التكييف الشرعي للجزية
اليوم نحن في الخُطبة ذكرنا – مثلاً – أن النبي بادأ بعض مَن خطط لبدئه بالعدوان، مثل دومة الجندل وقضاعة وحتى الروم في العسرة مثلاً، فهو أراد أن يتغدى بهم قبل أن يتعشوا به كما يُقال، فمهما وقع من أضرار أو تخريب أو تحريق لأشجار أو قتل لبعض الحيوانات وإلى آخره فهذا يقع في بلادهم هم وليس في بلاد المُسلمِ مثلاً، فهذا التعريف قاصر عن تكييف الجزية، تكييف الشرعي الدقيق طبعاً هناك اختلاف فيه، في الحقيقة لدينا أربعة آراء في تكييف الجزية ولن أُطيل بذكرها، أنا عملت عليها خُطبة قبل ربما سنة ونصف وهي موجودة على النت Net، هناك تكييفات كثيرة، ونحن نرتاح إلى تكييف السادة الحنفية، المذهب الحنفي أكثر مذهب استطاع أن يُكيِّف الجزية تكييفاً دقيقاً يلتئم به شمل النصوص، السادة الحنفية ذهبوا في مراجعهم المُعتمَدة إلى ما يُمكِن أن نُترجِمه بلغة العصر إلى أن الجزية بدل حماية، بدل خدمة عسكرية، أي إنسان يكون في ظل دولة مُعينة وفي ظل سيادة مُعينة لابد له من حماية هذه الدولة، ولكن يُكلَّف بالإزاء بجُملة تكاليف، كأن يخدم في الجيش وكأن يُقاتِل وكأن يُدافِع، في العصور السابقة – أعني القرون الوسطى – كان من المُرهِق ومن غير المُستساغ أصالةً أن تُكلِّف أحداً على غير دينك بأن يُقاتِل في جيشك، لأن مُعظم الحروب بطبيعتها كانت حروباً دينية، خطوط الفصل كانت خطوطاً دينية كما يُقال، خطوط الفصل كانت خطوطاً دينية وليست خطوطاً أقوامية أو عرقية وإنما دينية بدرجة أولى، فغير طبيعي أن أُكلِّف اليهودي أو المجوسي أو المسيحي أن يأتي ويخدم في الجيش المُسلِم ويُقاتِل إخوانه النصارى – مثلاً – أو اليهود، هذا مُرهِق جداً، وهو غير مأمون الجانب أصلاً، فقد يخذلك وهو لا يُحِب هذا، فنحن أعطيناه بدل هذا ماذا؟ أن يدفع الجزية ويحظى بحمايتنا وكفالتنا كالمُسلِم سواء، وهناك عبارة مشهورة للعلّامة ابن حزم – رحمة الله تعالى عليه – في مراتب الإجماع وفي غيرها، ابن حزم يذهب إلى أن واجب حماية الذمي منوط بأعناق المُسلِمين ومربوط بجبين السُلطة الإسلامية حتى لو أدى ذلك إلى تفاني المُسلِمين، ولك أن تتخيَّل هذا، إذا اعتُدِى على ذمي في ذمة المُسلِمين فهذا مربوط بجبين السُلطة الإسلامية، وطبعاً قبل الإسلام كان يُوجَد عقد الذمة، لكن كان ذمة مَن؟ذمة القبيلة أو ذمة شيخ القبيلة أو ذمة فلان وعلنتان، في الإسلام أصبح ذمة مَن؟ ذمة الله ورسوله، قال فاحذروا أن تخفروا الله في ذمته، هذا شيئ خطير جداً، أعطاه نوع من القداسة، لذلك الذي يقتل ذمياً أو مُعاهَداً لا يريح ريح الجنة، النبي يقول أنا خصمه يوم القيامة، لأن الإسلام دين أخلاق – كما قلنا – ودين كلمة ودين عهود، لماذا نحن قلنا أن طريقة الأحناف هي أحسن طريقة وأدق طريقة؟ أنا شافعي مثلاً، الشافعية والحنابلة قالوا الجزية بدل عن سُكنى الدار، وهذا كلام لا يستقيم، لأنه يُصبِح ضمن دار الإسلام الآن، ودار الإسلام قديماً لم تكن تتحدد أصالةً بالعنصر الترابي، أي الأرض والإقليم Territory، العنصر الأساسي فيها السيادة، سيادة السُلطة الإسلامية، أينما تكون هذه السيادة تُصبِح الأرض إسلامية حتى وإن كان كل مَن يعيش فيها يهود ونصارى وغير مُسلِمين، بما أن الأمان فيها بأمان المُسلِمين فهي أرض إسلامية، مَن يُعطي الأمان؟ مَن يفرض السلام الخاص به؟ السُلطة الإسلامية، ومن ثم تُعتبَر أرضاً إسلامية، هل هذا واضح؟ هذا مُهِم جداً، تُعتبَر أرضاً إسلامية ولو كان الذين يسكنون فيها على غير دين الإسلام، لكن الأمان فيها بأمان المُسلِمين، فتُصبِح أرضاً إسلامية، فكلام السادة الشافعية والسادة الحنابلة غير دقيق بالمرة، لماذا؟ لأن المرأة الذمية تسكن الدار والطفل الصغير يسكن الدار والشيخ الكبير يسكن الدار والعمال الفعّلة الذين لا يُقاتِلون والفلاحون يسكنون الدار والرهبان في الصوامع يسكنون الدار وكل هؤلاء لا يدفعون الجزية، إذن تعليلهم قاصر، أحسن تعليل قول الأحناف، الأحناف قالوا هذه بدل حماية – نحن نقول بدل خدمة عسكرية – بدليل أنه لا يدفعها ولا يُلزَم بدفعها إلا القادر على حمل السلاح من الطرف الآخر، هذا هو ولك أن تتخيَّل هذا، وهنا قد يقول لي أحدكم ما هي العلاقة الأكثر عمقاً؟ الآن سأقول رأياً ثورياً، يُوجَد رأي ثوري أنا ذكرته في رسالتي العلمية التي ستُطبَع قريباً إن شاء الله تعالى، وهذا الرأي طبعاً سبقنا إليه جماعة من العلماء المُعاصِرين، كان أجرأهم وأوضحهم وأفصحهم به الشيخ الدكتور مصطفى السباعي السوري رحمة الله عليه، وبقيَ رأياً ميتاً لا يُتداوَل ولا كأنه موجود، والرجل قاله في كتاب، لم يقل في مُحاضَرة وما إلى ذلك وإنما في كتاب، لكنه يُخالِف المألوف تماماً، مع أنه مُلتئم بالآية وبروح القرآن وروح الإسلام، مصطفى السباعي يقول لا يُوجَد في الإسلام شيئ اسمه اذهب قاتل الناس وبعد ذلك خُذ جزية، هذا كلام غير صحيح، قال مَن قرأ القرآن وفهم القرآن والسُنة بشكل سليم يفهم أننا لا نُقاتِل إلا دفاعاً وإلا درءاً للعدوان والفتنة، فإن أمكننا الله منهم – تبارك وتعالى – كانت خُطتنا إما الإسلام وإما الجزية وإما طبعاً الثالثة الكريهة، قال فالذين بدأونا بعدوان وأظفرنا الله بهم نُدفِّعهم الجزية، أما في غير هذا لا يُوجَد مساغ للجزية، لا يُوجَد معنى لأن تدفِّع لي الأقباط اليوم في مصر جزية أو مسيحي العراق جزية، قال هذا كلام فارغ، هذا غير موجود، وهو ليس من الإسلامِ في شيئ فعلاً، وكلمة جزية لم ترد في كتاب الله إلا مرة واحدة، طبعاً في كتب الفقه تجدها في ألوف المرات، دائماً الحديث عن الجزية والجزى والجزي والجزى والجزية، لكن في الكتاب وردت مرة واحدة، في سياق الآية الكريمة التي حاولت أن أُفسِّر جانباً منها، أظهرت به – أي بهذا التفسير – الخلفية التاريخية للآية وبعد ذلك المعنى العميق للآية، وهي أنها تأمر بقتال نفر مخصوصين مردوا على مُعاداة الإسلام والمُعسكَر الإسلامي والتحرش به غير مرة وذكرت لكم منها وقائع، هذا هو فقط، فهؤلاء حين ينكسرون ويصغرون – بإذن الله تبارك وتعالى – بالهزيمة نُدفِّعهم الجزية، هنا تكون الجزية، وأنا أقول لكم لا يُمكِن أن يكون من خُطة الإسلام ومن رحمة وحكمة الإسلام وإنسانية الإسلام أنه يُكلِّف أبناءه أن يذهبوا لقتال الناس الكافين المُسالِمين ويُعرِّض حيوات أبنائه للقتل، من أجل ماذا؟ من أجل أن نأخذ جزية، وهي مبلغ تافه لا يستأهل أن تُخاطِر بإصبع من أصابعك، أليس كذلك؟ جزية ماذا؟ مبلغ تافه لا يدفعه إلا فقط الشباب القادر على حمل السلاح من العدو، أليس كذلك؟ ويدفعه مرة في السنة، وهي للموسرين جداً، أي الأغنياء، ويدفعون خمسة وأربعين دينار في السنة، وهذا كلام فارغ، نحن عندنا الزكاة وحدها ربع العُشر، أليس كذلك؟ اثنان ونصف في المائة، وهذا شيئ عجيب، الذي عنده ألف دينار يدفع خمسة وعشرين ديناراً، الذي عنده ألفين يدفع خمسين ألفاً، فكيف بالذي عنده عشر آلاف أو ألف ألف؟ الزكاة أكثر بكثير من الجزية، ثم أن المُتوسِّط يدفع النصف تقريباً، ولك أن تتخيَّل هذا، وأما دون المُتوسِط يدفع اثنى عشر ديناراً، والذي ليس عنده لا يدفع شيئاً، ما رأيك؟ والذي كان يدفع وبعد ذلك توقَّف ولم يقدر على الدفع تُعطيه الدولة الإسلامية مُرتَّباً، وهنا قصة سيدنا عمر مع اليهودي، حين غضب عمرغضب وقال ما أنصفناك يا يهودي، أكلنا شبابك وضيَّعنا شيبتك، خُذ يا فلان وافرض له من بيت المال، هذه عظمة الإسلام، لكن – كما قلنا – هذه هي الخُطة المُستنيرة الحقيقة، إذا اعتُدِيَ علينا طبعاً يجب أن ندفع عن أنفسنا، وحين – وهنا رحمة الإسلام – يُمكِّننا الله ويُظهِرنا عليهم نُخيّرهم، إذا أحببتم أن تكونوا إخوة لنا ادخلوا في الدين، أما إذا لم تُحِبوا فنحن لا نُرغِمكم على ترك دينكم والتدين بديننا، ادفعوا الجزية لكي نحميكم، طبعاً لا نتركم يُعاوِدون الكرة ثانية وثالثاً، هذا لا يُمكِن طبعاً، انتهى الأمر، الآن فُلَّ حدهم، لابد أن تُخضَد شوكتهم، لابد أن نكسر هذا السيف الذي اعتدوا به على المُعسكَر الإسلامي، هذا واضح الآن، وهذه حالة – كما قلنا – ذات طابع لا يتكرر دائماً، اليوم النصارى في البلاد العربية – يا إخواني – لم يعتدوا علينا أبداً، هذه الحالة غير موجودة، هؤلاء من مئات السنين يعيشون معانا كإخوة في الوطن الواحد وخاصة بعد عهد الاستعمار، جاء الاستعمار ونسخ التاريخ الذي قبله، لماذا؟ السيادة أصبحت للمُستعمِر، ابن البلد لم تعد عنده أي سيادة، المُستعمِر صار هو السيد بالظلم والباطل طبعاً والبغي، فقاومه أهل البلد، المُسلِمون والنصارى في مصر واليهود – الكل قاوم – فتحرروا، الآن نشأ لدينا وضع جديد بالمرة، أنا أقول لكم ظلمٌ صارخ أن يُصبِح المُسلِم في هذا الوضع هو صاحب السيادة الوحيد ويتخوَّل هؤلاء النصارى ويقول هؤلاء أهل ذمة ونُدفِّعهم جزية، هذا وضع غبي لا تقول به الآية ولا النصوص ولا دين الله، من أين لكم هذا؟ هذا جمود العقل الفقهي، علماؤنا – للأسف الشديد – ليس لديهم الجرأة على الاجتهاد وعلى الفهم مثل ما فعل الشيخ السباعي، حتى المودودي – المودودي أصولي، أي عنده تفكير أصولي مثل سيد قطب – له رأي في الجزية قريب بنسبة تسعين في المائة من رأي السباعي، ما رأيكم؟ وذكرته في الرسالة، وحين تقرأه تنصدم، ولذلك دستور الدولة الإسلامية في الباكستان قال لا تُوجَد جزية، لا أحد في الباكستان يدفع جزية، كلهم مُواطِنون!
دولة المواطنين
حتى أُتيح المجال لإخواني وأخواتي لأسئلة أخرى أقول بكلمة واحدة يا إخواني صدِّقوني -هذا الدرس ينبغي أن نتعلَّمه جيداً – لن تُحَل مشاكل المُسلِمين الآن والعرب والله العظيم – لن تُحَل لا في اليمن ولا في العراق ولا في مصر ولا في إيران ولا في أي مكان تُريدونه – حلاً حقيقياً إلا بتبني نموذج دولة مواطنيها، اترك الذمة والجزية، هذا كلام تاريخي، هذا نسخه التاريخ ونسخته الوقائع ، تماماً كما نسخت الوقائع مُؤسَّسة الرق، لا يُوجَد اليوم عبيد وما ملكت إيمانكم وعبدي وما إلى ذلك، انتهى هذا الآن، وانتهى موضوع ذمة وجزية، هذا ما عاد موجوداً الآن، إذا حصل في يوم من الأيام – لا قدَّر الله – وجاء ناس من الخارج واعتدوا عليك وما إلى ذلك وأردت أن تستحيي هذا النظام ورأيت أن من المُمكِن أن يشتغل في القانون الدولي بشكل صحيح وبشكل سليم جرِّب لكي نرى، لكن غير هذا لن يُوجَد لهذا النظام أي موضع، أعني نظام ذمة وجزية، هذا وضع تاريخي تقريباً انتهى بكل تضاعيفه، نحن الآن أمام أوضاع جديدة، وأنا أقول لكم هذه الأوضاع الجديدة أحسن وأفضل وأكرم وهي الوحيدة القادرة على حل المشاكل، انظروا إلى اليمن، دائماً يعتبون علىّ ويقولون انظر إلى اليمن وتكلَّم عن اليمن، لكنني لن أتكلَّم، أنا تكلَّمت بكلام عام وقلت لكم ما هي وجهة نظري، لن تُفلِحوا بدولة يُريد أن يُحكِم فيها الإخوان المُسلِمون وحدهم، الإصلاح وغير الإصلاح وتكون السعودية وراءهم وما إلى ذلك، لن تُفلِحوا بدولة يحكم فيها الحوثيون ووراهم إيران وحزب الله، لن تُفلِحوا، لن يسكتوا للحوثيين ولن يسكت الحوثيون للإخوان والإصلاح وسنظل نتذابح ونتقاتل، وأعداؤنا يتفرجون وهم مبسوطون جداً جداً جداً، هذا هو الذي اشتغلوا عليه من قبل ثمانين سنة، أقسم بالله على هذا، تنمية إسلام أصولي يلعب لعبة السياسة بغباء ومن ثم يُمزِّق الأوطان ويُمزِّق الشعوب، دمَّرنا كل شيئ بأيدينا ونحن لا نعقل، نترك كل هذا على جانب ونأخذ – كما قلت لكم – بالخيار الأوسع والأعدل والأرحب، أي دولة لمواطنيها، أليس كذلك؟ وهذا من غير مُحاصصات وما إلى ذلك، أنا أقول لكم إذا أردنا أن نعمل كوتات في الحكومات يُمكِن أن نعمل كوتات للأقليات المُضطهَدة فعلاً والتي من غير المُمكِن حتى بنظام الانتخاب والتمثيل أن يكون لها أي حظ، فهذه نُحاوِل أن نعمل لها كوتات محفوظة دائماً لكي لا نظلمها حقها، هذا هو فقط، وهكذا ننجح – بإذن الله تعالى – تماماً، وتُصبِح الدول مُستقِرة وتخدم المواطنين، ولا تُفهِمني – أنا أقول الذي في ضميري – أن عندك مشروع لخدمة الإسلام ونشر الإسلام وأن هذا لن يصلح إلا حين تحكم، كأن يُقال أنا الشيعي أحكم أو أنا السُني أحكم، والسُني مَن؟ أنا السُني التحريري أو أنا السُني الإخواني أو أنا السُني الوهابي، هذا كله كلام فارغ، هذه وصفة تدمير – والله العظيم – وهي تفعل الآن، تُدمِّر دماراً رهيباً، العلاج خارج كل هذا المهرجان، وهو مُجرَّب في العالم كله وينجح، وهو الآن ناجح، أليس كذلك؟
أهل الكتاب وتثليث النصارى
طبعاً قال الله لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ۩، إذن الله يقول لَّقَدْ كَفَرَ ۩، هذا شيئ في الماضي وهو معروف، مَن المعهود هنا؟ فرقة من فرق انصارى تقول بالتثليث، أيTrinity أو Trinität، فكل مُثلِّث يدخل تحت حكم هذه الآية، لماذا؟ لأن يُوجَد نصارى آخرون مُوحِّدون Unitarians، وهؤلاء كانوا موجودين، أيام النبي كانوا موجودين وإسمهم الآريوسيون، على مذهب آريوس الإسكندراني، علماً بأن في الصحيح إشارة غريبة جداً، وقد عضلت بعلماء الحديث عبر القرون، ولم تُفسَّر إلا في هذا العصر، النبي كتب لهرقل أسلم تسلم، يُؤتك الله أجرك مرتين وكذا كذا ثم قال ويا أهل الكتاب تعالوا ثم قال له فإن توليت فإن عليك إثم الآريسيِّين، ماذا قال الشرّاح – حتى ابن حجر – عن هذا؟ الآريسيون جمع أريس، وما معنى الأريس؟ لا يُوجَد في اللغة اللعربية أريس، هذه الكلمة غير موجودة بصراحة، قالوا هم الفعلة، مَن الفعلة؟ رجال الأرض، أي الفلاحون الذين يشتغلون في الأرض، ما هذا الكلام؟ ما علاقة هذا بذاك؟ هل رعية هرقل كانوا من الفلاحين فقط؟ هل لا يُوجَد أهل مدن وما إلى ذلك؟ لم يفهموا القصة، ليس عندهم علم أديان مُقارَنة دقيق، رغم أن أول مَن ألفوا في علم الأديان المُقارَن هم المُسلِمون، أليس كذلك؟ وأشهرهم طبعاً أبو الريحان البَيْرُوني وابن حزم، وبعد ذلك جاء الشهرستاني وغيره، على كل حال معنى الآريسيين واضح جداً، والنبي كان يعرف – أكيد هذا من عند الله، هذه ثقافة إلهية وفكر إلهي سبحان الله – أن في النطاق البيزنطي – أينما تحكم بيزنطة تحكم الدول بما فيها مصر طبعاً والشمال الأفريقي وغيره – يُوجَد مسيحيون مُوحِّدون يقولون “لا إله إلا الله، عيسى عبد الله ورسوله”، وهم أتباع آريوس الإسكندراني الذي قُتِل واعتُبِرَ مُهرطِقاً Heretic وظل أتباعه يُطارَدون، وإلى اليوم يُجرَّمون، هناك مُوحِّدون إلى الآن، ما رأيك؟ هناك أربعة من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية مُوحِّدون، ولك أن تتخيَّل هذا، أربعة من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية مُوحِّدون، ترانسيلفانيا عندك حوالي مائتين ألف مُوحِّد نصراني، هؤلاء يُوجَدون الآن، هم قلة ومبثوثون في العالم لكنهم نصارى مُوحِّدون، السوسينيون – Socinians – في أوروبا هنا ذُبِحوا واعتُبِروا هراطقة وكانوا مادةً لأحكام المحاكم التفتيش، السوسونيون كانوا مُوحِّدين، وهذه هي تهمتهم، أنهم كانوا مُوحِّدين، ميغيل دي سرفانتس Miguel de Cervantes هو العالم والمُشرِّح والطبيب والمُهندِس الذي أعدمه جون كالفن Jean Calvin، لماذا أعدمه؟ عنده كتاب ينتقد فيه التثليث ويُثبِت الوحدانية، والرجل من إسبانيا طبعاً وكان مُتأثِّراً بالفكر الإسلامي، فأُحرِق في جنيف، أتى به هذا الخبيث – أي جون كالفن Jean Calvin – وضحك عليه لأنه كان صديقه ثم استدرجه وأحرقه، فالمُؤحِّدون موجودون إذن، الله قال لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ ۩، لم يقل لقد كفر النصارى، كأنه يقول كفر من النصارى الذين قالوا بالتثليث، لكن هل مِن النصارى مَن لا يقول بالتثليث؟ طبعاً، هناك من النصارى مَن لا يقول بالتثليث، هذه هي، أنا أقول لك هؤلاء يُوجَدون إلى اليوم، وقلت لك يُوجَد في ترانسيلفانيا مائتا ألف، فإذن المُوحِّدين موجودون، وكان المفروض على المُؤسَّسات الإسلامية بخصوص هذا الاتجاه أن تتواصل معه وتُحاوِل أن تُظهِر أدبياته وتستضيف أصحابه وتعمل نقاشات بينهم وبين النصارى الآخرين، لكن نحن – ما شاء الله – مشغولون بذبح بعضنا وليس بنصر ديننا وننصر توحيد الله عز وجل، لا نزال نذبح بعضنا، أصبحنا وصفة سياسية للذبح فقط، فطبعاً هذا رأيي وهذا هو الراجح، ولذلك أنا في الخُطبة الثانية لفت إلى الإشارة الإلهية العجيبة في التفريق بين الذين آتيناهم وبين الذين أوتوا الكتاب وبين أهل الكتاب، هذا شيئ عجيب، وهذا من الدقة المنهجية العجيبة لكتاب الله، هذا ليس كلام بشر، وإلا ما معنى هذا؟ وأنا أقول لك هذا القرآن لو أُلِف في مرة واحدة وخرج به النبي على أصحابه في مرة واحدة لن ألتفت كثيراً إلى هذا وسأقول هذا أمر عادي وهو عنده كان خُطة، لكن القرآن أتى في ثلاث وعشرين سنة هنا وهناك وفي حرب وسلم وشتاء وصيف ومشاكل وما إلى ذلك، وبعد هذا كله أُعيد ترتيبه في المُصحَف بالطريقة الموجودة ومع ذلك تجد فيه نظاماً من أوله إلى آخره، يُوجَد منطق هنا، أين ذكر الله الذين آتيناهم إلا في معرض المدح؟ هذا أمرٌ عجيب، كأنه يقول الكتابيون الذين التزموا خُطة الكتاب الصحيحة وليست المُحرَّفة والتزموا بالأصول ولم يزيدوا أو يُنقِصوا وأخلصوا النية لله في التدين أشهد لهم وأُعطيهم إجازة وأُشِّرفهم بأن أنسبهم إلىّ، قال الله الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ۩، انظر إلى الدقة القرآنية، فمثلاً قال الله الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۩، وقال أيضاً الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ ۩، يعرفون مَن؟ يعرفون محمداً، لم يُزوِّروا في الكتاب ولم يحذفوا اسمه، موجود في التوراة وفي الإنجيل محمد – عليه السلام – باسمه والله، ما رأيك؟ موجود باسمه، كم مرة حدثت إخواني بالقصة العجب التي قالها الشيخ عبد الوهاب النجار، الذي لم يسمعها من قبل يسمعها الآن ويقلها، قصة عجب للعلّامة المصري المُؤرِّخ الشيخ عبد الوهاب النجار صاحب قصص الأنبياء رحمة الله عليه، هذا كان رجلاً مُجتهِداً، وعقله جرئ ومُتفتِّح، أنا أستغرب كيف كان يُوجَد قبل تسعين سنة واجتهد كل ما اجتهد وعنده قصص الأنبياء وعنده آراء عجيبة يخرق بها إجماع المُفسِّرين والمُؤرِّخين، كان رجلاً ذكياً، مدرسة محمد عبده أخرجت لنا أُناساً أذكياء، وبعد ذلك جاءت هذه الأصولية الإسلامية ومسحت كل شيئ وأجهضت لنا كل هذا الذكاءواستحالنا إلى جمود وغباء وكليشيهات غريبة عجيبة، فعبد الوهاب النجار يحكي – رحمة الله عليه – قائلاً كنت ذات أماشي البروفيسور Professor كارلو نَلِّينُو Carlo Nallino – علماً بأنه مُستشرِق إيطالي طبعاً، وقد قرأت له كتابين في تاريخ الحضارة الإسلامية، وهو رجل مُفكِّر كبير عملاق وكان يُجيد اللغة العربية واللغات الشرقية، أجاد عدداً من اللغات الشرقية فضلاً عن اللغات الأوروبية – فسألته قائلاً بروفيسور Professor كارلو نَلِّينُو Carlo Nallino لديكم في الكتاب المُقدَّس كلمة الفارقليط، أي Paracletus، ما معنى الفارقليط؟ علماً بأن العرب يُترجِمونها إلى الفارقليط، قال المُعزي، طبعاً في الترجمة الموجودة الآن كلمة المُعزي، يُريد يأتي المُعزي، ما معنى المُعزي؟ قال فألتفت إليه وقلت له بروفيسور Professor كارلو Carlo أنا لا أسأل كارلو نَلِّينُو Carlo Nallino المسيحي الكاثوليكي المُتعصِّب، أنا أسأل الأستاذ – أي البروفيسور Professor – كارلو نَلِّينُو Carlo Nallino العالم باللغات الشرقية واللغة اليونانية القديمة، والعالم من المفروض أن يكون نزيهاً وأن يحكي الحقيقة حتى ولو على حساب رأسه، قال فأحمر وجهه خجلاً ونكَّس رأسه وقال معنى كلمة Paracletus باليونانية القديمة يُوازي أو يُعادِل أفعل التفضيل من الحمد، قال وكَبُرَ عليه أن يقول أحمد، لأن العلّامة النجار أحرجه وقال له أنا أُريد أن أسأل العالم وليس المُتعصِّب، كعالم جاوبني، اخرج من نفسك الكاثوليكية المُتعصِّبة، أُريد الجزئية الثانية فيك التي تتعلَّق بالبروفيسور Professor العالم الدارس، قال له بالضبط هذه الكلمة تُساوي كلمة أحمد، وأنا أقرأ في سورة الصف وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۩، هل قال محمد؟ هل قال محمود؟ لم يقل الله لا محمد ولا محمود رغم أن من المعروف أن معروف اسمه محمد، فلماذا إذن؟ لأنه في هذا الموضع بالذات الله يحكي حكاية دقيقة، الاسم الذي بشَّر به عيسى من أسماء رسول الله – من بين كل أسماء رسول الله، أنا أحمد وأنا محمد وأنا محمود وأنا القافي وأنا المُعقِّب وأنا الماحي وأنا كذا وكذا – أحمد، وفعلاً كلمة Paracletus معناها باليونانية أحمد، لماذا؟ لماذا تطوون هذا وقد ضلَّلتم حالكم وضلَّلتم البشرية؟ الآن يدفع ثمن هذا حتى المُسلِمون، ما رأيك؟ والله العظيم، الآن مَن يُلحِد من أبنائنا ومَن يكفر ومَن يفقد الثقة بالدين لو ثبت عنده هذا سوف يُفكِّر مليون مرة قبل أن يُلحِد، سوف يقول ما القصة؟ ما الذي يحدث؟ هل فعلاً الإنجيل – Gospel – نفسه قبل محمد – انظر هو قبله بكم سنة، يسبقه بستمائة سنة تقريباً – يُبشِّر به؟ الله أكبر، هل لم يأت أي شخص ثانٍ؟ لم يأت ثانٍ أو ثالث أو رابع ومائة واسمهم محمد أو أحمد وادّعوا أنهم آخر الأنبياء والمُرسَلين وأن عندهم دين ومُعجِزة كالقرآن، لم يأت إلا هو، واضح أنه المقصود إذن، فهذا حتى المُسلِمون يدفعون ثمنه هنا، الله يقول مَن يفعل هذا يكون من أهل الكتاب، هؤلاء أوتوا الكتاب، عن آبائهم وأجدادهم وعلمائهم أوتوا الكتاب، هذه صيغة البناء للمجهول Passive، لكن هناك الذين آتيناهم، الله يقول هؤلاء أخذوا الكتاب بحقه، أخذوه بالقوة ولم ينحرفوا عن صراطه وسوائه، قال الله الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ۩، أي من غير تحريف، وقال أيضاً الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ – مَن هو؟ محمد – كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ ۩، فضلاً عن أنه قال فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ ۩، وقال وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ۖ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ ۚ ۩، هذا أمرٌ عجيب، في كل هذه المواضع يقول آتيناهم، وفي هذا كله مدح، ولذلك نسبهم إلى نفسه، وأينما قال أوتوا الكتاب ذمهم، لأنه يُشير إلى مَن؟ إلى نفر أوتوا الكتاب ولم يأخذوه بحقه، وإنما أخذوه تعصباً وحمية عن آبائهم وأجدادهم وكبرائهم وتقيلوا طريقتهم وأخذوا مأخذهم فحين ضلوا ضلوا وحين اهتدوا اهتدوا، فهم بين جنةٍ ونار وبين حقٍ وباطل وبين نور وظلام، وانظر إلى الآيات وهى بالعشرات، دائماً تقول هذا، حتى في آية الجزية قال الله مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ۩، أليس كذلك؟ وهكذا هذه المواضع دائماً فيها الذم، نأتي إلى أهل الكتاب، أهل الكتاب كلمة تعم الطائفتين، الذين آتيناهم الكتاب من أهل الكتاب، والذين أوتوا الكتاب من أهل الكتاب، وهذا يعني أن في أهل الكتاب يُوجَد أُناس مُحترَمون، وهذا صحيح، هنا قال الله وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، أي أنه احترمهم، قال الله قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ۩، كأن من المُمكِن أن يقبل هؤلاء الحق وأن يتنازلوا، هذا يُمكِن أحياناً، قال الله وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ۩، عندهم أمانة وخوف من الله، قال الله لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ۩ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ۩، هذه الآيات تُقشعِر البدن وكلها مدح لطائفة من أهل الكتاب، لكن في المُقابِل يُوجَد في أهل كتاب – والعياذ بالله – طائفة على العكس، والآيات هنا تعرفونها وهي كثيرة، فانظروا إلى هذه الدقة القرآنية العجيبة، هذه صيرفة بلاغية وصيرفة بيانية دلالية، كل كلمة في مكانها، كل صياغة بحسابها، هذا ليس كأي كلام، وهذا هو الفرق بين القرآن الكريم وبين أي كلام آخر، حتى الكلام المنسوب للنبي وحتى ما صح من أحاديث ليس كالقرآن، لأن تقريباً كله يُروى بالمعنى ولا يُروى باللفظ، أليس كذلك؟ فحريٌ أن يدخله التحريف والمُغالَطة والزيادة والنقصان، لماذا؟ لأن الشخص الذي يروي يقول بحسب فهمه، هو فهم هذا ومن ثم قاله.
الروح بين القرآن والأحاديث النبوية
أنا لم أجد في كتاب الله آية واحدة – سوف تستغربون من هذا وقد ذكرته في مُحاضَرت لي وفي خُطب – تقول أن الذي يُقبَض هي الروح وأن الروح تُقبَض وأن الروح تخرج، هذا لم أجده ولا مرة، هذا غير موجود بالمرة في كتاب الله، مارأيكم؟ هذا كان أولاً، ثانياً لم أجد في كتاب الله ولا مرة أن هذه الروح المنفوخة من الله تُنسَب إلى غير الإنسان، الذي نُفِخ فيه من روح الله فقط هو الإنسان، لا الثعابين ولا الحيات ولا الحمير ولا البغال وإلى آخره، فقط الإنسان، وسوف تجد بالإزاء أن الأحاديث النبوية تتحدَّث عن الأرواح للحيوانات وتتحدَّث عن قبض الروح وخروج الروح وتقول تخرج الروح وكذا وكذا، وهذه الأحاديث بالعشرات، لكن هذا كله كلام غير صحيح وغير دقيق بالمرة، التي تُقبَض والتي تُنزَع والتي تُحمَل وكذا هي النفس، وهذا ما أتى فيه القرآن الكريم، وأنا على يقين – لست أتردد في هذا – أن النبي حين كان يتحدث عن الموت كان يتحدَّث عن قبض النفس، دائماً نجد هذا في القرآن، هذا هو النبي، لكن الرواة لم يلحظوا – حتى من الصحابة – ما الفرق بين النفس والروح، يظنون أنها نفس الشيئ، وتجد رجلاً علّامة مثل ابن القيم الجوزية – رحمة الله عليه – عنده كتاب ثلاثمائة وخمسين صفحة إسمه الروح وكله عن قضايا النفس والروح وما يتعلَّق بها، ولما جاء بحث المسألة قال لك هما بمعنى، التحقيق أنهما بمعنى، الروح هي النفس، وهذا كلام غير صحيح بنسبة مائة في المائة، أرأيت؟ هذا الفرق بين دقة النظم الإلهي وبين غير النظم الإلهي لأنه كلام يدخله الحق والباطل، والله تبارك وتعالى أعلم.
ضوابط ومنهج الأخذ بالأحاديث وعلاقة النقل بالعقل
ماذا نفعل؟ فعلاً أصبحنا في حيرة فماذا نفعل؟ كيف نأخذ؟ وما هو المنهج؟ أنا سأقول لكم معالم هذا المنهج بسهولة بإذن الله تعالى، طبعاً بعض الناس للأسف الذين ما زالوا يُقلِّدون – التقليدية والآبائية – ويحرثون في البحر ويحلفون بأبقار مُقدَّسة كثيرة ليس لها من القُدسية شيئ يقولون فلان – عدنان أو غير عدنان – يأخذ بمزاجه، مرة يأخذ بالبخاري ومرة لا يأخذ، وهذا هو الغلط بعينه، ماذا تُريدون؟ أنا قلت مائة مرة أنا لست قرآنياً، عندنا طائفة من القرآنيين الآن وهي طائفة عندها آراء فجة – فجة جداً جداً – وهي آراء عاقة، أنا وصفتها بالعقوق ولا أُحِب أن أخوض الآن في مسألة القرآنيين وشؤونهم، ولكن بكلمة واحدة ألمعت إليها غير مرة أقول كل الأمم تحظى وتتمتع بمواريث عظمائها وإن دخل هذه المواريث كمٌ هائل من التزيد ومن الاختلاق، ولكن هذا ما يحدث، هذا ما قاله قيصر وهذا ما يُنسَب إلى قيصر وإلى الإسكندر العظيم أو الكبير وهذا ما قاله أرسطو Aristotle أو غيره وإلى آخره، كل الأمم عندها هذا الحق، وكأن ليس من حق أمة محمد – ونبيها أجد الأنبياء وآخرهم وأحدثهم – أن تتمتع بتراثه، يُراد الإهالة – إهالة التراب – على كل تراث محمد، كل شيئ اسمه سُنة يُقال لا نُريده وحسبنا القرآن، هذا عقوق، بعيداً عن الكلام العلمي وما إلى ذلك هذا عقوق فكري، أليس كذلك؟ ولذلك أنا لست قرآنياً بكلمة واحدة، عندي منهج مُختلِف تماماً، وهو منهج علمي مضبوط بضوابط، والضابطة الأولى مُهِمة، أي حديث يُنسَب إلى النبي ينظر فيه، وطبعاً يعرف هذا الذين درسوا علم الحديث وتعمقوا فيه فعلاً وحقاً، هذا ليس بالكلام وهؤلاء ليسوا مُثقَّفين وإنما علماء، وهؤلاء تضعف ثقتهم جداً بمُعظم هذا الركام من الأحاديث، انظروا إلى رجل مثل الإمام الذهبي، الذهبي بحر علم في الحقيقة، شيئ رهيب هذا الرجل جداً، عقله مليء بالأسانيد والرجال وما إلى ذلك مثل كتبه، في سير النبلاء له فقرة بسيطة يتحدَّث فيها عن الأحاديث الصحيحة وغير الصحيحة، وهي فقرة صادمة، يقول بحسب تتبعه واستقرائه – حياته كلها قضاها في علم الحديث والرجال والأسانيد والمتون، في كل حياته فعل هذا ولم يُبق الرجل رحمة الله عليه شيئاً – أنا أُرجِّح وأذهب إلى أنه لم يصح من كل ما يُروى عن رسول الله إلا زُهاء أربعة آلاف حديث، وهذا كلام معقول جداً، ليس أربعين أو أربعمائة وإنما أربعة آلاف، مُسنَد أحمد وحده يُوجَد فيه ما يقرب من سبعة وعشرين ألف حديث، وهذا كلام فارغ، إذا صح منه – من المُسنَد كله – ثلاثة آلاف سوف يكون هذا جيداً جداً، لأن أكثر ما في الصحيحين في المُسنَد أيضاً، السيوطي كان يحفظ مائتي ألف حديث، سُئل كم تحفظ؟ قال أحفظ كل ما وصل لنا، ولو وصلنا أكثر لحفظت، كم تحفظ؟قال مائتي ألف حديث، وهذا كله كلام فارغ، جمع الجوامع الخاص به – لم يُحصَ هذا إلى الآن ولكن هكذا يُقدَّر – يُقال أنه فيه في قُرابة سبعين وبعضهم قال ثمانين ألف حديث، وهذا كله مُجرَّد كلام، وحين تقرأ تجد بشكل واضح أنه كلام فارغ وركيك ومُتناقِض ومُتخاذِل وغير مُتماسِك، أحاديث كثيرة جداً، وهناك مُلاحَظة منهجية غريبة جداً جداً، الماء حين يخرج من منبعه يكون أقوى ما يكون، أليس كذلك؟ حين يخرج من منابع النيل ومنابع كذا وكذا يكون قوياً جداً ومُخيفاً، ويبدأ يمشي ويسير وبعد ذلك يضعف وما إلى ذلك، كذلك من المفروض أن تكون الأحاديث كثيرة جداً ومبسوطة ووفيرة كريمة في العهود الأولى، أليس كذلك؟ وبعد ذلك تبدأ تشح لأنها جُمِعَت ومع ذلك، لكن الذي حصل هو العكس، في العهود الأولى الأحاديث كانت قليلة جداً، المرويات كانت قليلة، الإمام مالك – مثلاً – ظل يُحاوِل أربعين سنة أن يُوطيء للناس كتاباً فيه الأحاديث وما إلى ذلك، أربعون سنة يشتغل على الموطأ، فرحمة الله عليه وجزاه الله خيراً، وهذا الكتاب كل ما فيه قُرابة ألف نص فقط، ومنها أحاديث ليست بالمعنى الذي نعرفه أو بالمعنى العامي،على كل حال سوف يأتي لنا بعد ذلك عالم اسمه الطبراني ويؤلف لنا معاجم ثلاثة، والمُعجَم في ثلاثين مُجلَّداً، وفي كل صفحة عندك عشرة آحاديث أو خمسة عشر حديثاً، ويأتي أبو بكر البيهقي ويضع السُنن الكُبرى، تسع مُجلَّدات ضخمة مطبوعة طبعة هندية حجرية وفيها أحاديث بالألوف، من أين أتيتم بها؟ ما هذا؟ وهكذا تزداد الأحاديث بدل أن تنقص، ويُصدِّقون أنفسهم ويقولون أنها صحيحة وقد صحَّحها فلان، كيف يُقال صحيحة؟ من أين أتت؟ ما القصة؟ لن نُدخِلكم في الأشياء الفنية وعلى كل حال نرجع الآن إلى ما كنا فيه، الضابطة الأولى إذا وُجِدَ حديث – لا يهمنا أين، سواء في البخاري أو مُسلِم أو في الستة أو في السابعة أو في السبعين – ويتناقض مع كتاب الله مُناقَضة لا مخلص منها – واضح أنه بيتناقض – نرده دون أن ننظر بلا مثنوية، ارم في الزبالة مُباشَرةً، يستحيل أن رسول الله يقول شيئاً عكس كتاب الله وضد كتاب الله ويُخالِف كتاب الله، هذا يستحيل ولذا ارم، وتعظم الشُبهة حين أرى الأصول الكتابية لهذه الأحاديث، وهذا ما لم يفعله علماؤنا إلى الآن، الله أعلم كم كتاباً قرأت في الإسرائيليات فضلاً عن رسائل الدكتوراة، وهذا كله كلام غير كافٍ، بالمرة غير كافٍ، وأنا أُحِب من فترة طويلة أن أعمل خُطبة عن هذا فقط – والله العظيم – ويمنعني خوف مصدومية الناس، الناس سوف يُصدَمون، أنا أعدكم أنني سأصدمكم صدمة قوية حين سآتيكم بأحاديث في البخاري ومُسلِم وعن عودة عيسى وعن الدجّال وغير الدجّال وسأُطلِعكم على أصولها في كتب اليهود والنصارى، سوف تُصابون بالهبل، كما هي تقريباً بنفس المعاني ونفس الأشياء ثم صيغت ووُضِعَت في البخاري ومُسلِم، ويُقال أنها مُتواتِرة وقطع الله لسانك، عودة عيسى مُتواتِرة، كيف تُنكِرها يا كافر؟ والدجّال مُتواتِر، مُتواتِر كتابياً، كلها عقائد يهودية نصرانية أُدخِلت في الإسلام وهي عكس روح القرآن تماماً، حتى نُطوِّل نقول هذه الضابطة اعتصموا بها، إذن ليس بالهوى وليس بحسب إرادتنا، يُوجَد تناقض وحاولنا نبحث عنه ونسأل العلماء ولم يقدروا على فكه، تناقض واضح صارخ ومن ثم نرده، وهذا كان أولاً.
ثانياً أحاديث تُناقِض الحقائق الكونية أو العلمية الثابتة، ولذا ارم بها، إياك أن تتكلَّف حتى الدفاع عنها وتُشوِّه – كما قلت – وتُسيء وجه نبيك، يُوجَد حديث – مثلاً – بظاهره يقول فيه أين تذهب الشمس يا أبا ذر؟ كل يوم حين تغرب الشمس أين تذهب؟ اليوم إذا سألت ابنك الذي في الصف الخامس سوف يقول لك هي لا تذهب يا أبي، كيف تذهب؟ هذا الكلام غير صحيح، الشمس لا تذهب، الشمس ثابتة، نحن مَن يذهب، نحن نلف وندور، وطبعاً أكيد عندكم المقطع الذي انتشر قبل كم يوم، على كل حال في هذا الحديث قال تذهب تستأذن ربها، الشمس حين تغيب – وهي لا تغيب – تستأذن ربها وتأتي تسجد تحت العرش، واضح أن حتى الصيغة إسرائيلية، ذه خرافات بني إسرائيل، واضح أنها خرافة إسرائيلية، نمط التفكير هنا إسرائيلي وليس علمياً، وهذا عكس ما في القرآن الكريم الذي يعرض للكون عرضاً لم يعرضه أحد من قبل ألبرت أينشتاين Albert Einstein، أينشتاين Einstein لم يكن عالم كونيات أصلاً وإنما كان عالم فيزياء، لكن عنده النظرة النسبية العامة وتقريباً كلها في الكونيات، وأفهمنا أن الكون كله في حركة دائبة مصطخبة، كل شيئ يلف، يلف حول محوره وحول محور ثانٍ، وهذا يلف وذاك يلف، الكل في حركة، ولذلك لا يُمكِن أن تقول هناك حركة مُطلَقة، الحركات كلها نسبية، واضح أن كل الحركات نسبية، وهذا طبعاً مثل نسبية الفضاء ونسبية الزمان وما إلى ذلك، هذه قصة كبيرة، القرآن قال أيضاً أن الكل يتحرَّك، قال الله وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ۩، وأنا ذات مرة حين شرحت هذه الآية من سنين طويلة وجدت فيها مُحسِّناً بديعياً من أعجب المُحسِّنات، اسمه ما لا يستحيل بالعكس، قول الله كُلٌّ فِي فَلَكٍ ۩ اقرأوه من اليمين إلى اليسار، وسوف تجدون أنه كُلٌّ فِي فَلَكٍ ۩، اقرأوه من اليسار لليمين وسوف تجدون أنه (كُلٌّ فِي فَلَكٍ ۩) أيضاً، انظروا إلى الإعجاز الإلهي، كأن الله يقول لك فعلاً هناك Orbits، وسواء الـ Orbit بدأ من اليمين أو من الشمال النتيجة واحدة، لأن الكل يتحرَّك، قول الله كُلٌّ فِي فَلَكٍ ۩ اقرأه من اليمين إلى اليسار، وسوف تجد أنه كُلٌّ فِي فَلَكٍ ۩، اقرأه من اليسار لليمين وسوف تجد أنه كُلٌّ فِي فَلَكٍ ۩ أيضاً، وهذا شيئ عجيب، هذا كلام إلهي، مُستحيل أن هذا خطر على بال محمد، لا يُمكِن أن نفعلها بهذه الطريقة، هكذا جاء قول الله، قال الله وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ۩، فالله قهر الكون والوجود بتحريكه، إبراهيم قال لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ۩، هذا هو، قال لا يُمكِن لأي شيئ في الكون أن يكون إلهاً لإنه مقهور بالحركة،هذا البرهان الإلهي البسيط الجميل أرسطو Aristotle هو الذي انتهى إليه كأقوى برهان لديه على إثبات الذات الإلهية، وهذا الذي أسماه بالمُحرِّك الذي لا يتحرَّك، أرسطو Aristotle فهم أنه كل شيئ يتحرَّك، لكن في نهاية المطاف لابد أن يُوجَد مصدر للحركة، كل هذه الحركات لها مصدر، كلامي هذا الآن أتكلَّمه بفضل أشياء كثيرة منها الشمس وأشعة الشمس، لو ما وُجِدَت شمس وبعثت بالطاقة على الأرض والطاقة أخذها الحيوان وأخذها النبات وأكلت أنا النبات والحيوان لما قدرت على أن أكون حياً وأتكلَّم،فكل شيئ يُعزى إلى شيئ ثم يُعزى إلى شيئ ثم يُعزى إلى شيئ ثم يُعزى إلى شيئ وهكذا، فقال لابد أن نصل إلى إلى مصدر الحركات في النهاية لكل حركة، وطبيعي أن يكون هذا المصدر لا يتحرَّك، لأنه لو تحرَّك لاحتاج إلى مُحرِّك لا يتحرَّك، فقال لابد في النهاية أن نصل إلى الإله، هو هذا الإله الذي لا يتحرَّك ولكنه يُحرِّك كل شيئ لا إله إلا هو، ولأنه لو تحرَّك لاحتاج أن يتحرَّك على محور، وهذا يعني أن لابد من وجود أبعاد في الزمان والمكان وما إلى ذلك، أليس كذلك؟ وهذا كلام فارغ، ومن ثم لا يكون إلهاً، فالله قال كل شيئ في الكون يتحرَّك وهذا يعني أنه مخلوق، إبراهيم – لكي نفهم – قال لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ۩، أنت تذهب وتأتي وتتحرَّك وتلف ومن ثم لا تكون إلهاً، فإذن نعود ونقول هذا الحديث الذي فيه أن الشمس تذهب وتستأذن وتبات تحت العرش وتأخذ الراحة – Rest – الخاصة بها ثم تُصبِّح في الصباح وتستأذن – ويُوشِك أن تستأذن فلا يُؤذَن لها – مُجرَّد كلام فارغ، هذه كلها إسرائيليات، واضح أنها إسرائيليات، وأمثال هذا كثير للأسف الشديد، فنحن عندنا ضوابط.
كذلك الحال مع ما هو ضد العقل المحض، هناك أشياء وقوانين عقلية تُراعى، وطبعاً أنا أتحدَّث بكلام يحتاج تفصيل كثير جداً جداً جداً وأرى اعتراضات على كلامي وطبعاً تكون أحياناً من شباب وجامعي لكن واضح أنهم لا يعرفون ما هو المنطق وما هي الأسس العقلية الحقيقية وأنهم مساكين وعندهم ضعف في التأسيس لها ومن ثم يعترضون باعتراضات هي سخيفة جداً وصبيانية، كتب لي أحدهم – هذا المسكين يرشدني – يا دكتور ألا تُؤمِن معي أن الله – عز وجل – يقدر على أن يجعل واحد زائد واحد يُساويان صفراً ويُساويان ثلاثة ويُساويان مليوناً إذا شاء وأن يقلب كل قواعد المنطق؟ فهذا اعتراض سفسطائي جداً وتافه وسخيف، لماذا؟ هذا المسكين يظن أنه علمي ويُريد أن يُحرِجني ويُحاوِل أن يهديني ويخدمني عقلياً، لماذا يا إخواني؟ لابد من احترام العقل هنا، وإن شاء الله لابد أن أعمل سلسلة لعلها تكون من خمس أو ست أو سبع حلقات عن علاقة العقل بالنقل، لأن إلى الآن لم اقرأ دراسة وفت هذا الموضوع حقه، الموضوع عميق جداً جداً ولم يُتكلَّم فيه بالشكل المطلوب إلى الآن تقريباً، قرأت وسمعت أشياء كثيرة لكن ليست هي، هناك أشياء أعمق من هذا والموضوع خطير جداً، وسوف ترون خطورته، لو كان ذلك كذلك وجاز أن يكون في قدرة الله أن يجعل واحداً زائد واحد يُساويان ثلاثة ويُساويان مليوناً ويُساويان صفراً ويُساويان لا شيئ أيضاً ويُساويان اللانهاية وينتهي نظام السببية كله ونظام حتى الهوية – ابن حزم كان كذلك، ابن حزم أعتقد أن الله يُمكِن أن يعمل كل هذه الأشياء – لن يبق بين أيدينا ولا ضمانة على وجود الله نفسه وصحة الكتاب والدين، هل تعرف لماذا؟ ينهار العقل وتسقط الثقة بالعقل، قد تقول لي كيف؟ لا يُمكِن للعقل أن يقتنع بصحة هذه الفرضية، هل تعرف لماذا؟ لأن العقل حين يتلقاها مُباشَرةً ويُعرِب عن موقفه سلباً أو إيجاباً يكون خاضعاً للعقل وغير قادر على أن يتبرَّأ من نفسه، أنت لا تستطيع أن تقفز فوق ظلك، العقل لا يستطيع أن يقفز فوق نفسه، وهذا الجواب – بفضل الله – ألهمنيه ربي حين كنت في الرابعة عشر من عمري، وإلى اليوم أتبناه وهو مُفحِم، وناقشت به فلاسفة وسلَّموا مُباشَرةً بفضل الله، إلى اليوم أتبناه على بساطته، لكن نحن بسطناه أكثر من ناحية فلسفية ومنطقية، ما هو؟ ديفيد هيوم David Hume كتب محاورات في الدين الطبيعي وتكلَّم نفس الكلام وقال نظام السببية كله هذا هو نظام طبيعي تجريبي وغير يقيني ويُمكِن أن نتخلى عنه، هذا ليس شرطاً لا يتسم بالضرورة، وهذه خربطة كبيرة عنده، فقيل هيوم Hume بضد السببية، أيCausality Principle، لكن وأنا صغير حين قرأت لم اقتنع، وقلت هذا الرجل هنا أحمق مع أنه فيلسوف هائل، لماذا هو أحمق؟ هو إذ يحتج على رأيه في السببية بهذه الحُجج وهي أسباب – Causes – وحجاج يحتج به ضمناً يبصم على السببية وأن لدي حجاجاً قادرة على أن تُقنِع، إذن أنت سببي وانتهى الأمر، لا تستطيع إلا أن تكون كذلك، فالعقل لا يستطيع أن يقفز فوق نفسه، فإذا وجدنا مَن يُريد أن يُسوِّق لنا خرافات ضد العقل وضد مبادئ العقل لن نقبله، أنا أقول لكم ببساطة إذا ضربنا الأساس الحقيقي للسببية لن يكون بوسعنا أن نستدل على الله عز وجل، إذا ضربنا أساس مبدأ الهوية لن يكون بوسعنا أن نُفرِّق بين الخالق والمخلوق وبين محمد والشيطان، لأن مبدأ الهوية غير صحيح، أليس كذلك؟ ألف هي ألف، فانتهينا من هذه الخرافات والسفسطاطات، لا مجال لتسويق أي شيئ ضد العقل المحض باسم النصوص الدينية، حتى لو قلت لي هذه أحاديث صحيحة سوف نرمي بها، هناك ضوابط منهجية هنا، ونُريد أن نُدخِلكم في شيئ أقرب إلى اهتماماتكم واهتماماتنا أيضاً، ما هو؟ خُطتي أنا في مُعاملة الأحاديث النبوية كالتالي، وقد أعربت عنها قبل فترة بسيطة، وأنا أسير عليها وإلى الآن بفضل الله مُطمئن – والله – وضميري مرتاح، أنا أتعبَّد بها الله عز وجل، أُدافِع عن دين الله بهذه الخُطة وأنا مُرتاح جداً جداً، الأحاديث منها ما تواتر ومنها ما لم يتواتر، هكذا قالوا وهكذا علَّمونا، النٌطُق الدينية منها ما هو نظري ومنها ما هو عملي، فنحن لدينا النظري وهو العقيدة، علم العقيدة، علم الأصول، أي أصول الدين والتوحيد، علم الكلام، ومنها ما هو عملي وهو الشريعة والأخلاق، في العقائد – المنهج – لا يُقبَل إلا ماذا؟ القطعي، لأن ما معنى العقيدة؟ كفر أو إيمان، جنة أو نار، لا يُوجَد لعب هنا، لا تلعب بالعقيدة، إياك أن تفعل هذا، يُمكِن ألا يُصلي مُسلِم لمدة عشر سنين ثم يعود يُصلي والله – إن شاء الله – يغفر له ويُدخِله الجنة، لكن لا يُمكِن ألا يكفر ساعة ويموت لأنه سيدخل النار، مُباشَرةً انتهى الأمر، سوف يدخل جهنم لأنه كفر لساعة واحدة ومات على ذلك، فالعقيدة ليست لعباً، العقيدة خطيرة جداً جداً، فالعقيدة في رأي جماهير العلماء بفضل الله – هذا ليس إجماعاً ولكنه رأي الجماهير – لا يُقبَل فيها إلا القطعي، النص لابد أن يكون قطعي الثبوت وقطعي الدلالة، لا مجال للاجتهادات، هذه عقيدة ومن ثم ينبغي أن تكون الأمور واضحة، لابد من قطعي الثبوت وقطعي الدلالة، أنا أقول لكم هذا غير مُتوفِّر إلا في القرآن الكريم، النصوص النبوية ليس فيها ما هو قطعي الثبوت في العقيدة، ليس عندي أحاديث مُتواتِرة أصلاً، أنا أُشكِّك في المُتواتِر أصلاً باستثناء المُتواتِر العملي، مثل كيف صلى النبي وكيف حج وكيف توضأ لأن ألوف الناس رأوه وعملوا مثله، لكن أنه قال وسمعه عدد التواتر وأخذه عن كلٍ عدد التواتر غير موجود، وهذا ليس رأيي، رأي العلّامة شيخ الإسلام ابن حبان صاحب الصحيح “الأنواع والتقاسيم”، قال والصحيح أن الأخبار كلها آحاد، لا تقل لي أخبار مُتواتِرة، هذا كذب، لا تقل لي أحاديث الدجّال مُتواتِر، هذا كذب، وكذلك الحال مع أحاديث عيسى والمهدى وعذاب القبر، هذا كله كذب، ورؤية الله في الآخرة ليست مُتواتِرة، كذب أيضاً، هذا كله آحادي، ابن الصلاح – رحمة الله عليه – ماذا قال؟ قال المُتواتِر اللفظي حديث واحد، علماً بأن ابن الصلاح كان مُتساهِلاً، ابن الصلاح رفع الصحيحين إلى رتبة لم يرفعهما أحد قبله إليها، وبعد ذلك ساروا على منواله، قال الذي أخرجه الصحيحان تقريباً لا يُوجَد أي مجال لشك، ومع ذلك يقول ابن الصلاح ليس عندنا مُتواتِر لفظي إلا حديث مَن كذب علىّ مُتعمِداً، الإمام النووي ماذا قال؟ قال حتى هذا فيه كلام، أن يُزعَم أنه مُتواتِر لفظياً عن رسول الله غير صحيح، قال أحد مشائخنا – مشائخ النووي – شكَّك في هذا والحق معه، هل تعرفون لماذا؟ لأنه مروي بألفاظ مُختلِفة منها مُتعمِداً ومنها من غير مُتعمِداً وما إلى ذلك، ولك أن تتخيَّل هذا، فحتى هذا قال لم يثبت أنه مُتواتِر، ولو رجعنا إلى تعريف المُتواتِر الذي يُخفى علينا ولا يُقال لنا الآن لعلمنا هذا، مع أنني وجدت ابن حجر العسقلاني كان عارفاً به وقال هذا حد المُتواتِر الصحيح، ولكن هذا صعب جداً، وهذا ليس صعباً بل هو مُستحيل ولا يُوجَد شيئ منه، ومع ذلك قيل تسامحوا بمعنى الكلام، ما المُتواتِر؟ ليس الذي رواه جماعة كثيرون وعنهم جماعة كثيرون وكذا وكذا حتى وصلنا، ليس هذا هو، مثلاً إذا قلنا أن حد التواتر خمسة – لنفترض طبعاً ولا معنى لتعيين العدد – فإذن إذا كان العدد أربعة فإنه يكون آحاداً وليس مُتواتِراً، وهذا جيد لأن حد التواتر خمسة، لكي يكون مُتواتِراً لابد أن يرويه عن رسول الله خمسة من الصحابة، وعن كلٍ من الخمسة خمسة، وعن كلٍ من هؤلاء الآن الخمسة خمسة، وهكذا في كل طبقة، هذا هو المُتواتِر، ابن حجر قال هذا المُتواتِر، وهو غير موجود، اطلع وانزل إلى يوم الدين ولن تجد حديثاً بهذه الطريقة، ابن حجر نفسه في فتح الباري ذهب يضرب مثلاً للحديث العزيز، والعزيز هو الذي رواه اثنان، وعن كلٍ اثنان، وعن كلٍ اثنان، هذا اسمه العزيز، وهذا يكون أقوى من الآحاد العادي، فابن حجر قال هذا موجود، إذن ائتنا بهذه الأحاديث، أتى بمثال واحد منقوص، حديث يرويه أنس وأبو هريرة، جميل فهذان اثنان الآن، ورواه كما أعتقد عن أنس اثنان، وهذا جيد لأن إلى الآن هذا صحيح، لكن عن أبي هريرة واحد، إذن ليس عزيزاً، لم يقدر على أن يأتي بمثال واحد للعزيز، فكيف ستأتي بالمُتواتِر؟
يا إخواني بالله عليكم أميطوا عن أنفسكم حجاب ولثام الرهبة بالمُتواتِر، يُخيفوننا – أقسم بالله – بالمُتواتِر، يُوجَد مُرهِب اسمه المُتواتِر، يقولون عدنان إبراهيم يُنكِر المُتواتِر، قطع الله دابره، أحاديث الدجّال مُتواتِرة، أحاديث المسيح مُتواتِرة، ويظنون أنني لا أعرف هذا،قبل أيام بعث لي أحدهم على البريد الإلكتروني – Email – الخاص بي حديثين عن عيسى وما إلى ذلك، هذا شخص مسكين، حين كنا صغاراً قرأنا هذه الأحاديث كلها في الكتب ونعرفها والله، قبل سنوات – أكثر من ثلاثين سنة – قرأنا كتاب التصريح بما تواتر من نزول المسيح لمحمد أنور شاه الكشميري، ولعل أكثر علماؤنا اليوم لا يعرفون اسمه، قرأت كتابه هذا، وقرأت فيض الباري له لشرح البخاري، وهم لا يعرفون مَن هو الكشميري لأنه باكستاني، وقرأنا له أيضاً مجموعة الأعمال الكاملة، وهذه الكتب عندي، أتيت بها من الباكستان، غير موجودة في الدول العربية، أي والله، مجموعة كاملة ومطبوعة طبعة باكستانية مُلوَّنة، ولك أن تتخيَّل هذا، فالكشميري عنده كتاب يدعي أن نزول المسيح من المُتواتِر، وهذا كلام فارغ، ليس مُتواتِراً ولا له علاقة بالمُتواتِر، كما قلت لكم علينا أن نُحارِب المُصطلَحات، فإذن يا إخواني وأخواتي كمنهج باب العقيدة مسدود على الأحاديث وانتهى الأمر، والقرآن يُؤكِّد هذا، هل تتوقعون أو تتقعن أن هناك عقيدة – أي كفر وإيمان، ومن ثم يجب أن تُؤمِن بها – القرآن تعدى عنها وتجاوزها ولم يذكرها؟ مُستحيل، الله قال مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۩، أول شيئ لابد أن يُبيَّن بحدوده وتفاصيله العقديات، والله قال هذا القرآن بالطريقة هذه كافٍ في النجاة حتى للكفار لو أرادوا الكفاية، خذوه وسوف تهتدون، أليس كذلك؟ قال الله يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ۩، فأين في القرآن دجّال ومسيح وعذاب قبر وكل هذه الأشياء؟ من أين أتيتم بهذا الكلام؟ هذا غير موجود، كل هذه أحاديث – كما قلنا – لها أصولها المسيحية واليهودية، خاصة التي تتعلَّق بعيسى والدجّال والقبر، موجودة في الكتب اليهودية والنصرانية بشكل مُخيف، ليس في التوراة والإنجيل وإنما في كتبهم المدرسية التي يُدرِّسها الحاخامات والرابيين وما إلى ذلك، هذه أشياء أنتم لا تعرفونها لكنها موجود بشكل مُخيف، هذا شيئ مُرعِب ومُزعِج، وأنا أتساءل دائماً وأقول كيف تم الدس؟ كيف دسوا علينا؟ كيف خدعونا؟ هل هناك مَن ادّعى الإسلام وأصبح شيخاً وإماماً ودس لنا هذه الأشياء؟ ما الذي حدث لنا؟ فلابد أن أقول هذا في خُطبة – إن شاء الله – وسآتيكم بنماذج لكي تروا الحقيقة.
أركان الاعتقاد واختلاف المُسلِمين فيها
على كل حال الإسلام ظاهر، والإيمان عمل، الإيمان هو العقيدة وليس الإسلام فانتبه، أركان الإيمان التي هي أركان الاعتقاد مذكورة في كتاب الله، قال تعالى كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ۩، وهنا قد تقول لي وماذا عن اليوم الآخر؟ نرجع إلى سورة النساء، قال الله وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ – أرأيت؟ – فَقَدْ ضَلَّ ۩، ناقشني ذات مرة زعيم التكفير والهجرة في فلسطين عبد العزيز جودة، وهو عنده موقع على النت وعنده كتب، وهذا كان في ألف تسعمائة واثنين وتسعين، جاء وفرض نفسه – لأنني لا أُحِب أن أُناقِش هؤلاء – وناقشني، بعد جولتين أُفحِمَ وكان مُنزعِجاً جداً، كنا نتكلَّم عن هذه الموضوعات، وأخذ يتحدَّث عن العقيدة والآحاد وما إلى ذلك، ما الذي حصل؟ قال لي ماذا عن أركان الإيمان؟ أين في كتاب الله أركان الإيمان؟ فأتيت به بالآية، قال لي أين في كتاب الله عددها؟ قلت له هل الإيمان بستية الأركان من أركان الإيمان؟ لم يفهم السؤال والله، قال لي ماذا؟ قلت له أسألك سؤالاً واضحاً – وهذا كان أمام تلاميذه – وأقول لك هل الإيمان بستية الأركان من أركان الإيمان؟ هز رأسه وقال لي نعم، فقلت له، هذا غلط قولاً واحداً، قال لي لماذا؟ قلت له لأنه يدور، فتُصبِح الأركان سبعة، الركن السابع منها الإيمان بأنها ستة، ثم تُصبِح ثمانية، الركن الثامن منها الإيمان بإنها سبعة، وهكذا يدور الأمر، ويدّعي أنه عالم ويُؤلِّف كتباً، هذا ليس العلم، هذا كله كلام فارغ، قلت له الأركان مذكورة في كتاب الله سواء عرفت عددها أم لم تعرف، القدر – والإيمان بالقدر خيره وشره – غير مذكور في الآية، وأنا أقول لكم هذا الركن الوحيد الذي مزَّق الأمة، وإلى اليوم ليس عندها مذهب واحد فيه، فالشيعة عندهم مذهب أمرٌ بين أمرين، أليس كذلك؟ ويشرحونه بطريقة مُعقَّدة وطويلة وما إلى ذلك، وعندك الأشاعرة ومذهبهم قريب من الجبر، هو جبرٌ حقيقةً كسوه بمسحة اختيار على أنه في حقيقته جبرٌ، حتى أن إمامنا الأكبر أبو حامد الغزالي في المُجلَّد الرابع في الإحياء قال وما تُثبِته لنفسك من اختيار فأنت مجبورٌ حتى في اختيارك، قال هذا صحيح وانتهى الأمر، أليس كذلك؟ولدينا المُعتزِلة والقدرية الأُوَل الذين نفوا أساس القدر والتقدير وقالوا لا قدر والأمر أُنف، فكفَّرهم حتى الصحابة وهذه قصة طويلة، فهذا مزَّق الأمة، أليس كذلك؟ولو أنها التزمت بالنص الإلهي القرآني في حدود معاقد القرآن لما تمزَّقت ولاكتفت بالأركان المذكورة في القرآن وحدها، لم يقل الله في القرآن ومَن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدرِ، هذا الكلام غير موجود، وأنا الآن أُحدِّثك عن القرآن الكريم فانتبه، في القرآن الكريم أنت تُؤمِن بالله وما إلى ذلك وقد وقع خلاف طويل عريض وما زال مُحتدِماً حول جماعة – أي مجموعة – من صفات الله تبارك وتعالى، منها أشياء تتعلَّق بباب القدر، فالآن لو سألت أنت أي مسلم زيدياً كان أم سُنياً وهابياً أو أشعرياً أو ماتريدياً – بغض النظر – أم حتى إباضياً أم كذا وكذا هل الله – تبارك وتعالى – قدَّر علينا أعمالنا قلب خلقنا؟ فإنه يقول لك نعم، لا يُوجَد مُسلِم يُنكِر هذا، حتى المُعتزِلة يقولون لك نعم، بمعنى هل الله عالم بما نفعل وما سنفعل؟ يقولون لك نعم يعلم هذا، قطعاً يعلم هذا قبل أن تفعله، وهذا القدر مُتفَق عليه ثم يحدث الاختلاف بعد ذلك، أرأيت؟ فلو اكتفينا بهذا الذي دل عليه الكتاب لكان أفضل، قال الله وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ۩ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ۩، والآيات التي مثل هذه كثيرة جداً، قال الله وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ۩، وهناك طبعاً آيات مُتشابِهة، مثل قول الله إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ ۩، وكذلك مثل قوله وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۩، فظاهرها أن الله فعل هذا لكي يعلم، إذن هو لا يعلم قبل أن تظهر النتيجة، وهذا إلحاد في الفهم طبعاً، وميل عن السواء، فالإلحاد هو الميل، ولذا هذا ميل عن جدة الصواب، لماذا؟ لأن دائماً المُتشابِه يُرَّد إلى المُحكَم، حتى عقلاً المُتشابِه يُرَّد إلى المُحكَم، نحن عندنا طريقة أوتوستراد Autostrad أو Highway طويلة، وعندنا بُنيات الطريق، الذي يدخل بُنية ويتيه ماذا يفعل؟ يعود إلى الجدة لأنها سوف تدله، ومن ثم ينظر إلى أول مخرج، وكذلك المُحكَم والمُتشابِه، فأكيد عندنا تشابه في صفات الله، كثير من الصفات الإلهية فيها تشابه، ومن ثم نردها إلى المُحكَم، فقول اله إِلَّا لِنَعْلَمَ ۩ هل يُمكِن أن يكون مجازاً والمُراد منه إلا لنُظهِر علمنا – لكي نُبرِّز علمنا – بمعنى نُقيم حُجتنا؟ نعم، بدليل أن آيات أخرى – كما قلنا – ذكرت سبق التقدير وسبق الكتابة، وهناك آية في سورة الأنعام ذكرت فعلاً أنه يعلم ما لن يكون لو كان كيف كان سيكون، ومن ضمن ما لن يكون الرجعة إلى الدُنيا، ليس عندنا حياتان تكليفيتان، هي حياة واحدة وهي هذه، هذه حياة تكليف ولن نرجع مرة ثانية، أليس كذلك؟ ماذا قال الله؟ قال وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۩، إذن هو يعلم ما لن يكون لو كان كيف كان سيكون، إذن يجب أن نعتقد هذا، وهذا يكفي في باب القدر، أي أنه يعلم، هو يعلم ما تفعله والقرآن قال هذا فعلك ونسبه إليك، وذلك في باب الخيور وفي باب الشرور، أليس كذلك؟ فاكتف بهذا وقل نعم أنا أُصدِّق الله في أن ما يُنسَي إلىّ هو فعلي، لا تدخل لي في الأعماق الفلسفية الآن ولا تقل ما أصل هذا الفعل وما منشأ الإرادة عندي وهل إرادتي مفعولة له أم مفعولة لي ولو كانت مفعولة لي سأقول كيف هذا لأنه خالق كل شيئ وما إلى ذلك، وإلا سندخل في هذه الدوكة الكبيرة التي مزَّقت الأمة، هذه مزَّقت الأمة ومن ثم لا علاقة لنا بها لأنها من التكلف، والله لم يُكلِّفك أن تُؤمِن بهذه الأشياء، أليس كذلك؟ فحتى لا نُطوِّل ولا ندخل في هذه الأشياء نقول في باب العقائد نحتاج إلى المُتواتِر، ولا مُتواتِر خارج الكتاب.
عذاب القبر بين النفي والإثبات
سنتحدَّث عن موضوع عذاب القبر بكلمة واحدة، لأن الحديث في هذا الموضوع طويل جداً، باختصار نقول هناك من علماء العصر الآن مَن أنكره، والناس حتى صُدِمَت أن المُفسِّر الكبير والرجل العارف بالله الشيخ محمد متولي الشعرواي – كان رجلاً صالحاً رحمة الله عليه – انتهى في آخر حياته إلى أنه لا يُوجَد عذاب قبر وما إلى ذلك، والناس صُدِموا، كيف الشعراوي يقول هذا؟ نعم الشعرواي قال هذا حين قرأ وبحث المسألة، وماذا عن الأحاديث؟ طبعاً هناك عشرات الأحاديث ويُقال أنها صحيحة، فما القصة هنا؟ باختصار هناك مَن يُؤمِن طبعاً بالطريقة المعروفة، بمعنى أنه يأخذ بكل القصة التي تقول يُوجَد عذاب ويُوجَد نعيم وإلى آخره، وهناك مَن يُنكِر بالكامل، لكن أنا من الفريق المُتوسِّط، أنا مع كتاب الله، هل كتاب الله دل أم لم يدل؟ دل، ليست دلالة قطعية تماماً يعني وإنما أرجحية، على أنه الإنسان حين تُقبَض نفسه – نفسه وليس روحه كما قلنا – ويموت لا ينعدم بالطريقة الفيزيائية أو الفلسفية ولا يدخل طور العدم، وإنما يكون له فعلاً وجود برزخي – وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۩ – ويكون له فيه نوع إدراك كإدراك النائم، فالنائم يُدرِك، أليس كذلك؟ ويرى مرئيات ويشم مشمومات ويرى بعض الألوان، ويقوم يُحدِّثك عنها بل ويتحدَّث حتى عن طعوم ذاقها وما إلى ذلك، وأحياناً ينام الإنسان وهو ظمآن ثم يشرب في المنام ويستقيظ وهو مُرتوٍ، سبحان الله هذا شيئ غريب، إذن هنا يُوجَد إدراك للنائم لكنه غير إدراك الحي، والقرآن الكريم ذكر هذا، قال في القبر الناس لا تُعدَم ولكن كأنها تنام، كأنه عالم نوم، والنائم ماذا يعتريه؟ تعتريه الأحلام والكوابيس والهلاوس والمرائي الحسنة، علماً بأن هذا ليس في القبر فقط – والله – وإنما في الدُنيا أيضاً، هذا – والله – في الدُنيا:
بِذَا قَضَى اللَّهُ بَيْنَ الْخَلْقِ مُذْ خُلِقُوا أَنَّ الْمَخَاوِفَ وَالْأَجْرَامَ فِي قَرَنِ.
جماعة القذافي حدَّثت بعد أن هلك أنه كان لا ينام ليلة بطولها، هذا مُستحيل، ينام ساعة أو ساعة ونصف ثم يقوم ويقول انقلوني، يقومون بنقله إلىمخزن آخر تحت الأرض وما إلى ذلك، فينام قليلاً ثم يقول انقلوني، وهذا ليس أثناء الثورة وإنما من قبل، طيلة حياته يحدث له هذا، وكان الرجل يأخذ كمية مُهدئات فظيعة، ليس عنده حكمت فعدلت فأمنت فنمت، لا يُوجَد هذا الكلام، حين تُجرِم وتقتل شعبك وتذبحه سوف تبقى دائماً خائفاً، أليس كذلك؟ مثلاً إنسان الآن يُصلى معنا وهو مُتورِّط مع خمسة أو ستة في ديون وقد ضحك عليهم ولم يردها، طبيعي أن تجده يتلفت في الصلاة ويخاف من الفضيحة، يُحدِّث نفسه قائلاً أخشى أن يأتوا إلى المسجد ويُحدِّثوا الناس ويقولوا للشيخ ويتحدَّثوا عن قصتي بعد الصلاة وما إلى ذلك، فطبيعي أن المرء بعد أن ينقطع انقطع من الدنيا وقد رأى الملائكة والموت وما إلى ذلك ألا ينام مرتاحاً، سوف تظهر له مرائي، وهذه من الله تبارك وتعالى، ليس الدماغ هو الذي يفرزها عنده وإنما الله هو الذي سيبعث له إياها، سيرى صوراً من مصيره الغابر المُستقبَل، ليس عذاباً حقيقياً كما كنا نظن وإنما هذه صور، والمُؤمِن كذلك أيضاً، لماذا؟ آيات كثيرة تدل على هذه النهاية، أشهرها مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا ۩، لماذا عبَّروا بالرقود؟ إذن هم حين قاموا لم يروا أنهم كانوا مُعدَمين أو موتى بالمعنى العدمي أو قالوا من أحيانا الآن، قالوا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا ۩، كيف؟ لماذا عبَّروا عن هذه الفترة البرزخية بالرقود؟ لأن الكوابيس والأحلام السيئة كانت تنتابهم، هذا هو، فقالوا نحن كنا نائمين، فهذا شيئ أشبه بالنوم، والقرآن الكريم في عشرات الآيات قاطع بأن الحساب يوم الحساب، القبر ليس فيه حساب، كيف يكون الحساب هنا؟ قيل هناك حساب على الغيبة والنميمة وعلى التنزه من البول واضرب وافعل، وهذا كله مُستحيل، الحساب ليس في القبر، الحساب يبدأ يوم القيامة، وتوفية الحساب هناك، وهذه قصة طويلة لكن هذا ملخص رأيي فيها.
ملحوظة: سأل أحد الحضور سؤالاً عن آية غافر التي تقول النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ۩ وهذا جواب الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم:
أنا لا أُريد أن أُقيم مُحاضَرة الآن لكن الآية جوابها فيها، قال الله النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ۩، أي أنه عبَّر بالعرض، والعرض هنا تعبير دقيق عن المرائي، لأن الإنسان في نومه تعرض له أشياء، ولذا يُقال عرض له في نومه وسنح له، العرب تقول عرض له وسنح له، هذا هو بالضبط، فهم يُعرَّض عليهم وعلى غيرهم.
– ملحوظة: سأل أحد الحضور في المسجد عن الآية التي تقول وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ۩، وهذا جواب الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم:
ما المُشكِلة؟ هل هذه في القبر؟ عند الوفاة طبعاً، خروج النفس مُلاحَظ، نحن كان لنا جار يقتل القطط، يومياً نخرج ونتألَّم، كل الحارة تتألَّم من هذا الرجل الجبّار، ما هذا المُجرِم؟ سبحان الله حين يجد قطاً أو قطين أو ثلاثة يقوم بقتلهم، لما نُزِعَ وجاءته الملائكة – ليس يضربونه وما إلى ذلك فحسب – مكث ليالٍ عديدة يُسمَع شخيره ونزعه في الشارع،
صوت مُخيف والله العظيم، عُذِّب الرجل عذاباً شديداً قبل أن يموت، وطبعاً نحن رأينا أُناساً صالحين على العكس، أنا رأيت سيدة كبيرة وكانت تصوم – سبحان الله – ربع السنة ولا تأكل إلا من حر مالها لأنها كانت امرأة نزيهة عفيفة، ودائماً مُتعبِّدة وسبحتها في يدها بشكل عجيب، وكنت جالساً حين احتُضِرَت – ولا يُقال احتضرت طبعاً، الملائكة تحتضر، والميت يُحتضَر، أي يُحضَر، فانتبهوا – وكنت طفلاً يبلغ عمري إحدى عشرة سنة في الصف الخامس الإبتدائي، وكنا نتكلَّم فاعتدلت في جلستها – رحمة الله عليها – وسبحان الله أشرق وجهها، أصبح على صفار جميل، وقالت وحِّدوا الله، فقلنا لا إله إلا الله، علماً بأنها كانت مريضة، ثم قالت صلَّوا على رسول الله، فقلنا اللهم صل على رسول الله، ثم قالت وحِّدوا الله وهكذا، ففرح رجل كبير وقال الحمد لله أنها تكلَّمت، فأخ قال له لا، هذه هي يقظة الموت، فقال لا، ما شاء الله عليها أصبحت طيبة وقامت، ثم قالت وحِّدوا الله، فقلنا لا إله إلا الله، وبعد ذلك أسندت جسمها على الكرسي ورفعت إصبعها قائلة أشهد أن لا إله إلا الله – أمامي – وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ثم توفت، هذا هو فقط، اقشعر بدني الآن، ويقشعر كل ما أتذكر هذا الشيئ، ميتة من أجمل ما يكون، ثم انفرد وجهها، والناس تعجَّبت من الجمال الذي علاها، أصبح وجهها جميلاً وقد انفرد، وأصبح فيه نور مُصفَر، لا إله إلا الله، ومثل هذه كثيرة، حدَّثني رجل عن أخيه قائلاً أخي كان رجلاً من الصالحين ومات مسوماً، أي مات بالسُم، قال لي والله يا ابني – كنت طفلاً صغيراً – عانى من السُم أياماً، ندخل عليه في الساعات التي احتُضِرَ فيها فيصرخ فينا قائلاً انتبهوا، فنقول ماذا يا فلان؟ يقول انتبهوا، لا تمشوا من هنا، اذهبوا ولا تُؤذوهم، قال لي فعلمنا أنه في محضر الملائكة، قال فنخرج ونسمعه يُسلِّم قائلاً وعليكم السلام ورحمة الله، أهلاً وسهلاً، وعليكم السلام ورحمة الله، الملائكة يُسلِّمون عليه، ثم احتُضِرَ في نفس اليوم ومات، فطبعاً المُؤمِن يُعامَل بهذا الإكرام والعكس صحيح، ولذلك قال الله إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ۩، هناك بُشرى عند الموت بإذن الله، والكافر له الضرب، وتخرج نفسه فعلاً خروجاً من أبشع ما يكون، لا تخرج وهو مرتاح ومُتجلٍ ومبسوط.
حساب البشر على الله
في نهاية المطاف حساب البشر على الله، إياك أن تنطلق من مُقدِّمة كل مَن ليس بمسلم هو كافر جهنمي، أي أنه سيدخل جهنم، قلت مائة مرة أن الكافر الذي سيذهب إلى جهنم – والعياذ بالله – هو الذي ثبت الحق بدليله أمامه ولم يكن عنده مخلص منه لكنه كابر عليه وكفره وستره، هذا سوف يذهب إلى جهنم، لكن الإنسان الذي عاش وفق دينه – سواء كان يهودياً أو مسيحياً أو بوذياً أو أياً كان – ويظن أن هذا فيه إرضاء الله وأن هذا الخير وأن هذا الشيئ الطيب وكان المسكين صالحاً مُصلِحاً بحسب ما آتاه وأصلح جهده ومات على هذا هو من أهل النجاة، وهذا الذي خلص إليه جماعة من كبار العلماء العارفين في أواخر حياتهم، إمامنا الغزالي – أبو حامد الغزالي – في آخر حياته قال الذي أموت عليه وأُشهِد الله عليه أن مُعظَم العباد داخلون في رحمة الله، لا تقل لي مُعظم البشرية التي تراها اليوم مصيرها جهنم، أنا أقول لك الآن تقريباً مُعظَم البشر الذين يرونا ويرون داعش وأفعال داعش ورأوا بالأمس أفعال القاعدة وقتل الناس في لندن وقتل الناس في مدريد وقتل الناس في نيويورك عندهم الحق من الأول ألا يدخلوا في هذا الدين أصلاً، الواحد منهم سوف يكره هذ الدين ولن يبحث فيه، وسوفيكون عند الله معذوراً، علماً بأن إثمه في رقبتنا نحن، إثمهم في رقبة الدواعش والقواعد الذين صدوا عن سبيل الله بهذه الطريقة، ما الذي منع هؤلاء أن يكونوا مثل خُبيب بن عدي كما قلنا اليوم؟ قال نحن أصحاب محمد، نحن أصحاب الإسلام، نحن لا نفعل هذا، نحن نختلف عن هذا وعندنا أفق مُختلِف، نحن رأينا حين كنا صغاراً فيلم عمر المختار، وما حدث كان حقيقة وليس مُجرَّد فيلم، هذا جزء من حقيقة حياة الرجل الصوفي المُجاهِد، لما سقط أسير وأرادوا أن يقتلوه – وكانوا من قبل قتلوا في الكُفرَة مئات الليبيين وداسوهم بالدبابات وذبحوهم ذبحاً ووأحرقوا النساء والأطفال – قيل له هم يقتلون أسرانا، فقال ليسوا قدوةً لنا، أرأيت؟ عمر المختار لم يكن عنده حقد القواعد والدواعش أبداً, كانت عنده الشريعة، يخرج من هواه إلى هوى الشريعة، هذا الأسير قتلنا لأنه كافر لم يتنوَّر بشريعة محمد، لكن نحن مُحمَّديون، نحن عندنا في شريعة الإسلام الرحمة، الأسير نأخذه ونُعامِله مثلما قال الله نُعامِل الأسير، إذا كان يستحق القتل لأنه مُجرِم حرب وما إلى ذلك يُقتَل دون مُشكِلة، وحتى القانون الدولي يسمح بهذا، أما إذا كان الأسير لا يستحق فإنه يُطعَم ويُسقى ولا يُقتَل، هذا هو الدين، وهو لا ينتصر بقوتك وغضبك وما إلى ذلك، أنا أقول لك ينتصر بمدد من عند الله، قال الله إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ۩.
الأحكام الشرعية
بالنسبة للأحكام الشرعية أقول بصراحة أن مُرتاح إلى أن في الأحكام الشرعية لا يُقبَل فيها إلا الحديث العزيز، غير معقول أن تنسب إلى محمد أنه حلَّل وحرم وقال اعملوا واضربوا وارجموا وما إلى ذلك وأنت عندك أحاديث آحاد، والآحاد مُتناقِضة يا أخي ولا تسلم من التلف وفيها أكثر من خمسين ألف ثقب، هذه هي الآحاد، لكن أنا أُريد حديثاً عزيزاً، قد تقول لي لماذا هذا التحكم؟ لكن هذا ليس تحكماً، بالعكس هذا منهج قرآني، القرآن قال لإحراز الحقوق البسيطة بين البشر التي تتعلَّق بعشرة دراهم وعشرين درهماً وما إلى ذلك لابد من شاهدين، رغم أنه من الصعب أن يشهد اثنان حين أُعطيَ الحاج فاروق – مثلاً – مالاً أو يُعطيني، فقد يحدث هذا في زاوية بعيداً ولا يشهد شاهدان، فهذا صعب، لكن مُستحيل أن محمداً – عليه السلام – كان يُشرِّع للخاصة، كأن يجلس مع اثنين أو ثلاثة من أصحابه ويقول لهم الله قال كذا وكذا، هذا مُستحيل، حين كان يُريد أن يُشرِّع كان يفعل هذا جهاراً للناس كلها، هذا بالذات الذي كان لابد أن يتواتر، ويا سيدي نحن لا نُريد التواتر لكن على الأقل لابد أن يكون عزيزاً، هذا أضعف شيئ ولا نتنازل عنه، لابد أن يكون الحديث التشريعي الذي فيه حلال وحرام عزيزاً، وأنتم رأيتم ما هو العزيز، يرويه اثنان وعن كلٍ اثنان، وهذا نادر جداً جداً، في البخاري ومُسلم مُمكِن لا تجد ثلاثة أو أربعة أو خمسة في المائة – هذا من غير إحصاء، بعضهم حاول الإحصاء لكن هذا صعب – من العزيز، والباقي كله آحاد، وهذا لا أقبله في التشريع أبداً، هذا لا يُحلِّل ولا يُحرِّم وإنما استئنس به، انتبه إلى هذا، ما معنى استئنس به؟ لا أرفضه وإنما أستأنس، إذا وجدته – أي هذا الحديث الآحادي – يُوافِق العقل القانوني والعقل العدلي وقبل هذا يُوافِق الروح القرآنية وضمان الحقوق وتحصيل المقاصد الشرعية أقول أهلاً وسهلاً، أما إذا كان يُخالِف عن هذا لا أريده، مُباشَرةَ أقول لا أريده، أنا أُريد العزيز، وهنا قد تقول لي الآن فهمت لماذا شككت في أحاديث الرجم، وهذا صحيح طبعاً لأنها ليست عزيزة، قالوا أنها مُتواتِرة ونحن تحديناهم هنا، هذه ليست عزيزة، لا يُمكِن أن تصح لك عزيزة فضلاً عن أن تكون مُتواتِرة، أحاديث الرجم آحاد، وأنا أعرف ماذا أقول، ولذا عندنا منهج واضح لأن هذه شهادة عن رسول الله، التشريع شهادة لا يُمكِن أن يُقبَل فيه هذا، وهنا قد تقول لي لكن العلماء – وهذه مسألة عجيبة غريبة منهجياً – فرَّقوا بين الشهادة والرواية، وهذا صحيح وذكروا عشرين فرقاً، أكثر ما ذكروه عشرين فرقاً، إذا أردت أن تقف على هذه الفروق ارجع إلى تدريب الراوي للسيوطي لأنه ذكر العشرين فرقاً، ليس لها علاقة بما نحن فيه، والمسألة كلها مبنية على عكس ما ظنوا هم، للأسف هذا تحكم، ليس نحن مَن يتحكَّم وإنما هم الذين تحكَّموا، ماذا قالوا؟ قالوا العلماء اتفقوا على أنه يُتسامَح في الرواية ما لا يُتسامَح في الشهادة، أنا سألتكم الآن وسألتكن بالله – تبارك وتعالى – هل هذا معقولٌ ومقبول؟ هل يُمكِن أن نتشدَّد في عشرة دراهم وفي فرج امرأة وكذا – أي عقود النكاح – وأن نتسامح في التشريع؟ مع أنهم كما قال ابن القيم في الطرق الحكمية فعلاً مهَّدوا إلى أن الرواية في نهاية المطاف نوع من الشهادة، شهادة على صاحب الشرع أنه قال، لماذا لا تكون هذه الشهادة عزيزة على الأقل مثل الشهادات في الحقوق العادية يا سيدي وليس أكثر منها؟ مع أننا لو أردنا التعزيز بالمُصطلَح القرآني لابد أن يكون ثلاثياً ولن تجده، قال الله فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ۩، التعزيز ليس بالثاني وإنما بالثالث، لو أردت التعزيز القرآني لابد من حديث يرويه ثلاثة من الصحابة وعن كلٍ ثلاثة وهكذا، ولن تجد واحداً منه، إذن انتهى الأمر، ويبقى التشريع للقرآن الكريم، لكن نحن قبلنا بالنظام الثنائي، لأن التشريع الخطر فيه أعظم مليون مرة من خطر الخطأ في الشهادات أو التحيف في الشهادات، لو جاء أحد وتحيف في الشهادة ماذا سيحدث؟ سيضيع حق إنسان، أليس كذلك؟ هذا هو فقط، سيضيع حق إنسان، لكن ماذا يحدث مع التشريع الإلهي؟ يحدث إلزام للأمة بشيئ، وفي واقع الحال الله لم يلزمها به، أو يتم تشريع – مثلاً – عقوبة مُعينة كالرجم، وهي عقوبة وحشية مُخيفة مُرعِبة، والقرآن طبعاً يُعارِضها – كما رأينا – في آيات كثيرة جداً جداً، ويُؤكِّد أنه حد الزانية المُزوَّجة الجلد، وهذا في عدة مواضع وبشكل واضح جداً، لكن كل هذا تركوه كالشريعة المنسوخة وقالوا بالنسخ طبعاً وأخذوا بأحاديث لم تعز وهي آحاد، هم معهم آحاد ولذا يُوجَد خطأ منهجي هنا، فالتشريع لأنه جمهوري وعام ومُلزِم لكل الأمة ودائم إلى يوم القيامة لابد فيه على الأقل من العزيز، هذا على الأقل فانتبهوا، ثالثاُ وأخيراً قد تقول لي وماذا عن الأخلاق وما إلى ذلك؟ في الأخلاق أقبل بالضعيف، ليس بالبخاري ومُسلِم فحسب بل حتى بالأحاديث الضعيفة، لماذا؟ أنا في الأخلاق أقبل حتى بأرسطو Aristotle ونيتشه Nietzsche وما إلى ذلك إذا تكلَّم الواحد منهم بالحكمة، والحكمة ضالة المُؤمِن أنى وجدها فهو أولى الناس بها، فإذا الحكمة نُسِبَت إلى محمد – صحت أم لم تصح – وفيها أمر بالبر أو أمر بالصلة أو أمر بالرحمة أو أمر بالجمال والتحاسن أقبلها دون أن أنظر، هل هذا واضح؟ انظرو إلى العجب الآن وأختم بهذا، العجب العجاب أنهم حين تساهلوا في باب الشرع والعقائد تشدَّدوا في فضائل الأعمال، قالوا في فضائل الأعمال الأرجح والأصح أنه لا يُقبَل إلا ما صح أما الضعيف غير مقبول، لا يا حبيبي، هذا الباب بالذات نقبل فيه كل ما هب ودب ما دام مقبولاً وسائغاً بالعقل، هذه معالم منهجي ببساطة، وأنا مُرتاح إليها وبفضل الله – والله العظيم – لم أفقد شيئاً من ديني، الحمد لله لم ألحد وأكفر أو لم أتوقَّف عن الاعتقاد بمُعتقَد ديني، كل أركان الإيمان عندي – بفضل الله – وتركت الخرافات وتركت اليهوديات وتركت النصريات وتركت المدسوسات وتركت ما مزَّق الأمة ووضع فيها الأسافين والعصي لكي يشل حركتها، بهذا المنهج قد يسأل أخ شيعي نفسه ويقول هذا يعني أنك يا عدنان ضربت لنا عقيدة الأئمة الاثني عشر، وهذا صحيح، لا نقول باثني عشر إماماً ولا بثلاثة عشر إماماً، هذه ليست عقيدة ولا لها علاقة بالعقيدة الدينية، وطبعاً هم يغضبون من هذا، لكن هذه الحقيقة، وأي شيعي مُعتدِل وواعٍ سيبدأ يفهم هذا، وطبعاً في النهاية سنجد أنفسنا وقد انتهينا إلى الأوتوستراد Autostrad الخاص بالقرآن الكريم وسنعود أمة واحدة والله العظيم، لكن أنا أقول لكم قسماً بالله الحسرة ليست علينا وإنما على العمائم واللحى لأنهم لن يجدوا مادة لكي يتكلَّموا فيها، كل كلامهم في هذه النصوص والقصص واليوم الآخر الذي تُخصَّص له مائتي حلقة وما إلى ذلك هو والدجّال والأقرع والأصلع وما إلى ذلك، كل هذا ذهب من بين أيديهم وضاع، قديماً أنا عملت كم حلقة عن الدجّال؟ قبل حوالي عشرين سنة عملت تقريباً ست خُطب وسبع مُحاضَرات عن الدجّال، كنت أُؤمِن به وعندي فلسفة خاصة وقرأت كتب بالإنجليزية عن الدجّال وما الدجّال وأشياء لها علاقة السنيما – Cinema – وTerminator وما إلى ذلك وقصة كبيرة أقمت لها فلسفة كبيرة وأرعبت الناس، وأنا كنت مرعوباً – أقسم بالله – وأصبحت أرى الكثير من المرائي في المنام، وبعد ذلك اكتشفت أن هذا كله مُجرَّد كلام فارغ، هذه كلها عقائد يهودية ونصرانية والله، والإسلام منها بريء.
نجاة أهل الكتاب
– ملحوظة: سأل أحد الحضور في المسجد عن موضوع نجاة أهل الكتاب، وهذا جواب الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم:
أنت سألت سؤالاً حرجاً لكنني سأُجاوبِ بثلاث جمل لأن الموضوع يُعتبَر طويلاً، والإخوة يعرفون أنني عملت مُحاضَرات في هذا الموضوع لمدة ثلاث وعشرين ساعة، لكننا لم ننشرناها ولن ننشرها طبعاً في هذا الوقت، وكان عندي بقية حوالي خمس وعشرين ساعة أيضاً، فلو أردت أن أطبع هذا الكلام كله سوف يأتي في كتاب من خمسمائة صفحة، نظرية مُتكامِلة قرآنياً في هذا الموضوع، مفتاحها الآية الثانية والستون من سورة البقرة، قال الله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۩، انظر إلى الصياغة، بدأ الله الآية بقوله إِنَّ ۩، وكأنه يُقرِّر لك قاعدة إلهية، بظاهر الآية قد تقول المُراد بقول الله الَّذِينَ آمَنُوا ۩ نحن المُحمَّديون، هذا صحيح وقد وقع فعلاً عليه اتفاق المُفسِّرين، لكن لا تقل لي المُراد بقوله وَالَّذِينَ هَادُوا ۩ مَن كانوا يعيشون قديماً قبل أن يُبعَث النبي محمد، هذا كلام فارغ، هذه زيادة على كتاب الله، وسيمنعك الله منها في آيات أخرى كثيرة جداً، من ضمنها لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ۩، لا تقل لي من أهل الكتاب الذين أسلموا، ما هذا الكذب؟ هل تكذبون على الله، الكتابي الذي أسلم لا يُقال أنه كتابي، هذا أصبح اسمه مسلِماً وانتهى الأمر، الله يقول مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ۩، يتحدَّث عنه بعنوان الكتابية فهو كتابي، قال الله لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ۩، إذن الله يقول عن الكتابيين ليسوا سواء، لذلك فرَّق بين الذين آتيناهم والذين أوتوا وأهل الكتاب، مثل آية لَيْسُواْ سَوَاء ۩، ومثل الآية التي قال في بدايتها قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ۩، هذه ليست أمراً بالدخول في الشرع المُحمَّدي الفروعي، وإنما أمر بالعود إلى صراط التوحيد المذكور في آية الفاتحة، وهو صراط واحد يجمع الأنبياء كلهم وتختلف شرائعهم، تقول الآية الكريمة اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩، الآن السؤال هذا الصراط المُستقيم صراط مَن؟ صراط الأنبياء بدرجة أولى، لأن في الآية التالية قال الله صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ۩، وفي رأس المُنعَم عليهم النبيين، قال الله في سورة النساء مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ ۩، إذن هؤلاء هم الأنبياء، هذا صراط الأنبياء، والسؤال الآن هل شرع محمد مثل شرع موسى؟ لا، يختلف في أشياء كثيرة، وهل شرع عيسى مثل شرع شيت – مثلاً – أو نوح؟ لا، يختلف، فكيف عندهم صراط واحد؟ إذن كلمة الصراط الآن يُراد بها الاعتقاد والتوحيد، ومن هنا في كتاب الله دائماً يقول أنه ما أرسل نبياً أو رسولاً إلا ليقول اعبدوا الله، قال الله وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ ۩ وقال أيضاً وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ ۩، دائماً يُقال اعبدوا الله، هذا هو، فإذن مدار المسألة ومحور المسألة على التوحيد، فإذا وُجِد يهودي مُوحِّد أو مسيحي مُوحِّد ويعمل الصالحات قال الله له أهلاً وسهلاً، لا تُوجَد أي مُشكِلة في أن يدخل الجنة، هو يهودي مُوحِّد ويُريد أن يتبع محمداً وأن يُصبِح مُسلِماً، ماذا يحدث؟ قال محمد له أجران، وهذا أمر عجيب، هل عنده أجر أول؟ طبعاً، وذلك على صلاحه في كتابيته، وعنده أجر على دخوله في الإسلام، وكذلك النصراني أيضاً، وهنا قد تقول لي هذا مُعترَض بأشياء، وهذا صحيح، لو افترضنا أن هذا اليهودي المُوحِّد عُرِضَت عليه نبوة محمد بأدلتها وبالحُجة ومع ذلك كفر بها فأنا أقول لك هو كافر ولن ينفعه توحيده لله وسوف يدخل في جهنم، لماذا إذن؟ لأنه الله قال وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ۩ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۩، وذلك في سورة النساء، الله قال هذا لا ينفع، لن ينفعك أن تقول لي أنا أُؤمِن بعيسى وموسى ولا أُؤمِن بمحمد، أنت كافر، هل ينفع أن تُؤمِن بموسى وعيسى وتُؤمِن بمحمد ولا تدخل في شرعه الفرعي؟ طبعاً ينفع، ليس شرطاً أن تصوم مثلنا وأن تُصلي مثلنا، كُن يهودياً أو نصرانياً لكن قل هذا نبي وهو خاتم الأنبياء وهو صادق ودينه هو دين عيسى ولا إله إلا الله وعيسى عبد الله وموسى عبد الله ومحمد عبد الله ورسوله، أهلاً وسهلاً وليس عندنا مُشكِلة، الله قال لا مُشكِلة، ويُوضِّح هذا أن الذي شرَّع الشرائع وخالف بينها هو رب العالمين نفسه، لماذا؟ لأنه قال لك أوضاع أمة موسى تختلف عن أوضاع أمة عيسى، البُنى الاجتماعية والاقتصادية وما إلى ذلك تختلف، المُجتمَع مُختلِف، وأوضاع أمة العرب وأمة محمد اختلفت فشرَّع لهم أشياء مُعيَّنة،التشرييع ليس شيئاً خطيراً ونهائياً، انتبهوا إلى هذا لأننه نُصوِّره على أنه رأس المُقدَّسات، التشريع مُتحرِّك ومرن، والله مُتسامِح فيه، وهنا قد تقول لي هل يُوجَد مَن هم على هذا النحو؟ نعم وهم قلة قليلة نسأل الله أن يُكثِّرهم، جارنا في سويسرا البروفيسور Professor هانز كونج Hans Küng،هذا الرجل ألف ستة وثمانين كتاباً في اللاهوت، عالم كاثوليكي رهيب وهو طبعاً محروم، ألقوا عليه الحِرم واعتبروه مُهرطِقاً، وأنا مُتأكِّد أنهم فعلوا هذا ليس لأنه انتقد الكاثوليكية فقط وما إلى ذلك وإنما لأنه أنصف الإسلام، عنده كتاب عن الإسلام بالألمانية في ثمانمائة صفحة، اعتقاده كان على هذا النحو، هانز كونج Hans Küng موسوعة في اللاهوت ، درس دراسة مُتعمِّقة للدين النصراني ودرس الإسلام دراسة مُحترَمة في حدود ما أسعفه العمر، ماذا فعل هذا الرجل؟ علماً بأنه كان ثاني أصغر مُؤتَمِر في مُؤتَمر الفاتيكان في ألف وتسعمائة واثنين وستين إلى ألف وتسعمائة خمسة وستين، هو وبندكت السادس عشر Benedict XVI كانا أصغر اثنين، فهو رجل عبقري، ويعتقد أولاً بأن التثليث خُرافة رومانية وثنية دخلت في النصرانية، أي أنه يقول هذا كفر مثلما يقول القرآن الكريم، قال ديننا النصراني ليس فيه تثليث، هذا كله كلام فارغ، وهذا أمرٌ عجيب، لكن هانز كونج Hans Küng قال هذا وبالأدلة، ثانياً لا يُؤمِن بالكفّارة، بمعنى أن عيسى لم يأت ويُصلَب لكي يُكفَّر عنا ذنوبنا ويفدينا ويُخلِّصنا، قال هذا كلام فارغ، والقرآن أيضاً ضد هذا الكلام، قال الله أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ۩ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ۩، لا يُمكِن – كما قال الشيخ الغزالي – أن أسكب حبراً على قميصي، فتذهب أنت تُمزِّق قيمصك أو تموت ومن ثم أتطهر أنا، ما علاقة هذا بذاك؟ لابد أن أنا أُنظِّف قميصي، كيف تقول عن شخص قاتل وزانٍ أنه فداه، كيف فداه؟ لابد أن يفعل هذا بنفسه، وهذه نظرية خطيرة حتى على السلوك، أليس كذلك؟ خطيرة على السلوك جداً، ولعلها أحد أسباب فساد رجال الدين عندهم، تجد رجال الدين زناة ولوطيين وما إلى ذلك، هذا شيئ فظيع يا أخي، والكنائس عندهم فيها أشياء لا أُريد أن أحكيها حتى لا أُسيء للناس، لكن تُوجَد كتب نقرأ لهم وبلغاتهم حكوا فيها أشياء فظيعة مُخيفة ومُرعِبة، ونحن – والله – لا نحكيها، ولو حكيناها لسوَّدنا وجوههم، لكن ليس عندنا أي وقت لهذه الأشياء، نُريد أن نُصلِح أنفسنا الأول،فهذه العقيدة خطيرة، وهو ضد هذه العقيدة، فقط يُؤمِن بأن عيسى صُلِب، والصلب بالذات – سبحان الله – حتى قرآنياً دينياً عندنا هو مسألة تُتاخِم حدود الظن، هي قوية قليلاً لكنها ليست قطعية بنسبة مائة في المائة، الفخر الرازي نفسه – رحمة الله عليه – له رأي هنا، وانظر إلى الفخر الرازي من حوالي ثمانمائة سنة قال يُحتمَل أن عيسى وُضِع على الصليب ولكنه لم يمت، هم ظنوه ميتاً لكنه لم يمت، الفخر الرازي فهم هذا، وهذا الرأي اللي انتهى إليه العلّامة المرحوم أحمد ديدات، هو يُؤمِن بأن عيسى وُضِعَ على الصليب وحين نزل ظنوا أنه مات لكنه لم يمت، وقام من قبره لأنه كان لا يزال حياً، فمن المُمكِن أن يحتمل القرآن هذا، من المُمكِن أنهم وضعوا الصليب وما إلى ذلك، فهذا كله لعله وقع لأن المسألة فيها تشبيه، وفعلاً قال الله شُبِّهَ لَهُمْ ۩، هانز كونج Hans Küng يقول عيسى صُلِب، لكن الكفارة والتثليث مُجرَّد كلام فارغ، نأتي إلى كونج Küng والإسلام، ماذا عن محمد؟ نبيٌ رسولٌ صادق غير مُدعٍ وغير كاذب، وماذا يا كونج Küng عن القرآن؟ قال وحيٌ إلهي مصدره الله والسماء وليس الأرض، قال هذا والله العظيم، ونصر أبو زيد عندنا – الله يرحمه ويغفر له – قال نص تاريخي توَّلد في رحم التاريخ والثقافة والشعر العربي وما إلى ذلك وظل هذا المسكين يُهلوِس واحتج بهانز جاداميرHans Gadamer الألماني دون أن يفهمه، وأنا أشهد بالله على هذا، قرأت نصر أبو زيد وأعرف جادامير Gadamer طبعاً، هذا المسكين لم يفهم جادامير Gadamer وليس له علاقة به، نوع من الترف الفكري الاستعراضي، وفي النهاية هذا المسكين يُريد منك أن تفهم أن محمداً ألف القرآن ويُنسَب إلى الله نسبة كذا وكذا، ما هذا الكلام الفارغ؟ هانز كونج Hans Küng قال القرآن إلهي المصدر، هذا وحي – Revelation – من أعلى، هذا كلام من عند الله ليس لمحمد أي دخل فيه، فهذا الرجل مُوحِّد ويُؤمِن بمحمد ويشهد له ولقرآنه، وهو مسيحي ويعيش بحسب التشريعات العادية الموجودة فى الدين المسيحي ومن المُؤكَّد أنه يأكل الخنزير ولعله يشرب قطرات من الخمر ولعله لا يشرب فهذا ليس شرطاً، لكن هل تقول أنه كافر؟ لا أقدر على أن أُكفِّره، ما هذا؟ قرآنياً هذا الذي الله ذكره في الآية الثانية والستين، قرآنياً هذا المذكور في قوله لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ۩ في آل عمران، قرآنياً يدخل في قول الله فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۩، انتبهوا إلى هذا، وقد قلت لكم أننا في ثلاثة وعشرين ساعة تكلَّمنا عن هذا الموضوع، والموضوع طويل وغريب.
– ملحوظة: سأل أحد الحضور في المسجد سؤالاً بصدد هذا الموضوع فأجاب الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم
الجواب سهل جداً يا أستاذي، الإسلام في القرآن الكريم من أوله لآخره دين الأنبياء، نوح في سورة يونس ماذا قال؟ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۩، فالإسلام ليس ديناً لمحمد فقط وإنما هو دين الأنبياء كلهم، والتوحيد المطلوب هو الإسلام، إبراهيم وهو شيخ المُوحِّديبن وشيخ الأنبياء قال وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ۩، قال الله أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ۩، وكذلك الحال مع الحواريين، قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ۩.
– ملحوظة سأل أحد الحضور في المسجد عن صلاة غير المُسلِمين واستدال بحديث فأجاب الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم
هم يصلون واترك الأحاديث وسأقول لك لماذا، لكنهم يصلون طبعاً، قال تعالى على لسان عيسى وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ۩، ومن المُؤكَّد أن عيسى لم يكن يركع ويسجد مثلنا، وكان له صلاته فعلاً وهم مارسوا هذه الصلاة، ليس شرطاً في الصلاة لله أن تكون بهذه الهيئات، أنت كمُسلِم نعم مُلزَم بها لأن هذا دينك الفرعي لكن هم يصلون بطريقة أنبيائهم، انتبه وإياك أن تعتقد أننا الآن ليس كأنبياء وإنما كأفراد مُسلِمين إذا صلينا هذه الصلاة حتى ولو ليس فيها حضور وخشوع نكون قد سبقنا وبذذنا نوحاً أو إبراهيم أو موسى أو عيسى أو الحواريين، هذا غير صحيح، في النهاية الصلاة هي فعلاً اتصال برب العالمين ونوع من الإقبال على الملأ الأعلى، هذا هو، فهم يصلون بنص كتاب الله طبعاً، كيف يُقال لا يصلون؟ هم يصلون ويزكون، ثم أن هذه شرعية فرعية فانتبه، أنت في شرعك الفرعي مُلزَم بأشياء، والآن اليهودي أو النصراني المُوحِّد إذا قال سأتبع محمداً في شرعه سيُلزَم بكل ما نُلزَم به وسيكون مُلزَماً بأن يصلي كما نصلي، وهذا ليس من عندي، هذا من كتاب الله – كما قلنا – وقد أتى في آيات كثيرة، وإلا كيف يقول الله لهم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۩؟ أي خيرات؟
على طريقتنا الذي يستبق الخيرات فقط هو المُسلِم أما يهودي أو نصراني إلى جهنم وبئس المصير، أليس كذلك؟ وهذا غير صحيح، الله قال لا، أنا شئت أن أجعلكم أمماً مُختلِفين ولكم وجهات مُختلِفة، قال الله وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ ۩، فهذا هو!
الإناء الواسع يتسع دائماً للضيق، ما معنى هذا الكلام؟ بمثل هذه النظرية إياك أن تظن أنه يجوز للمُسلِم أن يكون يهودياً مثلاً، وطبعاً ذات مرة سألني أحدهم وهو شخصية عربية كبيرة بعد أن سمع أن عندي وجهة نظر وحكيتها له فقال لي هذا منطقي لكن عندي سؤال، قلت له تفضَّل، قال هل هذا يعني أنه يجوز للمُسلِم أن يُصبِح يهودياً؟ قلت له لا، فقال هل يجوز للمُسلِم أن يُصبِح كذا؟ قلت له لا، لأنه سيكون كفر، بعد أن آمن بمحمد على بينة وعرف أن محمداً كان نبياً أراد أنه يتنزَّل وينحط، فقلت له التنزل ممنوع لكن الترقي مسموح، قال لي هذا الكلام منطقي أيضاً، فقلت له هذا تقدم، حين تتقدَّم نحو الإسلام نقول لك أهلاً وسهلاً، أرقى صيغة للإسلام هي الإسلام المُحمَّدي، أما الإسلام العيسوي ، الموسوي هو إسلام بلا شك – قرآناً – ولكنه ليس الصيغة الأتم، ولذلك مَن أسلم منهم كان له أجران، مَن بقيَ على دينه من غير تحريف وكان من الذين آتيناهم الكتاب له أجرٌ بنص آيات آل عمران وبنص آية البقرة، له أجره بإذن الله تعالى، فالله لا يظلم أحداً، وبهذا طبعاً نقدر على أن نُفسِّر الأشياء الكثيرة من المحارات، أي التي تُحيِّر العقول، كالذي يُعرَف ويُشتَهَر عن كرامات بعض رجال الدين من المسيحيين وربما اليهود، الناس يرون هذه الكرامات، عندهم كرامات وعندهم بركة، ومن ثم يقولون كيف وهذا – مثلاً – مسيحي؟ لأن طبعاً يا أخي هذا الرجل رباني، ويكون مُوحِّداً لله – عز وجل – ومُحِباً للخير ومُحِباً للصلاح، فالله يُعطيه حتى بركة وكرامات، بعضهم يموت – وطبعاً هذه الأشياء مشهورة عندهم – ويُفتَح قبره بعد مائة سنة ويجدونه كما هو وتفوح منه رائحة المسك، وكان رجل دين، كيف هذا؟ هذا يجعل الناس تشك، لكن هذا يحدث للمسيحيين وللمسلمين ولليهود، أعني الصالحين من كل هذه الطوائف – بإذن الله تعالى – ولا يصلح للكذّابين المُخادِعين، فالإناء الواسع يسع الضيق، بمعنى ماذا؟ أنا أقول لك بمثل هذا الطرح سترى بعد حين أن اليهودي سيبدأ يدخل في هذا الدين والنصارى سيدخلون فيه بسهولة، سيقولون لك هذا الدين أوسع بكثير لأننا عنصريون، فاليهودي – مثلاً – يُكفِّر عيسى ويعتبره ابن …والعياذ بالله، يسبه ويسب أمه، أليس كذلك؟ فحين يأتي نصراني إلى الإسلام سوف يقول سبحان الله، المُسلِم أشرف ألف مرة من اليهودي وأوسع وأشرف مني وأحسن أيضاً، أنا أُؤمِن بموسى وبنموسه لكنني أسب محمداً، أنا أسب نبيه لكن هو أوسع، ودائماً الأوسع – بطبيعة الأمور حتى الفيزيقية – يتسع للضيق، ومن ثم سوف تكسب وينتشر هذا الإسلام، لكن النزعة الحصرية التي عندنا – نحن وفقط – والتي ضممنا إليها رفع السيف ونغزوهم قبل أن يغزونا لكي نخضعهم إلى آخر هذا الكلام الفارغ – كلام سيد قطب والمودودي ومحمد خير هيكل – هي نزعة غير صحيح، أنا أقول لك هذا الكلام أقصر طريق لتهريب الناس من الإسلام وتأليبهم عليه، سيُقال حاربوا الإسلام واجتثوه قبل أن يقوى ويُحارِبكم، وهذا الدين ما جاء – كما أقول دائماً – لفرض ناس على ناس ولا للهيمنة، وإنما جاء للهداية وربط الناس بالله – تبارك وتعالى – وإرشادهم إلى سواء السبيل، ونسأل الله أن يهدينا جميعاً سواء السبيل.
(انتهت الجلسة بحمد الله)
الجزية، الحنفية، القتال، مصطفى السباعي، العدوان، القتل، النصارى، الاستعمار، الفقه، الذمة، اليمن، أهل الكتاب، النصارى، الإخوان المسلمون، الكشميري، السنة، الشيعة، الروح، الإنسان، النفس، الآريوسيون، مقارنة الأديان، المسلمون، عبد الوهاب النجار، الموحدون، كارلو نلينو، الروح، القرآنيون، البخاري، الإمام الذهبي، الأحاديث، أرسطو، الكون، أينشتاين، الإسرائيليات، التواتر، الشيعة، الآحاد، العقيدة، الحديث العزيز، الحديث المتواتر، الدجال، المسيح، عذاب القبر، القدر، أركان الإيمان، المتشابه، عمر المختار، الشعراوي، الموت، داعش، القاعدة، الأسرى، الشريعة، الأحكام الشرعية، الشهادة، هانز كونج، الرواية، الرجم، الشيعة الإمامية، التثليث، نصر أبو زيد
أضف تعليق