إخواني وأخواتي:
نُكمِل – إن شاء الله – ما انقطع من حبل الحديث.
إذن – أحبابي في الله، إخواني وأخواتي – مرة أُخرى اعذروني على انفعالي، على أني دائماً آتي – سُبحان الله – وأنا مُوطِّن نفسي على ألا أنفعل، لأنني شخصياً لا أُحِب الانفعال بالمُناسَبة، أنا لا أُحِب الانفعال، ولا أُحِب الأسلوب الذي يعلوه طابع الانفعال، لكن – سُبحان الله – أُغلَب على نفسي، ضعف في شخصيتي، أُغلَب فعلاً، لا أدري! لا أُريد أن أُحسِن الظن بنفسي، لكن تقريباً أنا مُهتَم كما يُقال، أنا مُهتَم، آخذ الأمر باهتمام، وقد عتب علىّ إخواني من قديم، يا فلان – قالوا – هوِّن على نفسك، أنت تُكبِّر المسائل، وتأخذ الأمور بجدية، لكن هذا غير صحيح، لأنها كبيرة، هي ليست صغيرة، وإنما هي كبيرة، وإن لم ترها كبيرة ستُثبِت في يوم من الأيام لكن بعد أن تقع على رأسك ورأس أمتك أنها كبيرة، كلها مسائل كبيرة هذه – كما قلت -، ودهرنا جاد ونحن هازلون، ولذلك نعيش مهزولين ومطرودين حتى من مسيرة الحضارة اليوم للأسف الشديد.
رسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليه – قولاً وفعلاً أثبت وبرهن بأكثر من طريقة وبأكثر من صورة على أن هذا الفهم فهم مغلوط في كتاب الله، النبي لم يفهم أن القرآن الذي على قلبه الكريم أُوحي وأُنزِل، لم يفهم أنه موسوعة ومجمع لكل العلوم، وفيه كل تفاريق وتفاصيل العلوم.
(قد يقول لي أحدكم أنت عندك موقف مُريب من الإعجاز العلمي، نعم عندي موقف علمي، موقف علمي وديني من الإعجاز العلمي، وللأسف بعض الناس أيضاً يبدو أنه لم يفهمه على وجهه، ارجعوا إلى مُحاضَراتي وإلى نقاشاتي في هذا الموضوع، وأنا وضحت بطريقة دقيقة – بفضل الله – لماذا لا يُمكِن أن يكون في القرآن إعجاز علمي، لا يُمكِن نظرياً! إلى الآن لم يُجِب أحد عن حُجتي، أنا ذكرت أن الإعجاز شرطه الراهنية، ما لم يتحقَّق هذا الشرط لا يُوجَد إعجاز، وإلا كل واحد يُمكِن أن يقول لنا أنا آتيكم الآن بنص – كما قلت غير مرة – وفيه نظريات في شتى العلوم تُثبِت إعجازه، ومن ثم سنقول له هيا، هيا نختبر، لكنه سيقول لنا لا، ليس الآن، بعد مئات السنين سيثبت صحة ما فيه، هذا ليس إعجازاً، كيف هذا؟ كيف ستُعجِزني؟
قد يقول لي أحدكم لكن القرآن شئت أو أبيت يا أخي، القرآن فيه إشارات إلى موضوعات علمية، فعلاً سبقت العلم أو جاء العلم وتطابق معها، أنا لا أُنكِر هذا ولم أُنكِره مرة، وربما بين الفينة والفينة أُحاوِل أن أُفسِّر بعض الآيات من زوايا علمية، يُوجَد فرق كبير بين أن في القرآن إشارات إلى موضوعات يأتي العلم يُصادِق عليها وبين أن تُسمي هذا إعجازاً، هذا ليس إعجازاً، ولا يقع بمثله التحدي، لكن هذا ماذا؟ هذا أحد الأدلة على ربانية القرآن، وأنه يستحيل إلا أن يكون من عند الله، أي قضية اصطلاحية دقيقة، أنا أُحاوِل أن أكون دقيقاً في المُصطلَح، وفرق كبير بين أن تُسميه إعجازاً – كأن هذا هو البُرهان القطعي، ثم يبطل هذا التأويل وهذا التفسير فتهتز ثقة الناس بالقرآن – وبين أن تقول لي هذه الآيات فيها إشارات إلى قضايا كونية وطبيعية وعلمية وحيوية، ونحن نفهمها على أن العلم جاء يُصادِق عليها ويُطابِقها من الزاوية الفلانية، هذا اجتهاد، قد تُصيب وقد تُخطئ، وخاصة إذا أوغلت في هذا الباب، وجعلت تربط بين ما تفهمه من كتاب الله وبين فروض علمية ونظريات غير ثابتة، ليست نظريات ثابتة تماماً ومُحكَّمة، وإنما هي نظريات غير ثابتة، في طور الأخذ والرد، وخاصة النظريات غير القابلة للدحض، ولن ندخل في فلسفة كارل بوبر Karl Popper ونقول ما الدحض وما المقصود به، لأننا أعطيناكم أمثلة بسيطة في الخُطبة عن طريقة اجتهاد بعض علماء المُسلِمين اليوم.
هناك بعض العلماء – كما قلت – في الطب والهندسة والفيزياء والذرة للأسف الشديد – خاصة في الباكستان – يحسبون لنا سرعة الجن، بل هناك شخص مُسلِم ألماني – من ألمانيا – نعته بالعته أحد كبار علماء الفيزياء في الباكستان، قال هذا معتوه، هذا المُسلِم الألماني معتوه – قال – للأسف، ولا أدري كيف تستضيفه حكومتنا الباكستانية وتدفع له ثمن تذكرة الطيّارة وثمن الإقامة والمأكل والمشرب وتُعطيه جائزة، أتى يُقدِّم بحثاً يحسب به زاوية الله، أستغفر الله العظيم! ط على ن، والــ ط هي الباي π، هي ثلاثة فاصل أربعة عشر تقريباً، ط على ن، ما الــ ن؟ قال لك غير مُحدَّدة، ما هذا؟ ما العته هذا؟ قال لك زاوية الله، أستغفر الله العظيم! أين الله قابع؟ أين الله يُوجَد؟ من أين نراه؟ من أين نصل إليه؟ هل سنطير إليه؟ ما الجنون هذا؟! هذا في مُؤتمَر علمي عن الإعجاز العلمي في إسلام آباد، ما هذا؟ هذا هو.
وليس هذا فحسب، هناك أحد علماء الباكستان وهو عالم في الذرة أُكِل بعقله حلاوة من كهنة وسدنة الإعجاز العلمي في القرآن والسُنة، وقال لكم أنا أُقدِّم نموذجاً ونظريةً – لم تسمعوا بها، لم يسمع بها أحد، لأنها تفشل، تفشل فعلاً، هذا كله يفشل، وهذا كله فشل، كله كلام فارغ هذا، كله هوس – في استخدام طاقة الجن، يا حيهلاً، مرحى مرحى، واو Wow، طاقة الجن! حلو والله، ليس الذرة والهيدروجين والــ Binding Energy وما إلى ذلك، لا! طاقة الجن، أرني هذا، هيا، هذا حلو، أنا سأُؤيِّدك، والله أنا سأُؤيِّدك، سأكون من أول المُؤيِّدين، لو كنت تقدر على أن تأتي بالجن، ثم تُخزِّنهم في قماقم، مثل سُليمان – عليه السلام -، ثم تأخذ الطاقة الخاصة بهم، ثم تُفجِّر بها وتعمل بها أشياء وتبعث بها صواريخ إلى الفضاء، والله هذا سيكون حلواً، ليس عندي مُشكِلة، لكن أرني كيف هذا، كلام فارغ! هذا كلام فارغ، أي هذا حين يسمعه أي إنسان عنده الــ Basic فقط أو القاعدة – أي قاعدة في التكوين العلمي – سيُغرِب ضحكاً، سيقول له مُستحيل، ما الهبل هذا؟ هذا أهبل، حتى لو عنده دكتوراة في الفيزياء هو أهبل، واضح أنه أهبل، لأن الدكتوراة ليست مسألة كبيرة، انتبهوا! إياكم أن تظنوا أن الدكتوراة مسألة كبيرة، يُقال هذا معه دكتوراة، لكن كم عدد الذين حملوا الدكتوراة في الذرة! هؤلاء كثيرون، لكن كم عدد الذين عندهم اكتشافات حقيقية ونظريات حقيقية والذين أبدعوا ورفدوا مسيرة الفيزياء؟ هؤلاء عددهم أقل بكثير من الذين يحملون شهادات الدكتوراة، هل فهمتم كيف هذا؟ هذا لا شيئ، أيضاً هناك كثيرون يحملون شهادات دكتوراة في الإسلاميات، مَن في هؤلاء المُسلِمين أصبح مُصلِحاً وقدَّم وأثبت ومحا وعمل حراكاً فكرياً حقيقياً خدم الأمة؟ قليل جداً جداً، مُعظَمهم الألف منهم بواحد، مثل بعضهم كلهم، وهم يحملون شهادات دكتوراة، فلا تخافوا من كلمة دكتوراة في الفيزياء أو في الكيمياء وما إلى ذلك، هناك معاتيه ومعهم دكتوراة، وهذا في العالم كله، ليس في المُسلِمين فقط، وإنما في العالم كله، موجود هؤلاء! فهو قال إنه سيستخدم طاقة الجن، كيف سيستخدم طاقة الجن؟ ليس الطاقة البخارية أو الطاقة الكذائية، وإنما طاقة الجن، يا حيهلاً، مرحى مرحى، طوبى لهذه الأمة التي فيها الإبداع والعقليات الجبّارة هذه، أستستخدم طاقة الرجن يا رجل؟ يا رجل الدكتورة المصرية سميرة – الدكتورة سميرة موسى، رحمها الله، وُلِدت في مارس سنة ألف وتسعمائة وسبع عشرة، وتم اغتيالها في أغسطس سنة ألف وتسعمائة وثنتين وخمسين – فكَّرت كيف تصنع قنبلة الحديد، لأن القنبلة التي فيها العناصر المُشِعة هذه أسهل بكثير، مُهتزة وقلقة هذه العناصر، لكن هناك الحديد، وطاقة الربط التي فيه تُعَد شيئاً مُخيفاً، هذا شيئ مُخيف!
طاقة الربط في جُزيء الحديد – أي الــ Binding Energy – أكثر من طاقة المجموعة الشمسية كلها، أعني الظاهرة طبعاً والمفكوكة، هي هكذا طبعاً، فالدكتورة سميرة موسى – رحمة الله عليها، هذه تَلميذة عليّ مُصطفى مشرفة – قالت لك أنا سأقوم بعمل نظرية عن هذا، وهي كانت علّامة كبيرة، فدهوروها، كانت تركب سيارتها، فدهوروها من فوق جبل، أتُريدين استعمال طاقة الحديد؟ قالوا لها، أتُفكِّرين في قنبلة حديد؟ أنت سوف تذهبين بنا إلى داهية، سوف تجعليننا مُتأخِّرين، وقتلوها مُباشَرةً، هذا الإبداع، ليس طاقة الجن!
وهذه قنبلة حديد، يُمكِن أن أراها، لأنها قابلة للتجريب، أينشتاين Einstein قال لهم إن الكتلة – أي الــ Mass، عدد ما تحتويه الأشياء من جُزيئات، من مادة، أي Matter، الكتلة وليس الوزن، ليس الــ Weight وإنما الــ Mass، أي الكتلة – تتأثَّر بالسرعة، الله! قالوا له هل جننت يا أينشتاين Einstein؟ أجننت يا أينشتاين Einstein؟ أهبلت يا أينشتاين Einstein؟ قال لهم جرِّبوا، ذهبوا وجرَّبوا، استخدموا Accelerators – أي مُسرِّعات – وما إلى ذلك، ثم اتضح أن كلامه كان صحيحاً، الكتلة تتأثَّر بالسرعة، كلما ازداد الجُسيم سرعةً الكتلة تزداد، اتضح أن كلامه كان صحيحاً، قالوا خرَّب الله بيت أينشتاين Einstein، عقله جبّار، فهو قال لك هذا هو، ويُمكِن أن يثبت أن هذا غير صحيح، فيتضح أنني كنت مُخطئاً، هذه القابلية للدحض، ليس معناها أن النظرية لابد أن تُدحَض لكي تكون نظرية علمية، لا! لابد أن تكون قابلة للدحض، أي معمولة بطريقة تقبل أن نُجرِّبها، ومن ثم إما يثبت أنها صحيحة أو يثبت أنها خاطئة، إما تصيب أو تخيب كما نقول، هذا معنى القابلية – أي الــ Ability، الــ Abilität بالألمانية أو الــ Ability بالإنجليزية – للدحض، هذه قابلية الدحض، ليس أن تُدحَض بالضرورة، لا! وإلا لو كانت كل نظرية لابد أن تُدحَض لكي تكون علمية سيعني ذلك أنه لن تُوجَد نظرية علمية، سيتضح أن كل هذا كان كذباً، أليس كذلك؟ وما الذي يُفرِّق نظرية علمية صحيحة من نظرية علمية خائبة؟ هذه قابلة وهذه قابلة، لكن هذه تجاوزت الامتحان وهذه رسبت في الامتحان، فقط هذه هي، انتهى! هذا العلم، هذا الــ Science، حين نتحدَّث عن العلم – أي الــ Wissenschaft بالألمانية أو الــ Science بالإنجليزية – نعني هذا العلم، ليس سرعة الجن وزاوية الله وحساب الثواب، كيف سأعرف؟ هيا أرني هذا، يوم القيامة ستعرف، إذن هذا يعني أنها غير قابلة للدحض، وهذا يعني أنها ليست نظرية علمية، كلام فارغ هذا وهوس، هكذا اسمه، هذا العلم والعلم صعب).
نرجع إلى رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، الرسول قلنا أثبت ما ذكرنا قولاً وفعلاً، وسنأتي بنماذج كلنا نعرفها، في معركة بدر قام له الأنصاري الفارس الشاعر – أحد فرسان الأنصار وأحد شعرائهم – الحُباب بن المُنذِر، وقال له يا رسول الله آبار الماء أنت تركتها عندهم هناك، وأتيت هنا تُخيّم بالجيش، أهذا منزل أنزلكه الله أم هي الحرب والخدعة والمكيدة؟ قال له هي الحرب والخدعة والمكيدة، قال له ما هذا بمنزل، عسكرياً – قال له – هذا صفر، انظروا إلى هذا، انظروا إلى الجراءة مع الأدب، سأل هو في البداية، لو هذا وحي سنتأخَّر، وهذا الفرق بين الوحي – أي الدين – وبين ماذا؟ العلم والتجربة البشرية، التجربة البشرية قائمة على القابلية للدحض، أرني هذا، اثبت لي هذا، الدين قائم على ماذا؟ التسليم والإيمان، سلَّمنا، سمعنا وأطعنا، لو الله قال لك هذا لانتهى الأمر، هذا الصحيح، قال له لا، الله لم يقل لي هذا، هذا من عندي، أنا مَن قال هذا، فقال له ما هذا بمنزل، قال له ماذا ترى إذن؟ قال له نحن سنُخيم هناك، وسنجعل آبار الماء في جهتنا، ثم نُغوِّر الماء، سنحفر فيغور الماء الذي لا يزال عندهم، لو هناك بقية ماء وبعض الآبار الكل سيغور، فنشرب ولا يشربون، ونسقي ولا يسقون، قال له نعم الرأي رأيك، هيا قوموا، فقامت الناس، هل هذا واضح أم غير واضح؟
لماذا لم يجد النبي هذه الخُطة العسكرية في كتاب الله وقد قال الله مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩؟ وهذا النبي، ليس أنت أو أنا، لا يقل لي أحد لي أنا أفهم من النبي، أنا عندي هكذا عقلية أكبر، عقلي أكبر من النبي، أنا أقدر على فهم أشياء النبي لم يقدر على فهمها، انتبه ولا تُجدِّف، لا تقم بالــ Blasphemous ثم تكفر، أليس كذلك؟ الزم حدك ودع الهبل، لا تقل لي أنا عقلي كذا وكذا، لأن هناك أُناساً عندها هوس، وكأن الواحد منهم أفهم من النبي، هل هذا واضح؟ هذا أولاً.
ثانياً حين أتت غطفان ماذا حدث؟ تعرفون الخندق، تسعة آلاف أو عشرة آلاف كلهم ضد المُسلِمين المساكين في المدينة، وقصة كبيرة! الأحزاب تحزبت على المُسلِمين، وجاءت غطفان، فقالوا له يا رسول الله يُمكِن أن تُعطينا ثُلث ثمار المدينة، ونحن سننسحب، وسنصير مُحايدين، لن نُقاتِل معك لكن لن نُقاتِلك، ومَن معنا أيضاً سنُحيدهم، النبي قال والله جيد، لِمَ لا؟ الوضع صعب جداً جداً، وضع الناس صعب، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ۩، فجاء إلى اثنين من زعماء الأنصار، أي إلى زعيمي الأنصار، الأوس والخزرج، وهما سعد بن عُبادة وسعد بن مُعاذ، وقال لهما أنا رأيت كذا وكذا، فما رأيكما؟ فقالا له يا رسول الله أهذا شيئ أمرك الله به أم شيئ تُحِبه لنا وتصنعه لنا؟ أرأيتم؟ انظروا إلى المنهجية، Method! هذا الــ Method، هذا المنهج، وهو منهج صحيح، القضية الدينية – أي وحي – تقوم على ماذا؟ على التسليم، انتهى! اسكت وسلِّم، نبي هذا، أنت آمنت بأنه نبي، أليس كذلك؟ وعرفت أنه لا يكذب على الله، انتهى الأمر إذن، لو قال لك إن الله قال لي هذا اسكت، قالا له هل الله أمرك بهذا؟ هل الله قال لك اعمل هذا؟ هل نزل لك جبريل وقال لك أعطهم ثمار المدينة ومن ثم سوف يُخذِّلون عنا وسوف يُخذَل مُعسكَر الأحزاب؟ أهو أمر أمرك الله به أم شيئ تُحِبه لنا وتصنعه لنا؟ قال لا، بل شيئ أصنعه لكم، رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، الكل جاء وتحزَّب، أحزاب! عشرة آلاف تقريباً ونحن قلة هنا، وهم حاصرونا وما إلى ذلك، فقلت هذا لكي نُخفِّف عنكم ونكسر حدة هذا التحزب، فقالا له يا رسول الله إذن لا نُعطيهم إلا السيف، أي قالا لا، نحن أبناء الحلبة، قالا نحن أبناء بجدتها وفرسان حلبتها، قالا له نحن أهل الحرب والحلقة، نحن حملة السيف والترس وما إلى ذلك، فلا! لا نُعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم، قال فما ترون، تراجع النبي.
لماذا لم يجد النبي الخُطة الصحيحة في كتاب الله؟ هذه قضايا ماذا؟ عسكرية، والقضايا العسكرية والمدنية يُرجَع فيها إلى القرآن أو إلى الخبرة؟ إلى الخبرة والدرس والتاريخ، يُرجَع إلى الخبرة المُتراكِمة، لكن دعونا من هذا، بما أننا لا نزال في العسكرية فسأُعطيكم دليلاً ثانياً جميلاً، إليكم هذا الدليل الجميل، دونكم دليلاً – ويُمكِن أن نقول دليلٌ أيضاً نحوياً – جميلاً.
ماذا يقول عمرو بن العاص؟ تعرفون أنتم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد، متى أسلما؟ قُبيل فتح مكة، بعد الحُديبية، تخيَّلوا! بعد الحُديبية، وقُبيل الفتح، أي إنهما مُتأخِّران جداً، حوالي السنة السابعة للهجرة، ماذا يقول عمرو بن العاص؟ وأنتم تعرفون مَن هو عمرو بن العاص طبعاً، عسكري من طراز أول، وخالد لا يزال يتفَّوق على عمرو، شيئ مُخيف، خاض مائة وعشرين معركة في الجاهلية والإسلام ولم يخسر مرة واحدة من هذه المعارك، شيئ رهيب، أي هذا الرجل، رضوان الله عليه، حتى أن المُؤرِّخين العسكريين الأوروبيين يحتفون به، وهناك كُتب عنه ودراسات، قالوا لك هذا شيئ رهيب، عقل جبّار جداً في العسكرية، غير طبيعي الرجل هذا، رضيَ الله عنهما، ماذا يقول عمرو بن العاص؟ يقول ما أمَّر علينا – ماذا يعني؟ يعني نفسه وخالداً – مُذ أسلمنا رسول الله في شأن حرب أحداً سوانا، أي سرية أو أي معركة هكذا نحن نكون الأمراء فيها، إما أنا أو خالد، لم نذهب مرة ونحن مأمورون، أي في إمرة أحد.
السؤال الآن لو علم العسكرية والفن العسكري والمُصاوَلة والمُكامَعة والمُجاوَلة والكر والفر والغلب يُؤخَذ من كتاب الله لأن الله قال مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩ مَن كان أولى بأن يكون الأمير دائماً؟ مَن هو أول إسلاماً، كأبي بكر وعليّ – مثلاً -، وبعد ذلك عمر بن الخطاب الذي أسلم في السنة السادسة للبعثة – ليس للهجرة وإنما للبعثة، في السنة السادسة للبعثة أسلم -، هؤلاء أولى، لأن الواحد منهم قضى فترة طويلة وهو يتلو كلام الله ويتأمله، ومن ثم سيصير عنده علم عسكري أكثر، لأن العلم كله في كتاب الله، أليس كذلك؟ هذا الكلام كلام فارغ، هذا (عبط) كما يُقال وهوس، لا يُوجَد مثل هذا الكلام، هذان أسلما بالأمس فقط، ومُنذ أسلما وهما على هذا الوضع، قال لك ما أمَّر علينا مُذ أسلمنا رسول الله في شأن حرب أحداً سوانا، لا يُوجَد غيرنا، أي معركة يُوجَد فيها عمرو أو خالد يكونان هما الأمراء، وليسا المأمورين، وهذا يعني أن المسألة ليس لها علاقة بكتاب الله، وهذا العلم لم يُؤخَذ من كتاب الله، من أين أتيا بالعلم هذا؟ خبرة وموهبة، هذه Competence، هذه ملكة، عندهما ملكة عسكرية قوية وموهبة، وعندهما أيضاً خبرة مُتراكِمة بسبب خوض المعارك، أليس كذلك؟
هذا النبي – عليه السلام -، أرأيتم؟ هذا النبي، لم يكن مثلنا، نحن نخلط الأمور ونقول مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، قال أحدهم اشطب على علم الأمم كلها، أهل عليه التراب، ثم – قال – أخرج علومك من الكتاب والسُنة بعد ذلك، اعمل لي علم الفيزياء القرآني وعلم الكيمياء القرآني وما إلى ذلك، أقول له أرني هذا، والله أنا معك، يا حبذا، والله سأكون فخوراً، سأكون فخوراً وسأرفع رأسي في السماك الأعلى – والله العظيم -، لكنني أعرف أنك لن تفعل، لم تفعل ولن تفعل، لن يفعل غيرك ولم يفعلها أحد، لم يبن أحد علماً من هذه العلوم طبعاً على نصوص الكتاب المُقدَّس، وقد قلت لكم ما المُشكِلة التي كانت في أوروبا، وحدَّثتكم عن الصراع الذي كان ناشباً بين العلم والدين في أوروبا، وأعود مرة أُخرى إلى هذا الموضوع، لأنني لم أُكمِل الفكرة، لذا أرجع إليه الآن، هذا الصراع كان بين الدين وبين العلم بمنهجه الذي بدأ يتأسَّس ويستقر ويتعزَّز ويقوم على ماذا؟ على المُلاحَظة والتأمل ووضع الفروض – أي الــ Hypotheses -، واختبار هذه الفروض تجريبياً وحسياً بالمُشاهَدة، وبعد ذلك – كما قلنا – النظرية تصيب أو النظرية تخيب، إلى آخره، إلى آخره! هل هذا واضح؟ أي إنه علم تجريبي، إمبريقي كما يقول المُعرِّبون، هذا Empirical، أي إمبريقي، علم تجريبي، في المُقابِل الكنيسة ماذا كان منهجها؟ ماذا كان منهج رجال الدين؟ الاحتكام إلى سُلطة – Authority بالإنجليزية أو Autorität بالألمانية – النص، سُلطة النص!
العلم – إذا أردت أن تدرس الخسوف والكسوف وما إلى ذلك – عنده نصوص، من هذه النصوص نص أرسطو Aristotle، ماذا قال أرسطو Aristotle؟ كأنه رب العلم، أي أرسطو Aristotle، ونص الــ Bible، أي الكتاب المُقدَّس، الــ Bibel بالألمانية أو الــ Bible بالإنجليزية، ماذا قال الكتاب المُقدَّس؟ أي لأن الكتاب المُقدَّس قال إن الأرض مُستقِرة – استقرت – إياك أن تقول لي إنها تتحرَّك، مثل مَن؟ مثل المعتوه جاليليو جاليلي Galileo Galilei، قال إنها تتحرَّك، من أين أتيت بهذا يا أهبل؟ قال كوبرنيكوس Copernicus ألَّف كتاباً، ولم يقدر أحد على طبعه إلا بعد أن مات هذا المسكين، بعد أن مات طبعوه، وإلا لو طُبِع في حياته لهلك بسببه، فأنا – قال – قرأته ووجدت أنه صحيح بنسبة مائة في المائة، وبمُوجب النظام الكوبرنيكوسي أو الكوبرنيكي – أي الــ Copernican system، وهناك مَن قال لك بسبب جهله يُوجَد عالم اسمه Copernican – تُصبِح الشمس هي مركز المجموع الشمسية، والأرض تدور حولها، وكذلك الكواكب الثانية، هذا اسمه ماذا؟ Heliocentric system، أي نظام مركزية الشمس.
في الأول كان هناك نظام ماذا؟ نظام مركزية الأرض، هذه فكرة أرسطو Aristotle وفكرة بطليموس Ptolemy، وهو من القرن الثاني الميلادي، أي بطليموس Ptolemy، هذا اسمه Geocentric system، أي نظام مركزية الأرض، بمعنى أن الأرض هي المركز، مع أن العقل – سُبحان الله – يقول غير هذا، هل الأرض الصغيرة – هذه مثل الكرة Ball – تدور حولها الشمس وهي قدها بمليون وثلاثمائة وخمسين ألف مرة؟ أتدور هي حولها؟ هل هذا ما يحصل إذن؟ حتى في مجرى العادة هذا لا يحصل، وهذا غير موضوع الجاذبية، بعد ذلك سيأتي نيوتن Newton والحديث عن الجاذبية وما إلى ذلك، هذا غيره! أي عموماً الصغير يدور حول مَن؟ حول الكبير، أليس كذلك؟ يُوجَد القائد وحوله المقود، يُوجَد الضعيف حول القوي، أليس كذلك؟ هذا هو بصراحة، فكيف يكون الصغير جداً جداً المركز – كما قالوا – والكبير جداً جداً هو الذي يدور حوله؟ لكن لا تُوجَد مُشكِلة.
على كل حال فقالوا له لا، لا تقل لنا يا جاليليو Galileo الكلام الفارغ هذا، نحن عندنا الكتاب المُقدَّس وعندنا قال أرسطو Aristotle، قال الرب وقال أرسطو Aristotle، سُلطة! لكن يا أخي قال الرب بحسب ما تفهمها أنت وبحسب ما هي مكتوبة – ربما هي مدسوسة على الرب ونحن لا نعرف – وقال أرسطو يختلفان عن ماذا؟ عن ما أراه أنا بعيني، تعرفون أن هذا – أي جاليليو Galileo – صنع تجربة هامة خاصة به، وتعرفون برج بيزا Pisa، لكن هذه لم يكن لها علاقة بالسقوط الحر للأجسام، أرأيتم؟
يُمكِنك أن تأتي بأجسام الآن في مجال مُفرَغ من الهواء، انتبه إلى هذا، هذا مُهِم لكي نُحيِّد مُقاوَمة الهواء، ضع أسطوانة، وفرِّغ منها الهواء، ثم أنزل جسمين، أنزل شيئاً وزنه – مثلاً – مائة كيلو وأنزل ريشةً، العقل ونص أرسطو Aristotle ماذا يقولان لك؟ ينزلان تبعاً للكتلة، الأعظم كتلةً ينزل أسرع، والريشة هذه تنزل أبطأ، جاليليو Galileo قال لك هذا غير صحيح، يُمكِن أن نصعد برج بيزا Pisa، ثم نقوم بعمل نوع من التفريغ قدر المُستطاع، ثم نُنزِل شيئان، الذي وزنه مائة كيلو سينزل مثل الذي وزنه كيلو في نفس الوقت، هذا السقوط الحر، لكنهم قالوا لك لا، هذا مُهرطِق، وابن ستين كذا، ما هذا يا أخي؟ هذا هو!
وليس هذا فحسب، قال لهم أنا اكتشفت أقماراً للمشتري، هناك أقمار، أقمار! موجودة وتدور وما إلى ذلك، تعالوا – قال – لكي تروا، فقالوا له لا، لا نُريد أن نرى، أنت تضحك علينا ونحن لا نُريد أن نرى شيئاً، ملعون وشيطان أنت، قال لهم فقط تعالوا لكي تروا، فقالوا لا نُريد أن نرى، أنكروا وأبوا أن يروا، لأنك حين ترى تُصبِح مُحرَجاً، أليس كذلك؟ كيف هذا؟ أرسطو Aristotle يقول لا يُوجَد لكن هذا يقول يُوجَد ونحن رأيناه، فقالوا لك لا نُريد أن نرى، الصراع إذا كان ماذا؟ ليس بين تجربة وتجربة أو بين نموذج علمي ونموذج آخر، لا! بين النموذج العلمي بفرضياته ومُلاحَظاته وتفسيراته وتجاربه وبين ماذا؟ السُلطة، سُلطة النص! قال أرسطو Aristotle وقال الله، مُصيبة هذه، أليس كذلك؟
انظر في المُقابِل – بفضل الله تبارك وتعالى – ماذا حدث في الحضارة الإسلامية، وهذه المُلاحَظة مُهِمة جداً جداً، هذه مُهِمة جداً جداً وطبعاً كما يقولون يُمكِن أن تراجع خلفي وأن تختبر كلامي هذا، لا يُمكِن أن تجد أي عالم مُسلِم من الذين كتبوا في الجراحة أو الطب أو البصريات أو الميكانيكا أو الفلك أو الرياضيات والجبر والمُقابَلة بالذات – تعرفون الخوارزمي – أو… أو… أو… إلى آخره! قال نحن بنينا هذه العلوم على الكتاب الكريم، وأتينا بها من نص كتاب الله، وما إلى ذلك.
هل تعرف ماذا فعل الناس الذين عندهم هذا الهوس – يردون كل شيئ إلى النص -؟ قالوا لك لا يا أخي، الدين كان له أثر كبير في علوم الإسلاميين هؤلاء، كيف؟ قالوا لك سنُثبِت لك، وقد قرأت دراسة لشخص، هل تعرفون ماذا عمل فيها؟ أتى بكُتب لابن الهيثم ولابن حيان لابن النفيس وللخوارزمي وللإدريسي – نُزهة المُشتاق – ثم أخذ فقط من المُقدِّمات قولهم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله خالق كذا وكذا، الذي عمل كذا، وأطلع على كذا وكذا، ثم قال لك أرأيت؟ طبعاً هؤلاء أُناس مُسلِمون، يبدأون كل تصانيفهم فعلاً بشكر الله وحمد الله وما إلى ذلك، وفقط! لكن لم يذكر واحد منهم أنه أسَّس علمه على ماذا؟ على آيات من القرآن وأحاديث وما إلى ذلك، أبداً! لم يقل هذا واحد، إذن ماذا كانوا يذكرون – كل هؤلاء الذين ذكرتهم وغيرهم -؟ أنهم أسَّسوا علمهم على المُلاحَظة الحسية المُباشِرة وعلى التجربة، ماذا لو المُلاحَظة والتجربة خالفت التأمل والعقل التأملي؟ هناك العقل التأملي، مثل عقل أرسطو Aristotle، كان هكذا، عقل أرسطو Aristotle دفعه إلى أن يقول لك لا، لابد أن يكون فم المرأة فيه أسنان أقل من الرجل، لأن الرجل أكمل من المرأة، أرسطو Aristotle كان مُزوَّجاً، افتح فم زوجتك يا أرسطو Aristotle وعد أسنانها، لكنه قال لك لا، لا أعملها، هذه يعملها الأغبياء فقط، ماذا؟ قال لك الغبي يعملها، كيف الغبي يعملها؟ قال لك لأن العقل الكامل لا يحتاج إلى أن يمد يده، بالعقل يقدر على أن يعرف المرء كل شيئ، قال لك لن أعملها وهي هكذا، لكن هي ليست هكذا، اتضح أن هذا كان غلطاً.
فابن النفيس – أبو الحسن علاء الدين بن النفيس، رحمة الله عليه – في كتابه الذي ذكرته في بداية هذه الخُطبة وهو شرح تشريح القانون – شرح تشريح قانون ابن سينا – ماذا ذكر؟ قال لك نحن في هذه المسألة اعتمدنا على ماذا؟ الأشياء المُلاحَظة المُستقراة والمُحقَّقة، (يقصد بماذا؟ أكيد يقصد – هذا يضح من خلال سياق كلامه – بالتجربة)، بدليل أنه قال ماذا؟ قال ولا علينا وافق هذا أم خالف الرأي، ما الرأي؟ المأخوذ بالاستنباط وبالتأمل، فقط تأمل هكذا أرسطي، أي ما يسمونه المنهج الاستدلالي الاستنباطي، أي الــ Deduction، لكنه قال لا، نحن عندنا Induction، نحن عندنا استقراء، نرى الحالات ثم نأتي بها ونُجرِبها، ما الذي يخرج؟ وهو يتحدَّث عن ماذا؟ عن وظائف الأعضاء ومنافع الأعضاء، يُسميها منافع الأعضاء، أي الفسيولوجيا Physiology، قال نراها بحسب التجربة، لا تقل لي بالرأي، لا رأي ولا كلام فارغ، بالتجربة! التجربة تقول لك هذا، انتهى الأمر إذن، انتهى! هذا مُكتشِف ماذا؟ الدورة الدموية الصُغرى، أرأيتم؟ هذا ابن النفيس، وهو عبقري.
انظروا إلى العبقري الرهيب الذي لا نظير له في وقته وربما في أوقات كثيرة جابر بن حيان – رحمة الله عليه -، تَلميذ الإمام جعفر الصادق، المُتوفى سنة مائتي للهجرة، يُنسَب إليه حوالي ألف وسبعمائة كتاب، أكيد الكثير منها منحول، لكن حتى لو ظل منها خمسمائة أو ستمائة لعنى ذلك أنه شيئ مُرعِب، أي الرجل هذا، وهذا ليس فقط في الكيمياء بالمُناسَبة، في النبات وفي المعادن وفي علوم كثيرة جداً جداً، جابر بن حيان – رحمة الله عليه – يتحدَّث، ماذا يقول؟ يقول وهذا العلم لا يُؤخَذ إلا من التجربة، يا سلام! قالوا لك هناك المنهج التجريبي، وحدَّثوك عن روجر بيكون Roger Bacon وعن فرانسيس بيكون Francis Bacon، لا! جابر بن حيان ذكر هذا قبل بيكون Bacon الأول وقبل أخيه بيكون Bacon الثاني هذا، علماً بأن روجر Roger هذا سُجِن عشر سنوات، أي روجر بيكون Roger Bacon هذا، وذلك في القرن الثالث عشر، كان البابا كليمنت الرابع Pope Clement IV على ما أعتقد صديقه ويسمح له بأن يتكلَّم وأن ينشر كُتبه، وكانوا يُسمونه الطبيب المُذهِل، كان عالماً كبيراً، كان يعرف العربية، وتعلَّم علوم العرب والمُسلِمين، وتأثَّر بها جداً جداً جداً، وأدخلها في الغرب الكنسي هنا، وسموه في باريس الطبيب المُذهِل، وجعلوه في مرتبة واحدة مع مَن؟ مع ابن سينا وابن رشد وأرسطو Aristotle، حين مات البابا كليمنت Pope Clement هذا سجنه البابا الذي أتى بعده عشر سنوات، مكث هذا المسكين عشر سنوات في السجن، وقاموا بإهانته، على كل حال جابر بن حيان كان قبل بيكون Bacon هذا – أي روجر بيكون Roger Bacon – وكان قبل فرانسيس بيكون Francis Bacon الذي أتى بعد ذلك في القرن السابع عشر.
انتبهوا إلى هذه المسألة، هذه المسألة مُهِمة جداً جداً جداً، ما هي؟ كفر العالم أو إيمان العالم، وغادته أو ونُبله الأخلاقي، لا علاقة لهذا كله بماذا؟ بعلمه، ما رأيكم؟ أي يُمكِن أن يكون الرجل عالماً كبيراً جداً جداً وهو مُؤمِن، ويُمكِن أن يكون الرجل عالماً كبيراً جداً جداً وهو مُلحِد، يُمكِن أن يكون الرجل عالماً رهيباً وهو وغد أو نذل، Bastard كما يقول الأمريكان، أي ابن حرام، ويُمكِن أن يكون الرجل عالماً كبيراً جداً جداً وهو نبيل، والأمثلة كثيرة، ما رأيكم؟ فها هو أبو بكر الرازي، عالم رهيب هذا، رهيب ولا يُشَق له غُبار، مُلحِد بالشرائع، لكنه مُثبِت لوجود الله، أليس كذلك؟
دع هذا، نحن ذكرنا فرانسيس بيكون Francis Bacon، فاذهب واقرأ حياته، وغد من الأوغاد هذا، وهو عالم طبعاً وفيلسوف وسياسي، لكنه كان مُرتشياً ومُدلِّساً وكذّاباً، وحين ترى حياته تعلم أنها من أوسخ الحيوات، أي فرانسيس بيكون Francis Bacon هذا، ما رأيك؟ لكن هل هو فيلسوف وعالم أم أنه ليس فيلسوفاً وعالماً؟ هو فيلسوف وعالم وشخص فاهم، هناك رينيه ديكارت René Descartes، العالم والرياضياتي وأبو الفلسفية الحديثة والقدرة التحليلية، وقصة كبيرة! ديكارت Descartes هذا، أليس كذلك؟ هذا اكتشفوا له بنتاً من الزنا، ولم يكن مُعترِفاً بها، كان يدس هذا الأمر ويُخفيه، وهي ابنة له من الزنا، كان وغداً، أليس كذلك؟ أرأيت؟ وكان جباناً، لم يرض أن يشتبك مع الكنيسة، وهو الذي قال عاش مَن بقي في الظل، أنا لا أُريد أن أشتبك لا مع الدين ولا مع غيره، أنا سأسكت وليس عندي أي شيئ، أنا لست شهيداً، أنا لست جاليليو Galileo، أنا لست جوردانو برونو Giordano Bruno، أنا ديكارت Descartes الجبان، وأنا في نفس الوقت وغد، لأنه زنى مع واحدة وأنجب منها بنتاً لم يُعترِف بها، لكن مَن يقول لي إن ديكارت Descartes ليس عقلية جبّارة؟ لم يُمكِن لأحد أن يقول هذا إلا أن يكون أهبل، كالذي يقول العلم مُدنَّس وشيطاني، إلى آخر الهبل هذا، أليس كذلك؟
دع هذا، هل قرأت مُختصَر تاريخ الزمان؟ تقريباً هذا أكثر كتاب علمي – يُقرِّب العلم – في تاريخ البشرية انتشاراً، هذا لمَن؟ لستيفن هوكينج Stephen Hawking، في آخر الكتاب – وأنت ستُصدَم وتتساءل لماذا ختمه بهذا المُلحَق البسيط؟ – أتى لك بمُلحَق عن العلماء الأوغاد، منهم مَن هم غشّاشون، حسدة، عندهم حقد، وعندهم في بعض المرات كذا وكذا، ومن ضمنهم بيكون Bacon وأيزك نيوتن أو إسحاق نيوتن Isaac Newton، نيوتن Newton لم يكن نظيفاً جداً جداً في حياته، لا! هوكينج Hawking أتى بهذا، قد يقول لي أحدهم لماذا هذا؟ لماذا هوكينج Hawking يفعل هذا؟ ربما هذه رسالة منه وبذكاء أطلقها، لكي يُفهِمك الآتي، لا تربط بين ماذا؟ بين لياقة ونجاعة العالم العلمية وبين مسلكه الشخصي أو العقدي، مُؤمِن أو مُلحِد أو وغد أو صالح أو طالح، كل هذه الأشياء ليس لها علاقة بالعلم، العلم شيئ آخر، هل فهمت؟ يجب أن نفهم هذا، ويجب أن نكون واضحين معه، علماً بأننا سنأتي عليه بأدلة أيضاً الآن من القرآن الكريم، لأنهم يُريدون كل شيئ من القرآن الكريم، سنأتي بأدلة من القرآن الكريم، سنأتي بهذه الأدلة على الموضوع هذا، هذا مُهِم جداً.
أينشتاين Einstein لم يكن أباً صالحاً، وأنتم تعرفون قصته، وكان أولاده للأسف يتمنون أن يلتقوا به، بعد أن طلَّق زوجته رغبوا في أن يروا والدهم وما إلى ذلك، فكان يُعطيهم موعداً ثم يُخلِفه، يقول لهم سنلتقي في الأسبوع القادم – مثلاً – ثم لا يحدث هذا، ويمكث هكذا لأشهر، ثم يلتقي بهم لساعات وبعد ذلك يقول لهم مع السلامة، هو مشغول عنهم، أب مُفرِّط! فقال لك كان عالماً عظيماً ولم يكن أباً عظيماً، أي لم يكن حتى زوجاً عظيماً أو إنساناً عظيماً، لكن هو عالم عظيم، لا كلام في هذا.
هناك النمساوي فولفغانغ باولي Wolfgang Pauli، مَن لا يعرف باولي Pauli والنيوترون Neutron والنيوترينو Neutrino؟ عقل جبّار في الفيزياء، لكن هذا كان وغداً من الأوغاد، كان عنده الكثير من المُغامَرات الجنسية – يخون زوجته باستمرار – وكان سكّيراً، كان سكّيراً، يشرب على مدار الأربع والعشرين ساعة، كان سكّيراً، ومَن لا يعرف باولي Pauli – خاصة الذين درسوا الفيزياء -؟ عقل هكذا رهيب، هذا فولفغانغ باولي Wolfgang Pauli، ولو أردنا أن نتكلَّم في هذا الموضوع لن نفرغ منه.
هناك إديسون Edison، توماس ألفا أديسون Thomas Alva Edison، إديسون Edison صاحب ألف وأربعمائة اختراع، مثل اللمبة وغيرها، كان وغداً جداً، وكان شرهاً جداً للمال، كان يُحِب المال حُباً جنونياً، وعنده فصل يُمكِن أن تُراجِعوه وأن تروه في تاريخه، وهو من أبشع الفصول، مع مَن؟ مع العالم كرواتي الأصل – العالم النابغة، أكثر مُؤرِّخي العلم يقولون لكم هو أعظم عقلية مِن ناحية علمية مِن مَن؟ مِن إديسون Edison، وأكيد هو كذلك – تسلا Tesla، أليس كذلك؟ تعرفون تسلا Tesla، إديسون Edison ضحك عليه وأكل حقوقه وما إلى ذلك، شيئ رهيب، شيئ من أبشع ما يكون، لكن يبقى إديسون Edison ماذا؟ إديسون Edison، عقل جبّار ومُخترِع كبير، فالعلم ليس له علاقة بما قلنا.
أختم أخيراً بمحمد عبد السلام – رحمة الله عليه -، هل تعرفونه؟ هذا العالم باكستاني، أخذ نوبل Nobel في تسعة وسبعين، لأن عنده الكثير من الجهود الجبّارة مع اثنين آخرين أخذا نوبل Nobel أيضاً في توحيد القوى الكهرومغناطيسية مع القوى النووية، وحَّدوا بينهما، أي إن هذه النظرية على طريق نظرية كل شيئ، Theory of everything، المعروفة بــ TOE، لذا هؤلاء أخذوا نوبل Nobel،
إذن عندكم محمد عبد السلام، وقد التقيت به، ولي حتى صورة معه، هو رجل مُؤمِن، ويبكي حين يسمع كلام الله، مُؤمِن بالفعل، وقد ألقى مُحاضَرة عن النسبية والكم والتوحيد بينهما أيضاً، وكان فيها الطابع الإيماني واضحاً جداً، ولكن محمد عبد السلام – كما قلنا – أخذ نوبل Nobel وتقاسمها مع اثنين، أحدهما مُلحِد كبير، ولا يزال حياً إلى اليوم، وهو مُلحِد! وهو مَن؟ ستيفن واينبرج Steven Weinberg، أي هؤلاء الثلاثة اشتغلوا في الحقل نفسه وعلى النظرية نفسها ثم تقاسموا الجائزة نفسها – طبعاً التعبير الدقيق هو اشتغلوا في الحقل نفسه وعلى النظرية نفسها ثم تقاسموا الجائزة نفسها، وليس اشتغلوا في نفس الحقل وعلى نفس النظرية ثم تقاسموا نفس الجائزة، هذا كله غير دقيق، هذا لحن – وكان محمد عبد السلام مُؤمِناً، وستيفن واينبرج Steven Weinberg كان ولا يزال مُلحِداً، هو تقاسم معه الجائزة نفسها أو الجائزة ذاتها، لكن هذا مُؤمِن عميق الإيمان، وهذا مُلحِد شرس الإلحاد، ما رأيكم؟ هذا يعني أن العلم على ما يبدو بحد ذاته ليس له علاقة بهذه الأمور، أليس كذلك؟ ليس له علاقة بإيمان وإلحاد، بصلاح وطلاح، وبوغادة ونُبل، ليس له علاقة، ليس له علاقة أبداً! لماذا إذن؟
لأن العلم يا إخواني كما قلت – والآن سنقول ما هو أكثر من هذا – هو ماذا؟ عمد إلى الظاهرة الطبيعية المادية في عالم الشهادة بمنهج مُحدَّد مُتاح للجميع، للصيني، للكونفوشيوسي، للبوذي، لليهودي، للمُسلِم، للمُلحِد، للذكر، للأُنثى، للكبير، وللصغير، لكل واحد! يُمكِن لأي أحد أن يستعمله، هو أداة يا أخي، السكين – مثلاً – هل تفعل في يد المُسلِم وتلتوي في يد البوذي – مثلاً -؟ هل تقول له لا، أنت بوذي، لن نذبح دجاجة بك؟ هل تقول السكين هذا بوذي طيب ورحيم، لكن هذا الهندوسي ليس كذلك، ثم تلتوي في يديه؟ ستذبح! وهناك هندوس ذبحوا مُسلِمين، أليس كذلك؟ لكن هؤلاء قلة، وهناك بوذيون ذبحوا مُسلِمين، وأنتم ترون ماذا يحصل حالياً، فهذا عادي وهو يحدث، وكذلك الحال نفسه مع البندقية هذه، هل تقول لك لا، في يد البوذي أنا لا أشتغل؟ نفس الشيئ، المنهج العلمي مثل البندقية ومثل السكين وما إلى ذلك، أداة!
ولذلك فرانسيس بيكون Francis Bacon سمى كتابه في الفلسفة التجريبية الجديدة ماذا؟ سماه ماذا؟ Novum Organum، أي الأداة الجديدة، ذكي! لأن هذه أداة، علم المنطق – الــ Logic – المُسلِمون كيف عرَّفوه؟ قالوا لك هو أداة، يعصم كذا وكذا، أداة! هو أداة، فعلاً مثل السكين ومثل البندقية وما إلى ذلك، الأداة أداة، ولذلك العلم علم، فالدواء هو هناك دواء وهو هنا دواء، وطبعاً هناك أشياء بسيطة وفروقات، لكن لها علاقة أيضاً بقضايا علمية، بأشياء لها علاقة بالجينات Genes وبالأعراق، لكن هي قضايا علمية أيضاً، ليست قضايا أخلاقية ودينية وروحية، قضايا علمية بحتة ومادية، مادية! لكن عموماً الدواء هنا مثل الدواء هناك ومثل الدواء هنالك، أليس كذلك؟ القنبلة تنفجر هنا وتنفجر هناك وتنفجر هنالك، أليس كذلك؟ الجاذبية تشتغل هنا وتشتغل هناك وتشتغل هنالك، نفس الشيئ! لا يُمكِن إلا هذا، العلم علم يا حبيبي، لا يُمكِن إلا هذا، أليس كذلك؟ حين تأخذ المقراب أو التلسكوب Telescope تتمكَّن من رؤية المشتري – مثلاً -، حين تقف بعيداً وتأخذ التلسكوب Telescope ستتمكَّن من رؤيته أيضاً، لو وقفت في أي مكان وأخذت التلسكوب Telescope سوف تراه، نعم سوف تراه من زوايا أُخرى، لكنك سوف تراه، لا يُمكِن أن يكون هذا الشيئ خاص بكم، لا يُمكِن أن تروا أشياء نحن لا نراها، سوف تراه رغماً عنك، ضع عينك هنا – أي أمام التلسكوب Telescope – وسوف تراه، هذا علم! هل هذا واضح؟
هناك ما هو أكثر من هذا، نرجع إلى القرآن الكريم، لأننا – كما قلنا – نتحدَّث بطريقة توضيح البدهيات، وأصعب الصعوبات توضيح الواضحات وتبديه البدهيات على أنها بدهيات، أي هي واضحة جداً، مثل البدهيات، لكن هذا التعبير سنستخدمه قليلاً، هؤلاء الناس يتكلَّمون بطريقة يُحاوِلون أن يُفهِموكم بها أن غير المُسلِمين لا ثقة بعلومهم، العلم عند المُسلِم التقي القرآني، الذي يأخذ علمه من كتاب الله، هذا الثقة به، لكن هذا كذب كذب كذب، إلى انقطاع النفس، وغلط غلط غلط غلط، إلى انقطاع الدهر، لماذا إذن؟ القرآن الكريم نفسه ماذا قال؟ قال مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ ۩، قال إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ۩ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ۩، أليس كذلك؟ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ۩ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ۩، قصة كبيرة! قال عن هؤلاء جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ۩، ما معنى جَابُوا ۩؟ قطعوا، قطعوا الصخور، أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ۩ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ۩، بنايات! انظر إلى الحجر ومدائن صالح، انظر إلى البتراء، انظر إلى كذا وكذا، هؤلاء الذين أهلكهم الله – أخبر أنه أهلكهم ودمَّر عليهم ودمدم عليهم – كانوا مُسلِمين مُوحِّدين أم وثنيين كافرين؟ كافرين، هذا يعني أن الكفر والوثنية والإلحاد لا تحول بين أصحابها وبين اقتباس ماذا؟ العلوم والمدنية والهندسة والحضارة، هذا مُمكِن، عادي! مُلحِد كافر يعمل لك بناية، أنت كمُسلِم لا تقدر على أن تعملها حالياً، لا تقدر! عنده أدوات وعنده كذا، لم يقل أحد إن الفراعنة كانوا مُؤمِنين ومُوحِّدين حين بنوا الأهرامات، وهي إحدى أعاجيب الدنيا السبعة، أليس كذلك؟ كانوا وثنيين كفّاراً، واحد منهم قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ۩، لكن عندهم شيئ رهيب، رهيب فعلاً! أليس كذلك؟ آية من آيات الله، فهذا عملوه في العالم الإنساني، عملوه! وهذا مُستمِر إلى يوم الناس هذا، أليس كذلك؟
الاتحاد السوفيتي حين كان مُلحِداً – يُنكِر الآلهة والأرباب والرُسل والأنبياء، كل هذا عنده يُعَد كلاماً فارغاً – حدث نفس الشيئ، فجَّروا الذرة وصنعوا القنابل والصواريخ البالستية والطائرات، كل شيئ! والعلوم عندهم كانت كثيرة، لا تُوجَد علاقة، ليس هناك أي علاقة، هل هذا واضح يا إخواني؟
القرآن الكريم ماذا قال؟ كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ – يعني المُؤمِنين – وَهَٰؤُلَاءِ – يعني الكفّار – مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ۩، أليس كذلك؟ بالمُناسَبة انظر إلى أي درجة بلغ الانتحار، وأنا حين أقول هذا انتحار لا أُبالِغ، نعم أنفعل، لكنني لا أُبالِغ حتى في ألفاظي، هذه ليست مُبالَغة، أقول هؤلاء ينتحرون، وهم ينتحرون، فعلاً ينتحرون، هذا انتحار فكري، وهو عبارة مُهذَّبة عما أُسميه الهبل والهوس والهذيان والتخريف، ينتحرون! هل تعرفون كيف ينتحرون؟ كما قلنا كل شيئ يُمكِن أن يُختبَر، من ثمارهم – قال المسيح – تعرفونهم، من ثمارهم تعرفونهم، دعونا نرى! وبالمُناسَبة قد يقول لي أحدهم ما هذا؟ هذا منهج مادي – أي من ثمارهم تعرفونهم والتجربة والاختبار وما إلى ذلك -، لكن نحن ليس عندنا هذا، عندنا تسليم بكلام الله، وهذا غير صحيح، هذا منهج رباني، مرة أُخرى أيضاً، وهو منهج قرآني، مَن يقول لي أين هذا إذن؟ أين القرآن قال لك أنت بالتجربة تعرف الصح والغلط؟ يُوجَد شيئ اسمه العبرة والعظة والعاقبة، أليس كذلك؟ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ ۩، فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ۩، أليس كذلك؟ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۩، ما معنى العبرة والعظة والعاقبة؟ الاختبار بماذا؟ بالنتائج، اختبار بالنتائج! المسيح قال من ثمارهم تعرفونهم، إنك لا تجتني من الشوك العنب، هو يزرع شوكاً ويقول لك هذا عنب، أحلى عنب! تقول له يا رجل هذا شوك، لكنه يقول لك هذا عنب وسوف ترى هذا، لكن في الأخير يتضح أنه ماذا؟ شوك، حسك، مثل حسك السعدان، فتقول له يا حبيبي تفضَّل، أهذا عنبك؟ كُله، هيا! كُل عنبك هذا، أليس كذلك؟ شخص آخر يزرع عنباً، لكن آخر يقول له لا، هذا شوك، فيقول له انتظر، وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ۩، فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ ۩، فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ ۩، يتضح أن هذا عنب، تفضَّل، هذا ليس شوكاً، هل هذا واضح؟
يُوجَد سؤال الآن، هناك مَن قال لا، لا ثقة إلا بعلم القرآن، وإلا بما يُؤخَذ من القرآن، ولا علم أصلاً إلا في القرآن، وهؤلاء لا نُعوِّل على علومهم، جميل جداً جداً! هذه فرضية، أنا أحترمك، وأحترم فرضيتك هذه، على الأقل إلى الآن، هيا نختبر، مع أن التاريخ كما قال إريك فروم Erich Fromm أكبر مُختبَر للبشرية، أليس كذلك؟ أنت يُمكِنك أن تختبر حيواناً أو تختبر ظاهرة أو تختبر كذا، لكن هناك مُختبَر كبير – Labor كبير هكذا – لمَن؟ للبشرية، أين هو هذا؟ اسمه ماذا؟ التاريخ، أي الــ Geschichte أو الــ History بالإنجليزية، اقرأ التاريخ وسوف تفهم أنت، وكما قلنا عبر التاريخ ثبت وتأيَّد أن العلم والهندسة والبناء والعمران والصناعة ليست حكراً على مَن؟ على المُوحِّدين، بل هي مُشاعة، هذا غير محظور، هذا للمُوحِّد وللكافر المُجدِّف، أليس كذلك؟ والواقع يُؤيِّد هذا، قد نرى شخصاً جاء لكي ينتحر، جاء لكي يقول لنا أنا أدّعي أن الكفّار لا يتناسلون، مَن كفر بالله وأنكره لا يتناسل، نحن سنقول له حلو وجميل، هذه فرضية قابلة لماذا؟ للدحض، هذه من المُمكِن أن تُدحَض، قابلة للدحض! دعنا نرى بالله عليك هذا، دعنا نرى أُناساً أعلنوا بإلحادهم وعاشوا ملاحدة، بالمرة لم يُؤمِنوا لا برب عيسى ولا برب موسى ولا برب محمد، هل تناسلوا؟ طبعاً تناسلوا، هذا عنده سبعة أولاد وهذا عند ولدان وهذا عنده كذا، هذا يعني أن كلامك هذا مُجرَّد كلام فارغ، (هجص) فارغ كما يُقال، لا تُوجَد علاقة بين التناسل وبين ماذا؟ وبين الإيمان والكفر، نفس الشيئ بالنسبة لفرضية أنه مُؤمِن وعنده علم بالكونيات والطبيعيات وما إلى ذلك، وأن هذا كافر وليس عنده أي علم، التاريخ كله يُثبِت أن هذه الفرضية باطلة، الواقع المُهيمن الرهيب الذي نعيشه مع الهوة السحيقة التي بيننا وبينهم يُؤكِّد أن فرضيتك هذه أيضاً غير صحيحة، هم على الأقل من منظورك ليسوا مُسلِمين ولا مُوحِّدين ولا مُؤمِنين بالله، وعندهم علوم لا أول لها من آخر، وهذه العلوم يا مولانا هي التي تُمكِّنك من أن تبث مشاهدك على التلفزيون Television وعلى الفضائيات وعلى اليوتيوب YouTube، أليس كذلك؟ تُمكِّنك من أن تُوصِلها إلينا وأن تسمع كلامنا وأن تُسجِّله بأجهزة التسجيل، بعلومهم – والله – وليس بعلومك التي تدّعي أنك أخرجتها من كتاب الله، وهي ليست عندك، لم تعمل أنت من كتاب الله أي شيئ إلى الآن، ولن تعمل، أنا أعدك، لن تعمل! ستقول لي كيف؟ هل إلى هذه الدرجة كتاب الله جديب؟ حاشا لله، كتاب الله ليس كذلك، لكن هل تعرف ما أقصى ما يُمكِن أن يُعطيك إياه؟ كما قلت تلميحات، إشارات، وإلهامات، يُمكِن أن يُلهِمك، تقرأ آية مُعيَّنة فتقول هذا هو، هذا – والله – مُمكِن، وهذا صح طبعاً، لأنه من عند الله، لكن – انتبه – الآية لا تُعطيك النظرية، يستحيل! النظرية تحتاج إلى شغل طويل مُعقَّد وكبير جداً، قد يستمر سنوات طويلة، أليس كذلك؟ ويخضع – كما قلت – لمُوازَنات ونقود المُجتمَع العلمي ومُراجَعات الأقران، قصة كبيرة ومُعقَّدة، لكن البداية كانت من أين؟ أن القرآن ألهمك.
وبالمُناسَبة هل غير المُسلِمين – لن أقول الكفّار، لأن هذه العبارة خطيرة جداً، كيف أقول الكفّار؟ أقول غير المُسلِمين، وغير المُسلِمين منهم مُؤمِنون على طريقتهم بالمُناسَبة – تأتيهم إلهامات؟ تأتيهم كثيراً جداً، وهم يعترفون بهذا، اذهب وابحث أنت، هناك كُتب مكتوبة عن هذا، هناك كُتب مكتوبة عن الإلهام في العلم، وهي لفلاسفة في العلم، دور الــ Inspiration أو الإلهام واضح، وطبعاً يُمكِن أن نتحدَّث عن دور الحدس، لكن هذه قضية ثانية، أي الــ Conjecture أو الـــ Intuition وما إلى ذلك، هذه قضية ثانية، لكن هناك الإلهام، والإلهام في المنظور الإسلامي من أنواع الوحي، إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ ۩، هذا وحي إلهام، اسمه وحي إلهام، إن روح القدس نفث في رُوعي – ليس رَوعي، وإنما رُوعي، أي قلبي -، وهذا إلهام، هذا اسمه ماذا؟ الإلهام، هذا كثير جداً، ومنهم علماء يحملون جائزة نوبل Noble وهم أحياء إلى الآن، قال لك أحدهم أنا بصراحة رُغم أنني اشتغلت كثيرة جداً جداً جداً في هذا الحقل وفي هذا الموضوع إلا أن المُشكِل لم يُحَل معي إلا بإلهام، قمت من النوم ذات صباح، ولمع أمامي شيئ لأول مرة، لم يخطر لي على بال، وكان هو الحل، يعترفون بهذا وهم موجودون، يُمكِن أن تراهم على اليوتيوب YouTube، علماء يحملون نوبل Noble وهم أمريكان، أنا رأيت على الأقل بعض الأمريكان منهم، وأينشتاين Einstein اعترف بهذا.
أونري بوانكاري Henri Poincaré – عالم الرياضيات الفرنسي العظيم، العرب يُسمونه بوانكاريه، لكن هو بوانكاري، اسمه أونري بوانكاري Henri Poincaré، أي هنري بوانكاريه – اعترف بهذا وحدَّثنا عنه، كثير من العلماء اعترفوا به، أنا عندي كتاب بالإنجليزية عن أينشتاين Einstein والإلهام، تخيَّلوا! كتاب كامل عن موضوع الإلهام في العلم وأينشتاين Einstein، قصة كبيرة! الآن هذا الإلهام من أين يأتي؟ من الغيب، من فضل الله، يُمكِن لو أردنا أن ندخل قليلاً الآن في فلسفة لا يحذقها ولا يعرفها ولا يحترمها مَن يقول لكم كل شيئ في القرآن وبحسب ما نفهمه نحن هكذا من غير أن نقرأ تراثات البشر، لا من المُسلِمين ولا من الكفّار، لا يهمنا كل هذا، نحن وحدنا هكذا سنذهب إلى القرآن الكريم، هؤلاء لن يحترموا الفلسفة هذه، وليس لهم علاقة بها، ما هي؟ تقول إن العلم نفسه، السعي العلمي – ليس حتى الــ Science فقط، بل والسعي العلمي أيضاً – السعي المعرفي، طلب المعرفة، طلب أن تفهم، طلب التفسير، طلب التعليل، طلب توصيف ما يحدث، وطلب البحث عن القانون والكشف عن القانون أو الدستور الحاكم على الظاهرة الطبيعية – أنا أقول لكم قرآنياً بحسب ما أفهم ديني -، هذه كلها أشياء من أثر النفخة الإلهية فينا، وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ۩.
الله – تبارك وتعالى – هو العلّام وهو العليم، على قدر ما يُوجَد من نشاط وعرام من هذه النفخة الإلهية فيك يُوجَد عندك ماذا؟ جنون العلم والمعرفة، واسأل أي واحد فعلاً جرَّب هذا الجنون بل عاش به، هو لم يُجرِّبه، هو يعيش به، كل العلماء الكبار، كل الفلاسفة العظام، وكل المُفكِّرين من الوزن الثقيل الوازن، كل هؤلاء مجانين معرفة، بمعنى الكلمة! الواحد منهم مجنون معرفة، يشتغل مُخه حين ينام، حين يستيقظ، وحين يحلم، في كل لحظة مُخه يشتغل! قد تقول لي ماذا عن مُتع الحياة؟ لا تهمه مُتع الحياة، ولا يُلقي إليها بالاً.
هناك عالم اسمه هوفمان Hoffmann – أعتقد رولد هوفمان Roald Hoffmann -، حصل على نوبل Noble أيضاً في الكيمياء، وهو أمريكي، له مقطع على النت Net يُمكِن أن تروه، هو عالم جميل وراقٍ، وقد أخذ نوبل Noble قبل عقود في الكيمياء، هل تعرفون ماذا يقول؟ يقول لكم أنا أعتبر – علماً بأنه ليس وحده مَن يقول هذا، مُعظَم العلماء قرَّروا هذا وفي رأسهم أينشتاين Einstein – أن العلم نشاط روحي، يقول لكم العلم بالنسبة لي هو نشاط روحي، هو ذو طابع روحاني، لا تظنوا أن العلم مادي، وهو يتحدَّث عن العلم بمعنى الــ Science، انتبهوا! ليس عن فلسفة ميتافيزيقية أو عن علم حتى في اللاهوت، لا! عن العلم الذي هو الــ Science، يقول لكم هذا العلم ذو طابع روحاني، كيف إذن هذا؟ اشرح لنا يا مولانا هوفمان Hoffmann؟ هو يحمل نوبل Noble، أي هذا الرجل، يحملها في الكيمياء، في الــ Chemistry.
قال لكم أنا قد أُعَد فقيراً – الله أعلم في ماذا أنفق المليون ونصف الذي حصل عليه، يبدو أنه تصدَّق بهذا المبلغ وما إلى ذلك، وربما أنفقه في البحث العلمي، لا نعرف! لكنه قال أنا قد أُعَد فقيراً أو شبه فقير -، آخر ما يعنيني المال، هو قال هذا، يا أخي ما أحلى الرجل هذا! والله كان يتكلَّم دون أن يرتدي حتى كرافتة مثلي، لم يلبسها، وهو رجل كبير، قال آخر ما يعنيني المال، لكن الذي كان يعنيني باستمرار المسائل العلمية، الأسئلة العلمية، والوصول إلى حل وجواب عن هذه الأسئلة التي تشغلني باستمرار، مثل ماذا؟ قال، وهذا له علاقة بالمسألة التي أخذ عليها نوبل Noble، قال مثل التموضع الجُزيئي، كيف هذا إذن؟
قال لماذا بالذات أول أكسيد الكربون Carbon Monoxide يرتبط بهيموجلوبين Haemoglobin الدم؟ لماذا؟ وهذه الظاهرة ليست جيدة، هذه ظاهرة تجعل الإنسان يتعرَّض إلى الموت لو ذهب واستنشق مُباشَرةً – أي بشكل مُباشِر – من عدم السيارة، يُمكِن أن تموت لو فعلت هذا، لأن أول أكسيد الكربون Carbon Monoxide مُباشَرةً يرتبط بالحديد Iron في الهيموجلوبين Haemoglobin، أي في اليحمور هذا الخاص بالدم، وطبعاً يرتبط الكربون Carbon والأكسجين Oxygen في أول أكسيد الكربون Carbon Monoxide مع الحديد Iron في الهيموجلوبين Haemoglobin بشكل غير مُتصافِف ومُتراصِص، يرتبط بشكل مُلتوٍ، هذا هو التموضع الهندسي، قصة في الهندسة هذه! قال بشكل مُلتوٍ، وهذه التي تُسبِّب ظاهرة الاختناق والموت، قال حين وصلت إلى الحال كانت هذه أسعد لحظة في حياتي، لا تهمني نوبل Noble ولا يهمني أن تُعطيني قصور الدنيا ولا نساء الدنيا، هذا الذي أُريده.
هناك أُناس يظنون أن العالم مدفوع بماذا؟ بحُب الشُهرة، أن يُعرَف، أو أن يأخذ نوبل Noble، أو أن تأتي إليه الأموال، لا! هذا لا يهمه، انتهى الأمر، هو قال لك أنا أُريد أن أعرف، وحينها يُمكِن أن تُميتني حتى، وأنا سأموت راضياً، الحمد لله، انتهى! يُمكِن أن أموت في هذه اللحظة التي أعرف فيها دون أن يهمني أي شيئ، أرغب في أن أكتب هذا للبشرية ثم أموت، ما هذا؟ ألا ترى أن هنا يُوجَد شيئ روحاني؟ هل يُوجَد هنا شيئ روحاني أم لا يُوجَد؟ يُوجَد شيئ روحاني هنا، يُوجَد شيئ مُتجرِّد، يُوجَد شيئ فوق المادة، أليس كذلك؟ وفوق ضرورات المادة والتفكير المادي، مسألة غريبة تحدث.
هناك النظرية الماركسية، لكن فقط احتملوني، هيا نتحدَّث عن هذا الأمر، غفر الله لنا، نحن ندخل – كما قلت لكم – في أشياء وفلسفات كثيرة، وهذه قصة طويلة تأخذ الوقت كله، لكن سنرجع إلى موضوعنا فيما بعد، الماركسيون كيف يُفسِّرون العلم؟ أنتم تعرفون النموذج المادي الاقتصادي، قالوا لكم العلم مُؤسَّسة، العلم ماذا؟ مُؤسَّسة إنسانية اجتماعية، مثل كل المُؤسَّسات، مثل الدين، مثل الزواج، ومثل المُؤسَّسات الاجتماعية الأُخرى، مُؤسَّسة! هم يُسمونها حتى في علم السوسيولوجيا Sociology مُؤسَّسة، ليس بناءً وإنما هو مُؤسَّسة، هو مؤسَّسة، أي العلم، تتحرَّك بدوافع واعتبارات اقتصادية، فقط! الاقتصاد هو المُحرِّك لكل شيئ، كيف يا ماركس Marx؟
ماركس Marx نفسه – أي كارل ماركس Karl Marx – قال لك انظر إلى الآتي، اليونانيون توصَّلوا إلى طاقة البخار، وهذا صحيح، هناك دلالة تُؤكِّد أن اليونانيين فعلاً توصَّلوا إلى الشيئ هذا، أن البخار عنده طاقة ويُمكِن أن تستخدم في التحريك وفي أشياء مُعيَّنة، ولكنهم لم يصنعوا بها أي شيئ مُتحرِّك، لم يصنعوا لا قاطرة ولا قرقوراً في البحر أو سفينةً ولا أي شيئ أبداً أبداً، لماذا؟ ماركس Marx فيلسوف، مُفكِّر الرجل، وهو ذكي بلا شك، قال لك لأن كان عندهم طاقة العبيد، وهم كانوا يُحِبون هذا الوضع، العبيد كانوا مُتوفِّرين، وبسعر شبه زهيد جداً جداً جداً، وفي نفس الوقت كانت السُلطة تُمارَس، بشر يُمارِس سُلطةً على بشر، هناك مُتعة، انظر إلى الإنسان، البشر هكذا! لدى الإنسان رغبة في أن يستعبد الناس، هيا! هؤلاء الذين يتحرَّكون، ويُحرِّكون كل شيئ.
وهذا تفسير مقبول إلى حد ما، يُفسِّر أشياء ولا يُفسِّر أشياء أُخرى، تفسير ماركس Marx هذا هل يُفسِّر لنا حالة هوفمان Hoffmann؟ أبداً، هل يُفسِّر لنا حالة أينشتاين Einstein حين فكَّر في النسبية؟ هو فكَّر وقال ماذا لو نحن ركبنا شعاع الضوء؟ ماذا لو مشى بنا شعاع الضوء؟ ماذا سيحدث للزمان والمكان والأطوار وما إلى ذلك؟ هذا موضوع لم يكن له علاقة بأي دافع اقتصادي، ولم تقترح أي مُؤسَّسة هذا البرنامج الدراسي على أينشتاين Einstein لكي يُفكِّر فيه، فقط هناك فضول علمي عندي أينشتاين Einstein، وهو في الثانوية كانت عنده الأشياء هذه، ودائماً كان يُدغدِغ خياله السؤال هذا، ماذا لو ركبت شعاع الضوء؟ ماذا لو انطلق بي الشعاع هذا؟ ما الذي سيحدث؟ شيئ رهيب، هذا سؤال مجنون، أليس كذلك؟ ثم أخرج لنا النسبية الخاصة والعامة، شيئ رهيب الرجل هذا، هذا فضول علمي بشري، ليس له علاقة بما قاله ماركس .Marx
كما قلت لك ابحث في العلماء والفلاسفة ومَن مثلهم كأفراد، مُعظَمهم يقول لك أنا لا يعنيني لا الاقتصاد ولا السياسية ولا التكنولوجيا، يعنيني أن أفهم وأن أعرف، الرغبة هذه في الفهم هي التي تجعل – كما قلنا – العلم ذا طابع ماذا؟ روحاني، هذا من كرم الله – تبارك وتعالى – على العلماء، فهو قد يُلهِم الواحد منهم وهو نائم أو من خلال رؤية زهرة أو من خلال التفكر في زلطة هكذا على شاطئ البحر، وهذا الذي حصل مع هايزنبرغ Heisenberg في كتابه الجُزء والكل، رأى زلطة هكذا، فأتت له فكرة في فيزياء الكم، وقال لك هذا مضبوط، هل هذا كله بسبب زلطة؟ نعم، بسبب زلطة صغيرة هكذا.
جالين Galen – العرب يُسمونه جاليونس Galenus، واسمه جالين Galen، أنت تعرف جاليونس Galenus، الطبيب والعالم الكبير في الطب والنبات وما إلى ذلك – قال لك هناك الكثير من الأدوية توصَّلت إليها، كيف توصَّلت إليها؟ ليس بالتجربة وما إلى ذلك، تأتيني في الرؤيا، رؤيا منامية، هذا كشف إلهي، الله يُريد هذا، مَن يُنكِر الآن أن هذه العلوم القديمة والحديثة التي عُرِفت على يد ملاحدة ويهود ونصارى وكونفوشيوسيين وبوذيين ومُسلِمين وغير مُسلِمين البشرية كلها الآن تسعد بها وتعيش في ظلها وتهنأ بها؟ لا أحد يُنكِر، أليس كذلك؟ مَن يقول لي إن هذا لم يكن مُراداً لله – تبارك وتعالى -؟ الله يُريد هذا، الله يُريد أن يدعم مشوار البشرية، يُريد أن يدعم مشوار العلم.
حين قال للملائكة إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۩ وما إلى ذلك قالوا له لماذا؟ لماذا؟ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۩، لو الحكاية تتعلَّق بالتسبيح والتقديس نحن على مدار الأربع والعشرين ساعة نفعل هذا يا رب، قال لهم ليس هذا هو المُراد، أنا عندي مسألة ثانية، أنا عندي خُطة أُخرى وغاية أُخرى، أنا أُريد أن أخلق كائناً، أنفخ فيه من روحي بعد أن أسويه، وحين أنفخ فيه من روحي ماذا سيحدث له؟ ستشتعل في باطنه نار المعرفة وفضول المعرفة، سيبدأ يُقلِّب كل الأحجار ويفتح كل الأبواب ويطرح كل الأسئلة، ثم يكتشف ماذا؟ الطريقة التي أبدعت بها الوجود، وحرَّكت بها العالم، وقوننت بها الظاهرات التي أقود بها عوالمي، سيكتشفها الإنسان هذا، علماً بأن عندي الكثير من الخُطب في الموضوع هذا، وقد أتيت فيها باستشهادات كثيرة لعلماء كبار، بما فيهم هوكينج Hawking قبل إلحاده، كان يقول أنا كل علمي هذا – وأخذ هذا عن أينشتاين Einstein، هو يُعيد أينشتاين Einstein تماماً – وكل أبحاثي هذه أُحاوِل أن أنفذ إلى عقل الله لكي أرى كيف يُفكِّر عبرها، وهذا فعلاً العلم، هذا العلم، أنت تُحاوِل أن تفهم كيف خلق الله هذه الأشياء وكيف يُديرها بالعلم، أليس كذلك؟ بالعلم! العلم هذا بمعنى العلم الشهودي أو العلم المادي، فهذه مسألة روحانية، هذا شيئ من الله – تبارك وتعالى -، يُعطيه حتى لغير المُسلِمين ولغير المُوحِّدين عن طريق الإلهام، يُوحي إليهم إلهاماً هكذا، لكي يدعم مشوار البشرية، وهو الذي وعدنا بهذا حين قال ماذا؟ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ۩ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ۩، قال لهم هذا المشوار الذي عندي، فالقضية تتعلَّق بالمعرفة والعلم واستخراج أسرار قوانين الوجود المادي، ثم بعد ذلك ربط هذا العالم ربما بعالم من ورائه.
(انتهى الجُزء الثاني من الخُطبة بحمد الله)
أقصد وجوب توازي المتدينين المسلمين مع العلم و الخوض فيه بكافة مجالاته فالدكتور نوّه عن حيادية العلم و أنه خاضع للتجارب و الاستنتاج حسب ما يرى العلماء من تجاربهم فإن الله ما دمدم على السابقين بسبب علمهم لا بل بسبب جحودهم بعد علمهم أما المسلم إذا بلغ من العلم ما بلغوا لن يحصد ما حصد الجحدة البطلة بل سيرفعه الله و سيصلح له شأنه كله و سيكون مستخدَماً في تقدم أمته و سبقها في الحضارة دونما تهديد من الله بالانتقام و الأخذ بغتة لأنه لن يفرح فرح الكافرين و غطرستهم بما أوتوا