“هل نحن وحيدون؟” و”هل هناك حياة في مكان آخر في الكون؟” هما سؤالان وصفا بأنهما الأكثر أهمية فيما يواجه العلم.
في الواقع وحتى وقت قريب جدا، ظلت مثل هذه الأسئلة محل تكهّنات فقط. أما اليوم، فلدينا الأدوات اللازمة لمعالجتها بشكل منهجيّ، خطوة بخطوة. وقبل خمسين عاما، قال الفيزيائي فيليب موريسون في سياق الحديث حول البحث عن حياة خارج الأرض: “إن من الصعوبة تقدير احتمالية النجاح؛ ولكن إذا لم نبحث، ستكون فرصة نجاحنا صفرا”.
أودّ أن أستعرض التطورات الحديثة في البحث عن الحياة، بسيطة كانت أو معقدة، في أماكن أخرى خارج الأرض، بدءا بالبحث عن “أراضٍ” أخرى، أي كواكب تشبه الأرض بما فيه الكفاية لتكون قادرة على إيواء حياة من نوع ما.
أعلن علماء من أستراليا عن اكتشاف “أرض فائقة”، أي كوكب أكبر من الأرض بحوالي خمس مرات ونصف، لكن حيث من المحتمل أن تكون درجة الحرارة معتدلة (بضع عشرات من الدرجات المائوية)، أي ما يسمح للماء بأن يكون سائلا، وهو شرط أساسي لوجود الحياة (كما توافقت على ذلك الآراء العلمية). وعلى الرغم من أنّ الماء ليس المادة الوحيدة القادرة مبدئيا على احتضان الحاية، إلا أنه أفضل وسيط لتجميع الجزيئات وتكوين مركبات أكثر وأكثر تعقيدا، مما يؤدي (مبدئيا) إلى تشكيل جزيئات الحمض النووي بنوعيه DNA و RNA، حاملي شفرة المعلومات والتعليمات لجميع أشكال الحياة التي نعرفها.
من المثير للاهتمام أنّ هذا الكوكب الجديد (Gliese 832c) لا يبعد عنا سوى 16 سنة ضوئية، أي هو جار قريب بالمقاييس الفلكية، الأمر الذي سيسمح بدراسات تلسكوبية مفصلة لغلافه الجويّ (على افتراض وجوده) مستقبلاً، وحتى دراسة تضاريسه (إذا كان يشبه الأرض حقّاً). ومن شأن هذه الدراسات أن تعطينا قرائن وأدلة عن أي حياة أو نشاط هناك. في الواقع، أيّ حياة على كوكب، حتى أكثرها بدائيّة، ستترك بعض الإشارات الواضحة في الغلاف الجوي، مثل: غازات الأكسجين والأوزون أو حتى الميثان بكثافات غير اعتيادية.
لقد تسارع البحث عن الحياة خارج الأرض مؤخّراً مع اكتشاف العديد من الكواكب خارج المجموعة الشمسية (exoplanets)، وقد كُرّست العديد من المشاريع الفلكية لهذا الهدف. وتم اكتشاف أول كوكب خارج المجموعة الشمسية في العام 1997، ومنذ ذلك الحين، ولا سيما مع إطلاق التلسكوب الفضائي “كبلر” من قبل الوكالة الفضائية “ناسا” في عام 2009، حيث تم اكتشاف نحو 1800 كوكب بتنوّع هائل في الخصائص.
فقد تم العثور على أكثر من 100 من الأنظمة الكوكبية التي تدور حول نجم، أو أحيانا تدور حول اثنين أو ثلاثة أو أربعة من النجوم في مجموعة معقدة. بعض تلك الكواكب ضخمة، أكبر بعدة مرات من كوكب المشتري (الذي هو أكبر حجما من الأرض بألف مرة)، والبعض الآخر أصغر من عطارد. وبعض تلك الكواكب ذات مدارات بعيدة جدا عن نجومها، فيستغرق الكوكب 2000 سنة للدورة الواحدة، فيما تكون كواكب أخرى قريبة جدا من نجومها فتستغرق نحو ساعتين فقط لتتمّ دورة واحدة. وبعض الكواكب ساخنة للغاية، بدرجات حرارة تصل إلى الآلاف، ما يجعل أسطحها ذائبة، بينما بعضها الآخر شديدة البرودة، بدرجة حرارة 200 درجة تحت الصفر أو أدنى.
إن الكواكب الأكثر إثارة للاهتمام من بين التي اكتشفت هي تلك التي تدور في “المنطقة القابلة للحياة”، وهي منطقة من الفضاء حول نجم تتراوح فيها درجة حرارة الكوكب بين صفر وبضع عشرات من الدرجات، كما هو الحال على الأرض. ويعتبرالكوكب الجديد “Gliese 832c” المكتشف مؤخّراً أحد الأمثلة على ذلك. فقد قدّر تشابه هذا الكوكب مع الأرض بـ81 %. وهناك كوكبان فقط ذوي مؤشّر تشابه مع الأرض أكبر من نسبة “Gliese 832c”، وهما Gliese 667Cc بنسبة 84 %، و Kepler 62e بـ 83 %.
لقد قادنا البحث عن الكواكب خارج المجموعة الشمسية خلال العقد الأخير إلى الإستنتاج بأن معظم النجوم لديها كوكب واحد أو أكثر تدور حولها، وأنّ 10 إلى 20 بالمئة منها لديها على الأقل كوكب في المنطقة القابلة للحياة. هذا أمر مشجع جدا للبحث عن الحياة، لكنه بداية القصة فقط، لا نهايتها. لأنه حتى توجد الحياة في مكان ما، لا يكفي أن يكون الكوكب (أو ربما قمر جيد لكوكب) في المنطقة المناسبة حول النجم، بل يجب أن يكون أيضا ذا حجم مناسب (ليكون لديه غلاف جوي)، ويجب أن يكون النجم والكوكب كلاهما مستقرّين (إذا كان النجم يهيج كثيرا، قاذفاً كميات كبيرة من الأشعة، فسوف يقتل أي حياة في مهدها على أي كوكب قريب)؛ إضافة لذلك، يفضّل أن يتمتع الكوكب بفصول منتظمة (عن طريق محور مائل، مثل ما للأرض). لكننا لم نتمكن حتى الآن من تحديد أيّ كوكب بمثل هذه الخصائص الجميلة خارج المجموعة الشمسية.
نحن في مرحلة مهمّة في بحثنا عن الحياة خارج الأرض. فإذا وجدنا أن أقرب ألف نجم لنا، مع كلّ كواكبها، لا تؤوي الحياة مطلقاً، فستكون احتمالات وجود الحياة في مجرتنا بأسرها ضعيفة للغاية، إن لم تكن معدومة. ولكن إذا وجدنا حتى حياة بدائية في واحدة من النظم النجمية-الكوكبية القريبة منا، فالتقدير الإحصائي يملي أن تكون مجرتنا درب التبانة (ومن المرجح أن تكون معظم المجرات الأخرى) مليئة بالحياة، وبعض منها ربما متقدمة جدا. وفي كلتا الحالتين، فإنها ستكون نتيجة استثنائية يصل إليها العلم…
المصدر
أضف تعليق