا يقول الرومي؟ عشرة مصابيح تشع بالضياء مُختلِفة أشكالها وألوانها – المصابيح مُختلِفة الأشكال والألوان – ولو ذهبت تتفرَّس في شعاعٍ من أي مصباحٍ ينبعث ما عرفت، فالشعاعات – الأشعة – كلها شعاعٌ واحد، لا تميز يا صاحبي ولا تفرد هناك، كان يفهم الطريق التي مشى فيها، إذا أردنا أن نكون واضحين ينبغي أن نقول هذا هو التحدي أمام المُسلِمين اليوم والإسلام – إسلام المُسلِمين – في القرن الجديد والقرون المُقبِلة إذا صح أن حضارة عالمية تتكوَّن، وهذا لابد أن يحصل اليوم أو غداً كما قلنا، ولو على حُطام الدنيا لابد أن يحصل في النهاية، ومن ثم سنتعلَّم الدرس ونبدأ في هذا، علماً بأننا في الطريق رغم كل هذه الأخطاء، نحن في الطريق، ولم يكن البشر يوماً أقرب ليُكوِّنوا حضارة عالمية منهم إلى اليوم، قريبون جداً جداً جداً رغم كل هذه الأشياء، هناك تشاؤم الفعل وتفاؤل الإرادة، أنا أقول هكذا مثل غرامشي Gramsci، فنحن قريبون جداً، والتحدي أن نُبلوِر مثل هذا الفهم وبالتالي نصوغ خطاباً مثل هذا الخطاب لنُقدِّمه للعالم، سيقبل به العالم مُمتَناً لنا، وستُعتبَر مُساهَمة حقيقية وستجعل المُسلِمين عضويين في المُجتمَع العالمي المُوحَّد وفي الحضارة العالمية الكونية الآتية التي هى – كما قلنا – قيد الإنجاز وقيد التنشؤ والتكوّن بإذن الله تبارك وتعالى، هذا إذا قاربت الله، أما إذا قاربت نفسك فقط ودُرت حول ذاتك فقط هل تعرف ما الذي سيحصل؟ كما قلت جنون وتنميط، وطبعاً كل جنون هو مُنمِّط لكن تنميطاً جنونياً أيضاً، لن ترى العالم إلا من ثقبك أنت، بالله عليك هل هذا الثقب – ثقبك أنت – قادر على أن يُريك العوالم والأكوان؟ مُستحيل، هل هو قادر على أن يُعطيك نموذجاً صحيحاً لمُقارَبة أي شيئ حولك، مُستحيل، هذا نموذج ثقب إبرة، لن ترى شيئاً، لن تفهم شيئاً، وستبدأ مع كل سُلطة تُسنَد إليك أو تُتاح لك ولو على عبد رقيق – انتهت العبودية لكنها فعلياً قائمة، عبودية الأولاد والزوجة ومَن في مسئوليتك على كل حال – ضعيف في سُلطانك وفي ولايتك أن تُنمِّط، التنميط من حيث هو ماذا يعني؟ تجعله صورة منك فيتطابق معك بالكامل وإلا لا وجود له لأنك لا ترى إلا من خلال هذا الثقب، التنميط بطبيعته هو الموت، هيا خالفني وأدهِشني، لكن لن تقدر، هل تعرف لماذا؟ عندك الحياة وعند الموت – خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ۩ – الآن، بالله عليك خُذ كفاً كما يُقال من طين الأرض، خُذ بيدك كف أو قبضة فقط من طين الأرض واسأل أي عالم مُتخصِّص وقل له هذه القبضة كم فيه من مخلوقات؟ سوف يقول لك عشرات وعشرات وعشرات الألوف من المخلوقات الحية، هذا كله في قبضة تراب؟ في قبضة تراب، جذع شجرة واحدة في الأمازون Amazon – غابات الأمازون Amazon – وجدوا فيها بضعة آلاف أنواع جديدة من حيوانات وحشرات لم تُكتشَف من قبل، بضعة آلاف أنواع – Species – في جذع شجرة واحدة، وهنا ستقول لي هذه الرسالة، الحياة ماذا إذن؟ تنوع، الحياة ثراء، الحياة خصب، أليس كذلك؟ وانظر حتى على المُستوى الإنساني وسوف ترى خصب الإنسان، ليس فقط وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۩ فقط وإنما وأفكاركم ومذاهبكم ومُقارَباتكم وعلومكم وعاداتكم وتقاليدكم وأمور رهيبة، شيئ غريب، أليس كذلك؟ في الحياة التنوع، إذا ذُكِرَت الحياة ذُكِرَ ماذا؟ التنوع والخصب والثراء والإدهاش، وإذ ذُكِرَ الموت ذُكِر الصمت، كل هذا التنوع الذي تراه يُصبِح نمطاً واحداً صمتاً وعظماً، صمت القبور، والصمت يبدأ من الجنازة، يُقال الصمت الجنائزي، حين يموت الإنسان يُوجِب بموته حالة من ماذا؟ من الصمت ولو كان أكبر لسن لقن مُفوَّه منطيق، كان أكبر خطيب أو أكبر فيلسوف ومات ومن ثم نسكت، دخلنا في عالم الصمت، لأنه نفسه الآن أصبح أحد ملوك مملكة الصمت، سوف يصمت، هذا إسمه صمت القبور، سوف يصمت تماماً، لن يتكلَّم، وبعد ذلك يذهب مظهر التنوع الحسي البدني ويذهب اللحم والدم ويبقى العظم، وطبعاً تحتاج إلى خبير حفريات وخبير عظام دقيق جداً مثل كوفييه Cuvier من أجل أن يقول لك نعم هذه الجمجمة كانت جمجمة حسناء، أنا شخصياً لا أعرف وأعتقد مُعظَمكم لا يعرف هذا، حين تأتي بجمجمة حسناء و جمجمة شوهاء لن أعرف، أليس كذلك؟ هذا تنميط الموت، إذن كل أحد يسعى إلى التنميط هو يسعى إلى الموت والإماتة، وطبعاً هنا قد يقول لي أحدكم حيلك – كما نقول بالعامية العربية – علينا، ما هذا؟ هو أصلاً ميت، وهذا صحيح، هو أصلاً ميت، هذا المسكين الذي لا يعرف شيئاً عن الوجود إلا شيئاً واحداً هو هو يُعَد ميتاً، مرة قلت كلمة وهى أن الذي لا يرى إلا لوناً واحداً أعمى وليس بصيراً، من الواضح أن الأعمى في النهاية تقريباً يرى السواد، أليس كذلك؟ يُوجَد ظلام، هذا الظلام هو السواد، وهو أحد الألوان، فالذي لا يرى إلا لوناً واحداً هو أعمى، الذي لا يرى إلا معنىً واحداً وإلا نموذجاً واحداً أعمى، فالمُنمِّط أعمى طبعاً، صاحب النمط الواحد أعمى، أليس كذلك؟ ولا خيار في واحد، وهو إذن مُكرَه مقصور ومحصور، يعيش في حالة حصر فلسفي ووجودي لأن لا خيار في واحد، كل هذا تنويع على قوله تبارك وتعالى لِتَعَارَفُوا ۩، أرأيت؟ قال الله أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا – رأينا طبيعة النور ماذا؟ واحدية كما قال مولانا الرومي، النور صدر من الشمس أو صدر من المصباح أو بعثته شمعة أو بعثته لمبة يبقى نوراً، النور شيئ واحد، طبيعة واحدة، خصائص واحدة، سمات واحدة، ولك أن تتخيَّل هذا، ما هذا المنطق الكوني؟ منطق كوني إذن، هو منطق رب العالمين – يَمْشِي بِهِ – في إخوانه وفي أصحابه وفي ملته؟ لا – فِي النَّاسِ ۩، أرأيت كيف يُمكِن أن تفهم القرآن؟ خُطبة مثل خُطبة اليوم يُمكِن أن تُعطيك إضاءة لكي تبدأ تفهم الآية من أول وجديد، ما معنى قول الله وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا ۩؟ وما معنى ميت؟ ولماذا هو ميت؟ ولماذا فقط بالنور الإلهي يُصبِح حياً؟ هذا ليس اعتقالاً من جديد أو استعباداً، هذا انفتاح، انفتاح على كل الإمكانات المُتاحة وهى لا نهائية، انفتاح على إخوته في الإنسانية، انفتاح على عالم الحياة وعلى منطق الحياة وعلى دفق الحياة ونبض الحياة، هو هذا، بالنور الإلهي واحدي المعني وواحدي التأثير وواحدي الطبيعة مهما تعددت منابع بثه، بثه مرة موسى ومرة عيسى ومرة شيت ومرة آدم ومرة محمد، هو نور واحد، ولذلك تقول الآية الكريمة اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩، قال الله وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ۩، أليس كذلك؟ تتعدد سبل الضلال وسبل التيه، لكن سبيل الحق واحدة لأنها نور، هى واحدة وجديرة أن تكون واحدة، قال الله أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۩، اللهم نوِّر صدورنا وغداً قبورنا وأفكارنا، إذن هاتان هما الإمكانياتان المُتاحتان، إما أن تنتفح بمُقارَبة الله وإما أن تموت وتُصبِح مُجرِماً بالتنميط بمُقارَبة الذات أو الدواران الواحدي على الذات باستمرار، في النهاية أقول لك كما الإيمان – وقلت هذا من قبل – عزاء – أي سلوان – وأمل الإيمان بالله تعالٍ على الجزء الزوالي فينا، على الجزء الإضافي المُنسَّب المغروس المُتجذِّر في المادة وفي الفاني لصالح الروح الإلهية، قال الله وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ۩، الإيمان تعالٍ، ولذلك هو تحليق – كما قلنا – إلى السماوات العُلا وإلى ما حول العرش، تعالٍ حقيقي يا إخواني.
سأختم لكم بشيئ جميل جداً – سبحان الله – الآن خطر لي ، ما هو؟ لو تأمَّلنا في أرقى العبادات في الإسلام سنجدها ما هى؟ نحن تحدَّثنا عن الرؤية العقدية وقلنا أنها مبنية من ستة أشياء، أليس كذلك؟ وعندنا البركسيولوجيا Praxeology، وعندنا في البركسيولوجيا Praxeology العبادة وليس المُعامَلات فقط، عندنا العبادات أيضاً وهذا جميل، رأس العبادات عندنا الصلاة، قد يقول لك شخص غير مُسلِم – وأنت الآن مُسلِم تُريد أن تُعرِّف بدينك مثلاً، وهو سألك للتفاهم، يُحِب أن يتفاهم معك – حدِّثني عن الصلاة، لا تُحدِّثني عن أشكالها وطقوسها، سيقول لك هذا لا يعنيني كثيراً، هذا موجود عند الجميع، كل دين له طقوس، حدِّثني عن أهدافها وغاياتها، هل للصلاة أهداف ومقاصد؟ قطعاً لها أهداف ومقاصد، يقول لك قرآنياً دلني وأوقفني على أكبر مقاصد الصلاة، ماذا عساك تقول له؟ ذكر الله، قال الله وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ۩، وهنا قد تقول لي أنها تنهى الفحشاء والمُنكَر وأن الله هو الذي قال وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۩ لكن هو الذي قال في نفس الآية وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۩، الصلاة لذكر الله، إذن الصلاة ليست موضوعة لكي نطلب الحاجات، تطلب الحاجات في الصلاة وفي غير الصلاة وقتما تُريد لكن الصلاة كهدف رئيس وكبير وأول ليست للطلب كأن تقول أعطني واعمل لي وإنما لأن تذكر الله، لكي لا تغيب في النسيان، إذا نسيت الله ما الذي يحصل؟ تعود مُباشَرةً تتشرنَق على نفسك، قال الله نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ ۩، لن تعرف حقيقة نفسك فتبدأ تدور عليها يا مسكين، عُدنا إلى الضيق والحصرية والتنميط، اذكر الله لكي تبقى مع الانفتاح الدائم، الازخار الدائم لإمكانات الروحية والإنسانية، وهذا جميل جداً، إذن قال الله وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۩، هو هذا، قال الله وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ۩، ما سأختم به هو قصة جميلة، قصة جميلة جداً جداً جداً يحكيها – سبحان الله – المُفكِّر الياباني الذي ذكرته اليوم وهو إيكيدا Ikeda، دايساكو إيكيدا Daisaku Ikeda يقول أنا شاهدت امرأة يابانية – يبدو أنه يعرفها – وكان لها علاقة برجل مُسلِم يسكن عندها، ربما كان طالباً تقريباً، قال لاحظت هذه المرأة اليابانية أن هذا المُسلِم يُصلي كثيراً، يُصلي خمس مرات في اليوم، فاستغربت تماماً كيابانية، وهنا نعود إلى العقلانية العملية، وسوف نرى لماذا، هناك فرق في الثقافات، ثقافتتنا الإسلامية الدينية شيئ والثقافة اليابانية الشنتوية هنا شيئ ثانٍ، سوف نرى ماذا عندهم في الثقافة الشنتوية، قالت هل هو يُصلي كل يوم؟ سكتت وضبطت نفسها بصعوبة، ومر يوم ويومان وثلاثة وهو يقوم خمس مرات في اليوم، يقول إيكيدا Ikeda طبعاً أيقنت اليابانية أن الرجل واقع في مأزق، قالت أكيد عنده مُشكِلة كبيرة أو مُعضِلة ومن ثم يُصلي من أجل أن تُحَل المُشكِلة، في يوم من الأيام لم تحتمل فطرحت السؤال، قالت له يا سيد فلان أنت لديك مأزق أو لديك مُعضِلة، هل تُصلي من أجل النجاح في الامتحانات؟ وهذا الذي رجَّح أنه كان طالباً يسكن عندها، قالت له هل تُصلي لكي تنجح في الامتحانات؟ يقول دايساكو إيكيدا Daisaku Ikeda جاء الجواب في شكل تأنيب لكنه كان مُهذَّباً، قال لها ليست الصلاة لطلب المعروف، مرة أُخرى أنا إزاء أحد الأبطال المجهولين، مثل بطل جارودي Garaudy، أرأيتم بطل جارودي Garaudy الجزائري؟ رحمة الله على روح هذا الجندي العظيم الذي فهم قيم الأسلام أكثر مما يفهم اليوم مشائخ الجريمة والذبح، نحن الآن أمام مُسلِم عاش في اليابان ودرس فيها ونحن لا نعرف مَن هو ولا نعرف أي شيئ عنه، فرضيَ الله عنه، لكن أنا أقول لكم انتبهوا إلى العظيم في المسألة، الذي ربما نبَّهه لسر الصلاة وجوهر وقلب وروح الصلاة الاعتراض، أي اعتراض اليابانية، قال لها ليست الصلاة لطلب المعروف، نحن لا نُصلي من أجل أن نقول أعطنا أو لا تُعطنا أو اعمل لنا وافعل لنا، قال لها ليس من أجل هذا، إذن هى فعلاً نبَّهته الآن باعتراضها، أعني أن نحن فعلاً لا نُصلي من أجل هذا، إذن الآن تُصلي من أجل ماذا؟ لذكر الله، لكي أبقى موصولاً مع الله، لكي أبقى مُستديماً للكدح إلى الله تبارك وتعالى، هو هذا، لا تنس الله، انتبه إلى هذا، إذا نسيته سوف تنسى نفسك، سوف تغرقك وتهلك في الدنيا قبل الآخرة، سوف تضيع يا مسكين وتتبدد، يقول دايساكو إيكيدا Daisaku Ikeda الانكسار حصل في هذه المسألة بينهما، لماذا؟ قال هو لا يدري ربما أنه في الثقافة اليابانية الشنتوية طبعاً – الدين الرسمي لليابان الشنتوية – الصلاة لا تكون إلا لطلب المعروف، لا يذكرون الله إلا لكي يفعل لهم أو يدرأ عنهم، يقولون له افعل بنا وادرأ عنا، يطلبون حاجات، يطلبون معروفاً، قال وفي أمثالنا اليابانية ما يُؤكِّد هذا، أنه لا يُفزَع إلى الصلاة إلا لطلب الحاجات، عندهم مثل يقول هذا، هذه هى الصلاة، فهى رأت شخصاً يُصلي كثيراً فطبيعي أن تفهم بحسب خلفيتها الثقافية أن عنده مأسأة ومأزق شديد ويطلب من الله أن يُساعِده، هذا المُسلِم انزعج وقال لا، الصلاة ليست لطلب المعروف، هاتان نمطان مُختلِفان، أرأيتم؟ الجميل في الإسلام وفي ثقافة الروح أن فعلاً الصلاة ليست لطلب الحاجات، مَن الذي يطلب الحاجات؟ أنا أقول لك الذي يطلب الحاجات ومُعظَم الحاجات دنيوية هو الجزاء الزائل فينا، يقول الواحد منا أطعمني وشرِّبني وأمِّني وعلِّمني ونجِّحني ونجِّح لي أولادي وأبعِد عني الأشرار والحسد والعين والسحر والمكر والسجن والاضطهاد وكذا وكذا وكذا، كل هذا يتعلَّق بالجزء الفاني الزوالي، لكن الصلاة ليست لهذا الجزء، الصلاة بشكل أساسي للجزء الأبدي الخالد الإلهي الروحاني – وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ۩ – الذي يضمن لك الانفتاح الدائم والكدح المُستمِر إلى الله ونحو الله والاقتراب الدائم، قال الله كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ۩، مع كل سجدة تقترب من الله تبارك وتعالى، لذلك الصلاة – كما قلنا – مُمارَسة للإيمان، هى مُمارَسة – Praxis – عملية للإيمان، الإيمان ما هو؟ الإيمان في هذه الحالة فوق أنه سلوان وعزاء وأمل هو تعالٍ وانحياز للجزء الخالد وليس للجزء الفاني الزوالي، ثقافتنا تُعطينا هذا، للأسف في الثقافة اليابانية أيضاً النبي بما هو نبي يُنظَر له على أنه مُنجِّم، حين تقول لهم النبي ومحمد النبي لا يحترمون هذه الأمور كثيراً، اليابانيون هذه ثقافتهم، يجب أن تفهم الآخر الأول لكي تعرف كيف تصوغ عباراتك ومفاهيمك، الغربيون ليسوا كذلك، حين تقول لهم النبي يفهمون، عندهم Moses وعندهم Jesus ويعرفون ما معنى النبي ويعرفون محمداً وإبراهيم طبعاً وإلى آخره، لكن في الثقافة اليابانية وفي اللغة اليابانية النبي عنما تقولها تجد أنها لفظياً تُعادِل المُنجِّم، أي المُتنبّيء Fortune Teller، الذي يُنبّيء الناس بمُستقبَلها وبحظوظها وبخوتها، يتحدَّث عن الحظوظ والبخوت، فعندهم كل نبي مُنجِّم، ولذا النبي عندهم مُهِم ومُفيد بمقدار ما يقول لي أين يذهب مشروعي التجاري وأين يذهب عملي الصناعي، هذا جيد هنا، لكن نحن لسنا كذلك، ولذلك يا إخواني تشرَّفوا وارفعوا رؤوسكم، أنا حقيقة روحي ترفع رأسها حين أعلم أنني مِن أمة مَن خاطبهم الله بقوله فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ۩، نعم خاطبنا كما خاطب غيرنا – قال اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ۩ وقال أيضاً اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۩ – في مواضع لكن الآخرون لم يُخاطِبهم إلا بقوله اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ۩ باستمرار، لكن نحن خاطبنا هنا قائلاً فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ۩، على أن من ضمن نعم الله على الأمم الهداية وبعث الأنبياء أيضاً والتمكين في الأرض والإنجاء من العدو والمن والسلوى، لكن حين يخص هذه الأمة بخاطب يقول فيه لها فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ۩ كأنه يقول في النهاية أعلى تجليات الدين هى في وصل الحبل بالله – تبارك وتعالى – واستدامة العلاقة الذاكرة به وله ومعه لا إله إلا هو.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَى الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليماً كثيراً.
اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، لا تدع لنا في هذا اليوم الكريم ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرَّجته ولا كرباً إلا نفَّسته ولا ميتاً إلا رحمته ولا مريضاً إلا شفيته ولا غائباً إلا رددته ولا أسيراً إلا أطلقته ولا مديناً إلا قضيت عنه دينه برحمتك يا أرحم الراحمين، اغفر لنا ولوالدينا وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات، لا تُؤاخِذنا بما فعل السفهاء منا برحمتك يا أرحم الراحمين، وجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (2/12/2016)
أضف تعليق