مع بداية القرن الهجري الحالي، عاش مجتمعنا المُقدِّمات لما سُمِّي بالصحوة الإسلامية، ولا أعلم على أي أساس شرعي أُطلق عليها هذا الاسم، لأن الصحوة تعني أن تكون بعد مرحلة النوم، وديننا المحفوظ من ربِ العالمين إلى يوم الدين لم ولن ينم أو يضمر، لكن يبدو أن البعض من الممتطين لصهوة الدين لتحقيق غايات دنيوية قد وجدوا أن أسرع وأيسر الطرق لتحقيق تلك الغايات هو أن يتمسَّحوا بالدين، كما فعل الكثير قبلهم، ولكن بعد مرور ما يقرب من أربعين عاما، اتضح أن تلك الصحوة قد أفرزت الكثير من الآثار المؤلمة كالقتل والتفجير والتكفير والتصنيف المذهبي، والأهم من ذلك أنها شوَّهت الصورة الناصعة لديننا الحنيف الذي يدعو للسلم والسلام، كما اتضحت المآرب الحقيقية وتحطمت أسوارها، لكن نحمد الله أن المُبشِّرات القادمة لعمليات التصحيح لما أفسدته تلك الصحوة قد لاح في الأفق من خلال تجديد الخطاب الديني لدى المؤسسات المعنية، ونتمنى أن تنحو كل منابر المساجد ذلك المنحى بما يتوافق مع الوسطية التي أمر بها ديننا الحنيف في قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)، فالدروس قد استوعبت لمحو الصورة المشوهة لديننا الحنيف، ولعل هذا ما لمسناه بصورةٍ مكثفة في شهر رمضان المبارك من خلال بعض البرامج التلفزيونية، والكوميديا الساخرة الرائعة في تقديمها أو حبكها، ومن أبرز تلك البرامج التي أستضيف فيها أبرز المُفكِّرين والمجددين المعاصرين للخطاب الشرعي، فعلى سبيل التمثيل لتلك البرامج لا الحصر، برنامج صحوة، الذي بثَّته قناة روتانا خليجية، وقدمه الدكتور أحمد العرفج ومعه الضيف الدائم الدكتور عدنان إبراهيم، وكذلك برنامج النبأ العظيم، الذي بثَّته نفس القناة من تقديم الأستاذ يحيى الأمير والضيف الدائم المفكر الإسلامي الدكتور محمد شحرور، الذي أرى أن جميع حلقات البرنامجين قد سلَّطت الضوء على مناقشة الكثير من القِيَم والسلوكيات المجتمعية الفاضلة، والكثير من المفاهيم المغلوطة للكثير من الآيات القرآنية الكريمة، التي انحرف تفسيرها عن مسار ومطالب ديننا الحنيف في عبادته المفروضة، كالصلاة التي نجد أنها يستوجب أن تُعزِّز الكثير من تلك السلوكيات الفاضلة، كالنظافة والنظام والتسامح، كما في قوله تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، والفحشاء هي كل ما قُبِّح من القول والفعل والمنكر، وكل المعاصي والرذائل، لكن المؤسف أن السلوكيات المُمَارَسَة خارج المساجد، وحتى داخل بعضها كالنظافة واحترام القدسية وارتكاب المعاصي وفحش القول تُمارَس بصورةٍ لافتة، وكذلك الحج الذي يحثّنا على النظام والتكافل والتراحم والطمأنينة، لكن المؤسف أن ذلك لا يتحقق بالصورة المأمولة، وخاصة عند قيام البعض من المتزمّتين بإحداث الخوف والبلبلة أثناء أداء الشعائر، أو بفرض بعض الممارسات الخلافية لتكون سلوك قسري بما يُعَدُّ مُخالفا لمطالب الحج، والسلوكيات التي يستوجب أن تبقى سلوكا مجتمعيا طوال العام، كما تم مناقشة الكثير من القضايا التعبّدية التي انحرفت عن مسارها الصحيح، وقد حاول الدكتور عدنان إبراهيم تفسير ذلك الخلل ومحاولة إيضاحه من خلال الاستدلال بالكثير من الآيات القرآنية الكريمة أو الأحاديث النبوية الشريفة.
وفي الختام، نسأل الله التوفيق للجميع لما فيه خير أمة الإسلام والمسلمين أجمعين. والله من وراء القصد.
أضف تعليق