أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا ربي لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن حبيبنا وسيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
ربنا تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركوعنا وسجودنا ودعاءنا. واختم بالسعادة آجالنا وبالباقيات الصالحات أعمالنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا. اللهم آمين.
أما بعد، إخواني وأخواتي:
۞ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ۞
ما زلنا مع هذه السورة الكريمة (سورة فاطر)، ووقفنا أمس عند الآية السابعة والعشرين أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ۩.
۞ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ۞
ثم قال – تبارك وتعالى – وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ۩، لماذا قال – تبارك وتعالى – مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ۩؟ والأصل أن يقول ألوانها، ألوانها! أشياء كثيرة هذه، فلماذا قال أَلْوَانُهُ ۩؟ قال أبو بكر بن عيّاش – رحمة الله تعالى عليه – ذكَّر الكناية – أي ضمير الغائب المُفرَد المُذكَّر، يُسمى الكناية، فهو ذكَّر هذا الضمير – إضماراً لما محذوفة، فيصير تقدير الكلام ومن الناس والدواب والأنعام ما هو مُختلِف ألوانه. ما هو مُختلِف ألوانه! إذن بإضمار ما محذوفة، والعربية تتسع لهذا، العربية تتسع لهذا وله أمثال ونظائر كثيرة.
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ ۩، إذن – قبل أن نُجاوِز أيضاً هذا الجُزء من الآية الكريمة – لاحظتم أن الله – تبارك وتعالى – في الآية السابقة ابتدأ بجُملة فعلية، أَلَمْ تَرَ أَنَّ ۩، جُملة فعلية! والجُمل الفعلية من حيث الأصل تدل على التجدد، تدل على التجدد والحدوث. والجُمل الاسمية تدل على الثبات والدوام والاستمرار. ومعروف هذا في علم البيان!
بدأ بجُملة فعلية، ثم قال – تبارك وتعالى – في الآية نفسها حتى وَمِنَ الْجِبَالِ ۩، اسمية، نعم! لم يعطف فعلية على فعلية، عطف اسمية على فعلية، قال وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ ۩، وقال في الآية المُوالية وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ ۩، أيضاً اسمية، جُملتان اسميتان، عطفهما على الجُملة الأصلية الفعلية، لماذا؟ لابد أن يكون لهذا نُكتة بلاغية أيضاً، والنُكتة واضحة ولائحة.
الحديث كان عن موضوع الثمرات ونباتات الأرض، وهذه أشياء موسمية، بل وحتى أقل من موسمية، تحدث وتطرأ وتذهب، ثم تزول وتهلك بسرعة. أما الجبال والبشر فشأنهم مُختلِف، الواحد يعيش مائة سنة وسبعين سنة، والدواب تعيش سنوات طويلة، فهذه لا يظهر فيها الحدثان والطروء بهذه السرعة، ولذلك ناسب أن يُعبَّر عنها بماذا؟ بجُمل اسمية. القرآن دقيق جداً! ولذلك العرب حين سمعوه طبعاً اختلبهم، اختلب عقولهم، وهم يفهمونه طبعاً، وهم يشعرون مُباشَرةً بما فيه، فنحن ربما يقضي الواحد منا عُمره ولا يلتفت إلى هذه النُكت، يقول لك أصلاً أنا لا أفهم هل هي فعلية أو اسميه، كله مثل بعضه. طبعاً للأسف غلبت علينا الأُمية اللُغوية والجهل. لا! العرب الأقحاح لم يكونوا كذلك أبداً، كانوا مُباشَرةً يفهمون هذا، للتو! فور سماعه، ولذلك اختلب ألبابهم، وهذه كانت مُعجِزة محمد، مُعجِزته التي ظهر بها دينه، القرآن بهذه اللُغة العالية الشريفة، نعم! سُبحان مَن أنزله – لا إله إلا هو -، سُبحان مَن هذا بيانه، وجل مَن هذا نظامه. نعم!
إذن قال وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ ۩، نعم! هنا الوقف أولى، أي تم المعنى، ثم يستأنف فيقول ماذا؟ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ۩. هذا الصحيح، بعض الناس أو بعض القرّاء قال لك لا، مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ ۩. ثم وقف وقال كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ۩. يُريد أن يُشبِّه الخشية أو يُريد أن يُشبِّه اختلاف الناس في مرتبة الخشية كاختلاف ألوان ما ذُكِر. ولكن هذا لم يقل به إلا قلة قليلة من المُفسِّرين، جمهرة المُفسِّرين على أن الوقف يُستحسَن على كذلك، ليتم به المعنى السالف، كَذَلِكَ ۩.
ما معنى كَذَلِكَ ۩؟ أي كَذَلِكَ ۩ تختلف ألوان الناس والدواب والأنعام، اختلاف ألوان ما ذُكر من الجبال والثمرات أيضاً، من الجبال والثمرات! وهذا هو الأرجح، إذن تم المعنى، وتم المعنى بــ كَذَلِكَ ۩. وطبعاً في دروس سابقة نحن شرَحنا وشرَّحنا كلمة كَذَلِكَ ۩، أليس كذلك؟ وقلنا هذه الكلمة تتكون من ماذا؟ من كلمات أربعة، وهذه كلمة نحوية طبعاً، أي بالمعنى النحوي، لأن الحرف كلمة، ويقولون لك الكلمة اسم وفعل وحرف. فالحرف كلمة، بالمعنى ماذا؟ النحوي. نعم! فهذه اللفظة أو هذه الكلمة مُكوَّنة من أربع كلمات، من أربع كلمات! وشرحناها وقلنا ما معناها لكي نفهم، فكلما رأينا كلمة كذلك فهمنا ما معناها، أي ما معنى كذلك. كَذَلِكَ ۩!
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ ۩، انظر إلى هذا، صيغة حصر! إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ ۩، مفعول به إذن، إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ۩، كأن الله يقول – تبارك وتعالى – لا يخشاني من عبادي إلا العلماء. قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – أنا أعلمكم بالله، وأشدكم خشية له. ولا جرم، ولا جرم! كلما اتسعت وتعمقت تغمقت معرفة المرء بالله، عظمت منه خشيته. طبعاً! تعرف أنه إله عظيم جليل.
وذكرت مرة شيئاً عن خوف الظبي أو الغزال، كيف يكون خوفه من الأسد؟ خوفه يكون شديداً جداً جداً. إذا لاح له الأسد على مقربة فجأة، يرتعد كله. يرتعد ارتعاداً شديداً! والعبد الذي يعرف ربه ينبغي أن يرتعد أكثر من هذا طبعاً، ولكن المعرفة ضعيفة، نحن لا نخاف من الله كما يخاف الظبي من الأسد، لا! لا نخاف، ليس عندنا هذا الخوف إلى الآن، مساكين! عدا هؤلاء العارفون، العارفون بالله عندهم خشية شديدة، خشية شديدة!
أبو بكر الصدّيق كان إذا صلى بكى بشدة، حتى في حياة رسول الله، ولذلك ابنته الصدّيقة عائشة لم تشأ أن تُقدِّمه حين رشَّحه الرسول وقال مُروا أبا بكر فليُصل بالناس. قالت أبو بكر رجل أسيف. لا يملك عينيه. فقط يقول الله أكبر ويبدأ في البكاء، قرآن وبكاء، وبكاء وبكاء وبكاء وبكاء وبكاء! فتطول الصلاة والناس تتأثَّر، فقالت لا. هو هكذا، لا!
زين العابدين عليّ بن الحُسين – عليهما السلام – كان إذا وقف يُصلي، تنتابه حالة عظيمة، يمكث فترة طويلة ويصفر كله ويرتعد هكذا، وحالة! فإذا سُئل، يقول لهم أتدرون بين يدي مَن أُريد أن أقف؟ هناك استحضار، يُوجَد استحضار حقيقي، استحضار لعظمة الله.
ولذلك كلما زاد العلم، زادت الخشية، وليس المقصود بالعلم العلم بالفقه وهذا حلال وهذا حرام وهذه طهارة وهذه نجاسة، ليست هذه كلها، لا! العلم بالفقه الأكبر، معرفة الله – لا إله إلا هو -، وما ينبغي له من التوقير والإجلال والتكبير والتعظيم والهيبة والخوف والمهابة والعظمة – لا إله إلا هو -، يَخَافُونَ رَبَّهُم ۩ عن الملائكة، مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ۩، معيار الخوف الطاعة، لو خفنا من الله حق خوفه وخشيناه حق خشيته، لـ… ماذا؟ لأطعناه في أمره ونهيه. مُباشَرةً! انتهى، انتهى الأمر، لأن هذا الله، الله هو مَن نهر، الله هو مَن أمر. ولكن ما دام هناك ضعضعة وزعزعة وقلقلة في الالتزام بالأوامر والنواهي، فهذه معناها أن الخوف دعوى، دعوى ووهم، نتوهَّم أننا نخاف الله، لا يُوجَد خوف للأسف الشديد، ومعناها أنه لا يُوجَد علم، جهلة! نكون نحن هكذا جهلة، أي مثلنا مثل الأغمار والطغام من الناس، جهلة! المعرفة بالله تُورِث الخشية، أنا أعلمكم بالله، وأشدكم خشية له. على قدر معرفته بالله! على قدر معرفته بالله – لا إله إلا هو -، نعم.
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ۩، أي العلماء وحدهم هم الذين يخشون الله. إذن كفى بخشية الله علماً. يقول عبد الله بن مسعود – رضوان الله عليه – كفى بخشية الله علماً. مَن وجدتموه يخشى الله حق الخشية، فهذا عالم. حتى ولو كان لا يعرف النحو والصرف وأصول الفقه والحديث والعقيدة والتفسير والبلاغة، عالم! هذا عالم. ومَن لا يخاف الله، ليس بعالم، ولو كان حافظاً لكل الكُتب.
قال أحدهم لإمام الكوفة عامر بن شراحيل الشعبي أفتني يا عالم. قال العالم مَن يخاف الله. أتيت لتُعطينا ألقاب أنت؟ مَن قال لك إنني عالم؟ انظروا إلى هذا التواضع الذي عنده، قال أنا لست عالماً، العالم مَن يخاف الله. كفى بخشية الله ماذا؟ علماً. كفى بخشيته علماً!
قال الربيع بن أنس مَن لم يخش الله، فليس بعالم. لا تتردد وقل هذا جاهل، هذا جاهل، ولا يخاف الله هذا، وجريء على محارم الله، هذا جاهل، ولو كان يحمل أعظم الشهادات، ولو ألَّف ألف مُجلَّدة في الدين، جاهل! وطبعاً هذا جهل، جهل بالله – عز وجل -. وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۩، الله قال وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۩، وهذا لا يخاف لأنه جاهل، جاهل! يحفظ كلاماً هكذا وهو لا يفهمه ولا يدخل في قلبه. ونعوذ بالله من الخذلان.
إذن هل هناك فارق بين قول الله إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ۩ وبين لو أن الله قال إنما يخشى العلماءُ (من عباد اللهَ) – أقول هذا بين قوسين، أي إنما يخشى العلماءُ من عباد الله – اللهَ؟ طبعاً، يُوجَد فرق كبير جداً، واختلف المعنى. إنما يخشى العلماءُ الله. نعم! الشيئ نفسه هذا، فهذا فاعل وهذا مفعول به، ولكننا قدَّمنا وأخَّرنا. يُوجَد فرق كبير!
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ۩، في الخاشين، هذا حصر صفة في موصوف، حصر صفة في موصوف، قصر صفة على موصوف. ما الصفة؟ الخشية. قصرها الله على ماذا؟ على العلماء. أي العلماء فقط هم الذين يخافون الله، وغيرهم لا يعرفون هذا، هل هذا واضح؟ لكن إنما يخشى العلماءُ (من الناس) اللهَ مُختلِفة، هنا الكلام ليس في الخاشين، وإنما في المخشي، العلماء لا يخافون إلا الله، المخشي هو الله وحده. بالتعبير الأول وهو تعبير القرآن الخاشي هم العلماء فقط وحدهم، هل هذا واضح؟ التعبير القرآني في الخُشاة أو في الخاشين. والتعبير المُفترَض وهو إنما يخشى العلماءُ اللهَ في مَن؟ في المخشي. أنهم لا يخافون لا الرؤوساء ولا الملوك ولا المباحث ولا أمريكا ولا الدول الاستعمارية، لا يخافون إلا الله، ولا يخافون الشياطين من الإنس والجن، لا يخافون إلا ماذا؟ إلا الله. فالتعبير مُختلِف طبعاً، والله لا يُريد التعبير هذا، يُريد التعبير الأول، أي مَن يخاف الله العلماء، فالله يتحدَّث عن مَن؟ عن مَن يخشاه، وهم العلماء. اللهم اجعلنا منهم يا رب.
إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ۩، تعبير عجيب، يُمكِن أن نقول عفو غفور، ويُمكِن أن نقول حتى رحيم غفور، فهذا مُمكِن، لكن ماذا عن قوله عَزِيزٌ غَفُورٌ ۩؟ وهذا تعبير جميل وواضح طبعاً، لماذا قال عَزِيزٌ غَفُورٌ ۩؟ والكلام عن الخشية، وواضح من الآية أن لا يخشى الله إلا العلماء، والعلماء في الناس قل، العلماء في الناس قل! قلة، ليسوا كثرة، أكثر الناس جهلاء، أليس كذلك؟ هذا هو، أكثر الناس جهلاء، وهذا في كل الأمم، والكلام هنا عن ماذا؟ عن العلم بالله صراحة. مع أن هذا العلم بالله – انتبهوا – موارده ليست الآيات المتلوة المشروعة وحدها، موارد ومصادر وروافد هذه الخشية آيات الله الشرعية المتلوة المُوحاة، وآياته الكونية، كيف لا والآية السابقة كلها تتحدَّث عن قضايا كونية؟ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ۩ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ۩، وكلها ظواهر كونية، أليس كذلك؟ كلها ظواهر طبيعية! معناها أن هؤلاء العلماء ليسوا هم العلماء فقط بالمعنى الضيق لعلماء الدين، أي الذين يعرفون علوم الشريعة والدين، لا! هؤلاء جمعوا إلى علوم الشريعة والدين علوم ماذا أيضاً؟ علوم الكونيات والطبيعيات. ولو لم يكن على شرط العلم الحديث، أي بالطريقة المُعمَّقة، وإنما على شرط ماذا؟ التأمل. طول التأمل والاعتبار واستقراء موارد القدرة ومبادع الصنعة – إن جاز التعبير -، عندهم هذا، عندهم دائماً!
انظر إلى أهل الله، إذا أنار الله صدرك – نوَّر الله صدري وصدوركم بعرفانه عز وجل – أو إذا أنار الله قلبك وصدرك، صار لك في كل شيئ ماذا؟ آية وعبرة. كل شيئ يصير أستاذاً لك، وتفهم منه أشياء عجيبة، ظواهر يمر عليها الناس كأنها لا شيئ، وأنت ترى فيها – ما شاء الله – منجم عبرة وعظة، هل هذا واضح؟ وفي كل شيئ له آية.
لذلك هذه الظواهر لا يُمكِن أن تمر عليها أيها العارف مرور الكرام، بالعكس! لذلك كان كثير من العارفين يهتمون بها، وهذا آناء الليل وأطراف النهار، بالغدوة والروحة. النبي يقول بالغدوة والروحة. أليس كذلك؟ الأصابح والأماسي، والآصال والعشي. هناك آية إذا تنفَّس الصُبح، وطبعاً العارف بالله يجلس جلسة طويلة بعد الفجر، فيها تسبيح وذكر واستغفار وتهليل وإقبال على الله، ثم يقول سُبحان الله، الصُبح من مظاهر الجمال. جمال! تُنير الدنيا، تظهر الأشياء، أول ما يبدأ هذا الشفق الجميل يُؤذِن بماذا؟ بإضاءة العالم واستنارته. ثم يفعل مثل ذلك عند المساء وغشي الظلام العالم، ويختم ورده، والنبي ماذا كان يقول عند صلاة المغرب؟ اللهم هذا إقبال ليلك، وإدبار نهارك، وأصوات دعاتك، وحضور صلواتك. ما هذا؟ ما الكلام الجميل هذا يا أخي؟ كلام جميل، فحولة النبوة! اللهم إن هذا إقبال ليلك، وإدبار نهارك، وأصوات دعاتك، وحضور صلواتك.
هذا العارف إذا فعل مثل ذلك عند غشي الليل، قال سُبحان الله، الليل من مظاهر الجلال. شفق أحمر، يتبعه ماذا؟ إسدال الليل ستوره على العالم. يُظلِم كل شيئ! والليل أخفى للويل. الليل أخفى للويل. كما قال أبو الطيب المُتنبي. من مظاهر الجمال، وهذه مظاهر يومية، لا تمر على العارفين هكذا أبداً، يومية! ولذلك لهم هذه الأوراد الخاصة، صباحاً ومساءً.
إذن قال إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ۩، وقال إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ۩، إذن العلماء قل، العلماء قلة، والجهلة كثرة! إذن الجهلة أكثرهم غير خاشين لله، لا يخشون الله. والذي لا يخشى الله، حريٌ ماذا؟ أن يركب فرس المعصية، أن يحتقب الذنوب الصغيرة والكبيرة أو والكبير منها، لا يلوي على شيئ! قال الله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ۩، أغفر لمَن أشاء مِن هؤلاء، ولكن عن عزة، لماذا؟
البشر أو كثيرٌ منا قد يغفر، ولكنه يغفر عن ضعف، أي هو غير قادر وخائف، خائف إن أخذ بحقه أن يُتابَع، أن يكون عليه بذلك تبيعٌ، تبيعٌ وتِباعة كما تقول العرب، أن تُدرِكه تِباعة. لا يستطيع إلا أن يغفر، وإن غفر – وهو لا يستطيع أن يتردد أحياناً ويغفر -، يكون ذلك عن ماذا؟ عن تهيب. يتهيب! الله لا يتهيب، ولا يتردد، وهو الغلّاب – لا إله إلا هو -، ولا يخشى أحداً. فإن غفر، غفر عن عزة، عن قوة ومنعة – لا إله إلا هو – وغلبة. إن غفر، غفر عن ماذا؟ لا عن تهيب، ولا عن تردد. وهو القائل ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ۩، وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ۩، قال دمرتهم، دمدمت عليهم ودمرتهم، ولا أخاف عُقبى ما فعلت. وقال الشيئ نفسه في سورة الإسراء، أغرقكم في البحر وأُدمِّركم، ولا واحد يُمكِنه أن يُتابِعني، لا يُمكِن أن يُتابِعني أحد، ليس هناك تِباعة تلحقني. أي تعال يا رب العالمين، ماذا عملت؟ ولماذا عملت هكذا؟ مَن؟ مَن؟ مَن هو التبيع الذي يُريد أن يُتابِع الله ويقول له تعال ويُريد أن يُحاسِبه؟ لا يُمكِن لأحد أن يُحاسِب الله، أليس كذلك؟ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ۩.
إذن إذا غفر، غفر عن ماذا؟ عن عزة ومنعة وغلب. لذلك قال عَزِيزٌ غَفُورٌ ۩، وواضح هذا، معناه يُشير إلى أنه تركيب عجيب، أي هذا ليس أي كلام يُوضَع فيه صفة مع صفة، لا! مُراد هذا. ولذلك حين ابتهل ويبتهل عيسى يوم القيامة لقومه الذين أشركوا بالله – أشركوه مع الله -، ماذا يقول؟ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۩، قال الْعَزِيزُ ۩، خجل أن يقول له ماذا؟ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩. وإبراهيم قالها، إبراهيم قالها! أي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، والنبي قال هذا، قال النبي أنا أُحِب طريقة إبراهيم. قال أنا أُحِب طريقة أبي إبراهيم وأخي عيسى. هؤلاء عندهم الكثير من الحنان، عندهم لُطف، عندهم رفق، وعندهم لين. رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي ۩، أي فعبد الأوثان هذه والأصنام، فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، انظر إلى إبراهيم، يا الله، ما أحلاه هذا النبي العظيم! إبراهيم عجيب، هذا الأواه الحليم المُنيب، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ۩، دائماً دائماً يُجادِل عن العُصاة، العُصاة والكفرة وقوم لوط وكذا وكذا، دائماً يُجادِل عنهم، والله قال هذا عبد جميل، هذا عبد خليل. خليل الرحمن! ويُمكِن أن يكون هذا سر الخُلة، لا تعرف! يُمكِن هذا، يُمكِن أن يكون سر الخُلة أن هذا رحيم جداً جداً بالبشر، وطبعاً الراحمون يرحمهم الرحمن، مَن لا يَرحم لا يُرحم. ومن أكبر الرحمة أن الله يفتح عليك، أليس كذلك؟ إذا أردت أن يفتح عليك، فلابد وأن ترحم، لابد وأن تتسم بالرحمة. والرحمة ليست فقط في حق مَن يستحقها منك ومن غيرك لأنه ضعيف ومُنكسِر، لا! في حق القوي الذي يُسيء إليك وتستطيع أن تُقارِضه إساءة بإساءة، ومع ذلك ترحمه، وتقول هذا لا يهم، سأدع هذه لله. حلو! الله يُحِب هذا كثيراً جداً جداً جداً، فالنبي قال أنا أُحِب طريقة أبي إبراهيم وأخي عيسى. أنا ليس قدوتي – قال – نوحاً في المسألة هذه. نوح قال لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ۩، وما إلى ذلك. قال وأهلكهم كلهم. إبراهيم قال لا، قال غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩. عيسى قال له إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۩، انظر إلى هذا! قال له هم يظلون عبادك، أي هم خلقك، أنت مَن خلقتهم وعجنتهم، عبادك هم يا ربي. انظر إلى هذا، عيسى! يا سلام على عيسى، جميل – عليه السلام -، النبي الروح، قال فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۩، قال وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ ۩، لا تغفر لهم عن مغلوبية ولا عن تهيب ولا عن تردد، عن عزة – قال له -، وأنا أعرف أنك العزيز المنيع الغالب الغلّاب. انظر إلى هذا، انظر! يتوسَّل إلى الله بهذا الشيئ، فاغفر لهم وأنت العزيز الحكيم، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۩، وهناك حكمة. لا إله إلا الله!
۞ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ۞ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ۞
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ۩، اللهم اجعلنا منهم، وَأَقَامُوا الصَّلاةَ ۩، هذه الآية كان إذا قرأها التابعي الجليل مُطرِّف بن عبد الله بن الشخير، يقول هذه آية القرّاء. أي الذين يحفظون كتاب الله ويقرأونه ويُجوِّدونه ويفرحون به – ما شاء الله، فرَّحنا الله به، وخرط به لحمنا ودمنا وكياننا كله، اللهم آمين، أي بكتاب الله وكلمات الله -، قال لك هذه آية القرّاء. أي (نيالهم). لماذا؟ هذا يتلو وهذا يتلو وهذا يتلو وهذا يتلو، كلهم! فلماذا؟ قال لك لا، أنت لست فاهماً. قال لك إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ ۩، وهنا قال وَأَقَامُوا ۩… وَأَنفَقُوا ۩… هؤلاء دائمو التلاوة. ولذلك المُفسِّرون أو مُعظَم المُفسِّرين قالوا لك هذه الآية من سورة فاطر كتلك من سورة النور، رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۩، وأعظم الذكر كلام الله، أليس كذلك؟ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۩، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ۩، هَٰذَا ذِكْرٌ ۩، وهكذا! هذا الذكر إذن، رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ۩، هذه هي! وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ۩ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۩، والشيئ نفسه الآن، ها هو! لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۩. قال لك هذه الآية كهذه، وتلك واضحة أنها في أُناس دائبين على ذكر الله، موصولي الحبل بالله أبداً، باستمرار! قال لك هذه الشيئ نفسه. ولذلك هذه آية التُلاة، آية القرّاء. وليست آية واحد يفتح المُصحَف كل أسبوع مرة ولا كل يومين مرة، لا! المُصحَف معه ليل نهار، ليل نهار! ويُحاوِل أن يجعله في صدره، ويحفظ منه قدر ما يستطيع. ولا يُوجَد أجمل من هذا، لا يُوجَد أجمل من أن تحفظ كلام الله!
روى الإمام الحاكم مَن استظهر القرآن – أي إذا واحد وحفظه، جاء وحفظه، حفظ ستين حزباً، حفظ ثلاثين جُزءاً أو ستين حزباً -، فكأنما استدرج أو فقد استدرج النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يُوحى إليه. هذا هو! ما ميراث محمد من السماء؟ القرآن. في ثلاث وعشرين سنة ماذا أعطاه الله؟ القرآن. ويفرح النبي، تنزل خمس آيات أو ست آيات، فيفرح جداً. انظر إلى هذا، القرآن! كلام الله، أنت حين تأتيك رسالة من حبيب، تبروزها وتحطها في النايلون هذا أو البلاستيك وما إلى ذلك، وتخاف عليها. تُحفة من الحبيب! وهذه رسائل من رب العالمين إلينا – لا إله إلا هو -، فإذا حفظت القرآن هذا كله – ما شاء الله -، وكنت تقوم به في الليل والنهار، وكنت تقرأه دائماً وتتسلى به، وصار مسلاتك – صار ماذا؟ مسلاتك – ومنبع سعادتك باستمرار وأُنسك -، تصير وكأنك نبي، ولكن من غير وحي، لا يُوحى إليك! فقد استدرج النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يُوحى إليه. هذا في مُستدرَك الإمام الحاكم – رحمة الله تعالى عليهم أجمعين -، إذن هذه آية التلاوة.
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ۩، وعلى ذكر التُلاة لكتاب الله طبعاً – انظر إلى هذا – يُمكِن لأي أحد الآن إن أراد أن يُصنِّف موسوعة في أحوال هؤلاء القرّاء وتُلاة كتاب الله، وذلك في عشرات المُجلَّدات، وآمنت بالله العظيم! وكلكم تلحظون الآتي: لا تجد رجلاً مشغولاً بكتاب الله، حافظاً له، مشغولاً به باستمرار، إلا تجد عليه السكينة والوقار والهدوء والحلم. سُبحان الله! أنا لم أجد هذه القاعدة ما يخرمها عبر حياتي. سُبحان الله! هناك روح، والنبي – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين – قال لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع مَن يجد ولا أن يهزل مع مَن يهزل. يجد من الموجدة، وليس من الوجدان، الموجدة! وهي الغضب، أي أن يغضب وما إلى ذلك، لا! صاحب القرآن عنده سكينة وهدوء، لأنه أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ۩، وهذا الذكر كله عنده، ستون حزباً عنده، كلهم هنا في صدره. فطبعاً كيف سيكون؟ عنده هكذا طمأنينة. وأنت تجدهم هكذا دائماً، عندهم هدوء، شيئ عجيب! وإذا التقيت بأحد الحفّاظ الذين يشتغلون طيلة حياتهم بالحفظ والتحفيظ، فسيكون من الصعب أن تنساه، ومن الصعب أن تنسى منطقه وشكله ونوره، يبقى دائماً في رأسك، وهذا حصل معي، رأيتهم في ليبيا ورأيتهم في تونس ورأيتهم في فلسطين – وهم كذلك في أي مكان، سُبحان الله -، وإلى الآن يظلون أمامي، فهناك رجل حافظ في ليبيا، دائماً ما يأتي على بالي، وأكيد – إن شاء الله – هو من الصالحين، رأيته مرة واحدة وجلست طبعاً جلسة كانت طويلة وما إلى ذلك في السابع والثمانين، ودائماً ما أظل أتذكره، نور! كأنه كان ملكاً أمامي، أُقسِم بالله! شيئ عجيب يا أخي، سُبحان الله العظيم، ومثله هنا وهنا وهنا، هؤلاء الحفّاظ هم أهل القرآن الكريم، وهم أهل تقوى، ليس عندهم الغيبة والنميمة والكذب، لا! أهل الاستقامة، هذا القرآن يا أخي، والقرآن رهيب، هذا مَن يحفظه ويعمل به جيداً ويقيم به الليل، يُغيِّر شخصيتك رُغماً عنك، يُغيِّر كل شخصيتك – بإذن الله تعالى -.
فعلى ذكر هؤلاء أُريد فقط أن أحكي لكم كرامة عن واحد، مات قبل سنوات يسيرة، وهو من تونس. وأنا قلت لكم قبل ليال فتّشوا بلاد العرب، كلها فيها أولاد وصالحون وأهل أسرار وأهل أنوار، كلها! وكل بلاد المُسلِمين، شيئ غريب يا أخي، بالله العظيم هم إخوة – اقشعر بدني -، بالله – أنا أحلف وأنا في بيت الله – هم إخوة، أهل الله وأهل الولاية وأهل الأسرار إخوة، المصري مع السوري مع العراقي مع التونسي مع الليبي مع الفلسطينيي مع الباكستاني مع الماليزي، إخوة يا أخي، إخوة! المنطق نفسه عندهم، الروح نفسها، الجمال نفسه، وهكذا! هل تعرف لماذا؟ هؤلاء تحزَّبوا، هم حزب واحد، هؤلاء حزب الله، وهم المُفلِحون، وهم الغالبون. هؤلاء حزب الله، لا حزب فلان ولا حزب علان ولا ما إلى ذلك، هؤلاء من حزب الله، وفقط! اللهم اجعلنا من حزبك، واضونا تحت لواء حزبك، فنكون مع أهل حزب الله.
مَن أردت الحديث عنه اسمه الشيخ عبد الرحمن الظريّف – رحمة الله عليه -، ويُمكِن أن يكون التوانسة يعرفونه، اسمه الشيخ عبد الرحمن الظريّف أو الظَريف. هذا الشيخ – قدَّس الله سره – عُمّر، وحصل معه الآتي من كثرة ما كان مشغوفاً بكتاب الله طيلة حياته، تحفيظ تحفيظ تحفيظ! ألوف ألوف الحفّاظ خرجوا من تحت يديه – ما شاء الله -، هينئاً له! وكان جامعاً للقراءات أيضاً، فهو لم يكن قارئاً هكذا، كان جامعاً، عالماً في القراءات. كان جامعاً للقراءات!
كان الشيخ الظريّف – عبد الرحمن الظريّف رحمة الله عليه وقدَّس الله روحه الكريمة – كل ليلة يحدث معه الآتي إلى أن لقيَ الله، وتَلاميذه أحياء، هناك شيخ فاضل يشهد بهذا، وحتى هذا – سُبحان الله – ترى عليه سيماء الصلاح والطيبة، اسمه الشيخ محمد مشفِّر – لا أعرف مشفِر أم مشفِّر، هي مشفِّر تقريباً -، وهو إمام في مسجد هناك، أي في تونس، هذا من تَلاميذه، هذا شيخه!
كل تَلاميذه يعلمون هذه الحالة، وأهله وأولاده وأحفاده يعلمون هذه الحالة التي تحدث له حين يضع رأسه بعد العشاء، والنبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان لا يُحِب النوم قبل العشاء، ولا يُحِب السمر بعدها، إلا إذا كان طبعاً في مجلس علم أو عبادة، فهذا مُستحَب، لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء الآخرة إلى مُنتصف الليل. تأخير للعبادة والذكر، أما تأخير من أجل التلفزيون Television والسهر والكلام الفارغ فلا، لأن هذا سوف يضيع عليك ماذا؟ قيام الليل. أي على الصالحين طبعاً، وعلى مُعظَم الناس سوف يضيع الفجر أيضاً، سوف يقوم عند الساعة السابعة، والشمس هكذا طالعة، ما شاء الله عليه، ويقول لك هذا لأنني سهرت. حصل هذا لأنه سهران، وكان يلعب ويُشاهِد التلفزيون Television والكلام الفارغ، ضاعت عليه، مسكين! أصلحنا الله. اللهم آمين.
فالشيخ هذا – أي عبد الرحمن – كان ينام بعد العشاء، وأول ما ينام – سُبحان الله العظيم – يبدأ الختمة، وهو نائم! يقرأ الفاتحة، البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الكافرون، النصر، المسد، الصمدية، الفلق، الناس. مائة وأربع عشرة سورة! كل ليلة وهو نائم، يقول بسم الله الرحمن الرحيم، ويقرأ وهو نائم – قدَّس الله سره -. ولذلك رضوان الله على روحه الطاهرة، اللهم أعطنا كما أعطيت هؤلاء الصالحين. كل ليلة يبدأ الختمة حين ينام، وهو نائم! ويقعدون معه ويسمعونه، فهذا أمر مُتواتِر، أي لم يحصل في مرة أو في مرتين أو في مائة مرة أو في مائتي مرة، طيلة حياته! كل ليلة يحصل هذا، انظر إلى ما فعله ربنا له، لأن أكيد كان عنده دعوة مُستجابة، الله استجابها له. كأنه قال له أنا حتى لن أضيع عليك وقت النوم، سوف أجعله عبادة وقرآناً. أكيد هذا في القبر سوف يبقى يتلو القرآن، في البرزخ، أنا مُتأكِّد من هذا – بإذن الله تعالى -. هذا يبقى يلتو القرآن في البرزخ. مثل ما ثبت عن ثابت البُناني.
ثابت البُناني هذا تابعي جليل، تَلميذ لأنس بن مالك، وأنس كان يقول له والله يا ثابت أُحِبك أكثر من أبنائي. لأنه طبعاً صالح، كان يُحِبه أكثر من أولاده، لأنه إنسان صالح ويُحِب العلم ويُحِب الذكر، وهو مُلازِم لأنس أكثر من أولاده، وأخذ منه أكثر العلم الخاص به، أي بأنس. وهو إنسان صالح! ثابت البُناني عابد عابد عابد وتابعي جليل. لما مات دفنوه – قدَّس الله سره أيضاً، هذا التابعي الجليل -، وبعد ذلك كأن واحداً وقع منه شيئاً وما إلى ذلك، فذهبوا وفتحوا القبر، وإذا به قائم يُصلي. أوه! رجع مُباشَرةً، الناس ذُهلوا، ما هذا؟ قالوا هذا كان يُصلي! قالوا لأن كان عنده دعوة، ودعا بها. قال اللهم إن كنت أعطيت أحداً في قبره أن يُصلي، فأعطني الصلاة. وطبعاً هذا ثابت عنه، وهو القائل – رضوان الله عليه – كابدت الصلاة عشرين سنة – مرت عشرون سنة وهو يُحاوِل أن يتخشع، وكان يُقبِل فيها على الله ويفنى عن العالم وكذا – وتنعمت بها عشرين سنة. أخذ هذا فيما بعد، صارت جنته وانتهى الأمر. حين يقول الله أكبر، يدخل في عالم آخر. فيعشقها! فكان يكره الموت والانتقال بسبب ماذا؟ بسبب أنه – كما قال – سوف يتوقَّف عن الصلاة، ولكن يا ربي أنت على كل شيئ قدير، أعطني الصلاة في البرزخ. فأعطاه!
فالشيخ الظريّف هذا – قدَّس الله سره – بالحري – إن شاء الله – أن الله يُعطيه ماذا؟ التلاوة في قبره. لأنه يُعطيه هذا كل ليلة وهو نائم، رضوان الله عليه! مَن هؤلاء الشيوخ؟ مَن هؤلاء الناس الصالحون يا أخي؟ مَن هؤلاء الناس؟ أعد علينا اللهم من بركاتهم ومن نفحاتهم، وأعطنا كما أعطيتهم، وصلنا كما وصلتهم، ودلنا كما دللتهم، وأكرمنا كما أكرمتهم وبما أكرمتهم به، إنك على كل شيئ قدير وبالإجابة جدير.
ولذلك الشيخ عبد الرحمن – قدَّس الله سره، أي التونسي هذا – لم يشهد عرس ثلاثة من أبنائه، لأن العرس يكون في الليل، يبدأ هكذا بعد العشاء ثم يستمر، فهو قال لهم لا، لا أقدر. لا يقدر! يموت، قال لابد وأن أذهب لكي أنام، من أجل أن أدخل في العالم الخاص بي. وتبدأ الخاتمة – قالوا لك – من الفاتحة إلى الناس كل ليلة، لثماني ساعات! في ثماني ساعات هناك قراءة سريعة بالحدر، يقرأ ولا يغلط، وهو نائم، يا ربي! يا ربي! هناك أُناس قالوا لك يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ۩، نعم يُثَبِّتُ ۩ يا حبيبي، هذا يُثبِّت الملائكة نفسها، هذا مثل ما ذكرنا في الخُطبة عن أبي زُرعة الرازي، يُصلي بالملائكة في الملأ الأعلى، لأنه كتب الصلاة مليون مرة بخط يدية، هذا كم مرة ختم القرآن بحسب هذا المعنى! هذا ربما يُصلي في أمثال أبي زُرعة طبعاً، يقول له أنت تتكلَّم عن الحديث وأنا أتكلَّم عن القرآن، ومن ثم خلني في الأمام من فضلك.
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ۩، لما جاء مولانا الشهيد السعيد البوطي – رحمة الله على روحه الطاهرة – حكى لنا الآتي، وهو الرجل الصالح، الذي جمع له الله شيئين: جمع له مِداد العلماء، ودم الشهداء. ومِداد العلماء يرجح يوم القيامة بدم الشهداء، والشيخ البوطي طيلة حياته يُصنِّف ويُؤلِّف ويُدافِع عن الإسلام.
واليوم كنت أحكي لأحد إخواني عن شيئ قلته للشيخ العلّامة البوطي، وقد فرح به. قلت للشيخ العلّامة البوطي يا شيخنا، يا سيدي، ويا أستاذي، أول مُحاضَرة ألقيتها وأنا صغير كنت ابن إحدى عشرة أو اثنتي عشرة سنة، فقال لي نعم. قلت له بكتاب لك. قال لي بكتاب لي؟ قلت له بكتاب لك. من سلسلة أبحاث في القمة، إلى اليوم أذكره! اسمه الإسلام ومُشكِلات الشباب. سُر بهذا جداً، وقلت له هذا الكتاب حفظته كالفاتحة ولخصته، وكنت أُحاضِر به. أول مُحاضَرة لي كانت بكتابك.
وأشهد لله والرجل في دار الحق – وقلت هذا حين كان هنا، أي أمامه، وأقول هذا وهو في دار الحق – أن الرجل أوتيَ السعادة في مُؤلَّفاته، بسبب الإخلاص الذي عنده. بالله العظيم يا دكتور بوطي اسمك له رنة وله وقع، غير! الأمة ملآنة علماء، ألوف! ولكن يختلف الأمر حين تسمع الدكتور البوطي أو محمد سعيد رمضان البوطي، كُبرى اليقنيات الكونية. انظر، اقشعر بدني، اسم له وقع! فقه السيرة للبوطي، هناك فقه السيرة للغزّالي ولغيره، وهذا على العين والرأس، فقه السيرة للبوطي نفع الله به الكثيرون، لا يُوجَد كتاب في السيرة مُعاصِر انتُفع به كفقه السيرة للبوطي، ومعروف هذا، يعرف هذا كل مَن دار على الجامعات وكذا، أنا كنت حتى في دول أُخرى أجنبية ووجدت هذا، قال أحدهم فقه السيرة، نُدرِّسه عندنا هنا في الجامعة. شيئ غريب يا أخي إذن، أوتيَ السعادة هذا الرجل في مُؤلَّفاته، لأن هناك إخلاصاً، كان يُؤلِّف بربانية وإخلاص، وكان طيلة حياته يُؤلِّف يُؤلِّف يُؤلِّف، مُؤلَّفات كثيرة! حوالي ثمانين مُؤلَّفاً – ما شاء الله -، وذلك في التفسير، في علوم القرآن، في الفقه، في الفقه المُقارن، في أصول الفقه، طبعاً في التصوف وشرح الحكم وغيرها، في السيرة… موسوعة الرجل في العلوم الشرعية – ما شاء الله -، وتكلَّم حتى في المنطق ونقد أوهام المادية الديلكتيكية – أي الديالكتيكية -، أحسن مَن تكلَّم في نقد الديالكتيك الماركسي في وقته من علماء المُسلِمين الدكتور البوطي، وهذا معروف! وله قصص، لكن لا علينا من هذا الآن.
الدكتور البوطي لما كان هنا حكى لنا قصة، أي هذا الشهيد السعيد، انظر إلى هذا، ماذا جمع الله له إذن؟ دم الشهيد، ومِداد العالم السعيد. يلقى الله بهذين الشيئين – ما شاء الله -، أوه! هنيئاً له، هنيئاً له. اللهم أحسِن ختامنا.
فحكى لنا قصة مُؤثِّرة جداً جداً عن موضوع الإنفاق هذا لوجه الله، قصة مُؤثِّرة جداً! وأنت تعرف أنه طبعاً كردي، وأعتقد أمه كانت تركية، وزوجة أبيه تركية أيضاً، وإحدى زوجاته كانت تركية، وهو كان يعرف التركية، كان يتكلَّم التركية والكردية والعربية، فهو له خبرة بالأتراك وما إلى ذلك. فحكى لنا قصة وقعت في إزمير، ذكر – إذا كنتم تتذكَّرون – أن هناك قرية من القرى التابعة لإزمير – مدينة إزمير التركية -، وفيها مدرسة شرعية، يقوم عليها أُناس طيبون، وفيها أطفال يتعلَّمون القرآن والحديث واللُغة العربية و… إلى آخره! وفي يوم من الأيام قُطع بهذه المدرسة، انتهت النفقة، ولم يعد عندهم مال، يُنفِقون منه على الطلّاب!
فما كان من مُدير المدرسة والمُحاسِب إلا أن نزلا، وأدركهما حتى الليل، إلى مدينة إزمير، فلما كانا بإزمير، كانت الدنيا مُظلِمة وكل شيئ كان مُغلَقاً، لا يُوجَد أي شيئ مفتوح، من بعيد وجدا أن هناك دكاناً مفتوحاً، ذهبا إليه، فإذا به خمّارة. وهذا في آخر الليل ولم يكن هناك سُكارى إلا صاحب الخمّارة. قال أحدهما صباح الخير. فقال له صباح الأنوار أخي. قالا يا أخي هل لك في خير؟ قال تفضَّلا. قالا نحن من القرية الفلانية، وهناك يُوجَد المدرسة العلانية، اسمها كذا كذا كذا، واسأل عنها حتى، والمدرسة هذه شرعية لتعليم دين الله. قال مرحبا. وسُبحان الله يا أخي، سوف نرى شيئاً عجيباً غداً حين نُفسِّر آية الاصطفاء، هذا هو! فالقرآن قال هذا أيضاً، فلا ينبغي أن تُسيء الظن بالناس طيلة حياتك، لا تقل هذا سكيّر وكذا. هذا يُمكِن أن يدخل الجنة قبلك، ويُمكِن أن يشفع فيك، والله العظيم! تواضع، تواضع، كُن مُتواضِعاً، ولا تغتر بأنك مُلتزِم وحافظ للقرآن وشيخ، لا تغتر، لا! يُمكِن أن يكون سكيّراً ويكون أحسن منك، والله العظيم!
فقال مرحباً. قالا نحتاج نفقة وليس عندنا شيئ. هو عنده الخزنة – أي الــ Safe – الكبيرة هذه، ففتحها وقال خُذا ما تشاءان. تخيَّل! خُذا ما تشاءان. وليس خُذا شيئاً قليلاً هكذا. قالا لا، صعب، نستحي، أعطنا أنت. فأخذ كمية هائلة من المال، وقال تفضَّلا. وقال هذا للمدرسة الشرعية. تأثَّراً جداً، قالا هذا الرجل طبيعي؟ هذا المبلغ ما كان يحلمان في الأحلام به.
فعادا فرحين جداً جداً، ووصلا عند الصباح. مُباشَرةً ذهبوا إلى الدكاكين اشتروا وعملوا أشياء، وسددوا الديون، وكانا فرحين بهذا. في نفس اليوم وإذا بالرجل يأتي، فلما رأياه قالا نعم، نخشى أن يكون استفاق من سُكره، وجاء يسترد المبلغ، لأن لماذا هذا يأتي الآن إذن؟ لماذ يأتي؟ والله هذه ورطة، سوف نُعطيه الباقي، ماذا سوف نفعل؟
قال السلام عليكم ورحمة الله يا إخواني. قالا عليك السلام ورحمة الله. قال أنتما كنتما معي؟ قالا نعم، كنا عندك في هذا اليوم. قال يا إخواني، يا إخواني شيئ عجيب. قالا ماذا؟ قال أنتما ذهبتما من هنا، وأنا نمت، ورأيت القيامة قد قامت. أي والله! رأيت القيامة قد قامت، وأنا مُسلسَل ومغلول، وأُساق إلى جهنم مع آخرين، كلٌ في صياح وصراخ واستغاثة، وما من مُغيث، واقتربنا من جهنم، تلفحنا لفحاً، وصراخ!
وهذا يُذكِّرنا بقصة المرحوم،الرجل الصالح الطيب المحبوب، الشيخ فتحي الصافي – رحمة الله عليه -، أي هذه رؤيا شبيهة بهذه – والله -، رحمة الله على روحه الطاهرة، هذا مسكين – والله -، وأعلى الله مقامه، اللهم في عليين يا ربي، واغفر له ما كان منه. فهذا شيئ قريب إذن، وهناك توبة مالك بن دينار، الشيئ نفسه أيضاً، أي ربك له غرض هكذا في أُناس يُحِبهم، فيأتي بهم ويعرف كيف يأتي بهم، يأتي بهم! ائت بنا إليك يا رب.
فقال ماذا؟ لفحتنا النار، اقتربنا منا وكنا نصيح، ولا مُغيث، لا يُوجَد مُغيث! قال حتى إذا أيقنت بالهلاك، وإذا بأنت أيها الرجل الصالح – قال له – وهذا، وخلفكما أطفال صغار، هم أطفال هذه المدرسة، فقلتما يا رب هذا الرجل (صاحب الخمّارة) أنقذنا، وتبرَّع بمبلغ كبير لمدرستنا الشرعية، فنسألك أن تُشفِّعنا فيه، قال خذوه لكم، وأدخلوه الجنة. وصار يبكي، وهما يبكيان، شيئ مُؤثِّر جداً! وقال لهما أنا حين استفقت من النوم – هذا في الصباح مُباشَرةً، أول ما الشمس هكذا أشرقت – صفيت الأعمال، تركت هذا المكان بالكامل، وأنا لن أُغادِر هذه المدرسة، سأعيش وأموت عندكم هنا، أتعلَّم الشريعة، وأخدمكم. قال أنا خادم عندكم هنا. قصة عجيبة! حقيقة ومعروفة طبعاً عند الأتراك، وهذه سمعناها من الشهيد البوطي – رحمة الله تعالى عليه -، فهذا ماذا؟ أجر النفقة.
انتهى وقتنا! هذا أجر النفقة، وخاصة إذا كانت النفقة في سبيل الله، على أيتام، أرامل، (غلابة)، مساكين، مدارس، مشافي أو مُستشفيات، محاويج، أي شيئ مما يُرضي الله – تبارك وتعالى -، أجرها عظيم! واجعلوها ماذا؟ واجعلوها بالسر، اجعلوها خبيئة بينكم وبين الله – تبارك وتعالى -.
كل واحد فينا يا إخواني – أوصي نفسي وإياكم – لابد وأن يُخبئ لنفسه عملاً صالحاً كبيراً، يعمل شيئاً كبيراً هكذا، يكون كبيراً جداً جداً، ويتحدى به نفسه، وخاصة في باب الإنفاق، ولا أحد يعرف، ولا أحد يسمع، لا زوجتك ولا أمك ولا أي واحد، فقط رب العالمين. يوم القيامة يُمكِن أن يُدخِلك الجنة هذا الشيئ، الله يقول لك هذا كان مُخلَصاً، لم يسمع به أحد، ولم يتلق أحد عليه أي تلميح، قبلته منك يا عبدي.
فنسأل الله أن يقبل منا القليل، وأن يجزينا ويثيبنا عليه بالكثير، والحمد لله رب العالمين.
سُبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله، عدد كمال الله، وكما يليق بكماله. والسلام عليكم ورحمة الله.
أضف تعليق