أكثر ما يتفكر الإنسان و يذكرالله، عند شعوره بحاجته الماسة له ، ففي حالة المعافاة قد يغفل الإنسان عن الدعاء و التفكر بربه، فإذا شعر بحاجته ( فهو ذو دعاء عريض)، ذلك أن من طبيعة الإنسان أن تحركه حاجاته أكثر ما تحركه فتجد مثلآ أن عدد الفلاسفة في التاريخ البشري قليل، و كثير من الناس و لا بأس في ذلك يعبدون الله عبادة التجار و عبادة الحاجة له سبحانه و هو أهل لقضاء الحاجات جل جلاله و تقدست أسماؤه، و كل حاجاتنا متعلقة به سبحانه و لكننا من فضله و كرمه لا ندرك ذلك، لقد ضمن سبحانه ما لا يعد ولا يحصى من النعم لجميع خلقه سواء عبدوه أم لم يعبدوه، تصور لو أن عليك أن تسأل الله أن تتنفس مع كل نفس تأخذه أو تطلب منه أن يجعل قلبك يدق مع كل دقة، أو أن تطلب منه أن يجعل الكلى تصفي الدم من الشوائب، إن لا أحد يستطيع ذلك، ما أجهلنا بكرمك يا كريم، ما أجهلنا بلطفك يا لطيف، ما أجهلنا… نأخذ نعمك علينا مسلمات و ليست كذلك، بدون حفظك يا حافظ قلما ننجو ليوم واحد و لا ندرك ذلك، إنك يا عظيم لإله تُعبَد.
من أكثر أسماء الله استعمالآ على تصوري غير الدقيق و غير المبني على حقائق أو دراسات و إنما افتراض، أقول قد يكون أكثر أسماء الله استعمالآ من قبل الناس، الرزاق، المغني، المعطي، القوي، العزيز، و أحيانآ المنتقم الجبار، فالإنسان يريد المزيد من الرزق و النعم، يريد القوة و السلطة و التمكين، يريد الإنتقام و نصر الله على من عاداه و ظلمه.
إن معرفة أسماء الله كلها من أعظم العبادات، و هذا مرتبط بالنعيم الذي تحدث عنه العُباد بأن (لو علمه الملوك لقاتلونا عليه بالسيوف)، إنها الجنة للمؤمن، إنها درب السعداء المتمتعين بلذة لا تعدلها لذة، لقد عرفوها فأدمنوها و لا عودة بعدها للمُبتذَل من النعم الأخرى فقد ذاقو حقيقة القرب منه سبحانه، المحروم مَن حُرمها.
تجد أولئك العارفين يجتهدون بدراسة أسماءه و صفاته العظيمة، يخلعون همومهم على أعتابه فتصغر و تتقلص أمامهم عظائم الأمور، يكفي المؤمن أن يرفع أكُف الضراعة كل يوم خمس مرات في تكبيرة الإحرام معلنآ أن الله أكبر، يا لحظ من وعى معناها و تَمثلَه فتتصاغر الدنيا كلها أمام عظمة الله و قدرته، الله أكبر من كل شيء، فلا هم و لا حزن، القوة النفسية له مضاعَفة و هو مرتاح و فاتح ذراعيه و مستعد لمواجهة العالم فالله الذي هو أكبر من كل شيء حوله معه، إنها سلاحه و ملاذه، هو مطمئن بها و لا يحزنه ما يحزن غيره ولا يخيفه ما يخيف غيره.
لماذا يأخذ زيد من الناس دواءً فلا يشفى و عمرو لديه نفس المرض و يأخذ ذات الدواء فيشفى؟!… إنه الشافي الذي يكتب الشفاء من عدمه لحكمة هو يعلمها سبحانه، إنه شافي القلوب و العلل يتغلغل في خلايانا فيشفيها ويدخل صدورنا فيشفيها، إنه يشفي صدور المؤمنين من الحقد و الغل و الرغبة بالإنتقام، إن الإنسان ينام و صدره مليء بالحقد على أخيه و يصبح مسامحآ فقد شفاه الشافي خلال نومه، لقد استأصل السم من قلبه و زرع فيه المسامحة و الرضا.
لقد ألهمك بحلول لم تكن تخطر لك على بال، فجأة تلمع فكرة في رأسك تخرجك من أصعب المآزق، سبحانه الذي له من الأسماء و الصفات ما هو شامل لكل حاجات عباده، (أليس ربك بكاف عبده)، الحاجات الظاهرة و الأساسية كالرزق و الشفاء و الرحمة و السلام و الإيمان و المغفرة تتجلى بحياتنا أيما تجلي، و أسماء و صفات الكمال ما فيه متعة الروح و العقل من مثل اللطيف الخبير المهيمن الماجد الظاهر الباطن.
سعيد هو من غاص في بحور أسمائه و صفاته سبحانه، إنه ذو حظ عظيم من كانت أسماء الله و صفاته شغله الشاغل فلا يستطيع إلا أن يربطها في كل مناحي حياته فيكون الله بدايته و منتهاه، الله يتجلى في يومه فيصحو على ذكره و يتغلغل الخبير في تفاصيل يومه، و يختم يومه قبل نومه بذكره سبحانه … لا عيشة له ولا هناء إلا بذكره جل في علاه فهو الأول و الآخر، فيه يذوب العارفون حبآ ويتيه العاشقون شوقآ، قربه يجعل لكل شيء معنى، معرفته تبعد اليأس و الخنا وتوسع المدارك و الأفق، به و منه نستمد القدرة على اجتراح المعجزات و تذليل الصعوبات و تحقيق الأمنيات.
يا من أعطيت الأشياء أسماءها، يا من أوجدت خلقك من العدم و أخرجتهم من الظلمات و دللتهم عليك و هديتهم إليك، يا من خفيت عنا لشدة وضوحك و حضورك في حياتنا، أسألك أن تأخذ بناصيتي و تمتعني بحبك و قربك، و تغفر لي قصوري و عجزي عن عبادتك مع إدراكي لعظمتك، فأنت الكريم الذي يطمع بكرمه الطامعون، أنت أهل لأن تعطي بلا سبب فأعطني رحمتك و رضاك بلا سبب، فأنا أهل للنقص و القصور أمام رب غفور شكور، وقفت على بابك يا عظيم و توسلت بمنتك و كرمك أن تغفر لي يا أعظم من حكم و يا أكرم من أعطى.
أضف تعليق