بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومَن والاه. اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا فقهاً وعلماً ورشداً.
۞ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۞
إخواني وأخواتي:
نُتابِع تفسير سورة سبأ، الله يقول – وفسَّرنا هذه الآية – وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۩.
۞ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ۞
وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ ۩، السُلطان هو القوة في اللُغة، السُلطان هو القوة! والعامة تقول النوم سُلطان. لأنه قوة قاهرة، تقهرك، لا تستطيع أن تُقاوِمها في النهاية، تُقاوِم وتُقاوِم ثم يُعجِزك، فتسقط نائماً، النوم سُلطان! وقيل السُلطان هو الحُجة. وهو قريب، لماذا؟ لأن الحُجة لها قوتها، لأن الحُجة لها قوتها وإن عادنها المُعانِدون، بعض الناس يضرب في صدور الحُجج والأعجاز، عناداً وكبراً وجحداً.
كَناطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً ليِوُهِنَها فَلَمْ يَضِرّْها وأوْهى قَرْنَه الوعِلُ.
بعض الناس يُكابِر هكذا، حتى على حُجج الله وآياته ومعاجزه البيّنات، لكن الحُجة بلا شك هي سُلطان، فيها قوة، فيها قهر.
الله يقول وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ ۩، أي هم لم يتبعوه لأنه قهرهم على اتباعه، الله أكبر! هذه الآية مُخيفة، هذه الآية قطعت معاذير الكفّار المُتأبلِسين المُتشيطنين، عبّاد الشيطان، الذين اتبعوا الشياطين. قطعت معاذيرهم! لن يقوم لهم عُذر يوم القيامة في شكل: يا رب لقد قهرنا اللعين، لقد غلبنا على أنفسنا، لقد تسلَّط علينا. الله يقول كذبتم، كذبتم! وأنا أكذبتكم في الدنيا بآياتي الكريمات. ليس له عليكم سُلطان، كل ما يملكه إبليس على ابن آدم هو ماذا؟ التسويل والوسوسة والزخرفة والتزيين. اعمل هذا، لا تُضع فُرصتك، هذه فُرصتك، يا رجل مَن يدري وكذا؟ الله غفور رحيم، وأحياناً ينطق الشقي: بزيادة دبوستين. من الشقاوة، أعوذ بالله، أعوذ بالله! انظر إلى الشقاوة، كنا نسمع هذه العبارة الشقية ونحن صغار، يقولها الفجرة الفسقة، أي بزيادة دبوستين. هو لا يُنكِر الله، ولا يُنكِر الحساب والبعث، ولا يُنكِر النار، ويقول – أي هذا البعيد – لا بأس، ندخل النار، وبزيادة دبوستين. أي نضرب دبوستين زيادةً. أف!
جسمي على الشمس ليس يقوى ولا على أهون الحرارة.
الدع نفسك بسيجارة، وانظر ما الذي سيحصل لك، أنت ستصرخ كالطفل الصغير، كالمجنون المُختلط. سيجارة!
جسمي على الشمس ليس يقوى ولا على أهون الحرارة.
حرارة سيجارة!
فكيف يقوى على جحيم وقودها الناس والحجارة.
قال الله – تعالى – مُعجِّباً من حالهم فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ۩، ما هذا؟ من أين لهم؟ أغبياء هؤلاء.
فإذن ليس لهم حُجة، جيد! إذا كانوا ضلوا وتنكبوا سواء السبيل والهدي المُستقيم بغير سُلطان من إبليس، بغير إلجاء، بغير اضطرار، بغير قهر، فلماذا إذن؟ هل تعرفون لماذا؟ تسويله وتزيينه وافق هواهم، وافق هواهم! هو سوَّل لهم بما يُحِبون، هم يُحِبون هذه الأشياء، يشتهونها، يشتهونها! ولذلك يا إخواني هناك المعاصي عموماً، وحتى الإلحاد قد يلتقي مع المعاصي في هذا الباب، ما هو هذا الباب؟ باب الأهواء والشهوات، فيُلحِد، يقول لك لا يُوجَد إله. ليس لأن الأدلة لم تقم على أنه مُوجِد الموجودات – لا إله إلا هو -، هو ليس موجوداً، هو واجب الوجود، ومُوجِد كل موجود، وكل شيئ فيه آية عليه – لا إله إلا هو -، ليس بسبب هذا، لا! لأنه لا يُحِب هذه الفكرة، أن الله موجود، لأنه يُحِب أن يعمل ماذا يُريد في حياته. وفسَّرت هذا في الدرس السابق أيضاً، فسَّرت هذا في الدرس السابق عند قوله – تبارك وتعالى – وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۩ استجلبنا واستشهدنا بقوله – تبارك وتعالى – في الزمر وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۩، الله لم يقل بالله. قال بِالْآخِرَةِ ۩. فهو ليس عنده مُشكِلة مع فكرة أن الله موجود، عنده مُشكِلة مع فكرة أن الله موجود وأن هناك آخرة وأن هناك حساباً وأن هناك نقاشاً، ولِمَ فعلت؟ ولِمَ لَمْ تفعل؟ هذا لا يُحِبه هو، قال لك نعم، الله موجود، موجود ولكن اتركوني أفعل ماذا أُريد. في نفس المعنى قال – تبارك وتعالى – بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ۩ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ۩. أين البعث؟ وأين الحساب؟ قال أبو جعفر بن جرير – على ما أذكر – في تفسيرها، قال لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ۩ ليمضي قدماً راكباً رأسه – كما قال مُجاهِد، ورواها عن مُجاهِد بإسناده، راكباً رأسه -، يحتقب الآثام والمعاصي، يحطب في حبل هواه، ما حل وما حرم. هذا معنى لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ۩، كما تقول العامة داعم في طريقه هكذا، داعم! أنا لن أترك هذا، وسأظل أفعل هذا.
الله قال هذه هي المُشكِلة، هذه هي المسألة في نصابها الحقيقي. ليس أن أدلة البعث غير مُقنِعة، ولا أن أدلة كذا غير مُقنِعة، أبداً! المسألة أنه يُحِب أن يركب هواه، ولذلك قال – تبارك وتعالى – مُقرِّراً المعنى ذاته أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ۩، هم يُحِبون هذا، أن يُتركوا سُدى، يقولون لك الله خلقنا، ولكن نحن تُركنا سُدى، نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ ۩. قالوا لك لا يُوجَد بعث، هو خلقنا نعم، ولكنه لن يبعثنا، ليس له مصلحة في أن يبعثنا، فلذلك نفعل ماذا نُريد. في المعنى نفسه أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ۩، وهم يُحِبون هذه العبثية، أي الــ Absurdity كما يُسمونها الآن، وفعلاً هم يُسمونها هكذا، هناك أدب العبث وفلسفة العبث، والوجودية عموماً هي فلسفة عبثية وفلسفة للعبث، وخاصة فلسفة ألبير كامو Albert Camus، هذه Absurdity philosophy، وهذا نفس الشيئ، الله قال أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ۩ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۩، الله يتعالى عن هذا العبث. وهذا التفكير عبثي، هذا التفكير عبثي! حاشا لله. أي هناك رب أنشأ وأوجد وخلق ونظَّم وصمَّم ودقَّق وضبط كل شيئ، لكن أرقى مخلوقاته، المنفوخ فيها من روحه، تُرِك عبثاً هكذا؟ أبداً! ليس له غرض فيهم؟
ما الغباوة هذه؟ هذه فكرة من إلحاد اليونان وإلحاد الرومان وإلحاد الفلسفات التي هي شبه إلحادية من قديم، قالوا لك الله موجود، ولكنه لا يُعنى بنا، هو غير معني بنا. ولذلك بعض الفلاسفة المُعاصِرين سمى إله أرسطو Aristotle الصنم. قال لك هذا صنم، وليس إلهاً، الإله لا يكون هكذا. وفعلاً! فَتَعَالَى اللَّهُ ۩، تعالى الله عن هذه الصنمية، قال خلق وسوى، ولكن سُدىً، وتركنا هملاً وعبثاً، نفعل ماذا نُريد. غير صحيح، غير صحيح!
وفي المعنى ذاته – موضوع طويل هذا، والقرآن عنده تصور مُركَّب لهذا الموضوع – أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ۩، فكرة إله ليس عنده مُشكِلة معها، ولكنه يُريد إلهاً يكون ماذا؟ مُفصَّلاً على قد أهوائه ورغائبه. ما أُحلِّله أنا هو حلال عنده، وليس ما يُحلِّله هو حلال عندي، لا! اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ۩، ما أُحلِّله أنا هو حلال، لابد وأن يصير هكذا عنده، وما أُحرِّمه هو حرام عنده، وما أُريده لابد وأن يُريده هو. يا سلام! انظر إلى العقل المنكوس المعكوس، فصار الرب مربوباً والمربوب رباً بالمنطق اللعين هذا، المنطق التصنيمي التوثيني الإلحادي، فهذه القضية!
الله قال وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ ۩، يا ويلهم، يا ويلهم! مِّن سُلْطَانٍ ۩، قال إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ۩، قد يقول لي أحدكم ما هذا الاستثناء؟ مَن المُستثنى منه هذا؟ غير مفهوم، استثناء مُنقطع هذا، انتبه! هذا ليس استثناءً مُتصلاً. وشرحنا على ما أعتقد في درس سابق من دروس التفسير – في سورة سبأ نفسها أيضاً – حد الاستثناء المُنقطع.
باختصار حين يكون المُستثنى ليس من جنس المُستثنى منه، يكون هذا استثناءً مُنقطعاً. فقط! تقول جاء التَلاميذ إلا تَلميذاً. فنقول هذا استثناء مُتصِل. تقول جاء التَلاميذ إلا الأستاذ. فنقول هذا استثناء مُنقطِع. لأن الأستاذ ليس ماذا؟ تَلميذاً. ونحن دائماً ما نقول هذا، لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا ۩، والسلام ليس من اللغو، فكيف تستثني أنت السلام من اللغو؟
ولذلك ضابط الاستثناء المُنقطِع أنه يصح أن يُقدَّر مكانه أو يُوضَع مكانه لكن، أي يصير في المعنى لكن. الله قال وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ ۩ لكن: لِنَعْلَمَ ۩، أن القضية ليست هكذا، ليست أنه قهرهم وهكذا، ولكن نحن تركنا الأمور الابتلائية الاختيارية، فأطاع مَن أطاع، وعصى مَن عصى، آمن مَن آمن، وكفر مَن كفر. من أجل ماذا؟ قال من أجل الآتي، لكن: لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ۩. قد يقول لي أحدكم هل قال الله لِنَعْلَمَ ۩؟ هذه كثيرة في القرآن الكريم، لِنَعْلَمَ ۩… لِنَعْلَمَ ۩… وهذه ليس معناها أن الله كان لا يعلم – ولا أقول الكلمة الأُخرى -. أبداً! حاشا لله، أبداً! وطبعاً بُرهان أن الله سابق علمه بكل شيئ قبل وجود كل شيئ – ليس وجود الأشياء حتى، وإنما قبل خلق السماوات والأرض، وقبل خلق أي شيئ – ثابت، هذا البُرهان ثابت وقوي بالكتاب وبالعقل أيضاً، ولن نخوض فيه الآن، فالموضوع هذا كلامي طويل ولاهوتي مُعقَّد، ولكن عند أي مُؤمِن هذه القضية محسومة – بفضل الله تبارك وتعالى -، الله يعلم كل شيئ، وأبسط بُرهان عليها بروح فيزيائية هل تعلمون ما هو؟
ببساطة نحن لا نُحيط علماً بالأحداث المُتتابِعة في الوقت ذاته، وطبعاً من باب أولى التي لم تقع أصلاً، لسبب واحد، أننا مظروفون بظرف الزمان، نحن محكومون بالزمان والمكان رُغماً عنا، نحن كائنات مُبعَّدة، تقع في أبعاد، وتنشط وتُفكِّر وكذا في أبعاد على الرُغم منها، أليس كذلك؟ وعلى فكرة قدرتنا على إدراك أننا مُبعَّدون وواقعون في أبعاد تقوم وحدها بُرهاناً على أن فينا جُزءاً ليس مادياً ولا يخضع للأبعاد، وهو الروح، وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ۩، قضية فلسفية كبيرة! أول مَن أقامها على هذه السكة ابن سينا، وإلى اليوم فلاسفة الإيمان وفلاسفة الماورائيات – أي الميتافيزيكس Metaphysics – يعتمدون هذا البُرهان، وقد بسطوه وشعبوه وتكلَّموا فيه، ولكن جوهره عند ابن سينا – رحمة الله عليه -، وهو بُرهان قوي وفلسفي عظيم جداً، فعلاً فينا نحن ماذا؟ نفخة من روح الله – لا إله إلا هو -. ونُدرِك بها هذه الأشياء، أي هذه قضية لها تعلق كبير بقضية فلسفة الوعي، فلسفة الوعي!
لذلك الفلسفات المادية – انتبهوا، وقد تُصدَمون بهذا – الآن سواء في علم الفيزياء البحتة هكذا، أو في علم الأعصاب أو علوم الأعصاب بالأحرى أيضاً، أو علم الأحياء التطوري، إلى آخره… تُنكِر الوعي، ما رأيكم؟ سوف تقولون لي تُنكِرها؟ نعم، طبعاً، هذا هو.
ومرة قلنا لن تكن مُلحِداً حتى تتنحر عقلياً. وهم ينتحرون على جميع المُستويات، ولكي يتشبثوا بذيول الإلحاد أنكروا حتى الوعي، قالوا لك لا يُوجَد شيئ اسمه وعي بشري، هذا وهم من الأوهام. وأنكروا الحرية، حرية الإرادة والاختيار، قالوا لك هذه وهم من الأوهام. والوعي وهم أيضاً. ضعنا! عدمية مُطلَقة، فقط لكي يُلحِدوا. وهذه القضية تحتاج على ما أعتقد إلى مُحاضَرة أو خُطبة تكون مُركَّزة قليلاً، نُوضِّح فيها هذه التبعات الخطيرة.
نرجع مرة أُخرى، هذا كان خلافاً للرؤية الإيمانية، التي فيها الأمور واضحة – ما شاء الله – وقوية وصُلبة، وتتفق مع الحس المُشترَك ومع المنطق البدهي العام ومع تجاربنا المعيشة في واقعية أنفسنا ووعينا والكون وواقعية حريات إرادتنا واختياراتنا. هذه كلها أشياء واقعية، نحن نعيشها ولا نُكابِر عليها، عملياً! حتى ديفيد هيوم David Hume الذي كرَّر هذه الأشياء وخط الطريق للمُكابَرة فيها قال أكبر شكّاك وأكبر ارتيابي حين يترك معمله ومكتبه وأوراقه وأقلامه ويعيش مع الناس، يعيش كواحد من الناس، ويترك ريبته ويترك شكوكه. لأنه يعرف أنها كذب ولا تلتئم بالحياة العادية، لا يُمكِن إلا هذا!
ولذلك هنا شيئ في الفلسفة اليوم يُسمونه التنافر المعرفي، أي الــ Cognitive dissonance، الــ Cognitive dissonance! يعيشون تنافراً حقيقياً، يضعون مبادئ، ولا يستطيعون أن يتعايشوا مع ماذا؟ لوازم هذه المبادئ. فيقطعونها عن ماذا؟ عن لوازمها. فيقول لك الواحد منهم نحن سنعيش بلوازم أُخرى. ولكن هذه لوازم لرؤية دينية! ولكنه بعد ذلك يقول لك نحن نحتاجها. مساكين! خلافاً للمُؤمِن.
ولذلك قال – تعالى – وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ ۩، فكيف بمَن أنكر الله مرة واحدة وبضربة واحدة؟ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ۩، يتقطَّع، الله يقول في تنافر، عقله في جهة، عاطفته في جهة، مبادئه في جهة، أفكاره في جهة، أمانيه في جهة، قناعاته في جهة. مُمزَّق المسكين! بل قال – تبارك وتعالى – ما هو أعجب، وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ۩، أرأيت؟ فُرُطًا ۩، أي هذا كلام عجيب، والله يُقشعر البدن، حين تُفكِّر فيه وحين تفهمه بهذه الطريقة تقول يا الله، يا الله! ما هذا الكلام؟ هذا كلام رب الإنسان، هو خلقك وهو يعلم ما بك، يعلم ما بك أكثر من نفسك – لا إله إلا هو -، وهو الوحيد القادر على أن يتحدَّث عنك وعن كل مشاكلك على جميع المُستويات، حتى الفلسفية والعلمية الدقيقة، أكثر مما تظن. قبل أن يخترعوا مُصطلَح التنافر المعرفي وما إلى ذلكم، هذا من زمن بعيد، قال لك يتمزَّق، قال لك فرط، مثل عنقود عنب منظوم، منظوم نظماً دقيقاً، لكن إذا فرطته، فإن أمره سينتهي، لأن ستُصبِح كل حبة في حال سبيلها، وهذا أصبح هكذا، مثل عنقود العنب المفروط، لأنه كافر مُلحِد مُشرِك مُتنافِر، وهو على فكرة مُتشاكِس مع نفسه ومُتشاكِس مع كل نظام الكون دون أن يدري، قضية كبيرة!
إذن الله قال ماذا؟ إِلاَّ لِنَعْلَمَ ۩. وهذه ليس معناها أنه كان لا يعلم، فهل تعرف ما معنى إِلاَّ لِنَعْلَمَ ۩ هنا؟ وهذه قوة اللُغة ومجازاتها وأساليبها البيانية، معناها لنُظهِر علمنا. ونحن نعتمد هذا الأسلوب في حياتنا، حين يُكابِرك أحدهم في قضية، قد تقول له جيد، هيا نفعل كذا وكذا وكذا، لكي نعلم كذا وكذا. وأنت تعلم، أصلاً أنت تُناضِل عن هذه القضية التي تُريد أن تُثبِت العلم بها، فما معنى قولك لكي نعلم؟ لكي أُظهِر علمي. فهذه هي، نحن نُعبِّر بهذه الطريقة، لكي أُظهِر علمي، وإلا أنا مُوقِن وعارف بأنني في جانب الصواب، لكي نعلم! لكي نعلم كذا وكذا، هل هذا واضح؟ لكي نعلم مدى وفاء الذي تُدافِع عنه، مثلاً اختلفتما على شخص، أنت ترى – مثلاً – أنه غير وفي، جرَّبته وجرَّبت وفاءه لأهل وللناس، ووجدت أن ليس عنده أي نوع من الوفاء، غدّار – والعياذ بالله -، مثل الذئب، مع أن الذئب وفي جداً للذئاب على فكرة، أوفى حيوان الذئب، لكن هكذا يُقال، وهو يقول لك هو أوفى شخص. فتقول له هيا نختبره في كذا، لكي نعلم أين هو من الوفاء. هذا هو، وأنت تعلم أنه غير وفي، ما معنى إذن لكي نعلم؟ لكي نُظهِر علمنا. لكي أُظهِر علمي الذي أنا مُوقِن به.
هذا معنى لكي نعلم، لأنني رأيت قبل حوالي خمس أو ست سنوات مقطعاً قصيراً عن هذا، ولم أُكمِله طبعاً، لأن المُتكلِّم مسكين ولا يعرف شيئاً، لُغة عربية مكسرة بالكامل، يرفع وينصب وكذا، والآن يأتي لكي يُفسِّر القرآن، وقال لك المُسلِمون غير فاهمين، المُسلِمون جهلة وكذا، والمُفسِّرون من قديم لا يفهمون شيئاً. فنعوذ بالله من العُجب، ونعوذ بالله أن نقفوا ما ليس لنا به علم. وهو جاهل، ولا يعرف لا النحو ولا الصرف، والآن يأتي لكي يتكلَّم في القرآن! قال لك الله لا يعلم الأشياء إلا بعد أن تقع، لأنه قال إِلاَّ لِنَعْلَمَ، لِنَعْلَمَ ۩، إذن هو لا يعلم. مسكين!
إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ۩، والعياذ بالله، وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ۩، حَفِيظٌ ۩ يحفظ عليهم كل ما بدر منهم، لماذا؟ لكي يُجازيهم به بعد ذلك. ولذلك الحفظ يُفسَّر بالحراسة، لأن الذي يحرس الشيئ، لابد وأن ماذا؟ وأن يحفظه. ولأنه لا يحفظه إلا إن حرسه، ولذلك نفى الله – تبارك وتعالى – الحافظية عن رسول الله على بشر، وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ۩، فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۩، بمعنى ماذا؟ ما جعلناك وما أرسلناك عليهم حارساً، أي تحرس عقائد الناس وأديان الناس، أنت تُبلِّغ، إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۩، لست حَفِيظًا ۩، هل هذا واضح؟
الله حَفِيظٌ ۩، إذن بمعنى ماذا؟ بمعنى أنه يحفظ على البشر كل ما فعلوه وأتوه. لماذا؟ لكي يُحاسِبهم به وعليه، بالخير خيرات، وبالشر بما يستحقون. وقد يقول لي أحدكم وهل ربنا يحتاج إلى هذا إذن؟ لا، ولكن انظر، هذا العدل، هذا الشيئ الذي يُذيب القلب – والله – محبةً وإجلالاً وتوقيراً لرب العالمين. رب العالمين، هو العالم بكل شيئ، قبل خلق كل شيئ، وطبعاً – انتبه – علم الله مُتعلِّق بالأشياء على ما هي عليه، أي علم الله مُتعلِّق بأفعالك التي فعلتها وأتيتها اختياراً كما هي، مُتعلِّق بها ماذا؟ كما هي. اختيارية! لا تقل لي بما أنه علم كل شيئ، فأنا مُجبر. هذا كلام لا يقوله إلا إنسان لا يعلم شيئاً، لا في الفلسفة ولا في الدين ولا في العقل، العلم لا يجبر ولا يُخيّر، العلم يكشف عن الأشياء كما هي، ويتعلَّق بها كما هي، فيتعلَّق بالشيئ الذي يقع على الرُغم منك، على أنه ماذا؟ على أنه وقع على الرُغم منك. ويتعلَّق بالشيئ الذي فعلته اختياراً، على أنك ماذا؟ على أنك فعلته اختياراً. أي كما هو، كما هو! فلا تقل هذا، ليس لها علاقة. ولذلك لا يُوجَد عالم حقيقي (فهمان) أو فيلسوف يُشكِل على القضاء والقدر بقضية العلم الإلهي، لا! واضحة وسهلة، قضية العلم الإلهي سهلة جداً، العلم يُشكِلون وهم مساكين، يقولون ما دام هو عالم بكل شيئ، وكتب كل شيئ، فهذا يعني أننا مجبورون. لا! هذا كلام العوام البُسطاء، ليس كلام الناس (الفهمانين). العلم قضية سهلة جداً جداً، العلم صفة كاشفة، لا تُنشيء شيئاً، كاشفة! وتتعلَّق بالأشياء على ما هي عليه، يتعلَّق بهذه الطاولة على أنها طاولة، وليس تليفوناً Telephone، وعلى أنها – مثلاً – بيضاء، مُغطاة بالأبيض، وعلى أنها من خشب، وليس من حديد، كما هي! هل هذا واضح؟ العلم يكشفها كما هي، وفقط!
إذن وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ۩، من عدل هذا الإله الجليل – لا إله إلا هو، رب الأرباب – أنه يوم القيامة حين يفصل القضاء بين عباده لا يقضي بعلمه، وعلمه كافٍ، وهو عارف كل شيئ، أكثر منك وأحسن منك، لكن يقضي بالبيّنة والشهود والأدلة، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، يا الله! نحن اليوم في الخُطبة ذكرنا أن هناك أُناساً يقضون بظنونهم، يقول لك أحدهم هذا كافر، زنديق، يكيد الإسلام، يكره الإسلام، يكره الله ورسوله، مدسوس، عميل. الله أكبر يا أخي، كيف عرفت؟ كيف اجترمت أنت هذه الجريمة؟ قال لك إحساسي، أُحس بهذا. لا إله إلا الله! رب العالمين لم يجعل لنفسه هذه المثابة، قال لك أنا علمي سأُجنِّبه، لن أقضي بعلمي، لن أُدخِل علمي في القضية. إذن كيف سيكون الأمر يا ربنا، يا مصدر العدل والعدالة؟ قال لك بالبيّنات والشهود. الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ۩، أنت! أنت ستتكلَّم، حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم ۩، الكل سيتكلَّم! بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۩، وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۩، الآية من فصلت.
أيضاً في القرآن الكريم اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ۩، شيئ غريب! الله قال لك لا، أنا لا أقضي بعلمي، سأدع علمي جانباً، لن أقضي به، سأقضي عليك بشهود منك ومن غيرك. والأرض: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ۩ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا ۩، وورد عن رسول الله أنها تُخبِر بما عُمِل عليها من خير أو شر، يا رب هنا صلى هذا العبد الصالح. وهذه كانت صحراء، أنت صليت حين نزلت من القطار أو من كذا، مررت عليها مرة واحدة في حياتك، وصليت الصلاة في وقتها، فتشهد لك، العبد الصالح هذا صلى هنا، وكان يُمكِن أن يفوته القطار، نزل وصلى ركعتين هنا، أو صلى الظهر. يا رب هذا العبد هنا – والعياذ بالله – فعل الفاحشة. هذا العبد هنا اغتاب أخاه. هذا العبد قذف المُحصَنات. أي في المكان هذا، تشهد عليك، الأرض تشهد، والبدن يشهد، والشهود من البشر أيضاً يشهدون، كما أن الشفعاء يشفعون ويزكون. شيئ غريب، عدل! لا إله إلا الله، عدل!
إذن وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ۩، لماذا؟ لكي يقضي بماذا؟ بالبيّنة، بالدليل، بالبُرهان. فيقول لك هذا هو، أليس هذا عملك؟ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ۩، الله قال لا يُوجَد إلا هذا، هذا كتابك، هذا هو. وعلى فكرة إياك أن تتخيَّل أن كتابك هذا – أي كتاب الحسنات والسيئات – مثل أي كتاب هكذا، لا! أنا مُتأكِّد أن في أقل أحواله (أقل أحوال هذا الكتاب) سيكون هناك تسجيل بالصوت والصورة، البشر الآن يقدرون على هذا، اليوم هناك المُخابَرات ويتم التجسس بالصوت والصورة، أليس كذلك؟ كيف برب العزة؟ الله أعلم، أكيد هناك شيئ يتفوَّق على الصوت والصورة بمراحل، تعيش الحالة تماماً، وتقول نعم يا رب هذا مضبوط، نعم. ولا تستطيع أن تُجادِل، كأن تقول لا، أنا لم أعمل هذا. لا يُمكِن! أليس كذلك؟ لا يُوجَد هذا، كله مكتوب، مكتوب ومُوثَّق، وهذه ليست كتابة عادية، كتابة بشيئ يتفوَّق على الصوت والصورة.
۞ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ ۞
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ ۩، من أجمل ما قرأت في نقاش الملاحدة كان لرجل أمريكي مُفكِّر، الملاحدة قالوا لك لا، هناك النظريات – التي تسمعونها أنتم – والــ Grand Design وستيفن هوكينج Stephen Hawking والتخيل والزمان التخيلي وكذا. والكلام الكبير هذا وغير المفهوم للناس، وقالوا لك كذا وكذا. وقالوا هناك التطور والانتخاب الطبيعي وهذا خلق هذا وهذا صمم هذا. حلو! ماذا قال لهم هذا؟ قال ليس عندنا مُشكِلة، ولكن أنا عندي سؤال واحد، يقول الله لكم هذه المادة الأولى، سمها سنجلرتي Singularity، سمها مُتفرِّدة، سمها طيناً، سمها ما تُريد، أي شيئ! هذا في أي مادة، الله سيقول لك ليس عندي مُشكِلة، أنت تزعم الخالقية والتصميمية لأشياء أُخرى غيري، ليأتوا بمادتهم من عند أنفسهم، وأعطوني مادتي أنا! لأن السؤال الأكبر في الفلسفة، وهو أصعب سؤال في الفلسفة: لماذا تشيأ الشيئ؟ لماذا تشيأ الشيئ؟ لو سألك أحدهم ما أصعب سؤال في الفلسفة، قل له سؤال لماذا تشيأ الشيئ؟ هذا أصعب سؤال على الإطلاق، هناك سؤال لو أخذت بمُقتضى البيج بانج Big Bang وقلت إن كل الأكوان هذه أو كل الكون بكل ما فيه – ولك أن تتخيَّل هذا – جاء من شُذيذة – أنا هكذا ترجمتها – أو مُتفرِّدة، يُسمونها السنجلرتي Singularity، تنهار عندها كل قوانين الرياضيات والفيزياء، مثل زمان بلانك Planck time وضغط بلانك Planck pressure وحرارة بلانك Planck temperature و… و… و… إلى آخره! كله ينهار ولا يشتغل، قل لهم السؤال من أين جاءت؟ فقط! هذه هي القصة، سوف تقول لي منها جاء كل شيئ. وليس عندي مُشكِلة، أنا أقبلها، ولكن هي من أين جاءت؟ من أين؟ تفضَّل، هيا أجب. ونحن نقول لك الله، الله الذي خلقها، الله الذي أبدعها.
ولذلك هو ماذا قال لك هنا؟ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۩، يأتي إليك شخص رقيع أنوك – أنوك تعني أنه أحمق، ويُجمَع على نوكى، وهذا شخص أنوك رقيع صفيق – ويقول لك لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۩؟ أنا أملك الهاتف الخاص بي، وأملك البيت. وهذا لأنه غبي، فهذه هي حماقة الحمقى هؤلاء، فقل له يا أحمق ليس هذا المقام، فهل محمد يقصد هذا – لو هذا الكلام كان كلام محمد -؟ وبلا شك سواء آمنت به رسولاً أو كفرت به رسولاً، رُغماً عنك لابد وأن تُقر كما أقر أعداؤه من الملاحدة وما إلى ذلكم أنه من أذكى البشر، بل بعضهم قال هو أذكى بشر. رجل غير طبيعي هذا الرجل، وهو أنجح البشر، أنجح البشر حتى ولو كان غير نبي. فهل هو لا يعرف أنك تملك جلبابك وإزارك وبيتك؟ أي هل هذا قصده؟ هو لا يقصد هذا. هو قصده لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۩ على جهة ماذا؟ الإيجاد من العدم. أليس كذلك؟ من العدم! هيا ائتني بشيئ من العدم، ولكن هم على العكس من هذا الآن يتصرَّفون، وحتى الفيزياء التي جعلوها إلحادية تقول لك لا. وتعرفون قانون لافوازييه Lavoisier، أي المادة لا تفنى ولا تُستحدَث من العدم. أليس كذلك؟ هو يقول لك هذا، هذا الصحيح الآن، ولكن أصل كل مادة وأصل كل شيئ في الوجود – أي ما تسمونه أنتم السنلجرتي Singularity هذا – من أين جاء؟ من أين جاء هذا؟ مَن المسؤول عنه؟ مَن الذي يملكه؟ ومَن الذي أحدث فيه هذا الانفجار وهذا التحريك وكذا؟ وبأي قانون؟ ومَن الذي فعَّل القانون؟ ومَن الذي وضع القانون؟
على فكرة مُشكِلة مَن الذي قنن القانون مُشكِلة كبيرة، ومُشكِلة مَن الذي فعَّل القانون لا تقل عنها كبراً، أليس كذلك؟ فهناك قانون واحد زائد واحد يُساوي ماذا؟ اثنين. هذا وحده غير كافٍ لكي تصير الألف يورو عندك ألفي يورو، لا ينفع هذا، أليس كذلك؟ تفعيله يحتاج إلى قضية ثانية، وكذلك القوانين الحاكمة في الكون، مَن الذي قننها؟ ومَن الذي وضعها؟ القضية هذه يقفون عاجزين قدامها، ولماذا وُضعت بهذه الطريقة بالذات؟ بحيث سمحت بعد ثلاثة عشر مليار ونصف مليار من السنوات بوجود الحياة العاقلة على الأرض وبوجودنا الآن، ومن ثم أتى نقاشنا هذا وأصبحنا نحكي هذا الكلام، لماذا؟ لماذا الأمور بهذه الطريقة جاءت؟ مَن الذي قننها؟ ومَن الذي شغَّلها؟ التشغيل الــ Operating! مَن الذي خلقها؟ ومَن الذي شغَّلها؟ قصة! ولذلك لا تُوجَد فُرصة على فكرة للإنكار، أي إنسان مُنصِف يعلم أنه لا تُوجَد فُرصة لهذا الإنكار والإلحاد، لكن هي ماذا؟ مسائل كبر.
إذن قال لك لا يَمْلِكُونَ ۩، على جهة ماذا؟ الإيجاد من العدم. أي تأتي لي بذرة، وتقول هذه ذرتي، يا رب أنا وجدتها، أنا آتيك بذرة. أين هي؟ ائت بها من العدم. هما قالوا لك هناك مبدأ المحفوظية، محفوظية المادة، ومحفوظية الطاقة، وكذا، فلا شيئ يضيع، لا شيئ! ولا شيئ يأتيك من العدم، أين هذا؟ لا يُوجَد! قالوا لك لا، الزمان تخيلي. اذهبوا وهلوسوا.
وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا ۩، أي هؤلاء الذين تدعوهم مع الله ومن دون الله، سواء كانوا أصناماً، أوثاناً، بشراً، ملائكةً، جناً، إنساً، أياً كانوا، معبودات كثيرة هي! الله قال ماذا؟ وَمَا لَهُمْ ۩، لهؤلاء المدعوين مع الله و: مِّن دُونِ اللَّهِ ۩، شركاء! فِيهِمَا ۩، في السماوات والأرض، مِن شِرْكٍ ۩، لم يُشارِكوا الله في خلق ذرة، مُستحيل! الله هو المُتفرِّد – لا إله إلا هو – بخلق كل شيئ.
وَمَا لَهُ ۩، لا إله إلا هو، مِنْهُم ۩، من هؤلاء الشركاء المدعوين المزعومين، مِّن ظَهِيرٍ ۩، ما معنى ظَهِيرٍ ۩؟ مُعين ونصير. يُعينه وينصره! الله لا يحتاجهم.
أعتقد هكذا نكون قد أنهينا الصفحة هذه – إن شاء الله -، ومن ثم انتهى هذا الدرس. إن شاء الله نُكمِل في الدرس المُقبِل تفسير هذه السورة الكريمة الجليلة (سورة سبأ).
أضف تعليق