إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
يقول الله – سبحانه وتعالى من قائل – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ۩ وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلا مَّا تَتَذَكَّرُونَ ۩ إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لّا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ۩ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ۩ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ۩ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لّا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ۩ كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ۩ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
فيما يحكي مولانا جلال الدين الرومي – قدَّس الله سره – أن رجلاً عابداً قضى ليلته بطولها في ذكر الله ودعائه والتضرع الواجف بين يديه لكنه لم يشعر بأدنى شعورٍ يدل على الاستجابة فسنح له الملعون – أي الشيطان لعنة الله عليه – في آخر الليل حين انبلج الفجر وقال له يا صفيق الوجه إلى كم تدعو؟ قضيت الليل كله تدعو وما من لبيك بين يدي الله، ليلة بطولها وأنت تقول يا الله، يا الله فأين لبيك؟ لا يُوجَد لبيك، لم تسمع لبيك من لدن العرش، فانكسر العبدُ المسكين ولزم الصمت ورانت عليه حيرة، استبدت به حيرةٌ أليمة، ثم خفق النوم برأسه فغلبه فغط في نومٍ سريعٍ عميقٍ فإذا بأبي العباس الخضر عليه السلام – علماً بأن هذه حكاية تخيلية طبعاً، فهذه لم تقع وإنما يرويها مولانا من خياله، لكن المعنى واقع ومُتردِّد باستمرار – يسنح له في منامه ويقول له أيها العبد المسكين كل يا الله منك هى لبيك منه، لكن كيف كل يا الله منك هى لبيك منه؟ هذا أجمل وأعمق وألفت ما في هذه الحكاية المُتخيَّلة، فهو قال له كل يا الله منك لبيك منه، واذكرني هذا بخاتمة فيلم من أفلام الستينيات – فيلم إسود وأبيض Black and white طبعاً – وهى أيضاً خاتمة لا تقل روعة عن خاتمة حكاية مولانا، وحكاية هذا الفيلم باختصار أن أسقفاً – أي Bishop بالإنجليزية – كان معنياً جداً بجمع ما يلزم من التبرعات لتشييد كنيسته الجديدة، وهو يعظ ويُكرِّس ويُعمِّد في كنيسة قديمة قميئة صغيرة ويبدو أنها لا تليق به كأسقف كبير مُستكمِل الأداة العلمية والروحية فيما يظن ويظنون ولذلك لابد من كنيسة عظيمة شامخة باذخة ذاهبة في فضاء السماء، فكان يجمع التبرعات ويدعو الله – تبارك وتعالى – بأن يُنير سبيله ويهديه طريقه، ويشاءُ الغيب أن يُرسِل إلى الأرض مَلاكاً – أي مَلكاً – يتمثَّل في شكل إنسيٍ منا – أي من واحد الناس – وإسمه في الفيلم دادلي Dudley والناس لا يعرفون، ويكتشف هذا الأسقف بإخبار المَلك له أنه مَلك، في البداية لم يُصدِّق ثم بعد ذلك برهَن له المَلك أنه مَلك، وعلى كل حال تنتهي الحكاية بنهاية عجيبة كنهاية مولانا – أي كنهاية حكاية مولانا – لكن لابد من الوقوف جيداً عندها لفهم لمغزى ولفهم الرسالة العميقة جداً جداً، وهى أعمق مما تتخيَّل في الحكايتين، فالمَلاك سوف يُقنِع أكبر مُتبرِعة بأنها عوض أن تتبرع لتشييد كنيسة وتخليد المرحوم زوجها عليها أن تضع هذا المال – مئات الألوف من الدولارات وربما فافت المليون – في الأكباد الجائعة وفي الأمعاء الخاوية، فهذه الطريق أقرب إلى الله – تبارك وتعالى – من أن تبني كنيسة أو تُشيد كنيسة أو معبداً وتضع عليه إسم المرحوم وربما إسم المُتبرِع، وحتى إن لم تضع فهناك السيرة والثناء الحسن والناس يعرفون، فالثناء حاصل حاصل، والمَلك أقنعها بهذا، وله طريقة طبعاً خاصة على كل حال في إقناعها وقد اقتنعت فسُقِطَ في يدي الأسقف – Bishop – هنري Henry، في نهاية الحكاية المَلك دادلي Dudley المُتمثِّل إنسياً يقول له سأُغادِر، فقال له ولكن كيف وأنا لم تُستجَب دعوتي؟ قال بلى قد استُجيبَت دعوتك، فقال كيف والكنيسة لم تُبن والمُتبرِعة الكُبرى هذه كفت يدها وقبضت يدها؟ قال أنا أقول لك بلى، أنت ماذا دعوت؟ أنت دعوت الله بأن يُنير سبيلك وقد فعل، وهذا شيئ عجيب جداً جداً!
خُطبة اليوم ستكون عن خديعة الدعاء، كيف نخدع أنفسنا حين ندعو الله تبارك وتعالى؟ كيف نكذب على أنفسنا؟ كيف لم نشبع من الكذب على الناس ولم نرتو من الكذب على أنفسنا ونأتي الآن نُواصِل مسيرة الكذب والخداع ونُريد أن نكذب على رب العالمين ولما لا نرى أو حين لا نرى الإجابة نبدأ نُشكِّك؟ بعض الناس يبدأ مشوار التشكيك فيقول هل حقاً هو يُجيب دعاء مَن دعاه؟ ثم يتسافل أكثر فيقول وهل حقاً هو موجود أصلاً؟ لو كان موجوداً لماذا لم يُلبني؟ طبعاً انتبهوا إلى أن بعض الناس يفعلون هذا، وأنا لاحظت هذا كثيراً جداً في الأفكار الغربية وفي الدراما الغربية وفي الروايات الغربية فهو عندهم أكثر مما هو عندنا فيما يبدو لي، مُباشَرةً سهل جداً أن يقول لك هنا الإنسان الغربي بعد أن يقع في محنة ويضرع إلى الله ويتصدَّق والله لم يُنقِذه من محنته فقدت إيماني – I lost my faith – ويكفر، سبحان الله كأن دلائل وجود الله وربانية الله وإلهية الله ورعاية الله لخلقه وأكوانه وعوالمه مُنحصِرة فقط في أن يُلبيك في حاجتك أنت كأنه ليس هناك من دلائل في الأجرام العلوية وفي الكائنات السُفلية وفي الحيوان وفي النبات وفي انتظام الكون وفي كل هذه الدساتير المضبوطة الدقيقة الحاكمة في الكون، فكل هذه ليست دلائل عنده، الدليل واحد فقط، فتباً لهذا الإنسان ما أبشع أنانيته، بشع جداً جداً جداً الإنسان هذا، الإنسان يُحاوِل باستمرار وبلا انقطاع وبلا كلل أن يجعل نفسه قُطب الوجود الذي يُريد أن يُدير عليه العوالم كلها، فكم ستتحمَّل هذه الذات لكي يدور عليها العالم أو الكون كله؟ لم؟ واحدٌ أحد – لا إله إلا هو – الذي يدور عليه الوجود كله، هو الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۩، هو الذي يدور ويقوم الوجود كله به، واحد أحد ولا ينبغي هذا إلا له، تظن نفسك عبداً وتضرع من حيث أنك – والعياذ بالله – مُنطوٍ على هذه المشاعر التألهية المُنحَطة جداً والغبية جداً، أنانية فائقة لأنه لم يُلبِك لحكمته ولعلمه، هو أدرى وأعلم – لا إله إلا هو – وهو أولى بكل ما أخذ منك، كما تماماً هو أولى بكل ما أعطاك، ألم تفقه معنى إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩؟ إن أخذ منك أباك أو أمك أو زوجك أو ابنك أو ابنتك أو صحتك أو عينيك فهو أخذ ما له لا إله إلا هو، وهو يعرف – وحده الذي يعرف – ويعدل بل يتفضَّل فيما يُعطي وفيما يأخذ، فلم لم تُسلِّم؟ أين اليقين إذن يا قصير اليقين ويا عديم الإيمان؟ وعلى كل حال يقولون فقدت إيماني، وهذه كثيرة جداً جداً جداً في الأدب الغربي، فضاع الإيمان من محنة واحدة، لماذا؟ لأنه هو مركز الوجود، فالله لا شأن له بالوجود كله، شأنه فقط بهذا العبد ومصالح هذا العبد.
إخواني وأخواتي:
هذه الخُطبة ستكون خُطبة أيضاً جديدة ومن الخُطب التي يُمكِن أن نُعنوِنها بأنها خُطب الوعي بالذات، حين تنحط الأمة أول ما تحتاجه أن تكون واعية بذاتها، حين ينحط الفرد أول ما يحتاجه أن يكون واعياً بذاته، حين تُريد أن تسمو الأمة وترقى أول ما تحتاجه أن تكون واعية بذاتها، حين يُريد أن يرقى الفرد ويسمو أول ما يحتاجه أن يكون واعياً بذاته، فنعوذ بالله من العمى ونعوذ بالله من انطماس البصر والبصيرة، لابد من الوعي بالذات.
محمد بن عبد الله الجبار النفري – قدَّس الله سره – في مواقفه ومُخاطَباته وهى طبعاً مُخاطَبات ومواقف جريئة جداً وعميقة جداً يقول – الأديب المصري توفيق الحكيم رحمة الله عليه في آخر حياته حاول أن يقترب من الله واختصر تفسير القرطبي في مُجلَّد وكتب رسالة هكذا يُخاطِب فيها الله فأقاموا الدنيا ولا أقعدوها على رأسه، شيئ غريب هذا الضيف الفكري والضيق الفكري والضيق النفسي والروحي لدى هذه الأمة، وهذا طبعاً لأنها في عصر الانحطاط، ومحمد بن عبد الجبار النفري كل مُواقِفه ومُخاطَبته على هذا النحو، فيقول قال لي وقلت له، وهذا أمر عادي، قهو عارف بالله عظيم، ومن الصعب جداً أن تفقه عنه كل معانيه وأبعد معانيه – قال لي مَن سألك عني فسله عن نفسه فإن عرفها فعرِّفني إليه وإن لم يعرفها فلا تُعرِّفني إليه فقد أوصدت دونه بابي.
مَن عرف نفسه عرف ربه، مَن سألك عني فسله عنه نفسه، فإن عرفها فعرِّفني إليه – دله علىّ وعرِّفه بي – وإن لم يعرفها – إن لم يعرف نفسه – فلا تُعرِّفني إليه فقد أوصدت دونه بابي.
طيفور بن عيسى المعروف بأبي يزيد البسطامي – قدَّس الله سره – يسأله مرةً أحد الفضوليين ويقول له أبا يزيد نسمع دائماً أبو اليزيد، أبو اليزيد، فقال له مَن أبو اليزيد؟ وما أبو اليزيد؟ فأجابه من فوره مَن أبو اليزيد؟ ومَن يعرف مَن أبو اليزيد؟ مَن يعرف أبا اليزيد؟ أبو يزيد في طلبِ معرفة أبي يزيد من أربعين سنة ولم يُصِبه، أي أنه قال أنا جاهل بنفسي، أنا لي ربعون سنة أُحاوِل أن أُقارِب نفسي وأن أعرف نفسي، طبعاً والمقصود أن أهتك نفسي، أن أكشف نفسي، أن أرى نفسي في مرآة مُستوية لا مُحدَّبة ولا مُقعَّرة ولا مُكسَّرة وإنما مُستوية لكي أعرف نفسي تماماً كما هى، لأن ما لم تعرف نفسك لن تنفتح على الله جيداً ولن تنفتح على العباد، أجِل خاطرك وأدِر فكرتك في الخلق حواليك تجد أن مُعظَم الخلق على الإطلاق لا ينفتحون لا على الله ومن باب أولى ولا على الناس إلا من زاوية الحاجة مدفوعين بدافع الغريزة والأنانية الذاتية، فالواحد منهم ينفتح عليك طالما له حاجة لديك مادية أو معنوية، قريبة ناجزة أو بعيدة موهومة حتى ومُتصوَّرة يُخطِّط له، فهذه حاجة ولذا هو أناني، فمُعامَلة العباد صعبة، مُعامَلة الناس ومُعامَلة النفس صعبة جداً – أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ ۩ – بعكس مُعامَلة الرب لا إله إلا هو، أجمل مُعامَلة على الإطلاق وأضمن وأوثق وأربح وأنجح مُعامَلة هى مُعامَلة الله، وقل لي لماذا؟ لأنه – تبارك وتعالى – هو الغني المُطلَق وهو الكريم مُطلَق الكرم، الجواد مُطلَق الجود، الله – تبارك وتعالى – يُريد أن يُفيض، يُريد أن يُعطي، وهذا الكون كله من فيض عطائه، كل الوجود هذا من عرشه إلى فرشه – لا إله إلا هو – من فيض عطائه، بعكس البشر، البشر هو فارغة بلا قرار تُريد أن تمتلئ، تمتلئ على حسابك وعلى حسابي وعلى حساب الكل مادياً ومعنوياً، وطبعاً البشر مُخادِع جداً، البشر خبيث وكذّاب، هذا البشر فظيع، وطبعاً سوف تقول لي هل كل البشر كذلك؟ لا ليس كل البشر فهناك فئة قليلة مُستثناة – اللهم اجعلنا منهم وألحقنا بهم – طبعاً، لكنها قليلة وتلتحق بالأفق الأعلى، وهذا شيئ عجيب لكن هذه وظيفة الدين، علماً بأن آخر شيئ يُمكِن أن يهتم بها دين الأيدولوجية هذه الموضوعات، لكن ما معنى دين الأيدولوجية؟ الدين – أي التدين أو الفهم الدين – الذي حوَّل الدين إلى برنامج أيدولوجي لحكم الناس وتسيير الناس وإدارة الناس والتسلط على الناس والرقي فوق جماجم الناس، آخر شيئ وأكثر شيئ يكرهه دين الأيدولوجية مثل هذه الأفكار والمعارف، فما رأيكم؟ لأنها تُحرِّر الإنسان وتهتكه – كما قلت – وتفضحه وتجعله مكشوفاً امام نفسه، وبعد ذلك هذا الإنسان يُصبِح عصياً على ومُحصَّناً ضد الخداع والاختداع والكذب والتمثيل والافتعال، تُصبِح مُنطلَقاته مُختلِفة تماماً ويُصبِح عبداً ربانياً أو يبدأ ليُصبِح عبداً ربانياً، والعبد الرباني لا يُباع ولا يُشترى، هو عبدٌ لواحد أحد لا إله إلا هو، لا تستطيع أن تشتريه لا ببرنامج سياسي ولا بإغراء مالي ولا شهوات ولا أي شيئ، لا تستطيع لأنه عزيزٌ بالله، لماذا؟ لأنه عامل الله، والله – كما قلت لكم – يُريد أن يُعطي، فالله يُعطي فقط، هو المليء لا إله إلا هو، مليء هو لكن أنت هوة بلا قرار، أنت فارغ Hollow، فالإنسان المسكين فارغ ويُريد أن يمتلئ ولذلك هو طمّاعٌ وحريصٌ وشحيح، قال الله وَأُحضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ ۩، فالله هو الذي يقول هذا، ويقول أيضاً ومن وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۩، لكن ما هو الشح؟ ليس هو البخل، هو أعم البخل وأوسع دائرة من البخل وأبلغ في المنع من البخل كما قال اللغويون، البخل الأصل فيه أن يكون في المال، لكن الشح بالمال وبالمعروف، قال الله في الأحزاب أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ ۩، فالله يقول عَلَى الْخَيْرِ ۚ ۩، كل الخير أو كل الخيور، أي كل وجوه الخير، وهذا معنى قوله أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ ۩، ولذلك العرب تقول إبلٌ شحائح أي قليلات الدر، فهذا معنى إبل – أي نوق – شحائح، والله قال وَأُحضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ ۩، فهذا هو الإنسان، الكائن الشحيح.
ما الذي يحصل إذن؟ الذي يحصل أن هذا الإنسان حين ينفتح على الخلق فإنه ينفتح من زاوية حاجته، فإذا ما قُضيَت الحاجة عاد مُنغلِقاً، ويتنكَّر لك عملياً وأدبياً أيضاً ومن ثم تستغرب أنت، ابتسامته تختلف ودمعته تختلف وترحيبه يختلف، هذا شحيح فقير فارغ Hollow، هذا – كما قلنا – إنسان هوائي فارغ، هو هوة بلا قرار فلا تقنع ولا تشبع وإنما تبلع كل شيئ ولا تقف عند شيئ، فظيع هذا الإنسان، ولذلك هذا يموت وهو فقير ولو حاز مليارات الدنيا لأنه فقير النفس، فالغنى غنى النفس، ولا يُمكِن أن تكون غني النفس إلا بالله، إن استندت إلى الله المليء الغني لا إله إلا هو.
مرةً يقول شقيق البلخي – شقيق ابن عبد الله البلخي قدَّس الله سره – رأيتُ عبداً مملوكاً وكان الناس في مجاعة وفي شدةٍ وجهد وقحط فاسودت وجوههم وفارقتهم البسمات والضحكات، الناس في بلاء عظيم، وهذا يترنم – أي يُغني – فرحاً مسروراً، فقلت له يا رجل، يا عبد الله أتترنم والناسُ فيما ترى؟ قال وما علىّ من الناس؟ لي سيدٌ له جنانٌ وبساتين آكل من غلاتها، أي أنني مُستنِد إلى رجل مليء، قال ففهمت! الشقيق تأثَّر جداً جداً جداً، فلو كنت تُؤمِن بالسيد الأحد – لا إله إلا هو – لم تُزعزِعك رهبة ولا خوف، قال الله الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ۩، الشيطان يلعب على الناحية الخوائية التي فيك – على الخواء الذي فيك – دائماً، لكن هل الله يعدك وعداً مُستنِداً إلى خوائك؟ لا يفعل هذا أبداً، هو يعرف خواءك ويعرف ضعفك ويعرف حاجتك وفقرك وقال لك أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ – فإذن هذا تأكيد وتقرير لخوائيتنا – وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ۩، فكُن عبد الله وينتهي كل شيئ، فالخالي والفقير يستند إلى الغني الحميد فيمتلئ بإذن الله تعالى.
قَليلٌ منكَ يَكْفيني ولكنْ قليلكَ لا يُقالُ لهُ قَليلُ.
قليل هكذا من رحمة الله تُغنيك عن الدنيا والآخرة، تُغنيك عن العالمين، أليس كذلك؟ الإنسان غريب، لكن هكذا ينفتح وهكذا ينغلق، والغريب أن الغنى بالله يُشعِر المرء باستمرار بفقره لكن ليس إلى المال، ليس الفقر الذي مصدره هذه الخوائية الباطنية وإنما فقره إلى ماذا؟ إلى رحمة الله وإلى عطاء الله، كلما أغناك تشعر بعبديتك أو بعبوديتك المُطلَقة له وتزداد، بخلاف الذي يغتني بغني الناس، مثل أي مُوظَّف عند إنسان مليونير أو عند ملك أو عند وزير أو عند أمير أو عند سُلطان، فمع كل قرش جديد يُوضَع في حسابك من هذا الغني أو من هذا السُلطان يقل فقرك إليه ويرتفع غناك – كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ۩ – إلى أن تصل إلى حد الطغيان، وقد تنقلب الأوضاع – وهذا حال الدنيا – فيفتقر هو وتبقى أنت غنياً وقد تتنكَّر له وقد تشح عليه، هكذا العلاقة دائماً، لكن في جانب الله العكس هو الصحيح، مع كل إغناء زائد تزداد الفقرية وتتحقَّق العبودية، وبالتالي تعمق وتتخصَّب إنسانية الإنسان.
الإنسان شاء أم أبى هو كائن برمائي، هو كائن دنيأخروي، هو كائن ثانوي، كائن مُزدوَج، فيه بدن وفيه روح من الملأ الأعلى شئنا أم أبينا، سل كل هؤلاء الذين قطعوا الطريق الطويلة اللاغبة المُتعِبة في تحصيل الكنوز – كنوز المعرفة أو كنوز المال أو السُلطة – وسوف يقول لك الواحد منهم في آخر محطة في حياته يبدو أنها لم تكن الغاية التي أُريد، كان عندي في قعر نفسي غاية أُريد أن أصل إليها ولكنها ليست هذه الغاية، يا رجل أنت أصبحت رئيساً وأصبحت مليارديراً وأصبحت من أكبر علماء عصرك فماذا تُريد؟ والآن يكتشف الشيئ الذي كان يجهله، وهو أن ليست هذه هى الغاية، ويموت بحسرته طبعاً، فهل تعرفون لماذا؟ لأن هذا المسكين عاش وقضى وهو ناظر فقط إلى الشطر المادي فيه، والمادي يتناغم مع الزمني، مع هذه الدنيا ومع هذا العالم، أما الروحي الذي فيك فلا يُمكِن أن يُناغيه ولا أن يحفزه ولا أن يلذ له ويشوقه إلا الغيب، إلا الله الحق لا إله إلا هو، هو هذا إذن، فالإنسان هكذا، هو كائن دنيأخروي، هذا ناظر إلى الزمني وذاك ناظر إلى الأبدي وإلى الخالد المُسرمَد، فهذا في الإنسان.
فالإنسان إذا انفتح على الناس ومن قبل انفتح على ربه فقط من باب الحاجة يكون إنساناً خادعاً مخدوعاً وهو أكبر المخدوعين بخداعه، بخلاف ما لو انفتح من زاوية المعرفة فيعرف مقامه الأدنى من مقام ربه الأعلى، يعرف أنه عبدٌ وأنه تراب وابن التراب وإلى التراب، ويعرف مقام رب الأرباب أو يحدس على الأقل حدسياً مبدئياً بما ينبغي أن يليق بمقام رب الأرباب لا إله إلا هو، هذه هى المعرفة، فيبدأ بالمعرفة وليس بالحاجة، الذي ينفتح من زاوية المعرفة – ومن هنا أهمية المعرفة، قال الله فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ۩، فالله يقول فَاعْلَمْ ۩، قبل التوحيد يُوجَد العلم وتُوجَد زاوية المعرفة وزاوية الفهم – مُرشَّح للسمو والترقي والمُبارَكة المُستمِرة، فهو يتخصَّب باستمرار، وهذه مسألة مُستدامة فلن تنتهي، لا نهاية لها إلى أن تلقى الله تبارك وتعالى، وكذلك الله الذي يتعامل مع البشر ومع نفسه أيضاً وهو مُنفتِحاً من زاوية المعرفة فسوف يحدث معه نفس الشيئ، سوف يكون إنساناً راقياً وعدلاً ومُنصِفاً ومُتواضِعاً ومُحِباً ورحيماً، الذي ينفتح من زاوية المعرفة مُنجذِبٌ من أمامه إلى الحق والخير والجمال، أي إلى أقدس القيم الثلاث، فهذه الثلاث هى أقدس الجمال طُراً، وعلى كل حال هو مُنجذِب من أمام، أما الذي ينفتح من زاوية الحاجة فهو مدفوع من الخلف بالغريزة، يُريد أن يُؤمِّن مُستقبَله ضد الجوع وضد العطش وضد العُري وضد المذلة وضد المهانة وضد كذا وضد كذا وضد كذا، فهو يُريد هذا ومثل هذا يفشل أن يكون أكثر من حيوان، فما رأيكم؟ حتى إن صار رئيس دولة فهو حيوان في نهاية المطاف، لأن هذا عطَّل الجانب الأبدي فيه وعاش مع الزمني فقط مدفوعاً من الوراء ولذا هو حيوان، لكنه حيوان راقٍ، أي أنه في درجة أعلى من أي حيوان ولكنه حيوان في نهاية المطاف وليس أكثر من حيوان، فهذا يأتي مدفوعاً من الخلف، وحتى هذه المدفوعية تشي بحيوانيته، لأن الإنسان صاحب إرادة وصاحب قرار، ولا يكون صاحب إرادة وصاحب قرار إلا إذا كان صاحب وعي ومعرفة حقيقية وليست زائفة أو موهومة، فصاحب المعرفة ينجذب من أمام، هو الذي يُقرِّر أن هذه غايتي وتلك محطتي ولابد أن أبلغها ثم يتجاوزها إلى التي تليها وهلم جرا، فهذه مسألة مُستدامة كما قلت، قال الله إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ۩، فإلى أن تلقاه أنت تنكدح باستمرار مُنجذِباً وليس مدفوعاً بالغريزة، فهذا انفتاح وهذ انفتاح ومن ثم عليك أن تكون واضحاً مع نفسك مُنذ البداية، عليك أن تسعى لكي تعرف هذه النفس – لكي تعرف هذه الذات – بوضوح.
قضية دادلي Dudley مع الأسقف هنري Henry ما هى باختصار؟ الأسقف هنري Henry لم يكن واضحاً مع نفسه، كذب على نفسه لكنه فشل أن يكذب على الله، الله لا يُكذَب عليه لأنه يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ۩، يعلم ما في الكظائم ويعلم مكنونات وخفيات النفوس والصدور بل يعلم ما لا تعلمه من نفسي، فحين قال أنِر لي طريقي واهدني سبيلي هو لم يُرِد هذا، فهو يكذب لأنه لا يُريد هذا، لكن هو ماذا يُريد؟ ابن يا رب كنيستي حتى أخطب على منبر أعلى وفي حشدٍ أكبر وفي بناء أفخم وأنال وأُصيب سُمعةً أجود بين الناس، فهو يدور حول نفسه، هو الأناني الصغير لايزال!
كم قرأنا لمُفكِّرين وفلاسفة غربيين وشرقيين قضَّ مضاجعهم وهم الخلود، وصرَّحوا بهذا في مُذكراتهم وسيرهم الذاتية وقالوا أن أحد أكثر الأشياء إقلاقاً لهم سؤال هل ستخلد سُمعتنا واعتبارنا الأدبي والفكري؟ هل سيذكرنا الناس بعد وفاتنا؟ بل هل سيذكروننا ويذكرون أعمالنا الفكرية والفلسفية والأدبية بعد عشر سنوات أم أن الزمان سيطوينا ويأتي مَن يُلهيهم عنا ومَن يُنسيهم عهدنا؟ لكن ما حاجتك بهذا؟ إنها الإنانية كما قلت لكم، قُطب ليس أكثر، يُريد أن يُدير الكون كله حول نفسه.
أتخيل – ولستُ مُبالغاً كما يخال لي في هذا – أن عبداً احتشد جمهور صغير أو كبير لتكريمه بُمناسَبة مُعيَّنة مثل بلوغه سن كذا أو حصوله على كذا وجاء هذا يتلو قصيدة نظمها وجاء هذا يُلقي كلمة منثورة مسجوعة أو غير مسجوعة وهكذا وجاء ثالث وانقضت الكلمة في ذكر محامد الإله – لا إله إلا هو – ومماجده وعطاياه وأفضاله ومواهبه ومنحه أن هذا العبد المُكرَّم سيغضب في داخله، سيُصفِّق كارهاً وسيغضب، وأنتم تتخيَّلون الآن هذا معي بشكل واضح، فما الذي حصل هنا؟ هذا المسكين الأناني الصغير الزائف وضع نفسه نداً لله، يغضب ويقول المقام هذا لي، هذا مقام مدحي أنا، مقام تعظيمي أنا، فما علاقة الله بالقضية؟ فهل وصل الأمرإلى هذه الدرجة؟ علماً بأنني ذكرت هذا لأنني ذكرت الحديث الذي أشرت إليه في الخُطبة السابقة عن رسول الله ولعلي لم أذكره في الخطبة لأنني بدأت أنسى بسبب المجالس والكلام والنقاشات الدائمة فلا أدريك لكن أنني ذكرتها في الخطبة، وعلى كل حال حين مدح أحدهم ربه – تبارك وتعالى – في صلاته كان النبي يسمع هذا، فأوصى النبي به أحد الناس قائلاً حين ينتهي ائتوني بهذا الأعرابي، فأتوه به فقال له وقد أعطاه قطة من ذهب – قطعة كبيرة – وقال له تدري لم أعطيتك؟ قال للصلة التي بيننا، قال للصلة ولأنك أحسنت الثناء على ربك، هذا مُحمَّد الذي يكون مُرشَداً لنا ونبياً، هذا لا يُريد من الناس أن تدور حوله، يُريد أن يأخذ الناس ليدوروا حول الله تبارك وتعالى.
إذن نعود إلى خديعة الدعاء، فالأسقف يقول اللهم اهدني طريقي، قد هداك الله طريقك، الطريق الصح أن تُوضَع هذه الأموال في الأكباد الجائعة والمِعد والأمعاء الخاوية، فهذا ما يُرضي الله وينبغي أن يكون مُرضياً جداً لك، فهذا هدف الدين، لكن هو يقول اهدني طريقي وأنِر سبيلي وفي الحقيقة ماذا؟ ما هو المُراد؟ ما هو المقصود؟ ابن كنيستي وبقدر انتفاخها سأنتفخ وبقدر علوها سأعلو، ألا تباً لهذا الأسقف الجاهل بالله وبما ينبغي لله، وهناك آخر أيضاً التفت إلى هذه الخدعة العميقة جداً في الدعاء – علماً بأننا مازلنا في البداية، فنحن على مشارف هذه الخُطبة ومشارف الموضوع فانتبهوا لأننا نُريد أن نتعمَّقه حقاً – وهو سي. أس. لويس C. S. Lewis في كتابه The Screwtape Letters أي رسائل سيكروتيب Screwtape، وطبعاً هذا إسم للشيطان Demon، فهو أعطاه هذا الإسم، وعلى كل حال يكتب سيكروتيب Screwtape إلى ابن أخيه – أي الـ Nephew، فهو عمه – الذي هو إسمه ورموورد Wormwood رسائل على مدى أكثر من مائتي صفحة لكي يُعلِّمه ويُرشِده – لعنة الله عليه – كيف يُضِل عبداً عاد إلى الله والتزم الجادة، من أجمل هذه اللفتات لسي. أس. لويس C. S. Lewis أن الملعون سيكروتيب Screwtape يقول لابن أخيه ورموورد Wormwood – الشيطان الآخر، فهذا شيطان صغير وذاك الشيطان الكبير الملعون المطرود من رحمة الله – هذا التائب الإنجليزي له أمٌ عجوز تُعاني من آلام المفاصل ولسانها سليط ومُتطلِبة وصعبة الإرضاء، فألهِمه – ولابد أن تفعل – أن يدعو لها – ولابد أن يفعل هو بالتأكيد لأنه أصبح مُتديناً الآن ويرتاد الكنيسة وبالتالي سوف يبدأ يدعو إلى أمته – وأن يجعل دعواته كلها روحيةً، لكن ما معنى دعوات روحية؟ أي دعوات أن يهديها الله وأن يُنير سبيلها وأن يُقوِّم مسيرها وأن يُعدِّل خطوها وأن يهديها إليه وأن يردها إليه رداً جميلاً وأن يفتح عليها بصيرتها وأن يُريها الحق حقاً ويرزقها اتباعه والباطل باطلاً ويرزقها اجتنابه، ثم قال ففي هذا فائدتان – انظر إلى كلامه فهذا شيطان عليم لعنة الله عليه – كبيرتان، الفائدة الأولى أنه لن يُعنى بآلام مفاصلها في حين أن التقرب الحقيقي مع الله سواء مع أمك أو مع مَن تعرف ومَن تُريد أن تُوصِل له شيئاً من الخير أن تقضي حاجته، هو مُتألِّم فحاول أن ترفع الآلام عنه بمُداوَته وبسوقه إلى طبيب وبإحضار علاج له وبالاهتمام به كما تهتم بنفسك إذا اعتلت صحتك وانحرفت، لكنه سوف يقول هذا ليس مُهِماً لأن الدنيا فانية، وهل فانية في حقك؟ أنت تهتم جداً جداً جداً بدنياك، لماذا دنياك ليست فانية في حين أن دنيا هذا المسكين فانية؟ لكن هذه الأم المُتطلِبة صعبة الإرضاء والشرسة – شرسة الأخلاق – قد يكون مثار شراسة أخلاقها ومنبع هذه الشراسة الآلام والتباريح الدائمة عندها، ثلاثون سنة وهى تُعاني من آلام المفاصل فضيَّقت خُلقها، وهذا صحيح وكل مَن يُعاني التباريح والأوجاع يعرف هذا بسبب المرض، علماً بأن الشيئ الوحيد الذي لا يُمكِن التعايش معه هو الألم Pain، فلا يُوجَد تعايش معه ومن ثم لا تقل لي أنه يُتعايش معه فالألم ألم، الألم اليوم أو بعد عشرين سنة هو ألم، فالألم ألم وهذا معروف علمياً، وعلى كل حال قال له يجب ألا يهتم بألم مفاصلها وأن يهتم بآخرتها وبهدايتها وبصيرتها، وفي نفس الوقت يُوجَد شيئ خطير سوف أقوله فما هو؟ أن يُغذي جانب الإعجاب فيه، هو مُهتدٍ – ما شاء الله – وهو عاد إلى الله وعرف السبيل وعرف الطريق، أما أمه العجوز التي حملته تسعة أشهر ورضعت وربَّت وسهرت وتعبت مُنحرِفة لا تعرف الله حقاً وتغتاب الناس وتتكلَّم في الناس وشرسة الأخلاق وبالتالي هذه تحتاج إلى هداية ومن ثم سوف أدعو لها، يا ما شاء الله، غذى العُجب في نفسه، لكن كم لك مُهتدٍ أنت؟ كم لك؟ هل من أسبوع أو من أسبوعين أو من شهر أو من شهرين؟ لكن هذه تُربيك وقلبها عليك يكاد ينفطر من خمسين أو ستين سنة ولكنك نسيت كل هذا الآن وتدعو لها دعوات روحية وكأنك صادق ما شاء الله، ثم قال أن الشيئ الثاني يجعله لا يدعو لأمه الحقيقية وإنما يدعو لعجوز وهمية يخالها أمه، أمه الحقيقية مُصابة بالأوجاع وتُريد مَن يرفع أوجاعها، وهذا أول شيئ يأتي على رأس القائمة ومع ذلك هو يُفكِّر في آخرتها لأنه لا يعلم ما نص عليه أئمتنا وعلمائنا وهو أن ما لا معاش له لا معاد له، تقول الآية الكريمة رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ۩، فمَن لا معاش لا معاد له، لكنه يخلق شخصية وهمية وأماً وهمية أُخرى حاجاتها في وهمه هو وفي خداعه واختداعه حاجات روحية تتعلَّق بالآخرة لأنها على مشارف قبرها، فانظر إلى هذا لأن هذا من تلبيس إبليس، هذا بالضبط ما يُسميه علماؤنا تلبيس إبليس، لكن هل تعرفون ما هى أحسن وسيلة لقهر إبليس؟ هل تُحِب أن تقهره كما قهرك وأضلك مئات المرات وألوف المرات؟ اسخر منه، لكنك سوف تقول لي كيف أسخر منه؟ ولماذا السخرية أصلاً؟ لماذا لا يتعلَّق الأمر بالسب ونحن المُسلِمين أدمنا على أن نلعنه ونقول لعنة الله عليه دائماً؟ لكنه هل يحفل بهذا؟ لا أعتقد أنه يحفل لأن الله لعنه، سواء لعنته أو لم تلعنه فالأمر سيان، بل أن هناك من الناس مَن يترضى عليه وهؤلاء ملاعين مثله وهذا كلام فارغ، الله لعنه وقال إنه من المرجومين، الله طرده وأبلسه من رحمته فإذن انتهى، سواء دعوت له أو دعوت عليه هو هالك هالك فلن يهمه هذا، بالمرة لن يهمه هذا أبداً بل ربما يسخر منك إذا لعنته لسبب أو لآخر لن نخوض فيه، ولكن أحسن شيئ لكي تقهره أن تسخر منه، وفعلاً هذا أحسن شيئ بإطلاق، كما قال توماس مور Thomas More الشهيد الذي قدَّم حياته من أجل ألا يحلف بالله كذباً أن الشيطان ذلك الروح المُستكبِر، وفي الآية الكريمة أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ۩، فهو داؤه الأكبر العياء الذي لا يستطيع الشفاء منه هو الكبر، فهو يرى نفسه شيئاً كبيراً لغاية أنه رد على الله أمره – لا إله إلا هو – وناقشه، وهذا شيئ غريب، فلعنة الله على هذا البعيد فعلاً، فهذا الروح المُستكبِر آخر شيئ يُمكِن أن يحتمله الهزء به والسخرية منه لأنه مُستكبِر، ومن ثم سوف تقول لي هذا جيد لأننا فهمنا نصف القضية لكن كيف نسخر منه؟ وأنا أقول لك لا يُمكِنك أن تسخر منه إلا إذا كشفت وجوه خداعه وخُططه، أي تكشف الخُطط الشيطانية وتقول له هذه ملعوبة وهذه الأشياء صبيانية فالعب غيرها.
جاء أحدهم إلى أحد الصالحين وقال له رأيتني وإياك في الجنة مع رسول الله فقال له اذهب، ما وجد الشيطان غير وغيرك يلعب به؟ أي أنت تضحك على مَن؟ هل أنا سأدخل الجنة؟ أنا أعرف نفسي، فاذهب بعيداً، لكن اليوم الناس تتوهم الأحلام، تجد الواحد منهم يجلس ثم يُغمِض عينيه ويقول أنا حلمت لكن والله ما حلمت، أنت تتحلَّم، لأن كل الأشياء تأتي وتُكذِّب هذه الرؤيا، وهذا بسبب المرض النفسي الذي عندنا والعمى، فالواحد منا يتحلَّم ويقول أنا رأيت كذا وكذا، لكن أنت تتخيَّل يا ابني فاذهب وتعالج، هذه تحتاج إلى علاج، فانظر إلى الصالحين، هذا الرجل الصالح قال له ما وجد الشيطان غيري وغيرك؟ اذهب ولا تقل لي رأيتك ورأيت نفسك في الجنة لأني أعرف نفسي، وطريق الجنة واضحة ونحن لا نحتاج إلى أحلام ورؤى، نقرأ كتاب الله ونعود إلى سُنة المُصطفى وشرع الله ومن ثم سوف نعرف كيف يكون طريق الله وما هو الصراط المُستقيم الذي إن سلكناه لم نضل ولم يغضب، وهذا تماماً الصحيح لكن نحن مازلنا في خديعة الدعاء.
ابحث عن حجم المفروضات في أدعيتك، وقبل أن أتكلَّم عن المفروضات وعن حجمها ونوعيتها أنا أُريد أن أتعلَّم معكم كيف نسخر من إبليس، وهذا ليس بهدف السخرية منه لأن هذا في نهاية المطاف لا يعنينا كثيراً وإنما بهدف أن نرتقي نحن وأن تصح مُعامَلتنا مع الله تبارك وتعالى – وأن نكون أكثر وعياً بذواتنا وأكثر انكشافاً وانهتاكاً وانفضاحاً أمام أنفسنا، نحن نُريد أن نعرف هذه النفوس الخبيثة حتى تُصبِح بعون الله نفوساً مُطمئنة يُقال لها فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ۩، اللهم اجعلنا من أصحاب هذه النفوس.
إذن قبل أن أتكلَّم عن حجم المفروضات في الدعاء أُحِب أن أذكر لكم قاعدة عامة وهى أن الدعاء يُمكِن أن يفعل هذا بطريقة خاصة وتقريباً لا شيئ آخر يفعله، فما رأيكم؟ هذا هو الدعاء، فالدعاء بكلمة إما أن يكون مرآة تكشف ذاتك أمامك – كما قلت مرآة مُستوية – وإما أن يكون رُقية وطلسماً وسحراً يخدعك ويُضلِّك تماماً، ومع كل دعوة تزداد ضلالاً وتزداد بُعداً من الله، لكنك قد تقول لي كيف هذا وأنا أدعو؟ الدعاء ضللك، الدعاء الذي تقوله على النحو الذي تقول ضللك، ولذلك عليك أن تكون فيلسوفاً حين تدعو ربك لا إله إلا هو، أولاً ابحث عن حجم وعن نوعية وكيفية المفروضات في دعائك، تختلف مع إنسانٍ ما وتأتي تقول اللهم أعِنا على القول بالحق والجهاد في سبيل الحق والعمل بالحق، فالمفروض هنا – يُوجَد شيئ مفروض ومسكوت عنه – هو أنني على حق وهو على باطل، وبالتالي أنت مغرور، أي أنك جاهل لأن الغرور هو الجهل، فالغرور ليس الكبر وإنما الجهل وذلك في اللغة وفي الدين، فعندما يُقال لك هذا إنسان مغرور فهذا يعني أنه جاهل ولا يفهم نفسه ولا يفهم الأمور، لكن ذاك المُتكبِر وهناك المُعجَب وهو المُعجَب بعمله وهذا شيئ آخر، فعليكم أن تنتبهوا لكي تُفرِّقوا بين هذه المُصطلَحات الشرعية، وعلى كل حال هذا هو الغرور وهذا هو خداع النفس ومُحاوَلة خداع الرب – لا إله إلا هو – ولكنه لا يُخدَع، فكيف تدعو بهذا؟ من أين لك هذا؟ أعليك هبط جبريل؟ قُصار علمنا أنه ما هبط بعد محمد – عليه السلام – وهو لا يهبط على أحدٍ بوحي، هذا مُستحيل فالنبوة موصودٌ بابها، أي مُغلَق هذا الباب، فمن أين علمت أنك أصبت الحق وأنك على الحق وأنه على الباطل وأنك – ما شاء الله – الآن قُصار ما تدعو له أن يُعينك الله على أن تصدع بهذا الحق وتصدح به وتُناضِل به وفي سبيله؟ يا مغرور كيف تقول هذا؟ بالعكس هنا قُل اللهم اهدنا وأخي لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنك، اللهم اكشف العمى عن بصره وبصيرته، اللهم أرِني الحق حقاً فأنا أعجز من أن أراه بنفسي، لماذا؟ لأنك القائل وقولك حقٌ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ۩، وبالتالي من أين لي هذا؟ قد أكون مخدوعاً وقد أكون مغروراً وقد أكون جاهلاً وقد أكون مُلبَّساً علىّ ومُشتبِهاً، فمن أين لي هذا؟
ثانياً حين تختلف مع أحد في قضية حقوق وتأتي تقول اللهم عليك بالظالمين واللهم خُذ لي منهم والله انصر كذا وكذا فالمفروض هنا أنك مُحِق بنسبة مائة في المائة بلا مثنوية وأنه ظالم لكن مَن قال لك هذا؟ هل تقاضيت إلى قاضٍ؟ قد تقول لي لماذا أتقاضى؟ انتبه لأنك العبد الذي لم يفهم هذه الأشياء إلى اليوم، العبد الأعمى عن نفسه والأعمى عن نواياه وقصوده والأعمى عن بواعثه ودوافعه.
حدَّثني قبل أيام – سُبحان الله وهذا من حُسن الاتفاق لأن هذه الخُطبة في بالي من أسبوع، مُباشَرةً بعد الخُطبة تلك جاءت هذه الخُطبة لمُناسَبة قصة ذكرتها في تلك الخُطبة – أحد الأشياخ – أي أحد المشائخ – من أهل العلم – بارك الله فيه – بعد أن اتصل بي عن أخيه الذي هو شيخٌ أيضاً ويخطب في الناس ويؤمهم في مسجد قائلاً والبون بيننا يا أخي بعيد، أخي مُتزمِت ومُتعاطِف مع هؤلاء الذين يقتلون عباد الله بالظِنة وبأهون الأسباب، فهو مُتعاطِف ويُكبِّر قائلاً الله أكبر، ثم قال مُستتلياً وأنا أرى أنه سلك طريقاً – والعياذ بالله – خطرة جداً عليه – أي على دُنياه وآخرته – لكن كلما حاججته وناقشته يزداد عتواً وتمرداً، ثم أخبرني وقال لي أنا كلما ذهبت إلى مكة المُشرَّفة تعلَّقت بأستار الكعبة ودعوت الله لك أن يُريك الحق حقاً، وهذه طبعاً مكشوفة يا إبليس – الآن أنا اُخاطِب إبليس نفسه اللعين، أي إبليس أبينا آدم – لكنها ليست مكشوفة بالمرة لأخينا المُتعلِّق بأستار الكعبة، فهى مكشوفة تماماً لأن مَن يفعل هذا المسكوت عنه والمفروض والمأخوذ مقبولاً في دعائه أنه على حقٍ بنسبة مليون في المائة وأن أخاه الشيخ الآخر والعالم – هو من أهل العلم – هو على باطل بنسبة مائة في المائة، لكن مَن أخوه هذا؟ المُتحرِّج من سفك الدماء والمُتخوِّف جداً من استحلال دماء الدناس ورفع عصمة الناس وقتل الناس هكذا بأهون الأسباب وبالتظني وبالتخرص وبالهوى، لكنه يرى نفسه أنه على حق بلا مثنوية وأن أخاه هذا مُبطِل وضال وجاهل وراكب متن هواه، ومن ثم هو يتعلَّق بأستار الكعبة من أجله، لكن كان الخليق بك أن تتعلَّق بأستار الكعبة وأن تسأل الله أن يفتح بينك وبين أخيك – الفتح معناه القضاء هنا – بالحق وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ۩ لا إله إلا هو، لو دعوت الله بصدق هكذا وتواضعت ولم تدّع افتراضاً ومقبوليةً أنك نبي يُوحى إليه ومعصوم وحُزت الحقيقة من كل أطرافها لفتح الله بينك وبين أخيك، وله طرقه لا إله إلا هو، فالله له طرائق كثيرة جداً جداً جداً ولن يُعجِزه أن يُريك الحق الذي يرضاه والمرضي عنده بطريقته – لا إله إلا هو – أو بإحدى الطرق التي لا نهاية له وربما في طرفة عين بإذن الله تعالى، فما رأيك؟ تقول الآية الكريمة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ۩، نسأل الله أن يُحوِّل قلوبنا إلى ما يرضاه دائماً وأبداً.
المفروضات إذن هامة فانتبه، حين تذهب تدعو على الظالمين وتقول اللهم عليك بالظالمين واللهم دمِّرهم وأحصِهم عدداً ودمِّرهم بدداً ولا تُبقي منهم أحداً وإلا آخره قد تُدمَّر أنت وتسأل قائلاً أنا دعوت يا رب على الظالمين فلماذا دُمِّرت أنا؟ لأنك منهم وأنت لا تدري، كان أحرى بك قبل أن تدعو على الظالمين هكذا بالعموم أن تتحقَّق هل أنت منهم أم لا، وطبعاً الدعاء على الظالمين مشروع لكن لكل مقامٍ مقال وليس مثلك مَن يدعو على الظالمين لانك أحدهم، نعم أنت ليس عندك هَيْلِ وهَيْلمان وليس عندك عرش وسُلطان – ولو كان عندك لكنت أسوأ منهم ربما عشرات المرات – لكن أنت الآن وأنت مُقلَّم الأظفار وقليل الحيلة ومعدوم الوسيلة ظالم، ظالم في نظرتك للناس، ظالم في حُكمك على الناس، ظالم حين يُختلَف معك، فلا تُبقي ولا تذر ولا ترقب في أخيك إلاً ولا ذمة بل تُحطِّمه تحطيماً وتُحطِّم سُمعته، فإذن أنت ظالم يا حبيبي، أنت أحد كبار الظلمة ولكنك – وهذا من رحمة الله – معدوم الحيلة، والحمد لله أنك معدوم الحيلة لأن لو كان لك حيلة وبين يديك وسيلة وأي وسيلة لحطَّمت الناس ولحطَّمت العالم، فأنت مُخيف.
هتلر Hitler نجا من ثلاثين مُحاوَلة اغتيال، فماذا فعل بحياته التي ضن بها القدر وأهداه إليه ثلاثين مرة؟ دمَّر العالم، فهو أراد أن يُدمِّر العالم كله، وهذه عبر وهذه رسائل قدرية الله يُرسِلها ويُتيحها لكي نقرأها، فاحمد الله على أن هذا مقموع وأن هذا غير مُمكَّن بل وأن هذا حتى مُستضعَف الآن، وقبل أن تدعو على الظالمين عليك أن تتحقَّق وتقول هل أنا واحدٌ منهم؟ ومن هنا ورد في بعض الأخبار أنه رُب تالٍ للقرآن والقرآنُ يلعنه، فالنبي – عليه السلام وآله – هو الذي قال هذا، فلماذا؟ وكيف؟ هذه واضحة جداً جداً، وهو يقرأ القرآن يقرأ قول الله أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ۩ وهو ظالم فيُصبِح ملعوناً، أي أنه يدعو على نفسه، وفي القرآن لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ۩ وهو أحد الكاذبين وبالتالي يُصبِح ملعوناً وهلم جرا، فهذا أمر خطير.
إذن نحن نقول دائماً طبعاً بالطريقة الابتذالية – نحن ابتذلنا كل شيئ، كل شيئ نقوله نبتذله بالتكرار دون تعمق ودون فهم – لكل مقامٍ مقال وهذا جميل لكن يجب أن نعلم أن حتى في الدعاء لكل مقامٍ مقال.
أولاً هل تدعو ربك بما يدعو به غيرك لنفسه من حاجاته؟ هل هذا معقول؟ هو يدعو أن يتزوَّج وأنت مُتزوِّج ولا تنوي أن تُثنِّي فهل من المعقول أن تدعو بحاجته هذه؟ هو يدعو أن يرزقه الله البنات لأن عنده سبعة أولاد أخرجوا له عينيه الثنتين ولذا هو يُريد بنت عروسة جميلة لكي يفرح بها وزوجته، فهل تدعو أنت أن يرزقك الله بالبنات وأنت كل ما عندك بنات؟ سوف تقول لي إذن هذه واضحة، ونفس الشيئ أيضاً في الأدعية التي تراها غير واضحة أيضاً، فلا تدع وتقول اللهم أعل مقامي في عليين مع عبادك المُنعَم عليهم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ۩، صديقين ماذا؟ وشهداء ماذا؟ أين أنت يا رجل؟ قبل أن تقول هذا قل اللهم أخرِجني من جحيم هواي، هل تسأل أنت الجنة مع رسول الله والصديقين والنبيين؟ قل اللهم أخرِجني من جحيم هواي، من الجحيم المُستعِر بالحسد وبالحقد وبالغش وبالكذب وبالخديعة وبالكره وبالضغينة، فأنت تعلم نفسك وأنت تعلم على ماذا تنطوي، أنت تعلم أنك قضيت الليلة ولم تنم حسداً لأخيك الذي ساق الله إليه نعمة فلم تستطع أن تنام، ولا يعرف هذا إلا الله، فحين تسألك أمك تقول لا والله لقد أرقت لكن الله أعلم لماذا، لعلي فتحت نشيداً فيه ذكر الله، أي أنك تُحاوِل أن تُفهِمها أنك أرقت من ذكر الله، فمشوار الخداع المُتواصِل والكذب البشري مازال مُتواصِلاً، ولن تستطيع أن تقول لها أرقت من الغم الذي تملَّكني لأن جاري أو لأن صديقي أو لأن أخي ابن أمي وأبي ساق الله إليه من الفضل ومن النعمة ما ليس عندي فلم أستطع أن أنام ولذا أنا مقهور يا إمي، فإذن هذا أنت لم تقله لأمك ولا تقوله لأحد فقله لنفسك وادع الله به، قل اللهم قد غلبتني نفسي، هذه النفس الحرون الشموس اللعينة الخبيثة الكذّابة التي لم تصدقني في موقف صدقٍ واحد يا الله، اللهم أشكو إليك نفسي، وهذا هو معنى لكل مقامٍ مقال.
هل سمعتم بمُصطلَح التخلية والتحلية؟ هل يجمل وهل يليق وهل يسوغ لمَن ثوبه مُتسِخ جداً – مليء بالبندورة والبصل والخيار والدم والوساخة مثلاً، لعله كان جزّاراً وخضاراً أيضاً معاً – أن يأتي لهذا الثوب ويرش عليه أطياب المسوك والعنبر والروائح العبهرية؟ هل يصلح هذا؟ هذا مُختَل لأن قبل ذلك عليه أن يخلع هذا الثوب – أي ينزع عنه هذا الثوب – المُتسِخ وأن يغسله بالماء الحار والمُنظِّفات حتى إذا ابيض عطَّره ومسَّكه وعنَّبهره، وكذلك هذه النفس الخبيثة، قبل أن تسأل لها مقامات الصديقين والصالحين والحشر مع النبيين والمُرسَلين وما إلى ذلك – هذا بعيد فلكل مقامٍ مقال وأنت لست في هذا الأفق – سل الله تبارك وتعالى – أن يُخليها من أوساخها ومن نجاساتها، ومولانا جلال الدين الرومي – قدَّس الله سره – أشار إلى هذا المعنى بطريقة لطيفة وطريفة فقال ذاك العبد الذي ذهب يتطهَّر وخلط في الدعاء – هو لا يقصد خلط وإنما يُريد أن يقول أنه عبد مُخادِع مثلنا كلنا، فنحن نخدع أنفسنا بالدعاء – بعد أن قضى الحاجة وأراد أن يستجمر قال اللهم صلني بطيب الجنة، ثم قال جلال الدين الرومي هذا خطأ، فهذه الدعوة لا ينبغي أن تكون هنا، الدعوة هنا ينبغي أن تكون اللهم طهِّرني من أدناسي ورجسي ونجاستي، وبعد أن تتطهَّر وتتعبَّد يُمكِن لك أن تدعو بدعوات تحلية، فالتخلية قبل التحلية، كُن فيلسوفاً في دعائك، كُن صادقاً، فلابد من لحظة صدق مع الله يا أخي، فالدعاء – كما قلت لك – سيعمل مرآة كاشفة أمام نفسك كنوع من الطرح – كما يُسمونه – وكنوع من تداعي المعاني، اجلس مع الله وناجه فقط وتكلَّم عن نفسك، علماً بأنني لا أتكلَّم عن جلد الذات ولا عن تحقير الذات وإنما أنا أتكلَّم عن مُكاشَفة الذات، لأن بعض الناس قد يتفلسف ويقول لقد حيَّرتنا يا عدنان وهذا غير صحيح فيجب أن نكون واضحين، قال الله بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ۩، فهل تعلم أن عندك حسد أو لا تعلم؟ هل تعلم أن عندك حقد وضغينة وكره وعدم وعفة وعدم قناعة أو لا تعلم؟ عندك مُهلِكات رهيبة، الله لا يُمكِن أن ينظر في قلب عبد أكلته هذه المُهلِكات، قال الله تعالى وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۩، لكن نحن نهتم فقط بظاهر الإثم فيقول الواحد منا أنا لا أسرق ولا أقتل لكن ماذا عن بواطن الإثم التي ذكرتها وإليها عشرات من أمثالها؟ ماذا سوف تعمل مع هذه الأشياء؟ هل تترك هذه الأشياء كلها؟ لكن الدعاء – كما قلت لكم – يفعل هذا.
لو تأملتم فيما تطلبون وفيما لا تودون أن تطلبوا لرأيتم العجب، وهذا يحتاج إلى خُطبة بحيالها، لكن القسمة من حيث الأصل يُمكِن أن تكون ثمانية، فهناك ما تملكه وهناك ما لا تملكه وهناك ما تتوهَّم أنك تملكه والحق أنك لا تملكه وهناك ما تتوهَّم أنك لا تملكه والحق أنك تملكه، هذه أربعة وتحت كل منها تطلبه أو لا تطلبه، ثم ابدأ تفلسف لكي تعرف السبب، هناك أشياء أنت لا تملكها وتطلبها وقد لا يكون طلبك لها صادقاً، أي طلب مُكاشَفة، مثل ماذا؟ أن تطلب من الله أن يرزقك سر الإخلاص وروح الصدق وروح الصدق في مُعامَلتك ثم تمضي، وبعد ذلك لو تأملت في نفسك في المرآة سوف تجد أن طريقتك في مُعامَلة الله وفي عبادة الله تقوم على عدم الصدق وعلى عدم الإخلاص وهذا واضح جداً بطريقة جهيرة، حيث يصعب عليك جداً أن تفعل شيئاً حسناً وتكتمه من الخلق، فأنت لا تستطيع أن تفعل هذا وتقول لا أقدر، فاسأل نفسك إذن وقل نعم – والله – لا أستطيع، أنا اُفتِّش سجلي في آخر عشر سنوات أو في آخر خمس سنوات أو في آخر سنة ولا أجد شيئاً حسناً وجميلاً قد فعلته ولم يدر به إلا الله، أنا لا أستطيع أن أفعل هذا، فلابد أن أقوله لهذا أو لهذا أو لهذا، ومن ثم من الواضح أن ليس لك علاقة بالصدق والإخلاص مع الله، وأنت بهذا الدعاء حين تطلب الصدق والإخلاص فإنك تخدع نفسك، لماذا؟ بمُجرَّد طلبك للصدق والإخلاص فإنك تُوهِم نفسك أنك معنيٌ بقضية الصدق والإخلاص، لكن مَن أصعب: أن تستنزل – وهذا لا يعلمه إلا الله، الفضل بيد الله يُعطيه مَن يشاء ويمنعه مَن يشاء – عطية الإخلاص من السماء أم أن تتحقَّق من مُقتضيات الإخلاص في عملك؟ الثانية أسهل والأولى أصعب لأننا لا نستطيع هذا، فحتى قبول الأعمال لا نعرفه، قال الله إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ ۩، وكل المُتقين في هذه الأمة وكل الصالحين كانوا يعرفون هذا، عمر بن عبد العزيز قال والله لو أعلم أن الله قبل مني صلاة ركعتين لقرت عيني واطمئن فؤادي لأنه لا يقبل إلا من المُتقين ومن المُخلِصين وأين أنا؟ فأنا لا أعرف، لكن يُوجَد عندك مُقتضيات الإخلاص، ومن مُقتضيات الإخلاص أن تُسِر العمل من كل أحد، وهذا معنى قول رسول الله فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، فلو أمكن حتى ألا يعلم شطر جسمي الآخر – ليس أبي وأمي وشيخي وأستاذي وإنما جسمي نفسه – لفعلت، أُريد أن أُخفي هذا عن نفسي من نفسي، لكن أنت غير مُعتنٍ بهذا بالمرة، أنت مُعتنٍ بعكسه تماماً فأنت تُشير دائماً إلى ما عملت وتذكر وتُصرِّح ما عملت وما قدَّمت، فعن أي إخلاص تتحدَّث؟ ما هذه الدعوة التي فيها طلب الإخلاص والصدق؟ هذا خداع – مزيد خداع – لنفسك لكي ترتاح ومن ثم تقول الحمد الله فأنا – إن شاء الله – في طريق الصدق والإخلاص مع أنتك لا تأخذ بشيئ من مُقتضيات الصدق والإخلاص في العمل، فهل يُوجَد خداع أكثر من هذا؟ هل يُوجَد كذب أكثر من هذا؟ هل تُوجَد مُحاوَلة للكذب على الله والخداع مع الله – لا إله إلا الله – أكثر من هذه؟ لكن لا يُوجَد شيئ ينطلي على الله – تبارك وتعالى – من هذا.
هناك أشياء أنت ترى أنك تتوفَّر عليها وتطلب من الله المزيد، لكن طلب المزيد نوع من الغرور والجهل بالله والجهل بالنفس، فمَن قال لك أن عندك الصدق والإخلاص أصلاً؟ أنت تقول اللهم زِدني إخلاصاً وصدقاً كأن عندك – ما شاء الله – هذا وبالتالي أنت أقمت فرضية أنك من المُخلِصين والصادقين، أنت تقول اللهم زِدني تواضعاً لكن كيف هذا؟ هل أنت مُتواضِع أصلاً؟ قد تقول لي أنا أطلب المزيد لكن في الحقيقة أنت إذا رأيت نفسك مُتواضِعاً فأنت لست كذلك، وهذا ما قاله العارفون بالله مثل الحسن البصري وغيره، قال مَن رأى نفسه مُتواضِعاً فهو مُستكبِر، وهذه طبعاً واضحة جداً ومفهومة، فهى عقلانياً مفهومة لكن هل تعرف لماذا؟ أول ما ترى نفسك مُتواضِعاً وتقول أنك مُتواضِع وأنك تواضعت لفلان فاعلم أنك مُستكبِر، والله – وأنا أقسِم على منبر رسول الله – أنت مُستكبِر، لكن هل تعرف لماذا؟ لأنك حين تقول أنا تواضعت له وأنا – إن شاء الله – مُتواضِع فهذا يعني أنك في الأصل ترى نفسك أعلى من غيرك، أنت تراه أقل منك، أقل منك بسبب العلم أو بسبب الدين وهذه مُصيبة أيضاً، فهناك مَن يرى نفسه أعلى من غيره بسبب الدين، لكن مَن عرَّفك هذا؟ مَن قال لك أن دينك أحسن من دينه؟ هذا غير معقول، لا يُمكِنك أن تعرف هذا، فلا يعرف هذا إلا الله الذي يعلم ما في القلوب – لا إله إلا هو – وبالتالي من أين لك أن ترى نفسك على هذا النحو؟ قد يكون هذا بسبب اللحية – قد ترى نفسك أفضل منه لأن لديك لحية أطول – أو بسبب الجلباب أو لأنك تُصلي أكثر فتعتقد أن هذا هو الدين، وهذا غير صحيح، فالدين ما أنا الآن بصدد الحديث عنه، الدين هو هذا، نقاوة القلب وتفتيش النفس الدائم على مدار الأربع والعشرين ساعة واتهام النفس وفضح النفس وهتك النفس أمام النفس والوعي بالذات، فهو هذا إذن، هذا الدين وليس لحية وجلباب ونقاب وسواك وصلوات أمام الناس، ليس هذا الدين أبداً، صدِّقوني هذا لن يكون له قيمة لا في الدنيا في ترقيتك ولا يوم القيامة عند الله بغير الدين الجوهري وبغير الدين القلبي، قال رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – ألا إن التقوى ها هنا وأشار إلى صدره ثلاث مرات، يقول الله رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ۩، فالله هو الذي يقول هذا فانبتهوا، هو يقول أنا أعلم بما في نفوسكم، وإلا سوف تُصبِح هذه المظاهر والعبادات كلها مزيداً أيضاً من أسباب ووسائل الخداع والكذب على الناس والتدجيل، ومن ثم تُصبِح مظاهر بلا قيمة ولا بروح، فانتبه لأنك تسأل المزيد وهذا يعني أن المفروض في دعائك أن الأصل لديك – ما شاء الله – حاصل، فحاصل لديك الصدق والإخلاص والتواضع والطيبة ومن ثم أنت تسأل الله المزيد، ففكِّر على هذا النحو في كل ما تسأله الله وفي كل ما ترغب فيه وفي كل ما ترغب عنه.
نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يكشف عن عيون بصائرنا حتى نرى الحق حقاً كما يرضاه – تبارك وتعالى – ونرى الباطل باطلاً كما يراه ويكرهه وأن يُبغِّضه إلينا وأن يُحبِّب إلينا الإيمان ويُزيِّنه في قلوبنا ويُكرِّه إلينا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۩ ويجعلنا من الراشدين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان وسلَّم تسليماً كثيراً.
إخواني وأخواتي:
حين تذهب تدعو الله – تبارك وتعالى – لغيرك من الناس عليك أن تعلم أن دعاء المُؤمِن لأخيه بظهر الغيب مُستجاب وهو من أرجى ما يُمكِن أن يرجوه العبد، أي أن يصطنع الخير لأهل الله ولعباد الله ليُطلِق ألسنتهم بالدعاء له، وقد ذكرت لكم مرة أن موسى – عليه الصلاة وأفضل السلام وعلى سائر رسل الله وأنبيائه وآل كلٍ – سأل ربه قائلاً يا رب دلني على دعوة مُستجابة إن دعوت بها أجبتني، قال ادعني بلسانٍ لم تعصني به، فقال يا رب ومَن له هذا؟ أي أن الإنسان قد تبرز منه كلمة هكذا فيُعصي الله، قال ادعني بلسان غيرك، لأنك عصيت الله بلسانك أنت ولم تعص الله بلسانه هو، وبالمُناسَبة هذا يُعيدنا مرة إلى أُخرى إلى موضوع هام، إياك أن تطلب من الله حاجات غيرك التي يطلبها غيرك لك، فهى حاجاته – كما قلت – وليس حاجاتك، وأنتم فهمتهم موضوع الزواج والبنات والأولاد لأن هذا من المفهوم لكن غير المفهوم أن تدعو بحاجات أخيك وتقول اجعل لي كذا وكذا، فهذا الدعاء ليس لك، هذا لا يليق بك ولكن هذا يليق بعبد قضى ربما خمسين أو ستين سنة في مُحارَبة نفسه داخل ميدان المعركة باستمرار مع نفسه ثم أنه بعد ذلك ارتقى إلى مقام ما فأطلق لسانه بهذه الدعوات وهذه الدعوات ليست لي أو لك وإنما له، أنا دعواتي – كما قلت لكم – أن يُخلِّصني من جحيم نفسي ومن جحيم هواي ومن حسدي ومن حقدي ومن غشي ومن كذبي ومن خداعي ومن عماي، فهذه دعواتي فقط، فادع بحاجاتك أنت، ولذلك أنا غير مُقتنِع بالدعوات المحفوظة والمكرورة فضلاً عن المسجوعة والمُغنى بها، الله أكبر يا أخي، أنستفتح أبواب السماء ونستمطر رحمات الله بالغناء والأسجاع؟ أي دعاء هذا؟ وأي دين هذا؟ ماذا أقول؟ ما هذه البلية؟ ما هذه المحنة التي صارت فيها الأمة؟ يجب أن يكون الدعاء – كما قلت لكم – دعاءاً كاشفاً غير مُخادِع، كاشف عن حاجاتك الحقيقية وعن عمق نواياك بصدق وبضراعة حقيقية.
قد تسألوا أنفسكم لماذا الدعاء أصلاً؟ نحن ندعو الله أن يُعطينا حاجات الدنيا والآخرة وأن يدفع عنا بلاء الدنياء والآخرة وهو يعلم هذا والخير كله بين يديه وهو سيفعل لنا هذا تفضلاً وتكرماً منه فلماذا الدعاء؟ أنت عندك الجواب التقليدي وهو أن الله يُحِب أن يسمع ضراعة عبده المُؤمِن، لكن لماذا؟ هل الله يحتاج – أستغفر الله العظيم – إلى هذا؟ الله غني عن العالمين، نعم يُحِب أن يسمع تضرعك لكن ليس له وإنما يُحِب أن يسمع تضرعك لك، فلماذا إذن؟ لكي يضعك ولكي يُذكِّرك بمقام عبديتك، لكي يقول لك إياك ومشاعر الاستغناء، إياك والتكبر على عبادي، إياك والتأله ولو بنسبة واحد في المليار، إياك أن تفعل هذا، إياك فأنت عبدٌ ضعيف، أنت بدوني وبغير فضلي لا شيئ، هذا هو والله العظيم، ائت بأكبر ديكتاتور – Dictator – كبير يقتل الملايين وسوف تجد أن حصاة صغيرة – بالله العظيم – تتحرَّك في الحالب عنده تقتله وتجعله مجنوناً يتلوى كالثعبان ويصيح كالطفل الصغير، فما هذا الديكتاتور إذن؟ حصاة في الحالب فقط تفعل به هذا ومع ذلك يقول لك أنه ديكتاتور وأنه يُحيي ويُميت كما قال النمرود، وهذا كله كلام فارغ.
إذن الله يُحِب هذا لكي يكشفك أمام نفسك ولكي يُعيدك إلى مقام، وقد يقول لي أحدهم الآن هذا بالذات الذي نكرهه منك ومن علماء الدين، لكن ما هذا الذي تكرهه؟ أنكم تُريدون من الإنسان أن يزحف على بطنه إلى الله وأنا لا أُحِب الإله الذي أزحف له، أستغفر الله العظيم – انظر إلى الإلحاد وإلى قلة الادب – ومَن قال لك يا رجل أن الله يُريد منا أن نزحف على بطوننا؟ الله لا يُريد هذا، الله لا يُريد منا أن نُصبِح طواغيت ومردة عُتاة قُساة وقتلة وآلهة زائفة فنُحطِّم كل شيئ خيِّر في الحياة، يُريد أن نبقى عبيداً فنعرف مقامنا ونعرف وضعنا ونسمو لكي نلتحق حتى بالملأ الأعلى، هو يُريد هذا فقط، يُريد لك العز – وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ۩ – لكن عزك – والله – لا يكون بالاستكبار والاستغناء والعُجب والغرور والشماتة والتعيير وإنما يكون بالتواضع لمقام الربوبية ولإلهية وبمعرفة حدود العبدية، وهنا تُصبِح كائناً قوياً وخيِّراً وجميلاً ومُحِقاً، هنا تُصبِح شيئاً إيجابياً تثرى به الحياة والوجود، والطريقة الوحيدة هى هذه فقط وذلك بالإيمان والمعرفة الحقة وعبادة الله حق العبادة، وهذا هو معنى الضراعة التي يكشفها الدعاء ويُحقِّقك بها الدعاء الصادق وليس الضراعة التي يُعتقَد أن الله يُحِبها لذاته، فهو غني عن العالمين هو لا إله إلا هو، هو أبدي أزلي سرمدي لا إله إلا هو.
إذن نعود مرة أخرى لكي نقول حين تذهب تدعو لإخوانك وللناس بشكل عام – هذا معيار مُهِم جداً – اسأل نفسك هل تدعو لهم بتلك اللهفة وبذلك الصدق الذي يتملكك ويستبد بك حين تدعو لنفسك أو لأولادك أو حتى لأقرب المُقرَّبين منك؟ سل نفسك كم مرة وأنا في جوف الليل دعوت من أجل جاري أو صديقي أو معرفة من المعارف أو إنسان أعرفه في بلدي ضل الطريق وارتكب المناكر واقترف المُحرَّمات فدعوت له وضرعت إلى الله وبكيت بدمع سخين وبقلب ضارع وواجف ولم أُخبِره ولم أُخبِر أحداً؟ قد تقول لي هذا أمر عجيب، لكن هذا هو، والصالحون كذلك طبعاً، فانتبهوا إلى أن لك الصالحين كذلك، هم يدعون إلى الناس من حيث لا يعلم أحد من الناس دعوات لو كُشِفَ عنها الغطاء لانبهر الناس وتاهوا عن أنفسهم، سوف يقولون ما قضية الإنسان هذا؟ لكن لماذا يفعل الواحد منهم هذا؟ لأن هذا هو المُنفتِح على الله من زاوية العرفان وليس من زاوية الحاجة، هذا أكبر من حيوان، هذا إنسان حقاً، وهذا جمال المُؤمِن، ولذا هذا المُؤمِن حقاً.
هل ترون الله – تبارك وتعالى – يُجيب مثل هذه الدعوات؟ هذه أرجى الدعوات أن تُجاب، فما رأيكم؟ هذه دعوات الإنسان الذي لم يجعله نفسه أبداً قُطباً للكون لكي يدور حوله الوجود، قُطب الوجود هو قُطب الوجود لا إله إلا هو، هو وحده الذي خاطبه مولانا وقال له: لو قلت يا رب الشمس والقمر جُفاء – أي ليس لهم أي قيمة – ولو قلت يا رب السرو قده أعوج – أي أنه غير مُستقيم – ولو قلت يا رب البحر والمنجم فقيران والعرش والفلك حقيران لصح ذلك كله قياساً إلى مجدك وكمالك يا مُوجِد المعدومات ومُفنيها.
هذا هو الله، هذا هو الله وهو وحده – لا إله إلا هو – الذي ينبغي أن نعتقد فيه بإطلاق دون أدنى قيد من القيود أنه قُطب الوجود وسر الوجود وقيوم القيوم – الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۩ – فقط، لا أنا ولا أنت ولا أي واحد منا، محمد حين رُفِع إلى مُنقطَع الأين ليلة الإسراء والمعراج حصل على وسام، فما هو؟ التحقق بالعبودية، قال الله سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ ۩، فهذا هو إذن، هذا هو الانفتاح من زاوية المعرفة، فسل نفسك دائماً هذا، وأخيراً – وقد أطلت عليكم – سل نفسك حين تدعو – وكلنا يدعو، قال الله يَسْأَلهُ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض كُلَّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن ۩، كلنا ذلك الفقير المُفتقِر إلى رحمة الله ونواله وعطائه وكرمه وجوده ومنحه لا إله إلا هو – بدعوات دنيوية وبدعوات أُخروية حجم هذه إلى هذه، وهذا أولاً، وربما أُرجِّح أن الدعوات الدنيوية – هذا إذا كنت تدعو من غير تحفظ وتكرار ما لا تفهم وأنت تدعو، فقد تحفظ أشياء من كتب الأدعية وتُردِّدها وهذا لا ينبغي، فأنا أتحدَّث عن الذي يدعو عن غير قلبٍ ساه، كما قال النبي الله لا يستجيب من قلبٍ ساهٍ، فالقلب الذي يكون كذلك لا يستجيب له الله لأنك ما دعوت أصلاً، ولذلك أنا أقصد الذي يدعو فعلاً وهو واعٍ بما يدعو ويُريد فعلاً ما يطلب وهو مُحتاج ومُفتقِر وهو يعلم ماذا يُريد – أكثر بكثير، وهى لها علاقة بالنجاح وبالمال وبالزواج وأن يكفينيا وأن يُعطينيا وما إلى ذلك، فهذا أكثر شيئ، ولكن ماذا عن الآخرة؟ أين الآخرة؟ بعض الناس لو كان الأمر إليه وبيده لجعل كل دعواته في الدنيا، وهذا يعني أن الدين أصبح ماذا؟ أصبح الدين وأصبح الإيمان واليقن مُجرَّد وسيلة إلى غاية، وهذه الغاية هى الدنيا، وهى الجزء الحيواني فينا، هى الزمني فقط، والإنسان – كما قلت لكم – كائن دنيأخروي، فهو فيه الدنيوي وفيه الأخروي، وينبغي أن يكون حظ أدعية الدنيا بقدر الدنيا إلى الآخرة، فالآخرة دار الأبد والدنيا دار الفناء، ستون و سبعون سنة ثم تنقضي الدنيا لكن هناك أبد مُؤبَّد، فاعتن كثيراً وإياك أن تقول أن الدين جاء لإصلاح الدنيا، وطبعاً هو جاء لإصلاح الدين ولكن ليس فقط، يجب أن تنتبه إلى كلمة فقط التي لا نُريد أن نسمعها، وهذا يُذكِّرني بطريقة الماديين الملاحدة في الغرب الآن الذين يقولون لك Nothing But Less، فهذه لا نُريد أن نسمعها، لكن الدين جاء للدنياء والآخرة، وأنا – كما قلت لكم – فيّ شطر ناظر للدنيا وفيّ شطر أعمق بكثير وهو المُتعِب الذي سنكتشف تأثيره وعمق تأثيره وعمق حاجاته ومطالبه في آخر الحياة بعد سلسلة الإنجاز الطويلة والمُرهِقة، فسوف نكتشف أن هذ الشطر مازال عنده غاية أبعد من كل هذا بكثير وأن كل ما حققناه ليس شيئاً بالنسبة لهذه الغاية التي لم نعمل لبلوغها والوصول إليها.
اللهم اهدنا فيمَن هديت وعافنا فيمَن عافيت وتولَّنا فيمَن توليت، اللهم أصلِحنا وأصلِح بنا، اللهم أنت أصلحت الصالحين فأصلحنا لك بما أصلحت به عبادك الصالحين، أرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباع وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم قدِّس ضمائرنا ونوِّر سرائرنا واكشف العمى عن أبصارنا وبصائرنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تُبلِّغنا به جنتك ومن اليقين ما تُهوِّن به علينا مصائب الدنيا، لا تجعل مُصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تُسلِّط علينا بذنوبنا مَن لا يخافك ولا يرحمنا، جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩،
وأقِم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (2/9/2016)
جزاك الله عناخيراً ياسيدي وشيخي الدكتور عدنان
لن اكون مبالغاً اذا قلت ان هذه الخطبة صدرت من قلب صادق مع الله صادق مع نفسه صادق مع الناس واسال الله العظيم ونحن في وقت السحر في كندا الان ان يرزقك بمرتبة الصديقية العظمى وان يعلي مقامك في الدارين ويجمعني بكم في الدارين
اللهم ءامين.
محبك / عبدالقادر كشك
فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .
الإنسان يولد جاهلا عاجزا و عن طريق والدينا نعرف الدنيا و عن طريق المعلم نتعلم القراءة و عن طريق كل ذي اختصاص نسد خصاصنا … فلا يمكن أن نعرف أنفسنا من ذواتنا … إلا كنا من أهل الإختصاص و ليس كل الناس أخصائيين نفسانيين ….. الصالحين الكبار لم يكونوا كبارا إلا بصلاحهم للناس و معرفتهم بضعف الآخرين و مد يد العون لهم و بهذا عرفوا الناس و عرفوا أنفسهم…. معرفة النفس في عصرنا العربي الاسلامي الحالي من أعقد الأشياء و أكثرها التباسا لأن الفرد فينا تربى تحت منظومة ملبوسة بالغلط المفاهيمي الديني و العقدي ممزوجة بالمغااطات التاريخية فهو بين مصيبة مراجعة التاريخ ااذي لا بد منه و بين مراجعة ذوي الإختصاص في الدماغ و الأعصاب و التحليل النفسي … طبيعي أن لا يستجيب الله دعائنا .. عندما نصاب بالأمراض البدنية نتوجه الى طبيب يصف لنا عقارا لكن النفس و ضررها أقوى و ألمها أعمق و لأنها تسبب أيضا في العمى لا نلتفت الى طبيب نفسي و هو أولى بالإلتفات ….. الوحي حقيقة في حياتنا ننكره بنكران جزء من الغيب الذي مع الأيام يتكشف و لا يصير غيبا لسنا بحاجة الى جبريل بقدر ما نحن بحاجة الى استيعاب الوحي، كلام الله القرآن الكريم … كما نحن بحاجة الى خلق قاعدة علمية حقيقية تدرس نفسية العربي المسلم في بيئته و لا نستورد العلوم و نسقطها اسقاطا لا يتلائم مع خاصية الشخصية العربية المسلمة جزء من الاستجابة لله هو المرور الى الفعل كي يجعل الله أقوالنا أفعالا منجزة في الواقع و الدعاء هو العمل على تحقيق هدف و غاية و الله يتكفل بالاستجابة لطلب الانجاز، …..و الله أعلم.
شيخ عدنان بارك الله فيك و في علمك، هل تعلم أنك و خطبك تسبب لي السعادة ؟ أنا سعيدة جدا و الله ، قلبي يرفرف من السعادة، رغم طبعي المتغير و مزاجي المعكر الا أن طابع السلم و المودة في خطبك تجعلني أسكن كلما أحسست بالضيق و الفراغ أهرب الى خطبك أسمعها لأكتشف الفرق الهائل بين كياني المتقلب و بين فصل السلم و الثبات في خطبك ، نحن مدينون لك شيخ عدنان بحيواتنا، مجرد سماع خطبك يشعرني بالراحة ووكأنها كلها دعوات … أشعر بحبك للناس و بصفائك و إخلاصك و حرصك على نجاتنا في الدنيا و الآخرة … و هذا يخفف ضغط الاحساس بالوحدة كثيرا، لا أحد يسمع كلامك و لا يتأكد أنه كلام محب و ليس كلام واعض أسأل الله أن يرفع مقامك عنده و يفرح قلبك و يسعدك كما تسعدنا في الدنيا ووالاخرة، بمناسبة الدعاء أعتقد أن الله يستجيب دعائك لأنك عالم رباني مبارك إن شاء الله وولي صالح تتحدث من أعماق قلوب الجميع و كأنك تخاطب قلبا واحدا . حفظك الله شيخنا و بارك فيك و في ذريتك و أصلح بالك و أعانك على الدنيا و مشاغلها ووخفف عنك همومها و رزقك الصحة و العافية و أطال عمرك ….لو حاولت التعبير عما في قلبي سأملأ دفاتير الدنيا كلها و لن أكتفي .حفظك الله شيخنا و مولانا.
أجمل ما تتميز به خطب الشيخ عدنان أنها تغوص في أغوار النفس و أعماقها و يستطيع المستمع لها أن يجعل منها مرآة يكتشف من خلالها نفسه و يعرف قدرها و يعمل على ترقيتها كما ينبغي ، و هذا الموضوع بالذات ـ موضوع الدعاء ـ كم اختلط عند كثيرين علموا أن الله أمرنا بالدعاء لكن غفلوا عن أنه سبحانه ذمّه بعض الأحيان و وصف الداعي بأنه { ذو دعاءٍ عريض } كما قال فيه أيضاً { إنه لا يحب المعتدين } أي الذين يتجاوزون قدرهم و حدهم في الدعاء .و هناك من يُسرع الله في تلبيته لشدة كراهته لصوته في الدعاء كما هناك من يؤخر إجابته لحبه تعالى أن يسمع صوته و مناجاته . فإذا اتفقنا أن فروع الدعاء مختلفة الثمرات فجذوره أكيدة الثمرات و هذه الجذور هي ذكر الله فقد قال تعالى في حديث قدسي [ من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ] و هذا الاتجاه في الدعاء ألذ ما يمكن للمؤمن تحصيله فهو تعبير عن تفويض تام لله لأن المرء لا يدري أين الخير فيكون الله عند حسن ظنه و يعطيه أأجزل العطاء ظاهراً كان أم باطناً { و أسبغ عليكم نعمه ظاهرةً و باطنة } … جزى الله الدكتور عنا أفضل الجزاء خاصةً فيما يسد أبواب ابليس في التلبيس و أننا بمجرد قولنا : يا رب قيل لنا [ لبيك ] تذكرنا بمقولة [ علم عبدي أن له رباً يأخذ بالذنب و يغفر اشهدوا أني غفرت له ..] فما إن ينادي العبد ربه عالماً أنه لا ينجيه سواه فليستبشر خيراً و خيراً كثيراً بإذن الله ….
شيخ عدنان فصل الخريف يبدو قاسيا أحيانا بكوارثه لكنه أجمل من الجمال شيء رائع حقا من الصعب أن تترك الجو و الهواء و الرياح و السحاب و تقلب الغيوم و اختلاط شمس النهار بالازمنة المتعددة لتدخل الى جدران البيت …. فصل رائع حقا أحبه من أعماق قلبي، يجلب التاريخ معه و يوزعه من حولنا لننظر الى ألبوم الصور، متفرقة في كل مكان، أعشق فصل الخريف، كل شيء يحلق و الشمس بأشعتها الناطقة تخاطب خلايا الدماغ لتذكره بأعمق فصل في كيانه و تزرع الابتسامة في محياه و هي تذكره بأحلامه التي نسيها و المستقبل الذي أصبح بين يديه، كم هو مسالم هذا الخريف، متسامح، يضم في حدوده كل الفصول لتمتزج دون أن تفقد ألوانها و عطرها صيف بوجه المبتسم منكسرا بألم الفراق يصدر ألحانه السجية و يغني للشتاء أغنية الفراق و الربيع بوداعته و سكونه يحتار في قصر أيامه متأملا في الخريف و جبروته و عمقه و حكمته، قائلا من لم يعلمه الخريف لا يعلمه الزمن. هههه أسأل الله أن يجعل أيامنا كلها سرور و بهجة و حب و سلام و أمان.
أحيانا عند إعادة الاستماع لخطبك شيخ عدنان و كأني أسمعها على شكل أسئلة متتالية، لكن هذه الخطبة سبق و أن سمعتها في خطبك متفرقة، أخدني خمس و عشرين سنة الى الوراء، زحزحت جمجتي جيدا سمعت أسئلتها بوضوح و حددت بوضوح أزمنتها في دماغي … صدقني شيخ عدنان تصلح جدا كمختص في الدماغ و الأعصاب.
كم يصبح هذا العالم جميلا وحلوا حين نتعلم قراءة حروفه واياته ….
وكم نشعر بالسعادة والمتعة حين نتعمق في معرفة هذه النفس البشرية،،، فنكتشف جمال وروعة الخالق العظيم جل في علاه .حقا في كل شيء له اية تدل على أنه واحد..
أحسنت شيخنا ثم أحسنت ثم أحسنت …
فتح الله عليك فتوح العارفين وزادك من فضله وعلمه وفقها.
وكل عام وانت الخير كله
اختي الغالية peeraa dii اشكر فيك هذه الروح المبدعة وهذا التشبيه الراءع لفصل الخريف فتحت عيني لجماله …..وروعته ….وتاريخه …. رغم أنني لم أكن أشعر قبلا بجماله كثيييييرا ههههه
وفقك الله في حياتك ويسر امورك .
ولا تحرمينا من كتاباتك الجميلة والمبدعة..
لك مني أصدق الدعاء.
شكرا لك أختي أم ريان
نعم كما قلتي العالم جميل جدا حين نحاول رويتة بعين لا تتلبسها أنفسنا المليئة بالضجيح …
لو أنصفنا أنفسنا نرى الجمال في كل ما خلق الله من حولنا و في أنفسنا أيضا
كل شيء جميل و رائع
و الطبيعة التي تحملنا لا نكاد نشعر بها لأننا تعودنا عليها و نسيناها رغم أنها تأوينا
و تشهد على كل لحظة نعيشها، و هي أقرب إلينا من أنفسنا، و حياتنا مرهونة بها، رغم هذا لا تضجر و لا تمل منا و تمنحنا الأمل كل صباح و تبتسم في وجهنا دون أن نعبئ بوجودها …. فوق جمالها طيبة القلب و حنونة هههه . كان الله في عونها.
أوضحت لنا عن اسرار اخطائنا وبدلت تفكيرنا ورؤيتنا لانفسنا كليا ,, الله يطول في عمرك ويبارك عليك وعلى والديك دكتور عدنان