ودائماً أنا أنصح طلّاب العلم الذين يشقون طريقهم في العلم بأن مَن أراد أن يقتني تفسيراً تقريباً يُغنيه عن كل ما سبقه فليقتن روح المعاني، عجيب! موسوعة حقيقية، والرجل كان إماماً، رحمة الله تعالى عليه، فالشيخ محمود شهاب الدين أبو الثناء الألوسي رحمة الله تعالى عليه لا يُمكِن أن يُتهَم بالتشيع، بالعكس! هو مِن أقوى ومِن أحسن مَن تصدى للشيعة في عصره، ورد عليهم بكتابين أو بثلاثة كُتب، معروف رحمة الله عليه، وهو رجل شافعي حنفي، كان مُفتي بغداد رحمة الله عليه، ليس له أي علاقة بالشيعة، حتى لا يُتهَم، هذا شيخ الإسلام رحمة الله عليه، لأن في بعض المُناظَرات وقعت أخطاء، استمعت إلى رجل للأسف يعتبر نفسه من طلّاب العلم وهو أزهري ذُكِر له سعد التفتازاني فقال هذا شيعي، فقلت عجيب يا أخي، أي أن هذا أزهري ولم يسمع بسعد التفتازاني، وطالب العلم البسيط يكون قرأ شرح التفتازاني على النسفية مثلاً، أليس كذلك؟ من بطون العلم البسيطة جداً هذه وهي مشهورة، والله المُستعان.
يقول الشيخ الألوسي – رحمة الله تعالى عليه وقدَّس الله سره – واستُدِل بها أيضاً – بآية سورة محمد أو سورة القتال، ذكرتها على المنبر أمس، فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ۩ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ۩ – على جواز لعن يزيد عليه من الله تعالى ما يستحق، نقل البرزنجي في الاشاعة والهيثمي في الصواعق أن الإمام أحمد لما سأله ولده عبد الله عن لعن يزيد – طبعاً كما قلنا أمس الدقيق ليس عبد الله وإنما هو صالح، وابن الجوزي له كتاب في لعن يزيد هو هذا، كتاب كامل في لعن يزيد، ابن الجوزي الحنبلي، يذكر بالسند طبعاً المُتصِل كيف روى القاضي أبو يعلى بالسند المُتصِل عن صالح ابن الأمام أحمد، هذا الأدق، يحدث أيضاً خطأ في النقول وعدم تدقيق – قال – أي الإمام أحمد – كيف لا يَلعَن – كيف لا يَلعَن أو كيف لا يُلعَن؟ أي كيف هو نفسه لا يَلعَن أو كيف لا يُلعَن – من لعنه الله تعالى في كتابه؟ فقال ابنه قد قرأت كتاب الله – عز وجل – فلم أجد فيه لعن يزيد، فقال الإمام أحمد إن الله تعالى يقول فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ۩ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۩، وأي فساد وقطيعة أشد مما فعله يزيد، انتهى. أي النقل عن البرزنجي وابن حجر الهيثمي.
يقول الألوسي وهو مبنيٌ على جواز لعن العاصي المُعيَّن من جماعة لُعِنوا بالوصف…
إذا النبي قال – مثلاً – لعن الله زوّارات القبور والمُتخِذين عليها المساجد والسُرج فهذه جماعة الآن لُعِنت وذُكِرت بوصف اللعنة، لعن الله زوّارات القبور مثلاً، أو لعن الرسول – صلى الله عليه وسلم – في الخمر – مثلاً – عشرة، لعن الله شاربه… إلى آخره، مثلاً ووجدنا شارباً يشرب الخمر ويُصِر عليها ولا يتوب – مثلاً – منها، هل يجوز لعنه؟ هذا اسمه لعن المُعيَّن من جماعة لُعِنوا بالوصف، جماعة ذُكِروا على أنهم ملعونون، لعن الله – مثلاً – المُترجِّلات من النساء والمُتخنِّثين من الرجال، لعن الله الواشمات والمُستوشِمات والواصلات والمُستوصِلات – إلى آخره – في حديث عبد الله بن مسعود في الصحيح، لعن الله مَن غيَّر منار الأرض، لعن الله مَن اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً، لذلك لعن ابن عمر أمس الذي وسم الحمار، إلى آخره!
فهذه مسألة خلافية، سوف نرى فيها اختصار القول، ومُهِم جداً بعد ذلك أن نقرأ ما كتبه في هذه المسألة العلّامة ابن الوزير اليماني في لعن المُعيَّن، لأن للأسف بعض طلّاب العلم عندنا يعتبرونها كأنها مُسلِّمة، أن لا يجوز لعن المُعيَّن، ونحن نرى أن جوازه هو الأقوى والأصح والأرجح، وهذه مسألة اجتهادية على كل حال، كل مُجتهِد فيها – إن شاء الله – مأجور، أصاب أو أخطأً، لكن لا يجوز أن تُعرَض للناس على أنها مُسلَّمات ويُدمدَم فيها على بعض طلّاب العلم والعلماء، كيف يلعن يا أخي ولا يجوز لعن المُعيَّن والنبي نهى عنه؟ وللأسف بعض الناس نسبوا إلى الإمام الغزّالي أنه قال مَن لعن المُعيَّن فهو الملعون، وهذا كلام خطير جداً جداً جداً، لأن النبي لعن مُعيَّنين، والصحابة لعنوا مُعيَّنين، والتابعين لعنوا مُعيَّنين، فكلام خطير هذا كما أوضح ابن الوزير، وفي الحقيقة أنا لم أقرأ هذا قراءة إعادة إلا اليوم، ووجدت له تحقيقاً من أنفس ما يكون! هو الأنفس في بابه، ولذلك صح ما قاله فيه الشوكاني، قال لو جُمِع علوم شيوخه جميعاً إلى علمه ما عدلت بعلمه، الرجل إمام مُنقطِع النظير، قدَّس الله سر ابن الوزير اليماني، وقال الشوكاني في كتابه هذا – هذا في تسع مُجلَّدات، هذا هو الثامن منها – لو خرج كتابه العواصم والقواصم – هناك العواصم من القواصم لابن العربي، وأساء فيه جداً إلى الحُسين وإلى مسألة الحُسين للأسف الشديد كما سنرى بعد قليل، لكن هذا كتاب مُختلِف، هذا العواصم والقواصم – من الديار اليمانية – أي أُشيع في البلاد الإسلامية الأُخرى – لعُدَّ من مفاخر اليمن، الشوكاني يقول لعُدَّ من مفاخر اليمن! والرجل مُتوفى سنة ثمانمائة وأربعين للهجرة.
المُهِم يقول وهو مبني على جواز لعن العاصي المُعيَّن من جماعة لُعِنوا بالوصف -، وصف التخنث، وصف الوشم، وصف شرب الخمر، وصف كذا وكذا مثلاً -، وفي ذلك خلاف فالجمهور على أنه لا يجوز لعن المُعيَّن فاسقاً كان أو ذمياً، حياً كان أو ميتاً، ولم يعلم موته على الكفر لاحتمال أن يُختَم له أو خُتِم له بالإسلام بخلاف من علم موته على الكفر كأبي جهل – فهذا يجوز لعنه -.
وذهب شيخ الإسلام السراج البلقيني – هذا كان شافعياً رحمة الله عليه – إلى جواز لعن العاصي المُعيَّن – شيخ الإسلام هذا سُني – لحديث الصحيحين – ذكرته أمس – إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تُصبِح – ومُستحيل أن الملائكة تلعن بالوصف، وهذا واضح حقيقةً، يقول لعنتها، أليس كذلك؟ بعض الناس انفصلوا من هذا الحديث لقولهم لا، يُمكِن أن تلعن الملائكة بالوصف، تقول لعن الله مَن باتت مُغاضَبة زوجها، لكن لو أراد النبي أن يقول هذا لقال الملائكة تلعن مَن باتت مُغاضَبة، لكنه قال مَن بات كذا باتت تلعنها، يا أخي ما هذا؟ فرق كبير، يجب أن يكون لدينا ذوق اللُغة، لكن أنت تجد مثل هذا في العلماء وحتى في كبار العلماء بعض المرات الكثير جداً جداً مما ينبو عنه الذوق السليم، هناك تصاريف في اللُغة يجب أن نكون واعين بها، مَن كذا وكذا لعنتها الملائكة يختلف عن مَن بات كذا باتت تلعنها يا أخي، واضح جداً في لعن المُعيَّن، وهذا السراج البلقيني، كان من أئمة الإسلام العظام – وفي رواية إذا باتت المرأة مُهاجِرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تُصبِح، واحتمال أن يكون لعن الملائكة عليهم السلام إياها ليس بالخصوص بل بالعموم بأن يقولوا: لعن الله مَن باتت مُهاجِرة فراش زوجها بعيد – هذا صحيح، الألوسي يقول هذا احتمال بعيد، قال احتمال بعيد هذا – وإن بحث به معه ولده الجلال البلقيني.
وفي الزواجر – الزواجر عن اقتراف الكبائر للإمام الفقيه الشافعي الشهير ابن حجر الهيتمي وهو صاحب الصواعق، هذا في الرد على الشيعة وذكرته أمس، وهذا كتاب في الرد على الرافضة وفي الدفاع عن مُعاوية، وصله بكُتيب صغير يُدافِع فيه عن مُعاوية، وسوف ترون ماذا يقول فيه – لو استُدِل لذلك بخبر مُسلِم أنه صلى الله عليه وسلم مر بحمار وسم في وجهه فقال لعن الله مَن فعل هذا – وهنا أيضاً يُوجَد خطأ في النقل وقع فيه ابن حجر الهيتمي، ما هو؟ لم يمر النبي، ليس النبي هو الذي مر، ابن عمر هو الذي مر وقال إن النبي لعن مَن فعل هذا، أخبرهم بهذا، يُوجَد خطأ وهذا من الحفظ، وطبعاً هؤلاء علماء كبار، تخيَّلوا أن الواحد منهم لا يرجع في كل شيئ إلى المصادر، لأن عندهم حافظة غريبة، هذا الرجل رحمة الله عليه عجيب، اليوم وأنا أقرأ استغربت، يقول وقد ذكر الذهبي إما في النبلاء وإما في الميزان، قال… وأتى تقريباً بنصف صفحة حفظاً، لأن لماذا يقول إما وإما؟ الكتاب ليس عنده، وهذا عجيب، عجيب فعلاً! استحضر الرجل خُلاصة ما ذكر الذهبي، وتقريباً يكاد يكون بنصه وفصه، والله كان عجيباً رحمة الله عليه، فتح إلهي! علماء وأئمة هؤلاء، هؤلاء أئمة على كل حال – لكان أظهر – هذا أقوى بكثير، لأن الذي وسم الحمار في وجهه شخص أو هم في الحقيقة كانوا فتيان، أي مجموعة، هؤلاء أشخاص مُعيَّنون وليس غير مُعيَّنين، مُعيَّنون! قال لعن الله مَن فعل هذا، هذا واضح، انتهى! هذا يعني أنه يلعن أُناساً بأعيانهم – إذ الإشارة بهذا صريحة في لعن مُعيَّن إلا أن يُؤوَّل بأن المُراد الجنس وفيه ما فيه – قال ضعيف، ابن حجر قال وفيه ما فيه -، انتهى.
يقول الألوسي وعلى هذا القول – أي قول؟ جواز لعن المُعيَّن – لا توقف في لعن يزيد لكثرة أوصافه الخبيثة وارتكابه الكبائر في جميع أيام تكليفه ويكفي ما فعله أيام استيلائه بأهل المدينة ومكة – طبعاً سوف نرى بعد ذلك عند ابن الجوزي ماذا فعل بأهل المدينة وماذا فعل بمكة وكيف حُرِق البيت وضُرِب بالمنجنيق والعياذ بالله من هذا الرجل يا إخواني، يترضون عنه ويقولون كان أميراً للمُؤمِنين، الأمة كما قلت أمس والله هبلت، أُقسِم بالله! هذا اسمه هبل، شيئ عجيب! أو هذا تلاعب، يُوجَد تلاعب، لا يُوجَد جد في فهم الحقائق وفعلاً إدراك أن القول في الدين والقول في أي مسألة أمر عظيم جداً وخطير وسنُسأل عنه بين يدي الديّان، لا إله إلا هو، لا تتلاعب بعقول الناس وبالحقائق يا أخي، هذه حقائق! لا أعرف لماذا، كأن هذا نوع من التلاعب – فقد روى الطبراني بسند حسن اللهم مَن ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل – هل هو أخاف أهل المدينة؟ هو قتلهم وذبَّحهم واستباح نساءهم وحُرمتهم وفعل ما فعل مما ستسمعون بعد قليل، شيئ مُخيف، لا يُصدَّق -.
والطامة الكبرى ما فعله بأهل البيت ورضاه بقتل الحُسين على جده وعليه الصلاة والسلام – حتى لا يُقال مَن يقول عليه السلام هذا شيعي، مُعظَم علماء أهل السُنة بما فيهم البخاري والطبري والإمام أحمد وابن الجوزي يقولون الحُسين صلوات الله وسلامه عليه، الصلاة والسلام من حقوق أهل البيت يا إخواني، وكذلك الفخر الرازي وابن العابدين والسيوطي والألوسي، مُعظَم علمائنا يا أخي، والهيثمي في مُجمَع الزوائد، ومع ذلك يُقال هذا شعار الشيعة، حتى لو شعار الشيعة إذا هذا حق لأهل البيت فسوف نفعله، يرضى الشيعي أو يغضب الشيعي ويرضى السُني أو يغضب السُني، هذا حق أهل البيت يا أخي، ونحن نُصلي عليهم في الصلاة، صل على محمد وآل محمد، وليس هناك صحابة، نقول آل محمد، أليس كذلك؟ لماذا يا أخي؟ قيل مُغايظة للشيعة، المسألة أفعال وردود أفعال، لكننا لا نُريد هذا، الحق حق! فهذا الألوسي، يقول على جده وعليه الصلاة والسلام – واستبشاره بذلك وإهانته لأهل بيته – أي لأهل بيت رسول الله، أهانهم! وسوف ترون كيف أهانهم، أحد العلوج من أزلام يزيد في دمشق ينظر هكذا إلى فاطمة بنت عليّ ويقول اجعلها لي، هذه ابنة الإمام عليّ وكانت وضيئة جميلة وفتاة صغيرة! قال اجعلها لي، أُريد أن آخذها، سبية! القرد يُريد هذا، لعنة الله تعالى عليه، وهذا أيضاً ذكره ابن تيمية وابن كثير، لعنة الله عليهم أجمعين يا أخي، والله أنا أتعبَّد الله بلعنهم، أُقسِم بالله! وهذا لا يشفي غيظي، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ۩، فزينب الكُبرى عليها السلام قالت له لا، ليس ذلك لك ولا له قالت له، ما هذا؟ أتسبون أنتم بنات محمد؟ قال لها بلى، هذا لي ولو شئت لفعلته، قالت له ليس لك ولا لأبيك إلا أن تخرج أنت وأبوك من ديننا، اكفر وسوف يصير لك هذا قالت له، أتدّعي الإسلام؟ لا ينفع هذا لك، ملعون يا أخي، لعنة الله عليهم أجمعين، ابنة رسول الله تُريد أن تأخذها سبية يا مُجرِم؟ هذه فاطمة بنت عليّ، لعنة الله عليهم يا أخي، والله صحيح ما قال ابن الجوزي، هذا حنبلي، شيخ الإسلام هذا، أبو الفرج ابن الجوزي، صاحب تلبيس إبليس، قال لو النصارى فعلوا بهم لرحموهم أكثر، لكان عندهم رأفة بهم أكثر من هذا، ليس كمَن يدّعي أنه مُسلِم ويترضى عليه، يُؤلِّف كُتباً في الترضي عليه يا أخي ويُخطئ الحُسين، على كل حال المُهِم أنه قال واستبشاره بذلك وإهانته لأهل بيته – مما تواتر معناه وإن كانت تفاصيله آحاداً – لا يهمني أنا نقل بنقل، لكن في الجُملة أنا أعرف ماذا فعلوا، وهذا فهم التاريخ، أليس كذلك؟ تواتر معناه والتفاصيل آحاد لا تضر -.
وفي الحديث ستة لعنتهم وفي رواية لعنهم الله وكل نبي مجاب الدعوة: المُحرِّف لكتاب الله وفي رواية – طبعاً رواية الحاكم – الزائد في كتاب الله والمُكذِّب بقدر الله والمُتسلِّط بالجبروت ليُعِز مَن أذل الله ويُذِل مَن أعز الله والمُستحِل مِن عترتي – أي ما حرَّم الله – والتارك لسُنتي – وتقريباً الستة انطبقت عليهم، الستة! سُبحان الله، ستتها انطبقت على هؤلاء المُجرِمين والعياذ بالله -.
وقد جزم بكفره – انتبهوا، ليس لعنه! هناك علماء مُسلِمون سُنيون كبار جزموا بكفر يزيد، قطعوا بأن هذا كافر – وصرَّح بلعنه جماعة من العلماء منهم الحافظ ناصر السُنة ابن الجوزي – وهذا كتابه بفضل الله، أتيت به وسأتلو عليكم تقريباً خُلاصته من أوله إلى آخره لأنه صغير – وسبقه القاضي أبو يعلى – الحنبلي الفرّاء، العلّامة الحنبلي الكبير، وابنه القاضي أبو الحُسين، أبو الحُسين هو الذي ألَّف كتاباً في الملعونين، أنا أمس ذهلت، ألَّف كتاباً في الملعونين وذكر منهم يزيد، أبو الحُسين بن القاضي أبو يعلى، هما اثنان! وصحَّح رواية عن أحمد في ذلك -، وقال العلامة التفتازاني – السعد التفتازاني، الإمام التفتازاني قدَّس الله سره، من أكبر علماء الحنفية هذا ومن أكبر علماء العقائد – لا نتوقَّف في شأنه – ليس عندنا تردد، قال نحن نعرف ما الحاصل – بل في إيمانه لعنة الله تعالى عليه وعلى أنصاره وأعوانه – قال نجزم بكفره، يزيد هذا كافر قال، لا يكون هذا مُسلِماً، قال لا نتوقَّف في إيمانه، نعرف أنه كافر نحن، هذا التفتازاني، ولك أن تتخيَّل هذا -، ومِمَن صرَّح بلعنه الجلال السيوطي عليه الرحمة – في تاريخ الخُلفاء، لكنه لم يذكر هذا هنا، صرَّح بهذا في تاريخ الخُلفاء وأنا قرأته، صرَّح بلعنه -، وفي تاريخ ابن الوردي. وكتاب الوافي بالوفيات أن السبي لما ورد من العراق على يزيد خرج فلقي الأطفال والنساء من ذرية عليّ – أي ذُرية رسول الله -. والحُسين رضيَ الله تعالى عنهما والرؤس على أطراف الرماح – أول رأس حُمِلت على رُمح رأس الحُسين، وديعة رسول الله! النبي قال أهل بيتي أستودعهم الله وصالح المُؤمِنين، انظروا ما شاء الله كيف حفظنا وديعة رسول الله، قال صالح المُؤمِنين! – وقد أشرفوا على ثنية جيرون – دمشق كانت تُسمى جيرون أو جيرؤن – فلما رآهم نعب غراب فأنشأ يقول – أي يزيد لعنة الله عليه -:
لما بدت تلك الحمول وأشرفت تلك الرؤس على شفا – هنا مكتوب شفا لكن رُبى أحسن – جيرون.
نعب الغراب فقلت – المشهور صح أو لا تصح – قل أو لا تقل فقد اقتضيت – قال هنا اقتضيت لكن قضيت أحسن – من الرسول – قال الرسول لكن الصحيح الغريم، مَن الغريم؟ محمد صلى الله عليه وسلم – ديوني.
لذلك أيضاً يُقال إنه تمثَّل بأبيات ابن الزبعري:
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل.
ينتقم لأشياخه، ينتقم لعمه وجده اللذين قُتِلا بسيف عليّ في بدر، قال الزنديق واحدة بواحدة، لعنة الله عليه.
يعني أنه قتل بمَن قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر كجدة عُتبة وخاله ولد عُتبة وغيرهما وهذا كفر صريح فإذا صح عنه فقد كفر به ومثله تمثّله بقول عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه: ليت أشياخي الأبيات…
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل.
وسوف يذكرها ابن الجوزي!
وأفتى الغزّالي عفا الله عنه – انظر إلى هذا، رحمة الله عليه وقدَّس الله سره، رُغم أن الألوسي يُقدِّر أبا حامد كثيراً جداً هنا قال عفا الله عنه، لأنه يعتبر أنه أخطأ هنا، وهذا صحيح، أنا رأيتها كبيرة هذه، لكن قدَّس الله سر أبي حامد، هذا اجتهاده، عنده كلام في إحياء علوم الدين طويل، غير مرضي البتة في هذا الموضوع، قال وأفتى الغزّالي عفا الله عنه – بحُرمة لعنه وتعقَّب السفاريني من الحنابلة نقل البرزنجي والهيثمي السابق عن أحمد – رحمه الله – فقال المحفوظ عن الإمام أحمد خلاف ما نقلا، ففي الفروع ما نصه: ومِن أصحابنا مَن أخرج الحجّاج عن الإسلام فيتوجَّه عليه يزيد ونحوه ونص أحمد خلاف ذلك وعليه الأصحاب، ولا يجوز التخصيص باللعنة خلافا لأبي الحُسين – مَن أبو الحُسين؟ أبو الحُسين بن أبي يعلى الفرّاء الحنبلي، قلنا هذا وهو قاضٍ، قاضٍ أيضاً مثل أبيه -. وابن الجوزي – من الحنابلة يذكر فقط -. وغيرهما، وقال شيخ الإسلام – وهذا غير صحيح، لماذا؟ لأن النقل عن أحمد صحيح بالسند المُتصِل، فهذه ليست شُبهة، هناك سند مُتصِل، قال وقال شيخ الإسلام وهو ابن تيمية – يعني والله تعالى أعلم ابن تيمية ظاهر كلام أحمد الكراهة، قلت والمُختار ما ذهب إليه ابن الجوزي. وأبو حُسين القاضي. ومَن وافقهما – هذا كلام مَن؟ السفاريني، فالسفاريني نفسه قال أنا أيضاً معهم، أنا مع اللعن، تخيَّل! السفاريني صاحب لوامع الأنوار البهية، عنده كتاب وعنده متن اسمه لوامع الأنوار البهية في عقائد الطائفة المرضية وقد حدَّثتكم عنه مرة، هذا شعر له وشرحه في كتاب ضخم في زُهاء ألف صفحة اسمه لوامع الأنوار البهية، وهو مطبوع في جُزئين كبيرين – انتهى كلام السفاريني. وأبو بكر بن العربي – صاحب العواصم من القواصم، أنا سميته القواصم والله، هذه ليست عواصم، هذه قواصم في المسألة هذه، في مسائل ثانية جوَّد وأفاد، في المسألة هذه ليست عاصمة وإنما قاصمة، أتانا بقاصمة رحمة الله عليه – المالكي – ماذا يقول الألوسي؟ – عليه من الله تعالى ما يستحق – مع أنه إمام من أكبر أئمة المُسلِمين، لأنه أساء فعلاً في هذه المسألة فقط وإلا رحمة الله عليه رحمة واسعة، إمام من أعظم الأئمة حقيقةً – أعظم الفرية – قال كذب، هذا كلام كذب قال – فزعم أن الحُسين قُتِل بسيف جده صلى الله عليه وسلم وله من الجهلة مُوافِقون على ذلك، كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ۩ – وسنقرأ كلام ابن العربي، وهو في زُهاء صفحة ونصف، سوف نرى ماذا قال ابن العربي، كلام فارغ، هذيان! سوف ترون الهذيان، أنا كتبت ما هذا الهذيان؟ هذيان! هذا الكلام هذيان، ليس حُججاً علميةً -.
قال ابن الجوزي في كتابه السر المصون من الاعتقادات العامة التي غلبت على جماعة مُنتسِبين إلى السنة أن يقولوا إن يزيد كان على الصواب والحُسين أخطأ في الخروج عليه ولو نظروا في السير لعلموا كيف عقدت له البيعة ليزيد وكيف ألزم الناس بها ولقد فعل في ذلك كل قبيح – وهذا كلام سليم، لماذا هذا؟ لا يُمكِن أن تأتيني إلى أمر تُناقِش الحال فيه قبل أن تُناقِش المُقدِّمات، كيف تم هذا يا أخي؟ أنا قلت أمس لأحد إخواني لا يجوز أن يُقَر رجلاً على امرأة غصبها مثلاً زوجها، أخذها من زوجها هكذا غصباً! أخذها ومكثت عنده شهراً أو شهرين، لا يُمكِن أن تقول هذه زوجه ولابد أن نُهنئه بها يا أخي وأن نُقدِّم له كذا وكذا، لا يُمكِن يا أخي، هذه مغصوبة يا أخي! وخلافة المُسلِمين مغصوبة ومأخوذة بالكذب والدجل والتهديد، واختُتِمَت بالمقاتل والمذابح أيضاً، أليس كذلك؟ كيف هذا؟ هذا سيعني أن كل أمر باطل يُمكِن أن نُسلِّم له، وبالمُناسَبة الأمة عقليتها في الجُملة هي كذلك، انتهى! هذا هو للأسف الشديد، لذلك تعيش في ذل وفي مهانة، قال نُريد أن نرى البداية وهذا الصحيح، هذا ابن الجوزي – ثم لو قدَّرنا صحة عقد البيعة فقد بدت منه بوادٍ كلها تُوجِب فسخ العقد – وهذا كلام سليم، هذا ابن الجوزي رحمة الله عليه – ولا يميل إلى ذلك إلا كل جاهل عامي المذهب يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة – أي لكي يحرق الشيعة فقط، وهذا يعني أن الحق سيضيع، لكي نغيظهم سنحكي الباطل، حاشا لله -.
هذا ويُعلَم من جميع ما ذكره اختلاف الناس في أمره – في أمر يزيد – فمنهم مَن يقول هو مُسلِم عاص بما صدر منه مع العترة الطاهرة لكن لا يجوز لعنه، ومنهم مَن يقول هو كذلك ويجوز لعنه مع الكراهة أو بدونها، ومنهم مَن يقول هو كافر ملعون، ومنهم مَن يقول إنه لم يعص بذلك ولا يجوز لعنه – والعياذ بالله، هذا من النواصب، الذي يقول هذا إنسان ناصبي، ما معنى ناصبي؟ (ملحوظة) قال بعض الحضور يُناصِب أهل البيت العداء، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم، يُناصِب أهل البيت العداء، يتديَّن ويتقرَّب إلى الله بُبغض أهل البيت، مثل مُسرِف بن عُقبة لعنة الله تعالى عليه، الذي أباح المدينة وهتكتها ثلاثة أيام، والمجنون كان ذاهباً إلى مكة لكي يُدمِّرها كما قال له يزيد، قال له اذهب، أبحتها لك كما أبحت لك المدينة، ذهب ثم قال يعلم الله أنني ما قدَّمت شيئاً أرجو به وجه الله بعد إيماني كالذي فعلته الآن، ولئن دخلت النار لأنا شقي، لعنة الله على هذا البعيد! هل تعرفون ما الذي حصل معه؟ هناك الشاب الذي حدَّثتكم عنه أمس، قال لهم تُعطونني البيعة ليزيد على أنكم عُبدان وخولة له، إن شاء أعتق وإن شاء باع، يبيعكم ويعتقكم بحسب هواه، عبيد! فقام له شاب تقي وقال له لو قلت أيها الأمير عافاك الله على كُتاب الله وسُنة رسوله، فأمر بقطع رأسه صبراً، فحلفت أمه إن أمكنها الله لتحرقنه بالنار، هذه مدنية وقد تكون من زوجات التابعين أو الصحابة، لا ندري! فحلفت إن أمكنها الله لتحرقنه بالنار، فمات سُبحان الله وهو على مشارف المدينة، حين خرج مات، بعد أن مرض واعتل لعنة الله تعالى عليه، طبعاً هذا من دعاء الناس، متى مات يزيد؟ بعد الحرة المدينة بأزيد من شهرين بقليل، لم يُكمِل ثلاثة أشهر، وصدقت نبوءة رسول الله، مَن أراد أهل المدينة بسوء انماع كما ينماع الملح، يضمحل بإذن الله تعالى! وفعلاً يزيد لعنة الله عليه كان شاباً، كان ابن نيف وثلاثين، وإذا صح أنه وُلِج سنة خمس وعشرين فهذا يعني أنه بالكاد كان ابن سبع وثلاثين سنة، شاب في مُنتهى القوة وما إلى ذلك، ما الذي صار له؟ ما الذي صار لهذا المُرفَّه المُترَف؟ انتهى، ولم يبق أحد من نسله كما قال المُؤرِّخون كالذهبي وغيره، لم يبق أحد، لم يبق أي أحد! الكل مات، الكل مات وانتهى نسله، قطع الله عرقه، لعنة الله على هذا البعيد، من ذُرية خبيثة البعيد هذا، فما الذي حصل؟ سُبحان الله العظيم! مات مُسرِف بن عُقبة، اسمه مُسلِم بن عُقبة والمُؤرِّخون المُسلِمون يُسمونه مُسرِف بن عُقبة، لأن هذا مُسرِف وليس مُسلِماً، فدُفِن فبعثت المرأة أم الشاب الشهيد المقتول صبراً عُبداناً لها لكي ينبشوا قبره ويُحرِّقوا جُثته الخبيثة، أي جُثة مُسرِف بن عُقبة، فعادوا مُرتاعين، قالوا فتحنا من عند رأسه وإذا بثُعبان عظيم، عُوجِل بإذن الله تعالى، عاجله الله بالعذاب، تخيَّلوا! ثُعبان لف عليه، هذا يُذكِّرني بما حصل مع سُليمان بن عبد الملك، رُغم أن عنده حسنة واحدة جيدة وهي أنه كتب لعمر بن عبد العزيز، مَن الذي أدلاه في قبره؟ عمر بن عبد العزيز وابنه، كأن اسمه عثمان أو شيئ كهذا، فاختلج فابنه قال الله أكبر، حيي أبي! فقال له اسكت يا بني، ما حيي أبوك ولكن عُوجِل، العذاب! وهم يُدلونه اختلج، قال له ما حيي أبوك ولكن عُوجِل، عمر بن عبد العزيز رجل صالح كبير، قال له ما حيي أبوك ولكن عُوجِل، من الظلم يا أخي، الظلم! الأمة هذه ذُبِحَت يا أخي، وإلى اليوم هي هكذا، المُهِم عادوا إليها فذهبت، فعلاً احتفروا عند الرأس وإذا بالثُعبان طوَّقوه، فذهبت إلى الرجلين فإذا بالثُعبان، فرفعت يديها بعد أن صلت ركعتين وقالت اللهم إن كنت تعلم أنني حين غضبت على هذا غضبت لك فخل بيني وبين هذا اللعين، أي أنني فعلت هذا من أجل ديني، ليس من أجل أنه ابني فقط، من أجل ديني أيضاً، فخل بيني وبين هذا اللعين، فذهب الثُعبان من عند رجليه وخرج، فأخرجته وأحرقت جُثته، لعنة الله تعالى عليه، أحرقته! واليوم يتكلَّمون في اللعن، يُقال لا تلعن وما إلى ذلك، أنت تتحدَّث عن أُناس دمَّروا الإسلام يا أخي، دمَّروا الأمة كلها يا أخي، نحن نعيش إلى اليوم في التاريخ هذا، إلى اليوم! يُقال غزة عليها الآن حصار، لماذا تُحاصَر وتُذبَح غزة الآن؟ لأن أصبحت أمة ذليلة، تُذبَح كما يُذبَح سائر العرب الآن أيضاً، نرجع إن شاء الله إلى الإمام الألوسي رحمة الله عليه – وقائل هذا – الألوسي يقول، انظروا إلى كلامه – ينبغي أن يُنظَم في سلسلة أنصار يزيد – الذي يقول هذا يكون مع يزيد، هذا من جماعته إن شاء الله ويُحشَر معه بإذن الله، بعد ذلك انتبهوا، هناك مسألة خطيرة جداً جداً في الإسلام، المعصية إذا فُعِلَت كان الغائب عنها الراضي بها كمَن حضرها، انتبهوا! هذه ليست لعبة، اليوم قد يقول أحدكم ما علاقتي بهذا؟ لا! أنت حين تتغيَّب وتُنكِر وما إلى ذلك تكون أبرأت الذمة إن شاء الله، وحين ترضى وتُداهِن كأنك حضرت قتل الحُسين وشاركت فيه يا حبيبي، وستُسأل عن هذا أيضاً، المسألة ليست لعباً، كما قلت أمس هذا ليس لعباً، هذا موقف حقيقي أنت تتخذه – وأنا أقول – الألوسي قدَّس الله سره – الذي يغلب على ظني أن الخبيث لم يكن مصدقا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم – تماماً كما يغلب على ظننا الآن أن مُعظَم حُكام العرب وبعض قياداتهم لا يُؤمِنون بالله واليوم الآخر، أنا أستغرب وأحياناً حتى أظن هذا في بعض العامة، أقول هل هذا العامي يُؤمِن بالله واليوم الآخر ويفعل ما يفعل؟ من الصعب جداً يا أخي، لا يدخل المُخ هذا يا أخي، ويبدو أن الإيمان ليس عنواناً أو لافتةً تحملها، على الأقل يُوجَد حد أدنى من آثار الإيمان فيك، أليس كذلك؟ هناك مَن يتخوَّض في الدماء وفي الأعراض وفي أموال الناس بسهولة عجيبة جداً جداً، يشرب في جماجم الناس على ما يبدو، يشرب دماءهم! هل تظن أن هذا يُؤمِن بالله ويعرف أن عنده ضجعة غداً وسوف يُبعَث بين يدي ديّان عظيم؟ لا أعتقد، لو عنده إيمان لما فعل هذا، النبي قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مُؤمِن، الزاني حين يزني يفقد إيمانه، ابن عباس قال يُنزَع الإيمان من قلبه، فيُقال به هكذا فوق رأسه فإن نزع وتاب واستغفر يُعاد إليه وإلا لا يعود الإيمان، وهذا الزاني، فكيف بمَن يقتل العلماء والصُلّاح؟ هناك مَن يقتل أمة كاملة، ثم يشرب نخبهم مع الصهاينة والأمريكان دون أن يهمه أي شيئ، شيئ صعب! فالألوسي كلامه صحيحة مائة في المائة، انتبه فالأمر جد، قال الذي يغلب على ظني أن الخبيث لم يكن مصدقا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم – وأن مجموع ما فعل مع أهل حرم الله تعالى وأهل حرم نبيه – أي في مكة والمدينة – عليه الصلاة والسلام وعترته الطيبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات وما صدر منه من المخازي ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه – أي بالله واليوم الآخر – من إلقاء ورقة من المُصحَف الشريف في قذر – لماذا يقول الألوسي هذا؟ لأن جماهير العلماء يرون أن الكفر والحُكم بالكفر على امرئٍ مُعيَّن ثبت له الإسلام يكون بأشياء صريحة وواضحة ويكون بقرائن، قرائن قوية أحياناً تقوم مقام الأدلة، فمن هذه القرائن التي تقوم مقام الأدلة إلقاء ورقة من المُصحَف فضلاً عن إلقائه كله والعياذ بالله وحاشا المُسلِمين من ذلك في الزبالة مثلاً، كافر! الذي يفعل هذا كافر، حين ترى أي واحد يأخذ ورقة مُصحَف ويرميها بالزمالة ماذا ستظنه أنت؟ هذا كافر، مُستحيل أن يكون مُسلِماً، الواحد لو رأى اسم الله يرتعد، يأخذه من الأرض ويُطيِّبه ويرفعه، أليس كذلك؟ يُقال بشر بن الحارث أو الحارث بن الأسدي المُحاسَبي – أنا اشتبه على الأمر، واحد منهم – كان إنساناً عادياً بل مُسرِفاً على نفسه، بعد ذلك اهتُديَ هداية عجيبة جداً جداً، فسُئل ما سر هدايتك؟ حدث له انقلاب روحي ومعنوي! قال في الحقيقة سر هدايتي أنني مررت يوماً بشارع ووجدت كاغداً أي ورقة من جلد فيه اسم الجلد، فأخذته وطيَّبته ووضعته في مكان شريف، قال فسمعت في المنام هاتفاً يهتف بي، يقول لي طيَّبت اسمنا، لنُطيِّبنا اسمك في الدنيا والآخرة، فالألوسي يقول الذي فعله يزيد بمكة وبالمدينة وبأهل رسول الله ليس أقل دلالة على الكفر والمروق من الدين من موضوع إلقاء ورقة من المُصحَف في قذر، أليس كذلك؟ فعلاً ليس أقل دلالة، هذا مُهِم لكي تفهم بالقياس، ليس بالضرورة أن يكفر بلسانه، نحن سنفهم أن البعيد كفر، رحمة الله على الألوسي -؛ ولا أظن أن أمره كان خافياً على أجلة المُسلِمين إذ ذاك ولكن كانوا مغلوبين مقهورين لم يسعهم إلا الصبر ليقضيَ الله أمراً كان مفعولاً، ولو سُلِّم أن الخبيث كان مُسلِماً – قال لو أردنا أن نقول نعم كان مُسلِماً ونُسلِّم بهذا – فهو مُسلِم جمع من الكبائر ما لا يُحيط به نطاق البيان، وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين ولو لم يُتصوَّر أن يكون له مثل من الفاسقين – قال أنا أذهب إلى لعن مثله، لكن أين مثله؟ قال، لا يُوجَد أحد مثله، أفسق الفسّاق هذا، هذا أفجر الفجّار في أمة محمد، لعنة الله عليه -، والظاهر أنه لم يتب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه – قال حتى إيمانه كله أصلاً غير مُحتمَل في نظرنا -، ويلحق به ابن زياد – لعنة الله على ابن زياد، عُبيد الله بن زياد لعنة الله عليه إلى يوم الدين، هذه ذُرية خبيثة، ابن مرجانة المجوسية وأبوه ابن سُمية، زياد ابن سُمية، سُمية! مُعاوية أفندي نسبه إلى أبيه، سماه زياد بن أبي سُفيان، لكن زياد هذا ابن زنا! كيف تنسبه؟ الصحابة كلهم غضبوا والتابعون، من أعظم بوائق مُعاوية أنه استلحق زياداً، كيف تستلحق واحد؟ لا يُوجَد في الإسلام هذا، ممنوع هذا! الولد للفراش وللعاهر الحجر، تلحق واحد بأبيك؟ مُعاوية كان يلعب -. وابن سعد – مَن ابن سعد؟ عمر بن سعد، لعنة الله على البعيد، ورضيَ الله عن سعد بن أبي وقاص، هذا ابنه، لعنة الله على هذا البعيد، قائد الجيش وأول مَن ضرب بسهم، وهو الذي قال لهم مَن يُوطئ الخيل صدر الحُسين؟ لعنة الله عليك، طلب منه هذا ابن زياد، لعنة الله على الاثنين، انظر إلى سعد بن أبي وقاص رضوان الله عليه، هذا ابنه! أبوه نفسه كان يتبرأ منه، أعني سعد بن أبي وقاص -. وجماعة فلعنة الله عز وجل عليهم أجمعين، وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ومن مال إليهم إلى يوم الدين ما دمعت عين على أبي عبد الله الحُسين – نحن قلنا أمس وأثبتنا أن الحُسين أعز على قلب رسول الله من حمزة، وهذا طبعاً ثابت بذاته أصلاً، الحُسين أعز على قلب رسول الله من حمزة، والنبي قال ولكن حمزة لا بواكي له، فحق الأمة أن تبكي على أبي عبد الله الحُسين، النبي يُريد هذا، هذا صحيح فعلاً، لأنه قال حمزة لماذا لا تبكون عليه؟ ابكوا عليه قال، فماذا عن الحُسين؟ -، ويعجبني قول شاعر العصر ذو الفضل الجلي عبد الباقي أفندي العمري المُوصلي – مُوصلي هذا – وقد سئل – وهذا من علماء السُنة الكبار، هذا كان شاعراً سُنياً شهيراً جداً، انظر إلى البيت العظيم الذي قاله – عن لعن يزيد اللعين فقال:
يزيد على لعني عريض جنابه فاغدو به طول المدى ألعن اللعنا.
لا ألعنه فقط – قال – بل ألعن اللعن نفسه، انظر إلى هذا، فهذا سُني! ماذا قال الألوسي؟ ختم المبحث بقوله ومَن كان يخشى القال والقيل من التصريح بلعن ذلك الضليل فليقل لعن الله عز وجل مَن رضي بقتل الحُسين ومَن آذى عترة النبي صلى الله عليه وسلم بغير حق ومَن غصبهم حقهم فإنه يكون لاعناً له لدخوله تحت العموم دخولاً أولياً في نفس الأمر، ولا يخُالِف أحد في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها سوى ابن العربي المار ذكره ومُوافِقيه فإنهم على ظاهر ما نقل عنهم لا يُجوِّزون لعن مَن رضي بقتل الحُسين رضي الله تعالى عنه، وذلك لعمري هو الضلال البعيد الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد.
قال هذا ضلال أكبر من ضلال يزيد، لماذا لا تُجوِّزون؟ فرحمة الله على الألوسي وجزاه الله خيراً عن أهل بيت رسول الله.
نأتي الآن إلى الإمام ابن الجوزي رحمة الله عليه، ما قصة هذا الكتاب؟ هذا الكتاب اسمه الرد على المُتعصِّب العنيد المانع من لعن يزيد، عبد المُغيث الحنبلي شيخ يبدو أنه كان مُخرِّفاً، يعتبر نفسه من شيوخ الحنابلة، يتكلَّم في الحديث وفي التفسير، فذكر ابن الجوزي أنماطاً ونماذج من جهل هذا الرجل، وهذا صحيح فعلاً، ابن الجوزي حتى في تلبيس إبليس ذكر من جهالات بعض المُحدِّثين الشيئ الذي يُضحِك الثكلى ويُبكي الموتى، شيئ غريب! هناك مَن يدّعي أنه الشيخ ويقول إنه مُحدِّث وما إلى ذلك، عنده ضلال وجهل لا يقع فيه طفل صغير، كان عندهم هذا فأصبح العلم صناعة، وهذا منهم! فبلغه طبعاً كما قال ابن الجوزي أن ابن الجوزي يُجوِّز لعن يزيد فذهب يُؤلِّف رسالة لكي يرد عليه، أي على ابن الجوزي، على شيخ الإسلام جمال الدين أبو الفرج الذي مُؤلَّفاته قريبة من أربعمائة مُجلَّد، ابن الجوزي علّامة رهيب، مُفسِّر أصولي مُحدِّث حافظ – رحمة الله عليه – أديب شاعر وأشهر وعّاظ عصره إن لم يكن أشهر وعّاظ الإسلام على الإطلاق، الذي قرأته من طريقة ابن الجوزي في الوعظ لم يُسمَع بمثلها، وكان يحضر مجلس وعظه أمير المُؤمِنين العباسي وأمه، وقيل يحضره عشرات الألوف إن لم يكن مئات الألوف، رحمة الله عليه، موسوعة الرجل! موسوعة عجيبة جداً، رحمة الله عليه، مُتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة من الهجرة، فطبعاً البادئ أظلم فرد عليه، ماذا يقول في البداية ابن الجوزي؟
أما بعد فقد سألني سائل في بعض مجالس الوعظ عن يزيد بن مُعاوية وما فعل في حق الحُسين صلوات الله عليه وما أمر به من نهب المدينة فقال لي أيجوز أن يُلعَن؟ فقلت يكفيه ما فيه، والسكوت أصلح، فقال قد علمت أن السكوت أصلح ولكن هل تجوّز لعنته؟ فقلت قد أجازها العلماء الورعون، منهم الإمام أحمد بن حنبل – هذا يجوز -، فبلغ كلامي هذا إلى شيخ قد قرأ أحاديث مروية، ولم يخرج من العصبية العامية، فأنكر ذلك وصنَّف جزءاً لينتصر فيه ليزيد. فحمله إلىّ بعض أصحابي وسألني الرد، فقلت له ما زلت أعرف هذا الشيخ بقلة العلم والفهم وإنما يُحدِّث مَن يفهم.
قال هذا ما علاقته بهذه الأشياء؟ وبدأ يحكي – رحمة الله تعالى عليه – وأتى بآثار: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال ثنا أبو الحسين بن النقور، قال ثنا القاضي أبو عبد الله الحُسين بن هارون الضبي، قال ثنا أبو الحُسين عبد الله بن محمد بن شاذان، قال ثنا محمد بن سهل بن الحسن، ثنا أحمد بن سعيد الطائي، ثنا يعقوب بن إسحاق، قال الناس أربعة، رجل يدري ويدري أنه يدري فذاك عالم فخذوا عنه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذاك ناسٍ فذكروه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذاك مُسترشِد فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك جاهل فارفضوه.
وهذا الشيخ لا يعرف المنقولات ولا يفهم المعقولات، لكنه يقرأ الحديث، ولا يعرف صحيحه من سقيمه، ولا مقطوعه من موصوله، ولا تابعياً من صحابي، ولا ناسخاً من منسوخه، ولا كيف الجمع بين الحديثين، ومعه عصبية عامية، فإذا رأى حديثاً يُوافِق هواه تمسَّك به وإن كان الفقهاء على خلافه، وبيان أنه لا يعرف علم الحديث أنه يحتج على أغراضه بأحاديث قد أسنده – المفروض أسندها، هذا خطأ – الكذّابون، ولا يُعرَف الصادق من الكاذب.
حدَّثني عنه ابن عيسى الفقيه، قال قال لي عبد المُغيث – هو هذا عبد المُغيث الحنبلي – طبعاً حديث السقيفة ليس في الصحيح – سقيفة بني ساعدة، عجيب! وهذا طبعاً واضح جداً جداً، هذا في البخاري ومُسلِم، لكن هذا لم يقرأ الصحيحين ويدّعي أنه مُحدِّث -، ومَن يخفى عليه – يقول ابن الجوزي – مثل هذا الحديث المشهور وأنه مُتفَق على صحته كيف يُقال إنه مُحدِّث؟ وإني قد اجتمعت به يوماً فذكر مُسلِم بن يسار – هذا التابعي الشهير جداً – قال وكان من كبار الصحابة، فزجرته عن هذا وقلت ما قال هذا أحد، إنما هو تابعي، ثم مالت به عصبيته إلى التشبيه – تشبيه الله، أي التجسيم والعياذ بالله، الحنابلة أكثر مَن وقعوا في التجسيم، وابن الجوزي هذا أحسن مَن رد على مُجسِّمة الحنابلة، عنده كتاب من أروع ما يكون أنصح بقرائته، اسمه دفع شُبه التشبيه بأكف التنزيه، من أروع ما يكون! رد على مُشبِّهة الحنابلة رحمة الله عليه، المُهِم أنه قال ثم مالت به عصبيته إلى التشبيه – فكتب حديث الاستلقاء وقال إن الله تعالى لما خلق الخلق استلقى ووضع رجلاً على رجل، وقال هذا حديث يلزم البخاري ومُسلِماً إخراجه – يتعقَّب على البخاري ومُسلِم، لماذا لم يُخرِّجاه؟ كان يجب أن يُخرِّجا هذا الحديث، أهبل! هذا الإنسان يبدو أنه فعلاً أهبل – فقلت له ويحك، هذا حديث لا يصح، وما رضيَ أحمد بن حنبل ولا أبو داود ولا الترمذي إخراجه أصلاً – أتُلزِم الشيخين بإخراجه؟ -، وله علة قد ذكرتها في كتابي المُسمى بمنهاج الوصول إلى علم الأصول، وقلت له إني قد جمعت أخبار الصفات وميَّزت منها ما يصح وما لا يصح – في كتاب دفع شُبه التشبيه بأكف التنزيه طبعاً -، فقال ما أردنا هذا، لأن في بيان الحديث المردود إزراء على مَن رواه.
غريب الرجل! قال لو قلنا هذا لكان معنى هذا أننا نقدح في الرواة، هل أنت مجنون؟ أتقدح في الله وتنسب الله إلى هذه الأشياء من أجل أن تُبرئ بعض الرواة؟ إنسان أحمق، أحمق! مثل هؤلاء – ما شاء الله – يدفعون عن يزيد، بصراحة الحمقى، حمقى العلماء وحمقى العوام، فطبعاً ليس بعيداً هذا، وبعد ذلك بدأ يتكلَّم أيضاً عن الفقه وكيف هي جهالاته في الفقه، فلا نُطوِّل بهذا – كما قلنا – على سُنة الاختصار، نترك هذا!
المُهِم بعد أن ذكر أمثلة من جهله قال فجعلنا نتعجب من سوء فهمه، إذ ظن حاجة الله إلى تكليفنا، ويكفي في قلة علمه وسوء فهمه ووقوفه مع العصبية العامية أنه تعصَّب ليزيد على الحُسين صلوات الله عليه، وصنَّف فيه مُصنَّفاً نصر فيه يزيد – والعياذ بالله يا أخي، عمى القلب! نسأل الله حُسن الختام -، وغضب علىّ إذ نصرت الحُسين رضيَ الله عنه وذممت يزيد، وقد أنشدني شيخنا الإمام أبو الحسن الزاغوني، قال كان أمير المُؤمِنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام – انظروا إلى هذا، ابن الجوزي دائماً يقول عليه السلام، وكذلك ابن كثير في البداية والنهاية قال عليه السلام، وعن الحُسين يقول عليه السلام، طبعاً بعض الطبّاعين اليوم في المطابع حذفوا عليه السلام، وقد تحدَّثت عن هذا قبل ثلاث سنوات في رمضان، حذفوا عليه السلام ووضعوا رضيَ الله عنه، يكذبون على ابن كثير! لماذا هذا؟ لأن الواحد منهم لا يستوعب عليهم السلام هذه، يظن أن هذه شيعية، ماذا كان يقول الإمام عليّ عليه السلام؟ – دائماً ما يُكثِر من قول:
ولو أني بُلِيتُ بهاشمي خُؤولته بنو عبد المَدان.
هان عليَّ ما ألقى ولكن تعالي – هناك أناس يقولون تعالوا – فانظروا بمن ابتلاني.
قال تعالوا وانظروا إلى خصمي الأهبل، هذه هي! هذه المُصيبة، لو خصمك عالم فاهم ويعرف ماذا يخرج من دماغه لصار هناك مجال للحديث والأخذ والرد، لكن لو كان خصمك مثل هذا الأهبل لكانت هذه مُصيبة، ابن الجوزي يُخاصِمه هذا الصغير الجاهل، جاهل لا يعرف ماذا يخرج من رأسه.
قلنا إنكاره على مَن استجاز ذم المذموم ولعن الملعون جهل صراح – لا تُنكِر لعن المُعيَّن قال -، فقد استجازه كبار العلماء منهم الامام أحمد بن حنبل رضيَ الله عنه – وأنتم تعرفون طبعاً قصة العبد الفقير هنا مع بعض جماعة الكذا الذين كتبوا مناشير، هذا كله بسبب الموضوع هذا، كيف عدنان إبراهيم الشيخ الأشعري الصوفي الضال المُضِل المُتشيِّع الكذا يلعن يزيد؟ أُصيبوا بالهبل، لا يفهمون شيئاً، لم يدرسوا ولم يفهموا شيئاً هؤلاء، الإمام أحمد يلعنه، ما المُشكِلة؟ لا يفهمون! وطبعاً الجهلة يقولون نعم، يزيد يا أخي هذا، هذا يزيد! يزيد من الصحابة، وهذا من الجهل -، و قد ذكر أحمد في حق يزيد ما يزيد علي اللعنة – شيئ لا يزال أكثر من اللعن -.
بعد ذلك ذكر بعض الأشياء، ثم قال: و ذكر القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفرّاء – الحنبلي – في كتابه المُعتمَد في الأصول عن أبي جعفر العكبري، حدَّثنا أبو علي الحسين بن الجندي، قال حدَّثنا أبو طالب ابن شهاب العكبري، قال سمعت أبا بكر محمد بن العباس قال سمعت صالح بن أحمد بن حنبل – هذا السند المُتصِل الصحيح في الكتاب، ليس عبد الله كما قال الألوسي – يقول قلت لأبي إن قوماً ينسبوننا إلى تولي يزيد؟ – أي نحن نتولاه ونُحِبه – فقال يا بني و هل يتوالي يزيد أحد يؤمن بالله؟ – ولك أن تتخيَّل هذا، هذا يعني أن مَن يتولى يزيد ويترضى عليه ويُحِبه كأنه لم يُؤمِن بالله، مُستحيل أن يكون عندك إيمان، مسألة خطيرة! ثم إن المُتحدِّث الآن ليس فلاناً أو علاناً، هذا أحمد بن حنبل الإمام الورع الدقيق في ألفاظه وتعابيره، ورع إلى الغاية رحمة الله عليه – فقلت فلِمَ لا تلعنه؟ فقال متي رأيتني ألعن شيئاً؟ – كان أحمد بن حنبل يتنزَّه عن اللعن ثم قال الآتي – لِمَ لا يُلعَن – انظر إلى هذا، قال أنتم العنوه، أنا لا أُحِب ألعنه ولكن يُمكِن لعنه – مَن لعنه الله تعالي في كتابه؟ – ولك أن تتخيَّل هذا، هذا استنباط – فقلت وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقرأ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ۩ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ۩، فهل يكون فساد – قال له – أعظم من القتل؟
قتل أهل بيت النبي هذا!
وصنَّف القاضي أبو الحُسين محمد بن القاضي أبي يعلى ابن الفرّاء كتاباً فيه بيان مَن يستحق اللعن، وذكر فيهم يزيد وقال المُمتِنع من ذلك – أي المُمتنِع من ماذا؟ من لعن يزيد، يقول لا ألعن، لا أُحِب أن ألعن، لا نسبه ولا نُحِبه، لا نسبه قال، ليس لا نلعنه حتى وإنما لا نسبه، السب لا، لا نقول قبَّحه الله أو أطرحه الله أو أثبره الله أو المعكوس أو المنكوس أو غير ذلك، لا! لا نسبه قال، لماذا يا حبيبي؟ فماذا قال أبو الحُسين؟ – إما أن يكون غير عالم بجواز ذلك، أو مُنافِقاً يُريد أن يُوهِم – والمُتكلِّم ليس شيعياً، هذا إمام حنبلي، من الحنابلة – بذلك، وربما استفز الجهال بقوله المُؤمِن لا يكون لعّاناً.
طبعاً هذا الحديث عنه جواب، المُؤمِن ليس بطعّان ولا لعّان، ما معنى الحديث إذن؟ ليس لعّاناً لمَن لا يستحق اللعنة طبعاً، أما أن يلعن مَن لعنه الله فياحيهلاً، الله لعنه يا أخي، لماذا لا ألعنه؟ بعد ذلك كيف لا ألعن مَن لعنه الرسول؟ ألعنه، ألعنه كما لعنه الرسول، لكن لا ألعن مَن لا يستحق اللعنة، وإلا أكون لّعاناً، انتبه وافهم الدين، افهم النص! هناك مَن يلعبون بالنصوص.
قال – أي القاضي أبو الحُسين – وهذا محمول علي مَن لا يستحق اللعن – وهذا كلام كل العلماء -. نقلت هذا من خط القاضي أبي الحُسين و تصنيفه.
فصلٌ: واعلم أنه جاء في الحديث لعن مَن فعل ما لا يُقارِب معشار عشر فعل يزيد – أي واحد على مائة، القرآن والنبي لعنا أشخاصاً لم يفعلوا واحداً على مائة من أفعال يزيد، وهؤلاء ورد فيهم اللعن، فكيف لا يُلعَن يزيد؟ أرأيتم الاستنباط؟ هذا ابن الجوزي -. أخبرنا – كل شيئ بالأسانيد عند الشيخ الجوزي، كل الأحاديث بالأسانيد، وجاء عبد المُغيث يُناقِشه وهو لا يعرف البخاري ومُسلِماً، هذا كله بالأسانيد، حافظ الإسلام هذا، هذا ابن الجوزي – ابن الحصين، قال أنبأنا ابن المذهب، قال أنبأنا أحمد بن جعفر، حدَّثنا عبد الله بن أحمد، قال حدَّثني أبي، حدَّثنا عبد الرحمن، حدَّثنا سفيان، عن منصور، عن ابراهيم، عن علقمة، عن عبد الرحمن، قال لعن الواشمات والمُستوشِمات والمُتنمِّصات والمُتفلِّجات للحُسن. قال أحمد وحدَّثنا يحيي، عن عبيد الله، قال حدَّثني نافع، عن عبدالله – و هو ابن عمر – قال قال لعن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الواصلة والمُستوصِلة والواشمة والمُستوشِمة – وهذه ذنوب بسيطة جداً جداً جداً، ما هذه؟ هذه كنُقطة دم في بحر يم كما يقول العرب، هذه نُقطة دم في بحر يم! ما هذه بالنسبة إلى قتل الحُسين وما فُعِل بأهل بيت رسول الله؟ ما هذه؟ امرأة فلَّجت أسنانها، امرأة فعلت كذا وكذا! وحتى هذه الأشياء لها تأويل وبعض الناس أجازها لأسباب أُخرى، ليست أشياء فظيعة وفيها لعن مع ذلك -. قال أحمد وعن هشيم قال أنبأنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر إن رسول الله صلي الله عليه عليه لعن مَن اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً – تضع أمامك مثلاً دجاجةً أو ديكاً ثم تبدأ تُنشِّن عليه، ملعون مَن يفعل هذا، ممنوع! ليس أن تجعل غرضك أبناء رسول الله بالسهام وبالرماح وما إلى ذلك، يوم كامل تذبحونهم فيه! ذبحكم الله -. هذه الأحاديث متفق علي صحتها، أخرجها البخاري ومُسلِم. و أخرج البخاري من حديث ابن عباس، عن النبي صلي الله عليه وآله و سلم أنه لعن المُخنَّثين من الرجال و المُترجِّلات من النساء. ومن حديث أبي جحيفة أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لعن الواشمة والمُستوشمة وآكل الربا ومُؤكله ولعن المُصوِّرين. وأخرج مُسلمِ من حديث جابر قال: لعن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم آكل الربا ومُؤكله و شاهديه و كاتبه.
اللعن كثير، نحن قلنا هذا، اللعن في مئات الأشياء! كمَن ذبح لغير الله، إلى آخره!
أخبرنا ابن الحصين، قال: أنبأنا ابن المذهب، قال أنبأنا أحمد بن جعفر، حدَّثنا عبد الله بن أحمد، قال حدَّثني أبي، قال حدَّثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة عن ابن عباس قال قال النبي صلي الله عليه ملعون مَن سب أباه، ملعون مَن سب أمه، ملعون مَن ذبح لغير الله، ملعون مَن غير تخوم الأرض، ملعون مَن كمه أعمي عن طريق، ملعون مَن وقع علي بهيمة، ملعون مَن عمل بعمل قوم لوط.
قال أحمد وحدَّثنا وكيع، حدَّثنا عبد العزيز بن عمر (بن عبد العزيز)، عن أبي طعمة (هلال) مولاهم، وعن عبد الرحمن بن عبدالله الغافقي أنهما سمعا ابن عمر يقول قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعنت الخمر علي عشرة وجوه، لعنت الخمر بعينها وشاربها وساقيها وبائعها ومُبتاعها وعاصرها ومُعتصِرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها – قلنا الخمر لُعِن فيها عشرة -. واعلم أن الأحاديث في هذا الباب كثيرة، مثل لعن من تولي غير مواليه، ولعن زوارات القبور وغير ذلك.
نحن أنهينا الآن أكثر من ثُلث الكتاب!
فصل: وأنا أذكر من أحوال يزيد بن مُعاوية وأنه كيف عُقِدت له الولاية وما جرى له في زمن ولايته مما ذكره أبو بكر بن أبي الدُنيا ومحمد بن سعد صاحب الطبقات وأبو جعفر بن جرير الطبري وغيرهم من الأئمة طرفاً مُختصَراً ليُعلَم بأفعاله جواز ذمه، ثم أُتبِع ذلك بما احتج به هذا الشيخ – وهو عبد المُغيث الحنبلي – في نُصرة يزيد ومدحه، وما يكاد أحد ينصح عن أحد إلا وهو مُحِبٌ له.
طبعاً لا يُدافِع أحد عن أحد إلا ويكون مُحِباً، وإذا كنت مُحِباً له ففي الصحيحين ماذا سيحدث؟ ستُحشَر معه وتُدخَل مُدخَله يا مسكين، لذلك قديماً حين أكثر علىّ هؤلاء وقالوا كذا وكذا قلت أنا أكتفي بدعوة واحدة، اللهم احشرني مع مَن أُحِب، وأُشهِدك أني أُحِب من كل قلبي ومن قاع نفسي الإمام عليّاً وأهل بيته، والله العظيم أُحِبهم إلى الموت، عادي! مُستعِد أن أموت في سبيلهم، واحشر هؤلاء مع يزيد، أصعب عقوبة – أُقسِم بالله – هذه! أصعب عقوبة يُمكِن أن تُسلَّط عليهم، اللهم احشرهم مع يزيد، انتهى! أنتم تُحِبونه، والنبي قال ثلاثة أُقسِم بالله عليهن وأنا صادق، ما تولى رجلٌ قوماً إلا حشره الله معهم، في الصحيحين من حديث أنس رجل أعرابي قال يا رسول الله الرجل يُحِب الرجل، ولم يبلغ درجته بعمله، ما له؟ قال المرء مع مَن أحب، قال أنس فما فرحنا فرحنا بهذا الحديث، فأنا أُحِب رسول الله وأبا بكر وعمر، ونحن – الحمد لله – نُحِب رسول الله وأبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً وأهل بيته، والله العظيم! الآخرون لا نُحِبهم ولا علاقة لنا بهم بصراحة، لا نُحِبهم!
فصل: في سنة ست وخمسين دعا مُعاوية الناس إلى بيعة ابنه يزيد من بعده وجعله ولي عهده وأمر المُغيرة بن شُعبة أن يمضي إلى الكوفة – اسمعوا مُختصَر التاريخ الآن من ابن الجوزي، طبعاً هو نفسه مُؤرِّخ، عنده كتاب ضخم وهو موسوعة اسمه المُنتظَم في تاريخ الأمم، مُجلَّد كبير هذا، طبعاً تاريخ ابن الجوزي مشهور ومطبوع، وعنده مُجلَّدات عظيمة في التفسير مثل زاد المسير من علم التفسير، تفسير ضخم! قلت لكم مُؤلَّفاته قريب من أربعمائة مُجلَّد، ابن الجوزي هذا، ليس رجلاً جاهلاً أو كتاباً صحفياً أو إمام مسجد في الحي الفلاني، هذا علّامة الإسلام – ويعمل في البيعة ليزيد، ودعا بكتاب فقرأه على الناس باستخلافه يزيد إن حدث به حدث الموت، وذكر محمد بن سعد – المعروف بكاتب الواقدي، لأنه تَلميذ محمد بن عمر الواقدي – في الطبقات أن مُعاوية قال للحُسين وعبد الله بن عمر ولعبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق وعبد الله بن الزُبير – الأربعة الذين كانوا مُتواجِدين – إني مُتكلِّم بكلام – انظروا إلى هذا المُجرِم – فلا تردوا علىّ شيئاً فأقتلكم – مُعاوية حين ذهب إلى المدينة أتى برجال من المسالح والجُنود المُجرِمين وقال لهم اقفوا على رأس هؤلاء الأربعة، كل واحد يقف على رأس واحد وبالسيف، افتحوا السيف! إذا رد علىّ كلمة أن يكون السيف أسرع إلى رأسه من كلمته، تخيَّلوا ماذا يُريد هذا مُجرِم، هذا مُجرِم وإلا كيف خرج يزيد هكذا؟ لأن أباه مُجرِم، يا أخي شيئ يُجنِّن، أنت يا مُعاوية ماذا تفعل؟ أتأمر بقتل إذا ردوا عليك ابن عمر، ابن الزُبير، ابن أبي بكر، والحُسين؟ أتقول قصوا رأس مَن يرد؟ أتُقَص رأسه من أجل ابنك القرد هذا؟ أتُريد أن تفعل هذا لكي يصير ابنك خليفة؟ وبعد ذلك في آخر حياته وهو يُنازِع قال آخ، لولا هواي يزيد لأبصرت رُشدي، قال أنا ضليت وأفسدت الدنيا كلها بسبب حُبي لابني، وقد ذهب إليه رجل من أهل المدينة وهو صحابي، وقال له يا مُعاوية ما الذي تفعله؟ ابنك كذا وكذا وكذا، قال له جيد، أنت نصحت وبارك الله فيك، أنا أقول لك هؤلاء أولادهم وهذا ابني، وابني أحب إلىّ، يأخذها كضيعة من ضيعاته، أي منطق يا مُعاوية هذا؟ قال أولادهم! ما معنى أولادهم؟ هل الأمة سنُعطيها للحُسين أو لغير الحُسين فقط لأنه ابن عليّ؟ لا يا أخي، لأنه أحق بها وأهلها، لكم أن تتصوَّروا أنتم لو فعلاً البيعة عُقِدَت للحُسين، ماذا لو كان أمير المُؤمِنين هو الحُسين ومشت الأمة في هذا الطريق بالشورى وما إلى ذلك؟ أُقسِم بالله لكنا اليوم لا نزال أعظم أمة في التاريخ، إلى اليوم! لكننا ذُبِحنا مُنذ هذا اليوم، وإلى اليوم في تخلف، من ذلك اليوم ونحن كذلك، رحمة الله على الشيخ محمد الغزّالي الذي قال نحن من يوم هذه البيعة لا يزال يحكمنا أربع أو خمس عائلات، هذه العائلات تحكم الأمة الإسلامية كلها، آخرهم آل سعود، هذا هو! المُهِم ماذا قال؟ قال فلا تردوا علىّ شيئاً فأقتلكم -، فخطب الناس وأظهر أنهم قد بايعوه – وهو يكذب، مُعاوية يكذب، كذّاب! قال هؤلاء الأربعة بايعوني، يا كذّاب! لماذا تكذب؟ يكذب عليهم وإذا تكلَّم أحدهم ستُقَص رأيه – ليزيد، فسكت القوم ولم يُقِروا ولم يُنكِروا خوفاً منه.
أنبأنا أبو عبد الله يحي بن الحسن بن البنا، قال ثنا أبي، قال ثنا عليّ بن محمد المعدّل، قال ثنا دعلج بن أحمد، قال ثنا محمد بن عليّ الصايغ، ثنا ابن أبي عمر، قال ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال لما بايع مُعاوية لابنه يزيد بعث بيعته إلى المدينة، فخرج عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزُبير وعبد الرحمن بن أبي بكر إلى مكة، فلما بلغ ذلك مُعاوية خرج يُريد العُمرة، حتى قدم – أي مكة – فدعاهم، ثم رقيَ المنبر فعذرهم، وأخبر الناس أنهم قد بايعوا، فقام ناس من أهل الشام، فقالوا أتأذن لنا فنضرب أعناقهم؟ قال لا أسمعن هذه المقالة منكم.
هؤلاء مُجرِمون، عنده مُجرِمون، عنده جيش مُجرِم، الذين فعلوا بأهل المدينة وأهل مكة ما فعلوا هم الذين فعلوا أيضاً بالحُسين وأهل بيته، جيش مُجرِم، من المُجرِمين القتلة، لا يعرفون الفرق بين الناقة والجمل، هؤلاء مُجرِمون! وكان يعتقد أهل الشام طبعاً الذين تبعوا مُعاوية أن مَن أهل البيت؟ مُعاوية وجماعته، وأن عليّاً وأولاده هؤلاء ملعونون أو ضد الإسلام وضد الرسول وضد محمد، شيئ غريب! أي أن هذا غسل دماغ كامل، هذا كان شغل مُعاوية!
فصل: فلما دخلت سنة ستين – التي مات فيها مُعاوية – أخذ مُعاوية على الوفد الذين وفدوا عليه مع عُبيد الله بن زياد البيعة لابنه يزيد، وعهد إلى يزيد حين مرض فقال يا بُني إني قد وطأت الأشياء وذلَّلت لك الأعداء، وإني لا أتخوَّف عليك أن يُنازِعك هذا الأمر إلا أربعة نفر، الحُسين بن عليّ وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزُبير وعبد الرحمن بن أبي بكر، فأما عبد الله بن عمر فرجل قد وقذته العبادة – ما معنى وقذته؟ أي صرعته، حياته في الصلاة والصيام والقيام، فلن ينفعه هذا – وإذا لم يبق أحد غيره تابعك – إذا الأخرون بايعوا فهو سيُبايع، لا تخف -، وأما الحُسين بن عليّ فإن أهل العراق لن يدعوه حتى يُخرِجوه، فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه، فإن له رحماً ماسة – إذا هذه ثبتت عن مُعاوية فهذه من حسناته على الأقل، هذه نصف حسنة لأنه استوصى بالحُسين خيراً، لم يأمره بقتله -، وإما ابن أبي بكر فليست له همة إلا في النساء واللهو، فإن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثلهم، وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد ويُراوِغك مُرواغة الثعلب فإذا أمكنته فُرصة وثب – وفعلاً هذا أكثر مَن غلَّبهم وجنَّنهم – فابن الزُبير – فارس عظيم هذا، هذا كان يحمل على خمسمائة فارس فينكشفوا من أمامه، جبّار! لم يكن سهلاً، كان ذكياً ومُحتالاً، عنده دهاء! الحُسين وعليّ ليس عندهم الدهاء هذا، الإمام عليّ بالذات لم يكن كذلك وأولاده مثله، هكذا مثل رسول الله، الرسول هكذا كان، سُبحان الله! هؤلاء العلويون يا أخي، لكن انظر إلى ابن عباس مثلاً، عنده دهاء، قال للإمام عليّ ابعثني إلى مُعاوية وأنا سأعقد له عُقدة في الوسط لا يستطيع حلها، سأُضيِّع لك إياه، هذا ابن عباس! قال له لست من دهائك ولا دهائه، قال له أنا لا أُحِب الأساليب هذه، الدهاء والمكر وما إلى ذلك لا يُحِبه، يستعين بالله دائماً وما إلى ذلك، والرسول كان هكذا، حُذيفة بن اليمان حين لم يأت إلى بدر قال ما منعنى أن أحضر بدراً إلا أنني خرجت أنا وأبو الحُسين فلقينا جماعة من المُشرِكين فأخذونا، فقالوا أتذهبون لنُصرة محمد؟ فقلنا لا، إنما نذهب لكذا وكذا، فلم يُطلِقونا حتى أخذوا علينا العهد ألا نُقاتِل مع محمد، ثم أطلقوهم! فماذا قال النبي؟ وفوا لهم بعهدهم والله حسبنا، انظر إلى هذه العظمة، هذا حديث صحيح، شيئ عجيب! هل نُوفي لكفّار أخرجوك والآن يتمالئون عليك وسوف تقوم معركة؟ قال نعم، إذا أعطيت عهداً لابد وأن تُوفي به، مُعاوية أعطى عهداً مكتوباً أمام المُسلِمين كلهم، قال من بعدي الخلافة للمُسلِمين شورى، وفي روايات للحسن، وقبل أن يموت سُم الحسن وصارت ليزيد، وبالقوة! ثم هدَّد الأربعة بضرب أعناقهم، أين هذا يا بابا؟ وأين قيم الإسلام؟ لذلك أنا أشعر بوجود نكبة كُبرى حين نُساوي بين مُعاوية وبين عمر بن الخطاب مثلاً، أهل السُنة عندهم عمر ومُعاوية! ما علاقة عمر بمُعاوية يا جماعة الخير؟ مُعاوية من أجل ابنه كما قلنا فعل كل ما فعل ووقع كل ما وقع باختياره السوء هذا، لكن عمر لم يُقدِّم فقط الحسن والحُسين وعليّاً، بل كان يجعل نفسه رقم خمسة في العطاء، كان يقول نحن بنو عدي رقم خمسة، نحن من سفلة الناس، لسنا بشيئ، الله أكبر! ما هذا؟ ومَن رقم واحد؟ آل الرسول، بنو هاشم، عليّ والعباس والجماعة هؤلاء وأولادهم، هؤلاء رقم واحد، ذات مرة ابنه عبد الله تزمَّر، لماذا تُعطي الحُسين أضعاف كذا وكذا؟ فقال له لا أم لك، وتعدل نفسك بالحُسين؟ قال له، مَن أنت؟ إنما أنت ابن عمر قال له، أنت ابن عمر! مَن أنا؟ لكن هذا ابن فاطمة الزهراء، أتضع نفسك مع الحُسين يا غبي؟ قال له، تخيَّل! عمر هذا، هذا عمر ولابد أن يفهم الشيعة الكلام هذا، أمس قلته وأمام إخوة طيبين من إخواننا الشيعة، قلت هذا! لابد أن يفهموا الكلام هذا لكي يُميِّزوا، لكن نحن أيضاً نحمل وزر عدم التمييز حين نجعلها كلها سيان، نحن أهل السُنة عندنا أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ والحسن والحُسين ومُعاوية وعبد الملك بن مروان، كلهم مع بعضهم! هذا غير صحيح، لابج أن نُميِّز وأن نُوضِّح إحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل، المُهِم قال له فابن الزُبير -، فإن هو فعل بك فقدرت عليه فقطِّعه إرباً إرباً – مع أن الزُبير بن العوّام حواري رسول الله وابن عمة رسول الله، هذا أبوه، لكن لا وزن لهذا -. وكان مُعاوية يقول لولا هواي في يزيد – ها هي – لأبصرت رُشدي – يعرف أنه أفسد الدنيا كلها لأنه يُحِب ابنه -.
فصل: فلما مات مُعاوية كان يزيد غائباً فقدم فبُويع له، فكتب إلى الوليد بن عُتبة – ذكرت هذا في الخُطبة السابقة – واليه على المدينة خُذ حُسيناً وعبد الله بن الزُبير وعبد الله بن عمر بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رُخصة – تخيَّل – حتى يُبايعوا، فبعث الوليد إلى مروان – وهو ابن الحكم – حتى دعاه واستشاره، فقال أرى – انظر إلى هذا ما شاء الله، مُستشاره مروان بن الحكم، الذي قتل مَن هذا؟ طلحة بن عُبيد الله، أحد العشرة المُبشَّرين، أليس كذلك؟ قتله! عليّ قال قتله؟ قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول بشِّروا قاتل طلحة بالنار، مَن الذي زوَّر كتاباً على سيدنا عثمان؟ قولوا لي مَن الذي زوَّر كتاباً على سيدنا عثمان؟ هذا مُهِم لكي نقرأ التاريخ يا إخواني ونفهم ما الذي يحدث، وفد مصر أتى إلى عثمان، قالوا له نُنكِر عليك كذا وكذا وكذا وكذا، حميت الحمى، وغيَّرت القرآن قالوا له، لأنه جمعهم على مُصحَف واحد، قالوا له قرَّبت أقرباءك، ونحن نُنكِر عليك هذه الأشياء، بدأ يُجاوِب عن نفسه، فقالوا له على بركة الله، وعدهم بأن كل شيئ سوف ينصلح وإن شاء الله الأمور ستصير جيدة فعادوا فرحين، وقال عثمان ما رأيت وفداً أكرم من هذا الوفد، قال مُحترَمون وعقلاء وأُناس طيبون، في الطريق وهم عائدون إلى مصر تعرَّض لهم رجل فارس بين الحين والآخر، ظل يهرب ثم يتعرَّض، فقالوا هذا له شأن، لابد أن نقبض عليه، أخذوه فوجدوا معه كتاباً بختم عثمان يقول حين يأتي هذا الوفد خُذ رؤوسهم وقطِّعها، وفيهم محمد بن أبي بكر، أنه حياته! رجعوا وقالوا لا، هذا نقض العهد، فحل دمه وهذا كان سبب الفتنة، مَن الذي زوَّر الكتاب؟ مروان بن الحكم، وهذا الكتاب يُدافِع عن مُعاوية وعن بني أُمية، ابن حجر الهيثمي يُرسِلها إرسال المٌسلَّمات، الذي زوَّر الكتاب قال مروان بن الحكم، فلعنة الله على هذا البعيد، دمَّر الإسلام هذا، هذا يهودي بني أُمية الذي دمَّر كل شيئ والعياذ بالله منه، وهذا مُستشار! وطبعاً هذا والعياذ بالله منه جبّار الجبابرة وأبو الجبابرة الأربعة، عبد الملك وإخوانه ما شاء الله الذين أتوا بعده، أعني أولاده، هو هذا! مروان بن الحكم بن أبي العاصي، وحسبك من شر سماعه والعياذ بالله، انظر إلى الاسم، العاصي! – أن تبعث إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة فإن فعلوا وإلا ضربت أعناقهم – أرأيت؟ هذا الرجل كان فيه بعض الخير، فقال له لا، إنسان يُقابِل الله يوم القيامة بدم الحُسين خفيف الميزان عند الله، قال له لا أفعلها -. فدعى الحُسين فطلب منه أن يُبايع فقال ادع الناس وادعونا معهم، فإن مثلي لا يُبايع سراً – وأنتم تعرفون لماذا، لأن الحُسين كان يُريد أن يخرج، وخرج إلى مكة في ثاني يوم، أخذ ثقله وأهله ثم ذهب، إلا ابن الحنفية طبعاً -، وأما ابن عمر فقال إذا بايع الناس بايعت، ثم خرج ابن عمر إلى مكة – وابن الزُبير خرج إلى مكة أيضاً -، وأما ابن الزُبير فوعدهم الغد، وخرج من ليلته فتوجَّه نحو مكة، فبعث إليه أخوه عمرو بن الزُبير أن يزيد قد حلف ألا يقبل منك حتى يُؤتى بك في جامعة، فتعال أجعل في عنقك جامعة من فضة، فلم يلتفت إلى قوله.
فصل: وخرج الحُسين بأهله إلى مكة أيضاً، ووجَّه أهل الكوفة إلى الحُسين الرُسل والرسائل يسألونه القدوم عليه، وقالوا نحن معك مائة ألف.
قالوا له مائة ألف معك! وطبعاً أُحِب أن أقول شيئاً هنا، الكل الآن يُشقشِق ويتحذلق، ولِمَ لم يذهب الحُسين إلى اليمن فهذا كان أفضل له وابن عباس نصحه وما إلى ذلك؟ أنا أقول لكم – انتبهوا – بمنطق بسيط ومُقنِع جداً لو ذهب إلى اليمن – وطبعاً بنو أُمية لن يتركوه – لوقعت ملاحم أيضاً ولعله يُقتَل أيضاً ولعل شيئ أعظم يحدث، ماذا سيقول الناس؟ لو كان ذهب إلى العراق لكان أحسن له يا أخي، شيعة أبيه في العراق، ومائة ألف بعثوا إليه، لِمَ يترك مائة ألف رجل ويذهب إلى اليمن؟ هذا كان خطأ في التقدير منه، أليس كذلك؟ هذا ادّعاء الحكمة بأثر رجعي والتفلسف الذي عندنا، ندّعي مثل هذا نحن، معروف أننا أكثر مَن يتكلَّم في التاريخ بهذه الحكمة الزائفة الفارغة، انتهى! وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً ۩، هذا الذي حصل، وهو ما قدَّر أنهم يقدرونه ولا أن ما حصل سيحصل، لكن هذا ما حصل، ربك يُريد شيئاً، لا إله إلا هو!
أخبرنا ابن ناصر – سند طويل جداً -، قال أنبأ أبو محمد بن السراج، قال أنبأ أبو طاهر محمد بن عليّ العلاف، قال أنبأ أبو الحُسين ابن أخي ميمي، قال ثنا أبو عليّ بن صفوان، قال ثنا أبو بكر بن أبي الدُنيا، قال ثنا محمد بن صالح القرشي، قال ثنا عليّ بن محمد القرشي، عن يونس بن أبي إسحاق، قال لما بلغ أهل الكوفة نزول الحُسين بمكة وأنه لم يُبايع ليزيد بن مُعاوية خرج منهم وفد إليه، وكتب إليه سُليمان بن صرد – هذا سيصير بعد ذلك رئيس حركة التوّابين، طبعاً قتل الحُسين لم يذهب هدراً، قتل الحُسين كان السبب الأعظم ولن نقول الأوحد لزوال دولة بني أُمية وهذا معروف، حركات التوّابين وحركات ثارات الحُسين والمُختار بن أبي عُبيد كلها بسبب دم الحُسين والحمد لله، لم ير التاريخ رجلاً يُقتَل ويُسبِّب مقتله زوال دولة إلا الحُسين بالطريقة هذه بفضل الله، لم يذهب قتله هكذا هدراً، كيف يذهب هدراً؟ بالعكس! كان أكبر نقمة على بني أُمية قتله عليه السلام -، والمُسيب بن نجبة، ووجوه أهل الكوفة يدعونه إلى بيعته وخلع يزيد، وقالوا إنا تركنا الناس مُتطلِّعة أنفسهم إليك وقد رجونا أن يجمعنا الله بك على الحق وأن ينفي عنهم بك ما هم فيه من الجور، فأنتم أولى بالأمر من يزيد الذي غصب الأمة فيئها وقتل خيارها، فدعا الحُسين عليه السلام مُسلِم بن عقيل وقال له اشخص إلى أهل الكوفة، فإن رأيت منهم اجتماعاً فاكتب إلىّ – أي إذا رأيتم مُجتمِعين علىّ فعلاً وما إلى ذلك فاكتب إلىّ -.
قال أهل السير لما بعث الحُسين مُسلِم بن عقيل – ابن عمه طبعاً، عقيل بن أبي طالب – بلغ الخبر إلى يزيد فولى الكوفة عُبيد الله بن زياد – أين كان هذا القرد؟ على البصرة، قال له جمعت لك الكوفة أيضاً، فترك أخاه عُثمان بن زياد عليها وذهب إلى الكوفة -، وكتب إليه يزيد إن الحُسين قد توجَّه إلى العراق فضع المناظر – أي الجواسيس، كانوا يُسمونهم المناظر، أي الــ Spies – والمسالح واحترس واحبس على الظنة وخُذ على التهمة – أي مَن تظن فيه احبسه، مَن تتهمه أنه حياته، عكس ما قال النُعمان بن بشير، قال لا، أنا لا آخذ بالظنة ولا على التُهمة -.
وكتب مُسلِم بن عقيل إلى الحُسين قد بايعني ثمانية عشر ألفاً فعجِّل القدوم – يا أخي واضحة الأمور، صارت مُهيأة -، فسار الحُسين نحو الكوفة، وأخذ عُبيد الله بن زياد مُسلِم بن عقيل فقتله، وكان الحُسين قد وجَّه قيس بن مسهر إلى مُسلِم بن عقيل قبل أن يبلغه قتله فأخذه عُبيد الله بن زياد – أخذ ابن مسهر هذا – وقال له قُم في الناس فاشتم الكذّاب ابن الكذّاب – لعنة الله على هذا البعيد، لعنة الله على عُبيد الله بن زياد، ابن الزنا، ابن الحرام هذا، النغل هذا، الحُسين كذّاب ابن كذّاب؟ لعنة الله على هذا البعيد، انظروا ماذا قال، قال فاشتم الكذّاب ابن الكذّاب -، يعني الحُسين، فصعد قيس بن مسهر المنبر فقال أيها الناس – لذلك الحُسين قال ما علمت أصحاباً خيراً من أصحابي ولا أوفى من أصحابي، فعلاً هؤلاء الجماعة الذين كانوا معي أعظم أنصار، وقد استُشهِدوا معه، أعظم أنصار وأعظم أعوان، رضوان الله عليهم أجمعين، وهذا واحد منهم يا أخي، رجال فعلاً، ويعرف أن الموت الأحمر هناك – إني تركت الحُسين بالحاجر – وادٍ هذا – وأنا رسوله إليكم وقد جاء لينصركم، فأمر به عُبيد الله وطُرِح من فوق القصر فمات.
فوصل الخبر إلى الحُسين بقتل مُسلِم بن عقيل فهم أن يرجع وكان معه….
الرجوع هذا كله معروف، دعونا منه! وهناك حديث عن العدد وما إلى ذلك.
ثم إن عُبيد الله بن زياد ولى عمر بن سعد – أي عمر بن سعد بن أبي وقاص – قتال الحُسين – وضعه على الجيش، في الأول طبعاً رفض عمر بن سعد، وطبعاً تستغرب لأن يقول أكثر المُحدِّثين عندنا عمر بن سعد ثقة، يُروى عنه! ثقة ماذا؟ ويقول العلّامة المقبلي في العلم الشامخ كيف يكون ثقة مَن قتل الحُسين؟ ثقة ماذا؟ هذا كلام فارغ، ما هذا الهراء؟ ما هذا يا أخي؟ طبعاً هذا بناءً على أن العدالة تتجزأ، فعلينا أن نُعيد النظر في كل مفاهيمنا، نحن دائماً نُشقشِق ونُردِّد أن الفضائل لا تتجزأ، لا يُمكِن أن يكون أحدهم مُجرِماً وسفّاكاً للدماء ويكون ثقة لا يكذب، يتورَّع عن الكذب! كذب ماذا؟ والله يكذب على رب العالمين هذا وليس عن الرسول، أُقسِم بالله يكذب على رب العالمين إذا تعلَّق الأمر بإيالة أو إمارة أو رغب أو رهب، ها هو من أجل الراية وما إلى ذلك قتل الحُسين، لم يقتصر الأمر على أنه كذب فقط والعياذ بالله يا أخي، ومع ذلك قالوا ثقة، فليكن ثقة -، فقال له الحُسين إما أن تدعني فألحق بالثغور أو أنصرف من حيث جئت أو ألحق بيزيد – وهذه لا تصح عن الحُسين، أنه طلب هذا لا يصح، هذه الرواية مُستحيلة -. فكتب عمر إلى عُبيد الله بن زياد بذلك. فقال لا، ولا كرامة – انظر إلى القرد ابن القرد، هذا عُبيد الله بن زياد، ابن أبيه! غير معروف أصله، هذا الزنيم قال لا، ولا كرامة، لماذا؟ – حتى يضع يده في يدي – يُريد أن يأتي الحُسين إليه ثم يتنازل له ويُعطيه له أيضاً البيعة ليزيد طبعاً، كما قال الحُسين إن الدعي ابن الدعي قد ركَّز بين اثنتين، بين السلة أي الحرب وما إلى ذلك والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمُؤمِنون وحجورٌ طابت وطهرت، سماه الدعي ابن الدعي، قال الدعي ابن الدعي يُهدِّدني، إما الحرب أو تأتي إلىّ ذليلاً، لا قال، نعم للحرب وللموت، لكن لا للذلة، هذا الحُسين -، فإن أبى فقاتله، فإن قُتِل فأوطئ الخيل على صدره – وهذا القرد الثاني استجاب، عمر بن سعد فعل كل شيئ كما هو -، وأنشد:
الآن حين تعلقته حبالنا يرجو الخلاص ولات حين مناص.
يتهدَّد!
فقال الحُسين لا أضع يدي في يد عُبيد الله أبداً، وقال الحُسين لأصحابة تفرَّقوا في هذا الليل في السواد ودعوني – قال لهم اذهبوا، لا تتخلوا عنه -. فقالوا والله لن ندعك حتى يُصيبنا ما أصابك. فحالوا بينه وبين الماء، فقال يا قوم أيصلح لكم قتلي؟
العبارات مشهورة، فقال يا قوم أيصلح لكم قتلي؟ إلى آخره، بعد ذلك يُريد أن يحكي ما قيل.
فقال شمر أنا أعبد الله على حرف – لعنة الله عليه – إن كنت أدري ما تقول – الحُسين قال لهم أيحل لكم قتلي؟ أنا ابن بنت نبيكم، أنا كذا وكذا وكذا، أنا أبي كذا، شمر بن ذي الجوشن لعنة الله عليه المشهور أنه الذي احتز رأسه ويُقال غيره طبعاً، قال له أنا البعيد أعبد الله على حرف إن كنت أفهم ما تقول، لعنة الله على هذا البعيد، البعيد حمار، (ملحوظة) استفتسر أحد الحضور عن مغزى قوله أنا أعبد الله على حرف إن كنت أدري ما تقول، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم كأنه مُنافِق، أنتم السوريون تقولون يبريني من ديني، أستغفر الله العظيم، أنتم تقولون يبريني من ديني عندكم في الشام، فكأنه يقول هذا، أي كأنه يقول أنا البعيد كافر أو لا أعبد الله إذا كنت أفهم ما تقول، هذا يعني أنني لا أفهم ماذا تقول، والعياذ بالله -!
وكان عمر بن سعد أول مَن رمى بسهم نحو عسكر الحُسين – هو الذي بدأ المعركة، عمر بن سعد بن أبي وقاص، هذا كلام يُبكي، حين تقرأه وحدك تتأثَّر جداً جداً، تقول نسأل الله أن يحفظ علينا إيماننا وقلوبنا، والله العظيم لا يعصمك لا نسبك ولا مَن أبوك، أبوك قد يكون سعد بن أبي وقاص، رضوان الله عن سعد يا أخي، سعد صحابي جليل مُستجاب الدعوة، انظر كيف كان ابنه، أليس كذلك؟ هذه مُصيبة كُبرى، فالإنسان دائماً يتحوَّط لإيمانه ودينه، ودائماً والله العظيم يلهج إلى الله تبارك وتعالى بل يجأر جأراً حتى يُحسِن الله ختامه ويحفظ إيمانه، مسألة مُخيفة، يُمكِن أن يُفتَن الإنسان في لحظة -، فخرج عليّ بن الحُسين – مَن عليّ بن الحُسين؟ الأكبر هذا، الذي استُشهِد طبعاً، كان عمره ثماني عشر سنة، أي في شرخ الشباب، وهناك عليّ الأصغر وهو زين العابدين، لكن عليّ الأكبر هذا استُشهِد طبعاً وكان شاباً – يُقاتِل ويقول أنا عليّ بن الحُسين بن عليّ، نحن وبيت الله أولى بالنبي من شمر وعمر وابن الدعي – وهو عُبيد الله بن زياد، الدعي ابن الدعي -.
فطعنه رجل فقتله، وهذا هو عليّ الأكبر، وجاء صبي من أولاد الحُسين فجلس في حجره فرماه رجل منهم بسهم فوقع الصبي ميتاً، وطلب الحُسين ماءً يشربه، فجئ بماء فهم أن يشربه فرماه حُصين بن تميم – لعنة الله عليه – بسهم فوقع في فيه، فجعل يتلقى الدم بيده – أنت تخيَّل الآن رجلاً تُحِبه، نفترض مثلاً أن هناك عالماً جليلاً أو رجلاً صالحاً في بلدك أو في قريتك أنت تعرفه وتُحِبه وتحترمه وهو إنسان مُمتاز، تخيَّل أن يقع له شيئ مثل هذا، تحتوشه ذئاب البشر المُجرِمون، هذا يضرب وهذا يطعن، أنت يُمكِن أن تُجَن، تخيَّل هذا في أبيك مثلاً لو كان أبوك رجلاً صالحاً أو في أخيك الأكبر أو في غيرهما, إلى آخره! فكيف والذي فُعِل به هذا الحُسين ابن رسول الله؟ والله أنا أمس صار هذا المشهد كأنه أمامي، ويشهد الله علىّ، أُقسِم بالله في مُنتصَف الليل، ربما الساعة الثالثة أو الساعة الثانية والنصف، لأول مرة هذا المشهد صار كأنه أمامي حقيقةً وكدت أُجَن، رغبت إلى الله أن يحفظ علىّ عقلي، أُقسِم بالله! صرت في حالة غريبة، لأول مرة في حياتي، كأن الحُسين أمامي بلحيته وجسمه، كله فعلاً رسول الله نفسه يا أخي، ويُفعَل به ما يُفعَل هذا، شيئ فظيع، أفظع مما كنت أتخيَّل، كم سنة أقرأ وأحكي وأصرخ! ما تخيَّلته كما حصل معي بالأمس، هذا كان شيئاً مُخيفاً، لم يكن شيئاً عادياً، فعلاً هذا شيئ رهيب، كابوس رهيب جداً جداً، هذا كابوس! ولو حاولت أن تستحضره لشعرت أنك تستحضر أكبر كابوس في تاريخ أمتك، ليس مُجرَّد قتل، وبعض الناس للأسف يُحاوِلون أن يُبسِّطوه، يقولون الرجل خرج يا أخي وقاتله الناس وقُتِل، كأن أنت وأنا مَن قُتِل، كأن عدنان ومحمد وسعيد! مَن الذي قُتِل يا جماعة هذا؟ مَن؟ وفي أي سن كان؟ رجل عمره أربع وخمسين سنة، لا تظنوا أن الحُسين كان شاباً صغيراً أو ولداً صغيراً، وصل عمره إلى الرابعة والخمسين، رجل! كان إمام المُسلِمين، عمره أربع وخمسين سنة، شيخ كبير وقور، كان أفضل أولياء الله في عصره، بقية آل محمد، الله أكبر يا أخي، أيُفعَل به هكذا؟ الله أكبر يا أخي -، ثم قُتل أهل بيت الحُسين وأصحابه وبقيَ وحيداً من الرجال، فدافع عن نفسه فضربه زرعة بن شريك – لعنة الله عليه – على كتفه، وضربه آخر على عاتقه، وحمل عليه سنان – هذا في رواية، ليس شمراً، قالوا سنان – بن أنس فطعنه بالرمح في ترقوته ثم في صدره، فوقع فنزل إليه فذبحه وحز رأسه!
ما هذا يا أخي؟ والله العظيم لا يفعل هذا مُسلِم، والله العظيم! أهذا مُسلِم؟
وقيل بل حز رأسه خولي بن يزيد – والمشهور أنه شمر بن ذي الجوشن لعنة الله على هذا الكلب الأبقع -، ووجدوا به ثلاثاً وثلاثين جراحة – طبعاً هو كان آخر الشهداء، لأنه كان كالأسد الهصور وكان مُعظَم الجيش يتحاماه، لا يُحِبون، كل واحد لا يُحِب أن يذهب لكي يقتله، لا يُريدون هذا، حتى جاء أشقاها والعياذ بالله سواء هذا أو هذا أو شمر، أشقاها! إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ۩، ففعل ما فعل، لعنة الله على أشقاهم -، ووجدوا في ثوبه مائة وبضعة عشر خرقاً من السهام – تخيَّل، أي حوالي مائة وعشرين سهم ضُرِبَت عليه، ونزعوا عنه ملابسه أيضاً! أوغاد وكلاب هؤلاء -، ثم انتهبوا ثيابه وثقله، فأخذ سيفه القلافس النهشي، وأخذ سراويله بحر بن كعب التميمي – سراويله! لعنة الله عليهم – وتركه مُجرَّداً – تخيَّلوا، هذه أمة محمد، ولا يزال هناك ما هو أزيد، يتحدَّثون كأن شيئ بسيط الذي صار -! وأخذ قطيفته قيس بن الأشعث، وأخذ عمامته جابر بن زيد، وأخذ آخر ملحفة فاطمة بنت الحُسين – ابنته، كان عنده ملحفة يتلحَّف بها، أخذها -، وأخذ آخر حُليها، ثم نادى عمر بن سعد مَن جاء برأس فله ألف درهم – لعنة الله على عمر بن سعد، قال ابدأوا حزوا الرأوس، تخيَّل! الشهداء، اقطعوا الرؤوس، مَن يأتي برأس له ألف درهم، الله أكبر يا أخي، شيئ لا يُصدَّق -. ثم قال عمر بن سعد مَن يُوطئ فرسه صدر الحُسين؟ – سيُعطيهم جائزة طبعاً – فانتدب أقوام بخيولهم حتى رضوا ظهره – الخيل كانت تذهب وتجيء عليه، شيئ لا يُصدَّق! المسألة ليست مسألة أن إنساناً أتى لكي يُنازِع حاكماً ظالماً فأنهوا حياته، لا! مسألة أحقاد وغل وغيظ، وأنا أقول لك وحقد شديد جداً جداً على رسول الله، أُقسِم بالله! ليس على الحُسين، وإنما على جده وعلى الإسلام من أيام بدر، مسألة حقد يا جماعة، أنتم قتلتموه فاتركوه، بالعكس! عزِّزوه واكرموه وادفنوه وصلوا عليه وابكوا، لا! تجريد وذبح وقتل وقطع رؤوس، وسوف ترون ما هو أزيد فيما بعد، ضرب في الأسنان وما إلى ذلك، سوف ترون! هناك حقد، ولا يزال هناك مَن يتوقَّف, أنا الآن مُتأكِّد كل واحد فيكم يقول في قلبه مَن يتوقَّف عنه لعنه ربما يكون ملعوناً، هذا شيئ مُخيف، الموضوع مُخيف هنا، أتقرأ هذا وتعرف هذا ولا تزال تتردد في لعن يزيد؟ هل مكسور خاطرك من أجل يزيد ما شاء الله عليك؟ أين الإسلام الذي عندك إذن؟ أين الإيمان بصراحة؟ أين حُب الرسول في قلبك؟ أُريد أن أفهم -. وبعث عمر بن سعد – لعنة الله على هذا البعيد ورضيَ الله عن أبيه – برأسه إلى عُبيد بن زياد، وحمل النساء والصبيان – بنات رسول الله طبعاً -، فلما مروا بالقتلى صاحت زينب بنت عليّ – زينب الكُبرى أخت الحُسين – يا محمداه، هذا حُسين بالعراء مُرمَّل بالدماء، مُقطَّع الأعضاء، يا محمداه، وبناتك سبايا، وذُريتك قتلى، تسفي عليهم الصبا. قال الراوي فما بقيَ صديق ولا عدو إلا بكى – حتى الأعداء صاروا يبكون، بنت الرسول تنحب وتنوح -، ثم أمر عُبيد الله أن يُنصَب رأس الحُسين بعد أن طيف به بالكوفة، قال زر بن حُبيش أول رأس رُفِعَ على خشبة في الإسلام رأس الحُسين بن عليّ.
قال كذا: انبأنا ابن الحُصين – تحويل في السند -، قال أنبأ ابن المذهب، قال ثنا أحمد بن جعفر، قال ثنا عبد الله بن أحمد، قال ثنا أبي. وأخبرنا يحي بن ثابت بن بندار، قال ثنا أبي، قال ثنا أبو بكر البرقاني، قال ثنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، قال ثنا عمران، قال ثنا عثمان بن أبي شيبه، قال حدَّثنا حُسين بن محمد، قال ثنا جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك، قال أُتيَ عُبيد الله بن زياد برأس الحُسين، فجُعِل في طست، فجَعَل ينكت عليه، وقال في حُسنه شيئاً – ربما لا يُعجِبه جماله، انظروا إلى القرد الزنيم، هذا زنيم، ابن حرام! ولا يفعل هذا إلا ابن الحرام، وما أدرانا أن يكون ابن يزيد ابن حرام؟ لأن أمه مسيحية كانت، وهي ميسون بنت بحدل، الله أعلم! ويُقال كان بينها وبين سرجون علاقة، كان هناك حُب، ما يُدرينا ألا يكون ابن مُعاوية ويكون ابن سرجون؟ لعل هذا يكون ابن سرجون، ما يُدريني يا حبيبي؟ لأن لا يفعل هذا فعلاً إلا ابن الحرام بصراحة -. فقال أنس إنه كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم – قال له أتتكلَّم في جماله؟ لا يُعجِبه جماله، قال له هذا كان أشبه الناس بالرسول، (ملحوظة) سأل أحد الحضور مَن هو أنس؟ فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أنس بن مالك، أنس بن مالك الصحابي، والحديث أيضاً أخرجه البخاري، في الصحيح هذا – وكان مخضوباً بالوسمة. أخرجه البخاري.
أخبرنا ابن ناصر، قال ثنا ابن السراج، قال ثنا أبو طاهر محمد بن عليّ العلاف، قال ثنا أبو الحُسين ابن أخي ميمي، قال ثنا الحُسين بن صفوان، قال ثنا أبو بكر بن أبي الدُنيا، قال ثنا عليّ بن مُسلِم، قال ثنا سُليمان بن حرب، قال ثنا حمّاد بن زياد، عن عليّ بن زيد، عن أنس بن مالك، قال شهدت ابن زياد حين أتى برأس الحُسين فجعل ينكت بقضيب في يده على أسنانه – يخبط على أسنانه -، ويقول إنه كان لحسن الثغر – كان فمه حلواً قال، جيد قال، لعنة الله عليه -، فقلت – أنس يقول – أما والله لأسوئنك، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّل موضع قضيبك من فيه.
أتخُبِّط على أسنانه؟ النبي كان يُقبِّل أسنانه وأنت تُخبِّط عليهن، لا والله، ساءه كثيراً! هل تظنون أنه ساءه هكذا؟ أنت تتكلَّم مع قرد، تتكلَّم مع ابن حرام، لا يسوءه أي شيئ، لو كان يسوءه لساءه قتل الحُسين نفسه وقطع رأسه يا أخي، أليس كذلك؟ مَن هؤلاء المُجرِمون يا أخي؟ ما هذه الأمة يا أخي؟
المُهِم أن بالسند هنا إنكار الصحابي الكبير زيد بن أرقم على ابن مرجانة، وهو مَن؟ عُبيد الله بن زياد، هذه مرجانة المجوسية، وبالسند المُتقدِّم قال ابن أبي الدنيا، وثنا عبد الرحمن بن صالح العتكي، قال ثنا مهدي بن ميمون، عن حرام بن عثمان الأنصاري، عن سعيد بن ثابت، عن مرداس، عن أبيه، عن سعيد بن معاذ وعمرو بن سهل، أنهما حضرا عُبيد الله بن زياد حين يجعل يضرب بقضيبه أنف الحُسين وعينيه ويطعن به في فمه، فقال له زيد بن أرقم ارفع قضيبك إني رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واضعاً شفتيه على موضع قضيبك. فقال له ابن مرجانة إنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك – يقول هذا لزيد بن أرقم، زيد بن أرقم هذا هو راوي حديث تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي، هو هذا، (ملحوظة) طرح أحد الحضور سؤالاً فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هذا سؤال ثانٍ دعنا منه الآن، وسوف أُعقِّب عليه -. فقال زيد أحدِّثك حديثاً هو أغلظ عليك من هذا، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعد حسناً على فخذه اليمنى وحُسيناً على فخذه اليسري، ثم وضع يده على يافوخ كل واحد منهما، ثم قال اللهم إني أستودعك إياهما وصالح المُؤمِنين، فكيف كانت وديعتك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
يُوجَد خطأ هنا أكيد في الطباعة، أكيد كيف كان حفظك وديعة رسول الله صلى الله وعليه وسلم؟ حفظتها أنت اليوم! حفظت وديعة الرسول.
قدوم زبانية بني أُمية برأس ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الكوفة وإحضارهم رأس الحُسين وأهل بيته مجلس ابن مرجانة…. إلى آخره! بسند مُتقدِّم قال ابن أبي الدنيا وأخبرني أحمد بن عباد الحميري، عن هشام بن محمد، عن شيخ من الأزد، قال لما دخلت زبانية ابن بني أُمية برأس الحُسين وصبيانه وأخواته ونسائه على ابن زياد لبست زينب بنت عليّ رضيَ الله عنه – وهي الكُبرى – أردأ ثيابها وتنكَّرت وحفَّ بها النساء. فقال ابن زياد مَن هذه؟ فلم تُكلِّمه، فقال ذلك ثلاثاً، وفي كل ذلك لا تُكلِّمه، فقال بعض نسائه هذه زينب ابنة عليّ بن أبي طالب رضيَ الله تعالى عنه. فقال ابن زياد الحمد لله – لكي تعرفوا أن الرجل زنديق، مثل سيده يزيد، هؤلاء كُفار وزنادقة – الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم – يعتبر الإسلام قصة فُضحِت، لعنة الله على هذا البعيد، يا جماعة هذه كانت حركة ردة حقيقية، ربما تكون هذه الردة الكُبرى في الإسلام والتي لم نخرج منها إلى اليوم، لكنهم يُدافِعون عنها ويُزهِّرونها وما إلى ذلك -! فقالت زينب الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وطهَّرنا تطهيراً، لا ما تقول، إنما يُفتضَح الفاسق ويُكذَّب الفاجر. قال كيف رأيتِ صُنع الله بأهل بيتك؟ قالت كتب الله عليهم القتال، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتتحاكَمون عنده.
إلى ديّان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم.
وبالسند المُتقدِّم قال ابن أبي الدنيا، وثنا محمد بن صالح، قال ثنا عليّ بن محمد – شيخ من الأزد – عن سُليمان بن راشد، عن حميد بن مُسلِم، قال خطبنا عُبيد الله بن زياد، فقال الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله – الله أكبر -، ونصر أمير المُؤمِنين – يزيد طبعاً – وحزبه، وقتل الكّذاب ابن الكذّاب وشيعته – الله أكبر يا أخي -. فقام عبد الله بن عفيف الكندي – تعرفون أن الإمام عليّاً عليه السلام قال لإخوانه وشيعته إن أُكرِهتم على سبي فسبوني، أما البراءة مني فلا تبرأوا مني، فإني وُلِدت على الفطرة، إياك أن تبرأ مني، إذا برأت مني فيُمكِن أن تكفر، لدينا الإمام ابن أبي داود صاحب المصاحف، أتعرفون الإمام أبا داود السجستاني صاحب السُنن؟ عنده ابن، اسمه ابن أبي دواد، هل تعرفون ماذا كان يقول هذا المسكين؟ هذا كان مُتهَماً بالنصب، كان يُتهَم بأنه يكره عليّاً، كان يقول جعلت كل أحدٍ في حل إلا مَن نسبني إلى بُغض عليّ، من أكبر الكبائر أن تُبغِض عليّاً، كبيرة فظيعة جداً جداً، تلعب بدينك وتدل على نفاقك كما قلنا أمس، هذا نفاق حقيقي، إنه لعهد النبي الأُمي إلىّ، ألا يحبني إلا مُؤمِن ولا يُبغِضني إلا مُنافِق، انتبهوا! فهذا يقول الكذّاب، لا يكره فقط، يقول الكذّاب ابن الكذّاب، الله أكبر على هذا البعيد، المُهِم فقال عبد الله بن عفيف الكندي، كان هناك رجال أيضاً -، فقال يا ابن مرجانة، إن الكذّاب ابن الكذّاب أنت ومَن ولاك – أكيد قُتِل طبعاً لأنه رد عليه، هؤلاء رجال -.
ولما بلغ قتل الحُسين إلى الحسن البصري بكى حتى اختلع منكباه – صار يرتجف -! وقال واذلاه! لأمةٍ قتل ابن دعيها ابن نبيها – قال ضاعت الأمة هذه، ابن الزنا فيها يقتل ابن النبي، ضاعت الأمة هذه، ساكتة وجالسة، عادي! وتُدافِع إلى اليوم أيضاً، انتبه فهذا يحدث باسم السُنة والجماعة، نحن صرنا نخجل من الكلام هذا، بعض علمائنا يحكي الكلام هذا فصرنا نخجل -. وقال الربيع بن خثيم – خُثيم أو خَيثم، تابعي جليل هذا، من تَلاميذ ابن مسعود – لما بلغه قتل الحُسين عليه السلام لقد قتلوا صبية لو جاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من سفر لضمهم إليه – هكذا كان سيفعل مع أولاده -.
فصل: ثم دعا ابن زياد زُحر بن قيس فبعث معه برأس الحُسين ورؤوس أصحابه إلى يزيد، وجاء رسول من قبل يزيد فأمر عُبيد الله بن زياد أن يُرسل إليه بثقل الحُسين ومَن بقيَ من أهله.
بالإسناد أنبأ عبد الوهاب بن المُبارَك، قال أنبأ أبو الحسن بن عبد الجبار، قال أنبأ الحُسين بن عليّ الطناجيري، ثنا خالد بن خراش، قال ثنا حماد بن زيد، عن جميل بن مرة، عن أبي الوضي، قال نُحرت الإبل التي حُمل عليها رأس الحُسين – عليه السلام – وأصحابه فلم يستطيعوا أكلها، كانت لحومها أمر من الصبر.
فلما وصلت الرؤوس إلى يزيد جلس ودعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله، ثم وضع الرأس بين يديه، وجعل ينكت بالقضيب على فيه – أي مثله مثل تَلميذه -، ويقول:
يُفَلِّقْنَ هَاماً مِن رِجالٍ أَعِزَّةٍ علينا وهم كانُوا أَعَقَّ وأَظْلَمَا.
هل هم كانوا كانُوا أَعَقَّ وأَظْلَمَا؟
أخبرنا محمد بن ناصر، قال أخبرنا جعفر بن أحمد بن السراج، قال أخبرنا أبو طاهر محمد بن عليّ العلاف، قال أخبرنا أبو الحُسين ابن أخي ميمي، قال ثنا الحُسين بن صفوان، قال ثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا القرشي، قال ثنا محمد بن صالح، قال ثنا عليّ بن محمد، عن خالد بن يزيد بن بشر السكسكي، عن أبيه، عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، قال قُدِم برأس الحُسين فلما وُضِعَ بين يدي يزيد فضربه بقضيب كان في يده ثم قال – البيت المذكور سابقاً -:
يُفَلِّقْنَ هَاماً مِن رِجالٍ أَعِزَّةٍ علينا وهم كانُوا أَعَقَّ وأَظْلَمَا.
قال ابن أبي الدنيا، وثنا إبراهيم بن زياد، قال ثنا عبد العزيز بن عبد الله، ثنا عبد العزيز الدراوردي، عن حرام بن عثمان، عن أحد أبناء جابر الأنصاري، عن زيد بن أرقم، قال كنت عند يزيد بن مُعاوية، فأُتيَ برأس الحُسين بن عليّ فجعل ينكت بالخيزران على شفتيه، وهو يقول – البيت المذكور السابقاً -:
يُفَلِّقْنَ هَاماً مِن رِجالٍ أَعِزَّةٍ علينا وهم كانُوا أَعَقَّ وأَظْلَمَا.
فقلت له – أي زيد – ارفع عصاك. فقال يزيد ترابيٌ؟ – ينسبه إلى مَن؟ إلى أبي تراب، قال له هل أنت علوي؟ أتُحِب عليّاً وجماعته؟ هذه كانت أكبر تُهمة، مثل إرهابي اليوم، بل أكبر من إرهابي طبعاً، أنت اليوم قد تكون إرهابياً ويتركونك، لكن حين تكون تربياً تُقتَل مُباشَرةً، تخيَّل! أي أحد كان يُعرَف بحُب عليّ كان يُقتَل، مُجرِمون! – فقلت أشهد لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعاً حسناً على فخذه اليمني، وواضعاً حُسيناً على فخذه اليسرى – مثلما قال زيد -، وواضعاً يده اليمنى على رأس الحسن، وواضعاً يده اليسرى على رأس الحُسين، وهو يقول اللهم إني استودعكهما وصالح المُؤمِنين. فكيف كان حفظك يا يزيد وديعة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
قال ابن أبي الدنيا، وثنا أبو الوليد، قال ثنا خالد بن يزيد بن أسد، قال ثنا عمار الدهني، عن أبي جعفر – عليه السلام هو محمد الباقر، انظروا إلى ابن الجوزي -، قال وُضِعَ رأس الحُسين بين يدي يزيد وعنده أبو برزة – أبو برزة الأسلمي، الصحابي المشهور – فجعل ينكت ويقول – البيت المذكور سابقاً -:
يُفَلِّقْنَ هَاماً مِن رِجالٍ أَعِزَّةٍ علينا وهم كانُوا أَعَقَّ وأَظْلَمَا.
فقال أبو برزة ارفع قضيبك فوالله لربما رأيت فاه النبي صلى الله عليه وسلم على فيهه يلثمه.
قال ابن أبي الدنيا، وثنا سلمة بن شبيب، قال ثنا الحميدي، عن سُفيان، قال سمعت سالم بن أبي حفصة، يقول قال الحسن – الحسن البِصري – جعل يزيد بن مُعاوية يطعن في الرسول – أي موضع فم الرسول، مكان تقبيل النبيل، أي موضع فم الرسول صلى الله عليه وسلم – صلى الله عليه وسلم واذلاه – الحسن قال واذلاه، واذلاه لهذه الأمة، يُوجَد حقد -!
قال سُفيان وأُخبِرت أن الحسن في إثر هذا الكلام قال:
سمية أمسى نسلها عدد الحصى وبنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليس لها نسل.
هل تعرفون سُمية؟ التي زنى بها أبو سُفيان وأنجبت زياد ابن أبيه في القصة المشهورة طبعاً، وكانت امرأة ماخور، زنى بها وتركها، ولدت مَن؟ ولدت زياداً، ومَن الذي زنى بها طبعاً؟ أبو سُفيان، الذي زنى فيها أبو سُفيان، يُجَنون ويقولون كيف يقول هذا عن صحابي جليل؟ يا أخي لا أجلكم الله، صحابي قرد ماذا يا أخي؟ هذا كان مُشرِكاً كافراً، وظل يُحارِب الإسلام إلى آخر سنة، وفعل هذا في شركه، لم يفعله الرجل في إسلامه، لكنهم يُريدون أن يُدافِعوا عن أبي سُفيان أيضاً ما شاء الله لكي يُبيِّضوا صحيفته حتى وهو في الجاهلية، هذا ثابت عنه يا أخي ومعروف، بدليل أن الذي أثبته ليس نحن، مَن الذي أثبته؟ مُعاوية ابنه، ما لكم؟ مجانين، هؤلاء أناس مفصولون، يُدافِعون هنا ثم يرجعون ويقعون في شر ما قالوا، مُعاوية الذي قال هذا، قال زياد بن أبي سُفيان، لأن ثبت أن الذي زنى في هذه المرأة – أي سُمية – هو أبو سُفيان، قال هذا ابن أبي، فالبعيد ألحقه، ومعروف أنه ليس للفراش، سُمية هذه كانت امرأة ماخور، تنسب ابن زنا لأبيك لماذا؟ لأنه زنى بها، مُجرِم! مُجرِم مُعاوية ومُجرِم زياد – والعياذ بالله – ابن أبيه، فهذه سُمية! يا ما شاء الله، سُمية أتت بزياد وزياد أتى بعُبيد الله طبعاً، وهؤلاء يعيشون وأبناء الرسول يُقتَلون، الحسن البِصري يقول هذا!
سمية أمسى نسلها عدد الحصى وبنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليس لها نسل.
أنبأ عليّ بن عُبيد الله الزاغوني، قال أنبأ محمد بن أحمد الكاتب، قال أنبأ عبد الله بن أبي سعد الوراق، قال ثنا محمد بن حميد، قال ثنا محمد بن يحي الأحمري، قال ثنا ليث، عن مُجاهِد، قال جيء برأس الحُسين بن عليّ، فوُضِعَ بين يدي يزيد بن مُعاوية فتمثَّل بهذين البيتين:
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل.
فأهلوا واستهلوا فرحاً ثم قالوا لي بغيب لا تُشل.
هذا كلام ابن الزبعري والعياذ بالله، شيئ فظيع، هذا الذي قال الألوسي وغيره إذا كان قاله فقد كفر، انتهى! هذا يُريد أن ينتقم من رسول الله، يُريد أن ينتقم من يوم بدر.
قال مُجاهِد نافق فيها – أرأيت؟ نفاق عقيدة، هنا خرج من الإسلام هذا -، ثم واللهما بقيَ في عسكره أحد إلا تركه، أي عابه وذمه.
فصل: ثم دعى يزيد بعليّ بن الحُسين والصبيان والنساء، وقد أوثقوا بالحبال، فأدخلوا عليه، فقال عليّ بن الحُسين – هذا الأصغر وهو زين العابدين عليه السلام – يا يزيد؛ ما ظنك برسول الله صلى الله عليه وسلم لو رآنا مُقرنين بالحبال! ما كان يرق لنا! فقال يزيد يا علي؛ أبوك الذي قطع رحمي، ونازعني على سُلطاني، فصنع الله به ما رأيت – هذه جبرية بني أُمية، الله الذي صنع والله الذي فعل، الله الذي أخذ والله الذي أعطى، هو هكذا! جبرية أفسدوا بها عقيدتنا في القدر، أعني الأُمويين -! ودعى بالنساء والصبيان، فأجلسوا بين يديه. فقام رجل من أهل الشام – لعنة الله على هذا البعيد -ـ، فقال يا أمير المُؤمِنين، هب لي هذه – تخيَّل -! يعني فاطمة بنت عليّ، وكانت وضيئة. فأُرعِدت وظنت أنهم يفعلون، فأخذت بثياب أختها زينب، فقالت زينب كذبت؛ والله ما ذلك لك ولا له، فغضب يزيد لذلك، فقال كذبت، إن ذلك لي، ولو شئت أن أفعله لفعلت.
أنتم لستم أمام إنسان حتى عنده رجولة، تخيَّلوا! الرجل حتى ولو كان كافراً لا يفعل هذا – والله العظيم – يا جماعة، أُقسِم بالله أن من اليهود والإسرائيليين الصهاينة مَن هم أشرف من هؤلاء، ما رأيكم؟ والله العظيم، والله العظيم! يا أخي هذه بنت رسول الله، هذه بنت فاطمة، شيئ يُجنِّن! هذه بنت عليّ، كان عندنا بطل كمال أجسام في خان يونس وكان مطلوباً لأنه فدائي وما إلى ذلك، فجاء اليهود وأخذوه، وهو راكب في الجيب Jeep الخاص بهم ضربهم وكسَّرهم تكسيراً ثم خبط الباب فتكسَّر، كسَّر الباب الحديدي كله، ونزل يجري! بطل قوي جداً، بقية الجُند أرادوا أن يُطلِقوا الرصاص عليه، لكن الضابط رفض، قال لهم حرام هذا يُقتَل، قال لهم لماذا تقتلون هذا؟ سوف نأتي به ولن نطخه، أرأيتم؟ عنده رجولة، هذا الضابط اليهودي أقول له سلام عليك، عنده رجولة، ليس مثل هذا البطل الذي عنده عنفوان مَن يُقتَل برصاصة، لا! لماذا؟ تخيَّلوا، عنده شرف.
نحن جارتنا كانت عجوزاً، ربما كانت في الستين أو السبعين من عمرها، في الانتفاضة الأولى – كنت موجوداً في تلك الأيام – جاء الجُند وضربوا الباب فشَّج جبينها، جاء الضابط وجعل يسب ويلعن ويصرخ فيهم حتى صارت رؤوسهم في الأرض، كيف تفعلوا هذا بعجوز يا أوغاد ويا كذا؟ تخيَّل! لا يزال مِن الصهاينة مَن هم أشرف مِن يزيد ومِن جماعة يزيد، يا رجل ما الذي تفعله؟ غضب قال! فأنا ظني حتى أن هذا الرجل مُخنَّث، ليس عنده رجولة، اجعل عدوك رجلاً – حتى لو كان كافراً لكنه رجل – وأنا أقول لك سوف يُعامِلك برجولة، والله العظيم! أي سوف ينصفك برجولة، عدوي رجل!
سعيد زمان النورسي مُجدِّد ومُحيي الإسلام في تركيا الكمالية، هذا كان بينه وبين الموت قيد خُطوة، لماذا؟ جاء رئيس الجيش الروسي كله وهو ابن خال القيصر – ابن خاله مُباشَرةً – والكل قام إلا هو، كل الأسرى قاموا، كانوا أسرى نمساويين وألمان وأتراك! الكل قام، وهذا كان في الحرب العالمية الأولى، الكل قام إلا بديع الزمان لم يقم، طبعاً الضباط بدأوا يُشيرون إليه وقالوا له قم لكنه لم يقم، فجاء رئيس الجيش – انظر إلى هذا، هذا كان أعظم شخصية عسكرية في روسيا كلها – ووقف أمامه، قال له أنت من أين؟ قال له أنا من تركيا، قال له ما اسمك؟ قال له اسمي سعيد، قال له لماذا لم تقم؟ قال أنا ديني يمنعني أن أقم لك، قال له كيف؟ أي دين هذا؟ فقال له دين الإسلام، ديني يمنعني! قال له لماذا؟ هل تعلم مَن أنت؟ قال له أعلم، أنت أعظم شخصية عسكرية وأنت ابن خال القيصر، إهانة هذه للقيصر – قيصر روسيا – نفسه! قال له لماذا يمنعك؟ قال له الله يقول وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۩، أنا كمُؤمِن مُتمسِّك بديني – قال له – أرى أنني أعظم منك وأشرف منك، ومثلي لا يقوم لمثلك، قال هكذا إذن! قال هكذا إذن؟ قال له هكذا، قال له إذن المحكمة، محكمة عسكرية! عشر دقائق ويُضرَب بالرصاص، هذا فيه قتل! عقدوا له المحكمة العسكرية وقالوا هذه جريمة عقوبتها الإعدام رمياً بالرصاص، الآن في الساحة! هل تقبل التراجع؟ قال لهم لا أقبل التراجع، هذه عقيدتي، انظر إلى هذا الرجل، بديع الزمان رجل، هل رأيت كيف كان شكله؟ رجل! ثلاثون سنة في المنفى والعذاب والسجون ولم يعد، وأحيا به الله الإسلام، قمع أتاتورك Atatürk ودينه – والله العظيم – بالرجل هذا، رجل! أنت أمام رجل، رجل كالأسد يا أخي، هذا يُذكِّرني بالحُسين وبعليّ، تُوجَد رجولة هنا، أنت تحتاج إلى الرجولة، ليس كبعض مشايخ اليوم ومفاتي اليوم، حين نقول حتى أنهم كالنساء يكون هذا عيباً والله العظيم، سنُسيء إلى النساء، أُقسِم بالله! ولا صبيان ولا أوغاد ولا حقراء، ذباب وصراصير، فئران وأرانب هؤلاء، قال لهم لا، لا أرجع! وأنا قلت لكم لماذا لا أرجع، هذه عقيدتي، قالوا له هل أنت مُستعِد؟ قال لهم مُستعِد للموت طبعاً، عادي أن أموت، شيئ عجيب! لأنه يعتبر هذا جرحاً في الإسلام، كيف أكون مُسلِماً وأقوم لرجل كافر؟ لا أقوم له، يا إلهي! ما هذا الإنسان يا أخي؟ هذا بديع الزمان قدَّس الله سره، أصدروا حكم الإعدام وتحرَّك الرجل، جاء ابن خال القيصر نفسه وقال لا، أنا أُعلِن العفو عن هذا الرجل، وهذا يُكرَم ولا يُهان قال لهم، وأنت رجل – قال له – عظيم وكريم فعلاً، علَّمهم درساً يا أخي! هكذا لابد أن تكون الأمة، لابد أن تعتز بدينها يا أخي وبقرآنها وبهويتها، وليس بيزيد القرد، مَن أكرم عند الله: ابن خال قيصر روسيا الأرثوذوكسي هذا أم يزيد؟ أُقسِم بالله هذا أكرم، أُقسِم بالله هذا أرجل، أُقسِم بالله هذا إنسان أكثر، لكن هذا قرد، هذا حيوان، يقول إنه غضب! ما علاقتك بابنة عليّ؟ لكنه يقول إنه غضب، كيف لا أقدر؟ لا، أنا أقدر على أن أفعل، مثل النسوان هذا، مثل النسوان! أعني النسوان السيئة، هذا مثل هذه النسوان، قال لا، أقدر على أن أفعل، ولو أردت أن أفعله لفعلت، لعنة الله على هذا البعيد، لعنة الله عليه! لن نقول لعنة الله على أصله لكن لعنة الله عليه، لعن الله هذا البعيد يا أخي.
قالت كلا والله، ما جعل الله عز وجل ذلك لك إلا أن تخرج من مِلتنا وتدين بغير ديننا – اكفر قالت له، أعلن كفرك وبعد ذلك خُذنا أسارى، أما أن تزعم أنك مُسلِم وتضحك على الناس فهذا لا ينفع قالت له، لعنة الله عليه يا أخي -، ثم بعث بهم يزيد إلى المدينة المُنوَّرة وبعث برأس الحُسين إلى عمرو – أخي عمر – بن سعيد بن العاص وهو عامله على المدينة، فتناول عمرو الرأس فوضعه – انظر إلى هذا، قرود كلهم – بين يديه وأخذ بأرنبته – يلعبون، أمام لعبة هم أو دُمية -، ثم أمر به فكفن ودفن عند قبر أمه فاطمة – عليها السلام -. هكذا قال محمد بن سعد.
أخبرنا ابن ناصر، قال أنبأ أبو محمد بن السراج، قال أنبأ محمد، قال أنبأ أبو طاهر بن العلّاف، قال أنبأ ابن أخي ميمي، قال ثنا الحُسين بن صفوان، قال ثنا خالد بن يزيد، قال ثنا عمار الدهني، عن أبي جعفر، قال لما قدموا المدينة خرجت امرأة من بنات عبد المُطلَب ناشرةً شعرها واضعةً كمها على رأسها تلقاهم، وهي تقول:
ماذا تقولون إن قال النبي لكم ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم.
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم.
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي.
كانت تتحدَّث على لسان رسول الله!
وذكر ابن أبي الدنيا أنه لما بلغ أم سلمة – أتعرفون أم سلمة؟ أم المُؤمِنين رضوان الله عليها – رضيَ الله عنها قتل الحُسين، قالت أوفعلوا؟ ملأ الله قلوبهم وبيوتهم ناراً. ثم وقعت مغشياً عليها – كانت تُحِب الحُسين جداً جداً منذ كان صغيراً، أعني أم سلمة -.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال ثنا أحمد بن عليّ بن ثابت، قال ثنا ابن رزق، قال ثنا أبو بكر محمد بن عمر الحافظ، قال ثنا الفضل بن الحباب، قال ثنا محمد بن عبد الله الخزاعي، قال ثنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباسـ قال رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما يرى النائم نصف النهار أشعث أغبر، بيده قارورة! فقلت ما هذه القارورة يا رسول الله؟ قال دم الحُسين وأصحابه، ما زلت ألتقطه مُنذ اليوم – مُنذ صباح الله وأنا ألتقطته، هذا في الرؤيا -. قال ابن أبي عمار الراوي فنظرنا؛ فإذا هو في ذلك اليوم قُتِل – ابن عباس كان في مكة ورأى الرؤيا، فعلاً في يوم مقتل الحُسين كان هذا، رأى الرسول في المنام -.
قلت – يقول شيخ الإسلام ابن الجوزي – ليس العجب من فعل عمر بن سعد وعُبيد الله بن زياد بما صنعوا، وأتوا إلى أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الإجرام، إنما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب على ثنية الحُسين، وإعادته رأسه الشريف إلى المدينة، وقد تغيَّرت ريحه! لبلوغ الغرض الفاسد، أفيجوز أن يُفعَل هذا بالخوارج؟! أوليس في الشرع أنهم يُصلى عليهم ويُدفَنون؟!
وأما قوله لي أن أهبهم فأمر لا يقع لفاعله ومُعتقده إلا اللعنة – أي لا يجوز إلا اللعنة، حين قال أنا أقدر على أن أُعطي أُختك لهذا الشامي، قال مَن يفعل هذا ملعون، قال هذا ملعون، وقال لا يجوز إلا اللعن عليه، لعنة الله عليه -، ولو أنه احترم رأس الحُسين حين وصل إليه وصلى عليه ولم يتركه في طست ولم يضرب بقضيبه، ما الذي كان يضره وقد حصل مقصوده من القتل؟ – كما قلنا يُوجَد غل وما إلى ذلك، هو قُتِل وانتهى الأمر، وهؤلاء الأوغاد بعثوا الرأس، فاحترم على الأقل الرأس، لكن هذا غير موجود، لم يقتصر الأمر على أنهم قطعوا الرأس، فهم أهانوا الرأس أيضاً، وتم التنكيد والضرب عليها، ثم يقولون يزيد أخطأ، اجتهد فأخطأ! لا نسبه ولا نحبه، شيئ غريب، منطق عجيب، ماذا قال ابن الجوزي؟ – ولكن أحقاد جاهلية – فعلاً هذه هي، ابن الجوزي قال ولكن أحقاد جاهلية – ودليلها ما تقدَّم من شعر – شعر ابن الزبعري -:
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل.
المسألة فيها حقد على محمد وآل محمد يا حبيبي!
فصل: ولما دخلت سنة اثنتين وستين، ولى يزيد عثمان بن محمد بن أبي سُفيان المدينة، فبعث إلى يزيد وفداً من أهل المدينة….
(ملحوظة) المُحاضَرة غير مُكتمِلة للأسف الشديد.
أضف تعليق