الأخبار والآثار
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
نُكمِل كلام الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير، قال الشيخ أيضاً (فائدة) كانت وقعة الجمل في سنة ست وثلاثين وكانت وقعة صفين في ربيع الأول سنة سبع وثلاثين واستمرت ثلاثة أشهر – يقول ثلاثة أشهر وليس ثماني ساعات – وكانت النهروان في سنة ثمان وثلاثين، قوله ثبت أن أهل الجمل وصفين والنهروان بُغاة – هذا تصريح أم لا؟ تقولون عدنان يغمز الصحابة، تضحكون على الناس، كيف أغمز؟ لا أغمز وإنما أُصرِّح، أُصرِّح بالحقيقة وأقول طلحة والزُبير وعائشة بُغاة، قطع الله لسانك، هؤلاء بُغاة، كل علماء الامة يا أهبل قالوا هذا، لكن أنت لا تعرف، ماذا أفعل لك؟ أنت لا تعرف، تقول عدنان يغمز الصحابة، والناس يخافون، هل فعلاً يغمز؟ هل يقصد أن يقول أهل الجمل بُغاة؟ الجمل بُغاة وصفين بُغاة والنهروان بُغاة، ما المُشكِلة يا حبيبي؟ لكن الجمل يفترقون عن صفين، عندهم تأويل فعلاً ونواياهم حسنة وتابوا وأنابوا وبكوا وكفَّروا عن ذنوبهم، لكن مُعاوية لم يكن كذلك، زاد الطين بلة وزاد في الطنبور جحشاً وليس نغمةً، إذن يقول صاحب الأصل ثبت أن أهل الجمل وصفين والنهروان بُغاة، أي الإمام الرافعي، ماذا قال ابن حجر؟ – هو كما قال – الله أكبر، لم يقل له قطع الله لسانك يا رافعي، قال هو كما قال، أي بُغاة، وطبعاً هم بُغاة -، ويدل عليه حديث عليّ أُمِرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، رواه النسائي في الخصائص – ما المُراد بالخصائص؟ خصائص أمير المُؤمِنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، أي خصائص عليّ – والبزار والطبراني – طبعاً هو لم يتوسَّع في تخريجه، وأنا أقول لكم له شاهد من حديث أبي أيوب وشاهد آخر من حديث ابن مسعود، هذا اسمه الشاهد، عندك حديث عن عليّ، حديث عن ابن عباس وهذا شاهد، حديث عن عليّ يرويه فلان ويرويه فلان، هذا مُتابِع، أرأيتم؟ هذا اسمه المُتابِع، لكن ذاك اسمه الشاهد، هل هذا واضح؟ لكي نعرف فقط مُصطلَحات أهل الدراية -، والناكثين – قال والناكثين على الحكاية، لم يقل والناكثون على الاستئناف، لأن الإمام علياً قال أُمِرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فالكل كان منصوباً، لذا قال والناكثين، لا تقل لي هذا لحن من ابن حجر، فهو يقول هذا على الحكاية – أهل الجمل لأنهم نكثوا بيعته، والقاسطين أهل الشام لأنهم جاروا عن الحق – هذا واضح، قال جاروا – في عدم مُبايَعته – والقاسط ضد الصالح – والمارقين أهل النهروان لثبوت الخبر الصحيح فيهم أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وثبت في أهل الشام حديث عمّار تقتله الفئة الباغية وقد تقدَّم….. حكى عنه هنا كما قلت، لكن كل ما حكاه نحن ذكرناه بفضل الله.
روى البيهقي في كتاب الاعتقاد بإسناده المُتصِل إلى محمد بن إسحاق بن خُزيمة – هذا كان يُسمى إمام الأئمة – قال وكل مَن نازع أمير المُؤمِنين عليّ بن أبي طالب في إمارته فهو باغٍ – كل مَن نازعه بلا استثناء باغٍ، لا تقل لي جمل وغير جمل، الكل ينطبق عليه هذا -، على هذا عهدت مشايخنا وبه قال ابن إدريس.
مَن ابن إدريس؟ الشافعي، ابن خُزيمة شافعي، قال إمامنا يقول هذا، وأنا أقول لكم فائدة علمية، من أجل أن الإمام الشافعي قضى باسم البغي على مَن خالفوا عليّاً بما فيهم أهل الجمل وأهل الصفين غضب يحيى بن معين، غضب جداً، والشافعي كان يقول لولا قتال عليّ للبُغاة ما عرفنا كيف السيرة في قتال البُغاة، هذا يذكره كل فقهاء الشافعية، كلهم يذكرون هذا، ويروي عنه أقضى القضاة الماوردي في الحاوي أنه قال تعلَّمنا قتال المُشرِكين من رسول الله، قال تعلَّمنا السيرة أو كيف السيرة في قتال المُشرِكين من رسول الله، وتعلَّمنا كيف السيرة في قتال المُرتَدين من أبي بكر، انظر إلى هذا، سُبحان الله حكمة إلهية، ثم قال وكيف السيرة في قتال البُغاة أو الباغين من قتال عليّ لهم، فغضب يحيى بن معين، كيف يُوصَف صحابة ومُعاوية ومَن معهم بأنهم بُغاة؟ وطعن على الإمام الشافعي، هذا معروف، يحيى بن معين من الذين جرَّحوا الإمام الشافعي، أرأيتم؟ فلا تخافوا، أقول هذا لمَن يُحِبونني ولأحبابي وتلاميذي، سبوا عدنان، هذا عادي، لا يُوجَد طالب علم أو عالم إلا يُسَب ويُجرَّح من كبار وصغار، ويحيى بن معين إمام جليل جداً جداً ومن أوثق أئمة الجرح والتعديل، جرح الشافعي وطعن عليه، فالإمام أحمد غضب جداً، قال هو يتكلَّم في الشافعي؟ هو لا يعرف مَن الشافعي، هو هل يعرف مَن هو الشافعي وما علمه وما صلاحه وما إمامته ويتكلَّم فيه؟ ثم أن هناك رواية أُخرى عن الإمام أحمد بيَّنت سر طعن يحيى على الشافعي، طبعاً اللفظ الصحيح أن يُقال طعن عليه وليس فيه، يُقال طعن عليه، لأنه لم يضربه في جنبه وإنما في عِرضه، فيُقال طعن عليه، هل تعرفون ما هو السر؟ السر هو ذا، أنه تكلَّم في مسألة البغي، فماذا قا أحمد؟ قال نعم وهل كان للمُسلِمين في زمان عليّ إمام إلا عليّ؟ قال ما له يحيى بن معين؟ هل لا يفهم كيف تمشي الدنيا؟ طبعاً الإمام هو عليّ قال له، إذا كان قصده أن يطعن في الشافعي لأنه يستسلف قاعدة أو فهماً مغلوطاً يُفيد بأن عليّ لم يكن إماماً مُجمَعاً عليه فهو مُخطيء، أحمد قال أنا أقول بشكل واضح بالفم الملآن وبالضرس القاطع أن الإمام في زمان عليّ هو عليّ، فطبعاً بالضرورة كل مَن خرج عليه يُعتبَر باغياً، فيسكت ابن معين، كلامه كلام فارغ، يُصبِح هو المطعون عليه، أرأيتم؟ قال ابن خُزيمة هذا قال به ابن إدريس، قال كلهم بُغاة!
قال واعلم أن الشافعي أخذ مسائل البُغاة من قتال عليّ رضي الله عنه، ففي كتاب مناقب الشافعي للبيهقي – أبي بكر البيهقي – ما نصه: قال يحيى إني نظرت في كتابه – يعني الشافعي – في قتال أهل البغي فإذا قد احتج من أوله إلى آخره بعليّ بن أبي طالب.
الشافعي لما تكلَّم في قتال أهل البغي كانت الحُجة الوحيدة عنده عليّ عليّ عليّ عليّ عليّ، هو الذي علَّمنا، هو الذي علَّمك كيف تُقاتِل البُغاة!
قال وفي فتح الجواد بشرح الإرشاد لإبن حجر الهيتمي ما نصه: وقد قال الشافعي رضي الله عنه أخذت أحكام البُغاة من قتال علي لمُعاوية. علماً بأن هذا أحد الألفاظ، لكن اللفظ المشهور كيف السيرة في قتال البُغاة!
نأتي إلى الإمام المُفسِّر الفقيه والرجال الصالح القرطبي، الإمام القرطبي صاحب الجامع لأحكام القرآن وصاحب التذكرة، مُتوفى سنة إحدى وسبعين وستمائة في القرن السابع الهجري، في التذكرة ماذا يقول رحمة الله تعالى عليه؟ سوف نرى في أي صحيفة أولاً على كل حال، هنا له كلام جيد نقرأه لأنه مُناسِب للمقام، صحيفة مائتين وثماني وستين، الجُزء الثاني لأن الكتاب من جُزئين، هذا الجُزء الثاني، في صحيفة مائتين وثماني وستين يقول: فإن قيل فلم ترك علي القصاص من قتلة عثمان؟ فالجواب إنه لم يكن وليَ دم – هذا يعني أن عليّاً لم يكن وليَ دم، نقول وليَ ولا نقول وليُ، لأن هذه كان الناقصة وليست التامة، قال إنه لم يكن وليَ دم، أي عليّ لم يكن وليَ دم – وإنما كان أولياء الدم أولاد عثمان – المفروض وإنما كان أولياء دم أولاده، هكذا تكون الصياغة دقيقة، لأن أولاد عثمان كانوا أولياء الدم، انتبهوا إلى أن الإعراب يدور على المعنى، الإعراب فرع المعنى، لا تقل ما بعد كان اسمها دائماً، لابد أن تفهم بدقة، هذا جميل على كل حال – وهم جماعة: عمرو وكان أسن ولد عثمان – وهذا لا يُحِبه مُعاوية رغم أنه زوَّجه ابنته، يتجسَّس عليه وسوف ترون الرواية اليوم، ابنته رملة كانت تتجسَّس على زوجها لصالح أبيها دائماً، قال عنك كذا وكذا،لأن هذا غير محبوب، ولذلك أتى مُسرِف بن عُقبة بحسب وصية مُعاوية ليزيد، قال له وإن لك من أهل المدينة يوماً، فإن خرجوا عليك فارمهم بمُسلِم بن عُقبة، يقصد مُسلِم بن عُقبة المُري لعنة الله عليه، فرماهم به فاستباح المدينة ثلاثة أيام، ورأى مَن هناك؟ عمرو بن عثمان بن عفان، هذا الذي أهلكتم الدنيا من أجل المُطالَبة بدم أبيه، أليس كذلك؟ نتف لحيته، نتف لحيته كلها وهم بقتله، لكن لأن هذا ابن عثمان وسوف تحدث فضيحة وما إلى ذلك توقَّف، فقيل له مَن هذا؟ قال هذا الخبيث ابن الطيب، هذا عمرو بن عثمان بن عفان، لماذا إذن وهو ابنه؟ سوف نرى لماذا بعد ذلك، لأن هناك بعض الإشارات البسيطة أيضاً التي تدل على أن عثمان كان يُحِب أن يكون ابنه خليفة من بعده، ومن ثم سوف تُخرِّب عليه مشروعه كله، أي مشروع مُعاوية المُتعلِّق بالخلافة والمُلك، أرأيت؟ وهذا أُموي، هذا ابن عثمان نفسه ومع ذلك تُنتَف لحيته، التاريخ صعب، كما قلت لك إذا لم يكن لك مفروضة تفهم بها لن تفهم التاريخ، سوف تقرأ دون أن تفهم، سوف تُصبِح مُتحيِّراً وتقول ما الذي يحدث؟ أليس كذلك؟ سوف تكون في غماء، لكن ينبغي أن تفهم، كما تقول العامة أعطني طرف خيط فقط، أعطني فرضية Hypothesis أنطلق منها، هذه سوف تُفسِّر لك أشياء كثيرة لا تُفسَّر بذاتها، بالفرضية تُفسَّر بإذن الله -، وابان – المُحقِّق كتب وأبان وهذا خطأ، الصحيح ابان – وكان مُحدِّثاً فقيهاً وشهد الجمل مع عائشة والوليد بن عثمان وكان عنده مصحف عثمان الذي كان في حجره حين قتل – رضيَ الله عنه وأرضاه -، ومنهم الوليد بن عثمان، ذكر ابن قتيبة في المعارف أنه كان صاحب شارب وفتوة – هذا رجل آخر والعياذ بالله -، ومنهم سعيد بن عثمان وكان والياً لمُعاوية على خرسان، فهؤلاء بنو عثمان الحاضرون في ذلك الوقت وهم أولياء الدم دون غيرهم – الإشارة بغيرهم إلى مَن؟ إلى مُعاوية، لماذا أنت تدّعي أنك ولي الدم؟ أولاده موجودون يا حبيبي، أليس كذلك؟ وعلى كل حال أنا أقول لكم فائدة مُهِمة جداً جداً جداً بإجماع الفقهاء، نحن الآن في الإسلام، لسنا في عهد الشنفرة وتأبط شراً وامرئ القيس، لسنا في القبلية الجاهلية، بمعنى نحن الآن في الإسلام وهناك حكومة مركزية خلافية راشدية موجودة على رأسها إمام الهُدى والحق وهو الإمام عليّ عليه السلام، لا يُمكِن لأحد أن يأخذ بالثأر ويُطالِب بالثأر ويُجيِّش الجيوش، الأمر مُباشَرةً يُسنَد إلى مَن؟ إلى السُلطة الرسمية، هذا وضع جديد، لا يُمكِن غير هذا، مُعاوية أعادها جاهلية، وفعلاً جعلها جاهلية، بدأها جاهلية وأتمها أجهل من الجاهلية، الجاهلية ما رأينا فيها مثل هذا البلاء في دماء الناس وقتل الناس وما إلى ذلك كما رأيناه في أيام هذا الفاتح العظيم ابن أبي سُفيان، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، ثم أنه ليس ولياً للدم، أولياء الدم خمسة مُتوافِرون موجودون، أليس كذلك؟ من حقهم هم فقط أن يرفعوا دعوى عند الإمام عليّ وأن يُطالِبوا بدم أبيهم، لكن هو لم يُرِد هذا، هو من يوم يومه كما يُقال كان يقول إذا وُجِد أمر يتعلَّق بعثمان ائتوا إلى، فعليّ قال له ما شأنك وهذا يا كذا وسبه، قال له ما دخلك وهذا؟ عليّ شك في هذا، هذا الرجل يدّعي أنه يتكلَّم باسم عثمان، من أول يوم يفعل هذا، يوم بدأت المشاكل تحدث حول عثمان وما إلى ذلك بدأ يقول هذا، قال لهم بيدي كذا وكذا، إذا أردتم أن تطلبوا أي شيئ اطلبوه مني، قال له عليّ لماذا؟ ما دخلك وهذا لا أم لك؟ قال له اترك أمي، أمي كانت طيبة، المُهِم سنرى هذا -، و لم يتحاكم إلى علي أحدٌ منهم – مَن الشيعي الذي يتكلَّم هنا؟ القرطبي، سوف يقولون لك هذه نبرة شيعية لأنه يدافع عن عليّ، لا، هذا الإمام القرطبي صاحب التفسير الشهير – ولا نُقِل ذلك عنهم، فلو تحاكموا إليه لحكم بينهم – لماذا إذن؟ – إذ كان أقضى الصحابة – هل يُوجَد مَن هو أقضى من عليّ؟ عليّ أقضى الصحابة، وهذا قضاء، هذه مسائل قضائية، كان ينبغي أن يتحاكموا عند أقضى الصحابة، لكن لم يفعل أحد هذا وخرج لهم ابن هند وقال لا، أنا ولي الدم وأنا كذا وكذا، وكان يكذب ويأتي بشهود يكذبون على الناس، إِنَّا لِلّهِ ۩ – للحديث المروي فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجواب ثان: أنه لم يكن في الدار عدلان يشهدان على قاتل عثمان بعينه، فلم يكن له أن يقتل بمُجرَّد دعوى في قاتل بعينه ولا إلى الحاكم في سبيل ذلك مع سكوت أولياء الدم عن طلب حقهم، ففي تركهم له أوضح دليل – أرأيتم؟ لأن أولياء الدم لا يعرفون مَن الذي قتل، وهذا فعلاً قول قوي، مَن الذي قتل؟ إلا أن يكون الذي قتل كما ذكر المزي قُتِل في محله فانتهى كل شيئ، هناك هوشة وتهارج وما إلى ذلك لكن الذي تولى القتل قُتِل في محله، حرَّضت عليه نائلة بنت الفرافصة زوجة سيدنا عثمان، قيل ظلت مسيحية، هي لم تُسلِم بحسب المشهور، وقد قُطِعَت أصابعها في هذه الفتنة الهوجاء، فالمولى الذي كان عندهم قتله وانتهى الشر، لكن لو كان أولاد عثمان حتماً يعرفون قاتل أبيهم لطالبوا من الإمام عليّ مُباشَرةً ولقالوا خُذ لنا بثأرنا، لكن مُعاوية يُدلِّس، ونحن نُدلِّس على الأمة من وراء المُدلِّس الأكبر، يُقال اجتهد فأخطأ وعنده حُجة وعنده تأويل، هل لا يفهم هذا مُعاوية؟ وهل أنتم لا تفهمونه؟ القرطبي فهمه وغمز مُعاوية، قال كانوا أولى من غيرهم، يغمز مُعاوية، أي عيني عينك كما يُقال، هذا ليس لك يا مُعاوية -، وكذلك فعل مُعاوية حين تمت له الخلافة وملك مصر وغيرها بعد أن قُتِل عليّ رضيَ الله عنه لم يحكم على واحد من المُتهَمين بقتل عثمان بإقامة قصاص، وأكثر المُتهَمين من أهل مصر والكوفة والبصرة وكلهم تحت حكمه وأمره ونهيه وغلبته وقهره – إذن غمزه مرة ثانية، لماذا لم تأخذ أنت بحقه؟ هل هذا مضبوط أم لا؟ لماذا؟ الذي منعك إذا كنت تُريد فعلاً وكنت صادقاً هو الذي منع عليّاً، فبماذا إذن كنت تعتل في قتال عليّ؟ بالكذب والدجل لطلب المُلك، بالله عليكم أليست الأمور واضحة؟ واضحة جداً جداً، لكن علماءنا عفا الله عنا وعنهم هم الذين أشبعونا تدليساً واستحماقاً واستغفالاً، زوَّروا كل أفهامنا، لا فائدة، ويدأبون على هذا إلى اليوم، وهذا مكتوب -، و كان يدّعي المُطالَبة – انظر إلى هذا، القرطبي يقول يدّعي، أرأيت؟ عن مَن يتحدَّث؟ عن مُعاوية – بذلك قبل مُلكه ويقول لا نُبايع – سوف يقولون يا خراب بيتنا، كنا في عدنان إبراهيم وصرنا في التفتازاني وفي القرطبي وفي العيني وفي الدنيا كلها، طبعاً الأمة تفهم، لكن هذا لا يكفينا، نحن نُريد تصريحاً لا تلويحاً، نُريد الأمور تكون واضحة، ونُريد تعديلاً لا إعوجاجاً، عدِّل الآن عقائدك في الصحابة وفي كل الكلام الفارغ الذي عندك، عدِّل وخُذ عقيدة قرآنية نبوية في الصحابة وانتهى الأمر، لابد أن تكون الأمور واضحة، ومن ثم تطمئن قلوبنا وتنشرح صدورنا بتاريخنا وبإسلامنا وبصحابتنا، يسلم لنا الصحابة السالمون، أليس كذلك؟ الصحابة السالمون الأماثل رضوان الله عليهم وأنالنا الله شفاعتهم، يسلمون لنا هؤلاء، أما الصحابة المُنافِقون والذين ارتدوا وكذبوا وزوَّروا والطُغاة والفسفة والقاسطون وما إلى ذلك يخرجون من الدائرة وينتهي الأمر، لا تُوجَد أي مُشكِلة، أليس كذلك؟ لكنهم يتحدَّثون كأن الإسلام لا يقوم إلا بمُعاوية، غير معقول يا أخي، غير معقول أبداً، الإسلام لا يقوم بهؤلاء، الإسلام ما رُزئَ إلا بأمثال هؤلاء والله العظيم، هل تُريد رُزءاً أعظم من يزيد؟ هل تُريد رُزءاً من ذبح الشورى؟ هل تُريد رُزءاً أعظم من قتال الإمام عليّ ثم ينتهي الأمر إلى أن يُقتَل ويُغدَر به؟ هل تُريد رُزءاً أعظم من أن تنتهي الخلافة وتُصبِح مُلكاً عضوضاً وجبرياً ثم نرى في وقت قصير جداً جداً جداً الصحابة يبكون؟ أنس بن مالك في صحيح البخاري قيل له لماذا تبكي؟ ما يُبكيك يا أبا حمزة؟ قال أبكي لا شيئ مما كنت أعرفه على عهد الرسول أعرفه الآن، ما هذا؟ ذهب الدين، هذا في صحيح البخاري، قال كله انتهى، إلا الصلاة فقط، وهذه الصلاة قد ضُيّعَت ورأينا كيف خاف الناس من أن يُصلوا العصر في وقتها والجُمعة كانت تُؤخَّر للمغرب، تُقطَع رأسك لو قمت لكي تُصلي الصلاة في وقتها، غير معقول، كيف جرى هذا بسرعة؟ لذلك ثبت عن عبد الله بن عمر وقيل مثله عن سعد وغيرهما الندامة، ثبت عن عبد الله بن عمر الندامة للأسف حين تُوفيَ في آخر حياته على أنه لم يُقاتِل الفئة الباغية كما أمر الله، قال عبد الله بن عمر فيما صح عنه لا آسى على شيئٍ إلا على أني لم أُقاتِل مع عليٍّ الفئة الباغية كما أمر الله، لماذا قال ابن عمر هذا؟ لأنه شاهد أيام مُعاوية وأيام يزيد ورأى إلى أين تدهورت الأمة وبسرعة شديدة، بسرعة مُخيفة تدهورت، مُعاوية يحكم ويأتي يزيد، هذا في سنة ستين، في واحد وستين يُقتَل أهل بيت النبي وتُسبى نساؤهم، في ثلاث وستين تُستباح مدينة رسول الله، تُغتصَب البنات، يُقتَل الرجال، يُقتَل الصحابة والتابعون، شيئ غير معقول، في أربع وستين تُرمى الكعبة بالمنجنيق ويحترق أستارها، يا حبيبي على الدين، رأى ابن عمر هذا، قال هذا هو، هذا بسبب قعودنا عن نُصرة عليّ، قيل فتنة وفتنة ثم اعتزلنا، لو كلنا اصطففنا خلف عليّ صفاً واحداً ووقفنا بإزاء هذا الطاغية المُسمى ابن هند وهو مُعاوية ما حصل هذا، لكن إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، في مائة وست وعشرين عندك الخليفة الأُموي الوليد بن يزيد بن عبد الملك، يُراوِد أخاه لأبيه وأمه عن عِرضه، يُريد أن يفعل بأخيه، أخوه يرى رأسه مقطوعة والحمد لله، قُطِعَت الرأس النجسة الدنسة، وُضِعَت على رُمح يوم جُمعة فقال تباً له، إن كان لشروباً للخمر، ناكحاً للأمهات، أي أمهات البنات، ولقد راودني عن نفسي، هذا الإسلام الذي عنده، بسرعة تدهور وانتهى الأمر، ماذا في المُلك؟ تقولون مُلك ورحمة، مُلك مُعاوية فيه رحمة، رحمة؟ والله العظيم كذبتم، والله كذبتم، الآن سأتلو عليكم من الكتب ما يُثبِت هذا الكذب، رحمة؟ وكيف انقلبت الرحمة إلى جحمة ونقمة في سنة واحدة؟ مُعاوية مات فجاء يزيد واحترقت الدنيا، هذه ليست رحمة، يزيد هو ابن مُعاوية وهو في خط أبيه وطريقة أبيه وهو الامتداد الطبيعي لأبيه والنهاية الطبيعية لحكم أبيه، أليس كذلك؟ هذا هو، هذا منطق التاريخ ومنطق الأشياء، وهو تربية أبيه، سمعتم في خُطبة الجمعة أمس كيف كان هذا، قال له لا تشرب بالنهار بسبب الناس لكن اشرب بالليل، فإنما الليل نهار الأريب، يا ما شاء الله على المُربي العظيم، إِنَّا لِلّهِ ۩ – مَن يُؤوي قتلة عثمان ولا يقتص منهم، والذي كان يُجِب عليه – على مَن؟ على مُعاوية – شرعاً أن يدخل في طاعة عليّ رضي الله عنه حين انعقدت خلافته في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومهبط وحيه ومقر النبوة وموضع الخلافة بجميع مَن كان فيها من المُهاجِرين والأنصار – كلهم بايعوا عليّاً – يطوع منهم وارتضاء واختيار، وهم أممٌ لا يُحصَون وأهل عقد وحل والبيعة تنعقد بطائفة من أهل الحل والعقد، فلما بُويع له رضيَ الله عنه طلب أهلُ الشامِ في شرط البيعة التمكّن من قتلة عثمان وأخذ القود منهم فقال لهم عليّ عليه السلام – إذن القرطبي يُسلِّم أيضاً على الإمام عليّ، هذا واحد من المئات الذين يُسلِّمون على أهل البيت، هنا يقول عليّ عليه السلام -: ادخلوا في البيعة واطلبوا الحق تصلوا إليه، فقالوا لا تستحق بيعة وقتلة عثمان معك نراهم صباحاً ومساء، وكان عليٌّ في ذلك أسد رأياً وأصوب قيلاً، لأن عليّاً لو تعاطى القود معهم – أي من هؤلاء المُتهَمين بقتل عثمان – لتعصَّب لهم قبائل وصارت حرباً ثالثة – لكن هذا الكلام كأنه يُناقِض ما ذكره، الذي ذكره قبل كان أقوى وأحسن، أليس كذلك؟ لأن لا يُوجَد قاتل مُعيَّن وما إلى ذلك – فانتظر بهم إلى أن يستوثق الأمر وتنعقد عليه البيعة ويقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم فيجري القضاء بالحق.
وحكى – جزاه الله خيراً – عن صفين بعد ذلك، الآن في صحيفة مائتين وثنتين وسبعين يقول وروى مُسلِم في صحيحه قال: حدَّثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن مثنى قال: حدَّثنا محمد بن جعفر: حدَّثنا شُعبة عن أبي سلمة قال: سمعت أبا نضرة يُحدِّث عن أبي سعيد الخُدري قال: أخبرني مَن هو خير مني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمّار حين جعل يحفر الخندق جعل يمسح راسه و يقول: بؤس بن سمية تقتلك فئة باغية، وخرَّجه أيضاً – هذا ذكرناه – من حديث إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور ومحمد بن غيلان ومحمد بن قدامة قالوا: أخبرنا النضر بن شميل عن شعبة عن أبي سلمة بهذا الإسناد نحوه غير أن في حديث النضر قال أخبرني مَن هو خير مني أبو قتادة وله طرق غير هذا في صحيح مُسلِم.
وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب له في ترجمة عمّار وتواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: يقتل عمّار – المفروض عمّاراً – الفئة الباغية، وهو من أصح الأحاديث.
انتهينا مِن هذا، الآن يقول: وقال فقهاء الإسلام فيما حكاه الإمام عبد القاهر – البغدادي الأشعري طبعاً – في كتاب الإمامة من تأليفه وأجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المُتكلِّمين إلى أن عليّاً مُصيبٌ في قتاله لأهل صفين كما قالوا بإصابته في قتل أصحاب الجمل وقالوا أيضاً بأن الذين قاتلوه بُغاةٌ – يقول مرة أُخرى بُغاةٌ، أهل الجمل بُغاة، (ملحوظة) سأل أحد الحضور الأستاذ الدكتور عن المقصود ببُغاة فقال فضيلته كل هؤلاء بُغاةٌ – ظالمون له ولكن لا يجوز تكفيرهم ببغيهم.
ونحن مع هذا، لا نُكفِّرهم!
وقال الإمام أبو منصور التيمي البغدادي في كتابه الفِرَق – كتب الفِرَق لكن هو الفَرْق بين الفِرَق – من تأليفه في شان القصة عقيدة أهل السُنة وأجمعوا أن عليّاً كان مُصيباً في قتاله لأهل صفين كما قالوا بإصابته في قتل أصحاب الجمل وقالوا أيضاً: بأن الذين قاتلوه بُغاةٌ ظالمون له ولكن لا يجوز تكفيرهم ببغيهم.
يقول هذا مرة أُخرى، أرأيتم؟ ليس عدنان إبراهيم مَن يُدلِّس ويغمز، ما هذا الهبل؟ كفوا عن هذا، توقَّفوا عن الاستحماق، قالوا هذا كله لأنني قلت أنهم بغوا، وبصراحة أنا لم أقل هذا، أنا قلت النبي قال وعليّ قال أُمِرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وقلت لهم الناكثون هم كذا وكذا، فجُنَّ جنونهم، كيف يصف طلحة وكذا وكذا، يا أخي صح نومك والله، والله صح نومك، والله لا طلحة ولا عليّ ولا عثمان ولا أي أحد أجل عندي من رسول الله يا أخي، رسول الله يقول هذا، قال لا، لا تقل هذا، وجُنَ جنونه، قال يغمز! ما الحماقة هذه يا أخي؟ مَن هؤلاء الناس؟ أي دين هؤلاء يتدينون به؟ وقالوا نُحِب الرسول، هذا كلام فارغ، لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۩، يُوجَد حديث لابد أن تنزل له وهو حديث صحيح أو مُتواتِر مثل ذاك، قال يغمز! لا أغمز يا أخي، أنا أذكر أحاديث، واتضح أن الأمة تقول هذا، مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والدنيا كلها قالوا بُغاة، قالوا كلهم بُغاة، أصحاب الجمل بُغاة، هؤلاء بغوا، وهم ظلمة، ظلموا عليّاً وظلموا أنفسهم، لكن هناك فرق بين هؤلاء وهؤلاء سوف نعود إليه – إن شاء الله – لكي نعرف الفرق، هذا هو.
وقال الإمام أبو منصور التيمي البغدادي في كتاب الفرق في بيان عقيدة أهل السنة: و أجمعوا أن عليّاً كان مُصيباً في قتال أهل الجمل: أعني طلحة والزبير وعائشة بالبصرة وأهل صفين: أعني مُعاوية وعسكره.
و قال الإمام أبو المعالي – أي الجويني – في كتاب الإرشاد – من أشهر كتبه الكلامية – فصلٌ: علي رضي الله عنه كان إماماً حقاً في توليته – أي الخلافة – ومُقاتِلوه بُغاة.
هذا واضح، هو كان إماماً حقاً، هو إمام حق ومُقاتِلوه بُغاةً، وكان إماماً وكانوا بُغاةً، انتهى الأمر، هذا الجويني، إمام الحرمين عبد الملك، شيخ الإمام أبي حامد الغزالي، هذا هو، إذن لابد أن نعرف الحقائق كما هي!
انظروا الآن إلى العجب من ابن حجر الهيتمي، هذا الرجل – رحمة الله عليه – عجيب، وهو من فقهاء الشافعية، مُتعصِّب لمُعاوية بشكل غير طبيعي، تناقض مع نفسه وأتى بأشياء ما أنزل الله بها من سُلطان، في الصحيفة الرابعة من كتابه تطهير الجنان واللسان الذي يُدافِع فيه عن مُعاوية بن أبي سُفيان – ألَّف كتاباً صغيراً للدفاع عن مُعاوية – حكى كيف طُلِب منه تأليف هذا الكتاب، ملك في الهند لا أتذكر اسمه طلب منه كتاباً فأجابه، قال فأجبته لذلك وضاماً إليه – أي ضممت إليه وزدت عليه – بيان ما يُضطَر إليه من أحوال مولانا أمير المُؤمِنين عليّ كرَّم الله وجهه – هذه بدعة، كرَّم الله وجهه الآن أصبحت بدعة، آخر تقاليع السلفية، الشيخ فلان والشيخ علان قالا بدعة، وسنذكر أسماء لأن هذه فتوى عادية، أبو إسحاق الحويني ومُقبِل بن هادي الوادعي والخضير قالوا لا يُقال له كرَّم الله وجهه، هذا ممنوع، ما شاء الله، ابن تيمية يقولها وابن القيم وهذا والنووي والبيهقي والطبري وأحمد والآلوسي، كل الدنيا يقولون هذا، لكن اتضح أنهم لا يفهمون شيئاً، ممنوع أن تقول كرَّم الله وجهه، وما الممنوع أيضاً؟ عليه السلام، قل رضيَ الله عنه فقط، مثله مثل غيره، يعظم عليهم أن عليّاً يكون له ميزة، هداكم الله، لن أقول تباً لكم وإنما سأقول هداكم الله، هداكم الله وأصلح قلوبكم، والله لو صح الإيمان وحُب رسول الله لمتم حُباً في أهل بيته وبالذات في هذا الإمام وهو عميد أهل البيت بعد رسول الله، أعني عليّاً عليه السلام، اللهم أحينا وأمتنا على حُبه هو وأهل بيته الصالحين الطيبين المُبارَكين، صلوات ربي وتسليماته عليهم أجمعين كما نُصلي في صلاتنا كل ساعة وكل حين، قالوا لا يُقال كرَّم الله وجهه، ادخل على الإنترنت وسوف تجد مَن يقول لا يُقال كرَّم الله وجهه، ما هذه البدعة يا أخي؟ ما هذه الناصبية؟ هذه بدعة ناصبية بسبب كره أهل البيت – في حروبه وقتاله لعائشة وطلحة والزُبير ومَن معهم من الصحابة وغيرهم وللخوارج البالغين في رواية بضعاً وعشرين ألفاً على الوصف والعلامة اللذين بيَّنهما الرسول – النبي صلى الله عليه وسلم – ومن كونه الإمام الحق والخليفة الصدق فكل مَن قاتله مِن هؤلاء بُغاة.
صرَّح أم لم يُصرِّح؟ جميل، بارك الله فيك، هذا جيد وهو كلام عادي، هذا لم يكن خطأ منه، هذا كلام صحيح وهو الذي صرَّح به جماهير علماء أهل السُنة والجماعة وأئمتهم، لكنه عاد في صحيفة ثماني وثلاثين – أعني الإمام الهيتمي، وهذا شيئ غريب – وناقض نفسه، لم يهن عليه أن يقول هذا، إي والله، ماذا يقول هنا؟ ومن ثم قال الشافعي رحمه الله تلقيت أحكام البُغاة من مُقاتَلة عليّ الخارجين عليه في حال الحرب وبعده مُعاوية وغيره فسماهم بُغاة وليس ذلك تنقيصاً لهم لما علمت أن لهم تأويلاً وأي تأويل – قال تأويل قوي – وأنهم بسببه معذورون وأي معذورين، لأن المُجتهِد مُلجأ إلى العمل بما ظهر له من الدليل، لا يُمكِنه التخلف عنه أصلاً كما مر مبسوطاً، ولأجل ذلك أُثيب وإن أخطأ كما عليه إجماع مَن يُعتَد به – هل فعلاً الأمة أجمعت؟ إلا إذا كان قصده في القضية العامة أن المُجتهِد إذا اجتهد فأخطأ فله أجر وليس في عين هذه القضية، هذا مُمكِن على كل حال، لكن هو لا يقصد في القضية العامة وإنما يقصد في هذه القضية بالذات بحسب السياق -، فإن قلت جاء في الأحاديث الكثيرة كما مر بيانها أن عمّاراً تقتله الفئة الباغية وقاتلوه من فئة مُعاوية فلزم أنهم الفئة الباغية – الآن أصبح النقاش أين؟ في هل جماعة مُعاوية بُغاة أم ليسوا بُغاة؟ انظر إلى هذه التناقضات، يكتب وكأنه لا يعرف ما الذي يكتبه، قبل قليل نقل عن الشافعي أنهم بُغاة، وقال تسميتهم بُغاة ليس معرة، ليس عيباً لأنهم بُغاة مع تأويل، بعد أسطر اختلف النقاش الآن، ولذلك لابد أن نتواضع فعلاً، لابد أن ننظر إلى علمائنا بحسب أقدارهم، لا تنظر إلى عالم على أنه شيئ كبير وأنه عبقري وهو ليس عبقرياً، إنسان بسيط، بعضهم مُتواضِع جداً جداً حتى في عقليته وما إلى ذلك، طلب العلم ومكث خمسين سنة في العلم، يتناقض وينقض نفسه بشكل يُرثى له والله العظيم، ما هذا يا أخي؟ بعد أسطر ينقض نفسه كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا ۩، لابد أن تستحضر ماذا تكتب، لكن بعد أسطر لا يُريد الآن هذا، سينفي عنهم وصف البُغاة، قال ليسوا بُغاةً، يا ربي ما هذا؟ أنت في الصفحة الرابعة قلت بُغاة وقبل قليل قلت بُغاة والشافعي قال بُغاة، أليس كذلك؟ وقلت ليس عيباً أن نُسميهم بُغاة، والآن تقول لا، ليسوا بُغاة، ما هذه التناقضات؟ سوف نرى ماذا قال -، قلنا نحن لا نُنكِر ذلك كما قرَّرنا وبيَّناه مع بيان أنهم مُؤوِّلون وأن البُغاة الذين لهم تأويل غير قطعي البطلان لا حرج عليهم بل هم مأجورون يُثابون وإن كان تأويلهم فاسد – المفروض فاسداً -، ومر أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضيَ الله عنهما استدل على أبيه ومُعاوية بالحديث – حديث تقتله الفئة الباغية – لما أمره أبوه بالمُقاتَلة معه، قال عمرو لمُعاوية ألا ترى ما يقول ابن أخيك؟ وذكر له الحديث، فبادر له مُعاوية إلى تأويله، فقال وهل قتله إلا مَن أخرجه؟ وإلى آخره، لما قام عنده من القرائن المُقتضية لذلك، فهو تأويل يُمكِن على المُجتهِد لأن يقول به لما قام عنده من القرائن الصارفة له عن حقيقته إلى مجازه، وإن كان الحق أن الحديث ظاهر بل صريح في أن قاتله إنما هو مَن باشر قتله – هذا غلط، هذا الكلام أكبر غلط، لماذا؟ النبي قال تقتله الفئة الباغية، بمعنى أن الذي باشر قتله لو أراد أن يقتله رأساً برأس وحده ما قدر ولا وصل إليه، لكن لابد أن تقوم حرب ظالمة، وهي حرب القاسطين وحرب الباغين، ومن ثم يحدث فيها الهرج والمرج فيتمكَّن هذا اللعين وهو صحابي من قتله، أعني أبا الغادية الجُهني، هذا من أهل جهنم والعياذ بالله، يتمكَّن من قتل الصحابي العظيم الذي أُمِرَ رسول الله بحُبه، أخبره الله أنه يُحِبه، قال وأمرني بحُبه، لابد أن تُحِب عمّار بن ياسر، قال ما اختلف المُسلِمون إلا كان الحق في الجانب الذي فيه ابن سُمية، شيئ رهيب، إن الجنة لتشتاق إلى أربعة، منهم عمّار بن ياسر، هذا يشقى، والنبي قال قاتل عمّار وسالبه في النار، هذا حديث آخر، لكن هنا قال تقتله الفئة الباغية، كلها فئة باغية فانتبه، قال الحديث ظاهر بل صريح، لا والله لا هو ظاهر ولا صريح، لك أن تتخيَّل هذا، هذا فقيه كبير أصولي ويحكي هذا الكلام، قال وإن كان الحق أن الحديث ظاهر بل صريح، لا والله، أحلف على هذا – وأقرب من تأويل مُعاوية هذا تأويل عمرو بن العاص فإنه جاء في رواية أن قاتل عمّار في النار، فالفئة الباغية – هذا كلامي – محمولة على مُباشِر قتله والمُعين عليه – أصبح الباغي واحداً فقط، ومُعاوية ليس باغياً والجيش كله ليس باغياً، والله؟ وهل عليّ حين قاتل قاتل هذا الواحد فقط؟ وقتال البُغاة الذي أخذه إمامك الشافعي أخذه من قتال جيش عليّ لهذا الواحد؟ ما هذا التناقض؟ رجع في النهاية وعاد ونكص عن وصمهم بالبغي، أصبحوا ليسوا بُغاةً، ما هذا؟ هذه أنا سميتها البهلوانية العلمية قديماً في مسجد الهداية، هذا نوع من البهلوانية، كالساحر الذي يُؤدي حركة ما ثم يُخرِج لك فجأة أرنباً أو قرداً أو ببغاءً، ما هذا؟ بهذه الطريقة أصبحت الفئة الباغية في النهاية تتمثَّل في شخص واحد وهو أبو الغادية الجُهني عليه ما يستحق، أما البقية أصبحوا ليسوا بُغاة وليس لهم علاقة بالحديث بالمرة، ما شاء الله على العبقرية، عبقرية غير طبيعية -، والحكم على قاتله ومُعينه بذلك لا يقتضي الحكم على جميع الفئة به – أي الباغية، فالفئة ليست باغية – للفرق الواضح، فإنهم مُجتهِدون مُتأوِّلون، وقاتله ومُعينه ليس مُجتهِدين فلا يُنظَر لتأويلهما.
والله؟ بالله عليكم ما هذا؟ الآن سأحكي لكم شيئاً بأسلوب بسيط جداً بالعامية، لدينا رجل داهية صاحب أمر ونهي استطاع أن يخلب أو يختلب عقول جماعة يكتنفونه وأن يختدعهم عن حقيقة الأمر وجليته، واستاقهم سوق الأنعام إلى مهلكة، قال لهم اذهبوا قاتلوا واقتلوا، فوقعت مذبحة أو مجزرة، والآن أردنا أن نُقيم الحكومة، أي القضية، تُوجَد محكمة الآن، أنُطالِب هؤلاء فقط ونُقاضيهم ونترك الرأس والإمام أم أول مَن يُطالَب وأعظم مَن يُجرَّم هو هذا الرأس؟ يُسمونه الرأس المُدبِّرة، حتى باللغة العامية يقولون الرأس المُدبِّرة، مَن الرأس المُدبِّرة التي سماها القرآن أئمة النار؟ قال الله أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۩، ومَن سن سُنة سيئة فعليه وزرها ووزر مَن عمل بها، ما من دم يُسفَك إلى يوم القيامة إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ، لأنه الذي شق الطريق، أنا أُريد أن أعرف مَن الذي شق طريق البغي ومَن الذي عبَّأ أهل الشام ومَن الذي جرَّأهم وجسَّرهم وحملهم وأغراهم ورغَّبهم وأرهبهم وخوَّضهم الغمارات؟ ألم يكن مُعاوية؟ عند إمامك ابن حجر – رحمة الله عليه وعفا الله عنه – بطريقة سحرية وبأكروبات غير طبيعي يدور الأمر على اثنين، الأول قتله والثاني أعانه، هما اثنان فقط، ولذلك تنازعا في رأسه، هذا قال أنا الذي قتلته وذاك قال لأ، أنا الذي قتلته، هذان فقط، لكن البقية كلهم ما شاء الله عليهم ليسوا بُغاة، ممنوع أن تُسميهم بُغاة رغم أنه قبل أقل من نصف صحيفة قال هم بُغاة وهذا ليس عاراً عليهم والشافعي قال كذا وكذا، لكن في النهاية اتضح أنه يقصد واحداً أو اثنين فقط، وهذا غير معقول، وأصبح كلام الجماعة الذي ذكرناه وكلام الأمة كلها بشأن أنهم الفئة الباغية وما إلى ذلك كلاماً ليس له وزن، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، هذا هو، (ملحوظة) سأل أحد الحضور عن السبب في هذا فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم التعصب الذميم، قال تعالى فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ۩، لا هو ولا لهم عندهم عذر، أليس كذلك؟ قال الله لا هم عندهم عذر ولا هو بالذات له عذر وهو يقدمهم يوم القيامة، قال الله يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ ۩، فهو يقدمهم، أول مَن يقدمهم هو، لكن هم أيضاً سيأتون وراءه، وهذا جميل، هكذا – أنا ذكرت مرة هذا في خُطبة – يُنشيء القرآن يا إخواني عقلية حُرة طُلعة مُستقِلة لا يُمكِن أن تُستعبَد، حُرة بشكل حقيقي، كيف؟ لا تقل يا رب أنا عبد مُستضعَف ومسكين وضحكوا علىّ، سوف يقول لك الله كيف ضحكوا عليك؟ هل أنت أنعام أم بشر؟ بشر، وعقلك ماذا فعلت به؟ عطَّلته يا ربي واستعرت عقولهم، سوف يقول لك الله اذهب إلى جهنم وراءهم، قال الله إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ۩، يقدم قومه يوم القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ ۩، نعم سوف يدخل النار قبلهم لكن هم سوف يدخلون وراءه أيضاً، أليس كذلك؟ قال الله لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ۩، وقال أيضاً إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ۩، الاثنان في النار، كيف تقول هذا يا ابن حجر؟ أي دين تأتي به أنت؟ أرأيتم؟ هذا القرآن، منطقي هذا منطق القرآن، القرآن يقول هذا، وليس هذا فحسب، وفي حديث عليّ – عليه السلام – وهو حديث صحيح بعث النبي سارية – أي جماعة – وكان يُوجَد أمير من الأمراء عقله غير طبيعي، سوف يُقال قطع الله لسانك، هذا صحابي، صحابي لكن عقله غير طبيعي، كان إنساناً مُعقَّداً نوعاً ما، قال هيا اجمعوا لي حطباً، ما هذا الصحابي؟ هذه عُقدة، قال هيا اجمعوا لي حطباً فجمعوا حطباً، قال أوقدوا ناراً ثم قال ادخلوها، ما هذا يا بابا؟ والله لو رسول الله يعرف هذا ما أعطاه الإمارة على حتى سخلة، لكن النبي لا يعرف الغيب، أليس كذلك؟ النبي بعث الوليد بن عُقبة لكي يجمع له الصدقات فكذب عليه، وقال الله له إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ۩، النبي لا يعرف الغيب، وقالوا عمر ولى مُعاوية، هل عمر يعرف الغيب؟ النبي لا يعرف إلا ما عرَّفه الله فمن باب أولى عمر لا يعرف، عمر ليس ملوماً، عمر أراد الخير والحق ولم يأل رضوان الله تعالى عليه، اتضح أن مُعاوية كان بطّاشاً، فماذا نفعل له؟ ثم أن مُعاوية تحوَّل، هل مُعاوية عمر هو مُعاوية عثمان؟ وهل مُعاوية عثمان هو مُعاوية نفسه لما صار ملكاً؟ اقرأوا التاريخ، هؤلاء يظنون أن الأمور كلها ثابتة وساكنة، يظنون أن مُعاوية شخصيته واحدة ولم تتغيَّر أبداً، هو كان يتغيَّر بين اليوم والآخر، قبل صفين قال عليّ أحق، بعد التحكيم قال مَن أحق مني؟ وعمر مُخيف، عمر مهيب، لا يهمه شيئ، يكسر رأس أكبر رجل، أيام عمر لم تبدر منه أشياء فظيعة تجعل عمر يستريب فيه ويعزله، أليس كذلك؟ أخذ عليه مُؤاخَذات، لكن لعل عمر رأى خيره أكثر من شره، أليس كذلك؟ لعله رأى أنه كان مُناسِباً، لكن أيام عثمان اختلف وأخذ الشامات كلها، حين تفرَّد وحده بهدل الدنيا هذا الرجل، لكن هم يظنون أن عنده شخصية واحدة، نرجع إلى ما كنا فيه، المُهِم أنه قال لهم أوقدوا ناراً وما إلى ذلك ثم قال ادخلوها، قالوا كيف ندخلها؟ بعضهم فكَّر في أن يدخلها وقال هذا الأمير والنبي قال أطعوا الأمير لكن بعد ذلك قالوا لا، نحن أصلاً عبدنا الله وفعلنا كذا وكذا حتى لا ندخل النار فكيف ندخلها في الدنيا؟ فما هذا العذاب؟ ما هذا الهم؟ قالوا لا، لن ندخل، قال كيف؟ أنا أميركم، وغضب عليهم، من المُؤكَّد أن هذا كان غير طبيعي، وطبعاً هو غير طبيعي، سوف يقولون هذا صحابي، نعم صحابي لكنه رجل غير طبيعي، غير طبيعي بالمرة، قال ادخلوا وما إلى ذلك فلم يفعلوا، رجعوا إلى الرسول وقالوا له يا رسول الله ما هذا الأمير؟ والله شر البلية ما يُضحِك، ما هذا الأمير العجيب الغريب الذي يُريد أن يُحرِجنا بالنار؟ هل تعرفون ماذا قال النبي؟ لم يقل تباً لكم، لماذا لم تُطيعوا الأمير وقد قلت لكم أطيعوا الأمير؟ أليس كذلك؟ كما قلت لكم احترموا أصحابي، هل فهمتم؟ هكذا يُفكِّر عقلي، هذا مثل هذا، حين أقول أطع الأمير يكون هذا مُقيَّداً، أطع الأمير إذا أطاع الله ورسوله، احترم أصحابي إذا احترموا الصُحبة واحترموا ديني، أليس كذلك؟ إذا وضعوا ديني تحت رجليهم ووضعوا سُنتي وأوامري وسفكوا دم أمتي سوف يقول لك النبي هل كنت أحمق؟ هل كنت بهيمة؟ هل أنا قلت لك احترم هؤلاء؟ ألم أقل لك تقتله الفئة الباغية؟ ألم أقل لك أن أناساً من أصحابي سوف يدخلون جهنم؟ ألم أقل لك هناك أُناس سوف تُسعَّر بهم جهنم ويدخلونها لأنهم غلوا من الغنيمة وأخذوا وسرقوا؟ ألم أقل لك أن بعضهم فسقة؟ ألم أقل لك أن مِن أصحابي مَن سوف يُزادون عن الحوض؟ ألم أقل لك كل هذا؟ سوف تقول لي بلى قلت لي لكنني لم أفهم، هذا يعني أنك من أشباه الأنعام، ماذا أفعل لك؟ سوف تذهب إلى جهنم في النهاية بسبب ضلالك هذا، ينبغي أن تفهم، النبي لم يقل لهم هذا صحيح، يجب أن تأخذوا بقول الأمير وأنا قلت لكم أطيعوا الأمير، ومَن يُطِع الأمير فقد أطاعني ومَن يعص الأمير فقد عصاني، هل تعرفون ماذا قال لهم؟ قال والذي نفسي بيده لو دخلوها ما خرجوا منها، قال لهم والذي نفسي بيده، أي أنه حلف، والله – قال لهم – لو دخلتوها لبقيتم فيها إلى أبد الآبدين، لدخلتم جهنم، يا الله! لكن يا رسول الله بصراحة أنت قلت لنا كذا وكذا، وأنا أقول لكم هنا تتساقط وتتهافت تهافت الزجاج وكل كاسر مكسور كل الشُبهات الأكروباتية التي ذكرها ابن حجر الهيتمي – هذا ابن حجر الهيتمي وليس العسقلاني، انتبهوا إلى هذا، هذا فقيه شافعي – وأمثاله، ما هي؟ اجتهد فأخطأ ومُتأوِّول وكذا وكذا، لا يا بابا، هناك أشياء لا تقبل التأويل ولا يدخلها التأويل، انتبه إلى هذا، حين تكون ضد النص وضد العقل وضد الأشياء القطعية والضرورية لا يدخلها تأويل، انتبه إلى هذا، لا يُوجَد تأويل هنا، بدليل تأويل الصحابة الذين لو لا قدَّر الله دخلوا نار الأمير المجنون لما خرجوا منها، لو دخلوا النار لكان تأويلهم أقوى بكثير من تأويل مُعاوية، ماذا سوف يقولون؟ يا رسول الله أخذنا بظاهر قولك أطيعوا الأمير، مَن أطاع الأمير فقد أطاعني، أليس كذلك؟ نحن أخذنا بظاهر قوله وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۩، أخذنا هذا بالعموم، سوف يقول لهم لا، ألستم عرباً؟ هل أنتم أعاجم؟ هل أنتم صم بكم عمي؟ ألا تعلمون أن طاعة هذا – وليس هذا رسولاً نبياً معصوماً – مُقيَّدة بطاعة الله ورسوله؟ ليست مُطلَقة، لو كانت طاعته مُطلَقة لكان صاحب تشريع، أليس كذلك؟ كل ما يقوله يُنفَّذ، لكن لا يُوجَد أحد كل ما يقوله يُنفَّذ، كل أحد طاعته مُقيَّدة بماذا؟ بالكتاب والسُنة، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ألم تقدروا على أن تُفكِّروا بهذه الطريقة؟ هذا يعني أنكم لستم أهل تكليف، لستم أهل خطاب، أليس كذلك؟ إذا كان هناك مَن لا يقدر على فهم الخطاب بهذه الطريقة فهذا يعني أن قلم التكليف رُفِع عنه، وأنتم مُكلَّفون عقلاء، بمعنى أن الحديث يقول مَن أهمل عقله ولم يستعمله لم يكن له حُجة ولا تعلة ولا عذر ولم يدفع عنه شيئٌ أن يدخل النار – والعياذ بالله – إذا اقتضى الأمر ذلك، سوف تدخل جهنم فيما بعد، أرأيت؟ ولذلك انظر إلى كلام العلّامة محمد بن إبراهيم المعروف بابن الوزير اليماني الصنعاني – رحمة الله تعالى عليه – في الكتاب العظيم إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد، في أصول الدين هذا، هذا ابن الوزير صاحب العواصم والقواصم المُتوفى سنة ثمانمائة وأربعين للهجرة، ترجمه ابن حجر في الدُرر الكامنة، علّامة كبير وإمام جليل، حين تقرأ الكتاب هذا تجد مُتعة، أنا قرأته أول ما جئت إلى النمسا وأُريد أن أقرأ لكم شيئاً منه هنا، كتاب عجيب، وكذلك الحال مع العواصم والقواصم، (ملحوظة) طلب أحد الحضور من الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أن يُعيد اسم الكتاب فقال: إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد، وله العواصم والقواصم في تسع مُجلَّدات، كتاب عجب العواصم والقواصم، لكن ماذا يقول هنا؟ في صحيفة أربعمائة وثلاث عشرة يقول تواتر عن الصحابة أنهم كانوا يعتقدون في الباغي على أخيه المُسلِم وعلى إمامه العادل أنه عاصٍ آثم وأن التأويل في ذلك مُفارِقٌ للاجتهاد – لا تقل لي اجتهد مُتأوِّولاً وأخطأ، هذا خطأ، ممنوع أن تقول هذا، هذا خطأ، هل يُوجَد تأويل في البغي؟ إذا كان هناك تأويل في البغي على الإمام العادل الذي بايعته الأمة وهو عليّ بن أبي طالب عليه السلام إذن يُوجَد تأويل في الاغتصاب، أي اغتصاب النساء والبنات، أليس كذلك؟ وسوف يُوجَد تأويل في قتل النفس المعصومة وشُرب المُسكِر، كل ما تُريد سوف يكون فيه تأويل، أليس كذلك؟ فترتفع الحدود ويُوشِك أن ترتفع التكاليف وبالحري أن يرتفع العذاب في الآخرة إلا عن مُشرِك وكافر مُجاهِر مُعلِن، أليس كذلك؟ انتهى الأمر، ما هذا الكلام؟ قال تواتر، الصحابة يقطعون بأنه لا مُدخَلية للتأويل في البغي، البغي على المُسلِم والبغي على الإمام العادل، هذا الكلام الحق، تواتر قال لك، وهذا مَن يا حبيبي؟ هذا ابن الوزير، حين يأتيك بقطعة مثل هذه يأتيك بالأدلة عليها ويكتب لك عشرين أو ثلاثين أو خمسين صفحة بسهولة جداً، تعرف هذا حين تقرأ، سبحان من خلقه، حين تقرأ العواصم والقواصم له تجد شيئاً غريباً يا أخي، ما هذا الذكاء الذي عند هذا الرجل؟ شيئ غريب، أنا استعنت في مُحاضَرة لي قبل سنتين ببحث له مُطوَّل ومُسهَب من أجمل ما قرأت في حياتي في لعن المُعيَّن، وهو ينتصر لسائغية لعن المُعيَّن، نعم يُمكِن أن يُلعَن المُعيَّن، لم لا؟ وهو الحق، يُمكِن أن يشطح أحد ويقول كلاماً آخر، ابن تيمية عنده مبحث في هذا الكلام، كلامه بالنسبة لابن الوزير لا شيئ، انظر إلى التحقيق العلمي الدقيق المتين، ورد على أبي حامد الغزالي رداً من أقوى ما يكون في الأحياء، هذا ابن الوزير، مُجتهِد فعلاً، بعضهم قال مُجتهِد مُطلَق هذا الرجل رحمة الله عليه – في الفروع – اجتهاد في الفروع وليس في ظلم الناس والخروج على إمام الزمان ثم تقول لي مُجتهِد باستمرار، ما هذا الكلام؟ قال، مُستحيل – فإنهم لم يتعادوا على شيئ من مسائل الفروع – انظر إلى الدليل، لأن كل مُجتهِد فيها مُحتمَل أن يكون مُصيباً والمُخطيء له أجر، فكيف له أجر وأنا أُقاتِله وأتعادى معه أو أعاديه؟ هذا غير صحيح، الصحابة لم يتعادواعلى مسائل الفروع – تعادوا على البغي – أرأيت؟ يُوجَد بغي، تعادوا وتحاربوا وتقاتلوا وتصارموا كما رأينا الحُسين وقد صرم عبد الله بن عمرو من أيام صفين – وكذلك أجمعت الأمة على الاحتجاج بسيرة عليّ عليه السلام – طبعاً هو يُسلِّم، هذا واضح – في قتالهم وليس المُجتهِد المعفو عنه يُقاتَل على اجتهاده – أليس كذلك؟ هذا هو، انظر إلى هذا الذكاء، هذا ابن الوزير كما قلت لك، رهيب الرجل هذا، قال لو صح أن مُعاوية مُجتهِد لما ساغ لعليّ أن يُقاتِله، أليس كذلك؟ هذا هو، وعليّ بإجماع الأمة مُحِقٌ في مُقاتَلة مُعاوية، كيف تقول لي مُعاوية مُجتهِد وأخطأ وله أجر وفي نفس الوقت تُصوِّب عليّاً في قتال مَن له أجر؟ أليس كذلك؟ المُجتهِد الذي أخطأ وله أجر ممنوع أن تُقاتِله، لأن في نهاية المطاف مهما يفعل له أجر هو، أليس كذلك؟ الكلام مُتناقِض، شيئ غريب، قال هذا بسطر واحد، رهيب الرجل، كما قلت لك عنده ذكاء عجيب الرجل هذا، كأن ذهنه لا يقبل الخطأ في مسائل كثيرة ما شاء الله عليه، أُعيد الجُزء الأخير، يقول وكذلك أجمعت الأمة على الاحتجاج بسيرة علي عليه السلام في قتالهم، في قتال مَن؟ البُغاة، ثم يقول وليس المُجتهِد المعفو عنه، وهو مَن؟ مُعاوية، يُقاتَل على اجتهاده – ويُقتَل ويُهدَر دمه.
هذا يعني أنه لا يُقاتَل ولا يُهدَر دمه ولا يُقتَل إلا مَن؟ إلا المُخطيء، المُخطيء الظالم الباغي، وقد أمر الله بقتاله، قال الله فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ۩، الله أمرك بقتالك فلا تقل لي اجتهدت فأخطأت، ما هذا الكلام الفارغ؟ لا يُمكِن، هذا بغي، هذا غلط على كل حال.
الآن سأقرأ لكم شيئاً سريعاً ونحن لا نزال في البدايات للأسف الشديد، سأقرأ لكم شيئاً سريعاً عن قاتل عمّار وهو أبو الغادية الجُهني، اسمعوا ماذا قال الحافظ ابن حجر في الإصابة، (258/7)، وعدتكم إخواني وأخواتي أن أتكلَّم عن قاتل عمّار وبعض ما ورد فيه وهو أبو الغادية الجُهني، يسار بن سبع، صحابي في المشهور، مُختلَف في صُحبته، قال ابن حجر في الإصابة اسمه يسار بن سبع، قال خليفة – مَن خليفة؟ خليفة بن خيّاط شيخ البخاري وصاحب التاريخ المعروف الذي حقَّقه الدكتور سُهيل زكّار وحقَّقه الدكتور أكرم ضياء العُمري أيضاً في طبعة أُخرى – سكن الشام وروى أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن دماءكم وأموالكم حرام – يا حبيبي، لا إله إلا الله، يروي الأحاديث هذه ثم يسفك دم عمّار، أرأيتم؟ ربك يُريد أن يُقيم الحُجة، مُعاوية يروي حديث تقتله الفئة الباغية ويفعل، ويروي الحديث الآخر كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا رجلاً مات مُشرِكاً أو قتل امرأً مُؤمِناً مُتعمِّداً، مُعاوية يروي هذا، سوف يُحاج به يوم القيامة، سوف يقول له الله تعال، أنت سمعت هذا من نبيي وخيرتي وصفوتي، كم قتلت من أنفس مُتعمِّداً يا مُعاوية؟ هل سوف يقول له يا ربي من أجل المُلك؟ أستغفر الله العظيم، سوف يقول له من أجل المُلك، لكن لماذا أردت المُلك؟ أردت به توطيد شرعك، إذا أردت به أن تُوطِّد شرعي لم فعلت وفعلت وفعلت في أموال الناس ودماء الناس؟ لا تُوجَد حُجة، الأمور واضحة جداً -، وقال الدوري عن ابن معين أبو الغادية الجُهني قاتل عمّار له صحبة، وفرَّق بينه وبين أبي الغادية المُزني – لأن اليوم بعض المُحدَثين قالوا لا، الذي قتل عمّاراً ليس هو الصحابي أبو الغادية الجُهني وإنما رجل آخر، وهذا غير صحيح، هم فرَّقوا وقالوا هذا قاتل عمّار، يعرفون هذا، على كل حال مُعاوية له صُحبة وقد فعل ما فعل، كل هؤلاء فعلوا ما فعلوا بسبب إمامة مُعاوية لهم ودعوته لهم إلى حيث يشاءون، يدعونه إلى النار -، وقال البخاري: الجُهني له صُحبة وزاد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وتبعه أبو حاتم وقال: روى عنه كلثوم بن جبر. وقال ابن سميع: يقال له صُحبة وحدَّث عن عثمان وقال الحاكم أبو أحمد – ليس الإمام صاحب المُستدرَك وهو أبو عبد الله وإنما أبو أحمد، هذا سابق بقليل وهو من مشائخه – كما قال البخاري وزاد وهو قاتل عمّار بن ياسر – هذا واضح -، وقال مُسلِم في الكُنى أبو الغادية يسار بن سبع قاتل عمّار له صحبة.
يقولون لا، أبو الغادية رجل آخر، تكذبون على مَن؟ ارحمونا، ارحمونا بالله عليكم، الكذب شيئ قبيح ومُقرِف، لا تكذبوا على الناس، هل أنت أفهم من مُسلِم؟ هل أنت أفهم من كل هؤلاء؟ هل أنت أفهم من الحاكم أبي أحمد؟ غير معقول يا أخي!
أخرج أحمد وابن سعد أن أبا الغادية قال سمعت عمّاراً يقع في عثمان بالمدينة – في أوليات الفتنة، طبعاً كانت هناك مُشادات ومُغاضَبات، هذا معروف – فتوعَّدته بالقتل – ما علاقتك أنت؟ – فقلت: لئن أمكنني الله منك لأفعلن – أي مع سبق الإصرار والترصد، هذا مُهِم لكي يكون أبلغ في الحُجة عليه أمام الله -، فلما كان يوم صفين جعل يحمل – أي عمّار، كان في نحوالتسعين ولك أن تتخيَّل هذا، كان قريب من التسعين، أي كان شيخاً كبيراً، علماً بأن حتى البُغاة الآخرين كانوا يتركونه، لم يُحِبوا أن يقتربوا منه، جيش الشام لم يُحِبوا أن يقتلوا عمّاراً، هل كانوا يعرفون الحديث؟ لا، لم يعرفوا الحديث، لو كانوا يعرفونه لتركوا القتال من أصله، مُعاوية خدع أهل الشام خدعة فظيعة، سوف ترى الآن ذا الكلاع الذي كان مع مُعاوية، تركه مُباشَرةً بعدما سمع قاتل عمّار، قال أكلنا مُصيبة كبيرة، سوف ترى الآن ذا الكلاع وسوف ترى ما الذي حدث، فأهل الشام لا يعرفون هذه الأحاديث، لا يعرفونها أبداً، أهل الشام كانوا يعرفون أن النبي ليس له قرابات إلا مُعاوية وجماعته، هؤلاء أقرباء النبي، هؤلاء أهل بيت النبي، هكذا كان يُفهِمهم، هم أقرباء النبي، هم أهل بيت النبوة، أعني مُعاوية وأبا سُفيان – على الناس فقيل هذا عمّار فطعنته في ركبته فوقع فقتلته – رأى فرجة فضربه فيها -، فأُخبِر عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قاتل عمّار وسالبه في النار- النبي قال قاتل عمَار وسالبه، هذا صحابي والنبي أخبر عنه بعينه أنه في النار -؛ فقيل لعمرو: فكيف تقاتله? – انظر إلى عمرو أيضاً، لم يتعظ وأوَّل مثل شيخه مُعاوية – فقال: إنما قال قاتله وسالبه.
لم يقل مُقاتِله، أنا قتلته لكنني لم أُقاتِله، هذا عجيب يا أخي، عجيب هذا الهوى، عجيب جداً!
وأخرج ابن أبي الدنيا عن محمد بن أبي معشر عن أبيه قال: بينما الحجّاج جالس إذ أقبل رجل يُقارِب الخطا – هذا يعني أنه صار شيخاً كبيراً -. فلما رآه الحجّاج قال مرحباً بأبي غادية – أهلاً وسهلاً، يُحِبونه كثيراً، كان حين يراه أبو بُردة بن أبي موسى الأشعري يقول له أبشر بالجنة، وأبو بُردة خبيث عكس أبيه، أي نيالك كما نقول، كيف تُبشِّره يا أخي؟ كأنهم يُعانِدون الرسول، انظر إلى حجم الزندقة، هذا نوع من الزندقة، إن ثبت عنه هذا فهذا نوع من الزندقة وانحلال عُقدة الإيمان، كأنه يقول له لا تخف، محمد قال قاتل عمّار في النار لكن أنا أُبشِّرك وأقول لك الجنة، تباً لك، أتملك مفاتيحها يا جاهل يا كذوب يا خبيث يا ابن الطيب؟ أبوه طيب وهو خبيث، هذا من الذين شهدوا على حُجر بن عدي أنه كفر كفرة صلعاء فقُتِل بسبب شهادتهم، هذا أبو بُردة بن أبي موسى الأشعري، يقول لأبي الغادية أبشر بالجنة، والنبي يقول في النار، إلى هذا المدى انحلت عُقدة الإيمان من قلوبهم، يتجارأون على المُصطفى المصدوق الأبر الأطهر صلوات ربي وتسليماته عليه وآله وأصحابه – وأجلسه على سريره – أي الحجّاج – وقال: أنت قتلت ابن سُمية? قال: نعم. قال: كيف صنعت? – يُريد أن يرى الفيلم، الحجّاج اللعين كان سعيداً – قال فعلت كذا وكذا – يبدو أنه أخبره لكن هذا غير مذكور في السياق – حتى قتلته فقال الحجّاج: يا أهل الشام من سره أن ينظر إلى رجل طويل الباع يوم القيامة فلينظر إلى هذا – نفس الشيئ مثل أبي بُردة، قال هذا الرجل له مكانة، هذا سوف يأتي يوم القيامة ما شاء الله عليه، يا أخي تباً لك يا حجّاج يا زنديق، زنديق هذا، يُعارِض النبي أيضاً، النبي يقول في النار وهو يقول لأ، طويل الباع، هذا عنده مقام إن شاء الله، ففرح أبو الغادية، سوف يطلب شيئاً الآن، سوف يطلب مالاً ويقول أعطونا، ختيرنا كما يُقال -، ثم ساره أبو الغادية فسأله شيئاً – مالاً – فأبى عليه، فقال أبو الغادية: نُوطئ لهم الدنيا – تباً لك، هل الله قال لك وطئ لهم الدنيا؟ – ثم يسألهم منها فلا يعطوننا ويزعم أني طويل الباع يوم القيامة.
قال ابن حجر هذا مُنقطِع – هذا الحديث مُنقطِع – وأبو معشر فيه تشيع مع ضعفه وفي هذه الزيادة تشنيع صعب والظن بالصحابة في تلك الحروب – رجعنا إلى كلام ابن حجر – أنهم كانوا فيها مُتأوِّلين – هذا ابن حجر العسقلاني، يقول مُتأوِّلين – وللمُجتهِد المُخطيء أجر، وإذا ثبت هذا – أن المُجتهِد المُخطيء هنا له أجر – في حق آحاد الناس فثبوته للصحابة بالطريق الأولى.
هذا ابن حجر العسقلاني، وهذا الكلام لا يدخل الرأس، لماذا؟ انتبه الآن، قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة، المُجلَّد الخامس، صفحة ثماني عشر، حديث ألفين وثمانية: قاتل “عمّار – ترجمة – وسالبه في النار”، هذا حديث صحيح عند الألباني، قال وأخرجه الحاكم وقال تفرَّد به عبد الرحمن بن المُبارَك وهو ثقة مأمون، فإذا كان محفوظاً فإنه صحيح على شرط الشيخين. قلت: له طريق أخرى، فقال الإمام أحمد وابن سعد في الطبقات والسياق له: عن أبي غادية قال: سمعت عمّار بن ياسر يقع في عثمان يشتمه بالمدينة، قال: فتوعدته بالقتل، قلت: لئن أمكنني الله منك لأفعلن، فلما كان يوم صفين جعل عمّار يحمل على الناس، فقيل : هذا عمّار، فرأيت فرجة بين الرئتين و بين الساقين، قال: فحملت عليه فطعنته في ركبته، قال فوقع فقتلته، فقيل: قتلت عمّار بن ياسر؟! وأخبر عمرو بن العاص، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول – فذكره -، فقيل لعمرو بن العاص: هو ذا أنت تقاتله؟ فقال: إنما قال: قاتله وسالبه، قلت: وهذا إسناد صحيح – الألباني يقول وهذا إسناد صحيح -، رجاله ثقات رجال مُسلِم – فالحديث صحيح، حديث قاتل عمّار وسالبه في النار حديث صحيح -، وأبو الغادية هو الجُهني وهو صحابي كما أثبت ذلك جمع – ذكرنا لكم هذا اليوم عن ابن حجر -، وقد قال الحافظ في آخر ترجمته من الإصابة بعد أن ساق الحديث وجزم ابن معين بأنه قاتل عمّار: والظن بالصحابة في تلك الحروب أنه كانوا فيها مُتأوِّلين، وللمُجتهِد المُخطىء أجر، وإذا ثبت هذا في حق آحاد الناس فثبوته للصحابة بالطريق الأولى.
الألباني حكى كلاماً جميلاً وقوياً فعلاً، قال وأقول: هذا حق، لكن تطبيقه على كل فرد من أفرادهم مُشكِل لأنه يلزم – يُلزِم أو يلزم منه، فهذا أحسن – تناقض القاعدة المذكورة – ما المُراد بالقاعدة المذكورة؟ كل الصحابة عدول ومُجتهِدون وإذا أخطأوا في الاجتهاد لهم أجر، هذا هو فقط، وهذا الرجل منهم أيضاً، ابن حجر يُريد أن يُفهِمك أن أبا الغادية المفروض يكون في الجنة وليس في النار، قال له كيف؟ قال له يُوجَد تناقض، الحديث نفسه يقول قاتل عمّار وسالبه في النار وأنت تقول لي هذه قاعدة، هذا غير صحيح، إما أن تستثنيه وإما أن تُعدِّل قاعدتك، قال له الألباني تُوجَد مُشكِلة، وكلامه صحيح الألباني، ولا يزال هناك تناقض أكبر من هذا لكن نحن تحدَّثنا عنه بفضل الله في مُحاضَرات سابقة عن عدالة الصحابة، المُهِم ماذا قال؟ – بمثل حديث الترجمة، إذ لا يُمكِن القول بأن أبا غادية القاتل لعمّار مأجور لأنه قتله مُجتهِداً – مثل كل البُغاة، يُقال مُجتهِدون، أليس كذلك؟ – ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قاتل عمّار في النار! فالصواب أن يقال: إن القاعدة صحيحة إلا ما دل الدليل القاطع على خلافها فيُستثنى ذلك منها كما هو الشأن هنا، وهذا خيرٌ من ضرب الحديث الصحيح بها. و الله أعلم.
ثم استتلى الألباني يقول: ومن غرائب أبي الغادية هذا ما رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المُسنَد (4/ 76) عن ابن عون عن كلثوم بن جبر قال: كنا بواسط القصب – هذا مكان – عند عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، قال: فإذا عنده رجل يُقال له: أبو الغادية استسقى ماء – أي طلب ماءً، قال اسقوني -، فأُتيَ بإناء مُفضَّض – أي فيه فضة أو خيوط فضة -، فأبى أن يشرب – ورع – وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر هذا الحديث – تُوجَد مُصيبة أكبر من هذا أيضاً، قال لا نشرب في هذا، هذا من فضة، هذا حرام، ورع، وبعد ذلك أخذ في الحديث وذكر النبي وروى عن النبي حديثاً يبدو أنه سمعه منه، ماذا قال النبي؟ -: لا ترجعوا بعدي كفّاراً أو ضلّالاً – شك ابن أبي عدي – يضرب بعضكم رقاب بعض. فإذا رجلاً – هو الذي يقول لهم، يحكي لهم القصة – يسب فلاناً، فقلت – مَن هذا الرجل – يتحدَّث عن عمّار -: والله لئن أمكنني الله منك في كتيبة – أي لأفعلن وأفعلن -، فلما كان يوم صفين إذا أنا به وعليه درع، قال: ففطنت إلى الفرجة في جربان الدرع فطعنته فقتلته، فإذا هو عمّار بن ياسر! قال: قلت: وأي يد كفتاه – عجيب -، يكره أن يشرب في إناء مفضض و قد قتل عمّار بن ياسر؟!.
أرأيتم هذا الدين؟ هذا – كما قلت لكم – دين مُعاوية يا جماعة، هكذا هو دين مُعاوية، تُطلِق لحية وتُصلي وتبكي وتحفظ وتقول لا للأناء المُفضَّض هذا حرام وهذا بدعة وهذا كذا وكذا ثم تقتل الصحابة دون أي مُشكِلة، سوف يغفر الله لك ويُقال مُجتهِد فأخطأ وله أجر، دين مقلوب!
وعدتكم أن نقرأ ماذا اتفق لذي الكلاع، ابن الأثير في الكامل في التاريخ، هذا صاحب أُسد الغابة، هو نفسه، هذا الكامل، المُجلَّد الثالث، دار الكتب العلمية، طبعة سبع وثمانين، الطبعة الأولى، المُجلَّد الثالث، صحيفة مائة وسبع وثمانين، قال وقد كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمّار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية – ذو الكلاع كان مَع مَن؟ مع مُعاوية، فارس كبير جّبار هذا – وآخر شربة تشربها ضياح من لبن، فكان ذو الكلاع يقول لعمرو: ما هذا ويحك يا عمرو؟ – أهكذا قال النبي؟ صُدِم الرجل المسكين، عنده صدق وكان مخدوعاً، أحد مخدوعي مُعاوية، الوحيد الذي لم يكن مخدوعاً وكان يفهم كل شيئ ويُكابِر وكل شيئ بالنسبة له عادي هو مُعاوية، لا يهمه أي شيئ -، فيقول عمرو: إنه سيرجع إلينا – يقول له عمرو لا تخف، من المُؤكَّد أن عمّاراً في آخر لحظة سوف ينتمي إلى مُعسكَرنا وهم سوف يقتلونه، لكن الرجل كان خائفاً لأنه يرى عمّاراً مع عليّ، أنت تقول له النبي قال هذا، فقال ويحك ما الذي يحدث؟ لكن لا فائدة -، فقتل ذو الكلاع قبل عمّار مع مُعاوية، وأصيب عمّار بعده مع عليّ، فقال عمرو لمُعاوية: ما أدري بقتل أيهما أنا أشد فرحاً، بقتل عمّار أو بقتل ذي الكلاع – لأن ذا الكلاع إلى آخر لحظة كان مُستريباً جداً، هذا عمّار، طبعاً لو قُتِل عمّار لانقلب مُباشَرةً ذو الكلاع عليهم ولأحدث هذا فتقاً في الجيش، لكن سبحان الله المقادير ساعدت مُعاوية هذا فقُتِل الرجل قبل عمّار -، والله لو بقيَ ذو الكلاع بعد قتل عمّار لمال بعامة أهل الشام إلى عليّ – يعترف الخبيث، أرأيتم؟ قال لو رأى ذو الكلاع أن عمّاراً قُتِل لعرف أننا الفئة الباغية، يعرف نفسه ويعترف، هو يعرف كل شيئ، لو رأى ذو الكلاع أن عمّاراً قُتِل لعرف أننا الفئة الباغية، ومن ثم ماذا سيفعل؟ قال بعامة أهل الشام إلى عليّ، وهذا يُوضِّح لك مدى أهمية ومثابة ذي الكلاع الحميري، قائد كبير وفارس مغوار هذا، لك أن تتخيَّل هذا، لو رأى هذا لانقضت الناس كلها ضد مُعاوية وانفضت عنه، (ملحوظة) قال أحد الحضور ربما قتله مُعاوية فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم والله هذا مُمكِن، علماً بأن كل شيئ مُمكِن، بارك الله فيك، هذا لم يخطر على بالي لكن لابد من وضع احتمال ولو بنسبة خمسين في المائة، هذا سوف نرجع له ونضعه كاحتمال حين نرى مَن الذين اغتالهم مُعاوية ولماذا، شيئ غريب، أي أحد يُشكِّل خطراً يتخلَّص منه بسهولة، يتخلَّص باستمرار، شيئ فظيع -. فأتى جماعةٌ إلى مُعاوية ….. هذا قلنا سابقاً.
من ضمن الذين قُتِلوا مع عليّ هل تعرفون مَن؟ أويس القرني، شيئ لا يكاد يُصدَّق، أويس القرني خير التابعين، يُشفِّعه الله في مثل عدد ربيعة ومُضر، شيئ عجيب الرجل هذا، يا عليّ ويا عمر إذا لقيتماه فسلاه أن يستغفر الله لكما، مع مَن كان هذا؟ هل كان مع مُعاوية؟ مع عليّ، سأقرأ لكم شيئاً يسيراً عنه، أويس القرني في طبقات ابن سعد الكبير، (161/6) قال صلى الله عليه وسلم خليلي من هذه الأمة – النبي يقول هذا – أويس القرني -، الله أكبر، هذا مُهِم لكي تعرفوا مَن هو عليّ، إذا هذا أويس فمَن عليّ يا حبيبي؟ وهذا يُقاتِل تحت راية عليّ ويموت بين يديه، فماذا عن عليّ؟ عليّ الذي يُسَب إلى اليوم بطريقة أو بأُخرى -، وإن عمر قال لأويس استغفر لي – النبي قال له هذا -، قال كيف أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن خير التابعين رجل يُقال له أويس.
رواه أحمد، وقال في مجمع الزوائد إسناده جيد والحاكم وأبو نُعيم في الحلية وهذا لفظه، نادى رجل من أهل الشام يوم صفين أفيكم أويس القرني؟ – رجل شامي يفهم الموضوع، عنده معلومة -، قال: قلنا نعم، وما تُريد منه؟ قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول – لأن الذي نادي كان صحابياً، الله أعلم مَن هو – أويس القرني خير التابعين بإحسان – هذا صحابي لأنه سمع النبي -، وعطف دابته فدخل مع أصحاب عليّ رضيَ الله عنه.
أخذ آية، صحابي جليل، مسكين يُريد أن يعرف، فقال لهم أفيكم أويس القرني؟ قالوا نعم، وما تُريد منه؟ قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أويس القرني خير التابعين بإحسان، ثم حرَّك دابته وذهب مع عليّ، هنيئاً له سواء عاش أو مات، هذا الصحابي استنقذه الله، وانظر إلى أن هذا إسناده جيد كما قال الهيتمي.
وفي مُستدرَك الحاكم فنادى عليّ يا خيل الله اركبي وأبشري. قال: فصف الثُلثين لهم، فانتضى صاحب القطيفة – مَن هو؟ – أويس سيفه حتى كسر جفنه – كسر قراب السيف – فألقاه، ثم جعل يقول: يا أيها الناس: تموا تموا، لتتمن وجوه ثم لا تنصرف حتى ترى الجنة. يا أيها الناس تموا تموا، جعل يقول ذلك ويمشي إذ جاءته رمية فأصابت فؤاده فبرد مكانه، كأنما مات مُنذ دهر.
انتهى الأمر – سبحان الله – وانتقل إلى الدار الآخرة، شيئ عجيب!
هذا حديث صحيح على شرط مُسلِم، وفي ميزان الاعتدال للذهبي (281/1) ثم عاد أويس في أيام عليّ فقاتل بين يديه فاستشهد بصفين، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة.
وقبره إلى اليوم بالرقة في بلاد الشام، أعني قبر أُويس القرني، ويُزار ويتبرك به قدَّس الله سره، لك أن تتخيَّل هذا، فالحمد لله جيش فيه عمّار بن ياسر وجيش فيه أُويس القرني وجيش على رأسه أبو الحسن عليّ عليه السلام، ماذا تُريد يا أخي؟ الأمور واضحة، واضحة تماماً، ما الذي يحصل؟ أوضح من الواضحات.
سأل الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم الحضور هل تعبتم؟ هل نكتفي اليوم بهذا؟ ثم قال سوف نكتفي اليوم بهذا، لأن بقيَت الفضلة المُهِمة – أيها الإخوة – وهي بيان مُشارَكة وضلوع مُعاوية في قتل عثمان، كيف قتل عثمان أو ضلع – Involved – وانخرط وتورَّط في هذه المُصيبة التي بسببها فرَّق الأمة وفعل ما فعل؟
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
السلام عليكم ورحمة الله،
جزاكم الله كل خير ووفقكم لخدمة الحق والحقيقة وبارك الله فيكم على هذا الجهد الجبار الذي يزيل غشاوة البصر والبصيرة وكل ما سمعته في هذه الحلقات 27 كان دائما هاجسي ولكن خوف الضياع في متاهات الباطل جعلني احجم عن خوض البحث في التاريخ الاسلامي منذ ذهاب الخلافة الراشدة على ايدي بني امية.
انا ابحث عن تتمة الحلقات فأين هي الحلقة 28 من هذه السلسلة وشكرا جزيلا اخي الكريم
اعلم انك لم تاتي بجديد ولا احد من اهل السنه و الجماعه المعتبرين و لا من عامة الامه اليوم قال ان الامام علي رضي الله عنه وارضاه كان باغيا و ان معاويه كان علي الحق. ولقد سئل الإمام أحمد عما جرى بين علي ومعاوية فقال: ” تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون” . فما هي المصلحه الراجحة في اثاره الفتنة؟
عَنِ عبدالله ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ ، وَثَلاثٌ مُنَجِّيَاتٍ ، وَثَلاثٌ كَفَّارَاتٌ ، وَثَلاثٌ دَرَجَاتٌ . فَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ : فَشُحٌّ مُطَاعٌ ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بنفْسِهِ…..) الطبراني وصححه الألباني.
فاياك اياك من هذه الثلاث!
البغاة جمع باغ من قوله وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين)
فالباغي هو الخارج على بيعة إمام المسلمين. وعدنان إبراهيم يريد أن يخرج بهذه اللفظة من معنى “الاعتداء” إلى معنى الكفر والظلم