نظرية التطور
السلسلة الأولى: الأدلة والمؤيدات
الحلقة العشرون
حلقات لم تعد مفقودة – الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علماً.
أحبتي في الله، إخواني وأخواتي: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أُكمِل معكم في هذه الحلقة العشرين الحديث عن ظهور أشكال الحياة المُختلِفة وتطور هذه الأشكال لكن بشكل إجمالي سريع جداً حتى نتمكن – وقد تهيأنا – إن شاء الله بعد ذلك للحديث عن تطور بعد المخلوقات من بعضها البعض، كتطور مثلاً مخلوقات البر من المخلوقات البحرية، فقلنا في نهاية الحلقة السابقة أن قبل ستمائة مليون سنة ظهرت كائنات عديدة الخلايا وهى كائنات بسيطة إلا إنها ليست وحيدة الخلايا مثل الإسفنج وقناديل البحر ودود الأرض أو الديدان عموماً، فهذا قبل ستمائة مليون سنة، وهذه الكائنات أخذت بعد ذلك في الاستنواع، وقد شرحنا معنى الاستنواع، فهى تتطور تطوراً دراماتيكياً بحيث تؤول بعد ذلك إلى أنواع مُختلِفة وإلى أنواع جديدة، فظهر من هذه الكائنات بعد ملايين السنين النباتات الأرضية، أي نباتات اليابسة التي تُسمى النباتات الأرضية أو النباتات البرية Terrestrial، ورباعيات الأطراف Tetrapods، وطبعاً يُقال لها رباعيات الأرجل لأن لديها Four Legs، لذا إسمها رباعيات الأطراف Tetrapods، وأبكر هذه الكائنات الأنواع الجديدة التي نشأت من الكائنات البسيطة المذكورة قُبيل قليل وهى الأسماك ذات الزعانف – Fins – الفصية، وهى تُسمى الأسماك فصية الزعانف أو لحمية الزعانف Lobe-finned Fishes، فكلمة Lobe تعني فصاً، مثل الـ Lobe الذي يُوجَد في الدماغ، أي مثل فصوص الدماغ، فـ Lobe-finned Fishes مأخوذة من Fins، أي الزعانف – Fins – التي تأخذ شكل الـ Lobe، وهذه من أوائل الأسماك، وطبعاً سيكون منها الأسماك الرئوية – أي التي لها رئة – والسمكة المشهورة بالسيليكانت Coelacanth التي حدثتكم عنها أكبر من مرة، وهذه السمكة المُعمَّرة ترقى إلى فترة بعيدة جداً، ونحن قلنا أن ستمائة مليون سنة هى المُدة التي تتعلَّق بالكائنات البسيطة، لكن هذه الأشياء من حوالي أربعمائة مليون سنة تقريباً بدأت تظهر، والآن من الضروري بما أننا تكلَّمنا عن الأسماك فصية الزعانف أن نتكلَّم عن الأسماك عموماً، فالأسماك قد تكون فصية الزعانف وهى أصل الأسماك، فهى كانت أكثر شيئ قديماً، لكن بعد ذلك أصابها انقراض كبير ولم يبق منها إلا أقل القليل، وسادت الساحة الأسماك شعاعية الزعانف Ray-finned Fishes، والأسماك شعاعية الزعانف كالأسماك التي نعرفها اليوم شعاعية الزعانف، فهذه موجودة وهذه موجودة، والأسماك عموماً هى كائنات فقارية، فالقرش مثلاً غضروفي وليس كائناً عظمياً، إنما هو كائن غضروفي طبعاً، والأسماك عموماً لها هياكل عظمية، سواء منها فصية الزعانف أو شعاعية الزعانف، ولذلك كل فقاريات اليابسة وكل الفقاريات في البر – ونحن من بينها – مُتطوِّرة من الأسماك، ومن هنا قد يقول لي أحدكم “هذا أمر عجيب، هل نحن في يوم من الأيام كنا سمكة؟ أي أننا لم تتوقَّف عند قضية القرد”، هناك عالم مشهور ربما في هذه الحلقة والحلقة التي تليها سأُحدثكم عنه وعن أبحاثه وكشوفاته إسمه نيل شوبين Neil Shubin عنده كتاب لطيف جداً، وأنا قرأت هذا الكتاب وهو كتاب مُمتاز إسمه سمكتك الداخلية Your Inner Fish، وهو كتاب مُهِم جداً لأنه يضع أصبعك خطوة بخطوة على الموضوع ويُوضِّح فعلاً كيف أنك نوع من التطوير للسمكة، فأنت سمكة مُطوَّرة، وهذا عالم باليونتولوجي Paleontology وعالم تشريح وبالذات في تشريح الأسماك أيضاً الموجودة والمُنقرِضة، فهو مُتخصِص في هذا، ومن اللطيف أنه كان يُدرِّس طلاب الطب التشريح فإذا تساءلوا طب عن تخصصه يقول لهم هو باليونتولوجي Paleontology، فيقولوا له هل أنت ليست طبيباً؟ هل أنت غير مُتخصِّص في التشريح البشري؟ فيقول لهم أنه مُتخصِّص في تشريح الأسماك، وهذا أمر عجيب، فكيف تُدرِّس لهم التشريح البشري؟ وطبعاً كان يُدرِّس بطريقة عبقرية ويُفهِمهم بشكل استثنائي، فلماذا إذن؟ يقول لهم “أحسن شيئ لك إذا أردت أن تفهم التشريح الإنساني أن تفهم تشريح السمكة جيداً، فنفس تقريباً المُخطَط ولكنه مُطوَّر” وهذا شيئ غريب، لكن هذا هو معنى عنوان كتابه Your Inner Fish، أي سمكتك الباطنية أو الداخلية.
إذن هذا كان قبل زُهاء أربعمائة مليون سنة على كل حال، وبعد ذلك بخمسة عشر مليون سنة من ظهور هذه الكائنات التي ذكرتها قُبيل قليل نجد أول البرمائيات الحقيقية، فحين ظهرت هذه الأسماك فصية أو لحمية الزعانف سيظهر بعد ظهورها في البحر والمياه بخمسة عشر مليون سنة أول البرمائيات، بمعنى أن هذه الأسماك فصية الزعانف قد أخذت خمسة عشر مليون سنة لكي تتطور إلى أول البرمائيات، فهى كائن برمائي يعيش في البحر ويعيش في البر، وطبعاً تطور بعضها وسوف نرى هذه القصة، فهذا ربما يكون موضوع هذه الحلقة لنعلم كيف تم هذا وهل هذا موجود وهل هناك ثمة حلقة مفقودة تُؤكِّد هذا التطور أم لا، وهى موجودة طبعاً، علماً بأن الفضل في اكتشاف هذه الحلقة المفقودة الرائعة جداً – من أروع في السجل الأحفوري – يعود إلى هذا العالم الأمريكي الشهير الذي يُدعى نيل شوبين Neil Shubin، فالفضل يعود إليه هو وزملائه وفريقهم في إيجاد هذه الحلقة المفقودة، وهذا كلفهم خمس سنوات من العمل الشاق المُضني المُتواصِل والمُكلِّف، علماً بأن الاكتشاف كان في سنة ألفين وأربعة، أي قبل عشر سنوات، ولذلك في العلم لا يُمكِن أن تذهب وتأتي بكتاب من مائة سنة وتقول لي أنا أنتقد التطور، هذا لا يُمكِن أبداً لأن العلم فيه تحديث مُستمِر، فإذا اعتمدت اعتماداً كلياً على كتاب مُؤلَف قبل حتى خمس سنوات وأربع سنوات من المُمكِن أن تقع في فضائح علمية، لأن في الخمس سنوات هذه تم اكتشاف أشياء وتقديم نظريات واقتراحات جديدة وأشياء كثيرة أنت لا علم لك بها، فلما تتكلَّم في العلم لابد أن تتابع باستمرار، لأن العلم ليس عنده فكرة النوم، فلا يُمكِن لأحد أن ينام ثم يستيقظ ويُتابِع في العلم، هذا لا يُمكِن أن يحصل، لكن للأسف عكس هذا تقريباً يحدث في الفكر الديني، فنحن كمسلمين لسنا استثناء، فنجد الواحد منا قد ينام عشرين سنة وثلاثين سنة بل وألف ومائتين وسنة ويقول قال الشافعي وقال أبو حنيفة، وكأنهم – رضيَ الله عن الأئمة والعلماء من جميع الطوائف والمذاهب وأرضاهم أجمعين – أرباب الفهم وأرباب إلهة، وكأن الواحد منهم لما حاول أن يفهم النص فهمه بطريقة مُطلَقة وألقى بالقول الفصل إلى يوم الدين، أما نحن فليس لنا أي دور، وهذا غير صحيح، فالحياة تطورت والمعارف والوسائل والمنهجيات ومشاكل البشر تطورت وكل شيئ تطور، ومع ذلك يقول أحدهم قال أبو حنيفة وقال فلان وقال الصحابي فلان، وهذا شيئ غريب، ومن هنا تجد فعلاً الرجعية، علماً بأننا كنا نغضب من كلمة رجعية، لكنك تجد الرجعية في علماء الدين وطريقة تفكيرهم وطريقة تعاطيهم مع الأشياء وفي حالة الجمود التي ترين عليهم، فهم ينامون ألف ومائتين سنة ثم يتكلَّمون الآن في القرن الحادي والعشرين، وهذه فضيحة لأن هذا الكلام في العلم غير مسموح به مُطلَقاً، وحين يتحدثون في قضايا بطبيعتها علمية يقعون في نفس
الفضيحة، فالواحد منهم يعتمد لك كتاباً مُترجَماً – طبعاً هم لا يعرفون لغات – من قبل مائة سنة، وأنا الآن أتحدَّث عن الحقل السني، فعند علماء السُنة يُوجَد عندنا كتاب كريسى موريسون Cressy Morrison، وهو رجل أمريكي وكان رئيساً لأكاديمية نيويورك للعلوم في أمريكا وعنده كتاب إسمه الإنسان لا يقوم وحده Man Does Not Stand Alone، وقد ترجمه محمود باشا الفلكي في أول القرن العشرين، ومع ذلك تسمع علماء السنة اليوم ومن ستين وسبعين سنة يقولون “يقول كريسى موريسون Cressy Morrison”، ويتحدَّثون عن العالم الكبير كريسى موريسون Cressy Morrison الذي مات قبل مائة سنة تقريباً،وكتابه هذا كان من مائة سنة، ومع ذلك يقولون قال كريسى موريسون Cressy Morrison كذا وكذا وتحدَّث عن الجينات Genes وما إلى ذلك، لكن هذا الكتاب قبل مائة سنة، عليك أن تستيقظ من غفلتك، هذا عيب ولا ينبغي أن يحدث، فينبغي – كما أقول دائماً – أن تتوقف هذه المهزلة، فهذه المهزلة جرفت العقل المسلم، ومن هنا كان العقل المسلم مُجرَّفاً، فعقلنا – كما أقول لكم – وعقل الشباب وعقل الناس تقريباً هو عقل مُجرَّف بمثل هذه العقليات وبمثل هذا الكسل العلمي وبمثل هذا العبث والادّعاء طبعاً، فالواحد منهم يتكلَّم في أشياء – كما قلت – أكبر منه دون أن يتعب فيها ومع ذلك يتكلَّم أيضاً، وهو مُصِر على أن يتكلَّم من غير أن يتعب ومن غير أن يُتابِع، فكفى لكل هذا العبث.
إذن قلنا أن المُدة التي تتعلَّق بالأسماك لحمية أو فصية الزعانف هى أربعمائة مليون سنة، وبعد ذلك بخمسة عشر مليون سنة سوف نرى أول البرمائيات المتُطوِّرة عنها، ونحن قلنا قبيل قليل في الحلقة السابقة أن البرمائيات أتت قبل الزواحف، فسوف نرى البرمائيات ثم بعد ذلك بخمسة عشر مليون سنة سوف نرى أول الزواحف، والزواحف شهدناها بعد ثلاثين مليون سنة من الأسماك فصية الزعانف، ووهذه الزواحف – طبعاً كما سيأتي الآن عاد – ستتفرع إلى فرعين، فرع الثدييات وهى سابقة على الطيور، وبعد ثلاثين مليون سنة – الآن ليس خمسة عشر مليون سنة وإنما ثلاثين مليون سنة – من ظهور أول الثدييات سوف يشهد وجه الأرض ظهور أول الطيور، فالطيور أيضاً مُتفرِعة من الزواحف، كما أن الثدييات – Mammals – مُتطوِّرة من الزواحف، ففرع من الزواحف أصبح يُمثِّل الثدييات، وفرع آخر لكن بعده بثلاثين مليون سنة أصبح طيوراً، وطبعاً واضح بالمنطق التطوري أن من الأسهل أن يتحول الزاحف إلى ثديي من أن يتحول إلى طائر، فالطيران كان قضية كبيرة وقفزة رهيبة لكي تتحوَّل الكائنات إلى طيور، فهذه قفزة رهيبة جداً، علماً بأن إلى الآن السجل الخاص بها غير كامل تماماً، فحتى السجل الأحفوري والحلقات المفقودة فيها إشكالية، وما عاد الآن التطوريون أنفسهم مُقتنِعين بأن الجناح العتيق المُكتشَف في ألمانيا يُشكِّل فعلاً الحلقة المفقودة، فليس هو الحلقة المفقودة، وسنشرح لكم هذه المسألة ربما في هذه الحلقة أو التي تليها إن شاء الله تبارك وتعالى.
إذن من حوالي مائتين وخمسين مليون سنة ستشهد الأرض أول الثدييات، فالثدييات من مائتين وخمسين مليون سنة، والطيور الأولى – كما قلنا – من ثلاثين مليون سنة بعد الثدييات، وهناك علماء يقولون ليس من ثلاثين مليون سنة وإنما من أكثر من هذا، وهناك علماء تطوريون يقولون من خمسين مليون سنة، فالثدييات ليست من ثلاثين مليون سنة وإنما من خمسين مليون سنة، ونحن ليس لدينا مُشكِلة في هذا سواء كان هذا من ثلاثين مليون أو من خمسين مليون سنة، فسوف سنشهد أول الطيور على كل حال، فتكون أول الطيور ظهرت قبل إما مائتين وعشرين مليون سنة أو قبل مائتين مليون سنة، لأن الثدييات من مائتين وخمسين مليون سنة في الماضي، وبعدها بخمسين مليون سنة سوف تأتي الطيور، إذن سيصل عدد السنوات إلى مائتين، أو تأتي بعدها بثلاثين مليون سنة فيكون ذلك قبل مائتين وعشرين مليون سنة، أي ذلك كان فلا بأس، وهكذا كلما اقتربنا في السجل الأحفوري من السطح سوف نرى هذه الكائنات المُعقَّدة المُتطوِّرة باستمرار.
الآن أعتقد أننا أخذنا فكرة عامة عن تطور الكائنات، فهذه الفكرة مُهِمة جداً وهى فكرة معيارية ندرس بها طبقات – Layers – السجل الأحفوري، ولن تجد – كما قلت لكم وأُعيد للمرة ربما الثانية أو الثالثة – أي كائن في غير مكانه، فمن المُمكِن ألا تجد الكائن الذي تبحث عنه فتقول “هذا الكائن هنا والمفروض أن هذا تطور منه، فأين الحلقة الانتقالية إذن؟ هذه غير موجودة” لكنك لن تجد أي كائن في غير مكانه، والتحفر – كما قلنا – عملية صعبة، فمن أصعب ما يكون أن يتحفر كائن ويبقى، لوجود عوامل التي تعمل ضد التحفر وتُنهي كل هذه المحفورات وهى كثيرة جداً، وإلا لو كان هذا السجل سلساً واضحاً وبسيطاً كانت انتهت مُشكِلة التطور من قديم – من مائة سنة مثلاً – وينتهي كل شيئ موجود عندنا وسيقتنع كل الناس بالتطور، لكن التطور إلى اليوم لايزال ملحمة وفيها كر وفيها فر، وإن كان طبعاً – كما قلنا مائة مرة – رجح ميزانه رجحاناً كبيراً، فالآن بعض المُتعصِبين له يقول لك “هو ليس مُجرَد نظرية، هو نظرية تنظم حقائق وتُفسِّر مجموعة هائلة من الحقائق”، وطبعاً كلمة نظرية ليس معناها أنها فرضية، فالنظرية في الأصل فرضية قابلة للدحض وقابلة للتجريب كما قلنا، وقد تنجح في تفسير مجموعة حقائق، وكلما نجحت في تفسير حقائق أكثر وأكثر أصبحت نظرية صادقة ولديها مصداقية وموثوقة وقوية، فالتطور تقريباً هو هذه النظرية، لأن النظرية فسرت مجموعة هائلة من الحقائق، فهناك أشياء – وهذا من ألطف ما يكون – سوف ترى أنها لا تُفسَّر تقريباً ولا معنى لها مثلما قال ثيودوسيوس دوبجانسكي Theodosius Dobzhansky خارج التطور، فهى لن تُفسَّر إلا بالتطور، فنحن تحدَّثنا الآن عن السمك مثلاً، وهم يقولون أننا في الأصل كنا سمكاً، فلو أخذنا سمكة وشرّحناها سوف نجد أن الغدد – Glands – أو الخلايا الجنسية موجودة في السمك قرب القلب، فهذه الـ Glands بجانب القلب تماماً وتستطيع أن ترى هذا من خلال التشريح، وكذلك الحال مع الطفل، فالجنين في رحم أمه يُوجَد عنده نفس الشيئ، حيث تكون هذه الغدد قرب القلب طبعاً،وكلما نما الجنين تبدأ تنزل إلى أسفل، وفي المراحل الأخيرة ينزل جزء من غشاء البطن ويُشكِّل كيس الصفن وينزل معه الخصيتان والأعضاء الجنسية، وهذا يسبب مشاكل للذكور بالذات، فكل الذكور مُعرَّضون باستمرار للفتق الأربي، ونحن نعرف هذا جيداً، وهو فتق – كما قلت مرة في حلقة سابقة – خطير، فإن لم يُعالَج قد يقتل، وتقريباً مُعظَم الناس بعد سن الأربعين حين يترهلون ويُصبِح لديهم بطناً كبيرة – أي كرش – يعانون من الفتق الأربي، بسبب هذه الحقيقة التطورية، فلم يكن هناك تصميماً – Design – واضحاً، ولو كان هناك هذ التصميم لكان فيه نقص ولكان فيه خطأ، لأن هذا ضد الإنسان، وهناك إشكالية أكبر من هذا أيضاً، لكن المثير واللطيف أنك ترى الجنين في المراحل المُبكِّرة من حياته – أي لما يكون جنيناً Fetus – ترى هذه الغدد – Glands – قريبة من القلب مثل السمكة تماماً، فالسمكة لم تتطور وظلت سمكة، لكن نحن تطورنا، فنحن كنا سمكاً وتطورنا، فطبعاً تنزل هذه الغدد، لأن السمكة لا يضيرها أن تكون الغُدد الجنسية هناك، فهى من ذوات الدم البارد، أما نحن فمن ذوي أو من ذوات الدم الحار Warm-blooded Organisms، نحن كائنات من ذوات الدم الحار ولذلك حرارة الجسم ثابتة، سواء الجو الخارجي بارد أو ساخن تبقى حرارة الجسم تقريباً ثابتة إلا في حالات الأمراض طبعاً والـ Infections وإلى آخره، وطبعاً الخلايا التناسلية تتأثر بالحرارة وتتضرر بالحرارة، فلو بقيت هذه الغدد في الجسم من الداخل لانتهى الأمر، فلن يستطيع الإنسان أن يتكاثر، وسوف تموت طبعاً، فكان لابد أن تكون في مكان بارد، فنزلت بين الرجلين في الخارج، وهناك نصيحة مُقرَّرة من قديم – من حوالي ثلاثين سنة – كانت تنصح بها بعض المراجع الطبية وهى أن من الأحسن للرجال ألا يرتدوا الملابس الداخلية – الكلوتات – الضيقة، فللأسف طريقة ارتداء هذه الملابس الضيقة هى طريقة أجنبية، وهذه تعمل دائماً على وجود حرارة زائدة ما يُؤدي بمرور السنين إلى الإضعاف بل وحتى إلى العقم، فعليكم بارتداء الملابس الداخلية الطويلة – الشورتات الطويلة – التي تكون واسعة قدر المُستطاع دائماً، لأن لابد أن يكون هذا المكان بارداً، فمن المُهِم أن تبتعدوا عن الحرارة، وعلى كل حال هذا أحد الأدلة، وهذا الكلام ليس له أي معنى إلا ضمن فهم تطوري، وإلا لماذا يكون الجنين بهذه الطريقة؟ ومازال هناك عشرات الحقائق من هذا الجنس لا يُمكِن أن تُفهَم إلا ضمن المُقارَبة التطورية.
يقول جيري كوين Jerry A. Coyne تعقيباً على نشوء الكائنات “لو ضغطنا كل عمر الحياة على كوكب الأرض في سنة واحدة – عمر الحياة الآن ثلاثة ونصف مليار سنة، وطبعاً أول بكتيريا مُمثِلة للضوء قبل ثلاثة ونصف مليار سنة، أي ثلاثة آلاف وخمسمائة مليون سنة، إذن نجمع ثلاثة آلاف وخمسمائة مليون سنة زائد ألف مليون لكي نأخذ عمر الكوكب كله، فيكون عندنا أربعة ونصف مليار سنة، وهذه المدة هى التي سنضغطها في سنة، أي في اثني عشر شهراً – سوف تظهر معنا أول بكتيريا وهى كائن حي – كما قلنا – مُمثِل للضوء في نهاية مارس”، أي أن في شهر يناير وفبراير لن نجد شيئاً، وإنما ستظهر أول الكائنات الحية ليس في أول مارس وإنما في آخره، إذن طبِّق هذا على هذا، ثم يقول مُستتلياً “لكن البشر لأنهم أرقى الكائنات لن يظهروا إلا في السادسة – أي في الساعة السادسة – من صباح واحد وثلاثين ديسمبر”، ولك أن تتخيَّل هذا، أي في آخر نهار من ثلاثمائة وخمسة وستين جزء في السادسة صباحاً، فهذا ليس حتى في الساعة الواحدة أو الثانية وإنما في السادسة، وذلك في واحد وثلاثين ديسمبر، أي في الشهر الثاني عشر، ولو أخذنا مُدة حياة الإنسان ورأينا العصر الذهبي للإغريق – الأغارقة – المُتمثِّل في الفلسفة الطبيعية أو ما يُعرَف بالفلاسفة قبل سقراط Pre-Socratic Philosophers مثلاً سنجد أن هذه الفترة كانت خمسمائة قبل الميلاد تقريباً، لأن القرن الرابع كله كان عن أرسطو Aristotle وأفلاطون Plato وطاعون مالطية وغير مالطية، لكنه قبل هؤلاء، فهذا كان خمسمائة قبل الميلاد، وعلى كل حال هؤلاء سوف يظهرون في ثلاثين دقيقة قبل مُنتصَف الليل، أي بل مُنتصَف واحد وثلاثين ديسمبر في الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً، الساعة الثالثة والعشرون والنصف من واحد وثلاثين ديسمبر يظهر عندنا الفلاسفة قبل سقراط Socrates والعصر الذهبي، على أساس أنه مُؤسِّس الحضارة الغربية، وهم يقولون أنه مُؤسِّس الحضارة العالمية.
طبعاً الآن سنأتي إلى بعض التجارب التي قام بها العلماء واعتمدوها لكي يوثقوا هذا الفهم التطوري في السجل الأحفوري بشكل عملي تراه بعينيك، فهناك كائنات بحرية بسيطة إسمها المارين فورامينيفيرا Marine Foraminifera – علماً بأن كلمة مارين Marine تعني مائي ولذا هى كائنات مائية – لدينا، والمارين فورامينيفيرا Marine Foraminifera هو كائن عجيب من الحيوانات البحرية وهو مُثقَّب الأصداف، ويمكن للبعض أن يترجمه المُنَخْرَب، لكن المُهِم هو أنه مُثقَّب الأصداف، وقد درس العلماء كيف تطور هذا الكائن المائي مُثقَّب الأصداف خلال ثمانية ملايين من السنين، فهم يعرفون كيف حدث هذا بالدراسة الأحفورية، وهذا الكائن البحري عندما ما يموت فإنه يقع ويترسب، وهذا هو معنى الطبقات الرسوبية التي تكون في الماء والطمي، وعلى كل حال هو يترسب، وتتكوَّن طبقة فوق طبقة وطبقة فوق طبقة وهكذا، فهو يقع ويترسب ويقع ويترسب إلى ثمانية ملاين سنة، فغرس العلماء أنبوباً طويلاً مُجوفاً طبعاً في عمق المُحيط – أي في عمق الماء – بطول – مثلاً – مائة متر أو بطول خمسين متراً – حسبما يُريدون – بعد أن قدروا عدد الطبقات وكم تُساوي كل طبقة من السنين، فهم يغرسون هذا ثم يستخرجونه ويبدأون في قراءة المعلومات، فهم عندهم وسائل تقدير للعمر كما أشرت إليها، علماً بأن هذا الكائن المائي مُثقَّب الأصداف هو كائن حلزوني وهو من العوالق، وكلما تطور في حياته في الالتفافات يصنع غرفاً – Chambers – وتجاويف، فكلما تطور أكثر وعاش أكثر صنع تجاويف أكثر، فجاء العلماء وقاسوا ورأوا كيف تطور هذا الكائن عبر ثمانية ملايين سنة، فقاسوا عدد التجاويف التي يصنعها في الالتفاف النهائي في الحلزون، ووجدوه مثلاً – تقريباً – يُساوي أربعة وثمانية من عشرة، أي أقل من خمسة تجاويف في الالتفافة النهائية،وطبعاً هناك Diagram أصلاً خاص به، وبعد ثمانية ملايين سنة فوق – آخر شيئ بعد ثمانئية ملايين سنة – وجدوه يصنع في الالتفافة النهائية لحلزونه تقريباً ثلاثة وثلاثة من عشرة Chambers، بتغير يُساوي ثلاثين في المائة، إذن هناك تطور حقيقي، وقد يسأل أحدكم هل هذا تطور داخل النوع؟ طبعاً هذا تطور داخل النوع، فهو Microevolution لكنه تطور، فبنيته لم تبق كما هى لأنها تتطوَّر دائماً بهذه الطريقة، والسجل الأحفوري مكنهم أن يروا هذا بشكل واضح، وقد يقول لي بعض الناس طبعاً أن بعض الأدلة غير مُثيرة تماماً، وهذا صحيح طبعاً، فبعض الأدلة غير مُثيرة وقد لا تهم الإنسان غير المُتخصِص، لكن بالنسبة للعلماء كل دليل يكون مُهِماً، ولك أن تتخيَّل هذا، فكل دليل لو يُقدِّم واحد على الألف – تخيِّل واحد على الألف – من قوة الاستدلال للنظرية يكون مطلوباً في العلم، لكن الناس غير المُتخصِصين يُريدون أدلة مُثيرة جداً ودراماتيكية، تماماً مثل الأسود والأبيض وينتهي عندهم كل شيئ، لكن العلماء لا يبحثون عن هذا ولا يشتغلون بهذه الطريقة، فكل دليل يُؤكِد النظرية مهما كان ومهما ضَئُلَ ومهما كان دقيقاً ونحيفاً يهتمون به ومن ثم يستحق الشغل ويستأهل سنوات من العمل والبحث.
طبعاً يُوجَد عندنا ثلاثية الفصوص، وثلاثية الفصوص هذه مفصليات طبعاً، وقد تحدثنا عنها في خطبة في البدء كانت المعلومة، وقلنا أن إسمها ثلاثية الفصوص – Trilobite – لأن لها فعلاً ثلاثة فصوص، وهذه من فصيلة تنتمي إليها العناكب والحشرات إسمها فصيلة المفصليات، وثلاثية الفصوص في العصر الكامبري وفي الانفجار الكامبري كان موجود منها مئات ألوف إذا لم يكن ملايين الحفريات، مع أنها – سبحان الله – أجسام لينة لكن الله يسر لها أو أُسعِدَت بأن تتحجر، فهى تحجرت ووجدوا منها كميات هائلة جداً، وطبعاً هذه تُشكِّل بحد ذاتها تحدياً للتطور ولنظرية التطور بسبب النطاق الزمني الذي ظهرت فيه في الانفجار الكامبري قبل زُهاء أكثر من خمسمائة مليون سنة، لكن لأن ثلاثية الفصوص مُتحجِراتها كثيرة جداً أمكن العلماء أن يدرسوها وأن يدرسوا فيها خط التطور، وفعلاً قدمت أدلة واضحة ملموسة على التطور الذي نالها، فهى أيضاً أحد أيضاً تصديق النظرية، فالكائنات تتطور مثلما تطورت ثلاثية الفصوص.
نأتي الآن إلى موضوعنا العتيد عن كيف تطورت الأسماك إلى أول البرمائيات، وقد حدثتكم في حلقة سابقة عن كشف العالم البيانتولويجي – أي عالم الإحاثة أو العالم الإحاثي – والمُتخصِص في تشريح الأسماك على وجه خاص نيل شوبين Neil Shubin، فهذا الرجل اكتشف الحفرية التي تُمثِّل أو تُشكِّل حلقة مُتوسِطة بين الأسماك وبين البرمائيات في سنة ألفين وأربعة، وكانت هذه ملحمة علمية، ولمَن احب أن يقف عليها يُمكِن أن يعود إلى كتابه Your Inner Fish أي سمكتك الدخلية، فيُمكِن أن تقرأ تماماً كيف تم اكتشاف هذه التُحفة الأحفورية، علماً بأنه يتحدَّث بأسلوب أدبي جيد، ففعلاً يُوجَد ذكاء وتُوجَد ملحمة كُبرى هنا، وعلى كل حال نعود إلى حديثنا، فمنذ البداية وتحديداً قبل ثلاثمائة وتسعين مليون سنة – زُهاء أربعمائة مليون سنة – كانت الفقاريات – أي ذوات الفقار – الوحيدة على الكوكب هى الأسماك، فلا يوجد أي فقاريات أخرى إلا الأسماك فقط، علماً بأنكم سوف تجدون طبعاً اختلافات يسيرة بين العلماء، وأحياناً حتى غير يسيرة ولكنها معقولة إلى حدٍ ما، وبعد ذلك بثلاثين مليون سنة – أي قبل ثلاثمائة وستين مليون سنة لأننا نعود إلى الماضي – سوف نرى أوائل رباعيات الأطفال – Tetrapod – أو رباعيات الأقدام، فكلمة Tetra تعني رباعي أو أربعة، وعلى كل حال هذا كان قبل ثلاثمائة وستين مليون سنة، وهى فقاريات برية – Terrestrial- تعيش على اليابسة وتدب على اليابسة، فهذا حدث لأول مرة إذن، لكن هذه الفقاريات ليست كائنات نشأت في اليابسة، إنما تطورت من كائنات مائية خرجت من الماء في مُغامَرة غير محسوبة والحظ أسعدها وأمكن أن تتكيف مع اليابسة شيئاً فشيئاً وكانت تعود إلى الماء، ولذلك هى أوائل البرمائيات، فإذن حين تسمع رباعيات الأطراف أو رباعيات الأرجل – Tetrapod – تعلم ان أول الـ Tetrapod هى البرمائيات، وطبعاً يجمع بينها وبين رباعيات الأرجل أو الأطراف الحديثة وبين البرمائيات الحديثة أيضاً مشابه كثيرة على أنها كما يُقال جزئياً – Partly – أسماك وجزئياً – Partly – هى برمائيات أو كائنات برية، ومن وجوه مُشابهتها للبرمائيات أن رؤوسها مُسطَّحة Flat، لكن الأسماك مخروطية طبعاً، فرأس السمكة مخروط، والبرمائيات رؤوسها مُسطَّحة طبعاً وليست مخروطية كرؤوس الأسماك، والأسماك عيونها تكون على الجانبين، لكن هذه البرمائيات عيونها ومناخرها تكون فوق، لأن الرأس مُسطَّحة فتكون العينان فوق ويكونالمنخران فوق على عكس الأسماك، فالأسماك لديها العينان على الجانبين، وهى لها رؤوس مخروطية، الأسماك لا رقاب لها، لكن هذه البرمائيات لها رقاب، بمعنى أن الأسماك رؤوسها مُباشَرةً تعتمد على كواهلها ومُرتبِطة بجسمها من غير أي انفصال، فالسمكة لا تستطيع أن تلتفت برأسها وإنما تلتفت بجميعها وبكل بدنها، وهذا يُعرِّضها لتكون فريسة للمُفترِسات ويُضعِف قدرتها على الافتراس، لكن لو وُجِدَت سمكة مثلاً تطورت بحيث أن لها رقبة تستطيع أن تلتفت سوف يُمكِّنها هذا من البقاء أكثر من السمكة العادية لأنه يُعطيها فرصة أن تلتفت إلى المُفترِس في الوقت المُناسِب وأيضاً أن تلتفت إلى الفريسة في الوقت المُناسِب، أي إلى المُفترِس والفريسة Predator and Prey، وهذه رباعيات الأطراف الأولى كان لها قبل ثلاثمائة وستين مليون سنة رقاب، وهذا شيئ عجيب وتطور لافت ومُهِم جداً، فهى كان لها رقاب على كل حال، وأيضاً الأسماك لها زعانف – Fins – تُمكِّنها من السباحة ليلاً في الماء، لكن هذه لها أطراف قوية تُمكِّنها من السير على اليابسة، فهى تعتمد عليها في السير على اليابسة، وهذا جميل جداً، لكن من وجوه أخرى أيضاً هى تُشابِه الأسماك، فلايزال هناك مُشابَهة مع الأسماك، فمثلاً يُوجَد على أبدانها حراشف كالسمك، وطبعاً لها عظام أطراف وعظام رأس، علماً بأن السمك كائن عظمي، وهذا جميل جداً.
الآن سنتحدث عن سمكة خاصة غريبة، وهذه السمكة أعتقد أنها اكتُشِفَت في ألف وثمانمائة وواحد وثمانين، وإسمها يوستينوبتيرون Eusthenopteron، وهذا الإسم – يوستينوبتيرون Eusthenopteron – هو إسم لاتيني، وعلى كل حال هذه السمكة اكتُشِفَت في سنة ألف وثمانمائة وواحد وثمانين في مكان من كندا، ومن خلال هيكل هذه السمكة يُرجِّح أنها كانت تصطاد عند السطح، فهى ليست من سمك الأعماق، علماً بأن بعضهم حين ينطق كلمة يوستينوبتيرون Eusthenopteron لا يلفظ السين ويقول يوثينوبتيرون، وعلى كل حال هى لفظة لاتينية، وهذه كانت تصطاد عند السطح وتعيش قريباً من السطح، لكن هل خرجت من الماء إلى الأرض؟ إلى الآن لا يُرجِّح العلماء هذا، فهم يُرجِّحون أنها ظلت مائية ولم تخرج إلى اليابسة، لكنها تُشابِه من بعض النواحي البرمائيات التي ستظهر بعدها بعد ذلك بخمسين مليون سنة، فهذه اليوستينوبتيرون Eusthenopteron ظهرت قبل ثلاثمائة وخمسة وثمانين مليون سنة، أي أنها موجودة قبل ثلاثمائة وخمسة وثمانين مليون سنة، لكن ما هى المُشابَهة؟ عظام الجمجمة عندها مثل عظام البرمائيات، وأسنانها مثل أسنان البرمائيات، وزعانفها أيضاً كأنها كانت تمهيداً للأطراف لأن فيها بعض العظام، وحين تذهبون إلى الكتب المُتخصِصة سيكون من الواضح أن هذه العظام هى نفس العظام التي سنراها في التيكتاليك Tiktaalik ثم بعد ذلك في أول برمائي حقيقي رباعي الأقدام، وهذه العظام نفسها ستُصبِح عظام العضد، ثم بعد ذلك عظمتا الذراع، ومجموعة من العظام ستكون للرسغ Wrist، ثم بعد ذلك الأصابع Digits، وعلى كل حال هذه موجودة في الزعانف، وهذا شيئ غريب، وكذلك التيكتاليك Tiktaalik ينطبق عليها نفس الشيئ، ففيها زعنفة تشتمل على هذه العظام بعدد أقل وبتنظيم أكثر إلى حدٍ ما يُمهِّد إلى المرحلة الأخيرة، وطبعاً إلى اليوم يُوجَد نفس الشيئ، فهذه الأسماك – بالذات في هذه السمكة العجيبة التي تُسمى التيكتاليك Tiktaalik – فيها نفس النمط Pattern، فهناك عظمة فوق ثم يتُوجَد عظمتان ثم مجموعة عظام كعظام الأصابع، كما في الإنسان وكما في الطيور وكما في الزواحف وفي البرمائيات ،وفي السمكة وفي التيكتاليك Tiktaalik، وذلك من ثلاثمائة وخمسة وسبعين مليون سنة، وهذا يُؤكِد وجود التطور، فهناك بنية واحدة تبقى دائماً مُستصحَبة، ويطرأ عليها تعديل بسيط وتكيفات مُهِمة بحسب المُقتضي، فإذن هذه السمكة كانت تعيش في الماء في الأرجح لكن هى النمط الأصلي لرباعيات الأطرف Tetrapod، فلماذا إذن؟لأن زوجين من الزعانف فيها هذه العظام – كما شرحت لكم وكما قلنا – ومن ثم ستكون تهيئة ومُقدِمة للأطراف بعظامها المعروفة، وهذا جميل جداً!
بعد ذلك نأتي الآن إلى الحلقة المُتوسِطة،ولكن من المُمكِن أن نتحدَّث عن الحلقة بعد المُتوسِطة من ثلاثمائة وخمسة وستين مليون، فنحن عندنا ثلاثمائة وخمسة وثمانون مليون سنة وعندنا ثلاثمائة وخمسة وستون مليون سنة، فلو عندنا حلقة مُتوسِطة فسوف تكون قبل ثلاثمائة وخمسة وسبعين مليون سنة، إذن نترك الحلقة المُتوسِطة الآن إلى ما بعد، ونأتي إلى الحلقة المُتطوِّرة وهى أكانثوستيجه Acanthostega، فهى سمكة تُعرَف بإسم أكانثوستيجه Acanthostega وهى رباعية الأقدام – نتحدَّث عن الأقدام وليس زعانف الآن – أيضاً، فهى في الأصل سمكة طبعاً ولكنها الآن أصبحت كائناً رباعي الأقدام، فالزعانف تحولت إلى أقدام حقيقية، والجمجمة عندها مُفلطَحة، وعندها نفس الشيئ كما قلنا، فالعينان فوق والمنخران فوق، والأطراف قوية وتُمكِّنها من مُزاوَلة المشي والتحرك على الأرض بطريقة مقبولة لكي تتغلب بها على المشاكل التي تعرض لها، ولها رئة خاصة بها، فالأسماك عندها زعانف وخياشيم Fins & Gills لكن هذه لديها رئة، وهذا شيئ عجيب، فهى ليس لديها خياشيم – Gills – وإنما لديها رئة، وهذه حلقة مُتقدِمة وحفريتها موجودة، فنحن عرفناها من الحفرية -Fossil – الموجودة والمدروسة، فقال العلماء “هذا شيئ عجيب جداً، فواضح أننا أمام كائن برمائي طبعاً مُتطوِّر عن سمكة”، أي أنها صيغة مُطوَّرة من سمكة، لكن الصيغة الأولى – اليوستينوبتيرون Eusthenopteron – كانت بعيدة، فهناك مشابه ولكنها بعيدة، والمفروض أن تتوسط الكائنين حلقة وسيطة تكون ليست بسمكة تامة وليست برباعي الأطراف بري تام، فأين هذه الحلقة المفقودة إذن؟ غير موجودة لأن لم يعثر عليها أحد، وهنا تبدأ الملحمة العلمية الجميلة، ففي ماذا فكَّر عالمنا نيل شوبين Neil Shubin؟ قال: هذه من ثلاثمائة وخمسة وثمانين مليون سنة وهذه من ثلاثمائة وخمسة وستين مليون سنة، فلابد أن أبحث عن الحلقة المفقودة في مكان على وجه البسيطة تعود فيه المُتحجِرة المطلوبة إلى ثلاثمائة وخمسة وسبعين مليون سنة ماضية، لكن أين يُمكِن أن أبحث في هذه الأرض على هذا الكوكب الكبير جداً جداً؟ففتح كتاباً جامعياً مُتخصِصاً لكي يسترشد به أين يُمكِن أن نجد حفرية لكائن كان يعيش في المياه العذبة وليس في المياه المالحة،
فالأكانثوستيجه Acanthostega كائن برمائي رباعي الأطراف يعيش في البر وفي المياه العذبة وليس في المياه المالحة، والحلقة الوسيطة في الأرجح سوف تكون مُتحجِرة في مياه عذبة، فظل يسترشد بهذا الكتاب حتى وجد ضالته – كما قدر هو – في جزيرة تقع في المُحيط – في مُحيط القطب الشمالي – لكن شمال كندا، أي في القطب الشمالي شمال كندا وذلك في جزيرة إسمها إليسمير Ellesmere Island، فقال “هناك يُمكِن أن نجد ضالتنا, فهذا أكثر مكان مُحتمَل أن نجد فيه ما نُريد”، وذهب يبحث هو وفريق خاص به، حيث شكَّل فريقاً لكي يذهبون في الوقت الذي يُعادِل الصيف، وطبعاً هى منطقة مُتجمِدة دائماً لكن في أوقات الصيف يكون الوضع أفضل، وظلوا يبحثون لخمس سنوات – لك أن تتخيَّل هذا – وهم يُزِيحون أطناناً طبعاً من الصخور ومن مثل هذه الأشياء، ومع ذلك لم يجدوا شيئاً لكن لم يغلبهم اليأس طيلة هذه الخمس سنوات المُتواصِلة، وبعد خمس سنوات في إحدى الرحلات الصيفية في هذه المنطقة القطبية عثر أحدهم – ليس شوبين Shubin هو نفسه وإنما أحد أعضاء هذه الفرقة البحثية – على هذه المُتحجِرة، حيث رأى رأسها في البداية وظيل يبحث فأدرك مُباشَرةً أنه وصل إلى شئ مُهِم، وهو رأس مُسطَح ليس كرأس السمك العادي، أي أنه وجد حفرية لرأس مُسطَح Flat، وهذا شيئ عجيب، ولكنه وجدها في هذا المكان الذي تعود فيه المُتحجِرات إلى قرابة ثلاثمائة وخمسة وسبعين مليون سنة، فنادى على زملائه وهُرِعَ شوبين Shubin طبعاً لأنه رئيس الفرقة، وأول ما رأى هذه الحفرية أدرك أن هذه هى ضالتنا لأن هذه هى حلقتنا المفقودة، وفعلاً استخرجوها من خلال عملية شاقة جداً طبعاً، فهى تُشحَن إلى معامل خاصة وتُستخرَج بطريقة شاقة ودقيقة، ويُمكِن أن تبحثوا في اليوتيوب YouTube أو حتى في صفحات النت – – Net وسوف ترون هياكل ونماذج وأشكال كثيرة لهذه السمكة، فهى سمكة رائعة، والحفرية الخاصة بها مُتكامِلة طبعاً، فهناك بعض الحفريات يُوجَد منها جزء من الجمجمة وأحياناً يُوجَد السن فقط وهو مُهِم جداً، فالأسنان مُهِمة جداً لعلماء البالينتولوجي Paleontology أو الإحاثة، وكان العالم الفرنسي الشهير جورج كوفييه Georges Cuvier – صاحب نظرية الكوارث في الجيولوجيا Geology وهو عالم كبير وأيضاً عنده علم واسع في الترشيح وعلم في المُتحجِرات، وهو من أكثر الناس الذين دعموا المُقارَبة العلمية لقراءة المُتحجِرات، فالفرنسي كوفييه Cuvier هو صاحب نظرية الكوارث ولكنه لم يكن تطورياً بقدر ما كان خلقوياً أو تكوينياً – يقول بتبجح “أعطني أي سن – Tooth – لأي كائن وأنا مُباشَرةً سوف أبني
لك جسمه كله من هذا السن، فأنا أستطيع أن أعرف تماماً هيكل هذا الكائن وبناءه من خلال هذا السن فقط”، وهذا شيئ غريب، وهو شيئ فيه مُبالَغة نوعاً ما وفيه تبجح كبير، لكن إلى حدٍ ما هو صحيح، فكيف يكون الحال إذن حين يُسعِدك الحظ بأن تقع على حفرية كاملة أو شبه كاملة؟ ومن هنا كان الفرح جنونياً بهذه الحفرية، لكن ماذا نُسميها الآن؟ تكريماً لأهل المكان نفسه وهم الإسكيمو Eskimo طبعاً قالوا لهم – أي للإسكيمو Eskimo – أنتم مَن سيختار لنا ماذا نُسمي هذه السمكة المُنقرِضة القديمة، فقالوا نسميها التيكتاليك Tiktaalik، ومعنى تيكتاليك Tiktaalik بلغة الإسكيمو Eskimo – أي الإينويت Inuit – سمكة المياه العذبة الكبيرة، فسمكة المياه العذبة الكبيرة هى التيكتاليك Tiktaalik، والإسم الكامل للتيكتاليك Tiktaalik هو تيكتاليك روزيا Tiktaalik Roseae، فكلمة روزيا Roseae معناها أيضاً بالإسكيمو Eskimo المانح المجهول، والمانح – Donor – المجهول إشارة إلى الذي موّل هذه البعثة، فهناك رجل صاحب مال وفير هو الذي مّول بعثة نيل شوبين Neil Shubin، فقالوا “نسميها تكرمةً لأهل المكان – أي تكرمة للسكان المحليين – وتكرمةً للمانح تيكتاليك روزيا Tiktaalik Roseae”، ثم قالوا “من الواضح أنها الحلقة المفقودة بين الأسماك فصية الزعانف وبين البرمائيات الأولى رباعية الأطراف البرية”، فالتيكتاليك Tiktaalik هى الحلقة المفقود إذن، وطبعاً هذه التيكتاليك Tiktaalik لابد أن تكون فيها مشابه من الأسماك وأن تكون فيها مشابه من رباعيات الأطراف البرية، بالنسبة للأسماك عليها حراشف، فمن خلال حفريتها اتضح أن عليها حراشف Scales، وهذا معناه أنها سمكة من هذا المنظور، ولها زعانف – Fins – أيضاً، وهذا معناه أنها سمكة، لأن الزعانف للأسماك فقط، ولها خياشيم – Gills – خاصة بها، والخياشيم أيضاً للأسماك، ولذا هى تُشبِه الأسماك، لكن كيف تُشبِه البرمائيات – Amphibians – إذن؟ رأسها مُسطَح – Flat – وليس مخروطياً، وهذه صفة في البرمائيات، والعينان – كما قلت – والمنخران فوق وليسا على جانبي الرأس، وإنما على قمة الجمجمة وليسا على الجانبين، لكن ما معنى أن هذه السمكة عيناها فوق ومنخراها فوق؟ هذا له دلالة أسلوب العيش، وهو أنها كانت تعيش على الماء قريبة من السطح، فترى ما فوق وتتكيف مع البيئة بعينين فوقوين، وأيضاً يُوحي بأنها كانت تتنفس أيضاً الهواء ليس عبر الخياشيم، في حين أن السمك يأخذ الأكسجين عبر الخياشيم، ولكن هى عندها منخران فوق وعندها زعانف، وهذا معناه أنها تتنفس بالطريقتين، فإذا غاصت في الماء فإنها تتنفس عن طريق الزعانف، وإذا خرجت إلى الهواء فإنها تتنفس عن طريق الرئة، فهى عندها رئة طبعاً لها رئة ولذلك هى سمكة رئوية، ونحن طبعاً الآن كبشر في نهاية المطاف سوف نرى أن جدنا الأبعد والأقرب نسبياً ينبغي أن يكون من الأسماك الرئوية طبعاً فصية الزعانف، فهو من فصية الزعانف ولكنه في نفس الوقت من الأسماك الرئوية طبعاً، فطالما يُوجَد سمك رئوي فإنه سيكون أقرب لنا من السمك الذي بلا رئة، فهذا هو جدنا الأقرب نسبياً، وسمكة التيكتاليك Tiktaalik لها رقبة في حين أن السمك ليس له رقبة، وهذا وجه شبه مُهِم جداً مع البرمائيات، وأهم من هذا كله – وربما نختم به لأن الوقت أدركنا – وجود صفتين في التيكتاليك Tiktaalik في غاية الأهمية، فهى لها مجموعة ضلوع قوية – ضلوعها أقوى من ضلوع الأسماك العادية العظمية – تسمح لها بضخ الهواء إلى الرئتين بقوة وتحريك الأكسجين، فالضلوع تسمح بهذا لأنها – كما قلت قُبيل قليل – كانت تتنفس بالطريقيتين – أي طريقة الرئتين وبطريقة الخياشيم – معاً، فالضلوع القوية تسمح بتحريك الأكسجين للخياشيم وضخه في الرئتين حين تُريد أن تضخه في الرئتين، وبغير الضلوع القوية لا يُمكِن أن تفعل هذا، فهذه صفة تكيفية مُهِمة طبعاً ولها أفضلية بلا شك، وفي السمك العادي عندنا عظام صغيرة في الزعانف – الزعانف فيها أشياء بسيطة جداً – في حين أن التيكتاليك Tiktaalik فيها عظام كبيرة، وسوف ترون هذا أيضاً، فقط ادخلوا على اليوتيوب YouTube لكي تروا نمط العظام لديها، فهناك جزء – Part – على هيئة رجل – – Leg أو طرف – limb – خاص بها، وهناك جزء – Part – على هيئة زعنفة Fin، حيث توجد عظام واضحة كما قلت لكم، فهناك عظمة كبيرة واضح أنها ستتطور إلى عظمة العضد، وفي أسفل منها
من الواضح وجود عظمتان تحت، وهما عظمتا الذراع، وبعد ذلك تُوجَد مجموعة عظام الرسغ Wrist، ثم بعد ذلك ما سيُشكِّل الأصابع، فهذا كله موجود وبحجم بسيط، وسوف ترى هذا في المُتحجِرة لأنها مُتحجِرة أكثر من رائعة، ففعلاً لا أعتقد أن داروين Darwin كان يحلم في يوم من الأيام أن نعثر على مثل هذه الحلقة المفقودة، لأن من الواضح أنها ليست سمكة تامة وليست كائناً برمائياً تاماً، ولكن هناك كلمة أُخيرة أُحِب أن أقولها، فقط تذكروا معي في أي نطاق زمني تم العثور عليها، حيث تم العثور عليها في النطاق المطلوب تماماً، أي بين ثلاثمائة وخمسة وثمانين مليون سنة وبين ثلاثمائة وخمسة وستيين مليون سنة كما قلنا، فهذه في ثلاثمائة وخمسة وسبعين تماماً، وهذا شيئ عجيب، فمَن يستطيع بعد ذلك أن يُغامِر بإنكار التطور ياستخفاف؟ و طبعاً كل شيئ قابل للنقد، فلو سألت اليوم أي عالم كبير حتى ولو كان تطورياً لكنه هائل المصداقية وقلت له هل لديك قطع يقيني بالتطور؟ سيقول لك لا، فالعلماء المُحترَمون الكبار – حتى من علماء التطور – كلهم يقولون هذا، لذا مثل هذا العالم الكبير إذا قلت له هل تقطع بهذا بنسبة مائة في المائة؟ سوف يقول لك لا، فنحن ليس لدينا في العلم أي شيئ قطعي بنسبة مائة في المائة، لأن العلم طريقته هى الترجيح وليس القطع، فالعلم كله استقرائي، أي أنه يقوم على منهج تجريبي واستقرائي، طبعاً واستدلالي لكن يُكتفى فيه بالترجيح، فإذا جاوز الترجيح السبعين في المائة أو الثمانين في المائة سيُعتبَر هذا الشيئ أمراً مُمتازاً، فكيف الحال إذن عندما يكون الترجيح فوق التسعين والخمسة والتسعين في المائة؟ وعلماء التطور اقتنعوا أن التطور حاصل وأنه اشتغل ويشتغل بنسبة ربما أكبر من خمسة وتسعين في المائة، لكنها لا تصل إلى نسبة المائة في المائة، فمن المُمكِن أن الخمسة في المائة الباقية تتغيَّر بعد عشر سنين أو بعد مائة سنة أو بعد ألف سنة، فتأتي نظرية أخرى تقلب الأمور رأساً على عقب وتُقدِّم مُقارَبة مُختلِفة تماماً وتنجح في هذا في نهاية المطاف، إذن يُمكِن هذا، لكن بنسبة خمسة في المائة، فهى موجودة إذن ولذلك يقول العالم من هؤلاء “أنا لا أقطع بأي شيئ، فنحن لا يُوجَد عندنا شيئ إسمه القطع، ولكنني فقط أُرجِّح وهذا يكفيني كعالم، فأنا بالنظرية التي أُرجِج بها أستطيع أن أمتلك قدرة تفسيرية هائلة، فأُفسِر بها مئات الحقائق، وأنت لديك نظرية أخرى تفشل في تفسير كل ما يُفسِّره مُقارَبتي أو منظوري، فماذا تفعل إذن؟ هكذا هى المسائل العلمية”، لكن بعض الناس يظن عكس هذا، وهذا شيئ عجيب، وهو طبعاً ليس أسلوباً للعلماء ولا لغير العلماء، فهو يظن أنه إن وجه لنظرية قوية – ليس شرط لنظرية التطور وإنما لأي نظرية وأي مُقارَبة أُخرى – فإنه يكون قد هدم النظرية بالكامل، والآن سنختم بمثال – لأن وقت الحلقة – عما يجري الآن حول الموقف من رسول الله وسب رسول الله مثلاً، فنحن قدمنا مُقارَبة قرآنية ومُقارَبة حتى نبوية حديثية سُنية، وقلنا من المفروض أن نتعاطى بالشكل الفلاني وفسرنا بها عشرات الآيات – لأنها هى التي فرضت هذه المُقارَبة – وعشرات الأحاديث وما إلى ذلك، ومع ذلك يأتيك أحدهم ويقول “لكن أنا أعتقد أنه حصل كذا وكذا وأنه تم – مثلاً – إقرار رجل أيام الرسول قتل آخر لأنه نال من الرسول ونال من شرفه أو من كرامته”، وطبعاً لو أفترضنا أن هذا الكلام يُعتبَر صحيحاً وأن هذا الحديث يُعَد صحيحاً فإنه سوف يُمثِّل حالة واحدة فقط ودليلاً واحداً يُحاوِل هذا الشخص من خلاله أن يُؤسِس عليه مُقارَبة شاملة للمسألة، لكن أنا عندي مائة دليل يُؤكِّد عكس هذا الكلام، فمَن موقفه أقوى إذن؟ طبعاً موقفي أنا الأقوى، فقبل أن تعترض وأن تفرح وتأتي لكي تشمت أو تنتقد عليك أن تعود لنفسك وأن تقول “هذا عجيب فعلاً، فما شأن هذا الحديث الذي حتى لو كان في الصحيحين في وجه عشرات الآيات وعشرات الأحاديث؟ علىّ أن أُعيد النظر في موثوقيته، فحتى إذا كان موثوقاً علىّ أن أُعيد النظر في تأويله، وإلا سوف أكون مُختَلاً منهجياً”، لكن غير المُختصين وغير العلماء يفرح الواحد منهم جداً بهذا ويظن أنه سدد ضربة نهائية إلى مُقارَبتك، ولكنه لم يُسدِّد ولم يفعل أي شيئ، وهذا الذي يجري بصدد نظرية التطور، حيث يأتيك بعض الناس بنقد علمي – وقد يكون قوياً إلى حدٍ ما – ويقول لك هذا هو، فكان ماذا إذن؟ نعم هذا نقد علمي وأنا كتطوري ليس عندي أي جواب عنه ولكن هذا لا يعني أن نظريتي أُلغيت وخرجت من الساحة – أي من ساحة التداول العلمي – بالمرة، لأنها لاتزال قادرة على تفسير مئات الوقائع والحقائق،ومُقارَبتك هذه التي تقوم على الخلق الخاص – مثلاً – لا تستطيع أن تُفسِّر كل هذه المئات من الحقائق، فإذن أي المُقارَبتين أقوى؟ طبعاً مُقارَبتي، فعليك أن تفعل شيئاً مثلما فعلت ثم تتقدم به بعد ذلك وتقول “أنا عندي مُقارّبة أخرى وهى مُقارَبة علمية وبالشرط العلمي في بناء النظريات، وهى قادرة على أن تُفسِّر كل ما تُفسِّر مُقارَبتك التطورية وزيادة”، تماماً مثلما حدث مع نموذج نيوتن Newton – ايزاك نيوتن Isaac Newton – للجاذبية ونموذج ألبرت أينشتاين Albert Einstein، فنيوتن Newton فسر أشياء كثيرة وعجز عن تفسير أشياء مُعينة، ثم جاء أينشتاين Einstein وقدم نموذجاً جديداً للجاذبية ليس على أنها قوة بل على أنها مجال، ففسر كل ما فسره نيوتن Newton وما لم يُفسِّره، ونجح تماماً في تفسيره، فأي المُقارَبتين أقوى الآن؟ مُقارَبة أينشتاين Einstein طبعاً، وبالتالي انتهى كل شيئ ولا مجال للكلام إذن، لأنه فسر كل ذلك وفسر كل الذي عجزت عنه نظرية نيوتن Newton في الجاذبية، ولأن نظرية أينشتاين Einstein فسرتها لابد أن نأخذ بها، فهكذا هو العلم!
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
(تمت المُحاضَرة بحمد الله)
أضف تعليق